وَحُوشِيَ أَن يُقالَ لَها عِتابي
وَحُوشِيَ أَن يُقالَ لَها عِتابي / وَمَن ذا يُسمِعُ الصُمَّ الدُعاءَ
وَهَبكَ نَسيتَ كُلَّ يَدٍ لِقَصدي / عَلى العَليا فَهَل تَنسى الثَناءَ
بَلَغتُ بِكَ الثَرى أَيّامَ عَتبٍ / وَأَيّامَ الرِضا نِلتُ السَماءَ
إِذا جازَيتَ مُحسِنَةً بِحُسنى / فَما يَعتَدُّهُ إِلّا وَفاءَ
فَأَينَ الفَضلُ يَوماً يا أَباهُ / إِذا قالوا أَساءَ بِمَن أَساءَ
وَكَم خَلَقَ العِذارُ عَلَيكَ حُبّاً / وَمِن عُجبٍ بِهِ سَحَبَ الرِداءَ
وَتَملَأُ قَلبَهُ فَيَفيضُ عَتباً / كَما قَد يَملَأُ القَطرُ الإِناءَ
فَإِن عُوِّضتُ مِن وَصلٍ صُدوداً / وَإِن بُدِّلتُ مِن لُطفٍ جَفاءَ
فَلا نَسِيَ النَدى لَمّا نَسِيهِ / بِهِ وَصلاً وَلا قَطَعَ النِداءَ
وَيَسمَعُ عاذِليهِ بِغَيرِ قَلبٍ / وَيَأبى فيكُمُ إِلّا الإِباءَ
وَيَنتَظِرُ التَقاضي لَو نَظَرتُم / فَيُخلِفُهُ وَيَنتَظِرُ القَضاءَ
تَحَكَّم كَيفَ شِئتَ بِقَلبِ عَبدٍ / تَحَكَّمَ في المُنى بِكَ كَيفَ شاءَ
فَلا وَاللَهِ لا نَظَرَت سِواكُمُ / وَإِن فاضَت لِعَتبِكُمُ دِماءَ
فَإِن يُطلِع رِضاكَ عِشايَ صُبحاً / فَإِنَّ السُخطَ أَطلَعَهُ عِشاءَ
وَأُقسِمُ لا أَزالُ لَقَىً إِلى أَن / يُبيحَ اللَهُ لي مِنكُم لِقاءَ
إِذا اِحتَفَلَ النُهى في نَهيِ وَجدي / أَبى إِلّا اِنتِهاكاً لا اِنتِهاءَ
ذَكَرتُ عُلاكُمُ في كُلِّ حالٍ / وَكُنتُم عِندَها أَعلى عَلاءَ
فَمَجدُكُمُ إِذا سُحُبٌ تَعالَت / وَبِشرُكُمُ إِذا بَدرٌ تَراءى
وَجودُكُمُ إِذا غَيثٌ تَدانى / وَقَدرُكُمُ إِذا نَجمٌ تَناءى
وَخَيلُكُمُ إِذا ظُلَمٌ أَجَنَّت / وَنَصرُكُمُ إِذا صُبحٌ أَضاءَ
أَلا لِلَهِ مِنكَ يَدٌ أَفادَت / عَطاءً سِرُّهُ أَمسى غِطاءَ
يُشَبِّهُ عُذرُهُ الإِحسانَ ذَنباً / فَما تَدري أَأَحسَنَ أَم أَساءَ
وَأَحسَنُ مَنظَرٍ في الأَرضِ عِندي / تَواضُعُهُ وَقَد بَلَغَ السَماءَ
أَلا لِلَهِ فيكَ يَمينُ جودٍ / صَحِبنا صَيفَها أَبَداً شِتاءَ
يَسيرُ أَمامَها جَيشُ المَعاني / إِذا هَزَّت مِنَ القَلَمِ اللِواءَ
وَكَم هَرَبَت مَطالِبُنا حَياءً / فَناداها نَداها لا نَجاءَ
هُوَ السَيفُ الَّذي مِنهُ اِستَفادَت / سُيوفُ بَني الوَغى ذاكَ المَضاءَ
وَلَمّا أَرخَصَ الأَحرارَ دَهرٌ / تَغالَت فيهُمُ وَغَلَت شِراءَ
فَأَمّا نَفعُ ذا فَأَطالَ مُكثاً / وَأَمّا سَيلُ ذا فَمَضى جُفاءَ
فَلا عَدِموا الرَخاءَ بِهِ وَأَمّا / شِراهُ لَهُم فَلا عَدِمَ الغَلاءَ
وَأَبقى ما وَهَبتُ لَكُم بَياني / وَكَم ذَهَبَ الهِباتُ فَناً هَباءَ
وَيُعطي يَومَهُ وَغَداً وَأَمساً / وَمَسأَلَةً وَعَوداً وَاِبتِداءَ
يُشَمِّرُ لِلعُلا عَن ساقِ حُرٍّ / وَلا يَثني وِسادَتَهُ اِتِّكاءَ
مَتى كانَ المَديحُ لَكُم كِفاءً / وَمَن يَعتَدُّهُ لَكُمُ وَفاءَ
وَكَم أَورَدتَها بيضاً ظِماءً / وَكَم أَصدَرتَها حُمراً رِواءَ
وَكَم أَطلَعتَ مِن لَمعٍ صَباحاً / وَكَم أَرجَعتَ مِن نَقعٍ عِشاءَ
إِلَيكَ أَزُفُّها أَبَهى عَروسٍ / فَلا عَدِمَ البَنينَ وَلا الرِفاءَ
وَأَينَ الدُرُّ مِنهُ وَهوَ قِدماً / إِذا وَجَدَ السَنا عَدِمَ السَناءَ
مَلَأتَ يَدي فَدَيتُ يَدَيكَ مالاً / فَأَصبحَ في فَمي إِن لُمتُ ماءَ
وَها أَنا قَد فَزِعتُ إِلى طَبيبٍ / وَجَدتُ بِهِ عَلى اليَأسِ الشِفاءَ
أَلا فَلتَعلَمِ الأَيّامُ أنِّي / بلغتُ به من الأرض السماءَ
ولو سقط التفاضلُ في عقولٍ / لَكَانَ الناسُ كُلُّهُمُ سَواءَ
إذا اِتَّشَحَت سُيوفُهُمُ بِأَيدٍ / رَأَيتَ الداءَ قَد سَكَنَ الدَواءَ
دَعِ الكَذِبَينِ في قَولٍ وَفِعلٍ / فَإِنّي قَد رَأَيتُهُما سَواءَ
فَيُسْمَى الكِذبُ في قَولٍ مُحالا / وَيُسمَى الكِذبُ في فِعلٍ رِياءَ
وَلا تَحزَن لِمَن أَولاكَ حُزناً / وَلا تَأسَ عَلى خَلقٍ أَساءَ
وَلا تُتبِعهُ مِن قَلبٍ ضِراماً / وَلا تُتبِعهُ مِن عَينٍ بُكاءَ
وَلا تَقصُر عَلى الآثارِ عَيناً / بِها شَقِيَت فَتُشبِهَها عَفاءَ
وَلي نَفسٌ وَإِن عَزَّت حَبيباً / مِنَ الدُنيا فَما عَزَّت عَزاءَ
وَهَب أَنّي طَبيبُ الهَمِّ يَبقى / فَكَيفَ أَظُنُّ أَن أَبقى بَقاءَ
عَرَفتُ الدَهرَ لَيتَ العِلمَ جَهلٌ / فَلا يَأساً يُديمُ وَلا رَخاءَ
فَلا يَغرُركَ ماءٌ في وُجوهٍ / فَإِنَّ الرَأيَ ما سَكَنَ الرُواءَ
فَرُبَّ صَدىً حَكاهُ السَمعُ صَوتاً / وَلامِعَةٍ رَآها الطَرفُ ماءَ
وَجَدنا في القَناعَةِ أَيَّ مُلكٍ / بِها الفُقَراءُ توجَدُ أَغنِياءَ
فَلا أَرضٌ شَكَت خُطُواتِ رِجلي / رَواحاً في الطِلابِ وَلا اِغتِداءَ
وَلا أَخشى مِنَ الأَيّامِ مَطلاً / وَلا أَرجو إِلى الدُنيا اِقتِضاءَ
وَإِنّي وَالمَطامِعُ مومِضاتٌ / بَوارِقُها لِأَستَحيي الحَياءَ
وَجِئتُ مُقَدَّماً فيهِ أَخيراً / وَأَحمى الجَيشِ مَن يَمشي وَراءَ
لِحِفظِ الماءِ في صَفَحاتِ وَجهي / أُريقُ على صَفائِحِها الذَماءَ
أَفادَك أَن تُقَلِّبَها قُلوباً / فَلَيت هَوىً وَأَفئِدَةً هَواءَ
أَرى خُرقَ العَطايا مِنكَ حَزماً / وَغاياتِ التَواضُعِ كِبرِياءَ
بَقيتَ لَنا عَلى كَدَرِ اللَيالي / تُعاطينا عَلى الكَدَرِ الصَفاءِ
وَتورِدُنا عَلى الظلماءِ بِشراً / يُبَدِّلُ حَيرَةَ الأَمَلِ اِهتِداءَ
وَأَقلى البَذلَ في تَرَفٍ أَراهُ / وَأَهوى المَنعَ في مَلَقٍ عَطاءَ
تَشيمُ يَمينَهُ لاماً لِمالٍ / رَأَتهُ العَينُ في الصَفَحاتِ ماءَ
فَلا أُخِّرتَ في أُخرى جَزاءً / فَما أَرضى لَكَ الدُنيا جَزاءَ
صَحِبنا في ظِلالِكُمُ قُلوباً / فَرَغنَ وَأَيدِياً مِنكُم مِلاءَ
مَلَكتَ سَماً وَأَفئِدَةً وَأَرضاً / دُعاءً أَو وَلاءً أَو ثَناءَ
وَأَخلَدَكَ الثَناءُ بِرَغمِ دَهرٍ / وَهَذا الفَنُّ ما أَلِفَ الفَناءَ
كَفاكَ الإِشتقاقُ لَهُ دَليلاً / إِذا مَدّوا الثَرى قالوا الثَراءَ
وَما فَوقَ التُرابِ يُعَدُّ مِنهُ / فَلا تَقنَ الثَرى وَاِقنَ الحَياءَ