المجموع : 78
كَثيبٌ فوقَهُ غُصنٌ رطيبُ
كَثيبٌ فوقَهُ غُصنٌ رطيبُ / وبُرجٌ فيهِ بدرٌ لا يغيبُ
يَرُدُّ ضياؤُهُ الأبصارَ عنهُ / فليسَ يخافُ من عينٍ تُصِيبُ
على أركانِهِ نصرٌ عَزِيزٌ / وفي أبوابهِ فتحٌ قَريبُ
ومن وَجْهِ الإلهِ لهُ كفيلٌ / ومن عين السُّعودِ لهُ رقِيبُ
تُنَاظِرُهُ الثُّرَيا وَهْيَ تجري / دُجىً فتكادُ من حَسَدٍ تذوبُ
وتلقاهُ الصَّبا سَحرَاً فتَمْضِي / ومنهُ فَكاهةٌ فيها وطِيبُ
إذا ضاقت جوانبُهُ بوَفْدٍ / تَوَسَّعَ صدرُ صاحبِهِ الرَّحيبُ
تُرافِقُها الصَبابةُ من حِماهُ / ولكن لا تُرافِقُها القُلوبُ
سليمُ القلب ممدوحُ السَجايا / لهُ من إِسمِهِ السَّامي نصيبُ
تجَمَّعَتِ المحاسنُ فيهِ جمعاً / صحيحاً وانتَفتْ عنهُ العُيوبُ
وفيُّ العهد ذو قولٍ كفِعْلٍ / فلا مَذِقُ اللسانِ ولا كَذُوبُ
إذا حَلمَتْ لهُ عينٌ بوعدٍ / وفاهُ قبلَ أنْ يأتي الغُروبُ
صَفا لك يا ابنَ مُوسَى إرْثُ مُوسَى / فإنَّك بعدهُ الخَلَفُ النجيبُ
لَدَيكَ المَنُّ والسَّلوَى جميعاً / وهذا الطُورُ عندَك واللهيبُ
أقولُ اليومَ صارَ الشَّرْقُ شَرْقا
أقولُ اليومَ صارَ الشَّرْقُ شَرْقا / فشمسُ الحَقِّ حَلَّتْ منهُ أُفْقا
وإنَّ اللهَ يَصنَعُ كلَّ عَدلٍ / فَيُعطي كُلَّ عبدٍ ما استَحَقَّا
تَهلّلَ ذلكَ التَّاجُ ابتِهاجاً / فكانَ مُسَبِّحاً لو حازَ نُطْقا
وأوشكَتِ العَصا تخضَرُّ خِصباً / فتُعطينا منَ الثَّمرَاتِ رِزْقا
لَقد خَلَفَ الزَّمانُ اليومَ عَمَّنْ / مَضَى عَنَّا وأيُّ النَّاس يَبْقى
كواكبُ لا يَغيبُ البعضُ حتى / نَرَى في مُرتَقاهُ البعضَ يَرْقَى
تَقلَّدَ بالرِّعايةِ خيرُ راعٍ / رَعاياهُ بماءِ البِرِّ تُسقَى
يَسُدُّ على ضَوارِي القَفْرِ باباً / ويَفتَحُ للمَراعي الخُضْرِ طُرْقا
نَراهُ أبرَّ أهلِ اللهِ قلباً / وأحسَنَ خَلْقِهِ خَلْقاً وخُلْقا
إذا كَلَّلتَ مَفْرِقَهُ بِتاجٍ / رأيتَ جبينَه أجْلى وأنقى
تردّى بالسَّواد فقلتُ بدرٌ / ودام كمالُهُ فوجدتُ فَرْقا
وخِلْنا صدرَهُ بحراً فلما / رأينا الدُّرَّ تمَّ الشِّبْهُ طِبقا
بيمُناهُ العزيزةِ صَوْلجانٌ / يُحطّمُ هامةَ الطاغوتِ سَحْقا
لهُ طَرَفٌ بأقصَى الشام يبدو / وأخَرُ في أقاصي مِصرَ يُلقَى
أرَى الإسكَنْدريَّةَ كلَّ يومٍ / تُهنّئُ بعدَ حَسْرَتِها دِمَشقْا
تَطَهَّرَ قلبُها من كُلِّ حُزنٍ / وقد فاضَ السُرورُ عليهِ دَفْقا
أتى الكُرْسِيَّ رافِعُهُ افتِخاراً / ومالكُ أمرِهِ فَتْقاً ورَتْقا
يُعيدُ سَلامةً ويَكُفُّ حرباً / ويَهدِمُ باطِلاً ويُقيمُ حَقّا
ويُضحِكُ أُنسُهُ مَنْ كَانَ يبكي / ويُسعِدُ لُطُفُهُ مَن كانَ يَشْقَى
فيُشرِقُ منهُ بالتاريخِ صُبحٌ / يقولُ اليومَ صارَ الشَرْقُ شَرْقا
كثيرُ العمرِ في الدُّنيا قليلُ
كثيرُ العمرِ في الدُّنيا قليلُ / فماذا يَنفَعُ العُمرُ الطويلُ
وأحوالُ الفتى في الدَّهرِ شَتَّى / ولكنْ أيُّ حالٍ لا تَحولُ
لقد هانَ الغِنَى والفَقْرُ عِندي / لعلمي أنَّ كُلَّهما يزولُ
إذا ظَفِرتْ يدي بكَفاف عَيْشٍ / فماذا بعدَهُ تلكَ الفَضولُ
أسَرُّ العيشِ في الدُنيا حياةٌ / رَضِيتَ بمالهُ فيها حصولُ
وأتعَبُ حالةٍ هِممٌ طِوالٌ / وليسَ وراءَها باعٌ طويلُ
وأطيبُ كلِّ كأسٍ كلُّ كأسٍ / إليها طبعُ شارِبِها يميلُ
وأحسَنُ ما يُسرُّ بهِ خليلٌ / سُطورٌ قد حباهُ بها الخليلُ
حَبا الحَسَنَ الحُسيَنُ فقُلتُ هذا / جميلٌ قد أتاكَ بهِ الجميلُ
كَريمٌ من كريمٍ من كِرامٍ / لهم في المجدِ فَرْضٌ لا يَعُولُ
يُقابِلنا بوَجهِ فَتىً ولكنْ / تُقصِّرُ عن مَدارِكِهِ الكُهولُ
وما صِغَرُ الجُسومِ يَضُرُّ شيئاً / إذا كَبُرتْ بجانِبهِ العُقولُ
تَهلَّلَ بالمكارمِ أرْيَحِيٌّ / كَمَنْ لَعِبَتْ بعطْفَيهِ الشَّمولُ
لهُ اللُطفُ الذي قد رقَّ حتَّى / يكادُ على معَاطفِهِ يَسيلُ
تَوَسَّعَ في العُلومِ فقُلتُ رِيفٌ / وأوسعَ في الكلامِ فقُلتُ نِيلُ
إليهِ كلَّما شئنا سبيلٌ / وليسَ إلى مَعارِجهِ سبيلُ
لهُ في كل شَنشنةٍ حَسودٌ / وليسَ لهُ بشنشنةٍ عَذولُ
رأينا دُرَّةً في نظمِ عِقدٍ / وسوفَ إلى فريدتِهِ تؤولُ
نَرَى فيه الأدلَّةَ كلَّ يومٍ / وحَسْبُ الحُكمِ أنْ يَرِدَ الدَّليلُ
مَضَى زَمَنُ الصِّبَى فَدَعِ التَّصابي
مَضَى زَمَنُ الصِّبَى فَدَعِ التَّصابي / ولا تَبْغِ الشَّرابَ منَ السَّرابِ
ودَعْني من أماني النَّفْسِ إنّي / رَضِيتُ من الغَنيمةِ بالإيابِ
ظَلَفتُ عَنِ ارتِكابِ العارِ نفسي / وعِفْتُ دَلالَ سَلْمَى والرَّبابِ
إذا هَجَرَ الحبيبُ لغيرِ ذَنْبٍ / فذاكَ الذَّنْبُ أولَى بالعِقابِ
إذا زُرتُ الصَّديقَ ولم يزُرني / فذلكَ كالخِطابِ بلا جَوابِ
إذا كَثُرتَ خبائثُ جارِ سَوْءٍ / ففُرقتُهُ أجَلُّ منَ العِتابِ
على الدُّنيا السَّلامُ فإنَّ قلبي / عن الأهواءِ مشغولُ الشِّعابِ
لَقد ألقَى الأميرُ عَلَيَّ ظِلاًّ / فقلبي عن سِواهُ في حِجابِ
أنا عَبدٌ لدَولتِهِ ولكن / أعيبُ عليهِ تحريرَ الرِّقابِ
أُردِّدُ مَدحَهُ مِثلَ المُصَلِّي / يَمُرُّ مُردِّداً أُمَّ الكتِابِ
وإنِّي غَرْسُ نِعمتِهِ قديماً / نَشَأتُ بها كأغصانِ الرَّوابي
سَقاني ماؤُها كأساً طَهُوراً / فما أسَفي على مَطَر السَّحابِ
كريمٌ لا يَضِيعُ لَدَيهِ حَقٌّ / فقد سُمِّي أميناً بالصَّوابِ
وليسَ يُخِلُ في الدُّنيا بشيءٍ / لغَيرِ المالِ من حِفظِ الصِحابِ
يَعيشُ بظِلِّهِ مَن عاشَ منَّا / ويَقِضي تحتَهُ مَيْتُ التُّرابِ
ويُدرِكُنا نَداهُ حيثُ كُنَّا / على حالِ ابتعادٍ واقتِرابِ
وتُكسِبُنا مَكارِمُهُ ارِتفاعا / كصفِرٍ زادَ في رَقمِ الحِسابِ
فدامَ نداهُ يَقرَعُ كلَّ بابٍ / ويأتيهِ الثنا من كلِّ بابِ
إذا طَلَعَ النَّهارُ أرَى الرِّجالا
إذا طَلَعَ النَّهارُ أرَى الرِّجالا / كما أبصَرْتُ في اللَيلِ الخَيالا
وأعجَبُ كيفَ تَطوِي الأرضُ ناساً / لوِ اجتَمَعوا بها كانوا جِبالا
كُرُورُ الدَّهرِ يَنسَخُ كلَّ حيٍّ / كُنورِ الشَّمسِ إذ نَسَخَ الظِّلالا
تَمُرُّ الناسُ شخصاً بعدَ شَخصٍ / كما تَرمِي عنِ القَوسِ النِّبالا
إذا أغلَقتَ دُونَ المَوتِ باباً / تَناوَلَ ألفَ بابٍ كيفَ جالا
ومَن حَذِرَ المَنيَّةَ عن يَمينٍ / تَدُورُ بهِ فتأخُذُهُ شِمالا
منَ اللهِ السَّلامُ على أميرٍ / دَفَنَّا المجدَ مَعْهُ والجَلالا
كأنَّ المَوتَ لم يجسُرْ عليهِ / مُجاهَرةً ففاجأهُ اغتِيالا
فَتىً كالسَّيفِ إرهاباً وقَطْعاً / ومِثْلُ الرُّمحِ قَدّاً واعتِدالا
ومثلُ البَدرِ إشراقاً وحُسناً / ومِثلُ الغَيثِ جوداً وابتِذالا
أجَلُّ بني الكِرام أبّاً وجدَاً / وأكرَمُ رَهْطِهم عَمَّاً وخالا
وأحسنَهُم وأجمَلهُم فَعالاً / وأوثَقُهم وأصدَقُهم مَقالا
كريمٌ من كريمٍ من كِرامٍ / بَنَوْا في المجدِ أعمِدةً طِوالا
إذا عَدَّ النَّقيبُ لَهُمْ سَرَاةً / بَبيِتُ بجَهْدِهِ يشكو الكَلالا
سَليلُ أميرِ لُبنانَ المُنادي / أنا لُبنانُ لَمَّا مِلتُ مالا
إذا قُلتَ الأميرُ ولم تُسمِّي / فلا يَحتاجُ سامعُكَ السُؤَالا
دَعَوناهُ الأميرَ فما وَفَينا / ولو قُلنا الوَزيرُ لَما استحَالا
سألْنا تَخْتَ مَعْنٍ عن نَظيرٍ / لهُ هل قامَ فيهِ فقالَ لا لا
ستَندبُهُ البِلادُ ومَنْ عَلَيها / إلى أنْ تَستَعِيضَ لهُ مِثالا
وتُحصِي النَّاسُ ما فَعَلَتْ يَداهُ / ولكنْ بعدَ أنْ تُحصِي الرِّمالا
رَضينا بالذين تَخَلَّفُوهُ / فما رَضِيَ الزَمانُ ولا أقالا
ولا تَرَكَ الخليلَ لنا شِهاباً / ولا تَرَكَ السَّعيدَ لنا هِلالا
لِعَينِكَ يا سعيدُ عُيُونُ قومٍ / سَفَكنَ منَ الجُفُونِ دَماً حَلالا
لَبِستَ اليومَ ثوباً من بَياضٍ / فزادَ جَمالَكَ الباهي جَمالا
إلى دارِ السَّعادةِ سِرتَ فَوْراً / كأنّكَ عاشقٌ يَبغِي الوِصالا
رأيتَ العيشَ في الدُّنيا طريقاً / لَها فاخَترْتَ أقرَبَهُ مَجالا
لَعمْركَ ليسَ فوقَ الأرضِ باقِ
لَعمْركَ ليسَ فوقَ الأرضِ باقِ / ولا مِمَّا قَضاهُ اللهُ واقِ
وما للمَرْءِ حظٌ غيرُ قُوتٍ / وثَوْبٍ فَوقَهُ عَقْدُ النِّطاقِ
وما للمَيْتِ إلاّ قيدُ باعٍ / ولو كانَتْ لهُ أرضُ العراقِ
وكم يمضي الفِراقُ بلا لِقاءٍ / ولكنْ لا لِقاءَ بِلا فِراقِ
أضَلُّ النَّاسِ في الدُّنيا سَبيلاً / مُحِبٌّ باتَ منها في وِثاقِ
وأخسَرُ ما يَضيعُ العُمرُ فيهِ / فَضولُ المالِ تُجمَعُ للرِّفاقِ
وأفضلُ ما اشتغَلْتَ بهِ كِتابٌ / جليلٌ نفعُهُ حُلوُ المَذاقِ
وعِشرةُ حاذقٍ فطِنٍ حكيمٍ / يُفيدُكَ من مَعانيهِ الدِّقاقِ
هُناكَ المجدُ يَنهَضُ من خُمُولٍ / بصاحبِهِ إلى أعلى الطِّباقِ
ويُنشي الذِّكرَ بينَ النَّاسِ حَتَّى / يقومَ بهِ على قَدَمٍ وساقِ
مضَى ذِكرُ الملوكِ بكُلِّ عَصرٍ / وذكر السُّوقةِ العلماءِ باقِ
وكم علمٍ جنى مالاً وجاهاً / وكم مالٍ جَنَى حربَ السِّباقِ
وما نَفعُ الدَّراهمِ مع جَهُولٍ / يُباعُ بدِرهمٍ وقتَ النَّفَاقِ
إذا حُمِلَ النُّضارُ على نياقٍ / فأيُّ الفخرِ يُحسَبُ للنِّياقِ
وأقبَحُ ما يكونُ غِنَى بخيلٍ / يَغَصُّ وماؤُهُ مِلءُ الزِّقاقِ
إذا مَلَكَتْ يداهُ الفَلسَ أمسَى / رقيقاً ليسَ يطمَعُ في العَتاقِ
ألا يا جامعَ الأموالِ هَلاّ / جَمَعْتَ لها زَماناً لاِفتِراقِ
رأيتُكَ تَطلُبُ الأَبحارَ جَهلاً / وأنتَ تكادُ تغرَقُ في السَّواقي
إذا أحرزتَ مالَ الأرضِ طُرّاً / فما لَكَ فوقَ عَيْشكَ من تَراقِ
أتأكلُ كُلَّ يومٍ ألْفَ كَبْشٍ / وتَلبَسُ ألفَ طاقٍ فوقَ طاقِ
فَضولُ المال ذاهبةٌ جُزافاً / كماءٍ صُبَّ في كأسٍ دِهاقِ
يَفيضُ سُدىً وقد يسطو عليها / فينُقِصُ مِلأها عندَ انِدفاقِ
مَضَت دُوَلُ العُلومِ الزُّهرِ قِدْماً / وقامتْ دَولةُ الصُّفرِ الرِّقاقِ
وأبرَزَتِ الخَلاعَةُ مِعصَميْها / وباتَ الجَهْلُ ممدُودَ الرِّواقِ
فأصبَحَ يَدَّعي بالسَّبقِ جَهلاً / زَعانِفُ يَعجزونَ عَنِ اللحاقِ
إذا هَلَكَتْ رِجالُ الحَيِّ أضحَى / صَبيُّ القومِ يحلِفُ بالطَّلاقِ
أسَرُّ النَّاسِ في الدُّنيا جَهولٌ / يُفَكِّرُ في اصطباحٍ واغتِباقِ
وأتعَبُهم رئيسٌ كلَّ يومٍ / يكونُ لكلِّ ملسوعٍ كراقِ
وأيسرُ كلِّ موتٍ موتُ عبدٍ / فقيرٍ زاهدٍ حَسَن السِّياقِ
فليسَ لهُ على ما فاتَ حُزنٌ / وليسَ بخائفٍ ممَّا يُلاقي
أطوفُ الأرضَ في شَرْقٍ وغَرْبِ
أطوفُ الأرضَ في شَرْقٍ وغَرْبِ / وقلبي نازلٌ بدِيارِ صَحْبي
فلي قلبٌ هُناكَ بغيرِ جِسمٍ / ولي جِسمٌ هُناكَ بغيرِ قلبِ
أحِنُّ إلى الدِّيارِ وساكِنيها / على بُعْدٍ وإن بَخُلَتْ بِقُربِ
فيَصدُقُ مَن يقولُ هُناكَ دائي / ويَصدُقُ من يقولُ هُناكَ طِبِّي
وفي تِلكَ الخُدُورِ مَهاةُ إنسٍ / مُمنَّعةٌ بحُجْبٍ بَعدَ حُجْبِ
تَصيدُ ولا تُصادُ إذا غَزَونا / فلا تُسبَى لذلكَ وَهْيَ تَسْبي
فتاةٌ وَجههُا من آلِ بَدرٍ / ولكن عينُها من آلِ حَربِ
تُصيبُ سِهامُها من غيرِ رَشقٍ / ويقَطعُ سَيفُها من غيرِ ضَربِ
أرَتْني من خِلالِ السّجْفِ طَرْفاً / قرأتُ عليهِ إنَّ اللهَ حسْبي
ووَجهاً لو ظَفِرتُ بوَجنتَيهِ / كَتبتُ عليهِما سُبحانَ ربي
جَفَتْني حِينَ قُلتُ الشِّعرَ فيها / وقالتْ قد جَلَبتَ عليكَ عَتْبي
تَعُدُّ عليَّ نظمَ الشِّعرَ ذَنباً / نَعَمْ لِسِوَى الأميرِ الشِّعرُ ذَنْبي
مَنَحتُ أبا مُحمَّدَ كُلَّ شعري / فكانَ لِمَنْ سِواهُ مالَ سَلْبِ
ومَن كأبي مُحمَّدَ يلتقيهِ / بوجهٍ مبشرٍ وفؤادِ صبِّ
ومن كآبي محمَّدَ أهل مدحٍ / ينزَّهُ صدقُهُ عن شينِ كِذبِ
ومن كأبي مُحمَّدَ أهلُ مَدحٍ / يُنزَّهُ صِدقُهُ عن شَينِ كِذْبِ
طَلَبتُ العفَو عن جَهْلي لأنِّي / طَلبتُ نظيرَهُ والجَهْلُ دأبي
فأدَّبني بسَعيٍ ضاعَ هَدْراً / كريمٌ كُلَّما أدعو يُلبّي
بَعيدُ الصِيتِ يَعبَقُ من ثناهُ / أريجُ المِسكِ في عُجْمٍ وعُرْبِ
تُقِرُّ لهُ العِدَى بالفَضلِ رَغماً / فتَحمِلُ منهُ غَصباً فوقَ غَصبِ
إذا حاضَرَتهُ يُرضيكَ حَتَّى / تَرى عَجَباً بهِ من غيرِ عُجْبِ
وإنْ فارَقتهُ يدعوكَ شَوقٌ / إليهِ قائداً بِزمامِ جَذْبِ
نلومُ السُّقمَ إذ يأتي إليهِ / وهل ظامٍ يُلامُ بورْدِ عَذْبِ
ونَطمَعُ في السَّلامةِ من أذاهُ / فقد وافَى على قَدَمِ المُحِبِّ
شَفاكَ اللهُ من كَرْبٍ تَراهُ / كما يشفَي بلُطفِكَ كلَّ كَرْبِ
فإنَّكَ في بِلادِ الشَّرْقِ رُوحٌ / وإن تكُ نازلاً منها بِغَرْبِ
مَلِلتُ منَ القريضِ وقُلتُ يكفي
مَلِلتُ منَ القريضِ وقُلتُ يكفي / لأمرٍ شابَ قوَّتَهُ بضُعفِ
أُحاوِلُ نُكتةً في كُلِّ بيتٍ / وذلكَ قد تُقصِّرُ عنهُ كَفّي
أجلُ الشِّعرِ ما في البيتِ منهُ / غَرابةُ نُكتةٍ أو نَوعُ لُطفِ
وَبئسَ الشِّعرُ بيتٌ ليسَ فيهِ / أمامَكَ غيرُ حِيطانٍ وسَقْفِ
رأيتُ الشِّعرَ بعضٌ مِثلُ وَقْرٍ / على أُذُنٍ وبعضٌ مثلُ شَنْفِ
وفوقَ الشِّعرِ فَرْقُ النَّاسِ حتى / تَرَى من ذاكَ ضعِفاً فوقَ ضِعْفِ
إذا بَرَزَ الأميرُ ظَنَنتَ شَخصاً / كباقي النَّاسِ إذ يبدُو لِطَرْفِ
وما يُدريِكَ كم رَجلاً يُساوِي / إذا استقْرَيتَ صَفّاً بعدَ صَفِّ
نَرى في كُلِّ مسئلةٍ خِلافاً / سِوَى تَفضيلهِ في كلِّ وَصفِ
وهل في الصُّبحِ بينَ النَّاسِ خَلْفٌ / فيُثبِت بعضُهم والبعضُ يَنفي
قد اجتمعت قلوبُ النَّاسٍِ طرّاً / عليهِ وأجَمَعتْ من دُونِ خُلفِ
فلم يكُ لاختلافٍ حرفُ نفيٍ / ولم يكُ لاشتراكٍ حرفُ عَطفِ
تَحِقُّ وِلايةٌ شَرْعاً وعُرفاً / لراعي الحَقِّ في شَرْعٍ وعُرفِ
لِمَنْ لو فارَقَتْهُ بَكَتْ وحَنَّتْ / حنينَ الإلفِ عندَ فِراقِ إلفِ
سليمُ القَلبِ ذو فعلٍ صَحيحٍ / يُصرَّفُ دُونَ إعلالٍ وحَذفِ
لهُ في المجدِ تأسيسٌ قديمٌ / منَ الأقيالِ رِدْفاً بعدَ رِدفِ
أقولُ إذا خَتَمتُ المدحَ فيهِ / قدِ استوَفيتَ منهُ كلَّ حرفِ
وأرجِعُ إذْ أُراجِعُهُ كأنّي / فَطِنتُ بواحدٍ من بينِ أَلفِ
أنا عبدٌ لهُ لي رَفعُ رأسٍ / بذاكَ وللحَواسدِ رَغْمُ أنْفِ
وكُنتُ لهُ قديماً مِلْكَ إرْثٍ / فصِرْتُ لهُ حديثاً مِلْكَ وَقْفِ
أهيمُ بذكرِهِ طَرَباً كأنّي / مَعاذَ اللهِ نَشوانٌ بصِرْفِ
وأستَبِقُ الرِّياحَ إليهِ حَتَّى / أسيرَ أمامَها وتَسيرَ خلفي
أقامَ اللهُ دَولَتهُ فكانَتْ / كنُورِ البَدرِ يُجلَى بعدَ خَسْفِ
تَقاسَمْنا الهناءَ بها ولكنْ / طَمعِتُ فكانَ سَهْمي فَوْقَ نِصفِ
شَكا من أذهَبَ البَلوَى وزالتْ
شَكا من أذهَبَ البَلوَى وزالتْ / بحكمتِهِ شِكاياتُ البِلادِ
وما قَدَرَ الزَّمانُ على يَديِهِ / فصادَمَ رِجلَهُ بيَدِ الجوادِ
تحَجَّبَ كالسَّرارِ فعادَ بَدْراً / وكانَ لِقاهُ أشهَى في المَعادِ
وما احتجَبَتْ لوائِحُهُ فكانت / كضَوءِ الفجرِ دُونَ الشَّمس بادِ
رَسولٌ رَدَّ قوماً عن ضلالٍ / فقادَهُمُ إلى سُبُلِ الرَّشادِ
ونادَى بينَهم يا قومُ إنّي / أخافُ عليكُمُ يومَ التَّنادِ
عَبِثتمْ بالكتابِ وقد لَطَختمْ / بياضاً للحنيفةِ بالسَّوادِ
وقُمتْمُ في البِلادِ كقوم عادٍ / ولَسْتم في شريعةِ قومِ عادِ
أتَى الأعرابَ من أبناءِ تُركٍ / سَمِيُّ مُحمَّدٍ للخَلْقِ هادِ
تَلقَّى ما بهِ الأعجامُ فاهت / وما نَطَقَتْ به عُربُ البَوادي
لهُ في النَّاسِ حُسَّادٌ على ما / يَرَونَ بهِ وليسَ لهُ أعادي
يُجازِي كُلَّ ذي ذَنْبٍ بعَدْلٍ / فيَعذِرُهُ ويَبقَى في الوِدادِ
وَزيرٌ في طريقِ اللهِ يَسعى / فليسَ يُريدُ ظُلماً للعِبادِ
بهِ عاشَتْ بقايا آلِ عيسى / كذاك العَيشُ يَحصُلُ بالفُؤادِ
لنا عيدٌ يَدومُ لَنا جديداً
لنا عيدٌ يَدومُ لَنا جديداً / وعيدُ النَّاسِ ليسَ لهُ دوامُ
وبَهجَةُ عِيدِ كلِّ النَّاسِ يَومٌ / وبَهجَةٌ عيدِنا عامٌ فعامُ
وفي الأَفلاكِ شمسٌ كلَّ يومٍ / تَغيبُ وبَعدَها يأتي الظَّلامُ
وفي بيروتَ شمسٌ كُلَّ حينٍ / تلوحُ فلا غروبَ ولا قَتامُ
تَولَّى ثَغْرَها خُرشيدُ سَعدٍ / فلاحَ من الضِّياءِ لهُ ابتِسامُ
فليسَ سِوَى السَّحائبِ فيهِ باكٍ / وليسَ بنائِحٍ إلاَّ الحَمامُ
لنا منهُ سَلامٌ مُستَمِرُّ / نَعَمْ وَلَهُ من اللهِ السَّلامُ
مَدائِحُهُ افتِتاحُ مورِّخِيهِ / وإيفاؤُ الدُّعاءِ لهُ خِتامُ
نُعاتِبُ حيثُ لا نرجو الجَوابا
نُعاتِبُ حيثُ لا نرجو الجَوابا / زَماناً ليسَ يَسْتمِعُ العِتابا
ونشكو ظُلمَهُ شكوى غَريقٍ / إلى مَوجٍ يزيدُ بها اضطِرَابا
زَمانٌ ليسَ نبرحُ كلَّ يومٍ / نَرَى فيهِ اعوجاجاً وانِقلابا
يُقادُ بهِ العزيزُ إلى ذَليلٍ / ويقتنِصُ الغُرَابُ بهِ العُقابا
يموتُ اللَّيْثُ في الفَلواتِ جوعاً / وتُبشِمُ كَثْرَةُ الشَّبَعِ الكِلابا
ويذْهبُ من نُريدُ لهُ بَقاءً / ويَبقَى مَن نُريدُ لهُ ذَهابا
مضَى عنَّا ابنُ فيَّاضٍ ففاضَتْ / عليهِ مَدامعٌ تحكي السَّحابا
مَدامعُ في الخُدودِ جَرَتْ مِياهاً / ولكن في الحَشا صارَت حِرَابا
نجا من حربِ دَنياهُ عزيزاً / فمن يدْعوهُ منصوراً أصابا
تُظلِّلُهُ الملائِكُ في ثَرَاهُ / بأجنِحةٍ رَفَعْنَ لهُ قِبابا
كريمٌ ما عَرفْنا فيهِ عَيباً / ولا خُلُقاً يَسؤُ بهِ الصِّحابا
ولم يكُ قَطُّ يُغصِبُ نفسَ رَاضٍ / ولكن كانَ يسْترَضي الغِضابا
فَقَدْناهُ ولم نَفْقِدْ ثَناهُ / فكانَ البُعدُ يُوهِمُنا اقتِراباَ
تقولُ قُلوبُنا إذْ أوْدَعوهُ / تُرَاباً لَيتنا كُنَّا تُرَابا
صديقٌ لي صَدوقٌ من صِباهُ / ولم ينسَ الصَّداقةَ حينَ شابا
بَكَيتُ عليهِ واستْدعيتُ صبري / فصارَ الصَّبرُ حزناً وانتِحابا
ومَن لم يَصطبِرْ طَوْعاً تَوَلَّى / عليهِ العَجْزُ فاصطَبرَ اغتصابا
غُرابُ البَينِ أسرَعَ في البُكورِ
غُرابُ البَينِ أسرَعَ في البُكورِ / فطارَ بمُهجةِ الطِّفلِ الصَّغيرِ
أتى يصطادُ يوماً فاجتَناهُ / كفاكهةٍ من الثَّمَر النَّضِيرِ
أذابَ اللهُ قلبَكَ من غُرابٍ / تَناوَلَ حَبَّةَ القلبِ الكسيرِ
وَرَدْتَ اليْومَ تَشرَبُ ماءَ دمعٍ / بهِ استغنيتَ عن ماءِ الغديرِ
عليكَ العهدُ لا تُبقي صغيراً / ولا تعفو عن الشَّيخِ الكبيرِ
بَسطتَ على بني الدُنيا جَناحاً / وآخرَ في السَّماءِ على النُّسورِ
عليكَ سلامُ ربِّكَ يا صغيراً / رَحَلتَ إلى الضَّريحِ من السَّريرِ
غفلنا عنكَ لم نُصحِبْكَ زاداً / فكانَ القلبُ زادَكَ في المسيرِ
عليكَ الحزنُ ليسَ لهُ نظيرٌ / لأنَّكَ لم يكنْ لكَ مِن نظيرِ
أصَبْتَ بعيَشِكَ العامَينِ رُشداً / كأنَّكَ عائشٌ عَدَدَ الشُّهورِ
حَرَصْنا أن تعيشَ لنا سليماً / فكانَ الحِرْصُ من عَبَثِ الأُمورِ
متى يسلوكَ باكٍ كلَّ يومٍ / تَجِدُّ بقلبهِ نارُ السَّعيرِ
ستسلوكَ القلوبُ نَعَمْ ولكنْ / متى صارَتْ تُرَاباً في القُبورِ
أفادَكَ نورُ قلبِكَ حُسْنَ رأيٍ / فما استمسكتَ بالدُّنيا الغَرُورِ
رأيتَ النَّاسَ في سَفَرٍ طوِيلٍ / فقُلْتَ الرأيُ في السَّفَرِ القصيرِ
عَلى نادي أحبَّتِنا الكِرامِ
عَلى نادي أحبَّتِنا الكِرامِ / سلامٌ في سلامٍ في سلامِ
سلامٌ من مَشُوقٍ صارَ يحكي / سلاماً من مَشوقٍ مُستَهامِ
أذابتهُ الصبابةُ من رحيلٍ / تَضمَّنَ في الحَشا وَهْمَ المُقامِ
ألا يا مَن سَقونا صابَ غَمٍّ / سقاكم ربُّكم صَوْبَ الغَمامِ
نأى عنَّا المَزَارُ فما حُرِمنا / زيارةَ طيفِكم تحتَ الظَّلامِ
حفِظتمْ عَهدَنا العُمَريَّ حتَّى / تَعلَّم طيفُكَم حِفظَ الذِمامِ
رَعَى اللهُ اللُوَيلاتِ اللوَاتي / مَضَيْنَ لنا كحُلمٍ في مَنامِ
رَجونا أن تدومَ لنا فقالتْ / ندومُ إذا طَمعْتُم في الدَّوامِ
لكلِّ لُبانةٍ زَمَنٌ نَراهُ / يَقودُ لها الرِّجالَ بلا زِمامِ
وما لكَ فُرصةٌ ضاعت فرُدَّتْ / وكيفَ يُرَدُّ مُنطلِقُ السِّهامِ
وقد يَرقَى اللِّفاءُ إلى وفاءٍ / كما يَرقَى الهلالُ إلى التمامِ
إذا حَسنُتَْ فواتحُ كلِّ أمرٍ / رَجونا بعدَها حُسْنَ الخِتامِ
أُناسٌ كلُّها تُمسي تُرابا
أُناسٌ كلُّها تُمسي تُرابا / بدارٍ كلُّها تُمسي خَرابا
فماذا نبتغي فيها بِناءً / وماذا نبتغي منها اكتسابا
تمرُّ النَّاسُ أفواجاً عليها / كما نَفَضَتْ عواصفُها السَّحابا
وتَخطِرُ فوقَها حيناً فتَبقَى / زماناً تحتها فاتَ الحسابا
هيَ الأُمُّ التي ضمَّت بنَيها / إلى أحشائِها ترجو الثَّوابا
يَشِبُّ على هواها كلُّ طِفلٍ / ولا ينسى المحبَّةَ حينَ شابا
غُرابُ البينِ يَنعَقُ كُلَّ يومٍ / بساحتها فَيقتَنِصُ العُقابا
رأينا الموتَ لا يبقي كريماً / ولا يخشى الملامَ ولا العتابا
رَمَى أسكارُسَ القِبطيَّ سهماً / فرَنَّ بكلِّ قلبٍ إذ أصابا
كريمٌ كانَ للعافي مَلاذاً / متى يُدعَى لحادثةٍ أجابا
تكبَّدَتِ القلوبُ ضِرامَ حزنٍ / عليهِ لو يَمَسُّ الصخرَ ذابا
وصارَ دمُ الدُّموع خِضابَ سُوءٍ / لمن صارَ السَّوادُ لها ثيابا
مضى متمتِّعاً بنعيم ربٍّ / دعاهُ إلى كرامَتِهِ انتِخَابا
حياةُ النَّاسِ في الدُّنيا طريقٌ / إلى الأُخرَى نسوقُ لها الرِّكابا
وأفضلُ مَشرَبٍ كأسُ المنايا / إذا كان النَّعيمُ بها شرابا
لِعينِكَ يا غزالَ الرَّقَمتينِ
لِعينِكَ يا غزالَ الرَّقَمتينِ / غليلُ صبابتي وسُهادُ عيني
هجرتُ لأجلِها وطني فأمسَى / عليَّ سوادُها كغُرابِ بَينِ
ألا يا مُقلةً رشَقَت فُؤَادي / بسهمٍ عن قِسِيِّ الحاجبَينِ
سوادُكِ قد أصابَ سوادَ قلبي / فكان الحربُ بينَ الأسَودَينِ
بَرَيتُ إليكِ أخفافَ المَطايا / فلم أُدرِكْ ولا خُفَّيْ حُنينِ
فعُدتُ وقد لَهَوتُ عنِ التَّصابي / بوصفِ محمَّدٍ نجلِ الحُسَينِ
كريمٌ من كريمِ أبٍ وأُمٍّ / إلى سَلَفٍ كِرامِ النَّبَعتينِ
لهم في أرضِنا شَرَفٌ قديمٌ / تناوَلَهُ الفَتى بالراحَتينِ
جميلُ الوجهِ محمودُ السَّجايا / رحيبُ الصَّدرِ مُنبسِطُ اليدَينِ
يَرَى صُنْعَ المكارمِ كلَّ يومٍ / كفَرْضِ الدِّينِ أو كوَفاءِ دَينِ
أرانا ليلةً فيها زِفافٌ / تَجلَّى باقترانِ النَّيّرَينِ
هما كالفرقَدينِ على اجتماعٍ / نَرومُ لهُ دَوامَ الفرقدَينِ
وَفاءُ العَهدِ من شِيَمِ الكرامِ
وَفاءُ العَهدِ من شِيَمِ الكرامِ / ونقضُ العَهدِ من شِيَمِ اللِّئَامِ
وعندي لا يُعَدُّ من السَّجايا / سِوَى حِفظِ المَوَدَّةِ والذِّمامِ
وما حُسنُ البِداءَةِ شرطُ حُبٍّ / ولكن شرطُهُ حسنُ الخِتامِ
وليسَ العهدُ ما ترعاهُ يوماً / ولكن ما رعَيتَ على الدَّوامِ
نَقَضتمْ يا كرامَ الحيِّ عهداً / حَسِبناهُ يدومُ لألفِ عامِ
وكنَّا أمسِ نطمعُ في جِوارٍ / فصرنا اليومَ نقنعُ بالسَّلامِ
جَرَى عهدُ الثّقاتِ على فَعالٍ / وعهدُ الغادرينَ على كلامِ
ومَن لا يبتغي لِلذَّنبِ عُذراً / يهونُ عليهِ تفنيدُ الملامِ
ومَن لا يَرْعَ وُدَّكَ في رحيلٍ / فلا يَرعَى وِدَادَكَ في مُقامِ
ومَن عَدَلَ المَحاسِنَ بالمَساوي / فقد جَهِلَ الصَّباحَ من الظَّلامِ
أَنا الخِلُّ الوفيُّ وإنَّ نفسي / تَفي حقَّ الصَّديقِ على التَّمامِ
أُراعي حقَّهُ ما دامَ حيّاً / وبعدَ وفاتِهِ حقَّ العِظامِ
إذا ذهبَ الكثيرُ من الكثيرِ
إذا ذهبَ الكثيرُ من الكثيرِ / فقد عَزَمَ القليلُ على المَسيرِ
وإن ذهبَ الكبيرُ ولم يُؤَثِرْ / فليسَ نخافُ مِن أثَرِ الصَّغيرِ
إذا سَلِمَتْ من النِّيرانِ نفسٌ / فلا ترتاعُ من حرِّ الهجيرِ
ومَن لم يَفترسِهُ ظُفْرُ لَيْثٍ / فليس يَدُوسهُ خُفُّ البعيرِ
يهونُ على يسيرٍ منكَ صَبْرٌ / لأنَّكَ قد صَبَرتَ على العسيرِ
وهل يرْتاعُ مِن خَوضِ السَّواقي / فتىً قد خاضَ في البحرِ الكبيرِ
عليكَ بطيبِ نَفْسٍ وارتياحٍ / وتسليمٍ إلى المَلِكِ القديرِ
فإنَّ الخوفَ داءٌ فَوْقَ داءٍ / يُذِيبُ إذا تَعلَّقَ بالضميرِ
وفِعْلُ اللهِ يُبطِلُ كُلَّ فِعلٍ / ويَغلِبُ طِبَّ داودَ البصيرِ
حياةُ النَّاسِ في الدُّنيا مَنامٌ / ويَقظتُهم لدَى النَّوْمِ الأخيرِ
وكلُّ العمرِ يومٌ أنتَ فيهِ / فما فَرْقُ الطويلِ عن القصيرِ
وبعضُ الحيِّ فَوْقَ البعضِ حتى / يموتَ فكُلُّ عبدٍ كالأميرِ
وبيتُ العَنْكبوتِ إذا رحلنا / يُعادَلُ بالخَوَرْنَقِ والسَّديرِ
ونفسُ المرءِ في الدُّنيا أسيرٌ / ومَوْتُ الجسمِ إطلاقُ الأسيرِ
فلا أسفٌ على الدُّنيا ولكنْ / على ما بعدَ ذاكَ من المصيرِ
ينامُ المجرِمونَ على قَتَادٍ / ونومُ الصالحينَ على حريرِ
وأندَمُ غافلٍ من صَمَّ سمعاً / قُبيلَ البينِ عن صوتِ النَّذيرِ
وإنَّ النُّصحَ في الحُكَماءِ يجري / كَجْريِ الماءِ في الرَّوضِ النَّضيرِ
وفي أُذُنِ الجَهولِ يضيعُ هَدْراً / كضَوءِ الصُّبحِ في عينِ الضَّريرِ
دعاني من هَوى هندٍ وأَسْما
دعاني من هَوى هندٍ وأَسْما / فذلك قدْ جَعلتُ عَليهِ خَتْما
إذا ولَّى سوادُ الرَّأسِ يوماً / يصيرُ هوَى سوادِ العينِ ظُلما
لأيَّامِ الصِّبا زَهْوٌ ولكنْ / سيَخبُثُ بعدهُ ما لَذَّ طَعْما
ويَنسى المرءُ من نَدمٍ حَديثٍ / حلاوةَ كلِّ ما قد مرَّ قِدْما
حَياةُ النَّاسِ في الدُّنيا غَرورٌ / كعينٍ أبصَرَتْ في النَّومِ حُلْما
إذا ما أصبَحتْ ضَحِكت عليهِ / وتَعلَمُ أنَّهُ قد كانَ وَهْما
سَلِ الشَّيخَ الحُسينَ متى تَراهُ / يُفِدْكَ بمشكلاتِ الدَّهرِ حُكما
وتشربُ مِن خَطابتهِ شراباً / طَهوراً ليسَ مَن أرواهُ يَظما
أبَرُّ الصَّالحينَ يداً وقلباً / وأزكَى رَهطِهم خالاً وعَمَّا
وأكرَمُ شيمةً وأجلُّ قَدْراً / وأبلغُ حِكمةً وأشَدُّ حَزما
لقد جَمَعَ الشتَّاتَ من السَّجايا / كعِقدٍ ضَمَّ نثرَ الدُرِّ نَظما
وقامَ على حُدود الله يَبغي / رِضاهُ جامعاً عَملاً وعِلما
قضى الحجَّ الشَّريفَ إلى مَقامٍ / أقامَ لهُ خليلُ اللهِ رَسما
وقد رَمتِ الجِمارَ يداهُ يوماً / فصَبَّ على جنودِ السُّوءِ رَجْما
ألا يا خيرَ مَن في البيتِ لَبَّى / وطافَ وخيرَ من ضَحَّى وسَمَّى
هَنئْتَ بعوْدةٍ من دارِ حجٍّ / لدى تأريخهِ بالخيرِ تَمَّا
كريمٌ قد تولاّهُ الكريمُ
كريمٌ قد تولاّهُ الكريمُ / برحمتهِ فدامَ لهُ النَّعيمُ
رَجَونا أن يعيشَ لنا سليماً / ولكن ليسَ في الدُّنيا سليمُ
بلايا الدَّهرِ بينَ النَّاسِ شَتَّى / وأعظَمُها يُصابُ بهِ العظيمُ
تُفاجئُ حيثُ لم تَخطُر ببالٍ / ولم يَفطُنْ لَها الرَّجلُ الحكيمُ
إذا لم تأتِ جهراً من أمامٍ / أتَت من فوق خاطفةً تَحومُ
نسُدُّ طريقَها عنَّا فتجري / على طُرُقٍ إلينا تَستقيمُ
لعَمرُكَ كلُّ ما في الأرض فانٍ / وغيرُ جَلالِ ربِّكَ لا يَدومُ
لكلِّ مَصائِبِ الدُّنيا خصوصٌ / بهِ افتَرقَتْ وللموتِ العُمومُ
سَيطرقُ كلَّ جسمٍ فيهِ روحٌ / فلا تَبقَى الحياةُ ولا الجُسومُ
ولو أنَّ النُّجومَ لها حَياةٌ / لذاقتْ غُصَّةَ الموتِ النُّجومُ
سَقَتْ نِعَمُ الإلهِ ثَرَى ضريحٍ / أجَلُّ مُسافِرٍ فيهِ مقيمُ
فينبُتَ فوقهُ زَهرٌ رطيبٌ / ويَروَى تحتَهُ عظمٌ رميمُ
مضى عنَّا وقد غُلَّتْ يَداهُ / وقُطِّبَ ذلكَ الوجهُ الوسيمُ
قدِ اختَطَفَتْهُ بارِقةُ المنايا / بليلٍ لم يَهُبَّ بهِ النَّسيمُ
دعوناهُ سليماً حين رُمنا / سلامتَهُ فخالفَ ما نَرومُ
وصدَّ فما يُجيبُ ولو تَولَّى / مَقامَ خِطابِهِ مَوسَى الكليمُ
عليهِ رحمةٌ في كلِّ يومٍ / يجدِّدُها لهُ المَلِكُ الرَّحيمُ
وتلكَ نِهايةُ الآمالِ يَسعَى / إليها من يُصلِّي أو يَصومُ
بُروقٌ قد تخللَّها رُعودُ
بُروقٌ قد تخللَّها رُعودُ / فظُنَّ وراءَها مَطَرٌ شديدُ
وهُوجُ عواصفٍ ثارتْ فكادتْ / جِبالُ الشُّوفِ من قَلَقٍ تَميدُ
وسُحْبٌ أطبَقَتْ ولها دُخانٌ / إلى أوجِ السَّماءِ لهُ صُعودُ
وقد ثارَ العَجاجُ بأرض قومٍ / عليهمْ مِنهُ قد خَفَقَتْ بُنودُ
تَرادَفَ كلُّ ذلك ثُمَّ ولَّى / كذوبِ الثَّلجِ وانخَذَلَ الحَسودُ
رَقدنا والأماني السُّودُ بِيضٌ / وقُمنا والوجوهُ البِيضُ سُودُ
إذا أعطى الفتَى مَولاهُ عَوْناً / تُقصِّرُ عن مَضَرَّتهِ العبيدُ
وأمرُ اللهِ يَغلِبُ كلَّ أمرٍ / فلا مَلِكٌ يُعَدُّ ولا جُنودُ
حَماكَ أبا المجيدِ حُسامُ رَبٍّ / لديهِ يُشبِهُ الخَشَبَ الحديدُ
ودِرعٌ نَسجُ داودٍ منيعٌ / بنصرِ الله مَنعَتُهُ تزيدُ
لقد كثُرَتْ من القوم الدعاوي / ولكن لم تُؤيِّدْها الشُّهودُ
ولو صَحَّ الكلامُ بلا بَيانٍ / بَلَغتُ من الدَّعاوي ما أريدُ
عَمَدتَ فما نَدِمتَ لكيدِ قومٍ / لهم نَدَمٌ ولكنْ لا يُفيدُ
إذا حَجَرٌ رَميتَ بهِ عَموداً / تَراهُ نحو راميهِ يعودُ
وكم شَرَكٍ تُصادُ بهِ ظِباءٌ / ولكن لا تُصادُ بهِ الأُسودُ
وليسَ السَّيفُ يَقطَعُ في دُروعٍ / إذا قُطِعت بضربتهِ الجُلودُ
وأيُّ النَّاسِ يُرضي كلَّ نفسٍ / وبينَ هوى النُّفوسِ مدىً بعيدُ
ومن قَصَدَ الرِّضَى للنَّاسِ طُرّاً / كمنْ في الدَّهرِ يُطمِعُهُ الخُلودُ
وكمْ شاكٍ منَ الرَّحمنِ حتَّى / عليهِ الكُفرُ يَغلِبُ والجُحودُ
يَسُنُّ لهُ الوقوفَ على حُدودٍ / فتُزعجُ نفسَهُ تلك الحُدودُ