إليك تتوق أيتها السماءُ
إليك تتوق أيتها السماءُ / نفوسٌ قد أضرَّ بها الشقاء
ومضَّتها على الأرض الرزايا / وأسأمها بمحبسها الثواءُ
أَحِقِّي يا سماء مُنى نفوس / إليك لها إليك لها التجاء
ترجِّي فيك بعد الموت عيشاً / فوا أسفاه إن خاب الرجاءُ
عِدينا ثم إن شئت امطلينا / فإنا بالوعود لنا اكتفاءُ
وإنا نحن قوم قد أُهنَّا / وإنا نحن قوم أبرياءُ
وإنا قد عشقنا الموت لما / سمعنا ذكره فمتى اللقاء
إذا أمست حياة المرء داءً / فليس سوى الحمام لها دواءُ
يشاء المرء أن يحيا سليماً / ولكنَّ الحوادث لا تشاءُ
وما حب المعيشة في ديارٍ / لأحرار النفوس بها جفاءُ
فلا سقيا ولا رعيا لأرضٍ / تُراق على جوانبها الدماءُ
وما سلمت عليها قبل هذا / من الأرزاء حتى الأنبياء
أنفسي إن جزعت من المنايا / فإني منكِ يا نفسي براءُ
عبدتِ الأدنياءَ رجاءَ دنيا / حوتها بالخداع الأدنياءُ
وأُوردت الهوان فلم تُعافى / فأين تحدثي أين الإباءُ
أَبيني يا سماء وخبرينا / بما لم ندر دام لكِ العلاءُ
ولا زالت على مرِّ الليالي / نجومك يستضئ بها الفضاءُ
هل الأرواح بعد الموت منا / لها في جوِّك السامي بقاءُ
أم الأرواح تابعة جسوماً / لنا تبلى فيلحقها الفناءُ
فضاؤُك هل يصير إلى انتهاءٍ / أم الأبعاد ليس لها انتهاءُ
وحقٌّ أن للإجرام حداً / أم الحدُّ الذي يعزى افتراءُ
وبعد نهاية الأجرام قولي / خلاءٌ في الطبيعة أم ملاءُ
يحيرني امتدادك في الأعالي / ويبهجني بزرقتك الصفاءُ
أُحبُّ ضياء أنجمك الزواهي / فأحسنُ ما بأنجمك الضياءُ
نجومك في دوائر سابحاتٍ / يحف بها المهابة والبهاءُ
تَراءى في تحركها بطاءً / وما هي في تحركها بطاءُ
ولا هي في الجسامة لو علمنا / ولا في بعدها عنا سواءُ
أبيني يا سماء وخيِّريني / وإلّا دام في قلبي امتراءُ
أيبقى المكثرون من الخطايا / إذا ماتوا وليس لهم جزاءُ
لعمركِ لا تريد النفس هذا / فما الجاني وذو التقوى بواءُ
رأَيت البعض يخشع للمنايا / فيذكرها ويغلبه البكاءُ
مخافة أن يُلمَّ الموت يوما / ببنيته فينهدم البناءُ
ويضرب عن وراء الموت صفحاً / كأن الموت ليس له وراءُ
فإن تسأل يقل ما الموت إلا / نهاية كل من لهم ابتداءُ
أضاءَتك الحياة وكنتَ قبلا / بليلٍ حشو ظلمته العماءُ
وجودُك بعد ذاك الليل صبح / وهذا الصبح يعقبه المساءُ
رقيت من الجماد فصرت حياً / تميِّره الدراية والذكاءُ
أقول كذا ولم أزدد يقيتا / يما في الأمر لو كشف الغطاءُ
فقلت له وبعض القول حقٌّ / صريح لا يجوز به المراءُ
أليس يركِّب الأحياء طرا / عناصرُ أوضحتها الكيمياءُ
فقال بلى فقلت له أليس ال / عناصر لا تحسُّ ولا تشاءُ
فقال بلى فقلت إذن فماذا / جرى حتى استتب لها النماءُ
وصارت بعد في الإنسان جسماً / يفكِّر عاقلا وله دهاءُ
فقال السر في التركيب أن ال / مركَّب قد يقوم به ارتقاءُ
إذا اتحدت عناصر في بناءٍ / تغيَّر وصفه ذاك البناءُ
وجدَّ له خصائص ذات شأنٍ / عناصر جسمه منها خلاءُ
وإن حياتنا والموت فاعلم / أجيجٌ في العناصر وانطفاءُ
ولكن التعصب في أناسٍ / أضلَّهم الهوى داء عياءُ
وإفهام الجهول الحق مرّاً / عناءٌ ليس يشبهه عناءُ
وفي الأصل الجواهر لو علمنا / قوى منها الأثير له امتلاءُ
تلاقى بينها فتكون منها / جواهر في النفار لها ولاءُ
صغيرات الحجوم محقراتٌ / ومنها الكائنات لها ابتناءُ
تَضمّن قوتي جذب ودفع / كما يبديه هذا الكهرباءُ
وإن الشمس والاجرام طرّاً / من الحركات ولَّدَها السماءُ
لكل مقولة منها إليها / على الدور ابتداءٌ وانتهاءُ
فإن برزت فذاك لها وجود / وإن خفيت فذاك لها فناءُ
سماؤك هذه تحوي نجوماً / لأكثرها عن البصر اختفاءُ
فتحسب ما يريك الليل منها / شموعاً في الصباح لها انطفاءُ
وما هي لو تعي إلا شموساً / بها ليدَى منوِّرها اعتناءُ
شموس قد أضاء الجوُّ منها / وزال بها عن الكون العماءُ
يصغرها بعينك حين ترنو / لها بعدٌ هنالك واعتلاءُ
أهمَّ بأن أعدّ الأرض منها / كواحدة فيمتعني الحياءُ
فإن الأرض تابعة لشمسٍ / إلى أمّ النجوم لها انتماءُ
فتيهي يا نعماء فليس شيء / تكون فيك عنك له غناء
فأنت لكل موجودٍ وجودٌ / وأنت لكل موجودٍ وعاء
وهذا الجو أنت له امتدادٌ / وهذي الأرض أنت لها غطاء
وإن وجود ما في الكون طراً / عليك إذا تأملنا ثناء
يليق يليق ما استعليت كبراً / بشأنك يا سماء الكبرياء
فقبل القبل كنت كذا سماءً / ولا شمسٌ هناك ولا ضياء
ستفنى الكائنات وليس إلا / لوجه اللَه ثم لك البقاء
فقلت له رعاك اللَه هذا / على ما جاء في العلم اعتداء
فإن حقائق الأشياء سرُّ / خفي ما لغامضه انجلاء
وأبدت قبلنا الحكماء فيها / أقاويلاً فما برح الخفاء