القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : أحمد شَوقي الكل
المجموع : 8
أُنادي الرَسمَ لَو مَلَكَ الجَوابا
أُنادي الرَسمَ لَو مَلَكَ الجَوابا / وَأُجزيهِ بِدَمعِيَ لَو أَثابا
وَقَلَّ لِحَقِّهِ العَبَراتُ تَجري / وَإِن كانَت سَوادَ القَلبِ ذابا
سَبَقنَ مُقَبِّلاتِ التُربِ عَنّي / وَأَدَّينَ التَحِيَّةَ وَالخِطابا
فَنَثري الدَمعَ في الدِمَنِ البَوالي / كَنَظمي في كَواعِبِها الشَبابا
وَقَفتُ بِها كَما شاءَت وَشاؤوا / وُقوفاً عَلَّمَ الصَبرَ الذِهابا
لَها حَقٌّ وَلِلأَحبابِ حَقٌّ / رَشَفتُ وِصالَهُم فيها حَبابا
وَمَن شَكَرَ المَناجِمَ مُحسِناتٍ / إِذا التِبرُ اِنجَلى شَكَرَ التُرابا
وَبَينَ جَوانِحي وافٍ أُلوفٌ / إِذا لَمَحَ الدِيارَ مَضى وَثابا
رَأى مَيلَ الزَمانِ بِها فَكانَت / عَلى الأَيّامِ صُحبَتُهُ عِتابا
وَداعاً أَرضَ أَندَلُسٍ وَهَذا / ثَنائي إِن رَضيتِ بِهِ ثَوابا
وَما أَثنَيتُ إِلّا بَعدَ عِلمٍ / وَكَم مِن جاهِلٍ أَثنى فَعابا
تَخِذتُكِ مَوئِلاً فَحَلَلتُ أَندى / ذُراً مِن وائِلٍ وَأَعَزَّ غابا
مُغَرِّبُ آدَمٍ مِن دارِ عَدنٍ / قَضاها في حِماكِ لِيَ اِغتِرابا
شَكَرتُ الفُلكَ يَومَ حَوَيتِ رَحلي / فَيا لِمُفارِقٍ شَكَرَ الغُرابا
فَأَنتِ أَرَحتِني مِن كُلِّ أَنفٍ / كَأَنفِ المَيتِ في النَزعِ اِنتِصابا
وَمَنظَرِ كُلِّ خَوّانٍ يَراني / بِوَجهٍ كَالبَغِيِّ رَمى النِقابا
وَلَيسَ بِعامِرٍ بُنيانُ قَومٍ / إِذا أَخلاقُهُم كانَت خَرابا
أَحَقٌّ كُنتِ لِلزَهراءِ ساحاً / وَكُنتِ لِساكِنِ الزاهي رِحابا
وَلَم تَكُ جَورُ أَبهى مِنكِ وَرداً / وَلَم تَكُ بابِلٌ أَشهى شَرابا
وَأَنَّ المَجدَ في الدُنيا رَحيقٌ / إِذا طالَ الزَمانُ عَلَيهِ طابا
أولَئِكَ أُمَّةٌ ضَرَبوا المَعالي / بِمَشرِقِها وَمَغرِبِها قِبابا
جَرى كَدَراً لَهُم صَفوُ اللَيالي / وَغايَةُ كُلِّ صَفوٍ أَن يُشابا
مَشَيِّبَةُ القُرونِ أُديلَ مِنها / أَلَم تَرَ قَرنَها في الجَوِّ شابا
مُعَلَّقَةٌ تَنَظَّرُ صَولَجاناً / يَخُرُّ عَنِ السَماءِ بِها لِعابا
تُعَدُّ بِها عَلى الأُمَمِ اللَيالي / وَما تَدري السِنينَ وَلا الحِسابا
وَيا وَطَني لَقَيتُكَ بَعدَ يَأسٍ / كَأَنّي قَد لَقيتُ بِكَ الشَبابا
وَكُلُّ مُسافِرٍ سَيَئوبُ يَوماً / إِذا رُزِقَ السَلامَةَ وَالإِيابا
وَلَو أَنّي دُعيتُ لَكُنتَ ديني / عَلَيهِ أُقابِلُ الحَتمَ المُجابا
أُديرُ إِلَيكَ قَبلَ البَيتِ وَجهي / إِذا فُهتُ الشَهادَةَ وَالمَتابا
وَقَد سَبَقَت رَكائِبِيَ القَوافي / مُقَلَّدَةً أَزِمَّتَها طِرابا
تَجوبُ الدَهرَ نَحوَكَ وَالفَيافي / وَتَقتَحِمُ اللَيالِيَ لا العُبابا
وَتُهديكَ الثَناءَ الحُرَّ تاجاً / عَلى تاجَيكَ مُؤتَلِقاً عُجابا
هَدانا ضَوءُ ثَغرِكَ مِن ثَلاثٍ / كَما تَهدي المُنَوَّرَةُ الرِكابا
وَقَد غَشِي المَنارُ البَحرَ نوراً / كَنارِ الطورِ جَلَّلَتِ الشِعابا
وَقيلَ الثَغرُ فَاِتَّأَدَت فَأَرسَت / فَكانَت مِن ثَراكَ الطُهرِ قابا
فَصَفحاً لِلزَمانِ لِصُبحِ يَومٍ / بِهِ أَضحى الزَمانُ إِلَيَّ ثابا
وَحَيّا اللَهُ فِتياناً سِماحاً / كَسَوا عِطفَيَّ مِن فَخرٍ ثِيابا
مَلائِكَةٌ إِذا حَفّوكَ يَوماً / أَحَبَّكَ كُلُّ مَن تَلقى وَهابا
وَإِن حَمَلَتكَ أَيديهِم بُحوراً / بَلَغتَ عَلى أَكُفِّهِمُ السَحابا
تَلَقَّوني بِكُلِّ أَغَرَّ زاهٍ / كَأَنَّ عَلى أَسِرَّتِهِ شَهابا
تَرى الإيمانَ مُؤتَلِقاً عَلَيهِ / وَنورَ العِلمِ وَالكَرَمَ اللُبابا
وَتَلمَحُ مِن وَضاءَةِ صَفحَتَيهِ / مُحَيّا مِصرَ رائِعَةً كَعابا
وَما أَدَبي لِما أَسدَوهُ أَهلٌ / وَلَكِن مَن أَحَبَّ الشَيءَ حابى
شَبابَ النيلِ إِنَّ لَكُم لَصَوتاً / مُلَبّى حينَ يُرفَعُ مُستَجابا
فَهُزّوا العَرشَ بِالدَعَواتِ حَتّى / يُخَفِّفَ عَن كِنانَتِهِ العَذابا
أَمِن حَربِ البَسوسِ إِلى غَلاءٍ / يَكادُ يُعيدُها سَبعاً صِعابا
وَهَل في القَومِ يوسُفُ يَتَّقيها / وَيُحسِنُ حِسبَةً وَيَرى صَوابا
عِبادَكَ رَبِّ قَد جاعوا بِمِصرٍ / أَنيلاً سُقتَ فيهِمُ أَم سَرابا
حَنانَكَ وَاِهدِ لِلحُسنى تِجاراً / بِها مَلَكوا المَرافِقَ وَالرِقابا
وَرَقِّق لِلفَقيرِ بِها قُلوباً / مُحَجَّرَةً وَأَكباداً صِلابا
أَمَن أَكَلَ اليَتيمَ لَهُ عِقابٌ / وَمَن أَكَلَ الفَقيرَ فَلا عِقابا
أُصيبَ مِنَ التُجارِ بِكُلِّ ضارٍ / أَشَدَّ مِنَ الزَمانِ عَلَيهِ نابا
يَكادُ إِذا غَذاهُ أَو كَساهُ / يُنازِعُهُ الحَشاشَةَ وَالإِهابا
وَتَسمَعُ رَحمَةً في كُلِّ نادٍ / وَلَستَ تُحِسُّ لِلبِرِّ اِنتِدابا
أَكُلٌّ في كِتابِ اللَهِ إِلّا / زَكاةَ المالِ لَيسَت فيهِ بابا
إِذا ما الطامِعونَ شَكَوا وَضَجّوا / فَدَعهُم وَاِسمَعِ الغَرثى السِغابا
فَما يَبكونُ مِن ثُكلٍ وَلَكِن / كَما تَصِفُ المُعَدِّدَةُ المُصابا
وَلَم أَرَ مِثلَ شَوقِ الخَيرِ كَسباً / وَلا كَتِجارَةِ السوءِ اِكتِسابا
وَلا كَأُولَئِكَ البُؤَساءِ شاءً / إِذا جَوَّعتَها اِنتَشَرَت ذِئابا
وَلَولا البِرُّ لَم يُبعَث رَسولٌ / وَلَم يَحمِل إِلى قَومٍ كِتابا
سَلو قَلبي غَداةَ سَلا وَثابا
سَلو قَلبي غَداةَ سَلا وَثابا / لَعَلَّ عَلى الجَمالِ لَهُ عِتابا
وَيُسأَلُ في الحَوادِثِ ذو صَوابٍ / فَهَل تَرَكَ الجَمالُ لَهُ صَوابا
وَكُنتُ إِذا سَأَلتُ القَلبَ يَوماً / تَوَلّى الدَمعُ عَن قَلبي الجَوابا
وَلي بَينَ الضُلوعِ دَمٌ وَلَحمٌ / هُما الواهي الَّذي ثَكِلَ الشَبابا
تَسَرَّبَ في الدُموعِ فَقُلتُ وَلّى / وَصَفَّقَ في الضُلوعِ فَقُلتُ ثابا
وَلَو خُلِقَت قُلوبٌ مِن حَديدٍ / لَما حَمَلَت كَما حَمَلَ العَذابا
وَأَحبابٍ سُقيتُ بِهِم سُلافاً / وَكانَ الوَصلُ مِن قِصَرٍ حَبابا
وَنادَمنا الشَبابَ عَلى بِساطٍ / مِنَ اللَذاتِ مُختَلِفٍ شَرابا
وَكُلُّ بِساطِ عَيشٍ سَوفَ يُطوى / وَإِن طالَ الزَمانُ بِهِ وَطابا
كَأَنَّ القَلبَ بَعدَهُمُ غَريبٌ / إِذا عادَتهُ ذِكرى الأَهلِ ذابا
وَلا يُنبيكَ عَن خُلُقِ اللَيالي / كَمَن فَقَدَ الأَحِبَّةَ وَالصَحابا
أَخا الدُنيا أَرى دُنياكَ أَفعى / تُبَدِّلُ كُلَّ آوِنَةٍ إِهابا
وَأَنَّ الرُقطَ أَيقَظُ هاجِعاتٍ / وَأَترَعُ في ظِلالِ السِلمِ تابا
وَمِن عَجَبٍ تُشَيِّبُ عاشِقيها / وَتُفنيهِمِ وَما بَرَحَت كَعابا
فَمَن يَغتَرُّ بِالدُنيا فَإِنّي / لَبِستُ بِها فَأَبلَيتُ الثِيابا
لَها ضَحِكُ القِيانِ إِلى غَبِيٍّ / وَلي ضَحِكُ اللَبيبِ إِذا تَغابى
جَنَيتُ بِرَوضِها وَرداً وَشَوكاً / وَذُقتُ بِكَأسِها شُهداً وَصابا
فَلَم أَرَ غَيرَ حُكمِ اللَهِ حُكماً / وَلَم أَرَ دونَ بابِ اللَهِ بابا
وَلا عَظَّمتُ في الأَشياءِ إِلّا / صَحيحَ العِلمِ وَالأَدَبِ اللُبابا
وَلا كَرَّمتُ إِلّا وَجهَ حُرٍّ / يُقَلِّدُ قَومَهُ المِنَنَ الرَغابا
وَلَم أَرَ مِثلَ جَمعِ المالِ داءً / وَلا مِثلَ البَخيلِ بِهِ مُصابا
فَلا تَقتُلكَ شَهوَتُهُ وَزِنها / كَما تَزِنُ الطَعامَ أَوِ الشَرابا
وَخُذ لِبَنيكَ وَالأَيّامِ ذُخراً / وَأَعطِ اللَهَ حِصَّتَهُ اِحتِسابا
فَلَو طالَعتَ أَحداثَ اللَيالي / وَجَدتَ الفَقرَ أَقرَبَها اِنتِيابا
وَأَنَّ البِرَّ خَيرٌ في حَياةٍ / وَأَبقى بَعدَ صاحِبِهِ ثَوابا
وَأَنَّ الشَرَّ يَصدَعُ فاعِليهِ / وَلَم أَرَ خَيِّراً بِالشَرِّ آبا
فَرِفقاً بِالبَنينِ إِذا اللَيالي / عَلى الأَعقابِ أَوقَعَتِ العِقابا
وَلَم يَتَقَلَّدوا شُكرَ اليَتامى / وَلا اِدَّرَعوا الدُعاءَ المُستَجابا
عَجِبتُ لِمَعشَرٍ صَلّوا وَصاموا / عَواهِرَ خِشيَةً وَتُقى كِذابا
وَتُلفيهُمُ حِيالَ المالِ صُمّاً / إِذا داعي الزَكاةِ بِهِم أَهابا
لَقَد كَتَموا نَصيبَ اللَهِ مِنهُ / كَأَنَّ اللَهَ لَم يُحصِ النِصابا
وَمَن يَعدِل بِحُبِّ اللَهِ شَيئاً / كَحُبِّ المالِ ضَلَّ هَوىً وَخابا
أَرادَ اللَهُ بِالفُقَراءِ بِرّاً / وَبِالأَيتامِ حُبّاً وَاِرتِبابا
فَرُبَّ صَغيرِ قَومٍ عَلَّموهُ / سَما وَحَمى المُسَوَّمَةَ العِرابا
وَكانَ لِقَومِهِ نَفعاً وَفَخراً / وَلَو تَرَكوهُ كانَ أَذىً وَعابا
فَعَلِّم ما اِستَطَعتَ لَعَلَّ جيلاً / سَيَأتي يُحدِثُ العَجَبَ العُجابا
وَلا تُرهِق شَبابَ الحَيِّ يَأساً / فَإِنَّ اليَأسَ يَختَرِمُ الشَبابا
يُريدُ الخالِقُ الرِزقَ اِشتِراكاً / وَإِن يَكُ خَصَّ أَقواماً وَحابى
فَما حَرَمَ المُجِدَّ جَنى يَدَيهِ / وَلا نَسِيَ الشَقِيَّ وَلا المُصابا
وَلَولا البُخلُ لَم يَهلِك فَريقٌ / عَلى الأَقدارِ تَلقاهُمُ غِضابا
تَعِبتُ بِأَهلِهِ لَوماً وَقَبلي / دُعاةُ البِرِّ قَد سَئِموا الخِطابا
وَلَو أَنّي خَطَبتُ عَلى جَمادٍ / فَجَرتُ بِهِ اليَنابيعَ العِذابا
أَلَم تَرَ لِلهَواءِ جَرى فَأَفضى / إِلى الأَكواخِ وَاِختَرَقَ القِبابا
وَأَنَّ الشَمسَ في الآفاقِ تَغشى / حِمى كِسرى كَما تَغشى اليَبابا
وَأَنَّ الماءَ تُروى الأُسدُ مِنهُ / وَيَشفي مِن تَلَعلُعِها الكِلابا
وَسَوّى اللَهُ بَينَكُمُ المَنايا / وَوَسَّدَكُم مَعَ الرُسلِ التُرابا
وَأَرسَلَ عائِلاً مِنكُم يَتيماً / دَنا مِن ذي الجَلالِ فَكانَ قابا
نَبِيُّ البِرِّ بَيَّنَهُ سَبيلاً / وَسَنَّ خِلالَهُ وَهَدى الشِعابا
تَفَرَّقَ بَعدَ عيسى الناسُ فيهِ / فَلَمّا جاءَ كانَ لَهُم مَتابا
وَشافي النَفسِ مِن نَزَعاتِ شَرٍّ / كَشافٍ مِن طَبائِعِها الذِئابا
وَكانَ بَيانُهُ لِلهَديِ سُبلاً / وَكانَت خَيلُهُ لِلحَقِّ غابا
وَعَلَّمَنا بِناءَ المَجدِ حَتّى / أَخَذنا إِمرَةَ الأَرضِ اِغتِصابا
وَما نَيلُ المَطالِبِ بِالتَمَنّي / وَلَكِن تُؤخَذُ الدُنيا غِلابا
وَما اِستَعصى عَلى قَومٍ مَنالٌ / إِذا الإِقدامُ كانَ لَهُم رِكابا
تَجَلّى مَولِدُ الهادي وَعَمَّت / بَشائِرُهُ البَوادي وَالقِصابا
وَأَسدَت لِلبَرِيَّةِ بِنتُ وَهبٍ / يَداً بَيضاءَ طَوَّقَتِ الرِقابا
لَقَد وَضَعَتهُ وَهّاجاً مُنيراً / كَما تَلِدُ السَماواتُ الشِهابا
فَقامَ عَلى سَماءِ البَيتِ نوراً / يُضيءُ جِبالَ مَكَّةَ وَالنِقابا
وَضاعَت يَثرِبُ الفَيحاءُ مِسكاً / وَفاحَ القاعُ أَرجاءً وَطابا
أَبا الزَهراءِ قَد جاوَزتُ قَدري / بِمَدحِكَ بَيدَ أَنَّ لِيَ اِنتِسابا
فَما عَرَفَ البَلاغَةَ ذو بَيانٍ / إِذا لَم يَتَّخِذكَ لَهُ كِتابا
مَدَحتُ المالِكينَ فَزِدتُ قَدراً / فَحينَ مَدَحتُكَ اِقتَدتُ السَحابا
سَأَلتُ اللَهَ في أَبناءِ ديني / فَإِن تَكُنِ الوَسيلَةَ لي أَجابا
وَما لِلمُسلِمينَ سِواكَ حِصنٌ / إِذا ما الضَرُّ مَسَّهُمُ وَنابا
كَأَنَّ النَحسَ حينَ جَرى عَلَيهِم / أَطارَ بِكُلِّ مَملَكَةٍ غُرابا
وَلَو حَفَظوا سَبيلَكَ كان نوراً / وَكانَ مِنَ النُحوسِ لَهُم حِجابا
بَنَيتَ لَهُم مِنَ الأَخلاقِ رُكناً / فَخانوا الرُكنَ فَاِنهَدَمَ اِضطِرابا
وَكانَ جَنابُهُم فيها مَهيباً / وَلَلأَخلاقِ أَجدَرُ أَن تُهابا
فَلَولاها لَساوى اللَيثُ ذِئباً / وَساوى الصارِمُ الماضي قِرابا
فَإِن قُرِنَت مَكارِمُها بِعِلمٍ / تَذَلَّلَتِ العُلا بِهِما صِعابا
وَفي هَذا الزَمانِ مَسيحُ عِلمٍ / يَرُدُّ عَلى بَني الأُمَمِ الشَبابا
عَلى قَدرِ الهَوى يَأتي العِتابُ
عَلى قَدرِ الهَوى يَأتي العِتابُ / وَمَن عاتَبتُ يَفديهِ الصِحابُ
أَلومُ مُعَذِبي فَأَلومُ نَفسي / فَأُغضِبُها وَيُرضيها العَذابُ
وَلَو أَنّي اِستَطَعتُ لَتُبتُ عَنهُ / وَلَكِن كَيفَ عَن روحي المَتابُ
وَلي قَلبٌ بِأَن يَهوى يُجازى / وَمالِكُهُ بِأَن يَجني يُثابُ
وَلَو وُجِدَ العِقابُ فَعَلتُ لَكِن / نِفارُ الظَبيِ لَيسَ لَهُ عِقابُ
يَلومُ اللائِمونَ وَما رَأَوهُ / وَقِدماً ضاعَ في الناسِ الصَوابُ
صَحَوتُ فَأَنكَرَ السُلوانَ قَلبي / عَلَيَّ وَراجَعَ الطَرَبَ الشَبابُ
كَأَنَّ يَدَ الغَرامِ زِمامُ قَلبي / فَلَيسَ عَلَيهِ دونَ هَوىً حِجابُ
كَأَنَّ رِوايَةَ الأَشواقِ عَودٌ / عَلى بَدءٍ وَما كَمُلَ الكِتابُ
كَأَنِّيَ وَالهَوى أَخَوا مُدامٍ / لَنا عَهدٌ بِها وَلَنا اِصطِحابُ
إِذا ما اِعتَضتُ عَن عِشقٍ بِعِشقِ / أُعيدَ العَهدُ وَاِمتَدَّ الشَرابُ
أَريدُ سُلُوَّكُم وَالقَلبُ يَأبى
أَريدُ سُلُوَّكُم وَالقَلبُ يَأبى / وَأَعتِبُكُم وَمِلءُ النَفسِ عُتبى
وَأَهجُرُكُم فَيَهجُرُني رُقادي / وَيُضويني الظَلامُ أَسىً وَكَربا
وَأَذكُرُكُم بِرُؤيَةِ كُلِّ حُسنٍ / فَيَصبو ناظِري وَالقَلبُ أَصبى
وَأَشكو مِن عَذابي في هَواكُم / وَأَجزيكُم عَنِ التَعذيبِ حُبّا
وَأَعلَمُ أَنَّ دَأبَكُمُ جَفائي / فَما بالي جَعَلتُ الحُبَّ دَأبا
وَرُبَّ مُعاتَبٍ كَالعَيشِ يُشكى / وَمِلءُ النَفسِ مِنهُ هَوىً وَعُتبى
أَتَجزيني عَنِ الزُلفى نِفاراً / عَتَبتكَ بِالهَوى وَكَفاكَ عَتبا
فَكُلُّ مَلاحَةٍ في الناسِ ذَنبٌ / إِذا عُدَّ النِفارُ عَلَيكَ ذَنبا
أَخَذتُ هَواكَ عَن عَيني وَقَلبي / فَعَيني قَد دَعَت وَالقَلبُ لَبّى
وَأَنتَ مِنَ المَحاسِنِ في مِثالٍ / فَدَيتُكَ قالَباً فيهِ وَقَلبا
أُحِبُّكَ حينَ تَثني الجيدَ تيهاً / وَأَخشى أَن يَصيرَ التيهُ دَأبا
وَقالوا في البَديلِ رِضاً وَرَوحٌ / لَقَد رُمتُ البَديلَ فَرُمتُ صَعبا
وَراجَعتُ الرَشادَ عَسايَ أَسلو / فَما بالي مَعَ السُلوانِ أَصبى
إِذا ما الكَأسُ لَم تُذهِب هُمومي / فَقَد تَبَّت يَدُ الساقي وَتَبّا
عَلى أَنّي أَعَفُّ مَنِ اِحتَساها / وَأَكرَمُ مِن عَذارى الدَيرِ شربا
وَلي نَفسٌ أُرَوّيها فَتَزكو / كَزَهرِ الوَردِ نَدَّوهُ فَهَبّا
تأمل في الوجود وكن لبيبا
تأمل في الوجود وكن لبيبا / وقم في العالمين فقل خطيبا
بفوز جنودنا الفوز العجيبا / بعيد الفتح قد أضحى قريبا
لقينا في الزريبة يوم نصر / كيوم التل في تاريخ مصر
يهيئ للبلاد جديد عصر / ويكفيها القلاقل والخطوبا
فقم من طول نومك والغرور / وخذ بالحزن أو خذ بالسرور
فعار صرف همك عن أمور / ستأخذ من عواقبها نصيبا
بعثنا للدراويش السرايا / تصب على رؤوسهم المنايا
فجاءهم عذاب الله آيا / كما قد جاء قبلهم الشعوبا
وكم من قبل قد عادوا وعدنا / وكم مال على هذا أبدنا
وجيش إثر جيش قد فقدنا / وكان القائد النحس الغريبا
إلى أن قد مضى زمن التخلى / وصار الجوّ أصلح للتجلى
قصدناهم على ذاك المحل / وكان الفخ مكسيم المذيبا
فما للقطر لا يغدو فخورا / ولندن لا تجاوبه سرورا
أرى الجيشين قد ظهرا ظهورا / على غنم الزريبة لن يريبا
وروتر من ذهول لا يخبى / يباهي الأرض في شرق وغرب
بمن يزجي الجيوش ومن يعبى / ومن يسترجع القطر الخصيبا
بسردار البلاد ولا أبالي / إذا ما قلت كتشنر المعالي
سقى السودان أى دم ومال / ولم يبرح بعلته طبيبا
لبثنا في التناوش نحو شهر / والاستطلاع من نهر لنهر
وأتياس الزريبة ليس تدرى / بأن قد حيرت أسدا وذيبا
ظنناها أعزّ من السحاب / وأمنع في الطوابي من عُقاب
فجئناها بألوية صعاب / وجندنا الجنود لها ضروبا
بسود كانت الوثبات منها / وبيض لا تسل في الحرب عنها
وحمر لاقت الأعداء وجها / فكانت سهم راميها المصيبا
طلعنا والصباح على الطوابي / بنار من جهنم لا تحابي
ملكنا منهم قمم الروابي / وماء النهر والغاب الرهيبا
رأونا قبل ما رأوا النهارا / فهبوا من مراقدهم حيارى
فكنا الموت وافاهم جهارا / وهبت ريحه فيهم هبوبا
رصاص لا يغيض ولا يغيب / بعيد في مقاصده قريب
كأن مسيله مطر يصوب / ولكن نقمة وردىً صبيبا
دككنا حصنهم حرقا وكسرا / وأفنيناهم قتلا وأسرا
أخذنا العرش من محمود قسرا / وقد بل الأمير العنقريبا
نعم فتح رعاه الله فتحا / وقتلى هم له ثمن وجرحى
ومال طائل أصلا وربحا / بذلناه ولم نخش الرقيبا
ولكن ما وراءك يا عصام / وبعد الحرب ما يأتي السلام
فليت هياكلا درست تقام / فأسألها وأطمع أن تجيبا
بلى إن الحقيقة قد تجلت / وإن تك بالزخارف قد تحلت
تولى عزنا الماضي وولت / بلاد الله سودانا ونوبا
فيا سردار مصر لك الأيادي / فأنت لها المعين على الأعادى
وكل الناس بل كل البلاد / لسان بالثناء غدا رطيبا
فخذ من مالها حتى الوجودا / وجنِّد كيفما شئت الجنودا
وأنَّى شئت ضع منها الحدودا / شمالا في البسيطة أو جنوبا
فها لَكَ في الحدود اليوم رجل / وفي الخرطوم أخرى سوف تعلو
لأن السعد للقدمين نعل / ومن ذا يغلب السعد الغلوبا
صغار في الذهاب وفي الإياب
صغار في الذهاب وفي الإياب / أهذا كل شأنك يا عرابي
عفا عنك الأباعد والأداني / فمن يعفو عن الوطن المصاب
وما سألوا بنيك ولا بنينا / ولا ألتفتوا إلى القوم الغضاب
فعش في مصر موفور المعالي / رفيع الذكر مقتبل الشباب
أفرق بين سيلان ومصر / وفي كلتيهما حمر الثياب
يتوب عليك من منفاك فيها / أناس منك أولى بالمتاب
ولا والله ما ملكوا متابا / ولا ملكوا القديم من العقاب
ولا ساووك في صدق الطوايا / وإن ساووك في الشيم الكذاب
حكومة ذلة وسراة جهل / كعهدك إذ تحييك الطوابي
وإذ ضربوا وسيفك لم يجرَّد / وإذ دخلوا ونعلك في الركاب
وإذ ملئت لك الدينا نفاقا / وضاقت بالغباوة والتغابي
وإذ تُقنى المعالي بالتمنى / وإذ يغزَى الأعادي بالسباب
وإذ تعطَى الأريكة في النوادي / وتعطَى التاج في هزل الخطاب
ستنظر إن رفعت بمصر طرفا / رجال الوقت من تلك الصحاب
وقد نبذوا جنابك حين أقوى / وقد لاذوا إلى أقوى جناب
وبالإنجيل قد حلفوا لقوم / كما حلفوا أمامك بالكتاب
يريدون النساء بلا حجاب / ونحن اليوم أولى بالحجاب
فماذا يعلم الأحياء عنا / إذا ما قيل عاد لها عرابي
ويوم من صَبا آذار حلوٍ
ويوم من صَبا آذار حلوٍ / فقدناه وما بلغ الشبابا
تَصَوَّر من حلى النيروز وجها / وَجمَّع من زخارفه إهابا
فَرَاق صباحه صحوا وزهوا / ولذَّ ضحاه حاشية وطابا
تناثر في البطاح حلى وأوفى / على الآفاق فانتظم الهضابا
وسالت شمسه في البحر تبرا / على مثل الزمرد حين ذابا
كأن نسيمه نفَس العذارى / طعمن الشهد أو ذقن الخبايا
تمناه ابن عباد صبوحا / إذا حث المزاهر والشرابا
وما قدَّرت أن سيجنّ ظهرا / ولم تكن القيامة لي حسابا
تشعَّث لِمة واغبر وجها / ودلَّى مِشفرا وأفترنابا
وبدَّل حسن ذاك السمت قبحا / وأصناف النعيم به عذابا
وضج البحر حتى خِيل موسى / أتى بعصاه أو فرعون آبا
وأبرق في العباب كأن سرا / بأسطول الجزيرة قد أهابا
كأن شعاعها في الثلج نار / لفارس حولها ضربوا القبابا
أو الحسناء يوم العرس جنَّت / فمزقتِ الغلائل والنقابا
فمن سَحَر السماء فأمطرتنا / فكان الدر والذهب الذهابا
تروق العين من بيضاء حال / كما تَرَّبتَ بالتِبر الكتابا
منادف عسجد ظفرت بقطن / فما تألوه ندفا وانتهابا
وقطَّعن الثلوج لكل روض / وكل خميلة منها ثيابا
فمن صور مجللة فِراء / ووِلدان مسربلة جبايا
على قدر الهوى يأتي العتاب
على قدر الهوى يأتي العتاب / ومن عاتبت تفديه الصحاب
صحوت فأنكر السلوانَ قلبي / علىّ وراجع الطربَ الشباب
وللعيش الصبا فإذا تولى / فكل بقية في الكأس صاب
وما ورثت له عندى حبال / ولا ضاقت له عني ثياب
كأنّ رواية الأشواق عود / على بدء وما كمل الكتاب
إذا ما اعتضت عن عشق بعشق / أُعيد الكأس وامتدّ الشراب
وكل هوى بلائمة مشوب / وحبك في الملامة لا يشاب
لأنك أنت للأوطان كهف / وأنت حقوق مصرِك والطِلاب
فأهلا بالأمير وما رأينا / هلالا تستقرّ به الركاب
ولا شمسا برأس التنين حلّت / وفي الدنيا ضحاها واللعاب
تغيب عن البلاد وعن بنيها / وما لك عن قلوبهم غياب
أظلتك الخلافة في ذراها / وبرت سوحها بك والرحاب
وفُتِّح للرعاية ألف باب / هناك وسُدّ للواشين باب
وردنا الماء بينكما نميرا / وأظمأَ من يريبكما السراب
وما وجدوا لمفسدة مجالا / ولكن تنبح القمر الكلاب
فعيشا فرقدين من الليالي / وعاش خلائق بكما وطابوا
نداء الخلف بينكما عقيم / وداعي الله بينكما مجاب

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025