المجموع : 8
أُنادي الرَسمَ لَو مَلَكَ الجَوابا
أُنادي الرَسمَ لَو مَلَكَ الجَوابا / وَأُجزيهِ بِدَمعِيَ لَو أَثابا
وَقَلَّ لِحَقِّهِ العَبَراتُ تَجري / وَإِن كانَت سَوادَ القَلبِ ذابا
سَبَقنَ مُقَبِّلاتِ التُربِ عَنّي / وَأَدَّينَ التَحِيَّةَ وَالخِطابا
فَنَثري الدَمعَ في الدِمَنِ البَوالي / كَنَظمي في كَواعِبِها الشَبابا
وَقَفتُ بِها كَما شاءَت وَشاؤوا / وُقوفاً عَلَّمَ الصَبرَ الذِهابا
لَها حَقٌّ وَلِلأَحبابِ حَقٌّ / رَشَفتُ وِصالَهُم فيها حَبابا
وَمَن شَكَرَ المَناجِمَ مُحسِناتٍ / إِذا التِبرُ اِنجَلى شَكَرَ التُرابا
وَبَينَ جَوانِحي وافٍ أُلوفٌ / إِذا لَمَحَ الدِيارَ مَضى وَثابا
رَأى مَيلَ الزَمانِ بِها فَكانَت / عَلى الأَيّامِ صُحبَتُهُ عِتابا
وَداعاً أَرضَ أَندَلُسٍ وَهَذا / ثَنائي إِن رَضيتِ بِهِ ثَوابا
وَما أَثنَيتُ إِلّا بَعدَ عِلمٍ / وَكَم مِن جاهِلٍ أَثنى فَعابا
تَخِذتُكِ مَوئِلاً فَحَلَلتُ أَندى / ذُراً مِن وائِلٍ وَأَعَزَّ غابا
مُغَرِّبُ آدَمٍ مِن دارِ عَدنٍ / قَضاها في حِماكِ لِيَ اِغتِرابا
شَكَرتُ الفُلكَ يَومَ حَوَيتِ رَحلي / فَيا لِمُفارِقٍ شَكَرَ الغُرابا
فَأَنتِ أَرَحتِني مِن كُلِّ أَنفٍ / كَأَنفِ المَيتِ في النَزعِ اِنتِصابا
وَمَنظَرِ كُلِّ خَوّانٍ يَراني / بِوَجهٍ كَالبَغِيِّ رَمى النِقابا
وَلَيسَ بِعامِرٍ بُنيانُ قَومٍ / إِذا أَخلاقُهُم كانَت خَرابا
أَحَقٌّ كُنتِ لِلزَهراءِ ساحاً / وَكُنتِ لِساكِنِ الزاهي رِحابا
وَلَم تَكُ جَورُ أَبهى مِنكِ وَرداً / وَلَم تَكُ بابِلٌ أَشهى شَرابا
وَأَنَّ المَجدَ في الدُنيا رَحيقٌ / إِذا طالَ الزَمانُ عَلَيهِ طابا
أولَئِكَ أُمَّةٌ ضَرَبوا المَعالي / بِمَشرِقِها وَمَغرِبِها قِبابا
جَرى كَدَراً لَهُم صَفوُ اللَيالي / وَغايَةُ كُلِّ صَفوٍ أَن يُشابا
مَشَيِّبَةُ القُرونِ أُديلَ مِنها / أَلَم تَرَ قَرنَها في الجَوِّ شابا
مُعَلَّقَةٌ تَنَظَّرُ صَولَجاناً / يَخُرُّ عَنِ السَماءِ بِها لِعابا
تُعَدُّ بِها عَلى الأُمَمِ اللَيالي / وَما تَدري السِنينَ وَلا الحِسابا
وَيا وَطَني لَقَيتُكَ بَعدَ يَأسٍ / كَأَنّي قَد لَقيتُ بِكَ الشَبابا
وَكُلُّ مُسافِرٍ سَيَئوبُ يَوماً / إِذا رُزِقَ السَلامَةَ وَالإِيابا
وَلَو أَنّي دُعيتُ لَكُنتَ ديني / عَلَيهِ أُقابِلُ الحَتمَ المُجابا
أُديرُ إِلَيكَ قَبلَ البَيتِ وَجهي / إِذا فُهتُ الشَهادَةَ وَالمَتابا
وَقَد سَبَقَت رَكائِبِيَ القَوافي / مُقَلَّدَةً أَزِمَّتَها طِرابا
تَجوبُ الدَهرَ نَحوَكَ وَالفَيافي / وَتَقتَحِمُ اللَيالِيَ لا العُبابا
وَتُهديكَ الثَناءَ الحُرَّ تاجاً / عَلى تاجَيكَ مُؤتَلِقاً عُجابا
هَدانا ضَوءُ ثَغرِكَ مِن ثَلاثٍ / كَما تَهدي المُنَوَّرَةُ الرِكابا
وَقَد غَشِي المَنارُ البَحرَ نوراً / كَنارِ الطورِ جَلَّلَتِ الشِعابا
وَقيلَ الثَغرُ فَاِتَّأَدَت فَأَرسَت / فَكانَت مِن ثَراكَ الطُهرِ قابا
فَصَفحاً لِلزَمانِ لِصُبحِ يَومٍ / بِهِ أَضحى الزَمانُ إِلَيَّ ثابا
وَحَيّا اللَهُ فِتياناً سِماحاً / كَسَوا عِطفَيَّ مِن فَخرٍ ثِيابا
مَلائِكَةٌ إِذا حَفّوكَ يَوماً / أَحَبَّكَ كُلُّ مَن تَلقى وَهابا
وَإِن حَمَلَتكَ أَيديهِم بُحوراً / بَلَغتَ عَلى أَكُفِّهِمُ السَحابا
تَلَقَّوني بِكُلِّ أَغَرَّ زاهٍ / كَأَنَّ عَلى أَسِرَّتِهِ شَهابا
تَرى الإيمانَ مُؤتَلِقاً عَلَيهِ / وَنورَ العِلمِ وَالكَرَمَ اللُبابا
وَتَلمَحُ مِن وَضاءَةِ صَفحَتَيهِ / مُحَيّا مِصرَ رائِعَةً كَعابا
وَما أَدَبي لِما أَسدَوهُ أَهلٌ / وَلَكِن مَن أَحَبَّ الشَيءَ حابى
شَبابَ النيلِ إِنَّ لَكُم لَصَوتاً / مُلَبّى حينَ يُرفَعُ مُستَجابا
فَهُزّوا العَرشَ بِالدَعَواتِ حَتّى / يُخَفِّفَ عَن كِنانَتِهِ العَذابا
أَمِن حَربِ البَسوسِ إِلى غَلاءٍ / يَكادُ يُعيدُها سَبعاً صِعابا
وَهَل في القَومِ يوسُفُ يَتَّقيها / وَيُحسِنُ حِسبَةً وَيَرى صَوابا
عِبادَكَ رَبِّ قَد جاعوا بِمِصرٍ / أَنيلاً سُقتَ فيهِمُ أَم سَرابا
حَنانَكَ وَاِهدِ لِلحُسنى تِجاراً / بِها مَلَكوا المَرافِقَ وَالرِقابا
وَرَقِّق لِلفَقيرِ بِها قُلوباً / مُحَجَّرَةً وَأَكباداً صِلابا
أَمَن أَكَلَ اليَتيمَ لَهُ عِقابٌ / وَمَن أَكَلَ الفَقيرَ فَلا عِقابا
أُصيبَ مِنَ التُجارِ بِكُلِّ ضارٍ / أَشَدَّ مِنَ الزَمانِ عَلَيهِ نابا
يَكادُ إِذا غَذاهُ أَو كَساهُ / يُنازِعُهُ الحَشاشَةَ وَالإِهابا
وَتَسمَعُ رَحمَةً في كُلِّ نادٍ / وَلَستَ تُحِسُّ لِلبِرِّ اِنتِدابا
أَكُلٌّ في كِتابِ اللَهِ إِلّا / زَكاةَ المالِ لَيسَت فيهِ بابا
إِذا ما الطامِعونَ شَكَوا وَضَجّوا / فَدَعهُم وَاِسمَعِ الغَرثى السِغابا
فَما يَبكونُ مِن ثُكلٍ وَلَكِن / كَما تَصِفُ المُعَدِّدَةُ المُصابا
وَلَم أَرَ مِثلَ شَوقِ الخَيرِ كَسباً / وَلا كَتِجارَةِ السوءِ اِكتِسابا
وَلا كَأُولَئِكَ البُؤَساءِ شاءً / إِذا جَوَّعتَها اِنتَشَرَت ذِئابا
وَلَولا البِرُّ لَم يُبعَث رَسولٌ / وَلَم يَحمِل إِلى قَومٍ كِتابا
سَلو قَلبي غَداةَ سَلا وَثابا
سَلو قَلبي غَداةَ سَلا وَثابا / لَعَلَّ عَلى الجَمالِ لَهُ عِتابا
وَيُسأَلُ في الحَوادِثِ ذو صَوابٍ / فَهَل تَرَكَ الجَمالُ لَهُ صَوابا
وَكُنتُ إِذا سَأَلتُ القَلبَ يَوماً / تَوَلّى الدَمعُ عَن قَلبي الجَوابا
وَلي بَينَ الضُلوعِ دَمٌ وَلَحمٌ / هُما الواهي الَّذي ثَكِلَ الشَبابا
تَسَرَّبَ في الدُموعِ فَقُلتُ وَلّى / وَصَفَّقَ في الضُلوعِ فَقُلتُ ثابا
وَلَو خُلِقَت قُلوبٌ مِن حَديدٍ / لَما حَمَلَت كَما حَمَلَ العَذابا
وَأَحبابٍ سُقيتُ بِهِم سُلافاً / وَكانَ الوَصلُ مِن قِصَرٍ حَبابا
وَنادَمنا الشَبابَ عَلى بِساطٍ / مِنَ اللَذاتِ مُختَلِفٍ شَرابا
وَكُلُّ بِساطِ عَيشٍ سَوفَ يُطوى / وَإِن طالَ الزَمانُ بِهِ وَطابا
كَأَنَّ القَلبَ بَعدَهُمُ غَريبٌ / إِذا عادَتهُ ذِكرى الأَهلِ ذابا
وَلا يُنبيكَ عَن خُلُقِ اللَيالي / كَمَن فَقَدَ الأَحِبَّةَ وَالصَحابا
أَخا الدُنيا أَرى دُنياكَ أَفعى / تُبَدِّلُ كُلَّ آوِنَةٍ إِهابا
وَأَنَّ الرُقطَ أَيقَظُ هاجِعاتٍ / وَأَترَعُ في ظِلالِ السِلمِ تابا
وَمِن عَجَبٍ تُشَيِّبُ عاشِقيها / وَتُفنيهِمِ وَما بَرَحَت كَعابا
فَمَن يَغتَرُّ بِالدُنيا فَإِنّي / لَبِستُ بِها فَأَبلَيتُ الثِيابا
لَها ضَحِكُ القِيانِ إِلى غَبِيٍّ / وَلي ضَحِكُ اللَبيبِ إِذا تَغابى
جَنَيتُ بِرَوضِها وَرداً وَشَوكاً / وَذُقتُ بِكَأسِها شُهداً وَصابا
فَلَم أَرَ غَيرَ حُكمِ اللَهِ حُكماً / وَلَم أَرَ دونَ بابِ اللَهِ بابا
وَلا عَظَّمتُ في الأَشياءِ إِلّا / صَحيحَ العِلمِ وَالأَدَبِ اللُبابا
وَلا كَرَّمتُ إِلّا وَجهَ حُرٍّ / يُقَلِّدُ قَومَهُ المِنَنَ الرَغابا
وَلَم أَرَ مِثلَ جَمعِ المالِ داءً / وَلا مِثلَ البَخيلِ بِهِ مُصابا
فَلا تَقتُلكَ شَهوَتُهُ وَزِنها / كَما تَزِنُ الطَعامَ أَوِ الشَرابا
وَخُذ لِبَنيكَ وَالأَيّامِ ذُخراً / وَأَعطِ اللَهَ حِصَّتَهُ اِحتِسابا
فَلَو طالَعتَ أَحداثَ اللَيالي / وَجَدتَ الفَقرَ أَقرَبَها اِنتِيابا
وَأَنَّ البِرَّ خَيرٌ في حَياةٍ / وَأَبقى بَعدَ صاحِبِهِ ثَوابا
وَأَنَّ الشَرَّ يَصدَعُ فاعِليهِ / وَلَم أَرَ خَيِّراً بِالشَرِّ آبا
فَرِفقاً بِالبَنينِ إِذا اللَيالي / عَلى الأَعقابِ أَوقَعَتِ العِقابا
وَلَم يَتَقَلَّدوا شُكرَ اليَتامى / وَلا اِدَّرَعوا الدُعاءَ المُستَجابا
عَجِبتُ لِمَعشَرٍ صَلّوا وَصاموا / عَواهِرَ خِشيَةً وَتُقى كِذابا
وَتُلفيهُمُ حِيالَ المالِ صُمّاً / إِذا داعي الزَكاةِ بِهِم أَهابا
لَقَد كَتَموا نَصيبَ اللَهِ مِنهُ / كَأَنَّ اللَهَ لَم يُحصِ النِصابا
وَمَن يَعدِل بِحُبِّ اللَهِ شَيئاً / كَحُبِّ المالِ ضَلَّ هَوىً وَخابا
أَرادَ اللَهُ بِالفُقَراءِ بِرّاً / وَبِالأَيتامِ حُبّاً وَاِرتِبابا
فَرُبَّ صَغيرِ قَومٍ عَلَّموهُ / سَما وَحَمى المُسَوَّمَةَ العِرابا
وَكانَ لِقَومِهِ نَفعاً وَفَخراً / وَلَو تَرَكوهُ كانَ أَذىً وَعابا
فَعَلِّم ما اِستَطَعتَ لَعَلَّ جيلاً / سَيَأتي يُحدِثُ العَجَبَ العُجابا
وَلا تُرهِق شَبابَ الحَيِّ يَأساً / فَإِنَّ اليَأسَ يَختَرِمُ الشَبابا
يُريدُ الخالِقُ الرِزقَ اِشتِراكاً / وَإِن يَكُ خَصَّ أَقواماً وَحابى
فَما حَرَمَ المُجِدَّ جَنى يَدَيهِ / وَلا نَسِيَ الشَقِيَّ وَلا المُصابا
وَلَولا البُخلُ لَم يَهلِك فَريقٌ / عَلى الأَقدارِ تَلقاهُمُ غِضابا
تَعِبتُ بِأَهلِهِ لَوماً وَقَبلي / دُعاةُ البِرِّ قَد سَئِموا الخِطابا
وَلَو أَنّي خَطَبتُ عَلى جَمادٍ / فَجَرتُ بِهِ اليَنابيعَ العِذابا
أَلَم تَرَ لِلهَواءِ جَرى فَأَفضى / إِلى الأَكواخِ وَاِختَرَقَ القِبابا
وَأَنَّ الشَمسَ في الآفاقِ تَغشى / حِمى كِسرى كَما تَغشى اليَبابا
وَأَنَّ الماءَ تُروى الأُسدُ مِنهُ / وَيَشفي مِن تَلَعلُعِها الكِلابا
وَسَوّى اللَهُ بَينَكُمُ المَنايا / وَوَسَّدَكُم مَعَ الرُسلِ التُرابا
وَأَرسَلَ عائِلاً مِنكُم يَتيماً / دَنا مِن ذي الجَلالِ فَكانَ قابا
نَبِيُّ البِرِّ بَيَّنَهُ سَبيلاً / وَسَنَّ خِلالَهُ وَهَدى الشِعابا
تَفَرَّقَ بَعدَ عيسى الناسُ فيهِ / فَلَمّا جاءَ كانَ لَهُم مَتابا
وَشافي النَفسِ مِن نَزَعاتِ شَرٍّ / كَشافٍ مِن طَبائِعِها الذِئابا
وَكانَ بَيانُهُ لِلهَديِ سُبلاً / وَكانَت خَيلُهُ لِلحَقِّ غابا
وَعَلَّمَنا بِناءَ المَجدِ حَتّى / أَخَذنا إِمرَةَ الأَرضِ اِغتِصابا
وَما نَيلُ المَطالِبِ بِالتَمَنّي / وَلَكِن تُؤخَذُ الدُنيا غِلابا
وَما اِستَعصى عَلى قَومٍ مَنالٌ / إِذا الإِقدامُ كانَ لَهُم رِكابا
تَجَلّى مَولِدُ الهادي وَعَمَّت / بَشائِرُهُ البَوادي وَالقِصابا
وَأَسدَت لِلبَرِيَّةِ بِنتُ وَهبٍ / يَداً بَيضاءَ طَوَّقَتِ الرِقابا
لَقَد وَضَعَتهُ وَهّاجاً مُنيراً / كَما تَلِدُ السَماواتُ الشِهابا
فَقامَ عَلى سَماءِ البَيتِ نوراً / يُضيءُ جِبالَ مَكَّةَ وَالنِقابا
وَضاعَت يَثرِبُ الفَيحاءُ مِسكاً / وَفاحَ القاعُ أَرجاءً وَطابا
أَبا الزَهراءِ قَد جاوَزتُ قَدري / بِمَدحِكَ بَيدَ أَنَّ لِيَ اِنتِسابا
فَما عَرَفَ البَلاغَةَ ذو بَيانٍ / إِذا لَم يَتَّخِذكَ لَهُ كِتابا
مَدَحتُ المالِكينَ فَزِدتُ قَدراً / فَحينَ مَدَحتُكَ اِقتَدتُ السَحابا
سَأَلتُ اللَهَ في أَبناءِ ديني / فَإِن تَكُنِ الوَسيلَةَ لي أَجابا
وَما لِلمُسلِمينَ سِواكَ حِصنٌ / إِذا ما الضَرُّ مَسَّهُمُ وَنابا
كَأَنَّ النَحسَ حينَ جَرى عَلَيهِم / أَطارَ بِكُلِّ مَملَكَةٍ غُرابا
وَلَو حَفَظوا سَبيلَكَ كان نوراً / وَكانَ مِنَ النُحوسِ لَهُم حِجابا
بَنَيتَ لَهُم مِنَ الأَخلاقِ رُكناً / فَخانوا الرُكنَ فَاِنهَدَمَ اِضطِرابا
وَكانَ جَنابُهُم فيها مَهيباً / وَلَلأَخلاقِ أَجدَرُ أَن تُهابا
فَلَولاها لَساوى اللَيثُ ذِئباً / وَساوى الصارِمُ الماضي قِرابا
فَإِن قُرِنَت مَكارِمُها بِعِلمٍ / تَذَلَّلَتِ العُلا بِهِما صِعابا
وَفي هَذا الزَمانِ مَسيحُ عِلمٍ / يَرُدُّ عَلى بَني الأُمَمِ الشَبابا
عَلى قَدرِ الهَوى يَأتي العِتابُ
عَلى قَدرِ الهَوى يَأتي العِتابُ / وَمَن عاتَبتُ يَفديهِ الصِحابُ
أَلومُ مُعَذِبي فَأَلومُ نَفسي / فَأُغضِبُها وَيُرضيها العَذابُ
وَلَو أَنّي اِستَطَعتُ لَتُبتُ عَنهُ / وَلَكِن كَيفَ عَن روحي المَتابُ
وَلي قَلبٌ بِأَن يَهوى يُجازى / وَمالِكُهُ بِأَن يَجني يُثابُ
وَلَو وُجِدَ العِقابُ فَعَلتُ لَكِن / نِفارُ الظَبيِ لَيسَ لَهُ عِقابُ
يَلومُ اللائِمونَ وَما رَأَوهُ / وَقِدماً ضاعَ في الناسِ الصَوابُ
صَحَوتُ فَأَنكَرَ السُلوانَ قَلبي / عَلَيَّ وَراجَعَ الطَرَبَ الشَبابُ
كَأَنَّ يَدَ الغَرامِ زِمامُ قَلبي / فَلَيسَ عَلَيهِ دونَ هَوىً حِجابُ
كَأَنَّ رِوايَةَ الأَشواقِ عَودٌ / عَلى بَدءٍ وَما كَمُلَ الكِتابُ
كَأَنِّيَ وَالهَوى أَخَوا مُدامٍ / لَنا عَهدٌ بِها وَلَنا اِصطِحابُ
إِذا ما اِعتَضتُ عَن عِشقٍ بِعِشقِ / أُعيدَ العَهدُ وَاِمتَدَّ الشَرابُ
أَريدُ سُلُوَّكُم وَالقَلبُ يَأبى
أَريدُ سُلُوَّكُم وَالقَلبُ يَأبى / وَأَعتِبُكُم وَمِلءُ النَفسِ عُتبى
وَأَهجُرُكُم فَيَهجُرُني رُقادي / وَيُضويني الظَلامُ أَسىً وَكَربا
وَأَذكُرُكُم بِرُؤيَةِ كُلِّ حُسنٍ / فَيَصبو ناظِري وَالقَلبُ أَصبى
وَأَشكو مِن عَذابي في هَواكُم / وَأَجزيكُم عَنِ التَعذيبِ حُبّا
وَأَعلَمُ أَنَّ دَأبَكُمُ جَفائي / فَما بالي جَعَلتُ الحُبَّ دَأبا
وَرُبَّ مُعاتَبٍ كَالعَيشِ يُشكى / وَمِلءُ النَفسِ مِنهُ هَوىً وَعُتبى
أَتَجزيني عَنِ الزُلفى نِفاراً / عَتَبتكَ بِالهَوى وَكَفاكَ عَتبا
فَكُلُّ مَلاحَةٍ في الناسِ ذَنبٌ / إِذا عُدَّ النِفارُ عَلَيكَ ذَنبا
أَخَذتُ هَواكَ عَن عَيني وَقَلبي / فَعَيني قَد دَعَت وَالقَلبُ لَبّى
وَأَنتَ مِنَ المَحاسِنِ في مِثالٍ / فَدَيتُكَ قالَباً فيهِ وَقَلبا
أُحِبُّكَ حينَ تَثني الجيدَ تيهاً / وَأَخشى أَن يَصيرَ التيهُ دَأبا
وَقالوا في البَديلِ رِضاً وَرَوحٌ / لَقَد رُمتُ البَديلَ فَرُمتُ صَعبا
وَراجَعتُ الرَشادَ عَسايَ أَسلو / فَما بالي مَعَ السُلوانِ أَصبى
إِذا ما الكَأسُ لَم تُذهِب هُمومي / فَقَد تَبَّت يَدُ الساقي وَتَبّا
عَلى أَنّي أَعَفُّ مَنِ اِحتَساها / وَأَكرَمُ مِن عَذارى الدَيرِ شربا
وَلي نَفسٌ أُرَوّيها فَتَزكو / كَزَهرِ الوَردِ نَدَّوهُ فَهَبّا
تأمل في الوجود وكن لبيبا
تأمل في الوجود وكن لبيبا / وقم في العالمين فقل خطيبا
بفوز جنودنا الفوز العجيبا / بعيد الفتح قد أضحى قريبا
لقينا في الزريبة يوم نصر / كيوم التل في تاريخ مصر
يهيئ للبلاد جديد عصر / ويكفيها القلاقل والخطوبا
فقم من طول نومك والغرور / وخذ بالحزن أو خذ بالسرور
فعار صرف همك عن أمور / ستأخذ من عواقبها نصيبا
بعثنا للدراويش السرايا / تصب على رؤوسهم المنايا
فجاءهم عذاب الله آيا / كما قد جاء قبلهم الشعوبا
وكم من قبل قد عادوا وعدنا / وكم مال على هذا أبدنا
وجيش إثر جيش قد فقدنا / وكان القائد النحس الغريبا
إلى أن قد مضى زمن التخلى / وصار الجوّ أصلح للتجلى
قصدناهم على ذاك المحل / وكان الفخ مكسيم المذيبا
فما للقطر لا يغدو فخورا / ولندن لا تجاوبه سرورا
أرى الجيشين قد ظهرا ظهورا / على غنم الزريبة لن يريبا
وروتر من ذهول لا يخبى / يباهي الأرض في شرق وغرب
بمن يزجي الجيوش ومن يعبى / ومن يسترجع القطر الخصيبا
بسردار البلاد ولا أبالي / إذا ما قلت كتشنر المعالي
سقى السودان أى دم ومال / ولم يبرح بعلته طبيبا
لبثنا في التناوش نحو شهر / والاستطلاع من نهر لنهر
وأتياس الزريبة ليس تدرى / بأن قد حيرت أسدا وذيبا
ظنناها أعزّ من السحاب / وأمنع في الطوابي من عُقاب
فجئناها بألوية صعاب / وجندنا الجنود لها ضروبا
بسود كانت الوثبات منها / وبيض لا تسل في الحرب عنها
وحمر لاقت الأعداء وجها / فكانت سهم راميها المصيبا
طلعنا والصباح على الطوابي / بنار من جهنم لا تحابي
ملكنا منهم قمم الروابي / وماء النهر والغاب الرهيبا
رأونا قبل ما رأوا النهارا / فهبوا من مراقدهم حيارى
فكنا الموت وافاهم جهارا / وهبت ريحه فيهم هبوبا
رصاص لا يغيض ولا يغيب / بعيد في مقاصده قريب
كأن مسيله مطر يصوب / ولكن نقمة وردىً صبيبا
دككنا حصنهم حرقا وكسرا / وأفنيناهم قتلا وأسرا
أخذنا العرش من محمود قسرا / وقد بل الأمير العنقريبا
نعم فتح رعاه الله فتحا / وقتلى هم له ثمن وجرحى
ومال طائل أصلا وربحا / بذلناه ولم نخش الرقيبا
ولكن ما وراءك يا عصام / وبعد الحرب ما يأتي السلام
فليت هياكلا درست تقام / فأسألها وأطمع أن تجيبا
بلى إن الحقيقة قد تجلت / وإن تك بالزخارف قد تحلت
تولى عزنا الماضي وولت / بلاد الله سودانا ونوبا
فيا سردار مصر لك الأيادي / فأنت لها المعين على الأعادى
وكل الناس بل كل البلاد / لسان بالثناء غدا رطيبا
فخذ من مالها حتى الوجودا / وجنِّد كيفما شئت الجنودا
وأنَّى شئت ضع منها الحدودا / شمالا في البسيطة أو جنوبا
فها لَكَ في الحدود اليوم رجل / وفي الخرطوم أخرى سوف تعلو
لأن السعد للقدمين نعل / ومن ذا يغلب السعد الغلوبا
صغار في الذهاب وفي الإياب
صغار في الذهاب وفي الإياب / أهذا كل شأنك يا عرابي
عفا عنك الأباعد والأداني / فمن يعفو عن الوطن المصاب
وما سألوا بنيك ولا بنينا / ولا ألتفتوا إلى القوم الغضاب
فعش في مصر موفور المعالي / رفيع الذكر مقتبل الشباب
أفرق بين سيلان ومصر / وفي كلتيهما حمر الثياب
يتوب عليك من منفاك فيها / أناس منك أولى بالمتاب
ولا والله ما ملكوا متابا / ولا ملكوا القديم من العقاب
ولا ساووك في صدق الطوايا / وإن ساووك في الشيم الكذاب
حكومة ذلة وسراة جهل / كعهدك إذ تحييك الطوابي
وإذ ضربوا وسيفك لم يجرَّد / وإذ دخلوا ونعلك في الركاب
وإذ ملئت لك الدينا نفاقا / وضاقت بالغباوة والتغابي
وإذ تُقنى المعالي بالتمنى / وإذ يغزَى الأعادي بالسباب
وإذ تعطَى الأريكة في النوادي / وتعطَى التاج في هزل الخطاب
ستنظر إن رفعت بمصر طرفا / رجال الوقت من تلك الصحاب
وقد نبذوا جنابك حين أقوى / وقد لاذوا إلى أقوى جناب
وبالإنجيل قد حلفوا لقوم / كما حلفوا أمامك بالكتاب
يريدون النساء بلا حجاب / ونحن اليوم أولى بالحجاب
فماذا يعلم الأحياء عنا / إذا ما قيل عاد لها عرابي
ويوم من صَبا آذار حلوٍ
ويوم من صَبا آذار حلوٍ / فقدناه وما بلغ الشبابا
تَصَوَّر من حلى النيروز وجها / وَجمَّع من زخارفه إهابا
فَرَاق صباحه صحوا وزهوا / ولذَّ ضحاه حاشية وطابا
تناثر في البطاح حلى وأوفى / على الآفاق فانتظم الهضابا
وسالت شمسه في البحر تبرا / على مثل الزمرد حين ذابا
كأن نسيمه نفَس العذارى / طعمن الشهد أو ذقن الخبايا
تمناه ابن عباد صبوحا / إذا حث المزاهر والشرابا
وما قدَّرت أن سيجنّ ظهرا / ولم تكن القيامة لي حسابا
تشعَّث لِمة واغبر وجها / ودلَّى مِشفرا وأفترنابا
وبدَّل حسن ذاك السمت قبحا / وأصناف النعيم به عذابا
وضج البحر حتى خِيل موسى / أتى بعصاه أو فرعون آبا
وأبرق في العباب كأن سرا / بأسطول الجزيرة قد أهابا
كأن شعاعها في الثلج نار / لفارس حولها ضربوا القبابا
أو الحسناء يوم العرس جنَّت / فمزقتِ الغلائل والنقابا
فمن سَحَر السماء فأمطرتنا / فكان الدر والذهب الذهابا
تروق العين من بيضاء حال / كما تَرَّبتَ بالتِبر الكتابا
منادف عسجد ظفرت بقطن / فما تألوه ندفا وانتهابا
وقطَّعن الثلوج لكل روض / وكل خميلة منها ثيابا
فمن صور مجللة فِراء / ووِلدان مسربلة جبايا
على قدر الهوى يأتي العتاب
على قدر الهوى يأتي العتاب / ومن عاتبت تفديه الصحاب
صحوت فأنكر السلوانَ قلبي / علىّ وراجع الطربَ الشباب
وللعيش الصبا فإذا تولى / فكل بقية في الكأس صاب
وما ورثت له عندى حبال / ولا ضاقت له عني ثياب
كأنّ رواية الأشواق عود / على بدء وما كمل الكتاب
إذا ما اعتضت عن عشق بعشق / أُعيد الكأس وامتدّ الشراب
وكل هوى بلائمة مشوب / وحبك في الملامة لا يشاب
لأنك أنت للأوطان كهف / وأنت حقوق مصرِك والطِلاب
فأهلا بالأمير وما رأينا / هلالا تستقرّ به الركاب
ولا شمسا برأس التنين حلّت / وفي الدنيا ضحاها واللعاب
تغيب عن البلاد وعن بنيها / وما لك عن قلوبهم غياب
أظلتك الخلافة في ذراها / وبرت سوحها بك والرحاب
وفُتِّح للرعاية ألف باب / هناك وسُدّ للواشين باب
وردنا الماء بينكما نميرا / وأظمأَ من يريبكما السراب
وما وجدوا لمفسدة مجالا / ولكن تنبح القمر الكلاب
فعيشا فرقدين من الليالي / وعاش خلائق بكما وطابوا
نداء الخلف بينكما عقيم / وداعي الله بينكما مجاب