القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : ابنُ دَرّاج القَسْطَلّي الكل
المجموع : 3
بِحُكْمِ العَدْلِ من قاضِي السَّماءِ
بِحُكْمِ العَدْلِ من قاضِي السَّماءِ / حباكَ بِحَقِّ أَحكامِ القَضاءِ
وِراثَةَ مُورِثِ الأَبناءِ مِمَّا / تَحَلّى مِنْ تُرَاثِ الأَنْبِياءِ
أبٌ وَفَّاكَ مِيراثَ المساعي / كما وَفَّيْتَهُ عَهْدَ الوَفاءِ
تَهَدَّى فَارْتَدى حِلْماً وعِلْماً / فلَمْ تُسبَقْ إِلَى ذَاكَ الرِّداءِ
لِتَلْبَسَهُ بإِفضالٍ وفَضْلٍ / وتَنْشُرَهُ بِهَدْيٍ واهْتِدَاءِ
نَماكَ وَقَدْ بَنى دِيناً ودُنْيا / لِتَخْلُفَهُ عَلَى ذَاكَ البِناءِ
وشَيَّدَهُ بإِخلاصِ الأَمانِي / وأَسَّسَهُ بِمَقْبُولِ الدُّعاءِ
عَلِيماً أَنَّ أَرْفَعَ مَا بَناهُ / بناءٌ أُسُّهُ لَكَ فِي السَّماءِ
وأَزْكى مَنْ زَكا صِدْقاً وعَدْلاً / زَكِيٌّ حاز ميراث الزَّكاءِ
فمازَكَ ذو الجلالِ بِعِلْمِ غَيْبٍ / وفَرَّكَ ذُو الرِّياسَةِ عن ذّكاءِ
مَلِيكٌ كُلَّمَا بَلَغَ انْتِهاءً / مِنَ العَلْيا أَهَلَّ إِلَى ابْتِداءِ
فَسُؤْدَدُهُ كَجُودِ يَدَيْهِ جارٍ / منَ الدُّنيا إِلَى غَيرِ انْتِهاءِ
تَجَلَّى فِي بهاءِ نَدىً وعَدْلٍ / ومَدَّ عَلَيْكَ من ذَاكَ البَهاءِ
رجاءٌ فيكَ صُدِّقَ كي يُجازى / كما اسْتَدْعَاكَ تصديقُ الرَّجاءِ
وجَزلاً من عطاءِ اللهِ أَعْدَى / يَدَيْكَ بِهِ جزيلاتُ العَطَاءِ
لتصْرِفَ دعوةَ المظلومِ عَنْهُ / كما صَرَفَ السَّوَامَ إِلَى الرِّعاءِ
وتَرْعى موقِفَ المَلْهوفِ عَنْهُ / يُلَبِّي نَفْسَهُ قَبْلَ النِّداءِ
وتبسُطَ منك للغُرَباءِ وَجْهاً / يُجَلِّي عَنْهُمُ كُرَبَ الجَلاءِ
فَتُبْلِيَ فِيهِمُ سِيَرَ ابْنِ يَحْيى / كما أَبْلاكَ محمودَ البَلاءِ
فأَعْطى القَوْسَ بارِيَها وشُدَّتْ / عَرَاقِي الدَّلْوِ فِي كَرَبِ الرَّشَاءِ
ورُدَّ الرُّوحُ فِي جِسْمِ المَعَالي / ولاحَ النَّجْمُ فِي أُفْقِ السَّماءِ
وجُرِّدَ للهُدى والحقِّ سيفٌ / مُحَلَّىً بالمحامِدِ والثَّناءِ
فوَلّى النُّكْرُ مهزومَ النَّوَاحِي / وجاءَ العُرْفُ منشورَ اللِّواءِ
وغارَ الظُّلمُ فِي ظُلَمِ الدَّياجِي / ولاحَ العدلُ فِي حُلَلِ الضِّياءِ
بِيُمْنٍ أَلبَسَ الأَيَّامَ نُوراً / يُدِيلُ مِنَ الشَّدائِدِ بالرَّخاءِ
وأحكاماً بَثَثْنَ العدلَ حَتَّى / تقاسَمَها الأَباعِدُ بالسَّواءِ
وأخلاقاً خُلِقْنَ منَ التَّمَنِّي / فلاقَتْ كُلَّ هَمٍّ بالشِّفاءِ
فهُنَّ الماءُ فِي صَفْوٍ ولينٍ / وسَوْغٍ وَهْيَ نارٌ فِي الذَّكاءِ
فما بالنَّفْسِ عنها مِن تَناهٍ / ولا بالسِّرِّ عنها من خَفاءِ
فكم جَلَّيْتَ من نَظَرٍ جَليٍّ / قرأْتَ بِهِ أَساطِيرَ الدَّهاءِ
وكم أَوْرَيْتَ من زَنْدٍ ثَقُوبٍ / أَراكَ سِراجُهُ غَيْبَ الرِّياءِ
وكم أَحيَيْتَ من ناءٍ غريبٍ / فقيدِ الأَهْلِ مُنْبَتِّ الإِخاءِ
وكم نَفَّستَ كُرْبَةَ مستكينٍ / تَأَخَّرَ عنهُ نَصْرُ الأَولِياءِ
وكم جَلَّيْتَ من خطْبٍ جليلٍ / وكم دَاوَيْتَ من داءٍ عَياءِ
ولا كَبَني سبيلٍ شَرَّدَتْهُمْ / عن الأَوْطانِ قاضِيَةُ القضاءِ
عواصِف فِتْنَةٍ غَمَّتْ بِغَيْمٍ / بوارِقُهُ سُيُوفُ الإِعْتِداءِ
فأَصْعَقَهُمْ براعِدَةِ المنايا / وأَمْطَرَهُمْ شآبِيبَ الفَناءِ
وطافَ عَلَيْهِمُ طُوفانُ رَوْعٍ / أَفاضَ بِهِمْ إِلَى القفْرِ الفضاءِ
سهامُ نَوىً إِلَى بَرٍّ وبَحْرٍ / وأَغراضٌ لِنُشَّابِ البلاءِ
سَرَوْا فَشَرَوْا بأَفياءٍ صَوافٍ / فيافِيَ لا يَقِينَ من الضَّحاءِ
وحُمْرَ الموتِ من خُضْرِ المَغَانِي / وسُودَ البيدِ من بِيضِ المُلاءِ
ومن كِلَلِ السُّتورِ كلالِ خُوصٍ / وَعَدْتَهُمُ النجاةَ عَلَى النِّجاءِ
وَقَدْ جَدَعَتْ أُنوفَ العِزِّ منهُمْ / خطوبٌ سُمْتَهُمْ أَنفَ الإِباءِ
وأَلْبَسَهُمْ ثِيابَ الذُّلِّ خطبٌ / يَلِيهِمْ فِي ثِيابِ الكِبْرِياءِ
وَأَلْحَقَهُمْ بِلُجِّ البَحْرِ سَيْلٌ / يَمُدُّ مُدَودَهُ فَيْضُ الدِّماءِ
فَوَشْكاً مَا هَوى بِهِمُ هواءٌ / تأَلَّفَهُمْ بأَفئِدَةٍ هَوَاءِ
وحالَ الموجُ دونَ بَني سَبيلٍ / يَطيرُ بهمْ إِلَى الغَوْلِ ابْنُ ماءِ
أَغَرُّ لَهُ جَناحٌ من صباحٍ / يُرَفْرِفُ فَوْقَ جُنْحٍ من مساءِ
يُذَكِّرُهُمْ زَفِيفُ الرِّيحِ فِيهِ / تناوُحَها بِرَبْعِهِمُ الخَلاءِ
ومَحْوُ الماءِ مَا يَخْتَطُّ فِيهِ / دياراً خلَّفوها لِلْعَفاءِ
وصَكُّ الموجِ فِيهَا كُلَّ وَجْهٍ / وُجُوهاً ساوَرَتْهُمْ بالجَفاءِ
وعُدْمُهُمُ صفاءَ الماءِ مِنْهُ / بِعُدْمِهِمُ لإِخوانِ الصَّفاءِ
بِحيثُ تَبَدَّلُوا باللَّهْوِ هَوْلاً / ورَحْبَ الماءِ من رَحْبِ الفِنَاءِ
ومن قَصْفٍ وراحٍ قَصْفَ رِيحٍ / ومن لَعِبِ الهَوى لَعِبَ الهواءِ
كَأَنَّ البَرَّ والبحرَ اسْتَطَارَا / تِجاراً هَمُّهُمْ بُعْدُ الثِّناءِ
يبيعونَ الرَّغائِبَ بَيْعَ بَخْسٍ / ويَشْرُونَ المصائِبَ بالغَلاءِ
ولكنَّ البضائِعَ من هُمُومٍ / عَلَتْ بالرِّبحِ فيهمْ والنَّماءِ
فكَمْ طَلَبُوا الأَمَانِي بالأَمانِي / وكم باعُوا السَّعادَةَ بِالشَّقَاءِ
وكم فاضَتْ مدامِعُهُمْ فَمَدَّتْ / عُبابَ البَحْرِ بالماءِ الرُّواءِ
وَقَدْ وَفَدَتْ جوانِحُهُمْ بِشَجْوٍ / ينادي الشَّمْسَ حيَّ عَلَى الصَّلاءِ
وكم خاضُوا كَهِمَّتِهِمُ بُحوراً / وكم عَدِمُوا الثَّرى عَدَمَ الثَّرَاءِ
وجاءَ الموتُ مُقْتَضِياً نفوساً / لَوَتْ بِقَضائِهِنَّ يَدُ القضاءِ
وما رَدَّ الرَّدى عنها حَنَاناَ / ولكِنْ مَطْلَ داءٍ بالدَّواءِ
فَلأْياً مَا أَهَلَّ بِهِم بشِيرٌ / إِلَى أَرضٍ تَخَيَّلُ فِي سَماءِ
ولأْياً مَا تجافى اليَمُّ عَنْهُمْ / تجافِيَهُ عنِ الزَّبَدِ الجُفَاءِ
ويا عَجَبَ الليالي أَيُّ بَحْرٍ / تَغَلْغَلَ بَيْنَ أَثناءِ الغُثَاءِ
ومن يَسْمعْ بأَنَّ نُجومَ لَيْلٍ / هَوَتْ مَعْ بَدْرِها فَهُمُ أُولاءِ
وأَخْطَأَ سَيْرُهُمْ أُفْقَ ابْنِ يَحْيى / لِيُخْطِئَ عِلْمُهُمْ بِالكِيمياءِ
وكم سَرَتِ الرِّفاقُ بِلا دَليلٍ / إِلَيْهِ والمطيُّ بلا حُدَاءِ
وكم وُقِيَتْ رِكابٌ يَمَّمَتْهُ / سِهامَ النائِباتِ بلا وِقاءِ
فما شَرِبُوا مياهَ الأَرْضِ حَتَّى / تَرَكْنَ وجوهَهُمْ من غَيْرِ ماءِ
ولا نَشَقُوا حياةَ العَيْشِ إِلّا / وَقَدْ خَلَعُوا جَلابِيبَ الحَياءِ
ولا جابُوا إِلَيْهِ القَفْرَ حَتَّى / تَجَاوَبَتِ الحمائِمُ بالبُكاءِ
ولا دَلَّ الزَّمانُ عَلَيْهِ حَتَّى / حَسِبْتُ عِدَايَ قَدْ مَاتُوا بِدائِي
وَلا أَلْقَوا عَصا التَّسيارِ حَتَّى / عَفَتْ حَلَقُ البِطانِ من اللِّقاءِ
ولا بَلَغُوا مُنَاخَ العِيسِ إِلّا / وَفِي الحُلْقُومِ بالِغَةُ الذِّماءِ
وَفِي رَبِّ العبادِ عَزَاءُ عِزٍّ / لِذُلٍّ غالَهُ عِزُّ العَزَاءِ
وَفِي المَنْصُورِ مأْوىً وانتِصارٌ / لِمَنْبُوذِ الوسائِلِ بالعَرَاءِ
وَفِي قاضِي القُضاةِ قَضَاءُ حَقٍّ / لِمَنْ يرعاهُمُ راعِي الرِّعاءِ
أَبُو الحَكَمِ الَّذِي أَلقَتْ يداهُ / إِلَيْكَ الحُكْمَ فِي دانٍ ونَاءِ
وإِنَّكَ منه فِي عدلٍ وفضلٍ / عَلَى أَمَدِ البِعادِ أَوِ الثَّواءِ
مكانَ الفَجْرِ أَشرقَ من ذُكاءٍ / تأَلُّقُهُ وأَعْرَبَ عن ذكاءِ
وإِن يَكُ قُدْوَةَ الكُرمَاءِ جُوداً / فإِنَّكَ بالمكارِمِ ذُو اقْتِداءِ
وإِنَّ أَحَبَّ مَا تَقْضِي إِلَيْهِ / لِمَنْ آواهُمُ حُكْمُ الحِباءِ
وأَنْتَ بسَمْعِ رَأْفَتِهِ سَمِيعٌ / لَهُمْ وبِعَيْنِهِ فِي العَطْفِ راءِ
فإن لَحَظُوكَ من طَرْفٍ خَفِيٍّ / فقد نادَوْكَ من بَرْحِ الخَفاءِ
لِدَيْنٍ لا يَدِينُ بِهِ لِنَبْعٍ / وأَغصانٍ مُشَذَّبَةِ اللِّحاءِ
ودَيْنُهُمُ عَلَى الإِسلامِ أَوْلى / ومالُ اللهِ أَوْسَعُ لِلأَداءِ
هُوَ الحَقُّ الَّذِي جاءَتْكَ فِيهِ / شُهودُ العَدْلِ من رَبِّ السَّماءِ
وَمَا فِي لَحْظِ طَرْفِكَ من نُبُوٍّ / ولا فِي نُورِ رَأْيِكَ من هَباءِ
فهل ببراءةٍ و الحَشْرِ رَيْبٌ / يُبَيَّنُ بالنِّفارِ أَوِ الجَلاءِ
وإِنْ تَزْدَدْ فَثانِيَةُ المثانِي / وإِنْ تَزْدَدْ فرابِعَةُ النِّساءِ
وهلْ بَعْدَ الأُسارى والسَّبايا / مكانٌ للفكاكِ أَوِ الْفِدَاءِ
وَقَدْ قالُوا افْتِقارٌ أَوْ إِسَارٌ / كما قالُوا الجلاءُ مِنَ السِّباءِ
وهَلْ بالبَحْرِ من ظَمَأٍ فَيَرْوى / صَدَاهُ بِغَيْرِ أَكْبادٍ ظِماءِ
وَمَا فِي وَعْدِ رَبِّ العَرْشِ خُلْفٌ / بِما لِلْمُحْسِنِينَ مِنَ الجَزَاءِ
ومَنْ يَرْغَبْ بقاءَ العدل يَسأَلْ / لَكَ الرحمنَ طولاً فِي البَقاءِ
وأَيَّةُ حُرَّةٍ من حُرِّ نَظْمِي / تَجَلَّتْ للخلائِقِ فِي جِلاءِ
هَدِيَّةَ واصِلٍ وهَدِيَّ كُفْءٍ / إِلَى كُفْءِ الهَدَايا والهِدَاءِ
مُتَوَّجَةً بتاجٍ من وِدادِي / مُقَلَّدَةً بِدُرٍّ من ثَنائِي
أَخُو ظَمَأٍ يَمُصُّ حَشاهُ سَبْعٌ
أَخُو ظَمَأٍ يَمُصُّ حَشاهُ سَبْعٌ / وأَرْبَعَةٌ وكُلُّهُمُ ظِماءُ
كَأَنْجُمِ يوسُفٍ عَدَداً ولكِنْ / بِرؤْيَا هَذِهِ بَرِحَ الخَفاءُ
خطوبٌ خاطَبَتْهُمْ من دَوَاهٍ / يموتُ الحزمُ فِيهَا والدَّهاءُ
تراءَتْ بالكواكِبِ وَهْيَ ظُهْرٌ / وآذَنَ فِيهِ بالشَّمْسِ العِشاءُ
فَهَلْ نَظَرِي تَخَفَّى أَوْ بِصَدْرِي / وضاقَ البَحْرُ عَنْها والفَضَاءُ
وكُلُّهُمُ كَيُوسُفَ إِذْ فَدَاهُ / مِنَ القَتْلِ التَّغَرُّبُ والجَلاءُ
وإِنْ سجنٌ حواهُ فكَمْ حواهم / سجونُ الفُلْكِ والقفرُ القَواءُ
وأيَّةُ أُسوةٍ فِي الحسنِ منهُ / لإِحسانِي إِذَا ارْتُخِصَ الشِّراءُ
وَفِي باكيهِ من بُعدٍ وصدري / وأَجفانِي بِمَنْ أبكي مِلاءُ
وأَوْحَشُ من غروبِ الشمس يوماً / كسوفٌ فِي سَناها وامِّحاءُ
وأَفلاذُ الفؤادِ أَمَضُّ قَرْحاً / إِذَا رَمَتِ العيونَ بما تُساءُ
فما كسرورِهِمْ فِي الدهر حُزْنٌ / ولا كشِفائِهم فِي الصدْرِ داءُ
نَقَائِذُ فتنةٍ وخُلوفُ ذُلٍّ / أَلَذُّ من البقاءِ بِهِ الفَناءُ
فإِن أَقْوَتْ مغاني العِزِّ منهمْ / فكم عَمِرَتْ بِهِم بِيدٌ خلاءُ
وإِنْ ضاقَتْ بِهِم أَرضٌ فأَرضٌ / فما بَكَّتْ لمثلِهِمُ السَّماءُ
وإِنْ نَسِيَ الرَّدى منهم ذَماءً / فأَعْذَرَ زاهِقٌ عنه الذَّماءُ
فكَمْ تركوا معاهِدَ مُوحشاتٍ / عَفَتْ حَتَّى عفا فِيهَا العفاءُ
فأَظْلَمَ بعدَنا الإِصباحُ فِيهَا / وكم دهرٍ أَضاءَ بِهَا المساءُ
وجَدَّ بِهَا البِلى فحكتْ وجُوهاً / نأَتْ عنها فَجَدَّ بِهَا البَلاءُ
وَهَوْنُ هَوَانِها فِي كلِّ عَيْنٍ / جديرٌ أن يعِزَّ لَهُ العزاءُ
بَسَطْنَ لكلِّ مقبوضٍ يداهُ / فما فِيهِنَّ غيرُ الدَّمْعِ ماءُ
شُموسٌ غالها ذُعْرٌ وبَيْنٌ / فهُنَّ لكلِّ ضاحيةٍ هَباءُ
وكم لبسُوا من النُّعمى بُروداً / جلاها عن جسومِهِمُ الجلاءُ
مَلابِسُ بامة لَمْ يَبْقَ منها / لهم إِلّا ابْنُ يَحْيى والحياءُ
فإِنْ كشفوا لَهُم منه غطاءً / ففيهِ وفيكَ لي ولهم غِطاءُ
شفيعٌ صادِقٌ منه الوفاءُ / ومولىً صادقٌ فِيهِ الرَّجاءُ
وإِنْ دَجَتِ الخُطوبُ بِهِم عَلَيْهِ / فأَنْتَ لكُلِّ داجيةٍ ضِياءُ
وإِنْ طَوَتِ الرَّزايا من سَناهُمْ / فلحظُكَ منه يتَّضِحُ الخَفاءُ
وإِنْ أَخفى نِداءهُم التَّنائِي / فسمعُكَ منه يُستمعُ النِّداءُ
وإِنْ وَرَدُوا قليبَ الجود عُطْلاً / فأَنت الدَّلْوُ فِيهَا والرِّشاءُ
وَقَدْ شاءَ الإِلَهُ بأَنَّ أندى / بحارِ الأَرضِ يَسقي من تشاءُ
فَنَبِّهْ فادِيَ الأَسْرى عَلَيْهِمْ / نفوسُهُمُ لَهُ ولَكَ الفِداءُ
غصونٌ عندَ بحرِ نداهُ أَوْفَتْ / بِهَا كَحْلٌ وَقَدْ شَذَبَ اللِّحاءُ
وآواها الرَّبيعُ وكلَّ حين / يعيثُ القيظُ فِيهَا والشتاءُ
وجاوَرَتِ الصَّبا فَغَدَتْ وأَمْسَتْ / تُجَرْجِرُ فِي حَشاها الجِرْبِياءُ
رَمَتْ بِهِمُ الحوادثُ نحوَ مولىً / حواها الرِّقُّ منه والولاءُ
وقادَهُمُ الكتابُ إِلَى مليكٍ / تقاضاهُمْ ليمناه القضاءُ
فكم عسفوا إِلَيْهِ لُجَّ بحرٍ / تَلاقَى الماءُ فِيهِ والسَّماءُ
وجابوا نحوَهُ من لُجِّ قفرٍ / يجاوبُ جِنَّهُ فِيهِ الحُداءُ
وكم ناجَتْ نفوسَهُمُ المنايا / فَلأْياً مَا نجا بِهِم النَّجاءُ
وكم بارَوْا هُوِيَّ النجْم تهوي / بِهِم فِي البِيدِ أَفئدةٌ هواءُ
وكمْ صَحِبُوا نُجُومَ اللَّيْلِ حَتَّى / جَلاها فِي عُيُونِهِمُ الضَّحَاءُ
وَرَاعَوْها وَمَا ليَ غَيْرُ جَفْني / وأَجْفانِي لِسِرْبِهِمُ رِعاءُ
هُدىً لَهُمُ إِلَى الآفاقِ حَتَّى / سَرَتْ وَلَهَا بِسَيْرِهِمُ اهْتِداءُ
فما ظَفِرُوا بِمِثْلِكَ نَجْمَ سَعْدٍ / بِهِ لَهُمُ إِلَى الأَمَلِ انْتِهاءُ
ولكِنْ عَدَّلُوا مِنْها حِساباً / لَهُ فِيما دَعَوْكَ لَهُ قَضاءُ
كما زَجَرُوا مِن اسْمِ أَبِيكَ فَأْلاً / فَرُدَّتْ فِيهِ قَبْلَ الزَّايِ رَاءُ
وخَوَّلَ فَأْلُهُمْ بِكَ فَانْتَحاهمْ / بِهِ أُكُلٌ وظِلٌّ واجْتِنَاءُ
فَذَكِّرْ وَادَّكِرْ جِيرانَ بَيْتٍ / بِبَيْتٍ فِيهِ للكَرَمِ اقْتِداءُ
وفيهِ للنُّهى حَكَمٌ وحُكْمٌ / وللنُّعمى قضاءٌ واقْتِضاءُ
إِذَا نَزلَ الشتاءُ بِجارِ بَيْتٍ / تَجَنَّبَ جارَ بَيْتِهِمُ الشِّتاءُ
تُناضِلُ عنكَ أًقدارُ السماءِ
تُناضِلُ عنكَ أًقدارُ السماءِ / وتبطِشُ عن يَدَيْكَ يدُ القضاءِ
وسعيٌ لا يَعُوجُ عَلَى حُلُولٍ / وشأْوٌ لا يفوتُ إِلَى انْتِهاءِ
فما قَصُرَتْ رِماحُكَ عن عَدُوٍّ / ولَوْ أَعْيا بِهِ أَمَدُ التَّنائِي
إِذا أَشْرَعْتَها فِي إِثْرِ غاوٍ / فَقدْ ضاقَتْ بِهِ سُبُلُ النَّجاءِ
ولو طارَتْ بِهِ أَلفا عُقابٍ / يَرُمْنَ بنفسِهِ خَرْقَ الهواءِ
وأَيْنَ يَفِرُّ عَنْ دركِ المنايا / وأَيْنَ يَشِذُّ من تحتِ السماءِ
فَيَهْنِ الدينَ والدنيا بشيرٌ / بِغَرْسِيَةِ الأَعادِي والعَدَاءِ
بصُنْعٍ أَعْجَزَ الآمالَ قِدْماً / وقَصَّرَ دُونَهُ أَمَدُ الرَّجاءِ
أَلذَّ عَلَى المسامِعِ من حياةٍ / وأَنْجَعَ فِي النفوسِ من الشِّفاءِ
فيا فَتْحاً لمُفْتَتِحٍ وبُشرى / لمنتظِرٍ ويا مَرْأَىً لِراءِ
أَسِيرٌ مَا يُعادَلُ فِي فكاكٍ / وعانٍ مَا يُساوَى فِي فِداءِ
هُوَ الدَّاءُ العَياءُ شَفَيْتَ منهُ / فما لِلدِّينِ من داءٍ عياءِ
لقد كادَتْ سعودُكَ منهُ نَجْماً / منيعَ الجَوِّ وَعْرَ الإِرْتِقاءِ
وأَعْظَمَ فِي الضَّلالَةِ من صليبٍ / وأَعْلَى فِي الكتائِبِ من لِواءِ
حَمى شِيَعَ الضَّلالِ فأَهَّلَتْهُ / لِمِلْكِ الرِّقِّ منها والولاءِ
زعيمٌ بالكتائِبِ والمَذَاكِي / ثِمالٌ للرَّعايا والرِّعاءِ
مُباري سَيْفِهِ قَدَماً وبأْساً / ومشفوعُ التجارِبِ بالدَّهاءِ
وهَلْ للحزمِ والإِقدامِ يوماً / إِذَا عَنَّتْ سُعُودُكَ من غَناءِ
تعاطى فِي جنودِ اللهِ كَرَّاً / وَقَدْ نَبَذَتْ إِلَيْهِ عَلَى سَوَاءِ
وَمَا للنَّصْرِ عنها من خِلافٍ / وَمَا للفَتْحِ منها مِنْ خَفاءِ
فساوَرَ نحوَها غَوْلَ المنايا / وجُرِّعَ دُونَها مُرَّ اللقاءِ
وأَجْلَتْ عنه مُنْجَدِلاً صريعاً / مَصُونَ الشِّأْوِ مَحْمِيَّ الذَّماءِ
وأَسلَمَهُ إِلَى الإِسلامِ جيشٌ / أَغَصَّ بِجَمْعِهِ رَحْبَ الفَضاءِ
لئِنْ خَذَلَتْهُ أَطرافُ العوالي / لقد آساهُ إِعوالُ البُكاءِ
بكُلِّ مُرَجِّع للنَّوْحِ يُشْجِي / بَوَاكِيَهُ بتَثْوِيبِ النِّداءِ
نَعاءِ إِلَى ملوكِ الرُّومِ طُرَّاً / ذَوي التِّيجانِ غَرْسِيَةً نَعاءِ
وهَلْ للرومِ والإِفْرَنْجِ منهُ / وَقَدْ أودى سِوى سُوءِ العزاءِ
فملكُ الكُفْرِ لَيْسَ بِذِي وَلِيٍّ / وثأْرُ الشِّرْكِ لَيْسَ بذي بَوَاءِ
لقد أَرْضَتْ سيوفُكَ فِيهِ مولىً / كريم العَهْدِ مَحمود البَلاءِ
فما أَغْنَتْ بظهرِ الغَيْبِ إِلّا / وَقَدْ أَغنى بِهَا كرَمُ الوَفاءِ
ولا أَسَرَتْ لَكَ الأَملاكَ إِلّا / وَقَدْ أَلْبَسْتَها سِيما السَّناءِ
ولا خَطَفَتْ لَكَ الأَرواحَ إِلّا / وَقَدْ أَرْوَيْتَهُنَّ من الدِّماءِ
وَقَدْ أَبلَيْتَ فِيهِ اللهَ شُكْراً / تواصِلُهُ بإِخلاصِ الدُّعاءِ
وسِعْتَ عبادَهُ صَفْحاً وفَضْلاً / عليماً أَنَّهُ رَبُّ الجزاءِ
فوالى بالمزيدِ من الأَماني / وضاعَفَ بالجزيلِ من العطاءِ
وأَتْبَعَ فَلَّ غَرْسِيَةٍ عجالاً / يسوقُهُمُ الرَّدى سَوْقَ الحُدَاءِ
فأَسْأَلُ من بَرَاهُمْ للمنايا / بسيفِكَ أَن يَخُصَّكَ بالبقاءِ
قريرَ العَيْنِ مشفوعَ الأَمانِي / سعيدَ الجَدِّ محبورَ الثَّوَاءِ
لِمُلْكٍ لا يُراعُ بِرَيْبِ دَهْرٍ / وسَعْدٍ لا يحورُ إِلَى انقضاءِ

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025