المجموع : 72
قُدومٌ من أبي مُوسَى الهُمامِ
قُدومٌ من أبي مُوسَى الهُمامِ / وَوفدِ الأشعريِّينَ الكِرامِ
وَعَوْدٌ من غريبِ الدارِ ناءٍ / رَمى برحالهِ للبَيْنِ رامِ
يَفرُّ بدينِهِ ويُريدُ ربّاً / أقامَ رسولُه دينَ السّلامِ
أبا مُوسَى لَك البُشْرَى وأهلاً / بركبكَ في حِمَى خَيرِ الأنامِ
لَقيتَ مِنَ الأحبَّةِ كلَّ سمحٍ / وفيِّ العهدِ مأمونِ الذّمامِ
وَنِلتَ بدارِهم ما رُمتَ منهم / فهل لك بعد ذلكَ من مرامِ
إذا رقَّتْ قلوبُ القومِ كانت / بعافيةٍ من الدّاءِ العُقامِ
تَجولُ حقائقُ الأشياءِ فيها / فَمنِ غَلَقٍ يُفَضُّ ومن خِتامِ
وتُوقِظُها إذا الأكوانُ نامتْ / فما تلهو بأحلامِ النِّيامِ
إلى الإيمانِ والحِكَمِ الغوالي / سما نَسَبٌ بكم عالي المقامِ
شهادةُ أصدقِ الشُّهداءِ طُرّاً / وأنطقِهم بمأثورِ الكلامِ
أبا موسى نَهضتَ إلى محلٍّ / يَشُقُّ على ذَوِي الهِمَمِ العِظامِ
وَفُزْتَ بها حياةً ما لنفسٍ / تُجانِبُها سِوى الموتِ الزُّؤامِ
نِظامُ الدِّينِ والدنيا جميعاً / وهل شيءٌ يكونُ بلا نِظامِ
بنى ثعلبة هُبّوا
بنى ثعلبة هُبّوا / فإنّ الليثَ قد عَزَمَا
رماكم بابن حارثةٍ / رسولُ اللهِ حِينَ رَمَى
زعمتم أنه هو زَعْ / مَ من يَهْذِي وما عَلِما
فَطَارَتْ قَبلَ مَقدمِهِ / نفوسٌ أُشعِرتْ لَمَمَا
ونِعمَ أخو الوغَى زيدٌ / إذا ما جَدَّ فَاقْتَحَما
يَخوضُ النّقعَ مُرتَكماً / ويَحمِي السيفَ والعَلَمَا
تَولَّى جَمعُهُم فَرَقاً / ولَو لاقاهُ ما سلما
لَبِئْسَ الجمعُ ما صَدَقَتْ / قُواهُ وبئسَ ما زَعَما
تلمَّسَهُ ابنُ حارثةٍ / فلا صَدَدَاً ولا أَمَمَا
تَسَرَّبَ في مَخابِئِهِ / فكان وُجُودُه عَدَما
هَلُمَّ هَلُمَّ يا زيدٌ / هَلُمَّ الشاءَ والنَعَمَا
رُوَيْدَ القومِ هل طلبوا / سِوَى ما يُعجِزُ الهِمَمَا
مَضُوا في إثرِهِ ومَضَى / يَجُرُّ حُسامَه قُدُما
فما بَلغُوه إذ جَهَدوا / ولا رَزأُوهُ ما غَنِمَا
رُوَيْداً عابِدِي الأَصْنا / مِ إنّ اللهَ قد حَكَما
رَضِيتُمْ ظُلمَ أَنْفُسِكُمْ / فأَرْدَاكُمُ وما ظَلَمَا
أَما وَمَضارِبِ البيضِ الرقاقِ
أَما وَمَضارِبِ البيضِ الرقاقِ / تُضِيءُ النَّقْعَ لِلجُرْدِ العِتاقِ
لقد غَرَّ الهُنَيْدُ بني جُذَامٍ / فما للقومِ مِمّا جَرَّ واقِ
دَعَا سُفهاءَهُم فَمشُوا إليه / وما التفَّتْ لهم ساقٌ بساقِ
لصوصٌ ما يُبالونَ الدنَايا / إذا عَقَدوا العزائمَ لاِنْطِلاَقِ
أحاطَ بِدحيةٍ مِنهم أُناسٌ / تَعُدُّهُم الذّئابُ مِن الرِّفاقِ
مَضوا بِحبَاءِ قَيْصَرَ وَهْوَ جَمٌّ / فما منه لَدَى الكلبيِّ باقِ
أَتى مُستَصرِخاً فأصابَ مَوْلىً / يُغيثُ صَريخَهُ ممّا يُلاقي
وما لمحمدٍ كُفْؤٌ إذا ما / سَقَى الأبطالَ كأسَ الموتِ ساقِ
دَعَا زَيْداً فأقبلَ في جُنودٍ / تَبيتُ إلى الملاحمِ في اشْتِيَاقِ
إلى حِسْمَى فما للداءِ حَسْمٌ / إذا لم تَرْقِهِ بدمٍ مُراقِ
إليهِ يا ابنَ حارثةٍ إليه / فَثَمَّ البغيُ مُمتَدُّ الرُواقِ
لِدحيةَ حَقُّهُ والسّيفُ ماضٍ / وما لِبَنِي جُذَامٍ من إباقِ
عَبيدُ الشِّركِ أَوْثَقَهُمْ فَقَرُّوا / بِدارِ الهُونِ يا لَكَ من وَثاقِ
ألا إنّ الهُنَيْدَ أُديلَ منه / فهل وَجَدَ الرَّدَى عَذْبَ المذاقِ
وهل نَظَرَ ابْنَهُ لمّا تَرَدَّى / وَعَايَنَ روعةَ الموتِ الذُّعاقِ
تَوالى القومُ في الهيجاءِ صَرْعَى / كأن سِرَاعَهُمْ خَيْلُ السّباقِ
فأهلاً بالشَّوِيِّ تُساقُ نَهْباً / وأهلاً بالجِمالِ وبالنِّياقِ
ويا ويحَ الحلائلِ والذَّرارِي / تُعانِي البَرْحَ من أَلَمِ الفِراقِ
أتى النفرُ الأماجدُ من ضَبِيبٍ / وقد شدَّ البلاءُ عُرَى الخِناقِ
فقال إمامُهُم إنّا جميعاً / مِنَ الدينِ القويمِ على وِفَاقِ
هُوَ الإسلامُ يَجمعُنا فَلَسْنَا / بحمدِ اللهِ من أهلِ الشِّقاقِ
ألا اكْشِفْ ما بنا يا زيدُ عَنَّا / فليسَ بِمُستطاعٍ أو مُطاقِ
وجاء من الكتابِ ببيِّناتٍ / فما يُرمَى بكفرٍ أو نِفاقِ
وسارَ إلى رسولِ اللهِ منهم / بُغاةُ الخيرِ والكَرَمِ الدُّفَاقِ
فقال إلى السريّةِ يا ابنَ عَمّي / فأنْ تَلحقْ فَنِعْمَ أخو اللِّحاقِ
وذَا سَيْفِي فَخُذْهُ دَليلَ صدقٍ / فيا لكَ من دليلٍ ذي ائتلاقِ
مَضَى أَمرُ النبيِّ فيا لخطبٍ / تَكشَّفَ ليلُهُ بعد اطّراقِ
أَيُنْصَرُ كلُّ لصٍ من جُذَامٍ / وَيُقْهَرُ رافعُ السَّبعِ الطِّباقِ
تَعالَى اللهُ لا يَرْقَى إليهِ / من العالِينَ فَوْقَ الأرضِ رَاقِ
يَميناً ما لِمَدْيَنَ من قَرارِ
يَميناً ما لِمَدْيَنَ من قَرارِ / فَبُعْدَاً للقطينِ وللديارِ
شُعَيْبٌ كيفَ أنتَ وأينَ قَوْمٌ / عَصُوكَ وما الذي فَعَلَ الذرارِي
همُ اتّخذُوا الهَوَى رَبّاً وسَارُوا / من العهدِ القديمِ على غِرارِ
أتى الإسلامُ فَاجْتَنبوهُ حِرصاً / على دينِ المهانةِ والصَّغارِ
وصَدُّوا عن سبيلِ الله بَغياً / وكان البَغْيُ مَجلبةَ الدَّمارِ
سَمَا زَيْدٌ إليهم بالمنايا / تُرِيكَ مَصَارِعَ الأُسْدِ الضَّوارِي
تَأمّلْ يا شُعَيْبُ أما تَرَاهُ / شديدَ البأسِ مُلتَهِبَ المغارِ
تَوَقَّى القومُ صَوْلَتَهُ فَضَنُّوا / بِأنْفُسِهِم وجَادوا بالفِرارِ
لَبِئْسَ الجُودُ تَلْبَسُهُ سَوَاداً / وُجُوهُ القومِ من خِزْيٍ وعَارِ
تَلفَّتتِ النِّساءُ ولا رِجالٌ / سِوَى السُّرُجِ الزواهرِ كالدّراري
وَضَجَّتْ تستغيثُ ولا غِياثٌ / سِوَى العبراتِ والمُهَجِ الحِرَارِ
تَوَلَّى الجُندُ بالسَّبْيِ المُخَلَّى / وبالنّصْرِ المُحَجَّلِ والفَخَارِ
فيا لبضاعةٍ للكُفرِ تُزْجَى / ويا للشّوقِ يَجمعُ كُلَّ شارِ
ويا لكَ من بُكاءٍ كان حقّاً / لِدينِ اللهِ دَاعِيَةَ افْتِرَارِ
أَتُمْسِي الأمُّ تُعزَلُ عن بَنِيها / لِمَوْلىً غيرِ مولاهم وجَارِ
أَبَى البَرُّ الرّحيمُ فقال رِفْقاً / وتلكَ إهانةُ الهِمَمِ الكِبارِ
فأمسَكَ كلَّ دَمْعٍ مُستَهلٍّ / وَسَكَّنَ كلَّ قلبٍ مُستطارِ
تتابعتِ المواهبُ والعطايا / على قَدَرٍ مِن الرحمن جارِ
فَغُنْمٌ بعد غُنْمٍ وَانْتِصَارٌ / يُنِيرُ المَشْرِقَيْنِ على انتِصارِ
أصَابَ الدّهْرُ بُغْيَتَهُ وأمستْ / تَجَلَّتْ حِكمةُ الفلَكِ المُدَارِ
أمنكِ فَزارةُ انْبعثَ الغُزاةُ
أمنكِ فَزارةُ انْبعثَ الغُزاةُ / فما تُغنِي السُّيوفُ ولا الحُماةُ
لَعُمركِ ما ابنُ حارثةٍ بِحِلٍّ / وإن زَعَمَ القَراصِنَةُ الجُفاةُ
أثاروا الشرَّ لا هُوَ يبتغيهِ / ولا أصحابُه الغُرُّ الهُداةُ
أصابوهم على ثِقَةٍ وأمنٍ / فلا سَيفٌ يُسَلُّ ولا قَناةُ
وجَاءوا يَشتكونَ إلى أَبِيٍّ / على الأعداءِ تُحرِجُهُ الشَّكاةُ
رَسولُ اللهِ ليس له كِفاءٌ / إذا التقتِ الفَوارِسُ والكُمَاةُ
دَعا زَيداً هَلُّمَ إلى قتالٍ / تُنالُ بهِ من القومِ التِّراتُ
قُدِ الأبطالَ للهيجاءِ وَاصْبِرْ / فَنِعمَ الصّبرُ فيها والثّباتُ
إليها يا ابنَ حارثةٍ إليها / ولا يَحزُنْكَ ما صَنَعَ الطُّغاةُ
مشى البطلُ المقذَّفُ لا اتّئادٌ / تَضِيقُ به السُّيوفُ ولا أناةُ
يَخِفُّ بها إلى الأعداءِ بِيضاً / عليها من مناقِبها سِماتُ
أقامتْ حائطَ الإسلامِ ضَخْماً / تَدِينُ له الجِبالُ الرّاسِياتُ
وجاءت بالفُتوحِ مُحجَّلاتٍ / له في ظِلِّها الضّافِي حَياةُ
توقَّتها فَزارةُ وهْيَ حَتْمٌ / فما عصمتْ مقاتِلَها التُّقاةُ
رَأوها بعد ما هجعوا بلَيْلٍ / لها فِيهم وللقدرِ انْصلاتُ
هداهَا في الدُّجَى منهم دليلٌ / تُسدِّدهُ الأواصرُ والصِّلاتُ
لَواهُ عن السَّبيلِ قَضاءُ ربٍّ / له الحِكَمُ الصّوادِعُ والعِظاتُ
يسوقُ الأمرَ ظاهرُه عَناءٌ / وباطنُهُ كما اقترحَ العُناةُ
كمثلِ الوِرْدِ أوّلُه أُجاجٌ / وآخرُ مائهِ عَذْبٌ فُراتُ
ظُبىً طَرَقَتْ جَماجِمَهم بَياتاً / وما خِيفَ الطُّروقُ ولا البَياتُ
تَوثّبتِ الحتوفُ فلا فِرارٌ / وأبرقتِ السُّيوفُ فلا نَجاةُ
نَقِيعُ شقاوةٍ يُسقاهُ قومٌ / همُ الشَّرُ المُذمَّمُ والسُّقاةُ
تَردَّوْا في مصَارعِهم فأمسوا / كَسِربِ الوحش صَرَّعه الرُّماةُ
وحاقَ بأمِّ قرفةَ ما أرادتْ / بأكرمِ مَن تُفَدِّي الأُمَّهاتُ
أرادتْ قَتلهُ فجرَى عليها / قضاءُ القتلِ وانْتصَفَ القُضاةُ
فيا لكَ منظراً عجباً تناهتْ / به الصُّوَرُ الرّوائعُ والصّفاتُ
أُحِيطَ بها وبابنتها جميعاً / فما نَجتِ العجوزُ ولا الفَتاةُ
لِتلكَ جَزاؤُها المُرِدي وهَذي / لها الأسرُ المُبَرِّحُ والشَّتاتُ
تُساقُ ذليلةً من بَعدِ عِزٍّ / كما سِيقتْ غداةَ النّحرِ شاةُ
هُوَ ابنُ الأكوعِ البَطلُ المُرجَّى / سَباها حِينَ أسْلَمَها الرُّعاةُ
قَنِيصةُ نافذِ الأظفارِ ضَارٍ / له في كلِّ ذي ظُفُرٍ شَباةُ
هِيَ الهِبةُ الكريمةُ صادَفْتها / يمينٌ ما تُفارِقُها الهِباتُ
يَمينُ مُحمّدٍ لا خيرَ إلا / له فيها مَعالِمُ بَيِّناتُ
حَباها خالَهُ في غَيرِ ضَنٍّ / وأينَ من الضَّنينِ المَكْرُمَاتُ
رَسولُ اللهِ أكرمُ من أناختْ / بهِ الآمالُ وانْتَجَعَ العُفَاةُ
بَنى دِينَ السَّلامِ بكلِّ ماضٍ / بهِ وبمثلِهِ ارْتفَعَ البُناةُ
لإنقاذِ النُّفوسِ من البلايا / تُلِحُّ على مَبَاضِعها الأُساةُ
تأمّلتُ الحياةَ وكيف تَبْقَى / حقائِقُها وتَمضِي التُّرهَّاتُ
فأدَّبَنِي اليقينُ وهَذَّبَتْنِي / وصاةُ اللهِ بُورِكَتِ الوَصاةُ
هَنِيئاً يا ابنَ حارثةٍ وأنَّى / وما تَرْقَى إليكَ التَّهنِئاتُ
سَمَوْتَ فما تُطاوِلُكَ الأمانِي / ولا ترجو مَداكَ النَيِّراتُ
ظَفِرْتَ من النبيِّ بخيرِ نُعْمَى / تَطيبُ بها النُّفوسُ الصّالحاتُ
بِلَثْمٍ زَانَ وَجْهَكَ وَاعْتناقٍ / شَفَاكَ فما بجارحةٍ أذاةُ
على النُّورِ الذي انْجَلَتِ الدياجِي / به وعَليكَ يا زَيْدُ الصَّلاةُ
مُحمّدُ يا ابنَ مَسلمةٍ سَلامُ
مُحمّدُ يا ابنَ مَسلمةٍ سَلامُ / وَحمْدٌ من شعائرِه الدَّوامُ
إلى القُرَطاءِ لا كانوا رِجالاً / هُمُ البرحاءُ والدَّاءُ العُقَامُ
رِجالُ السُّوءِ لا حَقٌّ يؤدَّى / لخالِقهم ولا دِينٌ يُقامُ
تَنبَّهتِ القواضِبُ والعَوالي / بأيدِي الفاتِحينَ وهُمْ نِيامُ
بَنِي بَكْرٍ ألمّا تُبصِروها / يَشُبُّ ضرامَها البطلُ الهُمامُ
ألا إن السريَّةَ فَاحْذَرُوها / لَيرهَبُ بَأسَها الجيشُ اللُّهامُ
هُمُ الأبطالُ عِدَّتهمُ قليلٌ / ومَشهدُهم كَثيرٌ لا يُرامُ
تقدَّمَ عابِدٌ ومَشى إليهم / عِبادُ اللَّهِ وَاسْتَعَر الصّدامُ
فَتِلكَ جَماجِمُ القَتْلَى وَهذي / فلولُ القومِ ليس لها نِظامُ
وخُلِّيتِ النّساءُ فلا ذِمارٌ / لِبَكْرِيٍّ يُصانُ ولا ذِمامُ
وليسَ لِعرضِ مَغلوبٍ وقاءٌ / ولكنَّ الألى غَلبوا كِرامُ
أعِفَّاءُ النُّفوسِ ذَوِي حِفاظٍ / عليهم كلُّ فاحشةٍ حَرامُ
هُوَ الإسلامُ إحسانٌ وَبِرٌّ / وأخْذٌ بالمُروءةِ وَاعْتِصامُ
تَخَلَّوْا عن حَلائِلهم فَرُدَّت / عليهم تِلكُمُ المِنَنُ الجِسامُ
بَني بكرٍ غَدَا الوادي خَلاءً / فأين الشّاءُ والكُومُ العِظامُ
وأين ثُمامةُ بنُ أثالِ هَلّا / حَمَتْهُ حَنِيفَةٌ ممّا يُسامُ
يُسامُ الهُونَ ما جزِعتْ عليهِ / ولا بَكتِ اليمامةُ إذ يُضامُ
أما بَصُرتْ بسيِّدها ذليلاً / عَبوسَ الوجهِ يَعْلُوه القَتامُ
أصابَ مِنَ الرّسولِ حِمىً مَنيعاً / وكَهْفاً فيه للهِمَمِ ازْدِحامُ
أصابَ قِرىً يُحدِّثُ عن جَوادٍ / يُصيبُ الرِيَّ من يَدِهِ الغَمامُ
أصابَ كرامةً وأفادَ خيراً / فلا مَثْوَىً يُذَمُّ ولا مُقامُ
تَعهَّدَهُ كَرِيمٌ أرْيَحِيٌّ / لهُ في كلِّ آونةٍ لِمامُ
ثُمامةُ كيفَ أنتَ وأيُّ نُعْمَى / ظَفِرْتَ بها فأعْوَزَها التَّمامُ
أما مُكِّنتُ مِنكَ وكنتَ خَصماً / تَفاقَمَ شَرُّه وطَغى العُرامُ
طَحَا بِكَ مِن مُسَيْلَمةٍ خَبالٌ / فلا رَسَنٌ يُرَدُّ ولا زِمامُ
يَقولُ لئن أردت اليومَ قتلي / فلا شكوىَ لديَّ ولا مَلامُ
وإن يكُ مِنكَ مغفرةٌ وعَفْوٌ / شكرتُكَ والقَوِيُّ له احْتِكَامُ
هَداهُ إلى سَبيلِ اللهِ هادٍ / له بِمَخائلِ الخيرِ اتِّسامُ
ثُمامَةُ لا تَخَفْ ما عِشْتَ شَرّاً / تَجلَّى النُّورُ وانْقَشَعَ الظّلامُ
إلى البيتِ العتيقِ فَسِرْ رَشيداً / ولا يَحْزُنْكَ عَتْبٌ أو خِصامُ
تأجّجَ في صُدورِ القومِ غَيظٌ / له في كلّ جانحةٍ ضِرامُ
أتُسلِمُ يا ثمامةُ إنّ هذا / وإنْ كَذَّبْتَنا لَهُوَ الأثامُ
ثُمامةُ خُنْتنا وَصَبأْتَ عنّا / فليس لِصَدْعِ أنفُسِنا الْتِئَامُ
لأنتَ لنا عدوٌّ نتّقيهِ / فلا صُلحٌ يكونُ ولا سَلامُ
ألا فَدَعُوا الجَهالةَ وَاسْتَفِيقُوا / فما يُغْنِي عَنِ الغَيْثِ الجَهامُ
حذار فَما ثُمامةُ غير عَضْبٍ / لكم في حَدِّهِ الموتُ الزُّؤامُ
يَقولُ لكم لئن لم تَتْبَعُوني / لسوفَ يُيبدُكم منِّي انتقامُ
أسُدُّ عليكمُ الأسواقَ حتّى / يَصيحَ جِياعُكم أينَ الطّعامُ
أبَوْا فأذاقَهم منه عَذاباً / غَراماً ما لدائِبهِ انْصِرامُ
أذابَ الجوعُ أنفسَهم فَضَجُّوا / وَضَجَّتْ في جُلودِهمْ العِظامُ
أهابوا بالنبيِّ ألا أغِثْنا / فما يُرضيكَ أن يَشْقَى الأنامُ
أغِثْنا إنّها يا خيرَ مَولىً / عُرَى الأرحامِ ليس لها انْفِصامُ
رُمِينا من ثُمامةَ بالدَّواهِي / وفي يَدِكَ الكِنانةُ والسِّهامُ
نَهاهُ فلا دَمٌ في الحيِّ يُشوَى / ولا شَيْخٌ يَجوعُ ولا غُلامُ
تدارَكَ فَضلُهُ منهم نُفوساً / تَمنَّتْ لو تَدَارَكها الحِمامُ
فأمسى الأمرُ فيهم مُستقيماً / ولو عَرَفوا المحجَّةَ لاسْتَقاموا
أبا سُفيانَ أيَّ دَمٍ تُرِيدُ
أبا سُفيانَ أيَّ دَمٍ تُرِيدُ / هِيَ العنقاءُ مَطلبُها بَعِيدُ
بَلِ العنقاءُ أقربُ من مَرَامٍ / هُوَ الأملُ المُخَيَّبُ أو يَزِيدُ
أغرَّكَ خِنْجَرٌ بِيَدَيْ شَقيٍّ / وما يُدرِيكَ أيّكما السّعيدُ
رأى جبلاً ترى الشُّمُّ الرَّواسي / جَلالتَهُ فترجف أو تَمِيدُ
فلم تنفَعْهُ من فَزَعٍ قُواهُ / ولم ينهضْ به البأسُ الشَّديدُ
وشُدَّ خناقهُ بِيَدَيْ أسَيْدٍ / فلولا الرفقُ لانْقَطَعَ الوريدُ
تَلقّاهُ بِمخلبِ مُكْفَهرٍّ / يَثورُ فتقشعرُّ له الجُلودُ
وأظهر َما يُوارِي من سِلاحٍ / يَدُبُّ بمثلِهِ الشَّنِفُ الحَقودُ
وأيقنَ أنّ دِينَ اللَّهِ حَقٌّ / فما يُجدِي الضّلالُ وما يُفيدُ
أصابَ الخيرَ من بَركاتِ رَبٍّ / هَداهُ رسولُه الهادِي الرَّشيدُ
وجاءكَ يا أبا سُفيانَ عمروٌ / فأينَ تَزِيغُ وَيْحَكَ أو تَحِيدُ
هو البطلُ الذي عرفتْ قُريشٌ / فلا نُكْرٌ بذاكَ ولا جُحودُ
يُخادِعهم وما تَخْفَى عليهم / مكيدةُ مَن يُخادِعُ أو يَكِيدُ
بدا لهمُ المغيَّبُ فَاسْتَرابوا / وَلَجَّ الذُّعرُ واضطرمَ الوعيدُ
وأبْصَرهُ مُعاويةٌ فَجَلَّى / سَرِيرَةَ نفسهِ النَّظرُ الحديدُ
وقالوا فاتكٌ يرتاد صيداً / وما كنّا فريسةَ مَن يصيدُ
وشَدُّوا خَلفَهُ فإذا سُلَيْكٌ / أُعِيرَ جناحَهُ البطلُ النَّجيدُ
وغَيَّبهُ ببطنِ الأرضِ غارٌ / فما يَدرونَ أين مَضَى الطَّريدُ
أُعِينَ بصاحبٍ لا عَيْبَ فيهِ / فَنعمَ الصَّاحبُ الثَّبْتُ الجليدُ
وجاءَ لِحَيْنِهِ منهم غَوِيٌّ / له في الشِّعرِ شيطانٌ مَريدُ
يُديرُ الكفرَ في فمهِ نَشيداً / يُردِّدهُ فيعجبُهُ النَّشيدُ
أصاخَ له فأوقدَ منه ناراً / لها من كلِّ جارحةٍ وَقودُ
تلهَّبَ واسْتطارَ فيا لنفسٍ / طَغَتْ حِيناً فأدركها الخمودُ
رَمَاها في لهيبِ البأسِ رَبٌّ / لها في نارِهِ الكُبْرى خُلودُ
كِلا الرَّجُلَيْن يا عَمروٌ عَدُوٌّ / فَدُونَكَ إنّه صَيْدٌ جَديدُ
هُما عَيْنَا الخيانةِ من قُريشٍ / وأنتَ يَدُ النبيِّ بها يَذُودُ
رَمَيْتَ عنِ النبيِّ فمن صريعٍ / أراقَ حياتَهُ السَّهمُ السَّديدُ
ومن فَزِعٍ مَضيتَ به أسيراً / على جَزَعٍ يَذلُّ ويَسْتَقيدُ
جَلبتَ على أبي سُفيانَ شَرّاً / فأصبحَ وَهْوَ محزونٌ كَمِيدُ
تَجرَّعَ ثُكْلَ من فُقِدا زُعافاً / وأهلكه الأسَى فَهوَ الفقيدُ
ستدركُهُ الحياةُ ولا حياةٌ / لغيرِ المُؤمنينَ ولا وُجودُ
رِجالٌ لا تُبِيدُهُم المنايا / وكلٌّ من بني الدُّنيا يَبِيدُ
هُوَ الإيمانُ لا دُنيا حَلوبٌ / يُعاشُ لها ولا مُلكٌ عَتِيدُ
إلى ذاتِ السَّلاسِلِ مِن بَليِّ
إلى ذاتِ السَّلاسِلِ مِن بَليِّ / وعُذْرَةَ فَامْضِ بُورِكَ مِن مُضِيِّ
تَدَفَّقْ بالأُلى جاشَتْ قُواهُم / إليكَ تَدَفُّقَ السَّيْلِ الأتِيِّ
إلى قومٍ من الأعداءِ تُطوَى / جَوانِحُهُم على الدّاءِ الدَوِيِّ
تَألَّبَ جَمعُهُم من كلِّ أَوْبٍ / يُحاوِلُ بالسّيوفِ حِمَى النَّبيِّ
أهزلٌ من قُضاعةَ أم خيالٌ / غَوِيٌّ جَالَ في جَوٍّ غَوِيِّ
تَوَلَّى الكفرُ أمرَ القومِ فيه / فسوفَ يَرَوْنَ عاقِبَةَ الوَليِّ
جَمعتَ لحربهم يا عمروُ بأساً / يُزلزِلُ كلَّ جَبارٍ عتِيِّ
رأيتَ جُموعَهم شتَّى فهذا / رَسولُكَ جاء بالمَدَدِ القويِّ
عليه أبو عُبَيْدَةَ في سلاحٍ / يَمُجُّ عُصارَةَ الموتِ الوَحِيِّ
نَهاهُ مُحمّدٌ عن كلِّ أمرٍ / تَضِيقُ بهِ وما هو بالعَصِيِّ
يُنازِعُكَ الإمامَةَ ثم يَرْضَى / وتِلكَ سَماحةُ الخُلُقِ الرَّضِيِّ
رَميتَ الكافِرينَ بكل ماضٍ / مِنَ الأبطالِ يَعصِفُ بالرَّمِيِّ
فزالوا عن حظائِرِهِم سِراعاً / ولم تُغْنِ الرِّباقُ عن الشَّوِيِّ
تَوَاصَوْا بالثَّباتِ فَزَلزَلْتُهُم / صَوَاعِقُ ما تَكُفُّ عَنِ الهُوِيِّ
هُوَ البأسُ اسْتَطَارَ فلا ثَباتٌ / لِغيرِ السَّيفِ والبطَلِ الكَمِيِّ
قَضَيْتَ السُّؤْلَ من قَتلٍ وغُنْمٍ / وَنِلْتَ ذُؤابَةَ الشَّرفِ العَلِيِّ
وكنتَ القائدَ الفَطِنَ المُلَقَّى / فُنونَ المكرِ والكَيْدِ الخَفِيِّ
مَنعتَ النّارَ خِيفةَ أن تُعَرَّى / جُنودُكَ شِيمَةَ الحَذِرِ الذّكِيِّ
تُدافِعُ دُونَ عِدَّتِهم عَدُوّاً / تُخادِعُهُ عنِ الأمرِ الجَلِيِّ
ولم تَتْبَعْ قضَاعَةَ إذ تَوَلَّتْ / وإذ ذَهَلَ الصَّفِيُّ عَنِ الصَّفِيِّ
تُقَاتِلُها بسيفٍ من دَهاءٍ / يُمزِّقُها بِحَدٍّ لَوْذَعِيِّ
رَمى الفاروقُ من عَجَبٍ بقولٍ / يُثيرُ حَمِيَّةَ الرَّجُلِ الأبِيِّ
فقال له أبو بكرٍ رُوَيْداً / ولا تَعْدِلْ عَنِ السَّنَنِ السَّوِيِّ
رسولُ اللهِ أكثرُ مِنكَ عِلماً / بِصاحِبِهِ ولستَ لهُ بِسِيِّ
وما للحربِ إلا كلُّ طَبٍّ / يُصرِّفُها برأيٍ عَبْقَرِيِّ
أميرَ الجُندِ يا لكَ من سَرِيٍّ / أصابَ إمارةَ الجُندِ السَّرِيِّ
مَشَى الصِّديقُ والفاروقُ فيه / على أدبٍ من الخُلُقِ السَّنِيِّ
وهل يُقضَى على اسمِ اللهِ أمرٌ / فَيُنكِرُهُ التَّقِيُّ على التَّقِيِّ
إذا استوتِ المراتِبُ وَهْيَ شَتَّى / فما فضلُ اللَّبيبِ على الغَبِيِّ
أجَلْ يا عمروُ ما بِكَ من خَفَاءٍ / إذا فَزَعَ الرجالُ إلى الكَفِيِّ
شَأوتَ السّابِقينَ إلى مَحَلٍّ / يُجاوِزُ غايَةَ الأمَدِ القَصِيِّ
وذلك فضلُ ربِّكَ زِيدَ فيهِ / على يدِهِ لِذِي الجَدِّ الحَظِيِّ
دَعونا نَبتدِر وِردَ الحِمامِ
دَعونا نَبتدِر وِردَ الحِمامِ / لِيُطفئَ بَردُه حَرَّ الأَوامِ
دَعونا إِنّ لِلأَوطانِ حَقاً / تُضيَّعُ دُونه مُهَجُ الكِرامِ
أَنَخذِلُها وَنَحنُ لَها حُماةٌ / فَمَن عَنها يُناضِلُ أَو يُحامي
أَنُسلِمُها إِلى الأَعداءِ طَوعاً / فَتِلكَ سَجِيَّةُ القَومِ الطغام
أَيَبغي الإِنكليزُ لَها اِستلاباً / ولمّا تَختضِب بِدَمٍ سِجامِ
وَيَمشِ أَخو الوَغى مِنّا وَمِنهُم / عَلى جُثَثٍ مُطرَّحةٍ وَهامِ
أَنتركُها بِأَيدي القَومِ نَهباً / وَفي هَذي الكنانةِ سَهمُ رامِ
لَقَد ظَنّ العُداةُ بِنا ظُنوناً / كَواذبَ مثلَ أَحلامِ النِيامِ
رَأونا دُونَهُم عَدداً فَنادوا / عَلَينا بِالنزالِ وَبِالصِدامِ
وَزجّوها فَوارِسَ ضاق عَنها / فَضاءُ الأَرض أَعينُها دَوامِ
لَقيناهم بِآسادٍ جِياعٍ / تَرى لَحم العِدى أَشهى طَعامِ
لعمر أَبيك ما ضعفت قُوانا / فَنجنحَ صاغِرينَ إِلى السَلامِ
مَعاذَ اللَه مِن خَوَرٍ وَضعفٍ / وَمِن عابٍ نُقارفه وَذامِ
وَلا وَاللَه نَرضى الخسفَ دِيناً / كَدأبِ المُستَذَلِّ المُستَضامِ
إِذا حكم العِدى جَنَفاً عَلينا / فَأَعدل مِنهُمُ حكمُ الحُسامِ
هَبُونا كَالَّذي زَعموا ضِعافاً / أَيأبى نَصرَنا رَبُّ الأَنامِ
أَيخذِلُنا وَنحنُ لَهُ نُصلِّي / جَميعاً مِن قُعودٍ أَو قِيامِ
فَلا يَأسٌ إِذا ما الحَرب طالَت / مِن النَصرِ المُرجّى في الختامِ
ولَسنا نَترك الهَيجاءَ يَوماً / بِلا نارٍ تَشُبُّ وَلا ضِرامِ
فَإِمّا العَيشُ في ظِلِّ المَعالي / وَإِمّا المَوتُ في ظلّ القَتامِ
هِيَ الأَوطان إِن ضاعَت رَضينا / مِن الآمال بِالمَوت الزُؤامِ
فَهل جاءَ البويرَ حَديثُ قَومي / وَما قَومي بشيءٍ في الخِصامِ
لنعم القَومُ ما أَوفوا بَعَهدٍ / لِأَوطانٍ شَقِينَ وَلا ذِمامِ
وَلا اِعتصموا بحبل الجِدّ يَوماً / وَلا لاذوا بِأَكناف الوئامِ
فوا أَسفي عَلى وَطَن كَريمٍ / غَدا ما بَيننا غَرَضَ السِهامِ
وَنَحنُ على توجّعه سُكوتٌ / كَأَنّا بَعضُ سكان الرجام
رَعى اللَه البوير بِحَيث كانوا / وَجاد دِيارهم صَوبُ الغَمامِ
أَمِن صَلَفٍ صَدودُكِ أَم دَلالِ
أَمِن صَلَفٍ صَدودُكِ أَم دَلالِ / فَقَد أَحدَثتِ حالاً بَعدَ حالِ
صَدَدتِ وَكُنتِ لا تَنوينَ شَرّاً / لِمَن أَخزَيتِهِ بَينَ الرِجالِ
مَضى بِكِ لا يُريبُكِ مِنهُ شَيءٌ / سِوى ما غابَ مِن تِلكَ الخِلالِ
وَما بَينَ الرِضى وَالسُخطِ إِلّا / تَأَمُّلُ ناظِرٍ فيما بَدا لي
فَيا لَكِ نَظرَةً جَرَّت شُؤوناً / هُنالِكَ لَم تَكُن تَجري بِبالِ
أَحَلتِ سُرورَ ذاكَ القَلبِ حُزناً / وَهِجتِ لَهُ أَفانينَ الخَبالِ
سَجِيَّةُ هَذِهِ الدُنيا وَخُلقٌ / تُريناهُ تَصاريفُ اللَيالي
وَلَكِن أَنتِ أَعجَلُ بِاِنقِلابٍ / مِنَ الدُنيا وَأَعجَبُ في اِنتِقالِ
وَأَقرَبُ مِن هُدىً فيما رَواهُ / لَنا الراوي وَأَبعَدُ عَن ضَلالِ
رَأَيتِ خِيانَةَ الأَوطانِ ذَنباً / فَلَم يَكُنِ الجَزاءُ سِوى الزِيالِ
وَلَم يَكُ ذاك مِن شِيَمِ الغَواني / إِذا ما أَزمَعَت صَرمَ الحِبالِ
شَرَعتِ لَها وَلِلفِتيانِ ديناً / ضَرَبتِ بِهِ عَلى دينِ الأَوالي
وَأُقسِمُ لَوحَكَتكِ نِساءُ قَومي / لَسَنَّت بَينَنا سُبُلَ المَعالي
نَخونُ بِلادَنا وَنَنامُ عَنها / وَنَخذُلُها لَدى النُوَبِ الثِقالِ
وَنُسلِمُها إِلى الأَعداءِ طَوعاً / بِلا حَربٍ تُقامُ وَلا قِتالِ
وَنَلهو بِالحِسانِ فَلا تُرينا / تَبَرُّمَ عاتِبٍ وَمَلالَ قالِ
وَلَو صَنَعَت صَنيعَكِ لَم نَخُنها / وَلَم نُؤثِر مُصانَعَةَ المَوالي
وَلَم يَكُ نَقصُها لِيُعَدَّ عَيباً / إِذا عَجَزَ الرِجالُ عَنِ الكَمالِ
فَإِن غَضِبوا عَلَيَّ فَقَولُ حُرٍّ / يَرى أَوطانَهُ غَرَضَ النِبالِ
سَلامٌ أَيُّها المَلِكُ الهُمامُ
سَلامٌ أَيُّها المَلِكُ الهُمامُ / تَطوفُ بِهِ المَلائِكَةُ الكِرامُ
أَتَيتُكَ وَالعُيونُ الخُزرُ تَرنو / إِلَيَّ كَأَنَّها حَولي سِهامُ
فَمَن أَوحى إِلى الأَقوامِ أَنّي / سَأَشكو مِن أَذاهُم ما نُسامُ
لَقَد خَلَّفتَنا لِخُطوبِ دَهرٍ / غَوالِبَ ما لَنا مِنها اِعتِصامُ
سَئِمناها فَلَيسَ لَنا اِصطِبارٌ / وَأَيسَرُ ما بِنا مِنها السَّآمُ
مُحَمَّدُ إِنَّها عِشرونَ عاماً / وَحَسبُ المَرءِ مِمّا ساءَ عامُ
أَتَدري ما تُجَشِّمُنا اللَيالي / وَتَركَبُنا حَوادِثُها الجِسامُ
أَتَرضى أَن يَقِرَّ الضَيمُ فينا / فَخَيرُ رَغائِبِ الحُرِّ الحِمامُ
أَلَيسَ المَوتُ أَجمَلَ مِن حَياةٍ / يُهانُ المَرءُ فيها أَو يُضامُ
أَنَوماً يا مُحَمَّدُ عَن بِلادٍ / أَباحَ حَريمَها الأَهلُ النِيامُ
فَقُم تَرَ ما دَهاها مِن شِقاءٍ / وَمِثلُكَ لَيسَ يُعييهِ القِيامُ
وَإِنَّكَ لَو أَجلْتَ الطَرفَ فيها / لَخَضَّبَ جَيبَكَ الدَمعُ السِجامُ
وَأُقسِمُ لَو قَدِرتَ عَلى جَزاءٍ / إِذَن أَودى بِنا مِنكَ اِنتِقامُ
هَدَمنا ما بَنَيتَ مِنَ المَعالي / بِعَزمِكَ وَالخُطوبُ لَها اِعتِزامُ
أَما يرضيكَ عَمَّن عَقَّ مِنّا / رِجالٌ بِالوَفاءِ لَها اِتِّسامُ
سَواءٌ مَن نَمَتهُ مِصرُ مِنهُم / عَلى غِيَرِ الحَوادِثِ وَالشَآمُ
رَعى اللَهُ الشَآمُ فَكَم حَبانا / أَيادي ما لَها عَنّا اِنصِرامُ
لَنا مِن أَهلِهِ أَهلٌ كِرامٌ / يُصانُ العَهدُ فيهِم وَالذِمامُ
هُمو أَعوانُ مِصرَ وَناصِروها / إِذا نَزَلَت بِها النُوَبُ العِظامُ
وَهُم إِخوانُنا الأَدنَونَ فيها / نُصافيهِم وَإِن كَرِهَ الطَغامُ
يُؤَلِّفُ بَينَنا نَسَبٌ قَريبٌ / وَيَجمَعُنا التَوَدُّدُ وَالوِئامُ
إِلَيها بِالأَمانِيِّ الكِبارِ
إِلَيها بِالأَمانِيِّ الكِبارِ / وَبِالمَجدِ المُؤَثَّلِ وَالفَخارِ
وَبِالبَرَكاتِ وَالخَيراتِ طُرّاً / تَكونُ بِحَيثُ كُنتَ مِنَ الدِيارِ
إِلى مِصرَ الَّتي ذابَت حَنيناً / إِلَيكَ وَشَفَّها طولُ الأُوارِ
مَكانُكَ في البِلادِ وَفي ذَويها / مَكانُ الرِيِّ في المُهجِ الحِرارِ
رَحَلتَ تَصونُ مِصرَ مِنَ العَوادي / وَتَمنَعُ ما ولِيتَ مِنَ الذِمارِ
تُحَلِّقُ صاعِداً بِجَناحِ عَزمٍ / يَجِلُّ عَنِ المُحَلَّقِ وَالمَطارِ
تُجَشِّمُهُ المَناقِبُ يَبتَنيها / مُنيفاتِ الذُرى فَوقَ الدَراري
كَأَنَّ مَضاءَهُ قَدَرٌ مُتاحٌ / يَسُدُّ عَلى العِدى سُبُلَ الفِرارِ
رَأَت مِنكَ المُلوكُ فَتى خُطوبٍ / يُدافِعُهُنَّ بِالهِمَمِ الكِبارِ
طَلَعَت بيلدزٍ فَأَطَلَّ نورٌ / عَلى نورٍ هُنالِكَ مُستَطارِ
جَلَستَ إِلى اليَمينِ فَكُنتَ يُمناً / وَقَد جَلَسَ الصُدورُ إِلى اليَسارِ
لَدى أَسَدٍ مِنَ الخُلَفاءِ ضارٍ / تهابُ عَرينَهُ الأُسدُ الضَواري
أَخافَ الحادِثاتِ فَما تَراها / تَبيتُ عَلى أَمانٍ أَو قَرارِ
سَيَشكُرُهُ الخَليفَةُ حُسنَ رَأيٍ / تَبَلَّجَ منك عَن حُسنِ اِختِيارِ
وَتِلكَ وُفودُها جاءَتكَ تبدي / من الشوق المبرِّح ما تواري
وفودٌ أقبلت مِن كُلِّ فَجٍّ / تَموجُ كَأَنَّها لُجَحُ البِحارِ
سَلِمتَ وَصادَفتَ خَيراً وَيُمناً / رِكابُكَ في رَواحٍ وَاِبتِكارِ
أَراكَ عَلى المَغيبِ فَهَل تَراني
أَراكَ عَلى المَغيبِ فَهَل تَراني / وَهَل يَخفى عَلى أَحَدٍ مَكاني
دَعا الداعي فَأَسمَعَ حينَ نادى / بَني الأَقطارِ مِن قاصٍ وَدانِ
مَضوا زُمَراً إِلى واديكَ شَتّى / فَهَل وَجَدوا بِهِ ريحَ الجِنانِ
وَظَلّوا عاكِفينَ عَلَيكَ حَتّى / كَأَنَّكَ كُنتَ مِن خَيرِ الأَماني
فَمِن مَلِكٍ أَغَرَّ وَمِن أَميرٍ / أَعَزَّ وَكاتِبٍ ذَرِبِ البَيانِ
أَتَوكَ وَعاقَني حِدثانُ دَهرٍ / يُصَرِّفُ لا كَما أَرضى عِناني
يَعَزُّ عَلَيكَ أَنّي عَنكَ ناءٍ / تَرى تِلكَ الوُفودَ وَلا تَراني
رُوَيدَكَ إنَّ شَخصَكَ مِلءُ عَيني / وَذِكرَكَ ما يزالُ عَلى لِساني
أَيَشغَلُ شاعِرَ الوَطَنِ المُفَدّى / سِواكَ وَأَنتَ شُغلُ بَني الزَمانِ
حَدا أَسرابَهُم بَرحُ اِشتِياقٍ / إِلَيكَ وَقادَهُم فَرطُ اِفتِتانِ
سَيَكفيكَ الَّذي تَخشى وَتَرجو / مِنَ الأدَبِ المُهَذَّبِ ما كَفاني
فَهَل لَكَ أَيُّها الخَزّانُ عَهدٌ / بِحِفظٍ لِلصَنيعَةِ أَو صِيانِ
وَقَبلَكَ ضاعَ شِعري في دِيارٍ / شَجاني مِن بَنيها ما شَجاني
تعامى مَعشَرٌ عَنّي وَعَنهُ / فَيا عَجَبي أَيَخفى النَيِّرانِ
بِرَبِّكَ هَل يَريدُ ذَووكَ خَيراً / بِشَعبٍ عاثِرِ الآمالِ عانِ
وَهَل تُروى الكنانَةُ وَهيَ ظَمأى / فَتَروي عَن صَنائِعِكَ الحِسانِ
أَحَقّاً أَنتَ داهِيَةٌ جَناها / عَلَينا مِن بَني التاميزِ جانِ
أَحَقّاً أَنَّهُم صَدَقوا فَجاءوا / بِأَحسَنِ ما بَنى لِلخيرِ بانِ
سَتُخبِرُنا اليَقينَ صَروفُ دَهرٍ / يَكُرُّ بِها قَضاءٌ غَيرُ وانِ
لَنا إِن رُمتَ شُكراً لا عَلَينا / كَفانا مِن بُناتِكَ ما نُعاني
فَيا صُنعَ الجَبابِرَةِ اِستَعانوا / عَلَيكَ بِخَيرِ رِدءٍ مُستَعانِ
قُوى أَيديهُمُ وَقُوى نُهاهُم / كِلا الأَمرَينِ عُدَّةُ كُلِّ شانِ
سَتَبقى يا عَروسَ النيلِ تُبدي / جَمالَ الفَنِّ آناً بَعدَ آنِ
تَمُرُّ الحادِثاتُ عَلَيكَ سِلماً / تُقَلِّبُ عَينَ ذي الفَزَعِ الجَبانِ
وَلَيسَ لَها وَإِن جَهِلَت عَلَينا / بِما لا تَبتَغي مِنها يدانِ
أَعِر مِصراً كِيانَكَ إِنَّ مِصراً / وَقاها اللَهُ واهِيَةُ الكِيانِ
أَرى الهَرَمَينِ قَد هَرِما وَشاخا / وَأَنتَ مِنَ الصِبى في عُنفُوانِ
فَناجِهِما وَلَو قَدِرا لَخَفّا / إِلَيكَ فَأَقبَلا يَتَبارَيانِ
عَلَيَّ الجِدُّ يُعجِبُ سامِعيهِ / وَلَيسَ عَلَيَّ وَصفُ المِهرَجانِ
غَشيتُ دِيارَها مِن بَعدِ عَشرِ
غَشيتُ دِيارَها مِن بَعدِ عَشرِ / فَهَيَّجَتِ الرُسومُ غَليلَ صَدري
لَعَمرُ أَبيكَ ما وَجدي بِسَلمى / وَلا وَجدُ الدِيارِ بِمُستَقِرِّ
هَوىً كَالدَهرِ لَيسَ لَهُ اِنقِضاءٌ / وَكَالقَدرِ المُرَوِّعِ حينَ يَجري
وَما عاهَدتُ مَن أَهواهُ حَتّى / وَفَيتُ بِعَهدِهِ وَقَضيتُ نَذري
وَبَعضُ الناسِ يَذكُرُ ثُمَّ يَنسى / وَمالي غَيرُ ذِكرٍ بَعدَ ذِكرِ
أَصونُ أَحِبَّتي ما الحُبُّ إِلّا / أَمانَةُ فاضِلٍ وَوَفاءُ حُرِّ
إِذا مَكَرَ المُخاتِلُ قُلت قَلبي / أُعيذُكَ مِن مُخاتَلَةٍ وَمَكرِ
وَيا نَفسي الوَفِيَّةُ لا تَكوني / مِراحَ خِيانَةٍ وَمَسيلَ غَدرِ
بِنَفسِكَ فَاِحتَفِظ إِن كُنتَ حُرّاً / وَعَقلَكَ فَاِستَشِر في كُلِّ أَمرِ
وَحَقِّ سِواكَ فَاِرعَ وَلا تَخُنهُ / وَحَقَّكَ لا تَدَعهُ تُقاةَ شَرِّ
وَما لِلمَرءِ حينَ يُضامُ بُدٌّ / مِنَ الصَمصامِ وَالفَرَسِ الطِمِرِّ
وَتارِكُ حَقِّهِ مِن غَيرِ حَربٍ / كَتارِكِ عِرضِهِ مِن غَيرِ عُذرِ
رَأَينا الحاكِمينَ فَما رَأَينا / حُكومَةَ صالِحٍ وَقَضاءَ بَرِّ
لِحُكمِ الجاهِلِيَّةِ في بَنيها / عَلى ما فيهِ مِن عَنَتٍ وَضُرِّ
أَخَفُّ أَذىً وَأَقرَبُ مِن رَشادٍ / وَأَبعَدُ عَن مُماحَكَةٍ وَنُكرِ
أَلَم تَرَ كَيفَ صارَ البَغيُ ديناً / لِكُلِّ حُكومَةٍ وَبِكُلِّ مِصرِ
مَضى الحُنَفاءُ في العُصُرِ الخَوالي / فَهاتِ حَديثَهُم إِن كُنتَ تَدري
وَقِف بي في طُلولِ الشَرقِ وَاِذكُر / هُدى الفاروقِ وَاِندُب عَهدَ عَمرِو
وَلا تَصِفِ الحَضارَةَ لي فَإِنّي / أَرى عَصرَ الحَضارَةِ شَرَّ عَصرِ
أَذىً ما لِلمَمالِكِ مِنهُ واقٍ / وَلا لبَني المَمالِكِ مِن مَفَرِّ
أَرانا ظامِئينَ إِلى حَياةٍ / تَفيضُ بِمُزبِدِ التَيّارِ غَمرِ
تَجولُ حَوائِمُ الآمالِ فيهِ / وَتَسبَحُ مِنهُ في رِيٍّ وَطُهرِ
تَراكَضَتِ المَشارِقُ تَبتَغيها / وَغودِرَتِ الكِنانَةُ في المَكَرِّ
رَأَيتُ الشَعبَ ذا العَزَماتِ يَمضي / وَيَركَبُ في المَطالِبِ كُلَّ وَعرِ
يَخوضُ النَقعَ أَغبَرَ وَالمَنايا / عِجالُ الشَدِّ مِن سودٍ وَحُمرِ
وَبَعضُ العالَمينَ يَذوبُ رُعباً / إِذا بَرَزَ الكُماةُ غَداةَ كَرِّ
يُحِبُّ حَياتَهُ وَيَزيدُ حِرصاً / فَيَلقى المَوتَ مِن خَوفٍ وَذُعرِ
تُراعُ فَوارِسُ الهَيجاءِ مِنهُ / بِزَأرَةِ ضَيغَمٍ وَوُثوبِ هُرِّ
إذا أبصرتَ دهرك مستريباً / فدافعه بِعَزمٍ مُكفَهِرِّ
وَلَن تحظى بِعَيشٍ مِنهُ حُلوٍ / إِذا ما كانَ طعمُك غيرَ مُرِّ
أُساةَ النيلِ وَالأَدواءُ شَتّى / فَمِن بادٍ يَلوحُ وَمُستَسِرِّ
أَقيموا صُلبَهُ وَتَدارَكوهُ / وَلا تُدنوهُ مِن كَفَنٍ وَقَبرِ
ظَلَلتُ أُراقِبُ العُوّادَ مالي / سِوى ماذا يَكونُ وَلَيتَ شِعري
لِمِصرَ شَبابُها في الدَهرِ إِنّي / خَلَعتُ شَبيبَتي وَطَوَيتُ عُمري
أَتِلكَ مَصارِعُ المُستَضعَفينا
أَتِلكَ مَصارِعُ المُستَضعَفينا / فَما بالُ الهُداةِ المُصلِحينا
أَجيبي دنشوايَ فَإِن تَكوني / عَييتِ عَنِ الجَوابِ فَما عَيينا
مُلِئتِ أَسىً فَلَن تَجِدي عَزاءً / وَلَن تَدَعي التَوَجُّعَ وَالأَنينا
هُمو أَخَذوكِ بِالنَكَباتِ حَرّى / وَبِالأَهوالِ شَتّى يَرتَمينا
تَذوقينَ العَذابَ وَهُم نَشاوى / يُغَنّونَ المَشانِقَ ناعِمينا
إِذا طَرِبتَ أَهابَ بِها مِراحٌ / تُجاوِبُهُ نُفوسُ الهالِكينا
تَطوفُ بِها الأَرامِلُ وَاليَتامى / تَضُجُّ وَتَذرِفُ الدَمعَ السَخينا
وَتَعطِفُها السِياطُ عَلى رِجالٍ / بِمُطَّرَحِ الهَوانِ مُمَزَّقينا
تَعاوَرَهُم أَكُفُّ القَومِ صَرعى / تَطيرُ جُلودُهُم مِمّا لَقينا
إِذا اِنسابَ الدَمُ المُهراقُ مِنهُم / رَأيتَ ثِيابَهُم حُمراً وَجونا
عَلى أَجسامِهِم أَثَرٌ مُبينٌ / تُريكَ سُطورُهُ الظُلمَ المُبينا
صَحائِفُ بِالسِياطِ تَخُطُّ فَاِقرَأ / وَقُل لِلَهِ أَيدي الكاتِبينا
وَقائِلَةٍ أَما لِلقَومِ حامٍ / يَقيهِم ما نُشاهِدُ أَو يَقينا
رُوَيدَكِ إِنَّ رَبَّكِ قَد وَعاها / فَظُنّي الخَيرَ وَاِنتَظِري اليَقينا
أَفاطِمَ إِنَّ لِلضُعَفاءِ رَبّاً / يُديلُ لَهُم مِنَ المُتَجَبِّرينا
رَضينا بِالحَمامِ يَكونُ صَيداً / فَما قَنَعَ الرُماةُ بِما رَضينا
أَبَوا إِلّا النُفوسَ فَما اِستَطَعنا / سِوى شَكوى الضِعافِ العاجِزينا
يُديرونَ الحُتوفَ عَلى أُناسٍ / وَيَقضونَ العَذابَ لِآخَرينا
أَذابوا الأُمَّهاتِ أَسىً وَوَجداً / وَطاحوا بِالأُبُوَّةِ وَالبَنينا
قَضاءٌ طاشَ مِن فَزَعٍ وَخَوفٍ / وَيَحسَبُهُ الأُلى فَزِعوا رَزينا
قَتيلُ الشَمسِ ليسَ لَهُ سِوانا / فَمَرحى لِلقُضاةِ العادِلينا
أَمِن دَعوى التَعَصُّبِ وَهيَ زورٌ / تُباحُ دِماؤُنا لِلغاصِبينا
يَقولُ القَومُ إِصلاحٌ وَعَدلٌ / لَعَمرُ المُصلِحينَ لَقَد شَقينا
بَني التاميزَ كونوا كَيفَ شِئتُم / فَلَم نَدَعَ الكِفاحَ وَلَن نَلينا
خُذوا أَنصارَكُم إِنّا نَراهُم / لَنا وَلِقَومِنا الداءَ الدَفينا
هُمُ الأَعداءُ لَسنا مِن ذَويهِم / وَلَيسوا في الشَدائِدِ مِن ذَوينا
ذَمَمنا عَهدَكُم فَمَتى نَراكُم / تَشُدّونَ الرِحالَ مُوَدِّعينا
دَعوا ذِكرَ الوِفاقِ وَما يَليهِ / فَما نَسِيَ الحَمامُ وَلا نَسينا
زَعَمتُم أَنَّ مَوعِدَكُم قَريبٌ / كَذَبتُم أُمَّةً تُحصي السِنينا
أَغيثوا مِصرَ وَاِستَبِقوا بَنيها
أَغيثوا مِصرَ وَاِستَبِقوا بَنيها / فَقَد ضاقَت وُجوهُ العَيشِ فيها
أَتَلقى الحَتفَ لا حامٍ فَيَحمي / مَقاتِلَها وَلا واقٍ يَقيها
أَغيثوها فَما شَقِيَت بِلادٌ / بَنو السَكسونِ أَكبَرُ مُصلِحيها
أَلَستُم أَعدَلَ الأَقوامِ حُكماً / وَأَعوَزَهُم إِذا اِفتَخَروا شَبيها
أَغيثوا أُمَّةً تَشكو إِلَيكُم / أَذى الحِدثانِ وَالعَيشَ الكَريها
نَعوذُ بِعَدلِكُم أَن تُسلِمونا / إِلى نارِ الخَصاصَةِ نَصطَليها
رُعاةُ البَهمِ تَكفي ما يَليها / فَإيهاً يا بَني السَكسونِ إيها
تَرَدَّدَ في الدُجى نَفَسٌ لَهيفٌ / تَعَلَّقَ بِالمَدامِعِ يَمتَريها
نَفَضتُ لَهُ الكَرى عَن ذاتِ قَرحٍ / أُكاتِمُها الغَليلَ وَأَتَّقيها
وَقُمتُ أَجُرُّ أَوصالاً ثِقالاً / تُعاني المَوتَ مِمّا يَعتَريها
نَصَبتُ السَمعَ ثُمَّ بَعَثتُ طَرفي / وَراءَ البابِ أَعتَرِفُ الوُجوها
رَأَيتُ الهَولَ يَنبَعِثُ اِرتِجالاً / فَتَنصَدِعُ القُلوبُ لَهُ بَديها
رَأَيتُ البُؤسَ يَركُضُ في جُلودٍ / يُجانِبُها النَعيمُ وَيَحتَميها
رَأَيتُ نُيوبَ ساغِبَةٍ تَلَوّى / كَأَمثالِ الأَراقِمِ مِلءَ فيها
تُريدُ طَعامَها وَالبَيتُ مُقوٍ / فَتوشِكُ أَن تَميلَ عَلى بَنيها
مَوالِيها اصدَعوا الأَزَماتِ عَنها / فَإِنَّ العَجزَ أَلّا تَصدَعوها
فَأَينَ المُصلِحونَ أَلا حَفِيٌّ / بِمِصرَ مِنَ النَوائِبِ يَفتَديها
مَواليها اصدَعوا الأَزَماتِ عَنها / كَفاها ما تَتابَعَ مِن سِنيها
رَعَينا الجَدبَ في تلَعاتِ مِصرٍ / وَخَلَّينا الرِياضَ لِمُرتِعيها
لَقَد أَعيَت مَوارِدُها عَلَينا / وَما أَعيَت عَلى مَن يَجتَويها
هِبونا مِثلَكُم غُرَباءَ فيها / أَما نَرجو الحَياةَ وَنَبتَغيها
أَلَيسَ النَصفُ أَلّا تَمنَعونا / مَرافِقَها وَلَو كُنتُم ذَويها
أَنيلوا سُؤرَكُم هَلكى نُفوسٍ / نَعوذُ بِبِرِّكُم أَن تُرهِقوها
حُماةَ النيلِ كَم بِالنيلِ طاوٍ / يُريدُ عُلالَةً ما يَحتَويها
وَصادي النَفسِ لَو أَنَّ المَنايا / جَرَت ماءً لَأَقبَلَ يَحتَسيها
وَعاري الجَنبِ يُغضي مِن هَوانٍ / وَكانَ لِباسُهُ صَلفاً وَتيها
حُماةَ النيلِ كَم نُفسٍ تُعاني / مَنِيَّتَها وَتَدعو مُنقِذيها
أَنيلونا الدِيّاتِ وَلا تَكونوا / كَمَن يُردي النُفوسَ وَلا يَديها
زَعَمتُم أَنَّنا شَعبٌ سَفيهٌ / صَدَقتُم عَلِّموا الشَعبَ السَفيها
أَيَومَ الحَشرِ مَوعِدُنا إِذا ما / تَلَمَّسَتِ الشَعوبُ مُعَلِّميها
أَسَأتُم في سياسَتِكُم إِلَينا / وَتِلكَ سِياسَةٌ لا نَرتَضيها
رُوَيدَكَ أَيُّها الجَبّارُ فينا
رُوَيدَكَ أَيُّها الجَبّارُ فينا / فَإِنَّ الرَأيَ أَلّا تَزدَرينا
رُوَيدَكَ أَيُّها القاضي عَلَينا / قَضاءَ الظالِمينَ الناقِمينا
زَعَمتَ الحُكمَ حُكمَكَ في كِتابٍ / كَذَبتَ بِهِ الخَلائِقَ أَجمَعينا
وَما غَفلوا عَنِ الأَحقادِ تَغلي / مَراجِلُها وَما جَهلوا اليَقينا
نَفَثتَ سُمومَها إِذ ضاقَ عَنها / فُؤادُكَ وَالقُلوبُ تَضيعُ حينا
زَعَمتَ سُراتَنا وَذَوي نُهانا / مَهاذيرَ المَقاوِلِ كاذِبينا
إِذا ما جِئتَهُم أَرضَوكَ مَدحاً / فَإِن فَارَقتَ عادوا لاعِنينا
زَعَمتَ بِلادَهُم هانَت عَلَيهِم / فَما يَشكونَ عَهدَ الغاصِبينا
زَعَمتَ حَياتَهُم أَرضاً وَماءً / تَجودُ بِهِ أَكُفُّ المانِحينا
زَعَمتَ بِنا مَزاعِمَ كاذِباتٍ / وَما يُغني مَقالُ الزاعِمينا
زَعَمتَ الدينَ وَالقُرآنَ جاءا / بِما يُشقي حَياةَ المُسلِمينا
زَعَمتَ مُحَمَّداً لَم يُؤتَ رُشداً / وَلَم يَسلُك سَبيلَ المُصلِحينا
فَلَيتَكَ كُنتَهُ لِتَسُنَّ شَرعاً / يُبَلِّغُنا مَكانَ السابِقينا
رُوَيدَكَ أَيُّها الجَبّارُ فينا / فَبِئسَ الحُكمُ حُكمُ القاسِطينا
وَهَبنا أُمَّةً في الجَهلِ غَرقى / وَشَعباً في مَهانَتِهِ دَفينا
أَدينُ اللَهِ يَأمُرُنا بِجَهلٍ / وَيوجِبُ أَن نَذِلَّ وَنَستَكينا
سَلِ الأَحياءَ وَالمَوتى جَميعاً / أَكُنّا أُمَّةً مُستَضعَفينا
لَيالِيَ يَبعَثُ الإِسلامُ مِنّا / عَزائِمَ تُخضِعُ المُتَغَطرِسينا
نَثُلُّ عُروشَ جَبّارينَ غُلباً / وَنَجتَثُّ المَمالِكَ فاتِحينا
وَقائِعُ تَرجُفُ الدُوَلاتُ مِنها / وَيَذكُرُها القَياصِرُ صاغِرينا
تَرَكنا الدَهرَ يَنتَقِضُ اِنتِقاضاً / وَغادَرنا الخَلائِقَ ذاهِلينا
بِبَأسٍ لا كِفاءَ لَهُ وَعِلمٍ / جَلا الغَمَراتِ وَاِكتَسَحَ الدُجونا
لَيالِيَ ظَلَّل الأَقوامَ جَهلٌ / أَضَلَّهُمُ فَظَلّوا حائِرينا
سَننَّا الرُشدَ لِلغاوينَ طُرّاً / وَلَولا الدينُ لَم نَكُ راشِدينا
وَلَولا مَعشَرٌ خَذَلوهُ مِنّا / لَكُنّا السابقينَ الأَوَّلينا
أَتَزعُمُ ما جَنى الجُهَلاءُ ديناً / وَتَأخُذُنا بِذَنبِ الجاهِلينا
رُوَيدَكَ أَيُّها الجَبّارُ فينا / فَما أَنصَفتَنا دُنيا وَدينا
أَمّا يَنهى دُعاةَ السوءِ عَنّا
أَمّا يَنهى دُعاةَ السوءِ عَنّا / طَويلُ هَوادَةٍ وَجَميلُ رِفقِ
رُوَيداً مَعشَرَ العادينَ إِنّا / نَطَقنا بِالنَصيحَةِ خَيرَ نُطقِ
وَنَعلَمُ أَن شَعبَ النيلِ طُرّاً / عَلَينا بِالرَجاءِ الحَقِّ يُلقى
لِمِصرَ قُلوبُنا وَلَها هَوانا / عَلى الحالَينِ مَحضاً غَيرَ مَذقِ
لَها ما تَأخُذُ الدُنيا وَتُعطي / وَما تُغني حَوادِثُها وَتُبقي
أَنَحنُ الجاهِلونَ كَما زَعَمتُم / مَعاذَ اللَهُ مِن جَهلٍ وَحُمقِ
أَنَحنُ الخائِنونَ كَما اِدَّعَيتُم / بِأَيَّةِ شيمَةٍ وَبِأَيِّ خُلقِ
زَعَمتُم أَنَّنا طُلّابُ مالٍ / كَذَبتُم إِنَّنا طُلّابُ حَقِّ
وَما مَلَكَت يَدي في الدَهرِ إِلّا / يَراعَ أَمانَةٍ وَلِسانَ صِدقِ
ثَراءُ ذَوي النُهى أَوفى ثَراءً / وَرِزقُ الصالِحاتِ أَجَلُّ رِزقِ
تَوَقَّينا الشَماتَةَ مِن أُناسٍ / ذَوي ضَغنٍ فَما نَفَعَ التَوَقّي
خُذوها كَالصَواعِقِ أَنذَرتكُم / بِرَعدٍ مِن زَواجِرِها وَبَرقِ
تُدَمِّرُ ما بَنيتُم مِن صُروحٍ / تَطيرُ لِهَولِها مِن كُلِّ شقِّ
صُروحُ مُضَلَّلينَ تَعاوَرَتكُم / بُناةُ السوءِ خَلقاً بَعدَ خَلقِ
أَبادَت كُلَّ مَعرِفَةٍ وَفَنٍّ / وَأَفنَت كُلَّ مَقدِرَةٍ وَحِذقِ
هَوَت شُرُفاتُها العُليا وَشاهَت / وُجوهُ القَومِ من سودٍ وَزُرقِ
أَسوءُ سَريرَةٍ وَخَبالُ قَلبٍ / وَلُؤمُ غَريزَةٍ وَفَسادُ عِرقِ
نَعوذُ بِرَبِّنا مِن كُلِّ سوءٍ / وَنَبرَأُ مِن مَعَرَّةِ كُلِّ رِقِّ
أَكُلُّ مُتَوَّجٍ يَحمي البِلادا
أَكُلُّ مُتَوَّجٍ يَحمي البِلادا / وَيَسلُكُ في سِياسَتِها السَدادا
يَنامُ الحادِثُ المُعتَسُّ عَنها / وَيَأَبى طَرفُهُ إِلّا سُهادا
فَما تَشقى رَعَيَّتُهُ بِخَطبٍ / وَلا تَشكو اِضطراباً أَو فَسادا
تَدينُ لِتاجِهِ التِّيجانُ طُرّاً / وتسأله الرعايةَ والذيادا
وتفديه النفوسُ على اعتقادٍ / بِأَنَّ حَياتَهُ تُحيي العِبادا
أَحَبُّ المالِكينَ إِلى الرَعايا / مَليكٌ لَيسَ يَألوها اِفتِقادا
تَغَلغَلَ في مَكانِ الحِسِّ مِنها / فَكانَ السَمع فيها وَالفُؤادا
أَضَرُّ الناسِ ذو تاجٍ تَوَلّى / فَما نَفَعَ البِلادَ وَلا أَفادا
وَكانَ عَلى الرَعِيَّةِ شَرَّ راعٍ / وَأَشأَمَ مالِكٍ في الدَهرِ سادا
تَبيتُ لَهُ الأَرائِكُ في عَناءٍ / تُمارِسُ مِنهُ أَهوالاً شِدادا
وَيُمسي مُلكُهُ في زِيِّ ثَكلى / كَساها فقدُ واحدِها الحِدادا
كَأَنَّ المُلكُ في عَينَيهِ حُلمٌ / يَلُذُّ بِهِ فَما يَألو رُقادا
يُنادي صارِخُ الحَدَثانِ مِنهُ / فَتىً يَزدادُ وَقراً إِذ يُنادى
وَتَدعوهُ الرَعِيَّةُ وَهوَ لاهٍ / فَتَصدَعُ دونَ مَسمَعِهِ الجَمادا
فَلا هُوَ يُرتَجى يَوماً لِنَفعٍ / يَعَزُّ بِهِ الرَعِيَّةَ وَالبِلادا
وَلا هُوَ مالِكٌ كَشَفاً لِضُرٍّ / إِذا ما كائِدُ الحَدَثانِ كادا
حَياةٌ توسِعُ الأَحياءَ عاراً / وَذِكرٌ يَملَأُ الدُنيا سَوادا
وَهَل عَزَّ المَليكُ بِغَيرِ عَزمٍ / يُقيمُ بِهِ مِنَ المُلكِ العِمادا
وَحَزمٍ تَنثَني عَنهُ العَوادي / وَيُلقي عِندَهُ الدَهرُ القِيادا
عَزيزَ النيلِ وَالآمالُ حيرى / تُسائِلُكَ الهِدايَةَ وَالرَشادا
أَضِئ قَصدَ السَبيلِ لَها وَأَلِّف / أَوابدَها فَتوشِكُ أَن تُعادى
وَقُدها قَودَ مَأمونٍ عَلَيها / يُصاديها بِأَحسَنِ ما تُصادى
فَإيهٍ يا عَزيزَ النيلِ إيهٍ / أَم تَرضى لِمُلكِكَ أَن يُشادا
وَلِلشَعبِ المُصَفَّدِ أَن تَراهُ / وَقَد نَزَعَ الأَداهِمَ وَالصِفادا
أَلَستَ تَرى البِلادَ وَكَيفَ أَودى / بِها المَقدورُ أَو كادَت وَكادا
عَناها ما تُكافِحُ مِن خُطوبٍ / تَزيدُ عَلى هَوادَتِها عِنادا
أَلَستَ تَرى بَنيها في شِقاقٍ / فَما يَرجونَ ما عاشوا اِتِّحادا
أَتَترُكُهُم يَهُبُّ الشَرُّ فيهِم / وَنارُ الخَطبِ تَتَّقِدُ اِتِّقادا
أَتُسلِمُهُم إِلى صَمّاءَ تَثني / فُؤادَ الدَهرِ يَرتَعِدُ اِرتِعادا
أَتَقذِفُهُم إِلى لَهَواتِ ضارٍ / مَلِيٍّ أَن يَغولَهُمُ اِزدِرادا
لَقَد طَلَبَت عَلى يَدِكَ الرَّعايا / طَريفَ الخَيرِ وَالشَرَفَ التِلادا
فَخُذها في قَويمٍ مِن حَياةٍ / تَكونُ لَها قِواماً أَو عَتادا
وَحِصناً تَرتَمي نُوَبُ اللَيالي / هَوالِكَ عَن ذُراهُ أَو تفادى
أَقِم مِنآدَها وَاِشدُد قُواها / وَجاهِد في سِياسَتِها جِهادا
وإما رامَ جاهلُها فساداً / وزَيغاً عن سبيلك وابتعادا
فأرجِعه إليك فإنَّ أسمى / خِلالِكَ أن تكون لنا معادا
وعَوِّدنا خلالَ الخير إنّي / رأيتُ الخيرَ والشرّ اعتيادا
وما شُغِفَ المَسودُ بِمِثلِ خُلقٍ / يَكونُ لَدى المُسَوَّدُ مُستَجادا
وَلِلأَخلاقِ بِالأُمَمِ اِنتِقالٌ / تَدانى الحينُ مِنها أَم تَمادى
فَهَذي في مَجاهِلِها تَرَدّى / وَهَذي في مَعالِمِها تَهادى
تُسايِرُها الأَماني وَالمَنايا / فَما تَنساقُ في قَومٍ فرادى
هَواكِ هَواكِ وَالدُنيا شُؤونُ
هَواكِ هَواكِ وَالدُنيا شُؤونُ / وَلِلصَبَواتِ آوِنَةً سُكونُ
تُقَلِّبُني الحَوادِثُ وَاللَيالي / وَحُبُّكِ عَن تَقَلُّبِها مَصونُ
ظَنَنتِ سِواهُ أَن نَزَحَت دُموعي / وَأَن هَدَأَ التَشَوُّقُ وَالحَنينُ
رُوَيدَكَ إِنَّ أَشقى الحُبِّ حُبٌّ / تَمَشَّت في جَوانِبِهِ الظُنونُ
وَقَبلي أَعيَتِ البُرحاءُ قَوماً / فَما وَفَتِ القُلوبُ وَلا العُيونُ
وَإِنَّي لَو أُشاوِرُ فيكِ رَأيي / لَكَشَّفَ غَمرَتي عَقلٌ رَصينُ
يَجُدُّ عَلائِقَ الأَهواءِ إِلّا / هَوىً يُبنى بِهِ الشَرَفُ المَكينُ
وَيَمنَعُني الَّذي تَبغينَ نَفسٌ / تَهونُ الحادِثاتُ وَلا تَهونُ
نَماها العِلمُ وَالحَسبُ المُصَفّى / وَأَخلاقٌ هِيَ الذُخرُ الثَمينُ
وَما لِلحُرِّ إِن عَددَتِ العَوادي / سِوى أَخلاقِهِ فيها مُعينُ
إِذا الأَخلاقُ لَم تَمنَع أَخاها / أَباحَتهُ المَعاقِلُ وَالحُصونُ
عَزيزَ النيلِ أَنتَ لَهُ حَياةٌ / وَأَنتَ لِمُلكِهِ الرُكنُ الرَكينُ
تَرُدُّ رَوائِعَ الحِدثانِ عَنهُ / مَهولاتٍ تَذِلُّ وَتَستَكينُ
إِذا حادَت أَماني مِصرَ يَوماً / هَداها مِنكَ نورٌ مُستَبينُ
وَإِن رابَت مَواقِفَها اللَيالي / فَمِن تاجيكَ يَنبَلِجُ اليَقينُ
أَضِئ نَهجَ الحَياةِ لَنا فَإِنّا / أَضَلَّتنا الغَياهِبُ وَالدُجونُ
وَوالِ مِنَ النَوابِغِ كُلَّ حُرٍّ / لَهُ في قَومِهِ حَسَبٌ وَدينُ
تُشاوِرُهُ فَما يَألوكَ نُصحاً / وَلا يَجني عَلَيكَ بِما يَخونُ
أَتَملِكُ دَوحَةُ المُلكِ اِرتِفاعاً / إِذا مالَت حِفافَيها الغُصونُ
سَلِ التاريخَ وَاِنظُر ما أَعَدَّت / لَكَ الأُمَمُ الخَوالي وَالقُرونُ
عِظاتُ الدَهرِ وَالأَجيالِ مِنها / بِبَغدادٍ وَأَندَلُسٍ فُنونُ
غَوى العُلَماءُ فَالأَخلاقُ فَوضى / جَوامِحُ ما تَريعُ وَما تَلينُ
نَسيرُ مِنَ العِمايَةِ في مَخوفٍ / تَرامى في جَوانِبِهِ المَنونُ
رَأَيتُ الشَعبَ وَالأَمثالُ جَمٌّ / عَلى ما كانَ مالِكُهُ يَكونُ
وَما تَبَقى المَمالِكُ لاهِياتٍ / تُصَرِّفُها الخَلاعَةُ وَالمُجونُ
إِذا غَوَتِ الهُداةُ فَلا رَشيدٌ / وَإِن خانَ الرُعاةُ فَلا أَمينُ
وَأَعجَبُ ما أَرى شَعبٌ نَحيفٌ / يَسوسُ قَطيعَهُ راعٍ بَدينُ
أَضاعَ الشَرقَ أَهلوهُ وَأَودى / بِهِ مِن جَهلِهِم داءٌ دَفينُ
أَذَلَّت طاعَةُ الأَهواءِ مِنهُم / نُفوساً بِالزَواجِرِ تَستَهينُ
وَكانوا كَالأُسودِ الغُلبِ عِزّاً / فَضاعَ العِزُّ وَاِستُلِبَ العَرينُ
إذا ما أُمَّةٌ غَلَبَت هَواها / فَإِنّي بِالحَياةِ لَها ضَمينُ
عَزيزَ النيلِ وَالآمالُ ظَمأى / تَلوبُ وَعِندَكَ الماءُ المَعينُ
أَعَدَّ لَها المَشارِقُ صالِحاتٍ / يُجانِبُ صَفوَها كَدَرٌ وَطينُ
فَرِحَ الصِغارُ لِما رَأَو مِن مَنظَرٍ / حَمَلَ المَصائِبَ وَالخُطوبَ كِبارا
وَأَرى كِبارَ الناسِ إِن جَهلوا الَّذي / تُطوى عَلَيهِ الحادِثاتُ صِغارا
إِن يَضحَكوا بَينَ المَواكِبِ مَرَّةً / فَلَقَد بَكَيتُ عَلى البِلادِ مِرارا
في كُلِّ يَومٍ يَخلِقونَ لِأَهلِها / مَلِكاً يُذِلُّ رِقابَهُم جَبّارا
سَخِرَ الوُلاةُ بِنا فَساروا سيرَةً / مَلَأَت لَنا خِزياً وَفاضَت عارا
يا بَني النيلِ ما عَسى أَن تُريدوا / صَدَعَ الدَهرُ مُلكَكُم فَاِضمَحَلّا
أَكثَرُ الناسِ بِالمَمالِكِ جَهلاً / مَن يَرى الجاهِلينَ لِلمُلكِ أَهلا
وَأَحَقُّ الشعوبِ بِالمَجدِ شَعبٌ / عاشَ حُرّاً في أَرضِهِ مُستَقِلّا
املَأوا الأَرضَ يا بَني النيلِ سَعياً / وَاِغمُروا العالَمينَ عِلماً وَفَضلا
تَجعَلونَ الهَوى المُضَلِّلَ ديناً / وَتَعُدّونَ باطِلَ الأَمرِ شُغلا
أَحَسِبتُم حَربَ اللَيالي سَلاماً / وَظَنَنتُم ظُلمَ الحَوادِثِ عَدلا
اتبَعوا الجِدَّ وَاِعصِبوها بِرَأسي / حَسبُكُم ما مَضى مِنَ الدَهرِ هَزلا
إِنَّ بِالنيلِ غَمرَةً تَتَمادى / وَأَرى كُلَّ غَمرَةٍ تَتَجَلّى