المجموع : 72
أَتَنقِمُ ما يُريبُكَ مِن خِلالي
أَتَنقِمُ ما يُريبُكَ مِن خِلالي / وَتُنكِرُ ما يَروعُكَ مِن مَقالي
وَما ذَنبي إِلَيكَ إِذا تَعامَت / عُيونُ الناقِصينَ عَنِ الكَمالِ
وَما بي غَيرُ جَهلِكَ مِن خَفاءٍ / وَما بِكَ غَيرُ عِلمي مِن ضَلالِ
كِرامُ الناسِ أَكثَرُ مَن تُعادي / بَنو الدُنيا وَأَتعَبُ مَن تُوالي
وَما يَنفَكُّ ذو أَدَبٍ يُعاني / جَفاءَ عَشيرَةٍ وَصُدودَ آلِ
أُعادى بِالمَوَدَّةِ مِن أُناسٍ / وَأُنكَبُ بِالكَرامَةِ مِن رِجالِ
كَفى بِالمَرءِ شَرّاً أَن تَراهُ / بَعيدَ الوُدِّ مُقتَرِبَ الحِبالِ
أَمِنتُ بَني الزَمانِ فَعاقَبوني / بِداءٍ مِن خِيانَتِهِم عُضالِ
وَرُمتُ شِفاءَهُم فَرُميتُ مِنهُم / بِما أَعيا الطَبيبَ مِنَ الخَبالِ
وَمَن يَصحَب بَني الدُنيا يَجِدهُم / وَإِن صَحِبَ السَلامَةَ كَالسُلالِ
صَبَرتُ عَلى المَكارِهِ صَبرَ حُرٍّ / تَميلُ بِهِ الأَناةُ عَنِ المَلالِ
فَلَم أَجهَل لِخَلقٍ جاهِلِيٍّ / وَلَم أَجزَع لِحادِثَةِ اللَيالي
وَفي الأَخلاقِ إِن عَظُمَت دَليلٌ / عَلى عِظَمِ المَكانَةِ وَالجَلالِ
وَلَولا مَوقِفٌ لِلنَفسِ عالٍ / لَما سيقَت لِأَهليها المَعالي
تَخَلَّ عَنِ الدَنِيَّةِ وَاِجتَنِبها / وَلا تُؤثِر سِوى شَرَفِ الفِعالِ
وَنَفسَكَ لا تَبِع إِن كُنتَ حُرّاً / بِزائِلِ مَنصِبٍ وَخَسيسِ مالِ
لَكَ الوَيلاتُ إِنَّ العَيشَ فانٍ / وَإِنَّ الحَيَّ يُؤذِنُ بِاِرتِحالِ
وَما أَبقَت عَوادي الدَهرِ إِلّا / بَقايا الذِكرِ لِلأُمَمِ الخَوالي
مَتى تُؤثِر حَياةَ السوءِ تَعلَق / جِنايَتُها بِعَظمٍ مِنكَ بالِ
تَأَمَّل في نَواحي الدَهرِ وَاِنظُر / وَقِف بَينَ الحَقيقَةِ وَالخَيالِ
وَسَل عَمّا يُريبُكَ مِن خَفايا / يُجيبُكَ وَحيُها قَبلَ السُؤالِ
إِذا ما اِرتابَ فَهمُكَ فَاِتَّهِمهُ / بِنَقصٍ في التَبَيُّنِ وَاِختِلالِ
وَما خَفِيَ الصَوابُ عَلى عَليمٍ / وَلا اِحتاجَ الضِياءُ إِلى مِثالِ
وَلَكِنَّ الحَقائِقَ عائِذاتٌ / بِرَأسِ مُمَنَّعٍ صَعبِ المَنالِ
يَرُدُّ يَدَ الفَتى التِنبالِ كَلمي / وَيَشدَخُ هامَةَ الرجلِ الطِوالِ
تَعاطى شَأوَها قَومٌ فَخَرّوا / وَلَمّا يُدرِكوا شَأوَ التِلالِ
تَبيتُ حَقائِقُ الأَشياءِ وَلهَى / تَضُجُّ حِيالَها الحِكَمُ الغَوالي
تُعاني المَوتَ مِن زَمَنٍ ضَلالٍ / وَتَشكو البَثَّ مِن ناسٍ مُحالِ
أُراعُ لِخَطبِها وَالدَهرُ أَمنٌ / وَنُعمى العَيشِ وارِفَةُ الظِلالِ
كَأَنَّ رُماتَها تَفري فُؤادي / بِأَنفَذ ما تَريشُ مِنَ النِبالِ
إِذا اِنكَفَأَت قَوارِبُها ظِماءً / غَضِبتُ لَها عَلى الشَبِمِ الزُلالِ
وَإِن وَجَدَت قِلىً وَرَأَت صُدوداً / صَدَدتُ عَنِ الحَياةِ صُدودَ قالِ
خَلَعتُ شَبيبَتي وَلَبِستُ شَيبي / وَسُستُ الدَهرَ حالاً بَعدَ حالِ
فَلَم أَجِدِ الهَوى إِلّا نَذيراً / يُؤَذِّنُ في المَمالِكِ بِالزَوالِ
يَصونُ الشَعبُ سُؤدُدَهُ فَيَبقى / وَلا يَبقى عَلى طولِ اِبتِذالِ
وَإِن صَغَتِ القُلوبُ إِلى شِقاقٍ / فَإِنَّ قُوى الشُعوبِ إِلى اِنحِلالِ
تَعادى الناسُ في مِصرٍ جَميعاً / وَخاضَ الكُلُّ في قيلٍ وَقالِ
فَما بَينَ المَذاهِبِ مِن وِفاقٍ / وَلا بَينَ القُلوبِ مِنِ اِتِّصالِ
وَما لِلقَومِ إِن طَلَبوا حَياةً / سِوى مَوتٍ يُلَقَّبُ بِاِحتِلالِ
أَرى في مِصرَ شَعباً لَيسَ يَدري / أَفي سِلمٍ يُغامِرُ أَم قِتالِ
تُمَزِّقُهُ السِهامُ فَلا يَراها / وَتَأخُذُهُ السُيوفُ فَلا يُبالي
تَثاقَلَ إِذ رَفَعتُ إِلَيهِ صَوتي / وَخَفَّ لَهُ الرَكينُ مِنَ الجِبالِ
فَلَولا اللَهُ وَالبَعثُ المُرَجّى / نَفَضتُ يَدَيَّ مِن أُمَمِ الهِلالِ
نَظَرتُ فَلَم أَجِد لِلقَومِ شَيئاً / سِوى الأَطلالِ وَالدِمَنِ البَوالي
وَشَمَّرَ غَيرُهُم فَبَنى وَأَعلى / وَناضَلَ بِاليَمينِ وَبالشِمالِ
سَما بِالعَزمِ يَبتَعِثُ المَطايا / فَجازَ النَجمَ مَشدودَ الرِحالِ
وَحَلَّ بِحَيثُ يَنتَعِلُ الثُرَيّا / وَكانَ مَحَلُّهُ تَحتَ النِعالِ
فَتِلكَ شَكِيَّتي وَعَذابُ نَفسي / وَحَرُّ جَوانِحي وَشَقاءُ بالي
تَعَزّى مِن بَني الآدابِ قَومٌ / سَهِرتُ وَنامَ هاجِعُهُم حِيالي
فَلا كَبِدٌ لِطولِ الشَوقِ وَلهى / وَلا قَلبٌ بِنارِ الوَجدِ صالِ
فَما أَنا إِن صَحا كَلِفٌ بِصاحٍ / وَلا أَنا إِن سَلا دَنِفٌ بِسالِ
جَعَلتُ وِلايَةَ الآدابِ شُغلي / وَكانَت أُمَّةً مِن غَيرِ والِ
كَأَنّي إِذ عَطَفتُ يَدي عَلَيها / عَطَفتُ يَدي عَلى بَعضِ العِيالِ
حَمَلتُ هُمومَها وَنَهَضتُ مِنها / بِأَعباءٍ مُلَملَمَةٍ ثِقالِ
وَلَم أَبخَل بِذي خَطَرٍ عَلَيها / وَإِن بَخِلَت بِمَنزورِ النَوالِ
إِذا ما رُمتَ لِلشُعَراءِ ذِكراً / فَلا تَحفِل بِتَضليلِ المُغالي
وَلا تَذكُر سِوى نَفَرٍ قَليلٍ / وَإِن هُم جاوَزوا عَدَدَ الرِمالِ
صَريعُ هَوىً أَفَقتَ وَما أَفاقا
صَريعُ هَوىً أَفَقتَ وَما أَفاقا / وَنِمتَ وَباتَ يَستَبكي الرِفاقا
أَعَن أَمرِ الوُشاةِ قَتَلتَ نَفساً / تَساقَطُ حَسرَةً وَدَماً مُراقا
أَدِر رَأيَيكَ في نَشَواتِ حُبٍّ / أَدَرتَ بِهِ الأَسى كَأساً دِهاقا
أَتَصحو مِن خُمارِ الحُبِّ دوني / وَأَهذي فيكِ وَجداً وَاِشتِياقا
وَضَعتَ الكَأسَ حينَ رَفَعتُ كَأسي / أَعُبُّ هَوىً كَرِهتُ لَهُ مَذاقا
تَكَلَّفتُ المُحالَ لَعَلَّ قَلبي / يُجاذِبُكَ السُلُوَّ فَما أَطاقا
وَدَعوى الحُبِّ في الأَقوامِ زورٌ / إِذا لَم يَشرَبوا السُمَّ الذُّعاقا
فَلا تَرضَ المَوَدَّةَ مِن أُناسٍ / إِذا كانَت مَوَدَّتُهُم نِفاقا
بَلَوتُ المُدَّعينَ بَلاءَ صِدقٍ / فَلا أَدَباً وَجَدتُ وَلا خَلاقا
دُعاةُ الشَرِّ يَتَّفقونَ فيهِ / وَلا يَرجونَ في الخَيرِ اِتِّفاقا
إِذا كانَ الهَوى دَلَفوا سِراعاً / وَإِن كانَ الهُدى رَكِبوا الإِباقا
كَأَنَّ بهِم غَداةَ يُقالُ سيروا / إِلى العَلياءِ قَيداً أَو وِثاقا
أَسارى في قُيودِ الجَهلِ تَأبى / لَهُم أَخلاقُهُم مِنها اِنطِلاقا
لَبئِسَ القَومُ ما مَنَعوا ذِماراً / وَلا رَفَعوا لِصالِحَةٍ رُواقا
أَلَستَ تَرى مَجالَ الجِدِّ فيهِم / عَلى سَعَةِ الجَوانِبِ كَيفَ ضاقا
أَضاعوا الشَعبَ حينَ تَواكَلوهُ / وَساموهُ التَفَرُّقَ وَالشِقاقا
وَلَو أَنّي وَلَيتُ الأَمرَ فيهِ / جَعَلتُ مَكانَهُ السَبعَ الطِباقا
وَلَكِنّي اِمرُؤٌ لا شَيءَ عِندي / سِوى قَلَمٍ يَذوبُ لَهُ اِحتِراقا
وَما تُغني بَناتُ الشِعرِ شَيئاً / إِذا ما الشَرُّ بِالأَقوامِ حاقا
أَمُهجَةَ مِصرَ يَضرِبُ كُلُّ رامِ
أَمُهجَةَ مِصرَ يَضرِبُ كُلُّ رامِ / لَقَد بَغَتِ الرُماةُ عَلى السِهامِ
رَموا بِالنَبعِ حَتّى قيلَ أَودى / فَما أَنفوا الرِمايَةَ بِالبَشامِ
وَصاغوها سِهاماً مِن نُضارٍ / تُمَزِّقُ مُهجَةَ البَطَلِ المُحامي
لَئِن وَجَدوا السِهامَ وَهُنَّ شَتّى / فَما وَجَدَ الرَمِيُّ سِوى الحِمامِ
رَأَيتُ كِنانَةَ اللَهِ اِستُبيحَت / وَكانَت مَعقِلَ البَيتِ الحَرامِ
فَأَينَ الحافِظونَ لَها حِماها / وَأَينَ القائِمونَ عَلى الذِمامِ
فَمَن يَكُ نائِماً مِنهُم فَإِنّي / نَهَضتُ أُهيبُ بِالقَومِ النِيامِ
سَأُفزِعُ في المَضاجِعِ كُلَّ حَيٍّ / وَأَعصِفُ بِالقُبورِ وَبِالعِظامِ
يُريدُ الغاصِبونَ وَنَحنُ نَأبى
يُريدُ الغاصِبونَ وَنَحنُ نَأبى / وَيَأَبى اللَهُ ذَلِكَ مِن مُرادِ
أَقاموا بَينَنا دَهراً طَويلاً / رَمونا فيهِ بِالنُوَبِ الشِدادِ
لَهُم في الظُلمِ آثارٌ سَتَبقى / مَعالِمُها إِلى يَومِ التَنادِ
تَمادَوا فيهِ وَاِتَّخَذوهُ ديناً / وَشَرُّ الظُلمِ ظَلمُ ذَوي التَمادي
بَني التاميزِ لَيسَ لَكُم مُقامٌ / فَزولوا مُسرِعينَ عَنِ البِلادِ
دَعونا يا بَني التاميزَ إِنّا / مَلَلنا العَيشَ مِن طولِ الحِدادِ
أَتُفجِعُنا المَآتِمُ كُلَّ يَومٍ / وَتُفزِعُنا النُعاةُ بِكُلِّ نادِ
نَسيرُ مِنَ السِياسَةِ في ظَلامٍ / يُجَلبِبُ كُلَّ أُفقٍ بِالسَوادِ
بَني التاميزَ أَينَ النورُ يَهدي / نُفوساً ما لَها في مِصرَ هادِ
زَعَمتُم أَنَّ خُطَّتَكُم صَلاحٌ / وَأَنّا لا نُريدُ سِوى الفَسادِ
وَجِئتُم بِالحِمايَةِ وَهيَ أَدهى / وَأَشأَمُ ما نَخافُ مِنَ العَوادي
بَني مِصرٍ وَبِئسَ مَآلُ مِصرٍ / إِذا لَم تَسمَعوا صَوتَ المُنادي
بَلاءٌ في الكنانَةِ مُستَمِرٌّ / وَشَرٌّ كُلَّ يَومٍ في اِزدِيادِ
لَقَد أَثرى المُنافِقُ وَالمُداجي / وَباتَ فَتى الجِهادِ بِغَيرِ زادِ
عَزاءً مَعشَرَ الأَحرارِ إِنّا / نَعُدُّ بِلادَنا خَيرَ العَتادِ
صَبوحُ دَمٍ يُساجِلُهُ غَبوقُ
صَبوحُ دَمٍ يُساجِلُهُ غَبوقُ / وَلَيلُ رَدىً يُواصِلُهُ شُروقُ
لَقَد طالَت مُعاقَرَةُ المَنايا / فَما تَصحو السُيوفُ وَما تَفيقُ
إِذا وَصَفوا حُمَيّاها لِقَومٍ / تَخاذَلَتِ المَفاصِلُ وَالعُروقُ
وَما تَدري السُقاةُ بِأَيِّ كَأسٍ / تَطوفُ وَأَيَّ ذي طَرَبٍ تَشوقُ
تَرى شُرّابَها صَرعى إِذا ما / تَحَسَّتها الحَلاقِمُ وَالحُلوقُ
كَأَنَّ الأَرضَ والِهَةً تَوالَت / فَجائِعُها وَأَعوَزَها الشَفيقُ
تَتابَعَ ما يَحِلُّ بِساكِنيها / مِنَ النُوَبِ الثِقالِ وَما يَحيقُ
كَأَنَّ جَميعَ أَهليها تِجارٌ / وَكُلَّ بِلادِها لِلمَوتِ سوقُ
لَقَد هَدَّ المَمالِكَ ما تُعاني / مِنَ القَدرِ المُتاحِ وَما تَذوقُ
حُروبٌ يَستَغيثُ البَغيُ مِنها / وَيَنبو الإِثمُ عَنها وَالفُسوقُ
تُداسُ بِها الشَرائِعُ وَالوَصايا / وَتُنتَهَكُ المَحارِمُ وَالحُقوقُ
تَفَنَّنَ في المَهالِكِ موقِدوها / وَبَعضُ تَفَنُّنِ الحُذّاقِ موقُ
تَرَدَّى البِرُّ وَالإيمانُ فيها / وَضَجَّ الكُفرُ مِنها وَالعُقوقُ
فَما يَرضى إِلَهُ الناسِ عَنها / وَلا يَرضى يَغوثُ وَلا يَعوقُ
إِذا اِبتَدَرَت أَجادِلُها مَطاراً / أَسَفَّ النَسرُ وَاِنحَطَّ الأَنوقُ
إِذا دانَت مَكانَ النَجمِ هاجَت / وَساوِسُهُ وَلَجَّ بِهِ الخُفوقُ
تَبيتُ لَهُ الفَراقِدُ جازِعاتٍ / إِذا هَتَكَ الظَلامُ لَها بَريقُ
يَهيجُ خِبالَها تَأويبُ طَيفٍ / يُخالُ لَهُ لِمامٌ أَو طُروقُ
إِذا اِبتَدَرَ السُرى مِنها فَريقٌ / تَعَثَّرَ في مَساريهِ فَريقُ
غَمائِمُ لُحنَ مِن بيضٍ وَسودٍ / تُريقُ مِنَ المَنايا ما تُريقُ
تَصُبُّ المَوتَ أَحمَرَ لا قَضاءٌ / يُدافِعُهُ وَلا قَدَرٌ يَعوقُ
سِهامُ وَغىً تُسَدِّدُها عُقولٌ / لَها في كُلِّ غامِضَةٍ مُروقُ
تُباري الجِنَّ في الإِبداعِ آناً / تُحاكيها وَآوِنَةً تَفوقُ
إِذا الأَسبابُ كانَت واهِياتٍ / دَعَت فَأَجابَها السَبَبُ الوَثيقُ
جَرَت طَلقاً فَجاءَت سابِقاتٍ / وَجاءَ وَراءَها الأَمَدُ السَحيقُ
وَأُخرى تَنفُثُ الأَهوالَ يَجري / بِمَقذوفاتِها القَدَرُ الطَليقُ
تَرُدُّ حَقائِقَ الزلزالِ وَهماً / وَتُبطِلُ ما اِدَّعاهُ المَنجَنيقُ
لَقَد حَمَلَ الرَدى المُجتاحُ مِنها / وَمِن أَهوالِها ما لا يُطيقُ
إِذا قَذَفَت فَمِلءُ الجَوِّ رُعبٌ / وَمِلءُ الأَرضِ مَوتٌ أَو حَريقُ
تُتابِعُ لُجَّتَينِ دَماً وَناراً / سَلامُ الناسِ بَينَهُما غَريقُ
يَهُمُّ إِلَيهِ وَيلُسُنُ حينَ يُدعى / وَقَد سُدَّ الطَريقُ فَلا طَريقُ
حَماهُ مِنَ القَياصِرِ كُلُّ غازٍ / يَسوقُ مِنَ الفَيالِقِ ما يَسوقُ
يُعَبِّئُها وَيُنفِذُها سِراعاً / تُراعُ لَها العَواصِفُ وَالبُروقُ
إِذا ضاقَت فِجاجُ الأرضِ عَنها / سَمَت في الجَوِّ فَاِنفَرَجَ المَضيقُ
وَفي الدَأماءِ داءٌ مُستَكِنٌّ / وَجُرحٌ في جَوانِحِها عَميقُ
إذا الأُسطولُ أَحدَثَ فيهِ رَتقاً / تَوالَت في جَوانِبِهِ الفُتوقُ
تَطيرُ مَدائِنُ النيرانِ مِنهُ / وَتَهوي الفُلكُ فيهِ وَالوُسوقُ
يَخيبُ الحُوَّلُ المَرجُوُّ فيهِ / وَيَهلَكُ عِندَهُ الآسي اللَبيقُ
أَصابَ بِشَرِّهِ الدُنيا جَميعاً / فَما تَصفو الحَياةُ وَما تَروقُ
تَفاقَمَتِ الخُطوبُ فَلا رَجاءٌ / وَأَخلَفِتِ الظُنونُ فَلا وُثوقُ
تُطالِعُنا السُنون مُرَوِّعاتٍ / وَنَحنُ إِلى أَهِلَّتِها نَتوقُ
يَمُرُّ العَهدُ بَعدَ العَهدِ شَرّاً / فَأَينَ الخَيرُ وَالعَهدُ الأَنيَقُ
نَوائِبُ رُوِّعَ التَنزيلُ مِنها / وَضَجَّ القَبرُ وَالبَيتُ العَتيقُ
أَيُقدَرُ لِلمَمالِكِ ما تَمَنّى / وَقَد عَلِقَت بَني الدُنيا عَلوقُ
أَمَضَّ قُلوبَنا داءٌ دَخيلٌ / وَهُمٌّ في جَوانِحِنا لَصيقُ
وَبَرَّحَ بِالتَرائِبِ مُستَطيرٌ / يُعاوِدُهُ التَمَيُّزُ وَالشَهيقُ
وَجَفَ الريقُ حَتّى وَدَّ قَومٌ / لَوَ اَنَّ السُمَّ في اللَهَواتِ ريقُ
بِنا مِن ضارِبِ الحِدثانِ ما لا / يَطيقُ مَضاءَهُ العَضبُ الذَليقُ
كَأَنَّ جِراحَهُ في كُلِّ قَلبٍ / شِفاهٌ لِلمَنِيَّةِ أَو شُدوقُ
رُوَيدَ البومِ وَالغِربانِ فينا / أَما يَفنى النَعيبُ وَلا النَعيقُ
أَكُلُّ غَدِيَّةٍ بِالسوءِ داعٍ / وَكُلُّ عَشِيَّةٍ لِلشَرِّ بوقُ
وَدَدنا لِلنَواعِبِ لَو عَمينا / وَسُدَّت مِن مَسامِعِنا الخُروقُ
يُكَذِّبُ ما نَخافُ مِنَ البَلايا / رَجاءُ اللَهِ وَالأَمَلُ الصَدوقُ
وَيَعلو الحَقُّ بَينَ مُهَوِّلاتٍ / مِنَ الأَنباءِ باطِلُها زَهوقُ
أَقولُ لِجازِعِ الأَقوامِ صَبراً / فَإِنَّ الصَبرَ بِالعاني خَليقُ
إِذا فَدَحَت خُطوبُ الدَهرِ يَوماً / فَنِعمَ العَونُ فيها وَالرَفيقُ
رُوَيدَكَ إِنَّ رَيبَ الدَهرِ حَتمٌ / وَإِنَّ الشَرَّ في الدُنيا عَريقُ
لَعَلَّ اللَهَ يُدرِكُنا بِغَوثٍ / يُبَدِّلُ ما يَروعُ بِما يَروقُ
لَهُ الآلاءُ سابِغَةً وَمِنهُ / خَفِيُّ اللُطفِ وَالصُنعُ الرَقيقُ
يُريدُ فَتَرعَوي النَكَباتُ عَنّا / وَتَزدَجِرُ الخُطوبُ وَتَستَفيقُ
نُؤَمِّلُ ما يَليقُ بِهِ وَنَشكو / إِلَيهِ مِنَ الأَذى ما لا يَليقُ
بِرَبِّكَ أَيُّها العامُ الجَديدُ
بِرَبِّكَ أَيُّها العامُ الجَديدُ / أَفيكَ مِنَ الأَماني ما نُريدُ
تَتابَعَتِ الخُطوبُ فَكُلُّ قَلبٍ / حَزينٌ في جَوانِحِهِ كَميدُ
حَمَلناها ثِقالاً لَو تَرامَت / عَلى الأَطوادِ ما فَتِئَت تَميدُ
وَطالَ الصَبرُ وَالأَيّامُ تأتي / وتذهبُ بالحوادثِ وهيَ سودُ
ظلامٌ حالكٌ وأسىً مُقيمٌ / وَشَرٌّ شامِلٌ وَأَذىً شَديدُ
يَوَدُّ الناسُ لَو هَلَكوا جَميعاً / لِيَحجِبَهُم عَنِ الدُنيا اللُحودُ
لَقَد زَهدوا الحَياةَ وَأَبغَضوا / وَلَم يَرحَمهُمُ الخَصمُ العَنيدُ
أَلا يا عامُ بَشِّرنا بِخَيرٍ / فَأَنتَ عَلى مَتاعِبِنا شَهيدُ
عَسى أَن تَنجَلي البَأساءُ عَنّا / وَيُسعِدَ قَومَنا العَيشُ الرَغيدُ
طَلَعَت عَلى بَني الإِسلامِ نوراً / تَحُفُّ بِهِ البَشائِرُ وَالسُعودُ
يُذَكِّرُهُم بِآباءٍ كِرامٍ / مَيامينٍ لَهُم ذِكرٌ مَجيدُ
أَقاموا مَجدَهُم بِالبَأسِ نَخشى / وَنَحذَرُ أَن تُقاوِمَهُ الأُسودُ
وَسَنّوا العَدلَ إيماناً وَتَقوىً / فَكانَ لَهُ بِهِم صَرحٌ مَشيدُ
بِهِ فَتَحوا المَمالِكَ ثُمَّ سادوا / كَذاكَ العَدلُ صاحِبُهُ يَسودُ
مَفاخِرُهُم مَدى الأَجيالِ تَبقى / مُخَلَّدَةً إِذا ذُكِرَ الخُلودُ
هَلُمّوا يا بَني الإِسلامِ نَسعى / عَسى الزَمَنُ الَّذي وَلّى يَعودُ
هَلُمّوا يا بَني مِصرٍ هَلُمّوا / فَما يُجدي الوُقوفُ وَلا يُفيدُ
أَلا يا عامُ أَنتَ لَنا وَليدٌ / يُحَيّي الشَرقَ طالِعُهُ السَعيدُ
لَكَ الصُنعُ الجَميلُ إِذا قَضَينا / بِكَ الأَوطارَ وَالأَثَرُ الحَميدُ
وَفي اللَهِ الرَجاءُ فَما سِواهُ / لِما تَرجو الخَلائِقُ وَالعَبيدُ
بَني الآمالِ قَد وَضَحَ اليَقينُ
بَني الآمالِ قَد وَضَحَ اليَقينُ / تَجَلّى العامُ وَالعَصرُ المُبينُ
أَطَلَّ عَلى بَني الدُنيا وَليدٌ / أَجَلُّ الحادِثاتِ بِهِ جَنينُ
بَشيرُ الغَيبِ يُلمَحُ في يَدَيهِ / كِتابٌ لا يَضِلُّ وَلا يَخونُ
تُضيءُ حَقائِقُ الآمالِ فيهِ / وَتَنقَشِعُ الوَساوِسُ وَالظُنونُ
وَما تَعمى قُلوبُ الناسِ يَوماً / إِذا عَمِيَت عَنِ الأَمرِ العُيونُ
هِلالَ العامِ أَنتَ لِمِصرَ دُنيا / تُعَظِّمُها وَأَنتَ لِمِصرَ دينُ
تُجَدِّدُ مِن رَسولِ اللَهِ ذِكرى / لَها في كُلِّ جانِحَةٍ رَنينُ
أَتى والناسُ في الظُلُماتِ غَرقى / فَفاضَ النورُ وَاِستَوَتِ السَفينُ
وَقامَت دَولَةُ الأَخلاقِ تَعلو / وَقامَ العَرشُ وَالتاجُ الثَمينُ
وَأَشرَقَتِ الحَضارَةُ فَاِستَضاءَت / بِها الأَجيالُ أَجمَعُ وَالقُرونُ
تَلوذُ بِمَعقِلٍ لِلعَدلِ عالٍ / تَلوذُ بِهِ المَعاقِلُ وَالحُصونُ
نُحِبُّ مُحَمَّداً وَنَصونُ فيهِ / لِعيسى ما يُحِبُّ وَما يَصونُ
وَنُكرِمُ قَومَهُ وَنَكونُ مِنهُم / بِحَيثُ يَكونُ ذو الرَحِمِ الضَنينُ
تُؤَلِّفُ بَينَنا آمالُ مِصرٍ / وَتَجمَعُنا الحَوادِثُ وَالشُؤونُ
تَوَلَّ أَمورَنا يا رَبِّ إِنّا / بِكَ اللَّهُمَّ وَحدَكَ نَستَعينُ
وَمَهما نَبغِ مِن شَرَفٍ وَمَجدٍ / فَأَنتَ بِهِ كَفيلٌ أَو ضَمينُ
سَيَملِكُ أَمرَهُ الشَعبُ المُفَدّى / وَيَرفَعُ ذِكرَهُ البَلَدُ الأَمينُ
نَزيلَ النيلِ أَينَ تَرَكتَ مُلكاً
نَزيلَ النيلِ أَينَ تَرَكتَ مُلكاً / أَلَمَّ بِبابِكَ العالي نَزيلا
وَأَينَ التاجُ يُرفَعُ في دِمَشقٍ / فَيَصدَعُ هامَةَ الجَوزاءِ طولا
وَأَينَ الجُندُ حَولَكَ تَزدَهيهِ / مَواكِبُ تَحمِلُ الخَطَرَ الجَليلا
وَأَينَ الفَتحُ تُنميهِ المَواضي / وَجُردُ الخَيلِ تَبعَثُها فُحولا
أَثارَت وَجدَ أَحمَدَ حينَ مَرَّت / بِمَضجَعِهِ وَرَوَّعَتِ الخَليلا
وَهاجَت مِن أُمَيَّةَ في دِمَشقٍ / لَواعِجَ تَبعَثُ الداءَ الدَخيلا
نَزَلتَ عَلى صَلاحِ الدينِ ضَيفاً / فَلَم تَرضَ المُقامَ وَلا الرَحيلا
أَحَقّاً كُنتَ رَبَّ التاجِ فيها / وَكُنتَ الشَعبَ وَالملكَ النَبيلا
دَعِ النُعمانَ أَنتَ أَجَلُّ مُلكاً / وَأَمنَعُ جانِباً وَأَعَزُّ غيلا
وَمالَكَ في بَني غَسّانَ كُفءٌ / إِذا ذَكَروا العِمارَةَ وَالقَبيلا
أَلَستَ لِهاشِمٍ وَبَني أَبيهِ / إِذا اِنتَسَبَ الفَتى لِأَبٍ سَليلا
بِرَبِّكَ هَل يَدومُ أَسىً وَوَجدٌ / لِمُلكٍ لَم يَدُم إِلّا قَليلا
لَئِن تَكُ هاشِمٌ أَسِفَت عَلَيهِ / لَقَد كَرِهَت أُمَيَّةُ أَن يَزولا
عَزاءً إِنَّ لِلأَقدارِ حُكماً / وَإِنَّ قَضاءَ رَبِّكَ لَن يَحولا
وَقُل لِأَبيكَ وَالحَسَراتُ تَهفو / بِمَعقِدِ تاجِهِ صَبراً جَميلا
وَما تَعصى خُطوبُ الدَهرِ حُرّاً / أَطاعَ اللَهَ مِثلَكَ وَالرَسولا
سَأَرحَمُ بَعدَ قَصرِكَ كُلَّ قَصرٍ / وَأَحسُدُ بَعدَكَ الطَلَلَ المَحيلا
وَأَبكي الشَرقَ حيناً بَعدَ حينٍ / وَأَندُبُ في مَمالِكِهِ العُقولا
وَلَيسَ بِعاقِلٍ مَن رامَ شَيئاً / يَراهُ إِذا تَأَمَّلَ مُستَحيلا
لَعَمرُكَ ما الحَياةُ سِوى صِيالٍ / وَلَيسَ الرَأيُ إِلّا أَن تَصولا
مَتى رَفَعَ الرَجاءُ بِناءَ مُلكٍ / وَكانَ عِمادُهُ قالاً وَقيلا
نُريدُ الراحِمينَ وَأَيُّ شَعبٍ / عَزيزٍ يَرحَمُ الشَعبَ الذَليلا
أَتَعجَبُ أَن تَرى قَنَصَ الضَواري / وَتَغضَبُ أَن يَكونَ لَها أَكيلا
فَثِق بِاللَهِ وَاِنظُر كَيفَ يَهدي / شُعوبَ الشَرقِ إِذ ضَلّوا السَبيلا
أَظَلَّ جُموعَهُم حَدَثٌ مَهولٌ / لِيَكشِفَ عَنهُمُ الحَدَثَ المَهولا
وَما شَقَّ الدَواءُ عَلى مَريضٍ / إِذا ما اِستَأصَلَ الداءَ الوَبيلا
قُلِ اللَهُمَّ غَفّارَ الخَطايا / إِلَيكَ نَتوبُ فَاِرزُقنا القُبولا
عَرَفنا الحَقَّ بَعدَ الجَهلِ إِنّا / وَجَدنا الجَهلَ لِلأَقوامِ غولا
أَبا شادي وَكُنتَ لَنا حَليفاً
أَبا شادي وَكُنتَ لَنا حَليفاً / نُجَرِّدُ لِلجِهادِ شَديدَ بِأسِكْ
أَتَهدِمُ طولَ يَومِكَ ما بَنَتهُ / يَداكَ مِنَ المَعاقِلِ طولَ أَمسِكْ
أَما تَرعى ذِمامَ الحَربِ يَوماً / فَتَبعَثُها لِقَومِكَ أَو لِنَفسِكْ
أَتَرضى أَن تَطيرَ إِذا التَحَمنا / مَلايينُ الرُؤوسِ لِأَجلِ رَأسِكْ
مَكانَكَ إِنَّنا لَأُولو رَجاءٍ / نَصولُ بِهِ وَأَنتَ صَريعُ يَأسِكْ
دَعوا اِستِقلالَ مِصرَ فَقَد عَرَفنا
دَعوا اِستِقلالَ مِصرَ فَقَد عَرَفنا / خَفايا الأَمرِ وَاِنكَشَفَ الغِطاءُ
دَعوا اِستِقلالَكُم يا قَومُ إِنّا / مِن اِستِقلالِكُم هَذا بَراءُ
خُذوهُ إِلى المَقابِرِ فَاِدفُنوهُ / وَقولوا لِلرَئيسِ لَكَ البَقاءُ
فَإن تَكُ خُطَّةً أُخرى فَمَرحى / وَإِلّا فَالتَذَمُّرُ وَالإِباءُ
دَعوها ضَجَّةً لا خَيرَ فيها / فَما يُغني الضَجيجُ وَلا العُواءُ
أَتُغضِبُكُم حَمِيَّةُ كُلِّ حُرٍّ / تُهَيِّجُهُ المُروءَةُ وَالوَفاءُ
خُذوا سُفهاءَكُم يا قَومُ عَنّا / فَقَد طالَ التَحَلُّمُ وَالحَياءُ
أَنُعرِضُ عَن مَقالَتِكُم وَتَأبى / رِقابُ السوءِ ذَلِكُمُ البَلاءُ
أَأَحرارٌ نُجاهِدُ أَم تِجارٌ / وَهَل في مِصرَ بيعٌ أَو شِراءُ
يَقولُ البَرقُ شَرٌّ مُستَطيرٌ
يَقولُ البَرقُ شَرٌّ مُستَطيرٌ / وَخُلفٌ بَينَ سادَتِنا شَديدُ
وَيَزعُمُ تارَةً أَن لَيسَ شَيءٌ / سِوى الأَمرِ الَّذي عَزَمَ العَميدُ
إِذا اِختَلَفوا أَوِ اِتَّفَقوا فَإِنّا / سِوى اِستِقلالِ مِصرٍ لا نُريدُ
هُوَ الحَقُّ الَّذي نَسعى إِلَيهِ / وَلَسنا عَنهُ ما عِشنا نَحيدُ
إِذا لَم يَحفَظِ اِستِقلالُ مِصرٍ / فَلا سَعدٌ يُطاعُ وَلا سَعيدُ
رَجاءُ الشَعبِ لا الأَحزابُ تُجدي / إِذا ضاعَ الغَداةَ وَلا الوُفودُ
نُطيعُ العامِلينَ وَنَفتَديهِم / وَنَنصُرُهُم إِذا اِشتَدَّ الوَعيدُ
إِذا اِعتَصَموا فَنَحنُ لَهُم حُصونٌ / وَإِن زَحَفوا فَنَحنُ لَهُم جُنودُ
بِأَظهُرِنا وَأَيدينا جَميعاً / تَحَصَّنَ مُصطَفى وَرَمى فَريدُ
لَعَمرُكَ ما تَخونُهما الوَصايا / وَلا الذِمَمُ المَصونَةُ وَالعُهودُ
حَفِظناها لِمِصرَ وَأَيُّ شَعبٍ / إِذا ضاعَت مَحارِمُهُ يَسودُ
ذَخائِرُ سُؤدُدٍ وَتُراثُ عِزٍّ / وَمُلكٌ لِلكِنانَةِ لا يَبيدُ
فَمَن يَكُ صادِقاً في حُبِّ مِصرٍ / فَما بِالحُبِّ نُكرٌ أَو جُحودُ
بَرِئتُ مِنَ المُخاتِلِ في هَواها / وَمِمَّن لَيسَ يَنفَعُ أَو يُفيدُ
دُعاةَ الخَيرِ وَالإِصلاحِ مَرحى
دُعاةَ الخَيرِ وَالإِصلاحِ مَرحى / رَضيناكُم وَإِن كُنتُم غِضابا
رَضيناكُم عَلى أَن تُنصِفونا / وَأَلّا تَظلِموا الشَعبَ المُصابا
أَفي الإِنصافِ أَلّا تورِدوهُ / عَلى طولِ الصَدى إِلّا سَرابا
أَفي الإِنصافِ أَن تَتَلَقَّفوهُ / كَما تَتَلَقَّفُ الريحُ الذُبابا
أَفي الإِنصافِ أَن تَتَكَنَّفوهُ / تُريدونَ الخَديعَةَ وَالخِلابا
أَفي اِستِقلالِكُم يا قَومُ شَيءٌ / سِوى تِلكَ الَّتي تَلوي الرِقابا
دُعاةَ الخَيرِ وَالإِصلاحِ إِنّا / لَنَغفِرُ لِلمُسيءِ إِذا أَنابا
زَعَمتُم أَنَّنا حُسّادُ سَعدٍ / وَقُلتُم قَولَ مَن جَهِلَ الصَوابا
وَلَو رَكِبَ الجِواءَ بِمصرَ سَعدٌ / لَقُلنا لَيتَهُ رَكِبَ السَحابا
كَفى يا قَومُ بُهتاناً وَزوراً / فَقولوا الحَقَّ وَاِجتَنِبوا السِبابا
لَأَنتُم خَيرُ مَن يُرجى لِمِصرٍ / وَلَكِنّا نَرى العَجَبَ العُجابا
وَفي اِستِقلالِكُم بَعضُ المَزايا / وَلَكِنّا لَمَسناهُ فَذابا
أَمِن عَرشِ الشَآمِ إِلى أَثينا
أَمِن عَرشِ الشَآمِ إِلى أَثينا / لَقَد هانَت عُروشُ المالِكينا
أَفَيصَلُ في بَني الأَعرابِ آناً / وَفِنزيلوسُ في اليونانِ حينا
لِكُلٍّ مَصرَعٌ جَلَلٌ وَخَطبٌ / يَرِنُّ صَداهُ في الدُنيا رَنينا
أَمِن مَلِكٍ يُطاعُ إِلى شَريدٍ / تُحَيّيهِ الخَلائِقُ ساخِرينا
يَجوبُ الأَرضَ يَنشُدُ في بَنيها / أولي القُربى وَيَلتَمِسُ المُعينا
أَفَنزيلوسُ إِن تَنزِل بِمِصرٍ / فَقَد عَرَفَتكَ بَينَ النازِلينا
وَما جَهِلَت مَكانَكَ حينَ تُزجي / جُيوشَكَ في المَمالِكِ فاتِحينا
أَبادَت في قُرى إِزميرَ قَوماً / وَغالَت في أَدَرنَةَ آخِرينا
تُغيرُ على البِلادِ فَتَحتَويها / وَتَستَلِبُ المَعاقِلَ وَالحُصونا
كَتائِبُ لَم تَدَع لِلتُركِ ذِكراً / بِفَرسالا وَلا جَبَلَي مَلونا
فَمَن يَنسى الفُتوحَ مُحَجَّلاتٍ / بَلاريسا فَإِنّا ما نَسينا
تُعيدُ بِها شَبابَ المُلكِ غَضّاً / وَتَمنَعُ أَن يَذِلَّ وَأَن يُهونا
وَتَحمي مِن بِلادِكَ ما اِستَباحَت / بِحَدِّ السَيفِ أَيدي الغاصِبينا
وَدائِعُ في بَني عُثمانَ حَلَّت / بِأَيدي الباسِلينَ حِمىً أَمينا
بَلَغتَ بِها المَدى وَطَلَبتَ شَأواً / يَفوتُ مَدى القَياصِرِ أَجمَعينا
فَلَم تَرَ غَيرَ مُلكِ النَجمِ شَيئاً / وَلَم تَرَ مِنكَ حينَ هَمَمتَ لينا
تَظُنُّ مَنالَهُ أَمَلاً كَذوباً / وَتَطمَعُ أَنتَ وَحدَكَ أَن يَكونا
أَبَت وَأَبَيتَ فَاِقتَحَمَتكَ غَضبى / وَكانَ فِرارُكَ النَصرَ المُبينا
وَما بَرَحَ الغُزاةُ ذَوي فِرارٍ / إِذا كَرِهَت نُفوسُهُم المَنونا
يَرى الحُكَماءُ أَمضى الناسِ بَأساً / غَداةَ الحَربِ أَكثَرَهُم جُنونا
وَما مِن حِكمَةٍ في الأَرضِ إِلّا / لِقَومِكَ فَضلُها في العالَمينا
فَدَع ما أَحدَثَ العُلَماءُ وَاِرجِع / إِلى عِلمِ الثِقاتِ الأَوَّلينا
وَلا تُؤمِن بِساسَتِهِ زَماناً / يَعُدُّ سِياسَةَ الجُهَلاءِ دينا
شَهادَةُ مُفسِدِ الأَحداثِ مُؤذٍ / يَرى الإِصلاحَ دَأبَ المُفسِدينا
هُمُ السُمُّ المَشوبُ يُظَنُّ شَهداً / وَتَفضَحُهُ مَنايا الشارِبينا
أَلَم تَرَ لِلشُعوبِ وَكَيفَ أَمسَت / تُقَلِّبُهُم أَكُفُّ اللاعِبينا
إِذا دارَت بِهِم ذَهَبوا وَجاءوا / أَذِلّاءَ النُفوسِ مُسخَّرينا
إِذا كانَ السَلامُ بَقوا مَتاعاً / فَإِن تَكُنِ الوَغى ذَهَبوا طَحينا
إِذا نَظَرَ الفَتى شَعباً جَريحاً / أَصابَ حِيالَهُ شَعباً دَفينا
جِنايَةُ مَعشَرٍ غَلَبَت عَلَيهِم / نُفوسُ جَبابِرٍ ما يَرعَوينا
مَلَأنَ مَآتِمَ الهَلكى عَويلاً / وَزِدنَ مَصارِعَ الجَرحى أَنينا
مَلَكنَ الأَرضَ فَاِستَعلَينَ فيها / وَأَحدَثنَ الحَوادِثَ وَالشُؤونا
كَأَنَّ اللَهَ لَيسَ بِذي مِحالٍ / يَهُدُّ عَزائِمَ المُتَجَبِّرينا
لَهُ الآياتُ تَصدَعُ كُلَّ شَكٍّ / وَتَعصِفُ بِالأُلى جَهِلوا اليَقينا
رَأَيتُ ذَوي العَمى في الناسِ هَلكى / وَلا مِثلَ القُلوبِ إِذا عَمينا
وَمَن زَعَمَ الغَوائِلَ غافِلاتٍ / فَقَد ظَلَمَ المَزاعِمَ وَالظُنونا
وَإِنَّ حَقائِقَ الحِدثانِ تَأتي / فَتَدمَعُ تُرَّهاتِ الجاهِلينا
سَلِ الدُنيا عَنِ الماضينَ وَاِنظُر / إِلى الدُوَلِ الخَوالي هَل بَقينا
وَقُل لِرِوايَةِ الأَجيالِ ماذا / وَعَيتِ عَنِ الكِرامِ الكاتِبينا
طَوَتهُم حادِثاتُ الدَهرِ فيها / فَهُم صُحُفٌ بِأَيدي القارِئينا
كَذَلِكَ نَحنُ نُصبِحُ بَعدَ حينٍ / صَحائِفَ عِبرَةٍ لِلغابِرينا
شَقينا بِالحَياةِ وَأَيُّ شَعبٍ / تَطيبُ لَهُ حَياةُ المُسلِمينا
أَنُنكَبُ في الشُعوبِ بِكُلِّ خَطبٍ / وَنَذهَبُ في البِلادِ مُشَرَّدينا
نَعوذُ بِباعِثِ المَوتى وَنَرجو / عَوارِفَهُ رَجاءَ العامِلينا
وَلَيسَ بِمُفلِحٍ شَعبٌ جَهولٌ / تُخادِعُهُ أَماني العاجِزينا
يَظَلُّ بِمُستَقَرِّ الهونِ مُلقىً / يُناجي الطَيرَ أَو يُحصي السِنينا
يُرَوِّعُهُ الذُبابُ فَإن تَمَنّى / رَمى الرِئبال وَاِستَلَبَ العَرينا
وَسالَ البَرُّ مِن فَمِهِ جُنوداً / وَماج البَحرُ في يَدِهِ سَفينا
حَنانَكَ رَبَّنا إِنّا أَنَبنا / إِلَيكَ فَنَجِّنا مِمّا لَقينا
وَزيرَ الأَمنِ ماتَ الناسُ خَوفاً
وَزيرَ الأَمنِ ماتَ الناسُ خَوفاً / وَضَجَّت مِصرُ حَولَكَ بِالشِكايَهْ
رَوى زيدٌ وَحَدَّثَ عَنهُ عَمرٌو / فَما صَدَقَ الحَديثُ وَلا الرِوايَهْ
بِرَبِّكَ ما الَّذي تُبدي وَتُخفي / وَهَل لِلأَمرِ عِندَكَ مِن نِهايَهْ
بِأَيَّةَ خُطَّةٍ وَبأَيِّ حِزبٍ / تُريدُ بِنا الإِساءَةَ وَالنِكايَهْ
جَرَيتَ إِلى الوَراءِ بِلا عِنانٍ / فَماذا تَبتَغي وَلِأَيِّ غايَهْ
وَزيرَ الأَمنِ إِنَّ لِمِصرَ حَقّاً / وَإِنَّ الحُرَّ شيمَتُهُ الرِعايَهْ
أَتَكرَهُ أَن تَسودَ وَأَن تَراها / بِمَنزِلَةِ الطَليقِ مِنَ الوِصايَهْ
أَتَخشى الذُلَّ وَيحَكَ في بَنيها / إذا رُفِعَت بِها لِلعِزِّ رايَهْ
دَعاكَ الناصِحونَ إِلى التَأَنّي / وَعَلَّمَكَ الصَوابَ أُولو الدِرايَهْ
أَلا حَزمٌ مِنَ المَكروهِ واقٍ / فَإِنَّ الحَزمَ داعِيَةُ الوِقايَهْ
وَما في الأَرضِ أَسعَدُ مِن وَفِيٍّ / أَمينِ العَهدِ مَأمونِ الجِنايَهْ
يَرى الدُنيا بِعَينِ فَتىً كَريمٍ / كَبيرِ النَفسِ يوسِعُها زِرايَهْ
وَيَعلَمُ أَنَّ وَعدَ اللَهِ حَقٌّ / وَأَنَّ لَهُ الحُكومَةَ وَالوِلايَهْ
رَأَيتُ المَرءَ يَركَبُ كُلَّ صَعبٍ / وَيَطمَعُ أَن تُظَلِّلَهُ العِنايَهْ
أَظُنُّ القَومَ لا يَرجونَ أُخرى / وَلا يَخشَونَ عاقِبَةَ الغِوايَهْ
وَلا يَرضونَ دينَ الحَقِّ ديناً / وَلَو جاءَ الهُداةُ بِكُلِّ آيَهْ
سَتَنشَقُّ الغَيابَةُ بَعدَ حينٍ / عَنِ المُثلى وَتَنجابُ العَمايَهْ
إِذا تابَ العُصاةُ عَنِ الخَطايا / فَحَسبُكَ أَن تَتوبَ عَنِ الحِمايَهْ
ردوا غمراتِها في الواردينا
ردوا غمراتِها في الواردينا / وسيروا في الممالكِ فاتحينا
لكم ما اسْتَعمرَ الأعداءُ منها / وما استلبتْ أكُفُّ الغاصبينا
وما مُلْكُ الهلالِ بِمُستباحٍ / وإن غَفَتِ القواضبُ عنه حينا
لها خُلُقُ الصَّواعقِ حين تُغْفِي / فما يُمْسَكْنَ حتّى يَرتمِينا
تَبيتُ على مَضاجِعها المنايا / مُولَّهةً تظنُّ بها الظنونا
تقرُّ فتفزعُ الدّنيا وتأبى / ممالِكُها الهَوادةَ والسُّكونا
وتبعثُها الوغَى فيسيلُ منها / عُبابُ الموتِ يطوي المعتدينا
يُطوِّحُ بالكتائبِ والسّرايا / ويلتهمُ المعاقلَ والحصونا
سلِ اليونانَ كيف طغَى عليهم / أما كانوا الطُّغاةَ القاهرينا
إذا طلبوا النّجاةَ تلقّفَتْهم / يدا عزريلَ في المُتلقِّفينا
يشقُّ الموجَ إن فَزِعوا إليهم / ويُزجِي من مخالبهِ سفينا
خُطوبٌ زُلزِلتْ أزميرُ منها / وزالت عن مَواقِعها أثينا
إذا ما ساقَ قُسطنطينُ جيشاً / رَمى الغازي فساق له المَنونا
وما بجنودِ قسطنطينَ نُكرٌ / إذا كرَّ الغُزاةُ مُكبِّرينا
يَردُّونَ السّيوفَ بِلا قتالٍ / ويَلْوُونَ الأعِنَّةَ مُعرِضينا
إذا نَظموا الهزائمَ أَحْسَنوها / وزَفُّوها روائعَ يزدهينا
وما تخفى فُنونُ الحربِ يوماً / على الشَّعبِ الذي وَرِثَ الفُنونا
تولَّوْا كالرّياحِ تَهُبُّ نُكْباً / وطاروا كالنَّعامِ مُشرَّدينا
تكاد الأرضُ تُنْكِرُهم إذا ما / تَولَّوْا في الأباطحِ مُدبرينا
تكاد بلادُها ترتابُ فيهم / إذا مَرُّوا بهنَّ مُدمِّرينا
فذلك بأسُهم والبأسُ عَجْزٌ / إذا رَحِمَ الضِّعافَ العاجزينا
وتِلكَ سَبِيلُهم لا عَيْبَ فيها / وإن زَهقتْ نُفوسُ اللّائمينا
ومَن زَعمَ المذابحَ مُنكَراتٍ / فقد زَعمَ الملائكَ مُجرِمينا
أَلَمْ تَسَلِ المدائنَ كيف بادت / ألم تبكِ المنازلَ إذ بُلينا
كساهُنَّ الشُّحوبَ بلىً عَبوسٌ / وكان الحُسْنُ ممّا يكتسينا
سَلِ الأطلالَ من سُفْعٍ وسُودٍ / أهنَّ إلى النَّواعِبَ ينتمينا
أُتِيحَ لهنّ من ظُلمٍ طِلاءٌ / كَلَوْنِ القارِ هُنَّ بهِ طُلينا
ديارَ عُمومتي وبلادَ قومي / متى دَرستْ رسومُكِ خبِّرينا
أثارَ عليكِ من فِيزوفَ سُخطٌ / أمِ اخترمتكِ أيدي السّاخطينا
تَفجَّر فيكِ طُوفانٌ جحيمٌ / هَوَى بكِ موجُه في المُغْرَقينا
لَئِنْ جاش العُبابُ فَذُبْتِ فيه / لقد ذَابتْ نُفوسُ السّاكنينا
جَرَيْنَ على غَوارِبه حَيارَى / دوائبَ يفترِقنَ ويلتقينا
تظلُّ النّارُ تأكلُهم أُلوفاً / وليسوا بالعُصاةِ المُذنبينا
تُصيبُ المُذعِنينَ فتحتويهمْ / وتعصِفُ في وُجوهِ الجافلينا
وتغشَى كُلَّ منزلةٍ وَمَثْوَىً / فيذهبُ كيدُها باللّاجئينا
إذا مالَ السَّبيلُ بها فَحارتْ / هَدتْها صَيْحةُ المُسْتَصرِخْينا
وناعِمةِ الشّبيبةِ ذاتِ طفلٍ / يُضيءُ وسامةً ويَرفُّ لِينا
تَلوذُ بِمهدهِ وتضمُّ مِنهُ / رياحينَ الرّياضِ إذا نَدينا
دَهاها الخطبُ أحمرَ في نُفوسٍ / لَبسْنَ الموتَ أسودَ إذ دُهينا
فعادَ الثَّدْيُ في فمهِ لهيباً / وعاد المَهْدُ في يدِها أَتونا
تثورُ فلا تُريدُ سِوَى طعامٍ / ولا يَفْنَى القِرَى في المُطعميا
تَسيلُ أكفُّهم كَرَماً وبرّاً / إذاجمدتْ أكفُّ الباخلينا
تَبارَوْا في السَّماحِ فجاوَزوهُ / وفاتوا فيه شأوَ السّابقينا
بني الإِغريقِ سُدْتُم كلَّ قومٍ / وزِدتُمْ في الكرامِ المُنعمينا
ترامى ذِكركم في كلِّ أرضٍ / فجابَ سهولَها وطوى الحَزونا
ذهبتُمْ بالصّنائعِ والأيادِي / وجاءَ الأدعياءُ مقلِّدينا
تظلُّ النارُ مِلءَ الأُفقِ تعلو / وتَقذِفُ بالحيارى الذّاهلينا
تُريد حِمَى النُّسورِ فتتَّقِيها / وتطلبُ في السَّحابِ لها وكُونا
فلولا الجوُّ يَمنعُ جانبَيْهِ / ملائكةُ السّماءِ مُرفرفينا
هَوَى القمرانِ من فَزَعٍ وألقى / حِمَى المِرِّيخِ بالمُستضعَفينا
هِضابٌ قُمْنَ من لَهَبٍ عليها / دُخانٌ كالجبالِ إذا رُئينا
بقايا الظُّلمِ من حُمْرٍ وسُودٍ / يُفارِقْنَ البلادَ وينقضينا
تَطلَّعتِ السَّماواتُ ارتْياعاً / وألقتْ نَظرةً تَصِفُ الشُّجونا
ترى الأرضينَ كيف عَنا بنوها / لآلهةٍ عليها قائمينا
فتلك قيامةُ الأحياءِ قامت / ولمّا يأتِ وعدُ السّالفينا
وتلك النّارُ تُلقِي الناسَ فيها / بأرضِ التُّركِ أيدي المُضرِمينا
رَأَوْا أن يُطفِئوا ناراً بنارٍ / فَهلْ بِرَدَتْ قلوبُ الحاقدينا
أبادت قومَنا إلا بقايا / أقاموا بالعَراءِ معذَّبينا
نُفوسٌ ما سُقِينَ به شراباً / سِوَى الأسفِ المُذيبِ ولا غُذينا
نَظَرْنَ الموتَ ثم نظرن أخرى / أَتُدركهنَّ أيدي الرّاحمينا
تضِجُّ الأُمّهاتُ مُفجَّعاتٍ / وينتحبُ البنونَ مُفجَّعينا
حنانَكَ ربَّنا ماذا لَقِينا / أَيُجزَى الصّالحونَ كما جُزِينا
أقاموها لأنفسهم شِفاءً / فما صَدقوا ولا شَفَتِ الجُنونا
لئن ظَنُّوا بجالينوسَ شرّاً / لقد عَرفوا النَّطاسيَّ الأمينا
متى يلمسْ مكانَ السُّوءِ منهم / يُمِتْهُ وينزعِ الدّاءَ الدّفينا
مَسِيحٌ من بني عُثمانَ سَمْحٌ / يُرينا الحقَّ أسطعَ واليقينا
أعزَّ اللهُ دَوْلَتَهُ وأحيا / بهِ أُممَ المشارقِ أجمعينا
وهدَّ ببأسِه أُممَاً شِداداً / نُهِيبُ بها وتأبَى أن تلينا
بَنَى هامانُها للبَغْيِ صرَحاً / تَهابُ قُواهُ أيدي الهادمينا
رمى الغازِي فَزلزلَ جانِبيْهِ / ودَمّرَ رُكنَهُ الضّخمَ المكينا
تطيرُ العاصفاتُ به شَعاعاً / وتنفضُه على الدُّنيا طحينا
ترى هَبَواتِه في كلِّ أفُقٍ / يَرُحْنَ على الجِواءِ ويغتدينا
يَرُعْنَ مسابحَ العِقبانِ فيه / ويُفزِعْنَ الغياهِبَ والدُّجونا
حَوالِكَ لو جُمِعْنَ لكُنَّ ليلاً / يخَافُ صباحُه أن يستبينا
إذا ما الظُّلمُ ذُو الزَّلزالِ أمسى / يَهُزُّ الأرضَ بالمستضعفينا
فَحسْبُ المؤمنين دِفاعُ رامٍ / يَداهُ يدا أميرِ المؤمنينا
تطلَّع والهلالُ يَميلُ غرباً / وأعلامُ الخلافةِ ينطوينا
فأشرفَ يستقيمُ على يَديْهِ / وعُدْنَ به خوافِقَ يعتلينا
يُضلِّلنَ الممالكَ شاخصاتٍ / يَصِلْنَ به الجوانحَ والعيونا
يَرُفُّ رجاؤُهنَّ على رجاء / يُناشِدُ يثربَ العهدَ المصونا
إلى الحرَميْنِ مَفزعُه وفيه / حِمَى الدُّنيا ومحيا العالمينا
بني عثمانَ مَن يَكُ ذا امتراءٍ / فإنّ نُفوسَنا لا يَمترينا
ومَن يَرْعَ الذِّمامَ لكم فَيصْدُقْ / فإنّ اللهَ مَوْلى الصَّادقينا
نَصونُ العهدَ إلا ما نسينا / وكيف يَضيعُ حقُّ اللهِ فينا
أَفي عِرض الخلافةِ وهو بَسْلٌ / تَجولُ مطامعُ المتألِّبينا
ومن أبطالِها وَهُمُ الضّواري / تَنالُ مخالبُ المُتنمِّرينا
رموا بجنودِهم من كلِّ فجٍّ / وجاءوا بالسَّفائنِ مُهطِعينا
وضجّوا بالوعيدِ دماً وناراً / وما يُغنِي ضجيجُ المُوعدينا
هو البأسُ المُصمِّمُ لا نُكوصٌ / ولو ملأوا الفِجاجَ مُناجزينا
نسوا بالدردنيلِ لهم قُبوراً / تفيضُ لها دُموعُ الذّاكرينا
ترى الأسطولَ يَفزعُ حين يمشِي / بساحتِها ويخشعُ مُستكينا
وما وادي الجحيمِ بِمُستطاعٍ / وإن عَزُبَتْ حُلومُ الغافلينا
لئن جَحدوا المصارعَ دامياتٍ / لقد شهِدتْ منايا الهالكينا
لبئس القومُ كالقُطعانِ سِيقوا / إليه وبئسَ مَرْعَى المُصطَلينا
أطاعوا الآمرين فأنزلوهم / بأرضٍ لا تُحبُّ النّازلينا
تدورُ بهم جوانبُها وتهوي / وتَصعدُ في مطارِ الصَّاعدينا
تُطارِدُهم إذا ذَهبوا شِمالاً / وتطلُبُهم إذا انقلبوا يمينا
تثور فتملأ الآفاقَ رُعباً / إذا ملأوا الفضاءَ مُحلِّقينا
إذا انطوتِ الجُنودُ بها رَمَتْها / فراعنةُ الشُّعوبِ بآخرينا
كأنّ بها إلى المُهجاتِ يَمْضِي / بها عزريلُ شوقاً أو حنينا
فما تضعُ السِّلاح وإن تشكَّى / ولا تَدَعُ النُّفوسَ وإن عَيينا
عُبابُ دَمٍ يَقِلُّ سِنينَ حُمراً / طوَى الأجيالَ فيها والقُرونا
هَوَى صَرحُ الدُّهورِ فذاب فيه / كما ذابتْ جُهودُ المُبتَنِينا
وما فَضْلُ الشُّعوبِ إذا أضاعتْ / أواخرُها تُراثَ الأوّلينا
رموا باسمِ الصّليبِ فما أصابوا / ولا وجدوا الصَّليبَ لهم مُعينا
وما يرضَى المسيحُ إذا استباحت / دمَ الضُّعفاءِ أيدي الآثمينا
ولا العذراءُ حين ترى العذارَى / جَوازعَ يَنْتَحِيْنَ ويشتكينا
رأت جللاً من الأحداثِ نُكراً / هَراقَ العينَ واعتصرَ الجبينا
رأت حُورَ الجِنانِ مُصرَّعاتٍ / يُقرِّبْن النُّفوسَ ويفتدينا
يَقُلْنَ لها حَنانَكِ أدركينا / فقد أزرى بنا ما تعلمينا
أَقَومُكِ أم ذِئابٌ عادياتٌ / وأمرُ يسوعَ أم ما تأمرينا
أقاموها على الخُلَطاءِ حرباً / تدكُّ مزاعمَ المتحضِّرينا
جنوها ظالمينَ وغاب عنها / أعزُّ أولي الحفيظةِ غائبينا
فما هابوا الفتى والشيخَ فيها / ولا رَحمِوا الرَّضيعَ ولا الجنينا
ولا تركوا بناتِكِ ناجياتٍ / ولا خَفروا ذمامَكِ مُجمِلينا
إذا ضجّ الدّمُ المُهراقُ ضَجَّتْ / شعوبُكِ رحمةً للمُهرِقينا
وتأخذنا الخطوبُ فإن صبرنا / تداعَوْا في الكنائسِ جازعينا
رمونا بالتعصُّبِ فاشْهديه / وكوني حُجّةَ المُتعصِّبينا
ذَريهم إذ عَصَوْكِ ولم يثوبوا / إلى الوَحْيِ المنزَّلِ أو ذرينا
همو جعلوا الصّليبَ أذىً وبغياً / عليكِ صلاةُ ربّكِ أنصفينا
أقلّي الهمّ واتّئدِي فإنّا / سَيُدرِكُنا غِياثُ المُنجدينا
سما الغازِي المجاهدُ في جنودٍ / لربّكِ ما لهم من غالبينا
وجاء الفتحُ أسطعَ ما يُوارَى / وطار الذُّعرُ بالمُتقهقِرينا
تمرُّ الخيلُ بالأبطالِ رَهْواً / وتمضِي في مواكبها ثَبينا
يُردِّدْنَ الصّهيلَ مُبشِّراتٍ / ويتلون الكتابَ مُبشِّرينا
مشَى جبريلُ يدعو القومَ شتّى / فَلَبُّوهُ وخَرّوا ساجدينا
ونادى القائدُ الأعلى فجاءوا / إليه مكبِّرينَ مُهلِّلينا
وهبَّ الشّعبُ ملءَ الأرضِ يجزي / يدَ الغازي ويلقى الوافدينا
مواكبُ من يَغِبْ في الدّهرِ عنها / فما شهِدَ الملوكَ مُتوَّجينا
ولا عَرفَ الهلالَ يسير فخماً / ولا نظر السُّهى يمشِي رصينا
مَشاهدُ خانتِ الأنباءُ فيها / وضاقَ بها بيانُ الواصفينا
يظلُّ الكاتبُ العربيُّ فيها / يَجورُ به لسانُ الأعجمينا
قَنعنا بالرّوايةِ وانكفأنا / نُهيبُ بقومِنا في القاعدينا
يُهيّجُنا الحديثُ وتعترينا / خيالاتٌ يَلُحنَ ويختفينا
رُبَى أزميرَ ماذا تنظرينا / وأيَّ عَطاءِ ربّكِ تشكرينا
صبرتِ على الأذى فجزاكِ نصراً / وساق إليكِ عُقبى الصّابرينا
وردَّ عليكِ قومَكِ بعد يأسٍ / فَمِنْ غادين فيكِ ورائحينا
أَتَوكِ مُسلِّمينَ فما شجاهم / سوى خَبَبِ العِداةِ مُودّعينا
تودُّ سُيوفُهم أن لو أقاموا / وإن أخذوا الأعِنَّةَ زاهدينا
بقيّةُ مُفسدينَ عَتَوْا فأمسوا / حَصيداً في المصارعِ خامدينا
رمت أيدي التَّبابِ بهم فبانوا / وما تأبَى البقيّةُ أن تَبينا
أتَوْا أزميرَ يَسْتَعلُونَ عِزَّاً / ويستبقونها مُتخايلينا
يَهُزّون السُّيوفَ بها اغتراراً / ويُزجون الجِيادَ مخدَّعينا
نَشاوَى يَحسَبون الأُسْدَ تُغضي / إذا أجَماتُها يوماً غُشينا
وأقربُ ما يكونُ الذّئبُ حَتْفاً / إذا هاجَ الضَّراغمَ مُستَهِينا
نزوها نزوةً لم يعرفوها / وكانوا قبل ذلك جاهلينا
أشادوا بالفُتوحِ مُحجَّلاتٍ / وصاحوا صَيْحةَ المُتَبجِّحينا
فكان حُماتُهم حرباً عليهم / وكانوا الفاتحين الكاذبينا
أتوا غَرِقينَ في صَلَفٍ وكِبرٍ / وعادوا بالهوانِ مُخيَّبينا
ألا بَعُدتْ ديارُ الظّاعنينا / ولا عطفوا الركائبَ راجعينا
تظلُّ الأرضُ تَقذِفُهم سِراعاً / فما ندري أخَلقاً أم كرينا
تطايرَ جمعُهم فَرَقاً وزالوا / عصائبَ كالجرادِ مُطرَّدينا
إذا بلغوا الدّيارَ تَجهَّمَتهُم / فساروا في البلادِ مُباعدينا
خلائقُ ما يُقاربُها حِسابٌ / وإن بَعُدَ المدى بالحاسبينا
ترامَوْا في السّفائنِ واستمرّوا / يَجوبونَ البِقاعَ مُولَّهينا
فضجَّ البحرُ من فَزَعٍ بُكاءً / وماج البَرُّ من جَزَعٍ أنينا
جنايةُ معشرٍ طلبوا مُحالاً / فَهمُّوا بالشّعوبِ مُغرِّرينا
أبادوا النّاسَ شعباً بعد شعبٍ / وقاموا في المآتمِ ساخرينا
تنفّستِ المشارقُ حين صاحوا / بأبطالِ الخلافةِ بارزينا
لَتِلكَ أحبُّ ما تَهَبُ الأمانِي / من النُّعْمَى وأبهجُ ما تُرينا
إلى أيّامنا في الدهرِ بيضاً / نَخوضُ غياهبَ الأحداثِ جُونا
وما للقومِ كالهيجاءِ وِردٌ / إذا وردوا الحُتوفَ مُسالمينا
وما في الأرضِ أعدلُ من حُسامٍ / إذا جَمحَ الهوى بالحاكمينا
وما حقُّ الحياةِ لنا بحقِّ / إذا خِفنا وعيدَ المُبطلينا
ولولا البأسُ ما وَفَتِ الأماني / ولا نَهضتْ جُدودُ العاثرينا
أَمَنْ جَعلَ الهَوانَ له حليفاً / كمن جَعلَ العَنانَ له قرينا
ولولا النّقعُ ينهضُ مُكفَهِرّاً / لما نَهضتْ عروشُ المالكينا
بني عثمانَ مَنْ يضربْ بسيفٍ / فما زلتم سُيوفَ الضّاربينا
ومن يَعبثْ به نَزَقُ الأماني / تُعِدْهُ سيوفُكم ثَبْتاً رزينا
وما لذوي الجهالةِ من عذيرٍ / إذا ركبوا الحُتوفَ مُجرِّبينا
إذا ما النُّصحُ لم يكُ ذا غناءٍ / فإنّ السّيفَ خيرُ النّاصحينا
خُلِقْتُم للجِلادِ وأرضعتكم / ثُدِيُّ الأُمّهاتِ مُدرَّبينا
وما للقومِ في الهيجاءِ كُفءٌ / إذا وُلدوا فوارسَ مُعلَمينا
سَمَوْتُم في الشُّعوبِ بِمُنجباتٍ / يَفِئْنَ إلى غَطارِفَ مُنجبينا
مُطهّرةِ البطونِ مُبارَكاتٍ / يُربِّينَ الرّجالَ مُبارَكينا
نَمْتهُنَّ المنابتُ مُمرعاتٍ / يطيبُ بها غِراسُ المُنبِتينا
فإن يَجهلْ بني عُثمانَ قومٌ / فما عرفوا الأُبوّةَ والبنينا
أولئك أفضلُ الأقوامِ خُلقاً / وأصدقُ أمّةِ الفُرقانِ دينا
يَحلّون الكِتابَ حِمَى نفوسٍ / حَلَلْنَ من السّماءِ بحيث شِينا
أهاب بهم رسولُ اللهِ هُبُّوا / فَهَبّوا بالسُّيوفِ مُجاهدينا
يُنادون الخلافةَ لا تُراعي / فلن نَرْضَى لِتاجكِ أن يهونا
إذا بات العَرينُ بغير حامٍ / ورِيعَ حِمَى الخلائفِ فاذكرينا
لكِ المهجاتُ نَبذلُها فِداءً / ولسنا في الفداءِ بمُسرِفينا
أمانةُ ربّنا صِينَتْ لدينا / وكنّا للأمانةِ حافظينا
دَعَوْتِ فأقسمَ الجيشُ اليمينا / وحسبُكِ أن يُبيدَ الظالمينا
نُجاهِدُ وَحدَنا ونراه حقّاً / وإن نكَصتْ شُعوبُ المسلمينا
ونحن القومُ لا نَخْشَى المنايا / ولا نتهيَّبُ الحربَ الزَبونا
علينا أن نُجيبَ إذا دُعينا / ونَصدُقَ في الوغى مَن يبتلينا
نذمُّ القائلين ولا حياةٌ / لمن يأبَى سبيلَ العاملينا
إذا الخطباءُ للتعليم هَبُّوا / خَطبنا بالسّيوفِ مُعلِّمينا
ونكتبُ في الملاحمِ ما أَردنا / إذا التحمتْ صُفوفُ الكاتبينا
وأضعفَ ما يكونُ القومُ جُنداً / إذا حَشدوا الصّحائفَ صائحينا
تُجادلُ بيّناتُ البأسِ عنّا / إذا ضجَّ الرّجالُ مُجادلينا
لنا الحُجَجُ التي لا رَيْبَ فيها / إذا ارتابتْ قُلوبُ المُنكِرينا
لِنصرِكَ ربَّنا خُضْنا المنايا / وفيكَ وفي رسولِكَ ما لَقينا
دَعَوْتَ إلى الجهادِ ونحن صرعَى / فما أبَتِ السُّيوفُ ولا عَصينا
نهضنا تَخذُلُ الأوصالَ منّا / مناكبُ يَسْتَقِمْنَ ويلتوينا
نَنُوءُ من الجِراحِ بما حملنا / ونمشِي للكفاحِ مُصفَّدينا
نضِجُّ مُكبِّرين إذا رَمَيْنا / ونستبِقُ الجِنانَ إذا رُمِينا
إذا لم نملأ الدُّنيا سلاماً / فلسنا للسُّيوفِ بِمُغْمِدينا
نُقاذِفُ عن ذوي الأرحامِ طُرّاً / ويقذفنا العِدى ببني أبينا
ونعلمُ أنّهم قومٌ ضِعافٌ / شَقُوا بالغاصِبينَ كما شَقِينا
يُسامُونَ الهوانَ أذىً وبغياً / ويأتون الدَنِيَّةَ صاغرينا
إذا انبعثتْ قذائفُهم غَضِبْنا / فإن بعثوا القُلوبَ لنا رضينا
تَبيتُ صُفوفُهم تهفو إلينا / وإن مَضَتِ الطّلائعُ تَتَّقِينا
يُريدونَ الحياةَ ككلِّ شعبٍ / وتقتلُهم قُوى المُستعبِدينا
أولئك قومُنا اللهمَّ فافتحْ / لنا ولقومِنا الفتحَ المُبينا
أروني سيفَ خالدةٍ وعُدُّوا / مناقبَها العُلىَ للمُعْجَبينا
أَروهُ ممالكَ الدُّنيا وقُصّوا / على الأممِ الحديثَ مُفاخِرينا
لئن جَهِلَ التفوُّقَ مُدَّعوهُ / فتلك مَراتبُ المتفوِّقينا
وما للعبقريَّةِ في سواكم / سوى الذّكرى ودعوى المُرجفينا
عَهِدنا الغِيدَ يُؤثِرن الحَشايا / ويُغْلِينَ القلائدَ والبُرينا
فما بالُ التي جَعلتْ حُلاها / حَديدَ الهندِ في المُتلَبِّبينا
رمت بالسّابحاتِ تَسُحُّ ركضاً / إلى الغَمَراتِ تَلْقَى الدَّارِعينا
تَحُطُّ قِناعَها وتخوضُ فيها / فوارسَ بالحديدِ مُقَنَّعينا
وتَلْبَسُ من دَمِ الأبطالِ مِرطاً / تَفيضُ له نُفوسُ اللّابسينا
تَزينُ جُفونَها بالنّقعِ فَرحى / إذا ما زَيَّنَ الكُحلُ الجفونا
وما تَضَعُ السّلاحَ بناتُ قومي / ولا تَدَعُ الحِمَى للواغِلينا
حرائرُ ما شُغِلْنَ بِمُستَحَبٍّ / سِوَى الشَّرفِ الرفيعِ ولا عُنينا
نَمتْهُنَّ المَناسبُ مُشرِقاتٍ / سُلِلْنَ من القواضبِ وانْتُضينا
إذا ما الخيلُ سِرْنَ نَفَرن بيضاً / يُبادرنَ الرَّعال ويَنْبرينا
يُغِرْنَ فَيَسْتلِبْنَ الجيشَ ضخماً / إذا اسْتُلِبَ العقائلُ أو سُبيِنا
فمن يَشهدْ حُماةَ الملكِ يَشهدْ / خِلالَ النّقعِ آساداً وعِينا
يُعاجِلْنَ الصُّفوفَ مُغامِراتٍ / ويغشَوْنَ الحُتوفَ مُغامِرينا
فيا لكَ سُؤْدُداً وطِرازَ مجدٍ / يَروعُ جلالُه المتأنِّقينا
تدفّقَ رَوْنَقُ الإسلامِ يسقي / جوانِبَه ويستسقِي المُتونا
وجال الوحيُ ذو الإشراقِ فيه / فسالَ على أكفِّ القابسينا
أكنتم أمةً خُلِقتْ سُيوفاً / تعالى اللهُ خيرُ الخالقينا
تَخوضُ الحربَ شُبّاناً وشِيباً / وتغشى القتلَ أبكاراً وعونا
لكم نورُ الفتوحِ يُضيءُ فيها / إذا هَزّتْهُ أيدي المِصْلَتينا
سنا عُثمانَ ذِي النُّورَيْنِ فيه / وسِرُّ اللهِ للمتوسِّمينا
طوى الأجيالَ ما واراهُ غِمدٌ / ولا عَرفَ الصياقلَ والقيونا
تجلّتْ غمرةُ اليَونانِ عنكم / وجاءت غَمرةُ المُتحالِفينا
بني عثمانَ أَعْنَقَتِ المطايا / وجَدَّ الجدُّ بالمُتردِّدينا
خُذُوا سُبلَ العُلىَ ركضاً وسيروا / مَيامينَ الرِّكابِ موفَّقينا
لَعمرُ الجامحِينَ لقد أردتم / فأَلْقوا بالأعِنَّةِ مُذعِنينا
إذا خَفضوا الجناحَ لكم رَضيتم / أعزّاءَ المعاطِسِ كابرينا
وإن طلبوا العَوانَ بعثتموها / وسِرتم باللّواءِ مُظفَّرينا
تُحبّون الهَوادةَ ما اسْتقاموا / ولستُمْ للقتالِ بكارهينا
حُماةَ المُلكِ هل للملكِ ذُخرٌ / سِوَى بأسِ الحُماةِ الباسلينا
وما تنأى فَروقُ إذا هممتم / ولا تأبى أدرنةُ أن تدينا
قبورُ الفاتحينَ تَرفُّ شوقاً / وتسألُ ما وقوفُ القادمينا
مضاجعُ للخلائفِ شيّقاتٌ / تحنُّ إلى نوازَع شيِّقينا
لكم مَقْدُونيَا شرقاً وغرباً / فَزُوروا داركم وصِلُوا القطينا
صِلوا إخوانَكم وبني أبيكم / وإن كَرِهَتْ نُفُوسُ الكاشحينا
أقاموا بالديارِ مروَّعاتٍ / يُنادون الحُماةَ مُروّعينا
ديارُ هوىً هلكن أسىً فلمّا / أَتاهُنَّ البشيرُ ضُحىً حيينا
يَكَدْنَ من الحنينِ يجِئنَ رَكباً / يُحيِّين اللواءَ ويحتفينا
مَلَلتُمْ ما يَمَضُّ الحُرَّ منهم / وما مَلّوا الدُّعابةَ والمُجونا
تَواصَوْا بالهَوادةِ وهي زُورٌ / ونادوا بالسّلامِ مُضلِّلينا
رأوا عزماً يَطُمُّ على العوادي / ويَغمرُ حِدَّةَ المُتمرِّدينا
فَباءُوا بالتي لا ظُلمَ فيها / وجاءوا بالقُضاةِ مُحكِّمينا
فما اسْطاعوا لِحُكمِ اللّيثِ رَدّاً / ولا وَجدوا لهم من ناصرينا
رَضُوا بعد التوثُّبِ واستكانوا / لأَغلبَ يَصرعُ المتوثِّبينا
إذا نَفَر الحِفاظُ به تناهَوْا / يَغُضُّونَ النّواظرَ خاشعينا
يَضِنُّ بحقِّهِ والحقُّ عِرضٌ / إذا انْتهكتْهُ أيدي الطّامعينا
أصمُّ العَزْمِ ما وَجدوهُ إلا / كَرُكنِ الطَّودِ مُمتنِعاً ركينا
يُريدُ الأمرَ لا يَبغِي كفيلاً / سِوَى البأسِ الشّديدِ ولا ضمينا
أرادوا ظُلْمَنا فأبَى عليهم / وعلّمهم سجايا الأكرمينا
فعادوا بالمهانةِ في ذَويهم / وعُدنا بالكرامةِ في ذوينا
يُشاوِرُ سَيْفَه والسّيفُ أجدى / إذا لم يُجْدِ لَغْوُ القائلينا
يردُّ الذّاهلين إلى نُهاهم / ويكشِفُ حَيرْةَ المُتعسِّفينا
دَعوا أُسطولَهم فاهتاجَ ذُعراً / وبات جُنودُهم مُتفزِّعينا
لئن أخذوا السَّبيلَ إلى فَروقٍ / لقد أخذوا سبيلَ الذّاهبينا
وإن شَقُّوا الخنادِقَ في جِناقٍ / فقد شَقُّوا القُبورَ مُموِّهينا
تهلّلتِ الخلافةُ إذ نَعَوها / وجاءوها بسيفرَ وارثينا
تولَّوْا عن مغانِمها خَزَايا / وعادوا بالحقائبِ مُخْفِقينا
وما لِعُهودِ سيفَرَ من بقاءٍ / إذا دَلَفَ الكُماةُ مدجَّجينا
وما خُطَطُ الدُّهاةِ بِمُغنياتٍ / إذا خُطَطٌ بأنقرةٍ قضينا
مهبُّ الحادثاتِ إذا ترامَتْ / بها الأقدارُ حُمراً يلتظينا
يَدعْنَ رواكدَ الأقطارِ وَلْهى / وما يَدرِينَ ماذا ينتوينا
إذا بلغ المطارُ بهنّ أرضاً / بلغن من العِدَى ما يشتهينا
يَزُرْنَ مَساقِطَ الآجالِ هِيماً / يَرِدْنَ بها النّجيعَ فيرتوينا
منازل فتيةٍ فزعوا إليها / بآمالِ العُناةِ المُرهَقينا
يعدُّون الخُطى يَنْقُصْنَ حيناً / ويستوفونها مُتلفِّتينا
يخافون الكلامَ فإن تَناجَوْا / تَناجَوْا بينهم مُتخافتينا
أصابوا غِرّةً فمشوا دَبيباً / وساروا خِفيةً مُتسلِّلينا
يُهالُ الغيبُ ذو الأهوالِ منهم / بِمُستخفين فيهِ وساربينا
رأوها نكبةً هَوْجاءَ تأتِي / زَلازِلُها على المُستسلِمينا
ورُوِّعَتِ الخلافةُ في حماها / وضجَّ بنو الخلافةِ نادبينا
فباعوا اللهَ أنفسَهم وهبُّوا / كأصحابِ النبيِّ مُهاجرينا
همُ ابتدروا العَرِينَ فأنقذوهُ / وهم كانوا الحُماةَ المانعينا
سيوفُ اللهِ ليس له سواه / وراياتُ الهُداةِ المُلهَمينا
ترى القُوّادَ والوزراءَ صَرْعَى / على عاري الصَّعيدِ مُجَنْدَلينا
يُلاقون الحُتوفَ وما أساءوا / ولا كانوا الجُناةَ الخائنينا
وما من حيلةٍ في التُّركِ تُجدِي / إذا ذَعروا المقانبَ مُقدِمينا
وهل في طاقةِ القُوّادِ شيءٌ / إذا دهموا الجُيوشَ مُطوِّقينا
همُ امتلكوا النُّفوسَ فأخضعوها / وجاءوا بعد ذلك خاضعينا
وَهُمْ ساقوا الكتائبَ ثم سِيقوا / كأمثالِ العقائرِ مُوثَقينا
أَلحَّ الأُسْرُبُ المسمومُ يَفْري / جَماجِمَهم فخرُّوا هامدينا
يشقُّ لهم عُيونَ الصِّدقِ تمحو / حقائقُها ظُنونَ الزّاعمينا
ترى عُقْبَى الأذى فتفيضُ غَمّاً / وتَقذِفُ بالنُّفوسِ دَماً سخينا
تَتابعَ من يدِ الغازي عليهم / وإن قذفته أيدي القاتلينا
مُثقِّبُ كُلِّ مُعْتَصمٍ وحصنٍ / رماهم في القُبورِ مُثَقَّبينا
كذلك وَعْدُ ربِّكَ حين يأتي / ومن ذا يَعصِمُ المُسْتَهتِرينا
تَظلُّ دموعُ قُسطنطينَ تَهمِي / لِقَتلىَ بالدّماءِ مضرَّجينا
تَولَّى خَوْفَ مصرعِهِ حثيثاً / وخابتْ حِيلةُ المُتربِّصينا
يَذمُّ العرشَ والتّاجَ المُحلَّى / ويلعنُ قومَه في اللّاعنينا
يَعيبون الفِرارَ عليه ظُلماً / وأيُّ النّاسِ يُرضي العائبينا
أما كانوا حديثَ الدهرِ لولا / شرائعُه العُلىَ للهاربينا
يَجودُ بِعرضِه ويَصونُ منهم / بقايا العارِ للمُستهزئينا
لئن جَحدوا مناقِبَهُ وكانوا / يُقيمون المواكبَ شاكرينا
فما جحدت بلاريسا الرَّوابِي / ولا الشُّمُّ الفوارعُ من ملونا
إذا جَدَّ النِّزالُ ارْتَدَّ يعدو / وأقبلَ بالفوارسِ راكضينا
فجاءوا بالنُّفوسِ مُحصَّناتٍ / وقَرُّوا في البُيوتِ مُعسكرينا
فوارسُ لا يَروْنَ الجُبنَ عاراً / إذا غنِموا النُّفوسَ مُتارِكينا
فما تَجنيِ هزائمهُم عليهم / وإن زانتْ سُيوفَ الهازمينا
ولا تمضي مَغانمُهم إذا ما / مَضتْ أسلابُهم في الغانمينا
أقُسطنطينُ مُتَّ وما أرانا / على حُبِّ البقاءِ بخالدينا
كفى بالموتِ صَحْواً للسُّكارَى / وشكراً للصُّحاةِ المُدركينا
لعلّكَ كُنتَ تَطمعُ في حياةٍ / يَسرُّكَ طولُها في المُنظَرينا
ولو أُوتِيتَ سؤلكَ لم تَنَلْها / مطامعَ تصرعُ المُتطاولينا
بنو عثمانَ أحداثُ الليالي / ومُلْكُ التُّركِ دَهرُ الدّاهرينا
يَزولُ القومُ بعدكَ من مَوالٍ / وأحلافٍ وليسوا زائلينا
فإن تكُ قد سَبَقْتَ ذَوِيكَ فَرداً / فموعدُهم غداً في اللّاحقينا
حُماةَ الشّرقِ بُورِكَتِ المواضِي / وطُوبَى للحُماةِ الذّائدينا
أقمتم للأُلى ظلموا وجاروا / مآتِمَ تملأُ الدُّنيا رَنينا
وصُنْتُم مَجدَكم عن كلِّ عادٍ / بكلِّ غَضَنْفَرٍ يحمِي العَرينا
أرادوا شَأوَهُ العالي فكنتم / مَوالِيَهم وكانوا الأسفلينا
لكم نَصرُ الأُلى في يومِ بدرٍ / أُمِدُّوا بالملائكِ مُردِفينا
مَضَى الحكمُ الذي قضتِ المواضي / فَتِلكَ مَصارعُ المُتجبِّرينا
سَلوا أممَ المشارقِ ما دَهاها / وكونوا للمشارقِ مُنقِذينا
تُؤَمِّلُ أن يُصانَ بكم حِماها / ويُوشِكُ ما تُؤمِّلُ أن يكونا
هو الميثاقُ ذُو الحُرُماتِ لَسْتُمْ / طِوالَ الدّهر عنه بحائدينا
تنزَّلَ من بقايا الوَحْيِ نُوراً / يُضيءُ النَّهجَ للمُترسِّمينا
وما نَفَعَ النُّفوسَ ولا هَداها / كنُورِ الله خيرِ المُنزِلينا
أَرونا البطشةَ الكبرى سِراعاً / فإنّ لكم لَبطشُ القادرينا
هُمُ اتخذوا الشُّعوبَ لهم عَبيداً / وعاثوا في الممالكِ مُفسِدينا
أقيموا الحقَّ ليس له سواكم / وَسُوسوا النَّاسَ أجمعَ والشُّؤونا
فذلك عَهدُكم للهِ فيهِ / وللمختارِ عَهْدُ الرّاشدينا
قَضيتُمْ بالكِتابِ فهل رأيتم / كآيات الكتابِ حِمىً حصينا
وهل نَفذتْ قُوى الطَّاغين فيه / ونالت منه أيدي الماكرينا
أَحِصْنَ اللهِ يُوعِدُ كلُّ رامٍ / ويطمعُ أن يكونَ له مُهينا
وما زَجرَ الحُصونَ الشُّمَّ إلا / حَففْنَ به يَطُفْنَ ويحتمينا
سبيلُ المجدِ إيمانٌ وحقٌّ / وسَيْفٌ يَردعُ المُتهجِّمينا
يَعِفُّ عن المظالمِ والدَّنايا / ويرفُقُ بالضِّعافِ الوادعينا
ويَجتنبُ المناهِلَ مُتْرعاتٍ / تَطيبُ نِطافُها للنّاهلينا
يرى حَرَّ الغليلِ وإن تمادَى / أحبَّ مَواردِ المُتعَفِّفينا
تَهيَّبَ رَبَّهُ فازدادَ مجداً / وكان بكلِّ مَكْرُمةٍ قمينا
يُشيرُ فتفزعُ الغَبراءُ منه / ويَفزعُ من شَكاةِ العاتبينا
ويُوهِنُ حادثاتِ الدَّهرِ رُعباً / ويخشَى أن يُصيبَ الواهنينا
سِلاحُ الحقِّ يقطعُ كلَّ عَضْبٍ / ويَصدعُ قُوّةَ المُتهوِّرينا
وما الإِيمانُ للأقوامِ إلا / سبيلُ اللهِ يَهدي السّالكينا
إذا لم يَرْفَعِ البُنيانَ عدلٌ / هَوَتْ جَنبَاتُه بالرّافعينا
وإن ضاعَ التعاونُ في أُناسٍ / عَفتْ آثارُهم في الضّائعينا
بني عثمانَ رَدَّ اللهُ فيكم / خلائفَه وأحيا التّابعينا
فذلك عهدهم لا الأمرُ فَوْضَى / ولا الدُّنيا بأيدي اللّاعبينا
وتلك شرائعُ الإسلامِ عادت / تجبُّ شرائعَ المُسْتَعمرينا
رَفعتُمْ من حضارتِهِ مَناراً / يَفيضُ شُعاعُه للمُدْلجِينا
فأين السُّبلُ بالرُّكبانِ حَيْرَى / وأين حَضارةُ المتوحِّشينا
أبالتاجِ المُعظَّمِ كلَّ يومٍ / يُراءون الممالكَ مُقسِمينا
وما للتّاجِ في الدُّنيا قَرارٌ / إذا صَدقَ الأُلى عقدوا اليمينا
يُكفِّرُ من كبائِرهم ويعفو / وإن أبَوا الإِنابةَ عامدينا
يرى المُستغفرِينَ أشدَّ ذنباً / ويجعلُ رِجزَهُ للتّائبينا
هو الإلحادُ إن جنحوا إليه / فقد علموا جَزاءَ المُلحِدينا
ولن ترضى الجلالةُ عن أناسٍ / تراهم في الضّلالةِ سادرينا
تهين الأَنبياءَ إذا استباحوا / محارمَها وتنفِي المُرسَلينا
لها في كلِّ مملكةٍ وشعبٍ / شرائعُ تُعجب المتعبِّدينا
إذا حُمِلَتْ إليها الشّمسُ غُنماً / فلا طَلعتْ على المتذمِّرينا
ترى الدُّنيا لها مُلكاً مُباحاً / ومن فيها عِباداً طائعينا
عُروشُ الأرضِ إرثٌ في يَدَيها / وتيجانُ الملوكِ الأقدمينا
تَروعُ بعرشِ عُثمانَ الدَّراري / وتستهوِي الشُّموس بتاجِ مينا
كذلك تَخدعُ القومَ الأماني / وتكذبُ تُرّهاتِ المدّعينا
أرادوا بالخلافةِ ما أرادوا / ورَدُّوا المُسلمينَ مُمزَّقينا
يُقيمون الممالكَ واهياتٍ / يَمِلْنَ مع الرّياحِ ويَنْثَنينا
بَنوها أربعاً ولوِ استطاعوا / لشقّوها ممالكَ أربعينا
يَدبُّون الضَراءَ لنا وما هم / وإن خَدعوا الصِّغارَ بضائرينا
إذا دَأبَ القضاءُ يُريد أمراً / تقاصرَ عنه سَعْيُ الدّائبينا
تكشّفتِ الأُمورُ لنا فلسنا / عن السّنَنِ السَّوِيِّ بناكبينا
وفي لوزانَ إذ فَزعوا إليها / وجاءوا بالوُفودِ مُكاثرينا
رأوا ناراً يَطيرُ لها شُواظٌ / تطيرُ له نُفوسُ المُوقِدينا
إذا هاجوا الأسودَ فأفزعوهم / أهابوا بالممالكِ غاضبينا
وقالوا أُمّةٌ سَكْرَى وشعبٌ / يُريد بنا الهَوانَ ويزدرينا
يرى الدُّنيا العريضةَ في يَدَيْهِ / ويَعتدُّ الشُّعوبَ له قطينا
لَعمرُ الكاشِحينَ لقد رَجَعنا / على الأمرِ المدبَّرِ مُجمِعينا
فيا لكِ صخرةً صمّاءَ تأبى / جَوانبُها على المُتمَرِّسينا
تَمادَوْا في الوعيد وسيَّروها / دَعاوَى تُضحِكُ المتأمِّلينا
فما سَمِعَ الأُسودُ لهم عُواءً / ولا خافَ الذُّبابُ لهم طنينا
يَسدُّ وَقَارُ عِصْمَتَ مَسْمَعَيِهِ / إذا عَكَفوا عليه مُهوِّلينا
إذا ما الصَّمتُ أعجبه تولَّى / به صَلَفٌ يَهولُ السّائلينا
فلا صَيحاتُ فنزيلوس تُجدِي / ولا كِرزونُ يطمع أن يُبينا
أَتَوا مُتفائِلينَ لهم ضَجيجٌ / فَردَّ جموعَهم مُتطيِّرينا
إذا راضوه أعجزهم شِماسٌ / يُطيلُ ضَراعةَ المتكبِّرينا
أما والرّاقصاتِ لقد طربنا / لأنباءِ الحُماةِ الرّاقصينا
أساطينُ الممالكِ حيث كانوا / وساداتُ الشُّعوبِ البائسينا
شرائعُ للحضارةِ نَزدريها / وإن فُتِنَ الغُواةُ بها فُتونا
إذا شَرِبوا الكُؤوسَ رَمَى إليهم / بكأسٍ مُرَّةٍ للشّاربينا
وإن شَدَتِ القِيانُ أجال صوتاً / يشُقُّ مرائرَ المُتطرِّبينا
مَقاوِمُ تتركُ الألبابَ حَيْرَى / وتُعجِزُ حِيلةَ المُتحيِّلينا
تَبسّمَ ضاحكاً والأرضُ تعلو / وتَسفُلُ بالدُّهاةِ العابسينا
فقالوا حادثٌ جَللٌ وخطبٌ / يُنازِعنا القرارَ ويزدهينا
وطار البرقُ يُنبِئُ كلَّ شعبٍ / ويخشى أن يَزِلَّ وأن يَمينا
يَجوبُ الأرضَ مُرتاباً مَرُوعاً / ويلقى النّاسَ مُتَّهماً ظنينا
وحسُبك رَوْعَةً نظراتُ عينٍ / ترى عِزريلَ بين الضّاحكينا
سعوا بالرُّوسِ يلتمسون أمراً / ومَن ذا يتبع الرّأيَ الغبينا
أرادوا بالنّمائمِ أن يَؤُوبوا / بأسلابِ الضّراغمِ فائزينا
فما ملكوا لِعصمتَ من قِيادٍ / ولا مَلكَ الدُّهاةُ تشتشرينا
همُ الأحلافُ نَقبلُ ما رضوه / ونَنقمُ ما أبَوْا في النّاقمينا
تولّى مُلكُ قيصرَ والتقينا / على أطلالهِ مُتأنِّقينا
هي الدُّنيا الجديدةُ نرتضيها / على العهدِ الجديدِ وتَرتضينا
لكلٍّ من شُعوبِ الأرضِ حَقٌّ / فما بالُ الجُفاةِ الجاحدينا
سنحمي النّاسَ من عَنَتٍ وظُلمٍ / ونكفِي الأرضَ شرَّ العابثينا
أمَنْ يبغي السَّويَّةَ في بنيها / كمن يبغِي الشُّعوبَ مُسخَّرِينا
أقاموا عصبةَ الأُممِ احتيالاً / وجاءوا بالشُّعوب مُخاصمينا
حَلفتُ بمن أضاعَ العدلَ فيهم / لتلكَ عصابةُ المُتلَصِّصينا
لئن زعموا الأذى والبَغْيَ عدلاً / فما خَفِيَ الصوابُ ولا عَمينا
أخا الأُسطولِ ما للتُّركِ حقٌّ / ولا بك ريبةٌ في المُنصفينا
يُريدون الحياةَ عُلاً ومجداً / وتلك مطالبُ المُتطرِّفينا
حددتَ القومَ إذ وفدوا سكارى / وهمّوا بالوفودِ مُعربِدينا
فإنّ لكم لَعُقبى الخيرِ فيهم / وإنّ لهم لعُقبى الزّائغينا
تورّطتِ الممالكُ في الخطايا / ونِيطَ بكم جزاءُ الخاطئينا
أيكفرُ بعضُها فيفيضُ زَيْتاً / ويطغَى بعضُها ماءً وطيناً
دَعِ الأُسطولَ يَهْدِ الناسَ وابعثْ / جُنودَك في المشارقِ واعظينا
أخا الأُسطولِ بُورِكَ من مَسيحٍ / وبوركَ في ذويك الصّالحينا
كأنّ اللهَ ربَّكمُ اصطفاكم / وأنشأكم طَهارَى طيِّبينا
وأَفْسَح في السّماءِ لكم فكنتم / ملائكةً إليه مُقرَّبينا
وهبتم للمالك ما تمَّنتْ / وقُمُتمْ في الشُّعوبِ مُهذِّبينا
لكم أُممُ الزّمانِ دماً ومالاً / وأنتم سادة المُترفِّقينا
إذا التّيجانُ عاثَ الفقرُ فيها / أَتيتم أهلَها مُتصدِّقينا
ملكتم من عَطاءِ اللهِ فيهم / مَقاوِدَ تملك الشّعبَ الحَرونا
فَسُودوا في الممالكِ واستَبِدُّوا / بتيجانِ الملوكِ المُعوزِينا
بكم تحمِي الخلافةُ جانِبَيْها / وتدفعُ غارة المُتحفِّزينا
وميراثُ النبيِّ لكم وأنتم / وُلاةُ البيتِ غير مُكذَّبينا
خذوا آثارَهُ من غاصِبيها / ولا تَثِقُوا بقولِ المُفْترِينا
خُذوها للمتاحفِ واجعلوها / بلُنْدُنَ عُرضةً للنّاظرينا
لكم شَرَفُ المناسبِ في قُريشٍ / وإن جَهِلتْ ثِقاتُ النّاسبينا
وما ينسى أبو لهبٍ بنيهِ / ولا يأبى ذويه الأقربينا
سليلَ التّاج والدُّنيا جزاءٌ / وعُقبى الأمرِ للمُتدبِّرينا
وما تُبقِي الشُّعوبُ على مُلوكٍ / مَشائيمِ العهودِ مُبغَّضِينا
مصيرُكَ للنّفوسِ أجلُّ ذِكرَى / وخطُبكَ سُلوةٌ للمُؤْتَسينا
أكنتَ ترى الخلافةَ جُحرَ ضَبٍّ / غداة تُطيعُ أمرَ المُجحِرينا
تَذِلُّ وما على الغبراءِ عِزٌّ / كعزّكَ لو رأَوك به ضنينا
وتُذعِنُ للتحكُّمِ فوق عرشٍ / تَدين له قُوى المُتحكِّمينا
وتقضِي الأمرَ مفسدةً وشرّاً / ومثلُكَ لا يُطيعُ الآمرينا
أمن يحمي الخلافةَ خارجيٌّ / لَبِئسَ الحكمُ حكمُ القاسطينا
لَفنزيلوسُ إن صدقوا فتاها / ومولى حقِّها في الطَّالبينا
أعزُّ حُماتِها إن نابَ خطبٌ / وخيرُ كُفاتِها المُتخيَّرينا
وماذا للخوارجِ إن أقاموا / لها كيرزونُ أو هارِنْجتُونا
مضى بك خاطفُ القرصانِ يعدو / فلا رجعتك أيدي الخاطفينا
أَكُنتَ خليفةً أم كنتَ شاةً / تولّتْ تتبعُ الذّئبَ اللّعينا
نُسائلُ عارفاتِ الطير عنه / ألا أين الخليفةُ نبِّئينا
تَفيأَ ظلَّهم فمضوا سِراعاً / بظلِّ الله للمتفيِّئينا
فما خدعوا الخليفةَ بالأماني / ولكن غرّهم في الخادعينا
يعدّون الملوكَ لغير شيءٍ / ويُلقون الروايةَ هازلينا
أرادوا عندهم نفعاً وليسوا / ولو بلغوا المئينَ بنافعينا
لئن جَهِلَ الأُلى نكثوا وخانوا / لقد علموا جَزاءَ النّاكثينا
كأنّي بالصّوافنِ عادياتٍ / يَنَلْنَ حِمَى الملوكِ ويحتوينا
يَدُسْنَ مَعاقدَ التّيجانِ شتّى / وينزعن العصائب يحتذينا
ويطوينَ الجلالةَ في جِلالٍ / نُهين لها الجباهَ مُعظِّمينا
وما للمجرمين إذا رأوها / يثورُ غُبارُها مِن شافعينا
طريدَ اللهِ هل لك من مُجيرٍ / تلوذُ بركنِه في اللّائذينا
أَخَوْفٌ غَالَ نفسَكَ أم رجاءٌ / رمى بك في الفريقِ المُصْحِرينا
إذا ما جِئتَ مكّة فإنأَ عنها / مناسكَ لا تُحِبُّ الغادرينا
ولا تَزُرِ البَنِيَّةَ واجْتنِبْها / إذا ازدلَفتْ وُفودُ الزّائرينا
وَدَعْ طهَ بيثربَ لا تَرُعْها / وقوماً في البقيعِ مُوسَّدينا
ولا تَلْممْ بزمزمَ إنّ فيها / لكَ المُهلُ الذي يشوي البطونا
ولا تَلْمَسْ كتابَ اللهِ واخسَأْ / إذا رفعْتهُ أيدي اللّامسينا
وإن طَمحَ الرّجالُ إلى حياةٍ / فَغُضَّ الطَّرفَ بين الطّامحينا
وَحَسْبُكَ بالحُسَين خدينَ صدقٍ / إذا اسْتَصفَيْتَ في الدُّنيا خدينا
هَوَى الإسلامُ بينكما صريعاً / وطاحَ بَنوهُ حولكما عِزينا
رَماهُ بطعنةٍ صَدعَتْ قُواه / وجئتَ فنالَ مَقدمُك الطّعينا
يدٌ عَصفتْ بهامتهِ فمالت / وأُخرى اسْتأصلت منه الوتينا
عفا المهدُ الأنيقُ فصار لحداً / وغُودِرَ في غَيابتهِ رهينا
به انبرتِ القَوابلُ فَانْتَضته / وفيه طوته أيدي الدّافنينا
حَنانَك ربَّنا وهُداك إنّا / بَرِئنا من ذوينا الصَّابئينا
ديارَ الوحي يُزجِي الرُّوحُ منه / كصَوْبِ المُزْنِ مِدراراً هَتونا
يجود رُباكِ مُونِقَةً حساناً / ويجري فيكِ سَلسالاً مَعينا
تُضيءُ به الشِّعابُ إذا ادلهمَّتْ / وتكرعُه النُفوسُ إذا صَدينا
إذا لم يرتعِ الأقوامُ فيه / فما عرفوا ربيعَ المُسنِتينا
لَعبدُ اللاتِ أكرمُ فيكِ عهداً / وعبدُ يغوثَ ممّن تحملينا
وحيدَ الدّين ضجّ الدِّين منها / جرائرُ جاوزت منك المئينا
إذا ما الرأيُ ثابَ إليكَ فاذكر / ذُنوبَك وابْكِها في النّادمينا
ودَعْها فتنةً عمياءَ واصبِرْ / لِحُكْمِ اللهِ واعْصِ المُوعِزينا
أميرَ المُؤمِنينَ طَلعتَ يُمناً / وكنتَ الخيرَ لِلمُتَيَمِّنينا
وما بَلغَ الجَلالُ وإن تناهى / جَلالكَ في الهُداةِ الطالعينا
لو اَنّ البيتَ سار إلى إمامٍ / لجاءك بالوفودِ مُهنِّئينا
أتى جبريلُ يَشهدُ حين حيَّا / رسولُ اللهِ خيرُ الشّاهدينا
لعمرُ المُنكِرين لقد توالت / بِسُدَّتِكَ الملائكُ طائفينا
لئن جحدوا الذي لك من ولاءٍ / فقد بلغ الصَّفا وأتى الحُجونا
عقدنا العهدَ إيماناً ومجداً / كذلك عهدُنا في العاقدينا
نُطيعُ من الخليفةِ كلَّ أمرٍ / ونعمل للخلافةِ مُخلصينا
ولسنا ما دعا الدّاعِي لشيءٍ / سِوَى الحقِّ المُبينِ بمُؤثِرينا
يَضِجُّ المُسلمون بكلّ أرضٍ / يُحيّون الإمامَ مُبايعينا
وما عبدُ المجيدِ بذي خَفَاءٍ / ولا هو ريبةُ المتوهِّمينا
نَمتْهُ السّابقاتُ من الأيادي / وَجَرَّبه الثِّقاتُ مُبالغينا
فما وجدوه إلا الخيرَ مَحْضاً / ولا اخْتاروه إلا مُوقِنينا
أقَرُّوا المُلكَ فاستعلت ذُراه / وهمّوا بالخلافةِ ناهضينا
وسنُّوا للخلائفِ ما عَلِمنا / فَصِينَ الدِّينُ والدُّنيا وزِينا
سبيلُ مُحمَّدٍ وذَوي هُداهُ / حُماةِ الحقِّ خيرِ المُرشِدينا
تباعدَ عهدُهم فمشوا إليه / على نُورِ الكتابِ مُسدَّدينا
لِربِّك حُكمُه والأمرُ شُورى / وتلك حكومةُ المُتحفِّظينا
إذا طَغتِ السّياسةُ في بلادٍ / فتلك سياسةُ المُستأثِرينا
وإن زعموا لَحُكمِ الفردِ معنىً / فتلك خُرافةُ المُتألِّهينا
بني عُثمانَ أنتم إن دَعَوْنا / ذَوي الأرحامِ خيرُ العاطفينا
فويحي للأُسودِ إذا استباحت / حِمَى الحَرَميْن أيدي النّاهبينا
أعينوا مصرَ إنّ لمِصرَ فيكم / رجاءً تستعزُّ به متينا
نَقومُ بنصرِها ونكون فيها / لأنصارِ الحمايةِ خاذلينا
أضاعوا حقَّها وجنوا عليها / وساموها الهَوانَ مُساومينا
فيا لكِ خُطّةً شططاً ورأياً / يَقُضُّ مضاجِعَ المُتبصِّرينا
إذا جَعلوا العُقوقَ لها جزاءً / أَبَيْنا أن نَعُقَّ وأن نخونا
نخاف الواحدَ القهّارَ فيها / ونَرقُبُ وعدَه حتّى يحينا
ذكرتم مصرَ ما نَقَعتْ صَداها / بذكرٍ من بنيها النّاعقينا
أغيثوا أهلها وتداركوهم / تهزُّ حُماتَها المُستبسِلينا
أعيدوا النّيلَ سيرته وردّوا / إلى استقلالهِ الشّعبَ الحزينا
أمِن شَرَفِ الخلافةِ أن تَرَوهْ / أسيراً في الأداهم أو سجينا
هو الذُّخر الثمينُ ولن تُصيبوا / كمِصرَ وشعبِها ذُخراً ثمينا
إذا طرقتكمُ الأحداثُ بِتْنا / قِياماً في المضاجعِ مُشفِقينا
نُثبِّتُ مِن جوانِحنا وتهفو / بهنَّ زلازلٌ ما يَرْعَوينا
أهاب المُوعدون بنا رُويداً / فما نفعَ الوعيدُ ولا خَشينا
نُهين الناكثينَ ونجتويهم / ونرفضُ خُطّةَ المُتقَلِّبينا
إذا اسْتَعرَ التِّناحرُ وارتمينا / مَشَوا بين الصُّفوفِ مُذَبْذَبينا
تَدورُ قلوبُهم فإذا ظفرتم / تباروا بالأكفِّ مُصفِّقينا
وإن ينزل بكم خطبٌ تولَّوْا / يضجُّ عُواتُهم في الشّامتينا
أولئكَ مُستقَرُّ الدّاءِ منّا / متى تتلمّسوا الدّاءَ الكمينا
جعلنا حُبّكم نُسُكاً وزُلْفَى / وبعضُ الحبِّ زُلفَى النّاسكينا
ولسنا بالتِجارِ نُريدُ رِبْحاً / فيذهب سعيُنا في الخاسرينا
لنا الأخلاقُ نجعلها عَتاداً / نَقِيهِ من الغوائلِ ما يقينا
فما نخشى الخُطوبَ وإن ألحّتْ / ولا يفنَى العتادُ وإن فنينا
إذا عَمَرَ الخزائنَ أشعبيٌّ / فتلك خزائنُ المُتَوَرِّعينا
ونَكتُمُ ما نقولُ فإنْ فعلنا / فخيرُ بني الكنانةِ فاعلينا
وأبعدُهم نُفوساً عن رياءٍ / وأصبرُهم إذا ملّوا السِّنينا
يضجُّ الأكثرون إذا صَمَتْنا / وتلك خلائقُ المُتبرِّجينا
عَرَفْنا حقَّكم وطغَى أُناسٌ / فما عرفوا الحُقوقَ ولا الدُّيونا
ولا حَفِظوا لمِصرَ سِوَى نُفوسٍ / دَأَبْنَ على الأذَى ما يأتَلينا
يَرَيْنَ ذَهابَها خطباً يسيراً / إذا نِلْنَ السَّلامةَ أو بَقينا
وما قومٌ يكون الأمرُ فيهم / لِسادَةِ دُنشوايَ بسالمينا
سلوا شُهداءَكم وتذكّروها / مصارعَ تُفزعُ المُتذكِّرينا
سلوا أين الأُلى هتفوا لمصرٍ / أفي الأحياءِ أم في البائدينا
سلوا الأحياءَ والموتى جميعاً / سلوا الثّاوِينَ والمتغرِّبينا
سلوا الدُّنيا العريضةَ أو سلوهم / متى ساسوا الممالكَ مُصلِحينا
عَتَوْا في الأرضِ والتهموا بنيها / فكانوا وَحشَها الجَشِعَ البطينا
ولولا ما جنى السُّفهاءُ فيها / لما ملكوا الشُّعوبَ مُسَيْطرينا
إذا نَزلَ البرِيطانيُّ أرضاً / فقد نَزلَ الرَّدى بالآمنينا
لنا الميثاقُ نَحفظُه ونَمضي / على مِنهاجِه في النّاهجينا
رَضينا حُكمَه الأعلى فلسنا / إلى حُكمٍ سواهُ بنازِعينا
نُبِيدُ حوادثَ الأيّامِ صبراً / ونعصِفُ بالشّوامخِ ثابتينا
ونَأبى أن نُغيِّر ما عَقَدنا / إذا انقلبَ الدُّعاةُ مُغيِّرينا
نُراقِبُ حقَّ مِصرَ إذا أُمِرْنا / ونَصدُقها الوَلاءَ إذا نُهِينا
إذا وَجدتْ شِفاءَ الغيظِ فينا / فزادُ اللهِ غيظُ المُحنَقِينا
نَصونُ حِمَى البلادِ وإن أُصِبْنا / ونثبُتُ في الجهادِ وإن مُحينا
فذلك عهدُنا الأوفى لمِصرٍ / وتلك سبيلُنا للمُقْتَدينا
أهاب المؤمنون به دُعاءً / تلقَّتهُ الجموعُ مُؤمِّنينا
يضمُّ كتابُه دُنيا المعالي / ودينَ المجدِ للمُتَمَسِّكينا
يُثيرُ الهامِدينَ وهم رُفاتٌ / ويَنهضُ بالجُذوعِ الجامدينا
كأنّ الكيمياءَ تَسُلُّ منه / عجائبَ سرِّها للعارفينا
تَبورُ مَذاهبُ الزُّعماءِ إلا / إذا جاءوا الرّوائعَ مُعجِزينا
وإن وَهَنَ الحُماةُ أوِ اسْتكانوا / فليسوا في الجهادِ بِمُفلِحينا
ولن تلِدَ الحياةُ الخُلْدَ إلا / لِمَنْ وُلِدُوا نوابِغَ نابهينا
أَتوا لُوزانَ يلتمسون فيها / دُعاةَ الحقِّ في المتآمِرينا
فما رَأَوُا الدُّعاةَ أُولِي وَفاءٍ / ولا وَجَدُوا القُضاةَ بسامعينا
إذا جَدَّ النِّضالُ أَبَوْا عليهم / ومالوا بالمناكبِ هازلينا
أقاموا دَوْلةً للظُّلمِ أُخرى / وراحوا بالضِّعافِ مُوكَّلينا
فيا لكَ مَعْرِضاً ما فاز فيه / سوى كرزونَ شيخِ العارضينا
تناهت عبقريّتُه وتمّتْ / براعةُ قومِه المُتَفَنِّنينا
يضنُّ بحقِّ مصرَ على بنيها / وما ضنَّتْ على المُتطفِّلينا
ويغضبُ أن يكونَ لها لسانٌ / يُذيعُ شكَاتَها في المُشْتكينا
ويَعجَبُ أن يَرى منها رجالاً / يجوبون البلادَ مُناضِلينا
فريسةُ قومِه عَكفوا عليها / وصَدُّوا عن بنيها الصّارخينا
أما والمُوجَعِين لقد أصابوا / بأنقرةٍ شِفاءَ المُوجَعينا
تولَّوْا بالجراحِ تَفيضُ سُمّاً / وما شَعَرتْ نُفوسُ الجارحينا
يَؤُمُّون المثابةَ لو أقاموا / شعائرَها لساروا مُحرِمينا
مُقدَّسةَ المسالكِ والنَّواحي / تُضيءُ بِمُشرِقين مُقدَّسينا
تَولُّوا بالكرامةِ حِزبَ مصرٍ / وشُدُّوا أزرَها مُتَطوِّعينا
حفاوةُ قومِنا وقِرى ذَوينا / وعَطفُ الأُخوةِ المتودِّدينا
نَحُلُّ ديارَهم فنزورُ منهم / مَساميحَ النُّفوسِ مُحبَّبِينا
ونَنْأَى والقلوبُ هَوىً وشوقاً / قُلوبُ الجيرةِ المُتزاوِرينا
وحَسْبُكَ نَجدةً ودفاعَ خطبٍ / إذا عَقَدوا اليمينَ مُعاهِدينا
نَجيءُ ببيّناتِ الحقِّ تَتْرَى / ويأبى باطلُ المُتخرِّصينا
سَيعلَمُ قومُنا أنّا وَفَيْنا / وأنّا قد كَفَيْنا ما يَلينا
حَفِظنا العهدَ غيرَ مُذمَّمينا / وأدَّيْنا الأمانةَ مُحسِنينا
إذا استبقَ الرجالُ السُّبلَ شتَّى / فإنّ لنا سبيلَ المُهتَدينا
وَمن يَعملْ لأجرٍ يبتغيهِ / فعندَ اللهِ أجرُ المُتَّقينا
لئن ظهرت لنا رَغَباتُ قومٍ
لئن ظهرت لنا رَغَباتُ قومٍ / لقد ضاقَ التحفّظُ بالبقايا
تَلوذُ بموضعِ الكِتمانِ حَيْرى / وتَقذِفُها الضّمائرُ والطّوايا
ومَن زَعمَ الزُّجاجَ يكون حُجباً / فقد زَعَمَ الشُّموسَ من الخفايا
فقل للوفدِ كيف سُحِرتَ حتّى / ذَهلتَ عن الحوادثِ والوصايا
ألا لله دَرُّكَ حين تمشي / على الجِسرِ المُقامِ من الضّحايا
وما الزّعماءُ إلا في ضلالٍ / إذا جعلوا الشُّعوبَ لهم مطايا
إذا طلبوا المغانم لم يبالوا / بما تَلْقَى البلادُ من الرّزايا
وَفَيْنَا بالعُهودِ فضجَّ قومٌ / يَعُدّونَ الوفاءَ من الخطايا
تتابعتِ السِّهامُ فما رأينا / سِوَى مُهجِ الرُّماةِ لها رمايا
كأنَّ الحقَّ مَقْتَلُ كلِّ نفسٍ / فمن يَضرِبْهُ لا يُوقَ المنايا
وليس الشُّؤمُ فيما نال علمي / سوى شُؤمِ الضّرائبِ والسّجايا
وما نكبت مواليَها المعالي / كما نكبت مواليَها الدَّنايا
نريد الغايةَ القُصوى لمصرٍ / ويطلبُ غيرُنا بعضَ المزايا
أتسألُ فيمَ تختلف المساعي / وتَعجبُ كيف تَلتبِسُ القضايا
رُويدَك سوف تُنبِئُكَ اللّيالي / فتعلمَ ما تُكِنُّ من البلايا
أميطي الغيبَ وادّرعي الشُّهودا
أميطي الغيبَ وادّرعي الشُّهودا / فمن نَفَحاتِ عهدِك أن يعودا
وما بالسمهريِّ يغيبُ عيبٌ / إذا سكنَ الجوانحَ والكُبودا
وهل بالسَّهمِ نُكرٌ حين يَمضي / فيُؤثِرُ في مواقعهِ الرُّكودا
لأَنتِ سلاحُ كلِّ فتىً أبيٍّ / يَصولُ فيصرعُ البطلَ النَّجيدا
يَحيدُ عَنِ الكريهةِ كلُّ وانٍ / وتَمنعهُ الحميَّةُ أن يحيدا
حثيثُ الكرِّ يستبقُ المنايا / إذا الفَرِقُ الهَيُوبُ مشَى الوئيدا
تضيقُ به الوغَى ضرباً وطعناً / ويعتنق الفوارسَ مُستزيدا
وليدُ عَجاجةٍ وعقيدُ طاوٍ / يَصيدُ عِنانُه الأجلَ الصَّيودا
رِدي الغَمَراتِ ناراً أو ذُعافاً / وذُودِي القومَ إذ كرهوا الوُرودا
إذا ظَمِئَتْ نُفوسُهُمُ ارتوينا / وروَّينا الأعنَّةَ والبُنودا
مناهلُ تُنكِرُ الوُرّادَ إلا / إذا شربوا الرَّدى عالين صيدا
خُذي بِنُفوسنا إذ كلُّ نَفْسٍ / تَظُنُّ الجُبنَ يُورِثُها الخُلودا
نَجودُ بها إذا الأقوامُ ضَحُّوا / بمصرَ ونيلِها كَرَماً وَجُودا
ونَنهضُ لِلجهادِ إذا تَولَّوْا / وظَلُّوا في مَجاثِمهم قُعودا
تهادوا بالحمايةِ في رِداءٍ / يُريكَ بَياضُه الأحداثَ سودا
وزَفُّوها مُقنَّعةً فزفُّوا / بها الأغلالَ شتَّى والقُيودا
لئن حَملَ الحِمايةَ جالِبُوها / لقد حملوا المَنايا واللُّحودا
هتكنا الحُجْبَ والأستارَ عنها / ومزّقْنا المطارفَ والبُرودا
فتلك مخالبُ الأغوالِ فيها / وأنيابُ الأُلى غلبوا الأسودا
عَصَيْنا مِصرَ إن عَدَتِ العوادي / فلم نَعْصِ الهَوادةَ والهُجودا
ولسنا صفوةَ الأعلامِ فيها / إذا لم نَمنعِ العَلَم المجيدا
أَبيدِي الغدرَ واكْتسحي الجُحودا / وزِيدِي جَدَّنا الأعلى صُعودا
نُهِينُ الغاصِبينَ إذا اسْتبدُّوا / ونَأبَى أن نكونَ لهم عبيدا
ونَفْدِي مِصرَ بالمُهجاتِ تُزْجَى / إذا زَجّوا الكتائب والجنودا
حَفِظنا حُرمةَ الأبناءِ فيها / وأكرمنا الأبوّةَ والجُدودا
بلادَ النّيلِ من يَجزيكِ شرّاً / ومن يأبى لشعبكِ أن يسودا
دعِي المُتهيِّبينَ ولا تخافيِ / على اسْتقلالِك الخَصْمَ العنيدا
إلينا إن نَقِمتِ الغَدرَ منهم / وأنكرتِ التَّجهُّم والصُّدودا
إلى أعلامكِ الشُمِّ الرّواسي / إذا ما همَّ رُكنُكِ أن يميدا
هَبِي شرَفَ الحياةِ لنا فإِنّا / مَنحناكِ المواهبَ والجهودا
نَخُصُّكِ بالوَلاءِ المحضِ منّا / ونُؤثرُ بالهَوى الشّعبَ الوَدودا
فمن يَطلبْ من الأقوامِ عهداً / فإنّ اللهَ قد أخذَ العهودا
لِواءَ الله بُورِكَ مِن لواءِ
لِواءَ الله بُورِكَ مِن لواءِ / وهل بِجنودِ ربّكِ من خَفاءِ
تُظلِّلُها الملائكُ حين تمشِي / وتقدمها صُفوفُ الأنبياءِ
إذا ما النّصرُ أظلمَ جانباهُ / تَبلّجَ في كتائِبها الوِضاءِ
كتائبُ تركبُ الأقدارَ خَيْلاً / وتَتّخِذُ المعاقِلَ في السّماءِ
تَسُلُّ سُيوفَها فَتَكِلُّ عنها / مَضاربُ كُلِّ أَشطبَ ذِي مَضاءِ
جِهادٌ تقذف الآياتُ فيهِ / بِكلِّ مُدمِّرٍ عَجِلِ الفَناءِ
تَطايَر بالكتائبِ والسّرايا / فَغادَرها كمنتشرِ الهباءِ
يَشقُّ جَوانِحَ الشُّمِّ الجواري / ويعصفُ بالسَّوابحِ في الجِواءِ
حُماةَ الحقِّ صُدُّوا كلَّ عادٍ / ورُدُّوا المُبطلين عنِ الهُراءِ
وَصُونوا الشَّعبَ عن أهواءِ قَومٍ / أضَاعوهُ بِمُنقَطعِ الرّجاءِ
يَصيحُ به الحُماةُ وقد تردَّى / بِمَذْأَبةٍ تَجاوبُ بالعواءِ
أقام بها يُصانِعُ كلَّ طاوٍ / شديدِ الختلِ مُستعرِ الضَّراءِ
تراه على الكِلاءَةِ والتَّوقِّي / مُلِحَّ النّابِ يكرعُ في الدّماءِ
أَغارَ وما تَغَيَّبتِ الدّرارِي / وعاثَ وما غفا ليلُ الرِّعاءِ
لَعمرُ النّاكِثين لقد وَفَيْنا / على ما كان من مَضَضِ الوفاءِ
نصونُ لِمصرَ حُرمَتها ونَحمِي / حقيقَتها ونَصدقُ في الفِداءِ
سَجِيَّتُنا وسنّةُ مَن ورِثنا / من السَّلفِ المُقدّمِ في السَّناءِ
أئِمَّةُ نَجدةٍ ودُعاةُ حقِّ / أقاموا المجدَ مُمتَنِعَ البناءِ
عليهم من جلال الذّكر سُورٌ / تروعك منه سِيما الكبرياءِ
يَهابُ الدّهرُ جانِبَهُ فَينْأَى / ويُغضي النَّجمُ عنه من الحَياءِ
جَثتْ هِمَمُ الخلودِ على ذُراهُ / وأقعت حوله ذِمَمُ البَقاءِ
لعمرك ما حياةُ المرءِ إلا / جَلالُ الذّكرِ في شرفِ الجَزاءِ
إذا لم تَبْنِ قومَكَ حين تبني / فأنت وما تَشيدُ إلى العَفاءِ
حُماةَ النّيلِ كيف بنا إذا ما / أضاعَ النّيلَ وَفدُ الأدعياءِ
هُمُ ائْتَمروا بهِ فَتداركوهُ / وَرُدُّوا عنه عاديَة القَضاءِ
أَيذهبُ بين مَأدُبةٍ وأُخرى / فَبِئْسَ الضّيفُ ضيفُ ذَوي السَّخَاءِ
نُباعُ وما أتَى الأقوامَ شرعٌ / بِبَيْعِ في الشُّعوبِ ولا شِراءِ
فَهلا إذْ أبَى النخّاسُ أَمستْ / تُسامُ نُفوسُنا سَوْمَ الغلاءِ
ألا لا يطمعِ الأقوامُ فينا / فلسنا بالعبيدِ ولا الإماءِ
وكيف يُرَدُّ للجهَلاءِ حُكمٌ / إذا جَهِلَ الشُّعوبَ أولو الدّهاءِ
لِئنْ نكَبوا الكِنانةَ حِينَ جاءوا / لقد نُكِبوا بِشعبٍ ذِي إباءِ
بني التّاميزِ لا تَثِقُوا بوفدٍ / يُبايُعكم على صِدقِ الولاءِ
أرى الزُّعماءَ قد لبسوا جميعاً / لكم ولقومهم ثَوْبَ الرِّياءِ
دَعُوا رُسلَ الوِفاقِ وما أرادوا / فإنّا لا نُريد سوى الجلاءِ
لَئِنْ أَودَى الغليلُ بنا فهذا / أوانُ الرِيِّ للمُهَجِ الظِّماءِ
أعن خطبِ الخلافةِ تسألينا
أعن خطبِ الخلافةِ تسألينا / أجيبي يا فَروقُ فتىً حزينا
هَوىَ العرشُ الذي استعصمتِ منه / بِرُكنِ الدَّهرِ واسْتعليتِ حينا
فأين البأسُ يقتحمُ المنايا / ويلتهمُ الكتائبَ والحصونا
وأين الجاهُ يَغمرُ كلَّ جاهٍ / وإن جَعَلَ السِّماك له سفينا
تَدفّق يأخذُ الأقطارَ طُرّاً / وينتظمُ القياصِرَ أجمعينا
مَضى الخُلفاءُ عنكِ فأينَ حَلُّوا / وكيفَ بَقيتِ وحدكِ خبّرينا
ولو أوتيتِ بِرّاً أو وَفاءً / إذنْ لَظَعَنتِ إثرَ الظّاعنينا
أيلدزُ ما دهاكِ وأيُّ رامٍ / رماكِ فهدَّ سؤدُدَكِ المكينا
خَفضتِ له الجناحَ وكنتِ قِدماً / حِمَى الخلفاءِ يأبى أن يدينا
وجلَّلكِ الظّلامُ وكنتِ نوراً / يَفيضُ على شُعوبِ المُسلِمينا
تزاورتِ الكواكبُ عنكِ وَلْهَى / تُقلِّبُ في جَوانِبكِ العُيونا
وتَجفُلُ تتَّقِى عُقْبَى اللّيالي / وتَخشَى أن تَذِلَّ وأن تهونا
تحيَّر فيكِ هذا الدّهرُ حتّى / لقد ظنّتْ حوادثُه الظُّنونا
فصبراً إن أردتِ أو الْتياعاً / وسَلْوَى عن قطنيكِ أو حنينا
ظَلمتُ هَواكِ أنتِ أبرُّ عهداً / وأصدقُ ذِمّةً وأجلُّ دينا
أَفيضي الدَّمْعَ تَوْكافاً وسَحّاً / ولا تَدَعِي التَّوجُّعَ والأنينا
لقد فَجعَ المُروءةَ فيكِ دَهرٌ / أصابَكِ في ذَويكِ الأوّلينا
أَليسَ الدَّهرُ كان لهم لساناً / إذا نَطقوا وكان لهم يمينا
تَمرّدَ يَنفضُ التِّيجانَ عنهم / ويَنتزعُ العُروشَ وما ولينا
تَولَّوْا في البلادِ تَضيقُ عنهم / جَوانبُها وكانوا المُوسِعينا
إذا وردوا الممالكَ أنكرتهم / وكانوا للممالكِ مُنكِرينا
عَجِبتُ لهم يَزولُ الملكُ عنهم / وما زالتْ عُروشُ المالكينا
أَذَلَّ جِبِاهَهم حَدَثٌ ذَميمٌ / أهانَ العِزَّ والشرَّفَ المصونا
رُويداً إنّها الدُّنيا وصبراً / فما تُغنِي شَكاةُ الجازعينا
تعالى اللهُ مُحدِثُ كلِّ أمرٍ / بأقدارٍ يَرُحْنَ ويَغْتَدينا
أتاهم أمرُه فَغَدَوْا مُلوكاً / وراحوا سُوقةً مُستضعَفينا
ولم أرَ كالسِّياسةِ في أذاها / وفي أعذارِها تُزجِي مئينا
تُغيرُ على الأُسودِ فتحتويها / وتَزعُمُ أنّها تحمِي العرينا
تُريدُ فتخلقُ الأصباغَ شتَّى / وتَبتدعُ الطرائقَ والفنونا
وتتّخذُ الدّمَ المسفوكَ وِرداً / تظنُّ ذُعافَه الماءَ المعينا
أداةُ الغدرِ ما حَفِظتْ ذِماماً / ولا احترمت خليطاً أو قرينا
يُصابُ بها الشقيُّ فما يُباليِ / رمَى الآباءَ أم صرَعَ البنينا
بني عثمانَ إنْ جَزَعاً فَحقٌّ / وإن صبراً فخيرُ الصّابرينا
أَعِدُّوا للنّوائبِ ما استطعتم / من الإيمانِ وادَّرِعُوا اليقينا
حياةُ الملكِ ضنَّ بها أبيٌّ / يخاف عليه كَيْدَ النّاقمينا
له عذرُ الأمين فإنْ رَضِيتم / فخيرُ النّاسِ مَنْ عَذَر الأمينا
قضَى الغازِي الأُمورَ فلا تَعيبوا / أمورَ الملكِ حتّى تستبينا
وما نَفْعُ الخلافةِ حين تُمسِي / حديثَ خُرافةٍ للهازلينا
ثَوتْ تَتجرَّعُ الآلامَ شتَّى / على أيدي الدُّهاةِ الماكرينا
تُغِيثُ المُسلِمينَ إذا استغاثوا / وتَنصرُهُم على المستعمرينا
فلما جَدَّ جِدُّ الحربِ كانوا / قُوَى الأعداءِ تَرْمِي النّاصرينا
مَنعْنا الظُّلمَ أن يَطغَى عليهم / فخانونا وكانوا الظَّالمينا
نُصابُ لأجلِهم ونُصابُ منهم / فإن تعجبْ فذلكَ ما لَقِينا
لَهانَ على نُعاتِكَ أن نُصابا
لَهانَ على نُعاتِكَ أن نُصابا / وإن فزِعوا لخطبك حين نابا
رموا بصواعقِ الأنباءِ تهوي / فتلتهبُ البلادُ لها التهابا
إذا غمرت فِجاجَ الأرضِ ناراً / تَدافعَ موجُها فطوى العُبابا
أَبعدَ الأربعين يُجيب ثاوٍ / فيحمل عاصفُ الرّيحِ الجوابا
أبا شادي سكتَّ وكنتَ صوتاً / شديدَ القصفِ يخترقُ السَّحابا
ونْمِتَ عن الحوادثِ وهي يقظى / تُنازِعُنا المضاجعَ والثّيابا
أحِينَ رَمى السّبيلُ بكلّ سارٍ / رمى عزريلُ فاخترمَ الشّهابا
طلبنا كلَّ أروعَ ذي نصابٍ / فكنتَ أعزَّ مَن ملكَ النّصابا
إذا جئتَ الجِنانَ فَحيِّ عنِّي / منازلَ فتيةٍ رفعوا القِبابا
حُماةُ النّيلِ ما عرفوه إلا / حياةً في الممالكِ أو ثوابا
أبَوْا أن يُعبَدَ الطّاغوتُ فيه / وأن يتخطّفَ الأرضَ اغتصابا
رموا ورمى فما جزعوا لخِطبٍ / ولا وضعوا الجِبِاهَ ولا الرّقابا
مضى عبدُ اللطيفِ فلم تَدَعْهُ / ولم تَدَعِ الحُداةَ ولا الرِّكابا
فليتكَ إذ لحقتَ به وشيكاً / حملتَ إليه من قِبَليِ كتابا
بكيتُك للبلادِ تذودُ عنها / إذا الحَدَثُ الجليلُ بها أهابا
وعندي عَبْرةٌ لك لن تراها / تَخونُ العِلمَ والأدبَ اللُّبابا
وأًخرى يمتريها الوُدُّ صفواً / كماءِ المُزنِ تَكرهُ أن يُشابا
وأنكدُ ما لبِستَ من الليالي / مودّةَ معشرٍ لَبِسوا الخِلابا
بأرضٍ تترك الآسادَ صَرْعَى / وتستبقى الثعالبَ والذئابا
لقد أنكرتُ دهري منذُ حينٍ / ونفسي والعشيرةَ والصَّحابا
أَمَنْ عَرَفَ اليقينَ فَصحَّ رأياً / كمن جَهِل الحقائقَ فاسترابا
وكيف تزيدُني عِلماً حياةٌ / قرأت كتابها باباً فبابا
بلادٌ بيعَ سُؤْدُدُها فضاعت / وشعبٌ هيضَ جانبُه فذابا
فمن يَأْبَ السرَّابَ فقد أَراني / أَمُدُّ يديَّ أغترِفُ السّرابا
ولو أنّي سوايَ ذهبتُ أَبغِي / إلى وطنٍ سوى مصرَ انتسابا
ومن حملَ الأمانةَ في بلادٍ / تَدينُ بغيرها حَملَ العذابا
رُزِئْنا في البقيَّةِ من بنيها / فصبراً للنّوائبِ واحتسابا
أيبقى من نُصابُ على يديهِ / ويُمعِنُ مِدْرَهُ القومِ الذَّهابا
أَسَيْتُ له وما بالموتِ نُكرٌ / إذا نشرَ الأسَى وطوى العِتابا
فإن يذهبْ بنا وبه اختلافٌ / فإنَّ لنا إلى الحُسَنى مآبا
إذا ما المرءُ كانَ على يقينٍ / فقد أرضاكَ أخَطأَ أم أصابا
وللأحزابِ وِجْهتُها فدعها / إلى أن يقشعَ النُّورُ الضَّبابا
سنذكرُه إذا النكباءُ هبَّتْ / تلفُّ الشّيبَ منّا والشّبابا
ونَعرفُه إذا الأَجماتُ ريعَتْ / فَرُحْنا ننشدُ الأُسْدَ الغِضابا
وكان على العدوِّ أشدَّ ظُفراً / إذا شَهِدَ الوغى وأحدَّ نابا
أأحمدُ هل رأيتَ الموتَ إلا / أحقَّ الطّبِ بالمرضى رِحابا
إذا كَرِهوا المضاجعَ من حريرٍ / أحبّوا في مَضاجعهِ التُّرابا
وإن نَقَموا المشاربَ سائغاتٍ / رضوا بالصَّابِ من يده شرابا
إذا بات الهُجوعُ أعزَّ شيءٍ / أصابوه بِساحتِه نِهابا
وكم من غفوةٍ لو قوَّموها / بملء الأرضِ جاوزتِ الحسابا
رأيتُ السَّعْيَ أكثرُه ضلالٌ / ولم أرَ كالطّبيبِ سعَى فخابا
عقابُ الدّاءِ من طِبِّ المنايا / إذا لم يَخْشَ من طبٍّ عقابا
إليك فتى القريض رثاءَ عانٍ / يزيدُ الدّاءُ منطقَهُ اضطرابا
كأنَّ ثيابَ قيصرَ أدركتني / فتلك قُروحُها تَعِدُ التَّبابا
وما أنا وامرؤُ القيس بن حجرٍ / رعى الحُرُماتِ أم هَتَكَ الحِجابا