المجموع : 33
متى نرجو لغُمتّنا انكسَافاً
متى نرجو لغُمتّنا انكسَافاً / وقد أمسى الشقاق لنا مَطافا
ملأنا الجوّ بالجدل اصطخاباً / وكنّا قبلُ نملؤه هُتافاً
وما زلنا نَهيم بكلّ وادٍ / من الأقوال نُرسلها جُزافا
ونُرجف في البلاد بكل رُعبٍ / يهُزّ فرائص الأمن ارتجافا
ونتّهم الحكومة باعتسافٍ / ونحن أشدّ ظلماً واعتسافا
وكم من ناعب في القوم يدعو / بوَشك البين تحسبه الغدافا
تباكينا على الوطن اختداعاً / فأنبتنا بأدمعنا الخلافا
أجاعتنا المطامع فاختلفنا / لنملأ في موائدنا الصِحافا
ولكنّا من الوطن المُفدى / نَخيط على مطامعنا غلافا
أرى أنف الحوادث مشمخرّاً / غداً يتشمّم الحدث الجُرافا
ويُوشِك أن يُمزّق منخرَيه / عطاس يملأ الدنيا رُعافا
فهل لوزارة الغازي اقتدار / تردّ به الهزاهز والنِقافا
أقول ولو يَسوء القومَ قولي / بياناً للحقيقة واعترافا
قد اختلف البريّة واختلفنا / فكنّا نحن أسوأها اختلافا
فلا تغُررك أحزاب شداد / بأنّ لهم أقاويلاً لِطافا
فإن بواطن القوم احتراص / وإن أبدت ظواهرهم عَفافا
وما اختلفوا لمصلحة ولكن / ليأكل أقوياؤهم الضعافا
هو الدينار مُنية كل راج / وبغية كل من دَأب احترافا
نحِجّ لأجله بيت المخازي / ونكثر حول كعبته الطوافا
ترى كل الأنام به سُكارى / وغيرَ هواه ما ارتشفوا سلافا
فحبّ سواه في الأفواه جارٍ / ولكن حبّه بلغ الشغافا
هو الحرب التي زحفت إليها / كتائب كل من طلب الزحافا
وكم قد رَنّ في أمل مُخاف / فأمن صوته الأمل المُخافا
إذا خطب الوضيعُ به المعالي / أقام له بنو الشرف الزِفافا
أرى الأحزاب من طمع وحِرص / قد اخترقوا إلى الفتن السجافا
يُجانف بعضهم في الرأي بعضاً / وبئس الرأي ما التزم الجنافا
لئن خطَأت من راموا اتحاداً / فما صَوّبت من راموا ائتلافا
فإن مشارب العُدوان منها / كلا الحزبين يرتشف ارتشافا
وهم كأُولي الديانة كل حزب / يراه أحقّ بالحق اتصافا
وماذا نفع أقوال سِمان / إذا أفعالهم كانت عِجافا
وأنّى يُصلح الأوطان قوم / بها أشتى تدابُرهم وصافا
فكُن منهم على طرف بعيداً / وحاذر أن تكون لهم مُضافا
فهم كالبحر يهلك راكبوه / ويسلم منه من لزم الضفافا
أرى الأتراك في دار الخلافه
أرى الأتراك في دار الخلافه / تمادَوا في الخصومة والسخافه
غَدْوا يتطاعنون بكل هُجر / من القول المخالف الصحافه
فما عمِلت رماح الخَط فيهم / كما عملته أقلام الصحافه
ترى كلاً تهيّأ للترامي / وشمّر عن سواعده لحِافه
وأترع كفّه حَمَأ نَتيناً / ليلطخ وجه من يُبدي خلافه
تراهم مُزبدين لهم شُدوق / كشِدقّيْ حالبٍ النُشافه
لهم صخب كعربدة السكارى / وقد شِربوا المطامع كالسُلافه
على حين العدوّ بهم محيط / يُذيقهم المَذَلّة والمَخافه
سفينة ملكهم فيها خُروق / وهم لا يُحسِنون لها القِلافه
وقد وقفت بُدر دُورٍ شديد / ولم تأمن من الموج انقذافه
وليس لها هنالك من عريف / يُقَوّمها بسُكّان العَرافه
عجبت لهم إذِ اختلفوا بمُلك / يكون الاختلاف عليه آفه
كأنّي إِذ أراهم في احتراب / بمُلك يطلب الغرب انتسافه
أرى كَبشَين ينتطحان جهلاً / لدى الجزار في دار الضيافه
خصام يضحك السُفهاءُ منه / ويبكي منه أرباب الحَصافه
وإن تدابُر الأقوام شيءٌ / يؤول إلى الندامة والأسافه
سَميّ المصطفى لا زلت تعلو
سَميّ المصطفى لا زلت تعلو / إلى أوْج يطاول كل أوج
فدُر كالشمس في فلك المعالي / وحُلّ من الكمال بكل برج
نُصرت على بني يونان نصراً / أقام الغرب في هَرْج ومَرْج
وأطلع في سماء الشرق شمساً / تُفيض عليه أنوار الترجّي
فسَرّ المخلصين كل حر / وساء الخائنين وكل سمج
وما اليونان كفؤك في نزال / وإن ملؤوا السهول وكل فَجّ
ولكن قد غلبت جيوش قوم / أذلّوُا بالبوارج كلّ لج
تركت جيوشهم من فَرط رُعب / تُعاهد للهزيمة كل نهج
إذا ذكروا سُماك ولو مَناماً / تحامَوْا ذكره بسوى التهجّي
لئلا يسمعوه فيعتريهم / ضَنى داءَين من شَلَل وفَلج
هم اليونان أْلأم كل قوم / وأخْوَف في الوغى من فرخ قَبج
أرَقَ سجية منهم وأرقى / حمير الوحش سارحةً بمَرج
فلا تَغرُرك أوجههم بياضاً / فإن طباعهم كطباع زنج
وجوه قد حكَيْن الثلج لوناً / ولكن فاتهنّ نَقاء ثلج
فيا أمضى الورى رأياً وسيفاً / وأعرَفَهم بمَصعَد كل أوج
لقد أنقذت من إزمير خَوْداً / تسام الخسف في يد كل عِلج
وقمت على البلاد مقام عيسى / على مَرضاه من عُميٍ وعُرج
فعالجت الفُتوق بحسن رَتق / ولازمت الخروق بحسن نسج
ورُحت إلى التجدُّد في المعالي / تقود الناهضين بها وتُزجي
وتخطب في الجموع بيوم حَفل / كما خطب النبيّ بيوم حَج
وتأتيك الوُفود من الأقاصي / لتسمع قول مِدْرَهِها المِثَجّ
فَقْودك للعقول بيوم سلم / كقودك للجيوش بيوم هَيج
لقد جدّدت للأوطان عهداً / تُجاري فيه أوطان الفرنج
لتبتدر الشعوب إلى المعالي / وتبلغ ما تريد وما تُرجي
وتَنهج منهج العُمران فيما / بها للناس من دَخْل وخَرج
وأنت اليوم حارسها المفدَّى / تَحُوط أُمورها من كل هَرْج
وتَبتدِر المُلِمَ إذا عراها / فتَعْرَوْري الجواد بغير سرج
إذا ذُكر الهُبوط فأنت مُعلٍ / وإن خِيف الحُبوط فأنت منج
وتشرب أنت كأس المجد صِرفاً / ويشربها سواؤك ذات مَزج
لنا مَلك وليس له رعايا
لنا مَلك وليس له رعايا / وأوطان وليس لها حدود
وأجناد وليس لهم سلاح / ومملكة وليس بها نقود
أيكفينا من الدَولات أنّا / تُعلَّق في الديار لنا البُنود
وأنا بعد ذلك في افتقار / إلى ما الأجنبيّ به يجود
تجوز سيادة الهنديّ فينا / وأما ابن البلاد فلا يسود
إذن فالهند أشرف من بلادي / وأشرف من بني قومي الهنود
وكم عند الحكومة من رجال / تراهم سادة وهم العبيد
كلاب للأجانب هم ولكن / على أبناء جِلدتهم أسود
وليس الإنكليز بُمنقذينا / وإن كُتبت لنا منهم عهود
متى شَفِق القويّ على ضعيف / وكيف يعاهد الخِرفانَ سِيد
ولكن نحن في يدهم إسارى / وما كتبوه من عهدٍ قيود
أما والله لو كنا قروداً / لما رضَيت قرابتنا القرود
أطالوا الحرب طاحنة زَبونا
أطالوا الحرب طاحنة زَبونا / فعدُّوا بالشهور لها السنينا
وقد زحفت لهم فيها جيوش / تجاوزت الألوف مع المئينا
لقد خربوا البلاد ودوّخوها / وجُنّوا في تناحُرهم جنونا
ولم تُرِد الشعوب لها اتّقاداً / فأوقد نارها المترئّسونا
أولاك هم الجُناة بها علينا / أولاك هم البُغاة الطامعونا
إذا ذكر الورى جشعاً وحرصاً / ف شرشل أكبر المتجشّعينا
وما رزفلت فيها غير جانٍ / يزوّر في إطالتها المُيونا
أعان على الهياج وقال حِيدي / حَيادِ فأعجب المتكذّبينا
فما دعواه في الحَيَدان إلا / كدعوى العفّةِ المتهتّكونا
كذلك ساسة الأقوام فيما / به من أمرهم يتقوّلونا
خِداع لا يراه ذووه شَيْناً / ولا يُمسي به أحد مَشِينا
بسنغافورة اليابان شبُّوا / على أعدائهم حرباً طَحونا
لهم فيها طوائر صاعقات / لها قصف تدكّ به الحصونا
رواعد تملأ رُعباً / وترسل في تهزُّمها المنونا
تزلزلت الحصون بها وكانت / تطاول في مناعتها القرونا
حصون تستخفّ بكلّ طَوْدٍ / وتستعشي برؤيتها العيونا
لقد سكتت مدافعها وجوماً / لجيش حلّ مَرصَفها الحصينا
على بحر بلُجّته أقاموا / لفلق البحر من نار كُرينا
وقد بثُّوا البوارج فاسبَطَّرت / تجول به فوارد أو ثُبينا
ترى الحيان فيه قد اشرأبّت / تردّد فوقه نظراً شَفونا
وتطفو تارةً وتغوص أخرى / وتُبدي من تماقُلها فنونا
وتضرب بالزعانف جانبَيْها / فتنقلب الظهور بها بطونا
بحيث يقول من يرنو إليها / لعلّ بهنّ صرعاً أو جنونا
وبحر الهند أصبح في اضطراب / يرجّم في عواقبه الظنونا
أيُفتَح بابه فيكون حرّاً / لمن يُزجي بلجّته السفينا
ويُمسي الهند عندئذ طليقاً / من الأسر الذي قطع الوَتينا
فبشرى للبلاد إذن وبشرى / لمصر و العراق بما هوينا
فسوف تكفّ عنهن الليالي / مطامع ساسة متحكمينا
هنالك حفرة الأطماع يُمسي / خِداع الانكليز بها دفينا
وتحتدم الحفائظ في البرايا / فتُضرم فوق مدفنه أُتونا
وتتسع السياسة للتصافي / فيستصفي الخدين بها الخدينا
ويُصبح كل تمويه وغِشّ / لأنظار البرية مستبينا
ويصبح كل خدّاع كذوب / رجيماً في سياسته لعينا
ويصبح كل شعب مستقلاً / عزيزاً لن يذِلّ ولن يهونا
ويمسي الناس قاطبةً سواءً / بدين أُخُوةٍ متدينينا
يعاون بعضهم بعضاً ويؤوي / قويّهم الضعيف المستكينا
تسير بها شرائع عادلات / إلى أوح السعادة مرتقينا
جميعاً لا يفرّقهم لسان / ولا دين به يتعبّدونا
فما من سائدٍ أو من مَسودٍ / ولا من دائن يُربي الديونا
ويصبح كل محتَرَث مُشاعاً / لمن فيه ثَوَوا متواطنينا
وما أهل البلاد سوى عيالٍ / على العمل الذي هم يحسنونا
لعمرك أن قصر البحر قصرٌ
لعمرك أن قصر البحر قصرٌ / به يسلو مواطنه الغريب
وتمتلئ العيون به ابتهاجاً / إذا نظرت وتنشرح القلوب
تروق الناظرين بجانبيه / مناظر دونها العجب العجيب
فمن شمس يصافحها طلوع / ومن شمس يعانقها غروب
ومن سفن تجئ بها شمال / ومن سفن تروح بها جنوب
وأخرى حوله خمدت لظاها / وأخرى في الفؤاد بها لهيب
أطلّ على المياه فقابلته / بوجهٍ لا يمازده شحوب
يقبّل جانبيه البحر حتى / كأن البحر مشغوف كئيب
أحاط به فكان له رقيباً / ومغناه الأنيق له حبيب
وما هذا التموّج من هواءٍ / ولكن من هوىً فهو الوجيب
كأن الموج في الدأما رجال / وهذا القصر بينهم خطيب
تخاطبهم مبانيه فيعلو / من الأمواج تصفيق مهيب
قلمّ به المسرّات ازدياراً / فتعرفه وتجهله الكروب
وما انفردت به بيروت حسناً / ولكنّ القصور بها ضروب
تبسّمت البلاد بكلّ أرض / وما زال العراق به قطوب
فها هو من تكاسل قاطنيه / تجرّ عليه كلكلها الخطوب
إذا تدعو الرجال به لخيرٍ / يجيبك من تخاذلهم مجيب
فيا لهفي على بغداد أمست / من العمران ليس لها نصيب
سأبكي ثم استبكى عليها / إذا نضبت من العين الغروب
أيا بغداد لا جازتك سحبٌ / ولا حلّت بساحتك الجدوب
تطاول ساكنوك عليّ ظلماً / فضاق علي مغناك الرحيب
وكم نطقوا بألسنةٍ حدادٍ / يسيل لها من الأشداق حوب
رماني القوم بالالحاد جهلاً / وقالوا عنده شك مري
ألا يا قوم سوف يجد جدّي / وسوف يخيب منكم من يخيب
فمن ذا منكم قد شقّ قلبي / وهل كشفت لكم فيّ الغيوب
فعند اللّه لي معكم وقوف / إذا بلغت حناجرها القلوب
يقيني شرّ فريتكم يقيني / بأنّ الله مطّلع رقيب
ولم تخفر لكم عندي ذمام / ولكن عادة الريح الهبوب
أقول لصاحبي والشمس تدنو
أقول لصاحبي والشمس تدنو / لتغرب حيث تغشاها الغواشي
ترى مصفرّةً وبها أرتجاف / كعاشقة تململ في الفراش
وقد لاحت مبرقعة المحيّا / من الغيم الرقيق بثوب شاش
ولاحت كالسراج لنا فطافت / بها قطع السحائب كالفراش
أنتظر في الأصيل إلى غيوم / بأقصى الأفق مذهبة الحواشي
فإن الشمس قد نضحت ذراها / من النور الرقيق بكالرشاش
فآونةً تفرّق بانبساط / وآونةَ تجمّع بانكماش
بدت ألوانها في العين شتّى / تردّ أخا الفتور إلى انتعاش
وقد نثر الضياء بها نثاراً / يحاكي الوَشي في طرر الرياش
فمن قطع قد انتثرت صغاراً / فكانت كالعهون لدى انتفاش
ومن قطع قد اجتمعت كباراً / فكانت كالقطيع من المواشي
وذروة جَونها لما استنارت / حكت تاجاً على رأس النجاشي
وربّ سحابة دكناء قامت / لخدمته كما قام الطواشي
ألا أن الطبيعة ذات حسن / يجلّ عن التغاضي والتعاشي
فتلك حبيبة لا بدّ منها / وإن عذل الرقيب ولام واش
تملّ جمالها وأنظر إليها / وإلاّ عشت في صدأ المعاش
ذكرت ولست في الذكرى بناس
ذكرت ولست في الذكرى بناس / لياليَ بتّهنّ مبيت حاس
بنادٍ تزدهيك به انتظاماً / مقابلة الأسرّة بالكراسي
به اجتمعت غطارفة كرام / أبَوا شيم التخالف والشماس
يطوف عليهم رشأ رخيم / يغازل مقلتيه فم النعاس
براح فيك تبتعث أرتياحاً / وتنسف طود همّك وهو راس
يشب لمزجها بالماء وقدٌ / تكاد تهمّ منه إلى اقتباس
تميت هموم شاربها سروراً / فتدفنهنّ في حفر التناسي
وصاحٍ وجّه الندماء كأساً / إليه فقال لست لها بحاس
وغالي في الأباء فمارسوه / فلان أبيّه بعد المراس
فقال وقد مشت فيه ودبّت / دبيب الماء في ورق الغراس
لعمرك أن في الصهباء معنىً / دقيقاً ليس يعرف بالقياس
أقول لهم وقد جدّ الفراق
أقول لهم وقد جدّ الفراق / رويدكم فقد ضاق الخناق
رحلتهم بالبدور ومارحمتم / مشوقاً لا يبوخ له اشتياق
فقلبي فوق أرؤسكم مطار / ودمعي تحت أرجلكم مراق
أقال اللّه من قودٍ لحاظاً / دماء العاشقين بها تراق
وأبقي أعيناً للغيد سوداً / ولو نسيت بها البيض الرقاق
متى يصحو الفؤاد وقد أديرت / عليه من الهوى كأس دهاق
وليس الناس إلاّ من تصابي / وإلاّ من يشوق ومن يشاق
مررنا بالمنازل موحشاتٍ / لهوج الرامسات بها اختراق
كأن لم تُصبني فيها كعاب / ولم يضرب بساحتها رواق
فعجت على الطلول بها مكبّا / أسائلها وقد ذهب الرفاق
كأني بين أطلال المغاني / أسير عضّ ساعده الوثاق
حديد بارد في اللوم قلبي / فليس له إذا طرق انطراق
بدت في مسرح رحب البلاط
بدت في مسرح رحب البلاط / بقضبانٍ مشبَكةٍ محاط
فجالت من ضفائرها بتاج / وماست غير ضافية الرياط
ولا أنسى تورّد وجنتيها / وقد برزت تميس على البساط
فقلنا وهي تخطر في وقار / مليك الحسن يخطر في البلاط
وقد سجدت لها الأنظار لمّا / أرتنا الحسن يرفل في القباطي
وكبرّنا المهيمن حين راحت / تصول على الضياغم بالسياط
سقت أعصابنا خدراً وطارت / مرفرفة بأجنحة النشاط
مشت مشي الحمامة فوق سلك / تهول عليه أن تخطو الخواطي
وبارت فوقه خفقان قلبي / بحالتي أرتفاع وأنحطاط
فخلناها وقد خلبت نهانا / تعلّمنا الجواز على الصراط
أتى من مصر طلعتها بن حرب
أتى من مصر طلعتها بن حرب / فأهلاً بالمذلَل كل صعب
وأهلاً بالذي اتخذته مصر / لدفع ملمّة ولقرع خطب
هو الرجل الذي في مصر قامت / له همم تنفّس كل كَرب
تعهّد بالمساعي الغر مصراً / فبدّل جدب تربتها بخصب
أحبّ بلاده فسمعت منها / له شكر الحبيبة للمحبّ
لقد شاهدت مبتهجاً بعيني / له في مصر آثاراً كبارا
ففي الكُبرىَ له متحرّكات / تخلّد في البلاد له الفخارا
معامل مارست غزلاً ونسجاً / فأغنت في صناعتها الديارا
وفي الأسكندرية باخرات / له في البحر تبتدر السفارا
وأما بنك مصر فذاك أمر / به قد جلّ طلعة أن يباري
إذا ما مصر في المال استقلّت / فلا تخشى التأخّر في السياسه
فإن المال أكبر ما يرجى / به نيل السيادة والرياسه
إذا ما الشعب كان أسير فقر / فما تجدي السياسة والحماسة
أيصبح في سياسته طليقاً / أسير أوجب الفقر احتباسه
ولكن من سعى سعيَ ابن حرب / فقد نال السيادة بالكياسة
رجال النيل حُيّيتم رجالاً / بما للعرب فيكم من سمات
بكم طرب الفرات وقال جهراً / لوادي النيل إنك من لداتي
كلانا جاريان على سهول / بأبناء العروبة آهلات
كلانا في الأخاء لنا مواضٍ / ضّمِنّ لنا النجاح بكل آت
وتجمعنا جوامع كبريات / وأكبرهنّ سيّدة اللغات
لقد زرناكم قبلاً فكنُا / على نشز التجلّة والكرامه
فمن بيت يمدّ به سماط / ومن وجه تضيء به ابتسامه
وما هذا لعمر الحق منكم / ببدع بل لكم فيه استقامه
وما زرناكم لكبير ملك / ولكن للأخوّة والشهامه
ألا فلتحي مصر فنحن نرجو / لكم فيها السعادة والسلامه
وكم في مصر من بطل همام / يسير بها على خطوات سعد
وكم راقٍ بها في جوّ علم / ليستهدي بأنجمه ويهدي
وكم ساع لها بخطا ابن حرب / ليسعدها بما يغني ويجدي
ولكن ابن حرب في دجاها / كبدر الأفق حلّ ببرح سعد
فكيف تكون مصر في اِسار / وفيها اليوم من يحمي ويفدي
متى تنقاد للعرب الليالي / فتفتر عن نوازلها النوازي
وترجعهم إلى ما كان قبلاً / لهم من دولة ومن اعتزاز
فيمسوا في العراق على أتحاد / ومصر والشآم وفي الحجاز
هنالك يضحك المجد ابتهاجاً / ويمسي الحق منصلت الجراز
ألا فلتسعدن بفؤاد مصرٌ / كما بغداد قد سعدت بغازي
وفي الألعاب لم تر قط عيني
وفي الألعاب لم تر قط عيني / كمثل اللعب بالأكر الثلاث
تجول بمستطيل الشكل عال / لطيف صنعه حسن الأثاث
فبيضاوان تندفعان جرياً / إلى حمراء بادية اللهات
ينال الضرب إحداها فتجري / لضرب الأخريين بلا لباث
فتنبعث الثلاث مدحرجاتٍ / وقد حصل اصطدام بانبعاث
يدحرجهنّ أغلمة ظراف / نسيت بهم مغازلة الإناث
بأيديهم عصّي مشرعات / مهيّأة لضرب واحتثاث
فكان إذا انحنى للضرب منهم / غلام هاج شوقي وهو جاث
ورّبت ضربة لما تثنّى / ليضربها تثنّى بانخناث
وكانت توبة لي عن مجون / فعادت من هواه إلى انتكاث
فلست وقد تجدّد لي غرام / أبالي لوم ألسنة رثاث
ألا من مبلغ عنّي زنيماً
ألا من مبلغ عنّي زنيماً / من اللقطاء ذا نزق وهَذر
أتعلم أن أمك في البغايا / تبيح النيك من قبل ودبر
وأن أباك مغتصب وزان / عشيّة ناكها من غير أجر
وقد ولدتك من دبر خداجاً / فجئت بمنظر كالدبر قذر
بوجهك صفرة من غير سقم / كأن قد ذرّ فيه فتات بعر
وشدقك فيه تزدحم المخازي / وتزخر بالخنى كزخور بحر
فتعلو من سفاهته بمدّ / وتسفل من فهاهته بجزر
خلفت من الشرور فكنت شرّاً / تعذّر منه فاعل كلّ شرّ
فإن تسكت فمن حصرٍ وعيّ / وإن تنطق فعن كذب وهجر
وأن تفعل ففعلك فعل وَغد / وأن تترك فمن زجر وقهر
ولدت لزنية ونشأت نغلاً / ربيباً في حجور ذوات عهر
تلاقي الناس في وجه وقاح / له سحناء من خبث ونكر
تعوّد أن يلوح بلا حياءٍ / وأن لا يستهين بغير حرّ
فيا كلب الزنى ما شئت فانبح / فليس كريه نَبحك بالمضر
فإن تزد النبيح نزدك زجراً / وهل قدر النوابح غير زجر
وإنن لم تنزجر زدناك طرداً / وصتنا عند طردك صوت نقر
ولست بمعجزي أبداً فإنّي / على كَبح الغواة قصرت عمري
شحاك علي بالنكراء شاح / وكم أغراك بالنبهاء مغر
ولست لمن دعاك بكلب صيدٍ / ولكن كلب نائرةٍ وغدر
فكم من فتنةٍ قد كان فيها / نعيرك عاصفاً للشرّ يذري
عجبت لنهشك الأعراض جهلاً / وأمّك فرتني والناس تدري