القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : مِهْيار الدَّيْلمِي الكل
المجموع : 43
إذا ذهب الوفاءُ من الزمانِ
إذا ذهب الوفاءُ من الزمانِ / فكيفَ يُعابُ بالغدرِ الغواني
نسامحُ دهرَنا العاصي علينا / ونطلبُ طاعةَ الحدَق الحِسانِ
ونرجوا الأمنَ حيثُ الأمنُ خوفٌ / ونحن نخافُ في دار الأمانِ
حبيبك من بني هذي الليالي / هما من طينةٍ متصلصلانِ
وما لوناهما إلا وفاقٌ / وإن برزَتْ لعينك صِبغتانِ
تُقلَّب لي صَفاةُ أخي فما لي / نكِرتُ تقلُّبا في غُصن بانِ
وأسلمني الصديقُ أخا وسيفا / فكيف بنصرِ مختضِبِ البنانِ
أرى الإخوانَ حولي مِلءَ عيني / وألقى الحادثاتِ بغير ثاني
وأفتقد الأحبّةَ ثم أرضَى / كِراهاً بالوقوف على المغاني
أقلْني يا زمانُ غِلاطَ ظنّي / بأهلكَ فهو أبرحُ ما دهاني
ظهرتُ بآيتي في غير قومي / ولم أنظرْ بمُعجزها أواني
وإلا فانتقم ما شئتَ منّي / سوى تعريضِ عِرضي للهوانِ
أدال اللهُ من عيني فؤادي / فكم أهوى على خُدَع العِيانِ
أرى صُورا وشاراتٍ حساناً / مصايدَ للطَّماعَةِ والأماني
فأستذرى بظلٍّ لم يسعني / وأستروِي غماما ما سقاني
وذي قلبين قاسٍ يوم أشكو / وآخرَ عندَه بعضُ الليانِ
صبَرتُ على تلوّن شيمتيْه / حَمولا في البعادِ وفي التداني
وأشكر نبذَهُ بالوصل حينا / وأعذِرُ في الجفاءِ إذا جفاني
فأحسَبُ عِطفَه يُثنَى بمدحي / فأغمزُ منه في جَنْبَيْ أَبانِ
توانَى في العكوف عليه حزمي / وكان الحزمُ من قبل التواني
أناسئُهُ الثناءَ ليوم عُسرِي / وكم وجدَ القضاءَ فما قضاني
ألا يا ليتَ شعري عن غريمي / لمن ذَخر القضاءَ إذا لَواني
وكيف يسرُّه بَعدي خليلٌ / إذا هو مَلَّ قربي واجتواني
قد اصطلح الرجالُ على التجافِي / وقد نُسيَ التعاطُفُ والتحَاني
سِوى بيتٍ طنوبُ المجد فيه / مطنَّبةٌ بأسباب مِتانِ
بَنَى عبدُ الرحيم بِهِ فأَرسَى / وشادَ بنوه بانٍ بعدَ باني
إذا غَرَبَتْ به للفضلِ شمسٌ / تمكَّن في المطالعِ فرقدانِ
ولم يك كالوزير ولا أخيه / ولا أخويهما ذخرٌ لقاني
وأشرق من كمال الملك بدر / ليالي تمِّهِ سعدُ القِرانِ
تحالفت العلا وأبو المعالي / إذا الأسماءُ حالفتِ المعاني
تعثَّرت الجيادُ وراء جارٍ / مسلِّمةً له قَصَبَ الرِّهانِ
زليق اللِّبْدِ مقطوع الأواخِي / غضيض السرج مخلوعَ العنانِ
تكفَّلَ بالسياسة ألمعيٌّ / مليٌّ يومَ يَضمن بالضمانِ
إذا خفَقتْ بما ضمِنتْ قلوبٌ / توقَّد في حشاه الخافقانِ
شجاعٌ يومَ يَركبُ للمعالي / وظهرُ الذلِّ من قُعَدِ الجبانِ
أُعينَ الملكُ منه بجنبِ طودٍ / ظليلِ الذيلِ مستَنِّ الرِّعانِ
مضت آراؤه فيه نفاذا / نفاذَ السمْهَرِيّة في الطعانِ
إذا أوت الأمور إليه بانت / محامَاةُ المعين عن المُعانِ
وقال فقال فصلا في زمان / يكون العيُّ فيه من البيانِ
توحّدَ في الكمال فلم يعزَّزْ / بقوّةِ ثالثٍ وبنصرِ ثاني
وصُدِّقَ ما ادَّعى الغالون فيه / فما أحدٌ غلا فيه بجاني
كأنّ حديثَ من يُثنِي عليه / حديثُ القَيْن عن نصلٍ يماني
وزُوّجتِ الوزارةُ من أخيه / ومنهُ بعدُ نِعْم الكافلانِ
إذا قعدا فمجلسُها عرينٌ / يذود الضيمَ عنه ضيغمانِ
وإن قاما إباءً فهي سرحٌ / مُعِرٌّ نام عنه الراعيانِ
يرافدُ ذاك في العزمات هذا / رفادَ السيف أُيِّدَ بالسنانِ
ألا أبلغ كمالَ الملك عنّي / وإن يك حيث يسمع أو يراني
رسالةَ مطلَقٍ في الناس لكن / عليه من القطيعة ذلُّ عاني
حِفاظُك ذاك من ألهاك عنه / وقلبُك بعدَ حبّك لِمْ قَلاني
ومن عَدَّى عوائدَك اللواتي / ترادفُ بين بِكرٍ أو عَوانِ
يواصلني سماحُ يديك منها / بأوسعِ ما تجود به يدانِ
فعاد النقدُ لي منها ضمانا / وصار الإهتمامُ إلى التواني
أُعيذك أن تصيبَك فيَّ عين / وأوخذ في وفائك من أماني
وأن أُنسَى وعندك باعثاتٌ / على حقّي ومُذكِرةٌ بشاني
خوالدُ في الصحائف باقياتٌ / لمجدكُمُ على الحِقَبِ الفَواني
لها سرُّ الصدور إذا حوتها / وفي الآذان إعلانُ الأذان
يزُرنَك يمتطينَ من التهاني / سليس الرأس منقادَ الجِرانِ
إذا سمحَتْ برسم العيدِ جاءتْ / مطالِبةً برسم المِهرَجانِ
بقيتُ لرصفِها فتغنَّموني / بقاء الخمرِ في نِصفِ الدنانِ
وقد كثُر المديحُ وقائلوه / ولكنْ من يسدُّ لكم مكاني
سقَى أيَّامَ رامة بل سقاها
سقَى أيَّامَ رامة بل سقاها / عميقُ الحفر مقتدِحٌ حصاها
أحمُّ كأنَّ أُدْمَ العيس فيه / مرقعة الجِلالِ لمن طلاها
يُسِفُّ يطامِع الخَرقاءَ حتى / تبوِّعَه لتمسحَه يدَاها
إذا زُرَّتْ سحابَتُه أحالت / صَبَا نجدٍ محلَّلةً عُراها
يسيل بمائه وادي أُشَيٍّ / فيُترِعُ فوق كاظمةَ العِضاها
كأنَّ سماءه حنَّت فدرَّتْ / على الأرض اليتيمةِ مِرزَماها
إذا شامت بوارقه سيوفا / ليُغمدَها تراجَعَ فانتضاها
وتأمُرُ باتباع البرق نفسي / فإن أتبعتُه عيني نَهاها
ولم أر قبله حمراءَ خُضْراً / عواقبُها ولا ضرباً أماها
يذكِّرني وللأشواق عيد / ثنايا أمِّ سعدةَ أو لَماها
ألا للهِ يومَ عُكاظَ عينٌ / جلتها نظرة فغدت قذاها
ترى لَعِبَ البِلى بالدار جِدًّا / فيلعب أو يجدّ بها بكاها
وكم بِلَوى الشقيقة ومن فؤادٍ / أسير لو تكلم قال آها
ومن شاكٍ لو استمعت إليه / قِنانُ أبانَ ذاب له صفاها
وطيِّبة الغداةِ تفُتُّ باناً / عقائصُها ومسكا رَيْطَتاها
إذا ما لم يجد فيها معابا / ضرائرها تعلَّل عائباها
أضلّ البينُ فطنتها فحارت / كأمّ الخشفِ ناشدةً طَلاها
تميل على الرِّحالة ميلَ سرجي / تُسِرُّ إليَّ تُفهمني هواها
فألثِمُ في السِّرار تريبتيها / ومن لي لو تكون الأذنُ فاها
أجيرانَ الحمى مَن لابن ليلٍ / أتى مسترشدا بكُمُ فتاها
ولما كنتُمُ يومَ التنائي / مَنيَّةَ نفسه كنتم مُناها
أروم لكشف بلواها سواكم / وإن طبيبهَا لمَن ابتلاها
أرِقتُ ونام عن إسعادِ عيني / خليلٌ كان يُسهمُ في كراها
أجاذبه عن الإسعاد كرها / ومن ذا يملِك الودَّ الكراها
وقبلك قد عصبتُ يدي بمولىً / ليُلحمَها فظفَّرَ فانتقاها
رَمى ظهري وقال توقَّ قُدْما / فجاءتني النبالُ ولا أراها
إذا صافحتُه أطبقتُ كفّي / على كفٍّ أناملها مُداها
وبارقة تخايل في عذارى / على الأبصار من وجهي سناها
إذا مطرت بأرضٍ لم تخضِّر / أراكتَها ولم يُخصِب ثراها
نمَى أثرُ النوائب في فؤادي / فأعدَى لِمَّتي حتَّى دهاها
رمى عنها الزمانُ الشيبَ حينا / فلما ملَّ صحبتَها رماها
وكانت ليلة تُخفِي عيوبي / فدلَّ عليَّ طالبَها ضُحاها
إذا اعتبر المجرِّبُ في سِنِيه / تقلُّبَها تيقَّنَ مُنتهاها
حياةُ المرء أنفاسٌ تقضَّى / وإن طالت وأعدادٌ تناهَى
أرى الأيامَ يوماً والأسامِي / عليها مستعارات حُلاها
وفتية ليلةٍ ظلماءَ خاضوا / دجاها بي فكنتُ فتَى سُراها
سمحتُ لهم على غَرَرٍ بنفسٍ / ملبيِّةٍ لأوّل مَن دعاها
رمَوا بظنونهم من ذا أخوهم / على الجُلَّى فما زكنوا سواها
وذي شَعَثٍ نشرتُ له الفيافي / وأدراجَ الطريق وقد طواها
إذا حسِب الرواحَ بعُقرِ دارٍ / وقلتُ نُزولُها عارٌ عداها
ومن كانت له العلياءُ حاجا / وأشعرَ نفسَه صبرا قضاها
حلفتُ بها تنافخُ في بُرَاها / عجيجاً أو تَساوَكُ من وَجاها
تُولِّي الشمسَ أحداقا عِماقا / كقُلبِ الماءِ لو نقعتْ صداها
يلاغطن الحصا والليلُ داجٍ / لُغاطَ الطيرِ باكرنَ المِياها
تَمنَّى العُشْبَ يوما بعد يومٍ / فلا مرعَى لها إلا مِعَاها
نواحل كالقسيِّ معطَّفات / وهم مِثلُ السهام على مَطاها
عليهم كلُّ نذرٍ ما رأوها / بمكّةَ هابطاتٍ أو مِناها
لقد تعِب السحابُ وراءَ أيدي / بني عبد الرحيم فما شآها
كرام عشيرةٍ دعَمتْ بِناها / بعزَّة بيتها وحَمتْ حِماها
تفوَّقَت المكارمَ في ليالي / مرَاضعِها وسادت في صِباها
لهم ولدتْ فأنجبت المعالي / بنينَ ومنهمُ وجدتْ أباها
عتاق الطير أحرار المجالي / إذا حدَثانُ أحسابٍ نفاها
تخالُ درارياً طُبِعت وجوها / إذا كشفوا الموارِن والجِباها
بنو السنوات إن هزلت قِراها / جدوبا سمّنوا كرما قَراها
لهم نارٌ على شَرَفِ المقَارِي / أقرَّ الله عينَيْ مَن رآها
إذا قصر الوقودُ الجزلُ عنها / قبيلَ الصبح مُندِلَ مَوقِداها
تُضيءُ كأنَّها والليلُ داجٍ / تزيَّد من جباههُم جُذَاها
يبيت سميرَ سؤددها عليها / فتىً منهم إذا قَرَّ اصطلاها
يماطل نومَه عن مقلتيه / تطلُّعُ نفسِهِ ضيفاً أتاها
إذا الكوماءُ يُسمنها ربيعٌ / وغَصَّت بالأضالع عرضتاها
وراحت تشرُفُ النَّعمَ استواءً / كأنّ مِلاطَ روميٍّ بناها
رأى الأضيافَ أولى أن يُهينوا / كريمتَها ويهتدموا ذُراها
وقام فأطعم الهنديَّ عَقْرا / أسافلَها ليُطعمَهم عُلاها
ولم يعطِفْه أن عَجَّتْ حنينا / ألائفُها وفُجِّعَ راعياها
فأمست بينهم نُهبَى أكيلٍ / يُدَنِّي فَلذةً منها حواها
إذا ما خافَ من قِدْرٍ عليها / مماطلةً تعجَّلَ فاشتواها
وبات يَسُرُّ نفسا لو عداها / غِنَى الأموالِ موَّلها غِناها
نمَتْ أعراقُها في بيت كسَرى / إلى غَيْناءَ مُحْلَوْلٍ جَناها
ترى مغسولة الأعراض منها / نتائجَ ما تدرَّن من ظُباها
وتحسبها إذا شهِدت طِعانا / بألسنِها منصِّلةً قَناها
حموا خُطَطَ العلا لَسنا وضربا / بأقوال وأسيافٍ نَضاها
وكلُّ فتىً يُتَبِّعُ حاجتيه / مَقَصَّ الذئبِ يعتقبُ الشِّياها
إذا حُسرتْ له لِمَمُ الأعادي / مطأطئةً للَهذمِه فَلاها
ولما طال منبِتها وطالت / تفرَّع من رَواسيها رباها
رأت بمحمدٍ لولا أبوه / شيوخَ المجدِ تابعةً فتاها
تأخَّر في قياد المجد عنها / وخاتَمَها فكان كمن بداها
غلام سادها يَفَعا فأوفى / كما أوفت وقد سادت سواها
له بِدَعُ المكارم لو رآها / لآخرَ قبلَه قلنا حكاها
ولم أر مثلَه طودا زليقا / يُهَزُّ فيُجتنَى مالا وجاها
ولا مجدا أواجهُ منه شخصا / ولا كرما أخاطبه شفاها
كأن الله خيَّره فسوَّى / خلائقَه الحسانَ كما اشتهاها
أبا سعدٍ قدحتُ بمصلِداتٍ / فلما فُضَّ زندُك لي وراها
دعوتُك والطَّريق عليه أفعَى / سليسٌ مسُّها خشِنٌ سَداها
كأنَّ مجرَّها مجرَى سبوحٍ / بلُجِّ أوالَ شَرَّعَ نُوتياها
تمجُّ السمَّ من جوفاءَ خِيلتْ / ثِفالَ الموت هامتُها رَحاها
كأنَّ يمانياً رقَشتْ يداه / حَبيرةَ بردَتيه على قَراها
فما إن زال نصرُك لي زميلا / ورأيُك حاويا حتى رقَاها
وكم لك والقُوَى بيدِي ضِعافٌ / يدٌ عندي مضاعفةٌ قُواها
إذا ما قمتُ أشكرها تثنَّت / فتشغلُ عن مباديها ثِناها
أعيذ علاك من لدَغات عينٍ / لوَ انّ المجدَ أبصرها فقَاها
مسامعُ عِفنَ من جهلٍ قِرَاطي / فعدنَ حصاً تردَّد في لَهاها
لعلَّ الركَبَ أن خلَصوا نجيَّا
لعلَّ الركَبَ أن خلَصوا نجيَّا / يَروْن الحزمَ أن يقِفوا المطيَّا
فإنّ على المشارف من رُسَيْسٍ / هوىً يستنظر السيرَ الوحيَّا
بُلَهنِيَةٌ من الدنيا وظلٌّ / وروضٌ أرضُه يصفُ السمِيِّا
وسارحة تعجِّجُ عن أَداوَى / مواقرَ عفوُها يسعُ العشِيَّا
وكالظبيات أعطافاً عطاشا / إذا ضُمَّتْ وأردافا رُوِيَّا
يناضلن القلوبَ بصائبات / يَرُقْنَ وإن قتلنَ بها الرِميَّا
مكايِدُ إن نجا غَلطاً عليها / سقيمُ هوىً أخذن به البريَّا
أطورُ بهنّ أستجدي ضنينا / وأستعدي على شجوي خليَّا
فيا بأبي وعزَّ أبي فداء / لغيري الحبُّ يُبذَلُ أو إليَّا
نواعمُ من وجوهٍ بين جمع / إلى البطحاءِ رحتُ بها شقيَّا
وشماءُ الغدائر من سُلَيمٍ / يعلِّم عدلُ قامتها القُنِيَّا
تناصعُ عِقدَها الشفّافَ عنقٌ / لها وقصاءُ تنتهب الحلِيَّا
توحَّشُ يومَ تطلب سامريّاً / وتأنس يومَ تجلبُ بابليَّا
إذا استرشفتَ أنقعَ شربتيها / سقتك مصرَّدا وحمتْك ريَّا
تعدُّ الشيبَ نعتا من ذنوبي / فرُدِّي الوصلَ أو عُدِّي سِنِيَّا
وعاب العاذلون بها جنوني / أهان الله أعقلَ عاذليَّا
وهبتُ لخُرقها في الحبِّ حلمي / فمرَّت بي رشيدا أو غوِيَّا
ولم أك في العكوف على هواها / بأوّلِ محسنِ يهوَى مُسِيَّا
ألا يا صاحبي النهضانَ إني / أحبُّك لا الجثومَ ولا العيِيَّا
خليلي أنت ما طالعتَ عزمي / وسراًّ في المطالب لي خفيَّا
عَذِيري منك تزعمني أميرا / عليك وتنتحيني خارجيَّا
تنفِّلني البليِّة والرَّذايا / وتغتصب النشائطَ والصفيَّا
فلا أرنيكَ تسأل بي قريبا / وتسأل إن نأيتُك بي حفيَّا
وكايلَني بغير يدَيْ زماني / فلم أعرف له صاعا سويَّا
أخو وجهين تخبرُه وَقاحا / وتُبصره بظاهره حيِيَّا
وهوباً سالباً وأخاً عدوّاً / بفطرته ومنقادا أبيَّا
فطِنتُ لخُلْقِه فزهدتُ فيه / وبعضُ القوم يحسبني غبيَّا
لحا الله العراقَ وزهرتَيها / حمىً يسترعفُ الأنفَ الحميَّا
بلادٌ ما اشتهت خِصبا ولكن / يكون على العدى مرعىً وبِيَّا
مؤنّثةُ الثرى والماءُ يُعدِي / بحسن طباعها القدرَ الجريَّا
أرى إبلي على الخيرات فيها / تلُسُّ التُّربَ تحسبه النَّصِيَّا
منخّسةً على الأعطانِ طردا / ولا جَرْبَى طُردْنَ ولا سبيَّا
إذا ورَدَ الغرائبُ أقحمتها / على الإقراب خيفتُها العِصيَّا
حماها الوِرْدَ كلُّ بخيلِ قومٍ / يكون بعرضِه فيها سخِيَّا
إذا نسب الفضائلَ من أبيه / ومنه نَزَعن عنه أجنبيَّا
أقوم وصاحبي فأثيرُ عنه / بواركَها البوازلَ والثنِيَّا
فما ندري أثرناها مطايا / نواحلَ أو بريناها قِسِيَّا
فحنَّت أو فقطَّعها صَدَاها / صباحَ الذلِّ إن شرِبت مَرِيَّا
ولاحملت بلادٌ لم تلِقْني / وإيَّاها العهادَ ولا الوليَّا
دعوتُ لها العريبَ ورهطَ كسرَى / فلا القُربَى حمِدتُ ولا القَصِيَّا
ونامتْ نُصرة الأنباطِ عنها / فنبّهتُ الغلام القيصريَّا
فهبَّ فقام يُلقي الضيمَ عنها / كريمَ العُودِ أروَعَ شمَّريَّا
يعارض دونها فيسدُّ عنها / طريقَ البغي أرقمَ عالجيَّا
أصمّ إذا رقَوه عن وداد / عَصَى الحاوين والتقط الرُّقِيَّا
لقد راودْتُ ناشزة الأماني / على رَجُلٍ تكون له هَدِيَّا
تَقِرُّ لديه ساكنةً حشاها / وتألفُ عنده الأمر العَصِيَّا
ورضتُ صِعابَها لجما وخزما / مطيعَ الرأس فيها والعَصِيَّا
فما اختارت سوى المختارِ خِدناً / كفيلا في الصّعاب لها كفيَّا
أهبتُ به فلم أهزُز كَهاما / إلى غرضي ولم أزجر بطيَّا
وكان أخي وقد عرَضتْ هَناتٌ / وفَى فيها وليس أخي وفيَّا
وقام بنصر حُسن الظنّ فيه / مَقاما يُزلق البطلَ الكميَّا
حظيتُ به أثيثَ النبتِ كهلا / بآيةِ يومَ أعرفه فتيَّا
وكنتُ ذخَرتُه لصباحِ يومٍ / فقيرٍ أن أكون به غنيَّا
فما كذَبتْ تباشيرُ ارتيادي / به قِدْما ولا كانت فريَّا
كأني إذ بعثتُ وراءَ حاجي / به أطررتُ نَصلا فارسِيَّا
رعَى سلَفَ المودّة لم يخنها / ولم يك مع تقادمها نسِيَّا
وبات يضمُّها من جانبيها / وذئبُ الغدر يرصدها ضريَّا
وقد عادَ الوفاءُ يُعَدُّ عجزا / وذكرُ العهد ديناً جاهليَّا
وجاهدَ أعزلا وقضى ديونا / يماطلني الزمانُ بها مليَّا
أبا الحسَن انبلجتَ بها شِهابا / على ظلُمات إخواني مُضِيَّا
خبرتُهمُ فكنتُ بهم قليلا / وهم كُثْرٌ فكنتُ بك الثرِيَّا
هُمُ نسَلوا الخوافِيَ القُدامَى / فطرتُ بها أُزيرِقَ مَضرَحيَّا
حططتُ عليك أوساقي وظهري / بهنّ موقَّعٌ عُرّاً وعِيَّا
فكنتُ العَوْدَ لامَتْناً شديدا / عزمتُ به ولا قلبا جريَّا
كأن مآربي بسواك تبغِي / ولاءَ القيظِ يختبطُ الرُّكِيَّا
فلا زالت بك الدنيا تريني / طريقَ إصابتي وضِحاً جليَّا
وتَقسِم من بقائك لي زماني / على نقصانه الحظَّ السنيَّا
متى تتعنّس الدنيا عجوزا / موقَّصةً وتتركهُ صبيَّا
وطارت طائراتُ رِضاي تسرِي / بوصفك رائحاتٍ أو غُدِيَّا
حبائرُ يحسبُ اليمنيُّ منها / يذارعُك الرداءَ العبقريَّا
تسُدُّ مطالعَ البَيضَا عُلُوّاً / وتنفُذُ تحتَ مَغربِها هُوِيَّا
يحدِّث حاضرا عنهنّ بادٍ / ويُطربُ مَشرِقيّ مغرِبيَّا
صوادرُ عن مواردَ صافياتٍ / أبحتُك حوضَها فاشرب هنيَّا
لأقضيَ فيك حقَّ الشكر شيئاً / كما قضَّيتَ حقَّ الودِّ فيَّا

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025