المجموع : 43
إذا ذهب الوفاءُ من الزمانِ
إذا ذهب الوفاءُ من الزمانِ / فكيفَ يُعابُ بالغدرِ الغواني
نسامحُ دهرَنا العاصي علينا / ونطلبُ طاعةَ الحدَق الحِسانِ
ونرجوا الأمنَ حيثُ الأمنُ خوفٌ / ونحن نخافُ في دار الأمانِ
حبيبك من بني هذي الليالي / هما من طينةٍ متصلصلانِ
وما لوناهما إلا وفاقٌ / وإن برزَتْ لعينك صِبغتانِ
تُقلَّب لي صَفاةُ أخي فما لي / نكِرتُ تقلُّبا في غُصن بانِ
وأسلمني الصديقُ أخا وسيفا / فكيف بنصرِ مختضِبِ البنانِ
أرى الإخوانَ حولي مِلءَ عيني / وألقى الحادثاتِ بغير ثاني
وأفتقد الأحبّةَ ثم أرضَى / كِراهاً بالوقوف على المغاني
أقلْني يا زمانُ غِلاطَ ظنّي / بأهلكَ فهو أبرحُ ما دهاني
ظهرتُ بآيتي في غير قومي / ولم أنظرْ بمُعجزها أواني
وإلا فانتقم ما شئتَ منّي / سوى تعريضِ عِرضي للهوانِ
أدال اللهُ من عيني فؤادي / فكم أهوى على خُدَع العِيانِ
أرى صُورا وشاراتٍ حساناً / مصايدَ للطَّماعَةِ والأماني
فأستذرى بظلٍّ لم يسعني / وأستروِي غماما ما سقاني
وذي قلبين قاسٍ يوم أشكو / وآخرَ عندَه بعضُ الليانِ
صبَرتُ على تلوّن شيمتيْه / حَمولا في البعادِ وفي التداني
وأشكر نبذَهُ بالوصل حينا / وأعذِرُ في الجفاءِ إذا جفاني
فأحسَبُ عِطفَه يُثنَى بمدحي / فأغمزُ منه في جَنْبَيْ أَبانِ
توانَى في العكوف عليه حزمي / وكان الحزمُ من قبل التواني
أناسئُهُ الثناءَ ليوم عُسرِي / وكم وجدَ القضاءَ فما قضاني
ألا يا ليتَ شعري عن غريمي / لمن ذَخر القضاءَ إذا لَواني
وكيف يسرُّه بَعدي خليلٌ / إذا هو مَلَّ قربي واجتواني
قد اصطلح الرجالُ على التجافِي / وقد نُسيَ التعاطُفُ والتحَاني
سِوى بيتٍ طنوبُ المجد فيه / مطنَّبةٌ بأسباب مِتانِ
بَنَى عبدُ الرحيم بِهِ فأَرسَى / وشادَ بنوه بانٍ بعدَ باني
إذا غَرَبَتْ به للفضلِ شمسٌ / تمكَّن في المطالعِ فرقدانِ
ولم يك كالوزير ولا أخيه / ولا أخويهما ذخرٌ لقاني
وأشرق من كمال الملك بدر / ليالي تمِّهِ سعدُ القِرانِ
تحالفت العلا وأبو المعالي / إذا الأسماءُ حالفتِ المعاني
تعثَّرت الجيادُ وراء جارٍ / مسلِّمةً له قَصَبَ الرِّهانِ
زليق اللِّبْدِ مقطوع الأواخِي / غضيض السرج مخلوعَ العنانِ
تكفَّلَ بالسياسة ألمعيٌّ / مليٌّ يومَ يَضمن بالضمانِ
إذا خفَقتْ بما ضمِنتْ قلوبٌ / توقَّد في حشاه الخافقانِ
شجاعٌ يومَ يَركبُ للمعالي / وظهرُ الذلِّ من قُعَدِ الجبانِ
أُعينَ الملكُ منه بجنبِ طودٍ / ظليلِ الذيلِ مستَنِّ الرِّعانِ
مضت آراؤه فيه نفاذا / نفاذَ السمْهَرِيّة في الطعانِ
إذا أوت الأمور إليه بانت / محامَاةُ المعين عن المُعانِ
وقال فقال فصلا في زمان / يكون العيُّ فيه من البيانِ
توحّدَ في الكمال فلم يعزَّزْ / بقوّةِ ثالثٍ وبنصرِ ثاني
وصُدِّقَ ما ادَّعى الغالون فيه / فما أحدٌ غلا فيه بجاني
كأنّ حديثَ من يُثنِي عليه / حديثُ القَيْن عن نصلٍ يماني
وزُوّجتِ الوزارةُ من أخيه / ومنهُ بعدُ نِعْم الكافلانِ
إذا قعدا فمجلسُها عرينٌ / يذود الضيمَ عنه ضيغمانِ
وإن قاما إباءً فهي سرحٌ / مُعِرٌّ نام عنه الراعيانِ
يرافدُ ذاك في العزمات هذا / رفادَ السيف أُيِّدَ بالسنانِ
ألا أبلغ كمالَ الملك عنّي / وإن يك حيث يسمع أو يراني
رسالةَ مطلَقٍ في الناس لكن / عليه من القطيعة ذلُّ عاني
حِفاظُك ذاك من ألهاك عنه / وقلبُك بعدَ حبّك لِمْ قَلاني
ومن عَدَّى عوائدَك اللواتي / ترادفُ بين بِكرٍ أو عَوانِ
يواصلني سماحُ يديك منها / بأوسعِ ما تجود به يدانِ
فعاد النقدُ لي منها ضمانا / وصار الإهتمامُ إلى التواني
أُعيذك أن تصيبَك فيَّ عين / وأوخذ في وفائك من أماني
وأن أُنسَى وعندك باعثاتٌ / على حقّي ومُذكِرةٌ بشاني
خوالدُ في الصحائف باقياتٌ / لمجدكُمُ على الحِقَبِ الفَواني
لها سرُّ الصدور إذا حوتها / وفي الآذان إعلانُ الأذان
يزُرنَك يمتطينَ من التهاني / سليس الرأس منقادَ الجِرانِ
إذا سمحَتْ برسم العيدِ جاءتْ / مطالِبةً برسم المِهرَجانِ
بقيتُ لرصفِها فتغنَّموني / بقاء الخمرِ في نِصفِ الدنانِ
وقد كثُر المديحُ وقائلوه / ولكنْ من يسدُّ لكم مكاني
سقَى أيَّامَ رامة بل سقاها
سقَى أيَّامَ رامة بل سقاها / عميقُ الحفر مقتدِحٌ حصاها
أحمُّ كأنَّ أُدْمَ العيس فيه / مرقعة الجِلالِ لمن طلاها
يُسِفُّ يطامِع الخَرقاءَ حتى / تبوِّعَه لتمسحَه يدَاها
إذا زُرَّتْ سحابَتُه أحالت / صَبَا نجدٍ محلَّلةً عُراها
يسيل بمائه وادي أُشَيٍّ / فيُترِعُ فوق كاظمةَ العِضاها
كأنَّ سماءه حنَّت فدرَّتْ / على الأرض اليتيمةِ مِرزَماها
إذا شامت بوارقه سيوفا / ليُغمدَها تراجَعَ فانتضاها
وتأمُرُ باتباع البرق نفسي / فإن أتبعتُه عيني نَهاها
ولم أر قبله حمراءَ خُضْراً / عواقبُها ولا ضرباً أماها
يذكِّرني وللأشواق عيد / ثنايا أمِّ سعدةَ أو لَماها
ألا للهِ يومَ عُكاظَ عينٌ / جلتها نظرة فغدت قذاها
ترى لَعِبَ البِلى بالدار جِدًّا / فيلعب أو يجدّ بها بكاها
وكم بِلَوى الشقيقة ومن فؤادٍ / أسير لو تكلم قال آها
ومن شاكٍ لو استمعت إليه / قِنانُ أبانَ ذاب له صفاها
وطيِّبة الغداةِ تفُتُّ باناً / عقائصُها ومسكا رَيْطَتاها
إذا ما لم يجد فيها معابا / ضرائرها تعلَّل عائباها
أضلّ البينُ فطنتها فحارت / كأمّ الخشفِ ناشدةً طَلاها
تميل على الرِّحالة ميلَ سرجي / تُسِرُّ إليَّ تُفهمني هواها
فألثِمُ في السِّرار تريبتيها / ومن لي لو تكون الأذنُ فاها
أجيرانَ الحمى مَن لابن ليلٍ / أتى مسترشدا بكُمُ فتاها
ولما كنتُمُ يومَ التنائي / مَنيَّةَ نفسه كنتم مُناها
أروم لكشف بلواها سواكم / وإن طبيبهَا لمَن ابتلاها
أرِقتُ ونام عن إسعادِ عيني / خليلٌ كان يُسهمُ في كراها
أجاذبه عن الإسعاد كرها / ومن ذا يملِك الودَّ الكراها
وقبلك قد عصبتُ يدي بمولىً / ليُلحمَها فظفَّرَ فانتقاها
رَمى ظهري وقال توقَّ قُدْما / فجاءتني النبالُ ولا أراها
إذا صافحتُه أطبقتُ كفّي / على كفٍّ أناملها مُداها
وبارقة تخايل في عذارى / على الأبصار من وجهي سناها
إذا مطرت بأرضٍ لم تخضِّر / أراكتَها ولم يُخصِب ثراها
نمَى أثرُ النوائب في فؤادي / فأعدَى لِمَّتي حتَّى دهاها
رمى عنها الزمانُ الشيبَ حينا / فلما ملَّ صحبتَها رماها
وكانت ليلة تُخفِي عيوبي / فدلَّ عليَّ طالبَها ضُحاها
إذا اعتبر المجرِّبُ في سِنِيه / تقلُّبَها تيقَّنَ مُنتهاها
حياةُ المرء أنفاسٌ تقضَّى / وإن طالت وأعدادٌ تناهَى
أرى الأيامَ يوماً والأسامِي / عليها مستعارات حُلاها
وفتية ليلةٍ ظلماءَ خاضوا / دجاها بي فكنتُ فتَى سُراها
سمحتُ لهم على غَرَرٍ بنفسٍ / ملبيِّةٍ لأوّل مَن دعاها
رمَوا بظنونهم من ذا أخوهم / على الجُلَّى فما زكنوا سواها
وذي شَعَثٍ نشرتُ له الفيافي / وأدراجَ الطريق وقد طواها
إذا حسِب الرواحَ بعُقرِ دارٍ / وقلتُ نُزولُها عارٌ عداها
ومن كانت له العلياءُ حاجا / وأشعرَ نفسَه صبرا قضاها
حلفتُ بها تنافخُ في بُرَاها / عجيجاً أو تَساوَكُ من وَجاها
تُولِّي الشمسَ أحداقا عِماقا / كقُلبِ الماءِ لو نقعتْ صداها
يلاغطن الحصا والليلُ داجٍ / لُغاطَ الطيرِ باكرنَ المِياها
تَمنَّى العُشْبَ يوما بعد يومٍ / فلا مرعَى لها إلا مِعَاها
نواحل كالقسيِّ معطَّفات / وهم مِثلُ السهام على مَطاها
عليهم كلُّ نذرٍ ما رأوها / بمكّةَ هابطاتٍ أو مِناها
لقد تعِب السحابُ وراءَ أيدي / بني عبد الرحيم فما شآها
كرام عشيرةٍ دعَمتْ بِناها / بعزَّة بيتها وحَمتْ حِماها
تفوَّقَت المكارمَ في ليالي / مرَاضعِها وسادت في صِباها
لهم ولدتْ فأنجبت المعالي / بنينَ ومنهمُ وجدتْ أباها
عتاق الطير أحرار المجالي / إذا حدَثانُ أحسابٍ نفاها
تخالُ درارياً طُبِعت وجوها / إذا كشفوا الموارِن والجِباها
بنو السنوات إن هزلت قِراها / جدوبا سمّنوا كرما قَراها
لهم نارٌ على شَرَفِ المقَارِي / أقرَّ الله عينَيْ مَن رآها
إذا قصر الوقودُ الجزلُ عنها / قبيلَ الصبح مُندِلَ مَوقِداها
تُضيءُ كأنَّها والليلُ داجٍ / تزيَّد من جباههُم جُذَاها
يبيت سميرَ سؤددها عليها / فتىً منهم إذا قَرَّ اصطلاها
يماطل نومَه عن مقلتيه / تطلُّعُ نفسِهِ ضيفاً أتاها
إذا الكوماءُ يُسمنها ربيعٌ / وغَصَّت بالأضالع عرضتاها
وراحت تشرُفُ النَّعمَ استواءً / كأنّ مِلاطَ روميٍّ بناها
رأى الأضيافَ أولى أن يُهينوا / كريمتَها ويهتدموا ذُراها
وقام فأطعم الهنديَّ عَقْرا / أسافلَها ليُطعمَهم عُلاها
ولم يعطِفْه أن عَجَّتْ حنينا / ألائفُها وفُجِّعَ راعياها
فأمست بينهم نُهبَى أكيلٍ / يُدَنِّي فَلذةً منها حواها
إذا ما خافَ من قِدْرٍ عليها / مماطلةً تعجَّلَ فاشتواها
وبات يَسُرُّ نفسا لو عداها / غِنَى الأموالِ موَّلها غِناها
نمَتْ أعراقُها في بيت كسَرى / إلى غَيْناءَ مُحْلَوْلٍ جَناها
ترى مغسولة الأعراض منها / نتائجَ ما تدرَّن من ظُباها
وتحسبها إذا شهِدت طِعانا / بألسنِها منصِّلةً قَناها
حموا خُطَطَ العلا لَسنا وضربا / بأقوال وأسيافٍ نَضاها
وكلُّ فتىً يُتَبِّعُ حاجتيه / مَقَصَّ الذئبِ يعتقبُ الشِّياها
إذا حُسرتْ له لِمَمُ الأعادي / مطأطئةً للَهذمِه فَلاها
ولما طال منبِتها وطالت / تفرَّع من رَواسيها رباها
رأت بمحمدٍ لولا أبوه / شيوخَ المجدِ تابعةً فتاها
تأخَّر في قياد المجد عنها / وخاتَمَها فكان كمن بداها
غلام سادها يَفَعا فأوفى / كما أوفت وقد سادت سواها
له بِدَعُ المكارم لو رآها / لآخرَ قبلَه قلنا حكاها
ولم أر مثلَه طودا زليقا / يُهَزُّ فيُجتنَى مالا وجاها
ولا مجدا أواجهُ منه شخصا / ولا كرما أخاطبه شفاها
كأن الله خيَّره فسوَّى / خلائقَه الحسانَ كما اشتهاها
أبا سعدٍ قدحتُ بمصلِداتٍ / فلما فُضَّ زندُك لي وراها
دعوتُك والطَّريق عليه أفعَى / سليسٌ مسُّها خشِنٌ سَداها
كأنَّ مجرَّها مجرَى سبوحٍ / بلُجِّ أوالَ شَرَّعَ نُوتياها
تمجُّ السمَّ من جوفاءَ خِيلتْ / ثِفالَ الموت هامتُها رَحاها
كأنَّ يمانياً رقَشتْ يداه / حَبيرةَ بردَتيه على قَراها
فما إن زال نصرُك لي زميلا / ورأيُك حاويا حتى رقَاها
وكم لك والقُوَى بيدِي ضِعافٌ / يدٌ عندي مضاعفةٌ قُواها
إذا ما قمتُ أشكرها تثنَّت / فتشغلُ عن مباديها ثِناها
أعيذ علاك من لدَغات عينٍ / لوَ انّ المجدَ أبصرها فقَاها
مسامعُ عِفنَ من جهلٍ قِرَاطي / فعدنَ حصاً تردَّد في لَهاها
لعلَّ الركَبَ أن خلَصوا نجيَّا
لعلَّ الركَبَ أن خلَصوا نجيَّا / يَروْن الحزمَ أن يقِفوا المطيَّا
فإنّ على المشارف من رُسَيْسٍ / هوىً يستنظر السيرَ الوحيَّا
بُلَهنِيَةٌ من الدنيا وظلٌّ / وروضٌ أرضُه يصفُ السمِيِّا
وسارحة تعجِّجُ عن أَداوَى / مواقرَ عفوُها يسعُ العشِيَّا
وكالظبيات أعطافاً عطاشا / إذا ضُمَّتْ وأردافا رُوِيَّا
يناضلن القلوبَ بصائبات / يَرُقْنَ وإن قتلنَ بها الرِميَّا
مكايِدُ إن نجا غَلطاً عليها / سقيمُ هوىً أخذن به البريَّا
أطورُ بهنّ أستجدي ضنينا / وأستعدي على شجوي خليَّا
فيا بأبي وعزَّ أبي فداء / لغيري الحبُّ يُبذَلُ أو إليَّا
نواعمُ من وجوهٍ بين جمع / إلى البطحاءِ رحتُ بها شقيَّا
وشماءُ الغدائر من سُلَيمٍ / يعلِّم عدلُ قامتها القُنِيَّا
تناصعُ عِقدَها الشفّافَ عنقٌ / لها وقصاءُ تنتهب الحلِيَّا
توحَّشُ يومَ تطلب سامريّاً / وتأنس يومَ تجلبُ بابليَّا
إذا استرشفتَ أنقعَ شربتيها / سقتك مصرَّدا وحمتْك ريَّا
تعدُّ الشيبَ نعتا من ذنوبي / فرُدِّي الوصلَ أو عُدِّي سِنِيَّا
وعاب العاذلون بها جنوني / أهان الله أعقلَ عاذليَّا
وهبتُ لخُرقها في الحبِّ حلمي / فمرَّت بي رشيدا أو غوِيَّا
ولم أك في العكوف على هواها / بأوّلِ محسنِ يهوَى مُسِيَّا
ألا يا صاحبي النهضانَ إني / أحبُّك لا الجثومَ ولا العيِيَّا
خليلي أنت ما طالعتَ عزمي / وسراًّ في المطالب لي خفيَّا
عَذِيري منك تزعمني أميرا / عليك وتنتحيني خارجيَّا
تنفِّلني البليِّة والرَّذايا / وتغتصب النشائطَ والصفيَّا
فلا أرنيكَ تسأل بي قريبا / وتسأل إن نأيتُك بي حفيَّا
وكايلَني بغير يدَيْ زماني / فلم أعرف له صاعا سويَّا
أخو وجهين تخبرُه وَقاحا / وتُبصره بظاهره حيِيَّا
وهوباً سالباً وأخاً عدوّاً / بفطرته ومنقادا أبيَّا
فطِنتُ لخُلْقِه فزهدتُ فيه / وبعضُ القوم يحسبني غبيَّا
لحا الله العراقَ وزهرتَيها / حمىً يسترعفُ الأنفَ الحميَّا
بلادٌ ما اشتهت خِصبا ولكن / يكون على العدى مرعىً وبِيَّا
مؤنّثةُ الثرى والماءُ يُعدِي / بحسن طباعها القدرَ الجريَّا
أرى إبلي على الخيرات فيها / تلُسُّ التُّربَ تحسبه النَّصِيَّا
منخّسةً على الأعطانِ طردا / ولا جَرْبَى طُردْنَ ولا سبيَّا
إذا ورَدَ الغرائبُ أقحمتها / على الإقراب خيفتُها العِصيَّا
حماها الوِرْدَ كلُّ بخيلِ قومٍ / يكون بعرضِه فيها سخِيَّا
إذا نسب الفضائلَ من أبيه / ومنه نَزَعن عنه أجنبيَّا
أقوم وصاحبي فأثيرُ عنه / بواركَها البوازلَ والثنِيَّا
فما ندري أثرناها مطايا / نواحلَ أو بريناها قِسِيَّا
فحنَّت أو فقطَّعها صَدَاها / صباحَ الذلِّ إن شرِبت مَرِيَّا
ولاحملت بلادٌ لم تلِقْني / وإيَّاها العهادَ ولا الوليَّا
دعوتُ لها العريبَ ورهطَ كسرَى / فلا القُربَى حمِدتُ ولا القَصِيَّا
ونامتْ نُصرة الأنباطِ عنها / فنبّهتُ الغلام القيصريَّا
فهبَّ فقام يُلقي الضيمَ عنها / كريمَ العُودِ أروَعَ شمَّريَّا
يعارض دونها فيسدُّ عنها / طريقَ البغي أرقمَ عالجيَّا
أصمّ إذا رقَوه عن وداد / عَصَى الحاوين والتقط الرُّقِيَّا
لقد راودْتُ ناشزة الأماني / على رَجُلٍ تكون له هَدِيَّا
تَقِرُّ لديه ساكنةً حشاها / وتألفُ عنده الأمر العَصِيَّا
ورضتُ صِعابَها لجما وخزما / مطيعَ الرأس فيها والعَصِيَّا
فما اختارت سوى المختارِ خِدناً / كفيلا في الصّعاب لها كفيَّا
أهبتُ به فلم أهزُز كَهاما / إلى غرضي ولم أزجر بطيَّا
وكان أخي وقد عرَضتْ هَناتٌ / وفَى فيها وليس أخي وفيَّا
وقام بنصر حُسن الظنّ فيه / مَقاما يُزلق البطلَ الكميَّا
حظيتُ به أثيثَ النبتِ كهلا / بآيةِ يومَ أعرفه فتيَّا
وكنتُ ذخَرتُه لصباحِ يومٍ / فقيرٍ أن أكون به غنيَّا
فما كذَبتْ تباشيرُ ارتيادي / به قِدْما ولا كانت فريَّا
كأني إذ بعثتُ وراءَ حاجي / به أطررتُ نَصلا فارسِيَّا
رعَى سلَفَ المودّة لم يخنها / ولم يك مع تقادمها نسِيَّا
وبات يضمُّها من جانبيها / وذئبُ الغدر يرصدها ضريَّا
وقد عادَ الوفاءُ يُعَدُّ عجزا / وذكرُ العهد ديناً جاهليَّا
وجاهدَ أعزلا وقضى ديونا / يماطلني الزمانُ بها مليَّا
أبا الحسَن انبلجتَ بها شِهابا / على ظلُمات إخواني مُضِيَّا
خبرتُهمُ فكنتُ بهم قليلا / وهم كُثْرٌ فكنتُ بك الثرِيَّا
هُمُ نسَلوا الخوافِيَ القُدامَى / فطرتُ بها أُزيرِقَ مَضرَحيَّا
حططتُ عليك أوساقي وظهري / بهنّ موقَّعٌ عُرّاً وعِيَّا
فكنتُ العَوْدَ لامَتْناً شديدا / عزمتُ به ولا قلبا جريَّا
كأن مآربي بسواك تبغِي / ولاءَ القيظِ يختبطُ الرُّكِيَّا
فلا زالت بك الدنيا تريني / طريقَ إصابتي وضِحاً جليَّا
وتَقسِم من بقائك لي زماني / على نقصانه الحظَّ السنيَّا
متى تتعنّس الدنيا عجوزا / موقَّصةً وتتركهُ صبيَّا
وطارت طائراتُ رِضاي تسرِي / بوصفك رائحاتٍ أو غُدِيَّا
حبائرُ يحسبُ اليمنيُّ منها / يذارعُك الرداءَ العبقريَّا
تسُدُّ مطالعَ البَيضَا عُلُوّاً / وتنفُذُ تحتَ مَغربِها هُوِيَّا
يحدِّث حاضرا عنهنّ بادٍ / ويُطربُ مَشرِقيّ مغرِبيَّا
صوادرُ عن مواردَ صافياتٍ / أبحتُك حوضَها فاشرب هنيَّا
لأقضيَ فيك حقَّ الشكر شيئاً / كما قضَّيتَ حقَّ الودِّ فيَّا