ظَنَتْتَ الدمْعَ يُسْعِدُ بالْعَزَاءِ
ظَنَتْتَ الدمْعَ يُسْعِدُ بالْعَزَاءِ / فَهَلْ أَجْدَى بُكَاؤُكَ أَوْ بُكَائي
وَقُلْتَ بِأَنَّةِ الْمَحْزُونِ أُشْفَى / فَأَحْوَجَكَ الشِّفاءُ إِلَى شِفَاءِ
وَمَنْ يَغْسِلْ بِأَدْمُعِهِ جَوَاهُ / أَرَادَ الْبُرْءَ مِنْ دَاءِ بِدَاءِ
بِنَفْسي الراحِلِينَ مَضَوْا سِرَاعاً / لِوَرْدِ الْمَوْتِ كَالْهِيمِ الظمَاءِ
تَوَلّى عَهْدُهُمْ وَبَقِيتُ وَحْدِي / أُقَلِّبُ طَرْفَ عَيْني في السَماء
رَثَيْتُهُمُ فَأَدْمَى الْحُزْنُ قَلْبِي / فَهَلْ نَدْبٌ يَخِفُّ إِلَى رِثائي
وَكَم حيٍ يَعيشُ بنَفْسِ مَيْتٍ / طَوَتْ آمالَها طَيَّ الردَاءِ
مضَتْ بِهِمُ النَّجَائِبُ مُصْعِدَاتٍ / وَللْبَاكِين رَنَّاتُ الْحُداءِ
تَجلَّوْا في النِّجَادِ ضُحَى صَبَاحٍ / وَغَابُوا في الوِهَادِ دُجَى مَساءِ
وَقَفْتُ أُزَوِّدُ النظَرَاتِ منْهُمْ / وَأُصْغِي لِلنوَادِبِ مِنْ وَرَائي
فَلَمْ أَرَ إِذْ نَظَرْتُ سِوَى جَلالٍ / يَهُولُ وَمَا لَمَسْتُ سِوَى هَبَاءِ
وَنَادَيْتُ الصحَابَ فَبَحَّ صَوْتِي / وَعَادَ إِلَيَّ مَكْدُوداً نِدائِي
تُفَرِّقُنَا الْحَياةُ فَإِنْ أَرَدْنَا / لِقَاءً لَمْ نَجدْ غَيْرَ الْفَنَاءِ
طَرِيقٌ عُبدَتْ مِنْ قَبْلِ نُوحٍ / ولم تُلْقَ التمائِمُ عَنْ ذُكَاءِ
بِهَا الأَضْدَادُ تُجْمَعُ في صَعِيدٍ / وَفِيهَا يَلْتَقِي دَانٍ بِنَاءِ
إِذَأ لَبِسَ الربيعَ شَبَابُ قَوْمٍ / فَأسْرَعُ مَا يُفَاجَأُ بِالشتَاءِ
وَكُلُّ نَضِيرَةٍ فَإِلَى ذُبُولٍ / وَكُلُّ مُضِيئَةٍ فَإِلى انْطِفَاءِ
وَهَلْ تَهْوِي ثِمَارُ الروْضِ إلاَّ / إِذَا أَدْرَكْنَ غَاياتِ النماءِ
أَيَا دَاوُدُ وَالذكْرَى بَقَاءٌ / ظَفِرْتَ بكُلِّ أَسْبَابِ الْبَقَاءِ
نَعَاكَ لِيَ النُعَاةُ فَقُلْتُ مَيْنٌ / وَكَمْ يَأْسٍ تشَبَّثَ بالرجَاءِ
نُمَارِي كُلَّمَا فَدَحَتْ خُطُوبٌ / فَتَرْتَاحُ النفُوسُ إِلَى الْمِرَاءِ
مَلَكْتَ يَرَاعَةً وَمَلَكْتَ قَلْباً / فَكَانَا سُلَّمَيْنِ إِلَى الْعَلاءِ
شَبَاةٌ شَقَّها الْبَارِي فَشَقَّتْ / طَرِيقاً لِلْمَجادَةِ والسراءِ
إِذَا ما أُشرِعَتْ في الْخَطِّ مالَتْ / رِماحَ الْخَطِّ مِيلَةَ الازْدِهاءِ
وَإنْ هِيَ جُرِّدَتْ لِمَضاءِ عَزْمٍ / تَوَارَى السَيْفُ مِنَ هَوْلِ الْمَضَاءِ
وَإنْ هِيَ لاَمَسَتْ يَدَهُ أَضَاءَتْ / فَهَلْ أَبْصَرْتَ فِعْلَ الْكَهْرَباءِ
كَأَنَّ لُعَابَهَا قِطْعُ اللَّيالِي / تَنَفَّسُ عن تَبَاشِيرِ الضيَاء
كَأَنَّ النِّقْسَ فَوْقَ الطْرسَ غَيْثٌ / أَعَارَ الأَرْضَ ثَوْباً مِنْ رُوَاءِ
بَيَانُكَ وَاضِحُ الْقَسَمَاتِ صَافٍ / يَكادُ يُشِعُّ مِنْ فَرْطِ الصفَاءِ
يَكادُ يَسِيلُ فِي الْقِرْطَاسِ لُطْفاً / فَتَحْبِسُهُ عَلاَمَةُ الانْتِهاءِ
بَيَانٌ لَوْ صَدَعْتَ بِهِ اللَّيَالِي / رَأَيْتَ الصبْحَ مِنْهَا في الْعِشَاءِ
لَهُ نُورٌ يَكادُ يَسِيرُ فِيهِ / رَهِينُ المَحْبِسَيِنْ بِلاَ عَنَاءِ
لَهُ النَّبَراتُ نَدْعُوهَا غِنَاءً / فَتَأْبَى أَنْ تُعَدَّ مِنَ الْغِنَاءِ
سُلاَفٌ تَنْهَلُ الأَرْوَاحُ مِنْهُ / وَتَحْمِلُهُ السُقَاةُ بِلاَ إِنَاءِ
وَرَوْضَاتٌ حَلَتْ في كُلِّ عَيْنٍ / وَأَغْرَتْ بِالأَزَاهِرِ كُلَّ رَائي
طَلَبْنَ إِلَى الْغَمامِ كِسَاءَ حُسْنٍ / فَكَلَّفَ قَطْرَهُ وَشْيَ الْكِسَاءِ
تُرِيكَ عَجَائِبَ الألْوَانِ شَتَّى / كَمَا عَكَسَتْ أَشِعَّتَهَا الْمَرَائي
أَوِ الْعَذْرَاءَ حِينَ رَأَتْ غَرِيباً / فَلَثَّمَتِ الْمَلاَحَةَ بِالْحَيَاءِ
بَنَي لُبْنَانَ خَطْبُكُمْ جَلِيلٌ / دَعُونا نَقْتَسِمْهُ عَلَى السَواءِ
مَضَى شَيْخُ الصحَافَةِ أَرْيَحيّاً / مُبِيد الْوَفْرِ جَمَّاعَ الثنَاءِ
خِلالٌ كُلُّهَا أَنْفَاسُ رَوْضٍ / وَنَفْسٌ كُلُّها قَطَرَاتُ مَاءِ
نُعَزِّي فِيهِ لُبْنَاناً وَنَبْكِي / فَمَنْ أَوْلَى وَأَجْدَرُ بِالْعَزَاءِ
مُصَابُكُمُ وَقَدْ أَدْمَى مُصَابِي / وَرُزْءُ الْعَبْقَرِيَّةِ وَالذكاءِ
لَهُ اهْتَزَّتْ بَوَاسِقُ نَخْلِ مِصْرٍ / وَهَالَ الأَرْزَ إِرْجَافُ الْفَضَاءِ
بَنِي الْقُطْرِ الشَقِيقِ لَنَا صِلاَتٌ / كَرِيمَاتٌ عُقِدْنَ عَلَى الْوَفَاءِ
بَنُو أَعْمَامِنَا أَنْتُمْ وَفِيكُمْ / حِفَاظٌ لِلْمَوَدَّةِ وَالإِخَاءِ
وَفِي الْفُصْحَى لَنَا نَسَبٌ كَرِيمٌ / كَقُرْصِ الشمْسِ شَمَّاخُ السنَاءِ
أَعَدْناهَا نِزَارِيةً عَرُوباً / لَها حُسْنُ الْتِفاتٍ وانْثِناءِ
إِذَا خَطَرتَ بِنَادِي الْقَوْمِ حَلُّوا / مِنَ الإِكْبَارِ مَعْقُودَ الْحُبَاءِ
تَجَاوَزْنَا بِهَا أَطْلاَلَ سُعْدَى / وبَدَّلْنَا الْمَقَاصِرَ بِالْخِبَاءِ
وَجِئْنَا بِالْعُجَابِ يُخَالُ سِحْراً / وَكُلُّ السحْرِ مِنْ أَلِفٍ وَباءِ
وَكانَتْ قَبْلَ نَهْضَتِنَا نُحَاساً / وَكُنَّا سَادَةً فِي الْكِيمِيَاءِ
قَضَى دَاوُدُ فَالأقْلاَمُ حسْرَى / نَوَاكِسُ خَاشِعاتٌ لِلْقَضَاءِ
هِيَ الأيَّامُ تَهْدِمُ ما بَنَتْهُ / فَماذَا يَبْتَغِينَ مِنَ الْبِنَاءِ
حَيَاةُ الْمَرْءِ في الدنْيَا هَبَاءٌ / وَآمَالُ الْمُؤَمِّلِ مِنْ هَوَاءِ
وَمَا لِلْجَازِعِينَ سِوَى اصْطِبَارٍ / وَمَا للسَّاخِطِينَ سِوى الرضَاءِ