المجموع : 61
شديدٌ ما أَضَرَّ بها الغرامُ
شديدٌ ما أَضَرَّ بها الغرامُ / وأَضْناها لِشقْوتِها السّقامُ
وما انفروت بصَبْوتها ولكنْ / كذلكم المحبُّ المستهام
تشاكَيْنا الهوى زمناً طويلاً / فأَدْمُعَنا وأدْمُعها سِجام
قريبة ما تذوب على طلول / عَفَتْ حتَّى معالمها رمام
سقى الله الدّيار حياً كمدمعي / لها فيها انسكاب وانسجام
وبات الغيث منهلاًّ عليها / تسيل به الأَباطح والآكام
حبستُ بها المطيَّ فقال صحبي / أَضرَّ بهذه النُّوق المقامُ
وبرَّح بالنّياق نوًى شطونٌ / وأشجانٌ تُراشُ لها سهام
فلا رنداً تشمّ ولا تماماً / وأين الرّند منها والثّمام
مفارقة أحبَّتُها بنجدٍ / عليك الصَّبر يومئذٍ حرام
تقرُّ لأعيُني تلك المغاني / وهاتيك المنازلُ والخيام
إذا ذُكِرَتْ لنا فاضَتْ عيون / وأَضْرَمَ مهجة الصّبِّ الضّرام
لعمرِك يا أُميمَةُ إنَّ طرْفي / على العبرات أَوْقَفَهُ الغرام
أشيمُ البرق يبكيني ابتساماً / وقد يُبكي الشجيَّ الابتسام
تَبَسَّم ضاحكاً فكأَنَّ سُعدى / تزحزح عن ثناياها اللّثام
يلوحُ فيَنْجَلي طَوْراً ويخفى / كما جُلِيَتْ مضاربه الحسام
أما وهواك يمنحني سقامي / ومنك البرءُ أجمَعُ والسّقام
لقد بلغَ الهوى منِّي مُناه / ولم يبلغْ مآرِبَه الملام
على الأَحداق لا بيضٌ حدادٌ / يُشَقُّ بها حشًى ويُقَدُّ هام
سلي السُّمر المثقَّفَةَ العوالي / أتفتكُ مثل ما فتك القوام
أَبيتُ أرعى النجمَ فيه / بطرفٍ لا يلمُّ به منام
يذكّرني حَمامُ الأَيْكِ إلْفاً / ألا لا فارقَ الإِلفَ الحَمامُ
وهاتفةٍ إذا هتفت بشجوي / أقول لها ومثلك لا يلام
فنوحي ما بدا لكِ أن تنوحي / فلا عيبٌ عليك ولا منام
بذلتُ لباخلٍ في الحبّ نفسي / ولَذَّ لي الصبابةُ والهيام
منعتُ رضابه حرصاً عليه / ففاض الريُّ واتَّقد الأُوام
وفي طيِّ الجوانح لو نَشَرْنا / بها المطويَّ طال لنا كلام
أرى الأَيَّام أَوَّلُها عناءٌ / وعقباها إذا انقرَضَتْ أثام
عناءٌ إنْ تأَمَّلها لبيبٌ / وما يشقى بها إلاَّ الكرام
لذاك الأَكرمون تُزادُ عَنها / فتُمنَعُها ويَعطاها اللّئام
نَزَلْنا من جميل أبي جميل / بحيث القصد يُبلغُ المرام
فثَمَّ العروةُ الوثقى وإنَّا / لنا بالعروة الوثقى اعتصام
إذا بَذَلَ النَّدى قالت علاه / لكسْبِ الحَمْد يُدَّخَرُ الحطام
فللأموال فيما يقتنيه / صُدوعٌ ما هنالك والتئام
وعضبٌ صارم الحدَّين ماضٍ / ولا كالصَّارم السَّيفُ الكَهام
إذا نَزَلَ المروع لديه أمسى / يضيم به الخطوب ولا يُضام
جوادٌ لا يجود به زمانٌ / ولا يستنتج الدَّهر العقام
أشيمُ بروقه في كلّ يومٍ / وما كلٌّ بوارقه تُشام
إذا افتَخر الأَنام وكان فيهم / فليس بغيره افتخر الأَنام
وإنْ عُدَّتْ على النسق الأَعالي / فذاك البدء فيه والختام
تيقَّظَ للمكارم والعطايا / وأَعُنُ غيره عنها نيام
مكانُكَ من عرانين المعالي / مكانٌ لا يُنالُ ولا يرام
وما جود الرَّوائح والغوادي / فإنَّ الجودَ جودُك والسَّلام
بنفسي من لدى حربٍ وسِلْمٍ / هو الضرغام والقرم الهمام
تُراعُ به أُلوفٌ وهوَ فَردٌ / وليسَ يَروعُه العَدَدُ اللَّهام
ومن عَظُمتْ له في المجد نفسٌ / أُهِينَتْ عنده الخِطَطُ العظام
لتهدى أُمَّة بك في المعالي / وما ضَلَّتْ وأنتَ لها إمام
كأنَّك في بني الدُّنيا أبوها / وراعٍ أنتَ والدُّنيا سَوام
محلُّك من بلادٍ أنتَ فيها / محلُّ الأَمن والبلد الحرام
لكلٍّ في حِماك له طوافٌ / وتقبيلٌ لكفِّك واستلام
تَعودُ بوجْهك الظَّلماءُ صُبحاً / ويُسْتَسْقى بطلعتِك الغمام
ويُشرقُ من جمالِك كلُّ فجٍّ / كما قد أَشْرَقَ البَدر التّمام
فِداؤك من عَرَفْتَ وأَنتَ تدري / فخيرٌ من حياتهمُ الحِمام
أُناسٌ حاوَلوا ما أنتَ فيه / وما سَلَكوا طريقك واستقاموا
لقد بَخِلوا وجُدْتَ أَنت فينا / كما انهلَّت عَزاليه الرّكام
وما كلٌّ بِمندورٍ ببخلٍ / ولا كلٌّ على بُخلٍ يُلام
تميل بنا بمدحتك القوافي / كما مالتْ بشاربها المدام
ولولا أَنتَ تُنْفِقُها لكانتْ / بوائِرُ لا تُباعُ ولا تُسام
نزورُك سَيِّدي في كلّ عامٍ / إذا ما مرَّ عامٌ جاءَ عام
تُخَبر أَنَّنا ولأنتَ أدرى / صيامٌ منذ وافانا الصِّيام
يشقُّ عليَّ أن تشقى بحبسِ
يشقُّ عليَّ أن تشقى بحبسِ / وأنْ تبقى لرشٍّ أو لكنْسِ
تكبَّلُ بالحديد وكنتُ أخشى / محاذَرَةً عليك من الدمقس
وعزَّ عليَّ أن تبقى بدار / وما يُلفى بها غيرُ الأخسِّ
أتَخْدِمُ كلَّ مبتذَل حقير / إذا ما بيعَ لا يُشرى بفلس
وكنتُ أغار إن رمقتك عينٌ / تلوِّثُ عرض صاحبها برجس
تطوف بك الوجوه الغبر منهم / كما طافت شياطين بإنسي
ولو مُكِّنْتُ مما أشتهيه / خَدَمْتُك دون أصحابي بنفسي
تقول سَلَوْتَني ونَقَضْتَ عهدي / وخُنْتَ مودَّتي ونَسيتَ أُنسي
معاذ الله أن أسلوك يوماً / ويومي في غرامك فوق أمس
تُحدِّثُ عن هواك دموعُ عيني / بألسنةٍ من العبرات خرس
يجول عليك طول اللَّيل فكري / وأُصبِح فيك محزوناً وأُمسي
وأذكرُ ما مضى من طيب عيش / فآكل راحتي وأعضُّ خمسي
فمن غزلٍ يروق لديك مني / ومن نغم يَلَذُّ وشرب كأس
فآهاً ثم آهاً ثم آهاً / على قمرٍ يدير شعاع شمس
فما أغلى ليالينا وأحلى / لقد بيعت لشِقْوَتِنا ببخس
ليالي كانت اللَّذات فيها / وأيَّام لنا أيّام عرس
مَضَتْ تلك السنون وفرّقتنا / حوادث من خطوب الدهر بؤس
رماها من قضاء الله رامٍ / فأنْفَذَ سَهْمَه من غير قوس
ومن لي أن أزورك كلَّ يوم / وأن أسعى على عيني ورأسي
عسى لطفٌ من الرحمن يأتي / ويسعدني بسعدٍ بعد نحس
كما سَعِدَ العراقُ به ولاذَت / برأفته أفاضل كلّ جنس
أرى ما يطمع الراجين فيه / فأطمعُ في نجاتك بعد يأس
سأُفْرِغُ للثناء عليه فكري / وإملاء القريض عليك طرسي
ومنه إليك قد حان التفاتٌ / فأبشِرْ في إزالة كل نكس
فبادر بالدعاء له وأخْلِص / وأنْذِر نَتْفَ لحيةِ كلّ وكس
لقد عَجِبَ الحِسانُ الغيدُ لمَّا
لقد عَجِبَ الحِسانُ الغيدُ لمَّا / رأتْ عنها سُلُوّي واصطباري
وأنِّي لا أميل إلى نديم / يروّيني بكاسات العقار
وإنِّي قد مَدَدْتُ اليوم باعاً / أنال بها الَّذي فوق الدراري
فلا يوم صَبَوْتُ إلى الغواني / ولا يوم خَلَعْتُ بع عذاري
ثكلتك ليس لي في اللهو عذر / وقد لاح المشيب على عذاري
ولست براكب من بعد هذا / جواداً غير مأمون العثار
فنم يا عاذلي بالأمن منِّي / فلم تَر بعد عذْلك واعتذاري
وقل للغيد شأنك والتجافي / وللغزلان أخْذَكِ بالنفار
صَبَوتُ إلى الدمى زمناً طويلاً / وقد أعْرَضْتُ عنها باختياري
وكانت صبوتي قد خامرتني / وها أنا قد صَحَوْتُ من الخمار
وقد هدرت زماناً فاستقرت / وكانت لا تصيخ إلى قرار
لئن ضيّعتُ أيام التصابي / فإنِّي قد حَظيتُ على الوقار
وكيف يجدُّ في طلب الغواني / فتىً قد جدّ في طلب الفخار
يقول ليَ النَّصوحُ هلكْتَ وَجْداً
يقول ليَ النَّصوحُ هلكْتَ وَجْداً / بمنْ تهوى وما كذَب النَّصوحُ
وقال إلى متى تبكي رسوماً / عَفَتْهنَّ الجنوب وكم تنوح
فغضَّ الطَّرف عن طَلَلٍ قديمٍ / فقد أودى بك الطَّرف الطَّموح
تلوحُ لعينِك الدِّمَن البوالي / وقد تخفى وآونةً تلوح
أراعَكَ ما ترى من رسم دارٍ / وطارَ بقلبك البرق اللّموح
فخَفِّضْ من فؤادك حين يبدو / لعينك بارقٌ وتَهُبُّ ريح
وفي الأَطلال ما تشكو إليها / من البلوى ولكنْ لا تبوح
مَحَت آثارها للحيّ نأيٌ / وممَّنْ أَنْتَ تهواه نزوح
كما مُحِيَتْ سطورٌ من كتابٍ / وما يدري لها عندي شروح
وقد راحت ركائب آل ميٍّ / فما راحت وللمشتاق روح
فقلتُ نعم ولي جفنٌ قريح / بعبرته ولي قلبٌ جريح
أروح على منازلها وأغدو / فأَغدو يا هذيم كما أَروح
لئنْ جاد السَّحاب وجادَ طرفي / أَرَيْتُ الدَّهرَ أيَّهما الشَّحيح
فدعني يا هذيم بها لعلِّي / أَموتُ من الغرام وأَستريح
أَدارَ الكأْس صافيةَ المُدامِ
أَدارَ الكأْس صافيةَ المُدامِ / كحيلُ الطَّرْفِ ممشُوقُ القوامِ
وَقَد رَكَضَتْ بأقداح الحميّا / خيولُ الصُّبْح في جنحِ الظَّلام
وأبصر غادةً من آل سام / على الباقين من أولاد حام
ومالت للغروب نجومُ أفق / كما نثر الجمان من النظام
ونحنُ بروضة تَندى فتُبدي / لنا شكران آثار الغمام
وقد أمْلَتْ حمائمُها علينا / من الأوراق آياتِ الغرام
أقمْنا بينَ أفناءِ الأغاني / وما اخترنا المقام بلا مقام
تَلَذُّ لنا القِيان بها سماعاً / إذا اتَّصَلَتْ بمنقطع الكلام
وما رقَصَتْ غصونُ البان إلاَّ / لما سمعَته من لحن الحمام
فمن طربٍ إلى طربٍ توالى / ومن جامٍ سعى في إثر جام
رَضَعْنا من أفاويق الحميّا / وقلْنا لا منعنا بالفطام
نَفُضُّ خِتامَها مِسْكاً ذكيًّا / وكان الدَنُّ مسكيَّ الختام
تحلُّ بها المسرَّةُ حيث حَلَّتْ / ودبَّت بالمفاصل والعظام
عَصَيْنا من نَهى عنها عتوًّا / وفزنا بالمعاصي والأثام
وحرَّمنا الحلالَ على الندامى / وما يغني الحلال عن الحرام
وكم يومٍ تَركنا الزِّقَّ فيه / جريحاً من يد الندمان دامي
وعُجْنا بالكؤوس إلى التصابي / وما عُجْنا لأطلال رِمام
وليلٍ يجمعُ الأحبابَ شملاً / بمن نَهوى شديد الالتحام
وباتَتْ تُسْعِف اللَّذات فيه / ببنتِ الكرم أبناءُ الكرام
فمِنْ وَجهٍ تَقَرُّ به عُيوني / ومن رشفٍ أبُلُّ به أُوامي
فيبعثُ بالسرور إلى فؤادي / ويهدي بالشفاء إلى سقامي
وقد طاب الزمان فلا رقيب / يكدر صَفْوَ عيشي بالملام
وما أهنا شموسَ الراح تترى / وقد أخَذَتْ عن البدر التمام
وغانيةٍ تجود إذا استُميحَتْ / بطيب الوصل بعد الانصرام
فما غَدَرَتْ لمشتاق بعهدٍ / ولا خَفَرَتْ لصبِّ بالذمام
تركتُ العاذلين بها ورائي / وقدَّمتُ السرور بها أمامي
تعير بوجهها الأقمار معنىً / إذا وافتك بارزة اللثام
كأنِّي قد أخَذتُ على الليالي / عهود الأمن من ريب الحمام
ومَن أضحى إلى سلمان يُعزى / وخِدْمَتِه فمحمول السلام
أصَبْتُ بنيله أمَلاً بعيداً / وما طاشت بمرماها سهامي
كأنِّي أستزيد ندى يديه / بشكراني لأيديه الجسام
وكم نِعَمٍ له عندي وأيدٍ / رغمتُ بهنَّ آنافَ اللئام
وصالَحْتُ الخطوبَ على مرادي / وكنتُ عَهِدتُها لَدَّ الخصام
وما انْفَصلتْ عُرى أملٍ وثيقٍ / وفيه تَمسُّكي وبه اعتصامي
مكان تمسكي بالعهد منه / مكان الكف من ظبة الحسام
وسَيَّال اليدين من العطايا / تسيل من العطاء لكل ظامي
إذا ما فاتني التقبيل منها / فليس يفوتني نَوْءُ الغمام
تمام جماله خَلَقٌ رضيٌ / وحَسْبُك منه كالبدر التمام
وتلك خلائقٌ خَلُصَتْ فكانت / نُضاراً لا تُدَنَّسُ بالرغام
فتًى في الناجبين لقد أراني / وقارَ الشَّيخ في سِنِّ الغلام
ركبتُ إليه من أملي جواداً / بعيدَ الخطو جوَّابَ الموامي
فأبْرقَ واستهَلَّ ورحت أروي / سجام القطر عن قطر سجام
كما نَزَلتْ على أرضٍ سماءٌ / تسيل على الأباطح والأكام
فأمسى كلَّ آونةٍ قريضي / يُغَرِّدُ منه تغريد الحمام
أرى مديحي لآل البيت فرضاً / كمفتَرَضِ الصلاة أو الصيام
أئِمة ملَّة الإسلام كلٌّ / يُقالُ له الإمام ابن الأمام
وما شرَفُ الأنام بغير قومٍ / هُمُ مذ كُوّنوا شرَفُ الأنام
أفاضوا بالعطاء لمجتديهم / وللأعداء بالموت الزؤام
وكلٌّ منهمُ ليثٌ هصورٌ / وبحرٌ من بحور الجود طامي
بنفسي سيّداً في كلّ حالٍ / يرى فيها احتشامي واحترامي
ظفِرْتُ به حُساماً ليس ينبو / نُبُوَّ مضارب السَّيف الكهام
وقد يُدعى الكريمُ إلى نوالٍ / كما يُدعى الشجاع إلى صِدام
وعندي في صنائعه قوافٍ / يضيق بهنَّ صدرُ الاكتتام
وشعري في صفات بني عليّ / رُفعتُ به إلى أعلى مقام
سأُطْرِبُ في مديحك كلَّ واعٍ / ولا طربَ الشجيّ المستهام
وأشكرُ منك فضلك ثم أدعو / لوجهك بالبقاء وبالدوام
بَقِيتَ أبا الثَّناء مدى اللَّيالي
بَقِيتَ أبا الثَّناء مدى اللَّيالي / على الدَّاعي لكم خضل اليدين
يحولُ نداك ما بين الرَّزايا / إذا هَطَلَتْ يداك به وبيني
تواعدني بك الآمال وعداً / رأيت نجازه من غير مين
تجود على محبّك كلّ عام / بلبس عباءة وتقرّ عيني
حَباكَ الله منه بالشِّفاء
حَباكَ الله منه بالشِّفاء / ومَتَّعَك المهيمنُ بالبَقاء
فيا بحر النَّوال ولا أماري / ويا بَدرَ الكمال ولا أُرائي
حياتُك في الوجود أبا جميل / حياةٌ للمروءة والسَّخاء
وفي وجدانك الأَيَّام تزهو / كما تزهو الرِّياض من البهاء
لتشرق في أسِرَّتك النَّواحي / ولا يبقى الظَّلام مع الضياء
وأدعو الله مبتهلاً إليه / دعاءً في الصَّباح وبالمساء
بأنْ يُبقيكَ للإِسْلام ظِلاًّ / تَقيه كلَّ ممتنع الوقاء
فلا اعْتَلَّتْ لعِلَّتك المعالي / ولا فَقَدَتْك أَبناءُ الرَّجاء
دواءٌ للعلى من كلّ داءٍ / فلا احتاج الدواءُ إلى الدواء
أَراني والخطوبُ إذا أَلَمَّتْ
أَراني والخطوبُ إذا أَلَمَّتْ / رَحبْتُ إلى جميلِ أبي جميلِ
كأَنَّ الله وَكَّلَهُ برزقي / وحوَّلَني على نِعْمَ الوكيلِ
وعدلٍ ما قضى في الحبِّ يوماً
وعدلٍ ما قضى في الحبِّ يوماً / على عشّاقه إلاَّ بظُلْمِ
فَهِمْتُ بأنَّه قمرٌ منيرٌ / ولكنْ قد تحيَّرَ فيه فهمي
أرى القاضي يشاركُ كلَّ حيٍّ
أرى القاضي يشاركُ كلَّ حيٍّ / وليسَ المَيْتُ ينجو مِنْ يَدَيْهِ
وأُقْسِمُ إنَّه لو مات أيرٌ / تَوَرَّثَ منه إحْدى خِصْيَتَيهِ
أرى هذي النياقَ لها حنينٌ
أرى هذي النياقَ لها حنينٌ / إلى إلْفٍ لها ولها رُغاءُ
وأجفانٌ بِعَبْرَتها رواءٌ / وأحشاءٌ بزفرتها ظِماء
وأنَّ بها من الأَشجانِ داءً / أعندك يا هذيم لها دواء
حدا منها بها للشَّوق حادٍ / وفاز بها بعد التوقّص والنجاء
أراها والغرام قد ابْتلاها / بلى إنَّ الغرامَ هو البلاء
أراعَ فؤادَها بَيْنٌ وإلاّ / فما هذا التَّلَهُّفُ والبكاء
وهل أودى بها يوماً وقوف / على رسمٍ ومرتبع خلاء
فذرها والصَّبابة حيث شاءت / أليس الوجد يفعل ما يشاء
تَحِنُّ إلى منازلها بسلع / عَفَتْها الهوجُ والريح العفاء
وقوم أحسنوا الحسنى إليها / ولكنْ بعد ذلك قد أساؤا
نأَوْا عنها فكان لها التفاتٌ / إليهم تارةً ولها انثناء
وظَنَّتْ أَنَّهم يَدنونَ منها / فخابَ الظَّنُّ وانْقطع الرَّجاء
سَأَلتُك عن منازلنا بنجدٍ
سَأَلتُك عن منازلنا بنجدٍ / وهاتيك الأَرجاء والبطاح
أَروَّاها الغمامُ الجون حتَّى / سقى ما حولهنَّ من النَّواحي
وهل نَبَتَ الثّمام أو الخزامى / فَعَطَّر فيه أنفاس الرياح
وهل لطم الشقيق بها خدوداً / مضَرّجة على ضحك الأَقاحي
وهل خَطَبَتْ على الأَثلاثِ منه / حمائِمُها بأَلْسِنَةٍ فِصاح
وكيفَ عَهِدْتُ أقواماً مرامي / لديهم أَنْ أراهم واقتراحي
وهل ذكرت نداماي الأوالي / غبوقي في رباها واصطباحي
منازل صَبْوَتي وديار وجدي / ومنشأ لوعتي ومدى رواحي
لقد كادَ الفؤاد يطيرُ شوقاً / إليها يا هذيم بلا جناح
ألا مَنْ مُبلغٌ عنِّي نقيباً
ألا مَنْ مُبلغٌ عنِّي نقيباً / يَسودُ النَّاس في شَرَفٍ ودينِ
بأنَّا ما بَرِحْنا في سُرورٍ / تلاحظنا العنايةُ بالعيون
ولمَّا أنْ أَتيْنا الوقْفَ صبحاً / حَلَلْنا في مَحلّ أبي أمين
فكان مكانه جنَّات عدنٍ / وقد قيل المكانة بالمكين
وأوْسَعَنا من الإِكرام برًّا / وكنَّا من نداه على يقين
نَزَلْنا يا أبا سلمان منه / بقيتَ الدَّهرَ في حصنٍ حصين
أُسامِرُ من أُحِبُّ ولا أُداري / رقيباً يتَّقيه ويتَّقيني
لنا ما نشتهي من كلِّ شيءٍ / يروق إلى المسامع والعيون
ولكن الصّيام أتَى عَلَيْنا / فصُمْنا في الحنين وفي الأَنين
وهنداوِكُم قد صامَ أيضاً / وأَصبحَ عاقلاً بعد الجنون
فهل تَدري بنا مولاي أنَّا / قَهَرْنا جُنْدَ إبليسَ اللَّعين
بطاعة أمرك السَّامي أراه / تَمَسَّكَ منه بالحبل المتين
وسلمانُ الأَشمُّ سَلِمْتَ أضْحى / وفوزي منه تقبيل اليمين
فكَمْ من مِنَّةٍ قُلِّدتُ منه / كما قُلِّدْتُ بالعقد الثمين
سيخطبُ في مدائحه قصيدي / كما خَطَبَ الحَمام على الغصون
وأذكرُهُ وأَشكرُهُ وأُثني / عليه الخير حيناً بعد حين
فلا منعت من الدُّنيا مجاني / مكارمه على مَرِّ السِّنين
ولا فارقتُ منه هاشميًّا / حليف الجود وضَّاح الجبين
أحَلَّتْني مكارمُه مكاناً / أراني النجمَ في الآفاق دوني
فليسَ البرُّ إلاَّ برَّ حُرٍّ / يصونُ المجد بالمال المهين
فلا تَربَتْ يدُ العافين منه / ولا خابَتْ بطلعَتِهِ ظنوني
شَفَيْتَ بطردِ صالحِ كلّ صدرٍ
شَفَيْتَ بطردِ صالحِ كلّ صدرٍ / ولم تَبْرَحْ شِفاءً للصدورِ
وطهَّرْتَ الشَّريعة من دنيٍّ / يبيعُ الدِّين في فلسٍ صغيرِ
مطامعُ نفسِه قد صَيَّرَتْهُ / كما تدري إلى بئس المصير
ويشكو فَقره للنَّاس طرًّا / وما هو وربّك بالفقير
تعاطى من تجاسُرِه أُموراً / يَسُرُّ عِداك في تلك الأُمور
ويبطِشُ بطشَ جبَّار على أنْ / له جأشٌ يَفِرُّ من الصفير
فكيفَ يلينُ مولانا لخصمٍ / أشَدَّ عليك من صُمِّ الصّخور
عقورٍ إنْ ذُكِرْتَ له بغيبٍ / له الويلات من كلْبٍ عقور
ومن يك ذاته نَجِساً خبيثاً / متى يلقاك في قلب طهور
فلو يُرمى بلجّ البحر يوماً / لنَجَّسَ شيبُه ماءَ البحور
نظرتَ إليه في عيني رحيمٍ / صفوحٍ عن جنايته غفور
وأَحْيَيْتَ اسمَه من بعد موتٍ / وكانَ يُعَدُّ من أهل القبور
فعاد لما نُهي عنه وأمسى / على تلك السَّفاهة والفجور
يظنُّ لجهله من غير علمٍ / بأنَّك غير مُطَّلعٍ خبير
ولك يتحمَّل الإِكرام حتَّى / رماه لؤمه في قعرِ بير
يطيش إذا الْتَفَتَّ إليه طيشاً / ولا ربَّ الخورنق والسَّدير
فلو طالت يداه عليك يوماً / أراك الحتفَ ذو الباع القصير
وإنَّ سَماعَك الأَخبارَ عنه / وإنْ كَثُرتْ قَليلٌ من كَثير
وكدَّرَ كلّ من يهواك منَّا / وكنَّا قبلُ كالماء النَّمير
ولا ترضى الحميرُ به إذا ما / نَسَبْناه إلى جنس الحمير
أَزَلْتَ وجودَه فغَنِمتَ أجراً / كأعظم ما يكون من الأُجور
فأنتَ فُدِيتَ للإِسلام حصنٌ / وسُورٌ للشريعة أَيُّ سور
تحامي عن شريعة دين طه / بماضيها محاماة الغيور
مَحَوْتَ بسَيف سَطوتك الفَسادا
مَحَوْتَ بسَيف سَطوتك الفَسادا / بحكْمٍ قَد أَرَحْتَ به العبادا
دَخَلْتَ البصرة الفيحاءَ صُبحاً / ونارُ الشّرِّ تَتَّقِدُ اتّقادا
وقد عَبَثَتْ يدُ الأَشرار فيها / وطالَ فسادهم فيها وزادا
لقد حَكَمَتْ بها جُهَّال قومٍ / يَرَوْنَ الغيَّ يومئذٍ رشادا
عَمُوا عمَّا بَصُرْتَ به وصَمُّوا / فما بلغوا بما صنعوا مرادا
فلو عُرِضَ الصَّوابُ إذَنْ عليهم / بحالٍ أَعْرَضوا عنه عنادا
وهل تثِقُ النفوسُ بعين راءٍ / يرى لونَ البياض بها سوادا
تفاوَتَتِ العُقول بما نراه / مَداركُها قياساً واطّرادا
ومن حقّ الرّئاسة أنْ نراها / لأَورى النَّاس إنْ قَدَحَتْ زنادا
وأَعلاها لدى الآراء رأياً / وأرفعها وأطولها عمادا
خطوبٌ ما مضى منهنَّ خطبٌ / بطارقِ ليلةٍ إلاَّ وعادا
وكم هَدَرَتْ دماءٌ من أُناسٍ / وأموالٌ لهم نَفِدَت نفادا
بحيثُ الأَشقياء استضعفتهم / وَقدْ طال الشقا وقد تمادى
ولمَّا ساءَت الأَحوال فيهم / ولا نَفَعَ الحِفاظُ ولا أفادا
ولم يُرَ مَنْ يُسَدُّ به خِلالٌ / إذا ما أَعْوَزَ الأَمر السدادا
وباتَ النَّاس في وَجَلٍ عظيم / يُريعُ السَّمعَ منه والفؤادا
دُعيتَ لكشفِ هذا الضرّ عنها / ولا يُدعى سواك ولا يُنادى
ومنذُ قَدِمْتَ مدعوًّا إليها / أَرَحْتَ بما قَدِمْتَ به العبادا
عَلِمْنا أنَّ رأيَك فلْسفيٌّ / وأنَّك تَكشِفُ الكُرَبَ الشدادا
وتَنْظُرُ بالفَراسة مِن يقينٍ / فَتَنْتَقِدُ الرِّجالَ بها انتقادا
وما قَلَّدتهم بالرأي منهم / وَلَمْ تحكُم لهم إلاَّ اجتهادا
لقد أَخمدْتَ نيراناً تَلَظَّى / وتلك النار قد أمستْ رمادا
وقَرَّتْ أعيُنٌ لولاك باتَتْ / على وَجَلٍ ولم تذق الرقادا
جُزِيتُم آل راشد كلَّ خيرٍ / ففيكُمْ تعرِفُ النَّاس الرشادا
لكم صَدْرُ الرئاسة في المعالي / وأَنتُمْ في بني العليا فُرادى
تدين لك الأَقاصي والأَداني / وتنقادُ الأُمور لك انقيادا
وقُدْتَ صِعابها ذُلُلاً وكانتْ / على الأَيَّام تأبى أنْ تقادا
لقد فازَ المشيرُ بك اتّكالاً / عَلَيْك بما يُؤَمّل واعتمادا
أتانا عَنْكَ مَولانا البَشيرُ
أتانا عَنْكَ مَولانا البَشيرُ / فَبَشَّرَنا بما فيه السُّرورُ
ورُحْنا تَسْتَقِرُّ لنا قلوبٌ / بما فَرِحَتْ وتَنْشَرِح الصدور
تَقلَّدْتَ القَضاء ورُبَّ عِقْدٍ / تُزَيِّنه الترائِبُ والنحور
وأَمضى ما يكونُ السَّيفُ حدًّا / إذا ما استَلَّهُ البطل الجسور
تضيء البصرة الفيحاء نوراً / بأَحْمَدَ وهو في الفيحاء نورُ
إذا نازلتَه نازَلْتَ صِلاًّ / يروعُ الصّلَّ منه ويستجير
وإنْ نَزَلَتْ بمنزلِهِ ضيوفٌ / فقد شَقِيَتْ بمنزله الجُزور
إذا ما جِئْتَهُ يوماً ستلقى / ضيوفاً نحو ساحته تسير
ألا يا ساكني الفيحاءَ إنِّي / لكمْ من قَبلها عَبدٌ شكور
ليهْنِكُمُ من الأَنصار قاضٍ / لدين الله في الدُّنيا نصير
فهل عَلِمَ النقيبُ بأنَّ شوقي / إليه دُون أُسْرَتِهِ كثير
وهل يقِفُ الكتاب على أخيه / فيعلَمُ ما تضَمَّنَتِ السُّطور
هما قمرا سماوات المعالي / إذا ما يأْفُلُ القمر المنير
ومقصوصِ الجناح لو فؤادٌ / يكاد إلى معاليكم يطير
فلا خبرٌ ليوصله إليكم / على عَجَلٍ ولا أحدٌ يسير
يعالجُ في الجوى دمعاً طليقاً / يذوبُ لصَوْبهْ قلبٌ أَسير
ومن لي أنْ تكون بنو زهير / أَحبَّائي ولي فيهم سميرُ
إذا هَبَّ النَّسيمُ أقولُ هذي / شمائله اللَّطيفةُ والبخور
تَوَلَّى قاضياً فيكم وَوَلَّى / وفي أعقابهِ ظلمٌ وزُورُ
عَدُوّكم القضاة الصُّفْرُ تتلو / وشَرَّ الأَصْفَرين هو الأَخير
إذا ما مال نحو الحقّ يوماً / أمالته الوَساوِسُ إذ يجور
وكم في النَّاس من شيخ كبير / عليه ينزل اللَّعْن الكبير
تَمَلُّ حياتَهُ الأَحياءُ منَّا / وتكرهه الحفائر والقبور
قليل من سجاياه المخازي / وجزءٌ من خلائقه الفجور
طَوَيْتُ به الكتابَ وثَمَّ طيٌّ / يفوحُ المسكُ منه والعبير
بدا وَرَنْت لواحظُه دَلالا
بدا وَرَنْت لواحظُه دَلالا / فما أبهى الغزالةَ والغزالا
وأسْفَرَ عن سنا قمرٍ منيرٍ / ولكنْ قدْ وَجَدْتُ به الضلالا
صقيلُ الخَدِّ أبْصَرَ من رآه / سوادُ العين فيه فخال خالا
وممنوع الوصال إذا تبدى / وجدت له من الألفاظ لالا
عجبتُ لثغره البسام أبدى / لنا دُرًّا وقد سكن الزلالا
شهدتُ بشهد ريقته لأنِّي / رأيتُ على سوالفه نمالا
فيا عجباً لحسن قد حواه / وقد أهدى إلى قلبي الوبالا
سأشكو الحبَّ ما بَقِيَتْ حياتي / وأشكرُ من صنائعه الجمالا
ألا يا سيّد العلماء طرًّا
ألا يا سيّد العلماء طرًّا / ورَبَّ الجود والمجدِ الأثيلِ
ويا حُلْوَ المذاقة يومَ يُفتي / بجود الطبع والفعل الجميلِ
أضَرَّ بنا فَدَتْك النَّفس جوع / ويعجبنا مربّى الزنجفيل
وأذهَلَنا إليه اليومَ شوقٌ / فكِدْنا أن نصيرَ بلا عقول
ومثلُكَ من يجودُ بما لديه / ويسخو بالكثير من القليل
أما والعَينُ تُبكيها طُلولٌ
أما والعَينُ تُبكيها طُلولٌ / لِمَن تهوى وتُدميها شؤونُ
ألِيَّةَ مغرمٍ يبدي سُلُوًّا / وفي أحشائه الوجد الكمين
يكتِّمُ سِرَّه بالصَّبر حتَّى / يَبوح بِسرِّه الدَّمع الهتون
يطيع غرامه دمعٌ كريمٌ / ويعصي أمْرَهُ صَبْرٌ ضنين
يقول إذا ذكرتُ له عذولاً / له دين وللعشاق دين
لقد فتكت بي الأحداق حتَّى / جُنِنْتُ وما الهوى إلاَّ جنون
وما يُدريك ما طَعَنتْ قدود / مهفهفةٌ وما فتكت عيون
فذا منها وما قَتَلَتْ قتيل / وذا منها وما طَعَنَتْ طعين
ألينُ وأشتكي منها فتقسو / فكم تقسو عليَّ وكم ألين
وإنَّ الظاعنين وإنْ تناءت / عليها لي وإن نزحت ديون
وللمستغرمين بعينِ نجدٍ / غداة البين إذ خَفَّ القطين
قلوبٌ عند كاظمةٍ رهون / وما قُبِضَتْ إذَنْ تلك الرهون
فلا صبرٌ على نأيٍ مقيمٌ / ولا دَمعٌ على سرٍّ أمين
بِروحِكِ يا سُلَيمى ما لِقلبي
بِروحِكِ يا سُلَيمى ما لِقلبي / لهُ في كلِّ آوِنَةٍ خُفوقُ
ولا سيما إذا هبَّت شمالٌ / به أو أوْمَضت منه البروق
أمِنْكِ الوَجْدُ قيَّدني بقَيْدٍ / فَرُحْتُ ودمع أجفاني طليق
نَهَضْتُ بعبء حُبِّك يا سُلَيمى / وإن حَمَّلْتِني ما لا أطيق
ويملكني هواكِ وكلُّ حرٍّ / لمن يهواه يا سَلمى رقيق
وأعْجَبُ ما أرى أنّي غريقٌ / بدمع منه في قلبي حريق
وما فَرَّقْتُ شمل الدَّمع إلاَّ / غداةَ البين إذ ظعن الفريق
أُريقُ دَمَ العيون غداةَ سارت / ركائبهم وأيُّ دمٍ أُريق
فهل طيفٌ يلمُّ بنا طروقاً / فَيَمْرَحُ عندنا الطيْف الطروق
وهل نزل الحيا بالوبل ليلاً / بها واعشوشب الروض الأنيق
وهل ضَحِكَ الأقاح على رباها / وخضَّبَ خدَّه فيها الشقيق
فَقد مَرَّتْ لنا فيها ليالٍ / نشاوى بالمدام فلا نفيق