بَكاكَ الفَضلُ وَالأَدَبُ اللُبابُ
بَكاكَ الفَضلُ وَالأَدَبُ اللُبابُ / وَعَمَّ المَشرِقين بِكَ المُصابُ
وَأَخلصَ في بُكائِكَ كُلُّ جَفنٍ / يمدُّ شَؤونَه قَلبٌ مُذابُ
وَطارَ البَرقُ يَحمِلُ رُزءَ مِصرٍ / كَأَنَّ البَرقَ في البَلوى غُرابُ
يَكادُ السِلكُ حِينَ نَعاكَ فينا / يُحَسُّ لَهُ مِن الأَلَم اِنتِحابُ
بُروقٌ إِن جَرَت شَرّاً فَصِدقٌ / وَإِن خَيراً فَآمالٌ كذابُ
نَصيبُ الشَرقِ مِنها كُلُّ رُزءٍ / يَطُولُ بِهِ عَلى الزَمَنِ العَذابُ
فَلَم نَصبِر لِخَطبٍ جَلَّ إِلا / أَتى خَطبٌ تُدَكُّ لَهُ الهِضابُ
مُصابٌ لَم يَدَع لِلشَيبِ حَزماً / وَلا عَزماً يَلوُذُ بِهِ الشَبابُ
تَسيلُ النَفسُ فيهِ لا المَآقي / وَتَنشَقُّ المَرائِرُ لا الثِيابُ
تَساءَلتِ العَواصِمُ ما دَهاها / عَشِيَّةَ سارَ بِالنَبأ الركابُ
وَعَزّى بَعضُها في الرُزءِ بَعضا / فَمَأتَمه المَمالِكُ لا الرحابُ
وَأَقبَلتِ الرَسائلُ عَنه تَتَرى / فَأَعيانا بِمَصرَعِهِ الجَوابُ
وَحَفَّ بِنَعشِهِ مِنهُم قُلوبٌ / وَإِن بَعُدَ المَزارُ بِهم فَغابُوا
فَكَم آسى جِراحَهمُ بِسِحرٍ / مَعانيهِ هِيَ الطِبُّ العُجابُ
وَقَد يُغنى المَريضَ حَنانُ آسٍ / وَتَشفى داءهُ الكَلمُ العِذابُ
تَبَيَّنَ داءهُم فَسَرى إِلَيهِ / كَما يَسري إِلى الظَمإِ الشَّرابُ
وعاشَ بِفِكرِهِ في كُلِّ أَرضٍ / فَلَيسَ لِفكرِهِ عَنها اِغتِرابُ
فَكانَ الشَرقُ مَوطِنه جَميعاً / وَكانَ لِمصرَ ما ضمِنَ الإِهابُ
حُسامٌ لَم يُثَلِّمهُ قِراعٌ / وَلَكن ضَمَّ صَفحتَه القِرابُ
وَلَيثٌ لَم يُحَطِّمهُ جِهادٌ / وَلَم يَخذُله في الهَيجاء نابُ
وَلَكن عاقَهُ قَدَرٌ مُتاحٌ / وَقَصَّرَ خَطوَهُ داعٍ مُجابُ
فَقصّرَ وَالبَراثِنُ مُشرَعاتٌ / كَأَنَّ القَبرَ حينَ حَواهُ غابُ
جِهادٌ لَم يَدَعهُ ثلثَ قَرنٍ / وَلِلآلامِ في الجسمِ اِنتِيابُ
تُغالطُ في الضَنى جِسماً سَقيماً / وَلِلقرطاسِ في يَدكَ اِضطِرابُ
يُواثِبُكَ السَقامُ فَلا تُبالي / وَلا يُلوي بِهِمَّتِكَ الوثابُ
وَينشُدكَ الطَبيبُ وَأَنتَ ماضٍ / لما تَبغي وَيَنصَحُكَ الصِحابُ
ظَلِلتَ تُجالدُ الأَوصابَ حَتّى / شَكا مِن عَزمِكَ الجسمُ المُصابُ
تَعَقَّدتِ المَشاكِلُ وَاكفَهَرَّت / وُجُوهُ الرَأيِ وَاِربدَّ السَحابُ
وَعادَ الأَمرُ مُلتَويَ النَواحي / لِمُبصِرِهِ كَما التَوتِ الشِعابُ
فَبَينا مِصرُ لِلأَهرام تُصغي / وَلِلشَعبِ اِنتِظارٌ وَاِرتِقابُ
إِذ الأَهرامُ تَبدُو في حِدادٍ / يُجلِّلُها سَوادٌ وَاِكتِئابُ
جَرَت أَنهارُها دَمعاً وَكانَت / مَوارِدَ بِالبَيانِ لَها اِنسِكابُ
لَقَد كُنتَ اليَقينَ لِكُلِّ شَكٍّ / فَمن لِلباحِثينَ إِذا اِستَرابوا
وَكُنتَ لَهُم إِذا ضَلُّوا صَواباً / فَأَعوَزَهُم لِغَيبتكَ الصَوابُ
وَكُنتَ كِتابَ نَهضَتِهم فَلَمّا / طَوَتكَ يَدُ الرَدى طوي الكِتابُ
صَحائفُ لِلقَضيَّةِ حافِظاتٌ / لِكُلِّ دَقيقَةٍ فيهنَّ بابُ
فُصُولٌ بِالعِظاتِ مُفَصَّلاتٌ / ضَوافٍ لَم يَشُبهنَّ اِقتِضابُ
تُطالِعُنا بِها في كُلِّ شَمس / سِماءٌ ما لِكَوكَبِها اِحتِجابُ
يُساجِل طَيرَها في كُلِّ صُبحٍ / غِناءٌ مِن يَراعِكَ مُستَطابُ
وَما مِن كاتِبٍ في الشَرقِ إِلا / إِلى ذاكَ اليَراعِ لَهُ اِنتِسابُ
فَكَم في مَهدِهِ زُعَماءُ شَبُّوا / وَفي أَفيائِهِ زُعَماءُ شابُوا
وَكَم في ضَوئِهِ سارَت شُعوبٌ / فَما ذُمَّ المَسيرُ وَلا الإِيابُ
تَقُودهُم قِيادَةَ أَلمعِيٍّ / يَرى في الأُفقِ ما خَبَأَ الضَبابُ
تُؤاتيهم إِذا حَسُن التَأَتّي / وَتَحفِزُهم إِذا جَدَّ الطِّلابُ
سجلٌّ لَم يَفُتهُ عَن زَعيمٍ / ثَباتٌ في الكِفاحِ وَلا اِنقِلابُ
وَلا مَن كانَ يَقصِدُ وَجه مِصرٍ / وَلا مَن هَمُّهُ جاهٌ يُهابُ
بِهِ مِن عِبرَةِ الماضي كُنوزٌ / وَمِن تاريخِ ساسَتِنا عُبابُ
لَدَيهِ لِكُلِّ مُشكِلَةٍ قِياسٌ / وَفيهِ لِكُلِّ داجِيَةٍ شهابُ
تَجارِبُ تَجمَعُ الأَجيالَ فينا / فَلَيسَ بِها عَلى آتٍ حِجابُ
مَلأتَ مَسامِعَ الأَيامِ ذِكراً / فَأَلسِنةُ الزَمانِ بِهِ رِطابُ
وَغَيرُكَ تُقفِرُ الأَوقاتُ مِنهُ / خَرابٌ ضَمَّ جُثتَهُ الخَرابُ
نَسيرُ إِلى التُرابِ بِعَبقَريٍّ / فَيا لِلَّهِ ما ضَمَّ التُرابُ
وَقَلبٍ صِيغَ إِخلاصاً وَوُدّا / وَجلُّ الناسِ وُدُّهُم خِضابُ
وَنفسٍ في الحُطامِ تَفيضُ زُهداً / إِذا اِقتَتَلَت عَلى العَرضِ الذِئابُ
وَمَن يَبغِ الخُلودَ سَما بِنَفسٍ / عَلى الدُنيا وَغايتُها الذَهابُ