المجموع : 38
متى ما تَلْقَ دهْرَكَ وهو حربٌ
متى ما تَلْقَ دهْرَكَ وهو حربٌ / فإِن أخاك درعُكَ والحُسَامُ
يُضامُ المرءُ منفرداً وحيداً / وينصُرهُ أخوهُ ولا يُضَامُ
كذاك القِدْحُ يُكْسَرُ وهو فَرْدٌ / ويُشفَعُ بالقِداحِ فلا يُرامُ
عليك أقمتُ أرسالَ الكلامِ
عليك أقمتُ أرسالَ الكلامِ / فما طاشتْ ولا أشوت سِهامي
وفيك أسَرِّبُ الحُذَّ السواري / كما تسرى الحُميَّا في العِظامِ
شواردُ لا يزالُ بهن أنسٌ / يُحَلُّ لحسنِها طوقُ الحمامِ
ثناءٌ مثلُ ما تُثني رياضٌ / بريِّقِها على نعمِ الغَمامِ
يحُلُّ نياطَهُ طبعٌ ذكيٌّ / يُكِبُّ لهيبَهُ عذبُ الضرامِ
وهل كلمي لغير أخي حفاظٍ / يحلُّ من المكارمِ في السَّنامِ
لهُ في كلِّ معضلةٍ غناءٌ / يُفيض مدامعَ السمرِ الدوامي
وودٌّ مثلُ ماءِ الكرم صافٍ / يرقُّ غَيايَةَ الطبع الرُكامِ
يريع إِلى حفافيهِ المساعي / ويعقد راية الرتبِ السوامي
إِذا جاثى القرينَ يفيءُ عنهُ / وقد أغرى به رَتْكَ النَّعامِ
ترقرقُ في شمائلهِ المساعي / وقاراً دونهُ رَعْنا شمامِ
أراكَ تُعيرُنِي نظراً جليلا / تُبَلُّ بمثلِه الغُلَلُ الظوامي
ولم تَبْصُرْ سوى نهضاتِ صَقْرٍ / مَهيضِ الريشِ مكسورِ العُرامِ
تفيَّضَ طبعُهُ حتى تراهُ / يَنِزُّ بقولِه نزَّ الفِدامِ
فكفكفَ غربَهُ غَصّاتُ دهرٍ / تُديرُ عليه كاسات السِّمامِ
وزعزع ركنَهُ بلوى زمانٍ / تحيَّف بدرَهُ قبلَ التمامِ
يسائلُ دهرَه عن ردِّ حظٍّ / يردُّ العيشَ فاتِرة البُغَامِ
وأنّى بالجليَّةِ عن مَرامٍ / ترفَّع صدقُ ذلك عن عِصامِ
وأنَّى يُستنام إِلى مجيبٍ / يُناصحُ بعدما كَذَبَتْ حَذامِ
لعلكَ يا إِمام تردُّ عِقدي / بعَيْدَ الفَضِّ محروسَ النِظامِ
وتعطِفُ لي زماناً قد تولَّى / ولوَّى عِطْفَهُ ليَّ الزِّمامِ
وتوردُني وقد جفَّتْ لهاتى / مواردَ طُفَّحاً زُرْقَ الجِمَامِ
وتعقِدُ نعمةً غرَّاءَ عندي / يعِزُّ بها على الدهرِ انتقامي
وتصدم منكبَ الأيامِ عني / بعَطفةِ منعمٍ حِدبٍ محامي
وترْجعُ كيدَها عنّي مَهينا / كليلَ الغرب محدودَ اللثامِ
وتُطلِعُ في جنابي منك شمساً / تُزَحزِحُ عنهُ أغباشَ الظلامِ
فتنزلُ بي وتملِكُ رقَّ شكري / على الأيام بالمِنن الجِسامِ
أخاكَ أخاكَ فهو أجَلُّ ذُخْرٍ
أخاكَ أخاكَ فهو أجَلُّ ذُخْرٍ / إِذا نابَتْكَ نائبةُ الزمانِ
وإن رابتْ إساءتُه فَهبْهَا / لما فيه من الشِّيَمِ الحِسَانِ
تُريدُ مهذَّباً لا عَيْبَ فيهِ / وهل عُودٌ يفوحُ بلا دُخَانِ
عوائدُ برِّكَ المشكورِ عندي
عوائدُ برِّكَ المشكورِ عندي / بما أرجوهُ من نُعْمَى ضمينُ
بدأتَ بهِ فأرجو منك عَوداً / وأنتَ بما أؤمِّلُهُ قمينُ
إِذا أسدَى الكريمُ إليكَ عُرْفاً / فأوَّلُهُ بآخرهِ رهينُ
ولا تستودِعَنَّ السِرَّ إلّا
ولا تستودِعَنَّ السِرَّ إلّا / فؤادَك فهو موضِعُه الأمينُ
إِذا حُفَّاظُ سِرِّك زيدَ فيهم / فذاك السرُّ أضيعُ ما يكونُ
بدا الحركات ثم انفكّ عنها
بدا الحركات ثم انفكّ عنها / وزايلها لخفتها السكونُ
وكوّن هذه الأكوان حر / وبرد منهما يبس ولين
ولما كانت الحركات دوراً / وتحت الدور مركزها الأمينُ
ودار الحر فوق البرد حيناً / تولد منهما لين متين
فلما استل منه الحر ليناً / بدا في الجوهر اليبس الكمين
وتم لها طبائع مفرادات / خفيات لأظهرها بطونُ
لأعلاها بأسفلها اتصال / وآخرها بأولها رهينُ
فافلاك تدبرها نجوم / تدور كما يدور المنجنونُ
وقد تبعت مزاجات المبادي / تراكيب تفرُ بها العيونُ
وحين تفاوت التركيب فيها / تغايرت الاسامي والفنونُ
فهذا سرنا المكتوم فطن / لما قلناه والعلم المصونُ
ولا تستودع الاسرار إلا / فؤادك فهو موضعها الأمينُ
إذا حُفّاظ سرك زيد فيهم / فذاك السر أضيعُ مايكونُ
قرينك لا يكونُ قرين سوء / فإنَّ السر يسلبه القرينُ
إذا أرواحنا بالطبخ يوماً
إذا أرواحنا بالطبخ يوماً / غلظنَ فذلك العسل الثخين
وبالتركيب يغلظ بعد طبخ / بتدبير له أمدٌ وحين
فأعلى مائنا عسل مصفّى / وآخره عُرَىً ذهب ثمينُ
فيمسك ماؤنا بعراه حتى / يتم وذلك العقد المبين
وبدء جنيننا صلصال طين / بدا من لينه حَمَأٌ سَنينُ
تكوّن نطفة وله قرار / حصين لا يطاف به مكينُ
ففكر تستفد كنزاً دفيناً / فحلمتنا هي الكنز الثمين
لنا أرض نشمّسها زمانا
لنا أرض نشمّسها زمانا / ونركبها ونجعلها ذللولا
ونسقيها من الماء المصفّى / لدى التعطيش ما يشفي العليلا
ونجعل ما يطير السحق عنها / هباءً لا يحس به ضئيلا
ونسلخ ظلها عنها برفق / يخفف من طبيعتها الثقيلا
ونأخذ ريعنا منها كثيراً / لبذر قد طرحناه قليلا
تعفَّرَ في بطون الأرض منها / وأطلع نبتها زهرا جميلا
غدت ألوانها سوداً وبيضاً / وحمراً لا نريد به بديلا
ونجعل حبَّ سنبلنا طحينا / نخمّره على مهل طويلا
ونعجن من خميرته سياقاً / يحدُّ علاجُها البصر الكليلا
ففكر في الذي قلناه واصبر / عليه تستفد رمزاً جميلا
إذا ما الطلق لم يغسل بماء
إذا ما الطلق لم يغسل بماء / ويخرج منه أجزاء السوادِ
فلا حلّ لديه ولا مزاج / يرجّى والمصير إلى الفسادِ
وحلّ الطلق غسل الذنب فاعمل / به فهو الطريق إلى الرشادِ
تصبّ عليه ماء جوف كيس / وتعركه برفق واتئادِ
فتجمع صفوه في الماء منه / ويبقى ثفله شبه الرمادِ
ويسحق بعده بالماء دهراً / فتخرج منه منفعة العبادِ
فذاك الراسب المغسول يدعى / بأملاح وأجساد شدادِ
ملائكة السماء همُ أمدّوا
ملائكة السماء همُ أمدّوا / ملوك الأرض بالنصر المبينِ
هما خلقان من قدس ولكن / ملوك الأرض تخلق بعد حين
فما في العلو من قدس خفيف / وما في الأرض من قدس ركين
ومازج نارنا حر خفي / فمن زاكٍ ومن جنس لعينِ
خزائن ربنا اجتمعت إليهم / وملك العالمين بلا قرينِ
فألف بينهم تظفر وتخرج / غوامض سرنا الخافي الدفينِ
لنا الأنهار من لبن وخمر
لنا الأنهار من لبن وخمر / ومن عسل ومن ماء معين
وفي أنهارنا رضراض تبر / ودر بين ياقوت ثمينِ
وهيكلنا المقدس فيه روح / وجسم والقرين مع القرينِ
نرشّ عليه من ماء لطيف / يعيش به ويسخنه بلينِ
ونغسله بماء البحر حتى / يزول ظلاله عنه لحينِ
ونجعل جسمه روحاً لطيفاً / فيمتزجان في الكنّ الكنينِ
فذاك دواؤنا الفاروق يشفي / بشربته من الداء الدفينِ
طبيعتنا التي لا ظل فيها
طبيعتنا التي لا ظل فيها / لها من نسل أربعة تتاجُ
فأرض أصبحت ماء وأمسى / هواء ذلك الماء الأجاجُ
وصار هواؤنا من بعد ناراً / بها حسن اختلاط وامتزاجُ
وحر بعده قد صار نارا / بها حسنَ ائتلاف وازدواجُ
وصارت نارنا من أرضنا / يتمّ بها التساوي والمزاجُ
ومن تقليبنا طبقات هذي ال / أراضي لاحت السبل الفجاجُ
وقد حصلت لنا أرض جديد / لنا من شمسها أبداً سراجُ
إذا التركيب سميناه باسم
إذا التركيب سميناه باسم / وفيه سواه فهو لنا وتيره
كما قيل العوالم لاجتماع / حوت أشياء لا تحصى كثيرة
فمن در الرموز على الاسامي / ففيهن الحقيرة والخطيره
فمن در وياقوت ثمين / وأملاح وزاجات حقيره
سواء سمّي الأخلاط فيه / نحاساً أرصاصاً أو شحيره
فلا تستعظم التدبير واعمل / إذا ما كنت منه على بصيره
يسيرٌ فيه تدبير يسير / بلا تعب مؤوتته يسيره
تكاتم سره الحكماء ضنّاً / بما علموا وفي الكتمان خيره
أتطمع في المزاج وما تهيّا
أتطمع في المزاج وما تهيّا / دواؤك حين تخلطه بسحق
وهل ينمو بما تغذوه حتى / يطير هباؤه في كل عرقِ
أليس الهضم يجعل ما يلاقي / هباء بعد تسقية ودقِ
وليس السحق سحق يد ولكن / حضان الطير في لين ورفقِ
ويقبله دماً يغدو وينمي / تردّد في النزول وفي الترقي
كذا يحمرّ من بعد ابيضاض / دواؤك إذ تمشّيه بحذقِ
إِذا ما الأرض لم تنخل مراراً
إِذا ما الأرض لم تنخل مراراً / فلا ماءً تصير ولا هواءَ
ولا ناراَ ولا أرضاً جديدا / وصار جميع سعيكم هباءَ
وأيقن أنَّ أرضك بعد شتّ / إذا صارت لدى التدبير ماءَ
يقيم ولا يزول بلا ذُنَيب / ولا نفس تجنّ ولا دماءَ
وإنّ هواءنا والنار نفس / بمنخلنا قد اكتسبت رواءَ
فإن ردّدتَ بِلَّتَها عليها / افادتهنَّ في النار البقاءَ
هو التنين جاع فمصَّ رأسٌ / له ذنباً وصَيَّرَه غذاءُ
موازين الطبائع في يدينا
موازين الطبائع في يدينا / فننقص كيف شئنا أو نزيدُ
نقابل بعض ما فيها ببعض / فنخرج عند ذلك ما نريدُ
بدا لمزاجها بشراً سوياً / وكانت وهي شيطان مريدُ
نفور في أوائله جزوع / وقور في أواخره جليدُ
تربّى في جهنم وهو طفل / فأخرج وهو جبار عنيدُ
وصار يقابل النيران جلداً / قويا لا يفرّ ولا يحيدُ
وعالمنا على حدة وفيه / معادننا فرخو أو شديدُ
وأنواع النحاس وهن عشر / مسمّاة بها كمل العديدُ
وفي تدبيرها سر عظيم / وخير لا انقطاع له عتيدُ
فكبريت وزرنيخ وملح / وفرّار يفيد ويستفيدُ
يحيط بكله جبل صغير / ومنه معين مائك والصعيدُ
تدبّر بيضة الحكماء منه / فيبدي ما تريد وما تعيدُ
فدع عنك المعادن فهي لغو / ورمز عن فطنت له بعيدُ
ودبّر معدن الحكماء واصبر / عليه فهوملك لا يبيدُ
إذا ما الشمس في السرطان صارت
إذا ما الشمس في السرطان صارت / فدونك هيكل القوس المبارك
فتحت دوائه الأفلاك روح / من الناسوت قد حملت ثمارك
سواد عروقها يجنيك ورداً / ترى فيه احمرارك واصفرارك
وقد فرشت برضراض كريم / يولدّ صبغ جوهره نضارك
فخذ رضراضه واتركه فيما / يقيه سم ريحك أو غبارك
ورشّ عليه ماء العين حتى / يرطبه لدى السحق المبارك
وأنعم سحقه بالماء واعزل / أذاه وأهد عند الطبخ نارك
وخذ منه السواد تجد ضياء / كجنح الليل حين جلا نهارك
وسخّنه ورطبه وحمّر / به الياقوت فهو ينير دارك
هو الجسد الغليظ غدا لطيفاً / بوزن الروح تحسبه ادارك
به يشفى سقيمك وهو يعطي / غنى أبداً فيؤمنك افتقارك
عطية ربنا وأجل نعمى / له إن أنت أحسنتَ اعتبارك
تبارك من عطاياه جسام / وأنعمه مضاعفة تبارك
لا الماء النقي به خلطنا
لا الماء النقي به خلطنا / لدى التحمير أبّار النحاسِ
نمارسه بتبييض ولكن / بتحمير فيأبق في المراسِ
ويبقى منه مافيه اجتماع / لشملن الخلط من جسد وراسِ
يصير دواؤنا منه لصوقاً / يرد الأمهات عن التماسِ
وكم لك في الطباع من مثال / نصيّره طريقاً للقياسِ