القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : أحمد مُحرَّم الكل
المجموع : 72
أَتسألُ مِصرُ ما حَملَ العميدُ
أَتسألُ مِصرُ ما حَملَ العميدُ / وهل عند الرُماةِ لها جديدُ
هو السَّهمُ الذي عَرَفَتهُ قِدماً / وجَرَّبَ وَقعَهُ الشَّعبُ الوئيدُ
تَمرَّدَ مُبدِئٌ وطغى مُعيدُ / ولم تَزلِ الرَّميَّةُ تَستزيدُ
مسيحَ الهندِ إنّ بمصرَ شعباً / يَشُقُّ عليكَ إن خَضَعَ الهنودُ
فأنْصِفْ مصر وَاعْصِ القومَ فيها / إذا اطّردَ الحديثُ وهم شُهودُ
فما نظرَ المُسالمُ أين تبغي / ولا عرفَ المُساوِمُ ما تُريدُ
دعِ الزُّعماءَ إنّ لهم لَديناً / يَدينُ بغيره الشَّعبُ الرشيدُ
إذا ذكروا الزَّعامةَ فهي دعوى / يكيدُ بها الكنانةَ مَن يكيدُ
وما تبقى البلادُ إذا أُصِيبَتْ / بِمَنْ يبغي الزعامةَ يَستفيدُ
غُزاةُ الشَّعبِ والشّعبُ المواضي / وأسرابُ الصوافنِ والجنودُ
رَمُوه به فنال السَّهمُ منه / بقيّةَ ما رمى الخَصمُ العنيدُ
تأمّلْ هل ترى إلا شُعاعاً / تَفرّقَ في الجِواءِ فما يعودُ
تطيرُ الذّارياتُ به سِراعاً / دوائبَ ما لعاصِفها رُكودُ
كأنّ القومَ حين جَرَى عليهم / قضاءُ اللهِ عادٌ أو ثَمودُ
لِمَنْ تتألَّبُ الأحزابُ شتّى / وما هذي الصَّواعقُ والرُّعودُ
تَداعَوا للوغَى فَهَوى صريعاً / على أَيديهمُ الوطنُ الشّهيدُ
مَضَتْ أسلابُه تُزجَى إليهم / فمأتمُه لدى الأقوامِ عيدُ
تَضِجُّ جُموعُهم فَرحاً إذا ما / دعا بِمُصابهِ النَّاعي المُشيدُ
بَرِئتُ إلى الكنانةِ من أُناسٍ / أضاعوها فليس لها وجودُ
قَضَيْنا الدّهرَ ننشدها فضاقت / مذاهبُنا وأخفقتِ الجُهودُ
لَعُمركَ إنَّ ما تَعِدُ الأماني / لَحسْبُ النّفسِ لو وَفَتِ الوعودُ
عميدَ الغاصبين نزلتَ أرضاً / يَبيدُ الغاصبون ولا تَبيدُ
يَذودُ الواحدُ القهّارُ عنها / إذا قَهرتْ جُنودُك مَن يذودُ
أَتذكرُ إذ لِقَومكَ ما أرادوا / وإذ لكرومَرَ البطشُ الشّديدُ
تطوفُ جُنودُه فَتصيدُ منّا / ومن سِربِ الحمائم ما تصيدُ
أتذكرُ دُنشوايَ وكيف كادت / جوانبُها بأهليها تَميدُ
تضِجُّ من العذابِ ولا سبيلٌ / إلى غير العذابِ ولا مَحيدُ
أقامت لا يُتاحُ لها هُبوطٌ / يزولُ بها ولا يُقضَى صُعودُ
ولو ظَفِرَتْ بأجنحةٍ لأَمْسَتْ / لها بين النُّسور مَدىً بعيدُ
يُديرُ بها على القومِ المنايا / قضاءٌ تَستبدُّ به الحقودُ
أقاموها على الضُّعفاءِ حرباً / من العُدوانِ ليس لها خُمودُ
فما تعيا المشانقُ بالضّحايا / ولا تَفْنَى السِّياطُ ولا الجلودُ
لئن فَزِعَ الفَتى والشّيخُ منها / فما أمِنَ الجنينُ ولا الوليدُ
يُعاقبُنا الجنُاةُ ولا كتابٌ / يُقامُ به القَضاءُ ولا حُدودُ
سُيوفُ الجُندِ مَظهرُ كلِّ حقِّ / ورأيُ كُرومَرَ الرأيُ السَّديدُ
أتذكرُ إذ نُعاتِبُه فيطغى / ويَهدِرُ في مقالتِه الوعيدُ
أَخذناهُ بقارعةٍ ألحَّتْ / عليه فزالَ واشْتَفتِ الكُبودُ
صَدعنا ركنَهُ فانقضَّ يهوِي / وذابَ الصَّخرُ أجمعُ والحديدُ
هَوَى جَبَلٌ من العُدوانِ عالٍ / وزُلزِلَ للأَذَى صَرحٌ مَشيدُ
ونحن القائمون بحقِّ مِصرٍ / إذا ما اسْتسلمَ القومُ القُعودُ
نَضِنُّ بِمصرَ إن عَدَتِ العوادي / ولكنّا بأنفسنا نجودُ
هي الذّممُ المصونةُ والعُهودُ / فما يبغي كرومرُ أو لُويدُ
أخا السّكسون هل نُبِّئتَ أنّا / جلاوزةٌ لِقومكَ أو عبيدُ
لقد كذبوا عليكَ فليس فينا / لمن يبغي الهضميةَ مُستَقيدُ
إذا سَعَتِ الوفودُ إليكَ فاحْذَرْ / عواقِبَ ما تقولُ لكَ الوُفودُ
فما أحدٌ بمالكِ أمرِ مِصرٍ / وما بالشّعبِ جُبْنٌ أو جُمودُ
مَضَتْ دُنيا القُيودِ وتلك دُنيا / تُذَمُّ بها وتُحتقرُ القُيودُ
أتلك ديارُنا أم نحن مَوْتَى / تُقامُ لنا المقابرُ واللُّحودُ
حمينا ما حمى الآباءُ قِدماً / وصانَ لنا وللنّيلِ الجُدودُ
بلادٌ ما تُباعُ وباقياتٌ / من الآثارِ مَعدِنُها الخُلودُ
أَيسمعُ صَيْحَتِي في مِصرَ قومٌ / هُمُ اللَّهبُ المؤجَّجُ والوقودُ
أبرُّ الناسِ عندهمُ المُداجِي / وشرُّ القومِ ذو النُّصْحِ الوَدودُ
رَأَوْا بُرهانَ شاعرِهم فزاغوا / وللأحداثِ شاعِرُها المُجيدُ
رماهم بالزّواخرِ لا ارتيابٌ / إذا رَمَتِ الوجوهَ ولا جُحودُ
تَموجُ مع الدياجرِ في يَدَيْهِ / صحائفُ من خطوب الدّهرِ سُودُ
له في كلّ آونةٍ جديدٌ / من البلْوَى يُقالُ له نشيدُ
لنا منه النحوسُ تُصيبُ منّا / مواطنها وللقوم السُّعودُ
أما والنّاهضين لغير مصرٍ / لقد عثرت بنا وبها الجدودُ
إذا سادَ التخاذلُ في أُناسٍ / فأَعوزُ ما ترى شعبٌ يسودُ
أَمِنكَ الذّكرُ يعصِفُ بالقُلوبِ
أَمِنكَ الذّكرُ يعصِفُ بالقُلوبِ / ويقذفُ بالمضاجعِ والجُنوبِ
لأَنْتَ على رُكودِك مُستطيرٌ / من الأرواحِ مُطّرِدُ الهُبوبِ
تَظلُّ قُواهُ إن وَنَتِ اللّيالي / حِثاثَ الكَرِّ مُمعِنَةَ الدُّؤوبِ
قَضَيْتَ الدَّهرَ مالكَ من قَرارٍ / ولا بكَ في اعتزامِكَ من لُغوبِ
جعلتَ نصيبَ نفسِكَ أن تراها / وما للموتِ فيها من نَصيبِ
لَنِعمَ فَتى الكِنانةِ غيرَ واهٍ / إذا جَدَّ البلاءُ ولا هَيوبِ
وما بَعْضُ الحُماةِ وإن تَغالىَ / بِثَبْتٍ في الخطوب ولا صَليبِ
إذا ضاقَ الخِناقُ به تنحَّى / يَلوذُ بكلِّ مُرتكَضٍ رَحيبِ
يَميلُ مع الشَّمالِ فإن تناهت / بها الغاياتُ مال مع الجنوبِ
بمن يَثِقُ السَّوادُ إذا تبارى / سماسرةُ المُقَنَّعةِ الخَلوبِ
ومَن يحمِي البلادَ إذا رَمَتْها / بناتُ الدّهرِ باليوم العصيبِ
طبيبَ النّيلِ هل للنِّيلِ شافٍ / وهل للدّاءِ بعدَك من طبيبِ
أَلم ترَ كيف أخطأ كلُّ آسٍ / ومن لك بالنِطاسيِّ المُصيبِ
هَوَى الوطنُ الجريحُ وكنتَ قِدماً / تضُمُّ جوانبَ الجُرحِ الرَّغيبِ
على الدُّنيا العَفاءُ إذا تولىَّ / أطِبّاءُ الممالكِ والشُّعوبِ
أتى زمنُ النُّعاةِ فما لِمصرٍ / سوى طُولِ التفجُّعِ والنّحيبِ
أتنظرُ نكبةَ الوطنِ المُذكَّى / وتسمعُ صيحةَ الشّعب الحريبِ
إذا ما مصرُ زُلزِلَ جانباها / فَمِن خَفَقانِ قلبِكَ والوجيبِ
وإن جَرَتِ الرِّياحُ بها لهيباً / فتلكَ حَرارةُ الوجدِ المُذيبِ
كفاكَ أما تزالُ أخا همومٍ / كعهدِكَ قبلَ عاديةِ المغيبِ
حَملتَ جَوى المشوقِ وأنتَ ثاوٍ / بوادي الموتِ للوادي الخصيبِ
مَضَى الشُّهداءُ ليس لهم نقيبٌ / فكنتَ لهم بمنزلةِ النّقيبِ
تباركَ وجهُ مَن أعطاك وجهاً / يُضيءُ جوانبَ الجَدَثِ المَهِيبِ
تَرِفُّ الحورُ والوِلدانُ شَوْقاً / إلى ما فيه من تَرَفٍ وطيبِ
تنزَّهَ في الحياةِ عنِ الدَّنايا / وصينَ عن القوادحِ والعُيوبِ
يُريك جَلالُه الحرمَ المُحلَّى / وعِتْقَ المُصحفِ الأَنِقِ العجيبِ
خطيبَ الأُمّتَيْنِ أعنْ مَلالٍ / تركتَ الأُمّتين بلا خطيبِ
أَهِبْ بالغافلين وقُلْ بلادي / دَعوتُكِ باسمِ ربّكِ فاسْتَجيبي
بلادي كيف أنتِ على العوادي / وماذا ذُقتِ من عَنَتِ الخطوبِ
بلادي هل صَدَقْتِ الجِدَّ بعدي / أمِ استغنيتِ بالأملِ الكَذوبِ
بلادي هل دَرجْتِ على سبيلي / ومِلْتِ عن المساربِ والدُّروبِ
أرى شِيَعاً وأحزاباً غِضاباً / لغيرِ اللهِ والوطنِ الغَضُوبِ
أرى سَلَباً يَطيحُ على أكُفٍّ / تُراشُ سِهامُها بيد السّليبِ
أرى شعباً يُقادُ إلى المنايا / فيذهب مُمعِناً خَبَب الجنيبِ
بَرِئتُ من الكنانةِ إن أقامت / على تلك المآثمِ والذُّنوبِ
إمامَ المُهتدينَ أفِضْ علينا / من النُّور المُحجَّبِ في الغيوبِ
أَلستَ ترى السّوادَ طغَى عليه / ظلامُ الموقفِ الخَطِرِ الرّهيبِ
تركتَ الأمرَ مُجتمِعاً فأمسى / كثيرَ السُّبلِ مُختلفَ الضرُّوبِ
وكان الحقُّ للأقوامِ ديناً / فبدّل كلُّ أوّاهٍ مُنيبِ
أَلا أَرِنَا مناسِكَنا فإنّا / من الأَحبارِ في أمرٍ مُريبِ
همُ اتّخذوا الشّرائعَ مُسرجَاتٍ / مُذلَّلةَ الغواربِ للرّكوبِ
تحامَى العُدوةَ القصوى وتهوِي / براكبها إلى الأمدِ القريبِ
رُعاةُ الشَّعبِ طاعَ لهم فأمسى / بوادٍ من سياستهم جديبِ
يُمارسُ فيه شِرَّةَ كلِّ ضارٍ / سريعِ الشَّدِّ مُستعِرِ الوُثوبِ
يَصولُ بحدِّ أعصلَ ذي صَريفٍ / وصَلْتٍ من دم القتلى خضيبِ
ولم أرَ كالشُّعوب تُساسُ فوضَى / وتُؤخذُ بالمخالبِ والنُّيوبِ
رمى الأبصارَ ساحرُها فزاغت / وران هوى النّفوسِ على القلوبِ
فما عُرِفَ النّصيحُ من المُداجِي / ولا وضح الصّريحُ من المشوبِ
أَيُخذَلُ في الكنانةِ كلُّ حُرٍّ / ويُنصرُ كلُّ صَخَّابٍ شَغوبِ
ويُمنَعُ ذو القضاءِ الحقِّ منا / ويَقضي كلُّ أزورَ ذي نكوبِ
ويُرمَى ذو البراءةِ من ذوينا / بملءِ الأرضِ من إثمٍ وحُوبِ
يُعابُ المرءُ يَصدقُ مَن يُوالي / ويصبرُ للشّدائدِ والكروبِ
ويُحمَد كلُّ مُختلفِ المساعي / إلى الأقوامِ جيّاءٍ ذَهوبِ
يُريك ضُحىً لِباسَ فتىً أمينٍ / فإن لَبِسَ الظَّلامَ فذو دَبيبِ
يَكادُ من التلصُّصِ والتَّخَفِّي / يشقُّ السُّبْلَ في عين الرقيبِ
لَتِلْكَ الجاهليّةُ أو أراها / حُكومةَ غير ذي النَّصَفِ اللّبيب
لَدينُ الجاهليّةِ كان أدنى / إلى الإسلام منها والصّليبِ
سَنِيحَكَ ربَّنا أبِكُلِّ جَوٍّ / مُحلَّقُ بارحٍ عَجِلِ النّعيبِ
أما يتهلّلُ المحزونُ إلا / رمته يدُ الحوادثِ بالشُّحوبِ
فوا أسفِي لآمالٍ حِسانٍ / هززتُ لهنّ أعطافَ الطَّروبِ
غرسناهنَّ خُضراً يانعاتٍ / فأخلفهنَّ كلُّ حياً سَكوبِ
ذَويْن فكنَّ لي ولكلِّ حُرٍّ / أواخرَ نَضرةِ العيشِ الرّطيبِ
أراقبُ دولةَ الخَلَفِ المُرجَّى / وأخشى ما أصابَ بني عتيبِ
فيا وطناً وهبتُ له شبابي / وما رَعَتِ المُروءةُ من مَشيبي
لأَجلِكَ ما حَيِيتُ أعيش حُرّاً / وفيكَ أموتُ مَوْتَ فتىً نجيبِ
ظلمتُك إن رَضيتُ عُقوقَ خِلٍّ / سواكَ أوِ احتملتُ أذى حبيبِ
ومِن شَرَفِ المُجاهدِ أن تراه / يَجِلُّ عنِ المُعاقبِ والمُثيبِ
وما حَسَبُ الأديبِ وإن تناهَى / بِمُسْتَغنٍ عنِ الأدبِ الحسيبِ
بَرِئتُ من القَرَيضِ غَداةَ أمضي / أبيعُ كريمَهُ بَيْعَ الجليبِ
فويحي للقواصفِ من قوافٍ / كأمثالِ القواذفِ باللهيبِ
رَمَيتُ بها النّيامَ فراجعتني / مُروَّعةَ الزمازمِ تتقي بي
تمرُّ بهم مُخيّبةً وتأتي / لها زَفَراتُ مُرتَمِضٍ كئيبِ
نفضتُ الواديَينْ فما استفاقوا / وتلك نكيثةُ الدَّاعي المُهيبِ
أَتنامُ عَينُكَ والعُيونُ سُهادُ
أَتنامُ عَينُكَ والعُيونُ سُهادُ / ويقَرُّ جنبُكَ والجُنوبُ قَتادُ
قُمْ للدّفاعِ فما لقومكَ مُنْصِفٌ / يُرجَى ليومِ ظَلامةٍ ويُرادُ
الحقُّ بعدك مأتمٌ يُطوَى به / عِلمُ الشرّيعةِ والقضاءُ حِدادُ
والعدلُ سارٍ لا يُضيءُ سبيلَه / نورٌ ولا ينجابُ عنه سوادُ
وَمِنَ المدارهِ للقُضاةِ إذا التَوَتْ / سُبلُ الظنونِ بهم هُدىً ورشادُ
ضجّت لمصرعك الكنانةُ ضجّةً / كادت تميد لهولها الأطوادُ
لمّا نُعِيتَ إلى الممالكِ أَجفلتْ / أمُّ القُرى وتفزّعتْ بغدادُ
حملوا على الأعوادِ منك بقيّةً / خَشعتْ لفرطِ جلالها الأعوادُ
ومضوا بعهدٍ للمُروءة صالحٍ / ألوَى بِنَضرتهِ بِلىً ونفادُ
فإذا العَتادُ الضَّخمُ لوعةُ جازعٍ / وإذا الذَّخيرةُ حُفرةٌ ورَمادُ
مَن للبريءِ إذا تَوثَّبَ ظالمٌ / يبغي الفريسةَ وانبرَى يرتادُ
وطغَى على الوادي فأصبحتِ الرُّبَى / وكأنَّها تحت العُبابِ وِهادُ
مَن يدفعِ الطُّوفانَ لا يعتاقُه / سُورٌ ولا يُعْدَى عليه مَصادُ
مَن للبلادِ إذا الخطوبُ تألّبتْ / وتفرّقتْ من حولها الأجنادُ
وأبى الحماةُ فما يُصانُ لها حِمىً / تحت العَجاجِ ولا يُصابُ عَتادُ
أين الكتائبُ في البلادِ مُغيرةً / ما للفتوحِ وما لهنَّ عِدادُ
ولِمَن نُفوسٌ رِيعَ من صَعَقاتها / عِزريلُ مُنطلقاً بها ينطادُ
بكر التِّجارُ بها فما سطع الضُّحى / حتّى اشتراها منهمُ الجلّادُ
كسدت على أيدي الدُّعاةِ وما بها / لولا مُساومةُ الدُّعاةِ كسادُ
لم أدرِ أهْيَ بِضاعةٌ مجلوبةٌ / أم أمّةٌ محروبةٌ وبلادُ
داءُ الممالكِ أن تُصابَ بقادةٍ / تُزْجَى على حُكم الهوى وتُقادُ
انظُرْ إلى عُقبى الأمور وما جَنى / قومٌ سياستُهم أذىً وفسادُ
وسَلِ الكنانةَ هل قَنعتِ بما ارتضَى / بعد الإِباءِ حُماتُكِ الزُّهّادُ
حُرّيَةُ الدُّستورِ رَوَّعَ سربَها / عَسَفٌ وأرهق حزبَها استعبادُ
لا يهتفُ الدّاعِي بحقّ بلادهِ / إلا طغى صَلَفٌ ولجَّ عِنادُ
وكأنّما السّودانُ في أسماعهم / خَطبٌ تذوبُ لذكرِه الأكبادُ
أخذوا الحديثَ فزخرفوه وعندهم / أنّ الحديثَ مضَى فليس يُعادُ
النّيلُ مُشتركُ المرافقِ بيننا / والقومُ لا شَططٌ ولا استبدادُ
نحن الضّعافُ فهل تَورّعَ غالبٌ / وَانْقادَ للعاني الضَّعيفِ مُراد
ملكوا بني الدنيا فلولا عَدْلُهم / ذهبوا كما ذَهبتْ ثمودُ وعادُ
لا يطمعِ المغرورُ ما لِثوائهم / أَجَلٌ ولا لجلائهم ميعادُ
تلك الوُصاةُ فهل لمن يَبغي الهُدَى / في مِصرَ سَمْعٌ صادقٌ وفُؤادُ
من لي بأحمدَ في العظائمِ مُقدِماً / يَرِدُ الغِمارَ تعافُها الوُرّادُ
هل كان إلا للكِنانةِ نجدةً / إن صيحَ أين حماتُها الأنجادُ
شيخُ النيابةِ حال بينهما الأُلى / دَسُّوا الدَّسائِسَ للرّجالِ وكادوا
عقدوا العُهودَ عُرىً كواذِبُها الأَذى / وحِبالُها الأضغانُ والأحقادُ
جُرْحٌ بأحشاءِ الكِنانةِ ما له / أبداً سِوَى كَفَنِ الجَريحِ ضِمادُ
صَدَق المُخادِعُ ما لأحمدَ في الأُلى / أخذوا الأرائكَ خِلْسَةً أندادُ
لولا حميّتُه لكان محَلُّهُ / فيهم محلَّ اللَّيْثِ حيثُ يُصادُ
أرأريتَ إذ تُلقَى السُّيوفُ بواتراً / عند اللقاءِ وتُحمَلُ الأغمادُ
وشَهِدتَ حين جَرى القَضاءُ فأصبحت / تُقْصَى الكُماةُ عن الوغَى وتُذادُ
إنّ الذي زرعَ الإِباءَ لقومهِ / أودى به قبل الأوانِ حَصادُ
أَوَ كلّما نَبتَ الصّلاحُ بأرضِنا / نَبتتْ مَناجلُ للفسادِ حِدادُ
قُلْ للأُلى وَضعوا السِّلاحَ تأهَّبوا / إنّ الرِّجالَ تأهُّبٌ فجهادُ
لستُم كمن جَدَّ الرُّماةُ فأعرضوا / ومضى الكُماةُ مُغامرِين فحادوا
النّيلُ ينظرُ أين قَادَتُه الأُلى / مَنعوا الحِمَى أَتفرَّقوا أم بادوا
أَمْسَى كأن لم يمنعوهُ ولم يكن / ضَرْبٌ وطَعْنٌ صادقٌ وجِلادُ
لما استقلَّ أولو الحِفاظِ فغُيِّبوا / نُكِبَ العَرينُ وريعتِ الآسادُ
وتُنوزِعَ الوادي فذَلَّ قطينُه / واعتزَّ فيه الغاصِبونَ وسادوا
يلهو المُصفَّدُ بالقُيودِ وقد بَكَتْ / منه القُيودُ وضجّتِ الأصفادُ
تلك البليَّةُ أو يكونَ لقومِنا / بعد الغَوايةِ مرجعٌ ومَعادُ
بَنِي الإِسلامِ إقداما
بَنِي الإِسلامِ إقداما / كَفَى دَعَةً وإحجاما
هَلُمُّوا نَرْفَعُ الهاما / أَنَقْضِي الدّهرَ نُوَّاما
على الآثارِ فانطلِقُوا / إلى المُختارِ فاسْتَبِقوا
لَكُمْ في سعْيِكم طُرُقُ / تَبُثُّ النُّورَ أعلاما
سَلُوا القومَ الأُلَى ذَهَبوا / بأيّةِ قُوَّةٍ غَلَبوا
أَقاموا الحقَّ فانْتُدِبوا / لأهلِ الأرضِ حُكّاما
أُولُو السُّلطانِ والخَطَرِ / على التِّيجان والسرُرِ
أبَوْا في غيرِ ما أشَرِ / سوى الأملاكِ خُدّاما
رَمَوْا بالبأسِ مُحْتَدِما / قَضَوْا بالسَّيفِ مُحْتكِما
إذا ما خَاصَمَ الأُمَما / مَضَى نَقْضاً وإبراما
نَهضْنا نَتْبَعُ السَّنَنا / وَنَحمِي الدِّينَ والوَطَنا
بَذَلْنَا الرُّوحَ والبَدَنا / فِدىً لهما وإكراما
هُما رَمْزُ الحَياةِ معا / فإنْ ذَهَبا مَضَتْ تَبَعا
وَمَنْ لم يَرْعَ ما شَرَعا / فما صَلَّى ولا صاما
أَعِيدوا الحقَّ واتَّخِذُوُه عَهْدا
أَعِيدوا الحقَّ واتَّخِذُوُه عَهْدا / وصُونوا الشّرقَ في العَلَمِ المُفدَّى
هَلُمُّوا فارْفعوهُ منارَ صِدقٍ / يَفيضُ شُعاعُه شَرَفاً ومجدا
إذا باتت شُعوبُ الشّرقِ حَيْرَى / أضاءَ لها السَّبيلَ هُدىً ورُشدا
عُصارةُ أكرمِ المُهجاتِ عهداً / وَأَمْضَى البارقاتِ البيضِ حَدّا
يَرِفُّ فيقذف الأبطالَ غُلْباً / تجيشُ إلى الوَغَى بالخيلِ جُرْدا
فَمن يكُ سائلي عن مَجدِ قومي / فإنِّي أبلغُ الشُّعراءِ رَدّا
هُمُ الْتَمسوا المَوارِدَ صافياتٍ / فلم يَجدوا كحدِّ السّيفِ وِردا
وهُمْ عرفوا البِناءَ فلم يكونوا / كمن يَطغَى على البانينَ هدّا
أبَوْا لِبلادِهم إلا حياةً / تَشُقُّ على القَويِّ إذا استبدّا
إذا ما آثرَ القومُ الهُوَيْنَا / رَمَوْا بِنُفوسِهم كدحاً وكَدَّا
وَمن طلبَ الحياةَ طِلابَ حُرٍّ / فليس يَرى من الإقدامِ بُدّا
وجدنا الحقَّ عندكَ والصّوابا
وجدنا الحقَّ عندكَ والصّوابا / فجئنا نُنصِفُ الوطن المُصابا
عَطفتَ عليه مُسْتَلَباً جريحاً / يُعاني في مصارعِه العذابا
فَصنتَ حياتَه وكشفتَ عنه / خُطوبَ الدّهرِ تدفعها صعابا
رضينا للكنانةِ مِنكَ عهداً / أضاء سبيلَها ومحا الضّبابا
مشت آمالُها بيضاً خُطاها / وقد كان السّوادُ لها خِضابا
تَؤمُّ مَطالِعَ الأنوارِ فَرْحَى / وتبتدرُ المسالكَ والشِّعابا
رَضينا عهدكَ الميمونَ فينا / فلسنا نَحفِلُ القومَ الغِضابا
أبا الأشبال كن للشَعبِ عوناً / فقد ملَّ الثّعالبَ والذّئابا
تخيّرتَ الرجالَ وقمتَ فيهم / تُدير الحكمَ سمحاً مُستطابا
سيوفُكَ للجهادِ الحقِّ شتَّى / وإنّ لنا لأَصْدَقَها ضِرابا
رأينا الشاذليَّ وكيف يمضي / إذا ما الأمرُ بعد الأمرِ نابا
فلم يَرَ مِثلَهُ رأياً وعزماً / ولم نَرَ فيه مَنقصةً وعابا
رأيتُ هوى البحيرةِ كيف يصفو / فكان لها جَزاء أو ثوابا
جَرَى سعداً ومرَّ بنا يمينا
جَرَى سعداً ومرَّ بنا يمينا / قدومُكَ يا أعزَّ القادمينا
تتابعتِ البشائرُ مُؤذناتٍ / بعودِكَ أنفُساً ذابت حنينا
فأسرعتِ القلوبُ مُصافحاتٍ / وأقبلتِ الوفودُ مُهنِّئينا
ولاح على البحيرةِ منك نورٌ / جلا غمراتِها ومحا الدُّجونا
وليتَ أمورَنا والخطبُ قاسٍ / نُعالجهُ ويأبى أن يلينا
وفقدُ الأمن أيسرُ ما رأينا / وهولُ القتلِ أهونُ ما لقينا
فأحييتَ النُّفوسَ وكنَّ مَوتَى / وأبطلت الفسادَ وكان دينا
حكمتَ فكنتَ خيرَ الحاكمينا / وسُستَ فكنت أوفَى المصلحينا
ألنتَ لنا الخطوبَ وقُمتَ فينا / مَقَاومَ تُعجز المتشبّهينا
وأسَستَ الحضارةَ زاهياتٍ / معالمُها تسرُّ النّاظرينا
وأنبتَّ العلومَ بكلِّ أرضٍ / فتلك ثمارُها تُجنَى فُنونا
وأعززتَ اليتيمَ فتاهَ عُجباً / وراح يُنافسُ المتكبّرينا
فديتُكَ من أبٍ يرعى البنينا / وباركَ فيك ربُّ العالمينا
لك الآثارُ خالدةً كباراً / يَدُمْنَ إلى المدى ما ينقضينا
تمرُّ بها الدهورُ مُكبّراتٍ / وتلقاها القرونُ مهلّلينا
لقد حمّلتَ نفسكَ فادحاتٍ / تهدُّ عزائمَ المتجبّرينا
تكدُّ وتركبُ الأخطار فرداً / تُقارعُها قِراعَ الباسلينا
رويدكَ إنّ نفس المرءِ منه / وإنَّ العَضْبَ قد يرتدُّ حينا
وإنّ الحاكمينَ وهم كِثارٌ / قلائلُ إن عددنا المصلحينا
جزاك اللهُ صالحةَ الأيادي / وحقَّق في معاليكَ الظنونا
صِلُوا إخوانكم واقضوا الذّماما
صِلُوا إخوانكم واقضوا الذّماما / وبُلّوا من جوانحنا الأَواما
رُوَيْداً بالقلوبِ بَنِي أبينا / أما تَسْقُونها إلا ضِراما
لَعمرُ الرّافِدَيْنِ لقد لَبِثْنَا / نُعلَّلُ بالمُنَى عاماً فعاما
نُذادُ عن الحِياضِ ونحن هِيمٌ / فما نَرِدُ النِّطافَ ولا الجِماما
رُويداً قومَنا إنّا وَجَدنا / قطيعةَ قومِنا داءً عُقاما
وما نبغي إذا رُمْنا انتصافاً / إلى شيءٍ سوى الكرمِ احْتِكاما
عَهِدناكم على الأحداثِ أهلاً / ذَوي حَسَبٍ وإخواناً كراما
فزوروا أرضَنا أو فاجعلوها / وإن غَضِبَ العراقُ لكم مُقاما
أَيَغضَبُ أن يُحِبَّ أخٌ أخاه / وهل يأبى لِشملهما التئاما
وجدنا الرِيَّ يُنكِرُه علينا / وإن أودى الغليلُ بنا حراما
ما تُفارِقُها قلوبٌ / لنا كالطّيرِ رفرف ثُمَّ حاما
مضت أسرابُها فهفت رِياحاً / ومَرَّتْ في مَسابحها غَماما
فَما أَوفَتْ على النَّهريْنِ حتَّى / تخَطَّفَها الهَوى فَهوتْ رُكاما
حُماةَ الرّافِدَيْنِ لوِ اسْتَطَعْنا / جعلنا النيِّريْنِ لكم سلاما
سَلامٌ مِن شُعاعِ الشِّعرِ صَافٍ / أُرَقْرِقُه فَيَنْسَجِمُ انْسِجَاما
يَظلُّ سَناهُ مِلءَ الأرضِ يجري / فيكشف عن جَوانبهُ الظّلاما
وَفَدْتُمْ في مَواكبَ من عُصورٍ / أُعِيدَ جلالُها فَبَدتُ عِظاما
عُصورٌ أَقْبَلتْ مِنّا ومنكم / تُحدّثُ عن أُبُوَّتِنا القُدامَى
تُجَرِّدُ منِ أَسِنَّتِهم لِسَاناً / وتُرسِلُ من أعِنَّتِهِم كلاما
ذَكرناهم فحرَّكهم مَطيفٌ / من الذّكرى وإن أَمْسُوا رِماما
وكَبَّرتِ العُروبةُ إذ رَأَتْنا / فَهبُّوا مِن مَضاجِعهم قياما
أراهُمْ يَرفَعُونَ كما عَهِدْنا / وَراءَ الجمعِ أعناقاً وهاما
عِمُوا آباءَنا طَفَلاً وَطيبُوا / فإنّ لكم لَعِزّاً لن يُضاما
أَعَدْنا الشَّرقَ سيرتَهُ وقُمْنا / نُعالِجُ أمرَهُ حتّى استقاما
أَهابَ بنا الزّمانُ وأيقظتنا / قوارعُ تُوقِظُ الأُمَمَ النّياما
نَذودُ الوحشَ تطلُبنا جِياعاً / ونأبَى أن نكون لها طعاما
ولولا أن نُدافِعَها لأَفنتْ / بقيَّتَنا اقتناصاً والتهاما
أراها حولنا عَجْلىَ تَرامَى / كموجِ البحرِ تزدحمُ ازدحاما
وراءَكِ واطْلُبِي قَنَصاً سوانا / فإنّ لُحومَنا أمست سِماما
متى تَعصي النّصيحَ فَتُطْعِمِيها / كعهدِكِ تُطعَمِي الموتَ الزُّؤاما
أبى لِبَنِي العُروبةِ أن يَهونوا / قُوىً لن تُستطاعَ ولن تَراما
لَئِنْ أخذتهمُ الغاراتُ تَتْرَى / فما وَهَنُوا ولا مَلُّوا الصِّداما
مُضيّاً في الجهادِ بَنِي أبينا / وضَنّاً بالعُروبةِ واعتصاما
بِدجلَة والفراتِ إذا نزلتُمْ / فحيّوا فيهما الشَّعبَ الهُماما
وإن عَدَتِ العوادِي فاذكرونا / وقولوا أُمّةٌ ترعى الذِّماما
بلادَكَ يا عليُّ فأنت أولى
بلادَكَ يا عليُّ فأنت أولى / بأن تَرْعَى لها الذِمَمَ الكِبارا
قَضاءٌ زَلزلَ الدُّنيا فأمستْ / مَمالِكُها تَموجُ دَماً ونارا
بِلادَكَ لا تَدَعْها للعَوادِي / وجَنّبها بحكمتِكَ العِثارا
ولا تَقْذِفْ بها في غيرِ حقٍّ / بحيثُ ترى ظلاماً لا نهارا
علينا أن نَرُدّ الشَّرَّ عنها / ونَنْهضُ للعدّوِّ إذا أغارا
علينا أن نُناضِلَ عن حِماها / نصون ذمارها داراً فدارا
نُحارِبُ مَن يُحارِبُنا ونأبَى / لأَنْفُسِنا المَذَلَّةَ والصَّغارا
ونَحفظُ عَهْدَنا في غيرِ بَغْيٍ / ونَرْضَى الحقَّ نَجعلُه شِعارا
بِلادَكَ يا عليُّ فقد تجلّتْ / وُجوهُ الرأي للأُممِ الحَيارى
رَماها مِن قَضاءِ اللهِ رَامٍ / وأورثها امتهاناً وانكسارا
أَهابَ الحقُّ فاسْتَبِقوا كِراما
أَهابَ الحقُّ فاسْتَبِقوا كِراما / وَهُزُّوا الأرضَ بأساً واعْتزاما
كَفَى بِكتابكم يا قومُ نُوراً / فَشُقُّوا السُّبْلَ واخْتَرِقوا الظَّلاما
كتابُ اللهِ لولا أن هدانا / لما وَضحَ السّبيلُ ولا اسْتَقاما
عَرَفْتُمْ حَقَّهُ فَرعَيْتُمُوهُ / وكنتم خيرَ مَن حَفِظَ الذِّماما
بِنعمةِ ربّكم قُمتُمْ عليهِ / وقام رَسولُه فيكم إماما
وذلك وَعدُهُ لا رَيْبَ فيهِ / يُبشِّرُ من يُريدُ له الدّواما
نِظامُ الدّينِ والدُّنيا وماذا / يكونُ النّاسُ إنْ فَقَدوا النّظاما
وما نَفْعُ الحياةِ لِكلّ حَيٍّ / إذا ما أصبحت داءً عَقاما
أَيعرفُ مَوْضِعَ الأحياءِ قومٌ / أَحَبّوا الموتَ واخْتاروا الحِماما
تَولَّوْا ما رَعَوا للهِ حَقّاً / ولا عَرفوا الحلالَ ولا الحراما
إذا هَمُّوا بِفاحشةٍ تَرامَوْا / كأسرابِ الوُحوشِ إذا ترامى
يُمزِّقُ بَعضُهم في الأرضِ بعضاً / ويَفْرِي اللحمَ منه والعِظاما
ويأبى العدلَ أَكثرُهم جُنوداً / فلا عَتْباً يَخافُ ولا مَلاما
يُغَنِّي والدِّماءُ له شرَابٌ / على نَوْحِ الأراملِ واليَتامَى
وَيمْشِي يَجعلُ الأشلاءَ جِسراً / لِيَبْلُغَ مِن بني الدّنيا مَراما
يَودُّ لوِ اسْتَقلَّ بكلِّ شَعبٍ / على الغبراءِ يَجعلهُ طعاما
شريعةُ ظالمينَ تَسيلُ آناً / دماً وتفيضُ آونةً ضراما
أتَى بِكتابِها مِنهم رسولٌ / طَوَى الأقطارَ يلتهمُ الأَناما
فراعينُ الحضارةِ لَيْتَ أنّا / بُلينا بالفراعين القُدامَى
أليسَ العلمُ كان لنا حياةً / فصارَ بِظُلمِهم موتاً زُؤاما
يَجَرُّ وَراءَهُ نُوَباً ثِقالاً / نُراعَ لها وأهوالاً جساما
يُرِينا كيفَ يَقذِفُ بالمنايا / كَموجِ البحرِ تَزْدَحِمُ ازْدِحاما
لها صُورٌ يَروحُ بها ويغدو / طِوالَ الدّهرِ صَبَّاً مُسْتَهاما
يَعدُّ العبقريَّةَ أن يراها / تُغادِرُ هذه الدُّنيا حُطاما
إذا اتَّخذَ القويُّ الظُّلمَ دِيناً / فأشقى النّاسَ مَن يُلْقِي الزّماما
هو الإسلامُ ما للنّاسِ واقٍ / سِواهُ فأين يَذهبُ من تَعامى
يَذودُ عنِ الضَّعيفِ فَيتَّقِيهِ / مِنَ الأقوامِ أَنْفَذُهم سِهاما
يَلوذُ بهِ إذا ما خَافَ ضَيْماً / فينصرهُ ويمنعُ أن يُضاما
لِكُلٍّ حَقُّهُ وَلِمَنْ تَعدَّى / جَزاءُ البَغْيِ مَقضِيَّاً لِزاما
كَفَى بكتابِكم يا قومُ طِبّاً / لِمَنْ يشكو من الأُمَمِ السَّقاما
كِتابٌ يَملأُ الدنيا حَياةً / ويَنْشُرُ في جَوانِبها السَّلاما
أقيموا الحقَّ بالسُّوَرِ الغَواليِ / فإنّ اللهَ يأمرُ أن يُقاما
وأَوْصُوا المسلمينَ بها فإنّي / أَراهُمْ عَن ذَخائِرها نِياما
وليس لِغافلٍ عَنها نَصيبٌ / مِنَ الحُسْنَى وإن صَلَّى وَصَاما
تَعَالى الله أَنزلَها عَلينا / عِظاماً تَبعثُ الهِمَمَ العِظاما
نَرَى في كلِّ ما نَعتادُ منها / إماماً عادلاً وفتىً هُماما
نَرَى أمَماً مِنَ العِقبانِ تَمضِي / إلى الغاياتِ تخترقُ الغَماما
نَرَى مَعْنَى الحَياةِ وكيفَ تَسمو / فَتحتلُّ الذُّؤابةَ والسَّناما
نَرَى الدُّنيا العَريضةَ عِنْدَ دِينٍ / تَزيدُ بِرُكنِهِ العَالي اعْتِصاما
هِيَ الأخلاقُ طَيِّبَةً حِساناً / نُقِيمُ بها مِنَ المُلكِ الدِّعاما
عَليْها فَارْفَعوا البُنيانَ حتّى / أَرَى بُنايانَكم بَلَغ التَّماما
شبابَ مُحمّدٍ سيروا سِراعا
شبابَ مُحمّدٍ سيروا سِراعا / ولا تَدَعُوا الكِفاحَ ولا القِراعا
رأيتُ النّصرَ أمراً مُستطاعا / وأُسدُ الغيِلِ تَأْبَى أن تُراعا
خُذوا الغاياتِ وانْطلقُوا تِباعا /
خُذوا الأبطالَ قَرْماً بعد قَرْمِ / وخُوضوا الحربَ بالأَهوالِ تَرْمِي
كَفَى ما امْتدَّ من دَعَةٍ وسِلْمِ / كَفَى ما اشتدَّ من كَرْبٍ وهمِّ
كَفَى ما خَابَ مِن أَملٍ وَضَاعا /
شبابَ مُحمّدٍ صُونوا اللّواءَ / وكونوا في الجهادِ له فِداءَ
أَمْنَ يَتقلّدُ السُّوَرَ الوِضاءَ / يَخافُ الرَّوْعَ أو يَخْشَى اللّقاءَ
دِفاعاً عن محارمكم دِفاعا /
أقيموا الدّينَ والدُّنيا جميعا / وَقُوموا فاجْمعوا الشَّملَ الصَّديعا
هلمّوا فاطلبوا الشّأنَ الرّفيعا / أيْجمُلُ أن نَذِلَّ وأن نَضِيعا
ونُطعِمَ لَحمنا القومَ الجِياعا /
لَنا مِن دِيننا سَبَبٌ مَتينُ / ومِن إِيمان أَنفُسِنا مُعينُ
لنا من ربّنا فتحٌ مُبينُ / ونصرٌ يَستطيرُ له رَنينُ
يَهُزُّ الأرضَ أو يطوِي البِقاعا /
بَنِي الدُّنيا سَلوا التاريخَ عنّا / أَلَسْنا أرفعَ الأقوامِ شأنا
رسولُ اللهِ والخُلفاءُ مِنّا / بَنَوْا لِلخُلدِ ما شاءوا وشِئنا
فَهُمْ في الذُّروة العُليا ارتفاعا /
مصيبة أمة وأنا المصاب
مصيبة أمة وأنا المصاب / شهدت لقد مضى الأدب اللباب
أيفزع من صليل السيف قوم / بغير نفوسهم فتك الضراب
سلوا البطل الصريع بأي جرح / رمى كبدي ففي فمه الجواب
وبين جوانحي حران هاف / تمور على جوانبه الثياب
دعوا ذكر الفجيعة واستفيقوا / أنا المفجوع لو وضح الصواب
ومن جهل الوغى اشتبهت عليه / ذئاب القفر والأسد الغضاب
أقام مع الخوالف ما يبالي / أطاح السيف أم هلك القراب
تراث العرب عاث الدهر فيه / وملك الضاد عاجله التباب
تهول النائبات ولا كملك / يهال على حضارته التراب
أناة أيها الحادي فإنا / وجدنا منك ما تجد الركاب
غليل جوانح وجوى قلوب / تسيل بها المسالك والشعاب
نرجي أن تعوج ولا معاج / ونطمع أن تؤوب ولا مآب
وما تبقى القلوب ولا المآقي / إذا ذهب الأحبة والصحاب
عباب العبقرية جن حتى / تداركه من الموت العباب
ترشف موجه قدر مهول / كأن اليم في فمه لعاب
تدافعت الخضارم تتقيه / وأجفل من مخافته السحاب
تموت على جوانبه الضواري / وتهلك في غواربه الذئاب
ترى الأجيال تسقط فيه غرقى / كأن شخوصها القصوى ذباب
ألا ليت المنون تجاوزته / إماما ما تجاوزه النصاب
بفيه من البيان العذب ورد / تطيب نطافه والعيش صاب
وفي يده من الريحان عود / كأن مداده الذهب المذاب
أمير الشعر هل لي منك صوت / يريح النفس أم طوي الكتاب
رأيتك والمنية ملء عيني / وفي لحظات عينيك اضطراب
رجعت وكل غادية نذير / يضج وكل رائحة غراب
أرى الدنيا مقابر والمنايا / على أمم البيان لها انصباب
لقيتك شيقا وأرى شفائي / غداة يتاح لي منك اقتراب
إذا لم يغترب لأخيك ود / فليس بضائر منه اغتراب
شباب الفن كنت له جمالا / فزال جماله ومضى الشباب
رأيت القول يكره منه بعض / وبعض يستحب ويستطاب
وقولك كله لا عيب فيه / وهل في الوحي من شيء يعاب
برعت فكنت ملء الدهر خلدا / وكل براعة للخلد باب
ولم أر محسنا لم يال جهدا / فأخطأه الجزاء أو الثواب
شربت العيش كاسا بعد كاس / فلم تدم الكؤوس ولا الشراب
شراب الموت ماذا ذقت منه / وكيف يكون إن رفع الحجاب
نعمت به فصفه لنا وحدث / أتصفو الكاس أم يحلو الحباب
عهدتك أبلغ الشعراء وصفا / وأصدقهم إذا كره الكذاب
ستذكرك السواجع في رباها / وتذكرك الأماليد الرطاب
وتهتف باسمك الدنيا فتبقى / ومثلك ليس يدركه الذهاب
لكل من بيانك مستراد / ومنتجع جوانبه رحاب
فمعترك به عين وجيد / ومعترك به ظفر وناب
وتبصرة الحكيم إذا تناهى / وأسلمه التلمس والطلاب
وما أمر الشعوب بمستقيم / إذا لم يستقم خلق وداب
حللت الكرمة الكبرى فحيت / ورحبت المنازل والقباب
إذا غردت ماج بها رفيف / وصفق حولك الصحب الطراب
تضوع في مغاني الخلد طيبا / وحي بها الألى نعموا وطابوا
صفاء العيش في الدنيا مشوب / وما في الخلد من صفو يشاب
تتبابع إخوتي وبقيت وحدي / أسائل أية ذهبوا فغابوا
همو نفضوا الهموم عليّ حتى / تظاهرت الفوادح والصعاب
وهم وضعوا الأمانة فاستراحوا / ورحت تميل بي وبها العياب
سأحفظها على نعرات قوم / هم الهدام لو كشف النقاب
لنا في قومنا الأدب المصفى / وللقوم النفاية والجباب
قوام الشعر أفئدة حداد / مثقفة وألسنة عذاب
أبي أن يترك الأحياء رام / يصيب العالمين ولا يصاب
قذوف بالمنازل ما يبالي / تناهى الوجد أم بلغ العذاب
نجيب النازحين إذا دعينا / وندعو الأقربين فلا نجاب
قضاء الله فيك أبا علي / وللدنيا بأهليها انقلاب
أما ورفاقنا النائين عنا / لقد بعثوا الديار بمن أنابوا
لئن وفدت غياط دمشق عجلى / لقد خفت بلبنان الهضاب
هم الأهلون أحداثا ودنيا / وفي الأحداث والدنيا انتساب
نسر إذا همو فرحوا ونبكي / إذا ما كان هم واكتئاب
علينا الشكر مطردا يؤدى / اداء الدين ضاق به الحساب

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025