المجموع : 25
ولم يَكُ فِيَّ مِنْ عَيْبٍ
ولم يَكُ فِيَّ مِنْ عَيْبٍ / أُعابُ بهِ فَيَنقُصَني
فإنّي قد صَحِبْتُ النّا / سَ فيما مَرَّ من زَمني
فلم أحسُدْ أخا نِعَم / ولم أشْمَتْ بمُمْتَحَن
لذاكَ اللهُ يَرعاني / ويَكْفيني ويَحْرُسُني
سبَى منّي الفؤادَ لحاظُ فاتِنْ
سبَى منّي الفؤادَ لحاظُ فاتِنْ / وعَذَّبني فِراق أغَرَّ شادنْ
وعَوَّضني خيالاً منه طَرْفي / وما أرضَى به عِوَضاً ولكِن
ألا يا حَبّذا بُرْجُ اغْتِماضٍ / لطَيْفي طَيْفُكمْ فيه يُقارِن
وعَيْنٌ عندَها في كُلِّ مُمْسىً / مُقيمٌ لا يَزالُ خَيالُ ظاعن
وعَيْبُ الطّيفِ أَنَّ الوَصْلَ منه / لظاهرِه منَ الهِجْرانِ باطن
وآخِرُ عَهْدِهمْ يومَ اسْتَشاروا / جُيوشَ الحُسْنِ فيه منَ المَكامن
غداةَ غدَوا يَزُمّونَ المَطايا / وقد هَمَّ الخليطُ بأنْ يُباين
وفي أَحَدِ الهوادجِ بَدْرُ تمٍ / ففي أَنوارِه تَسْري الظَّعائن
يَبيتُ كأنّه وكأنَّ عِيساً / تَعومُ برَكبها عَوْمَ السَّفائن
شَقيقٌ لابنِ يامينَ استقلَّتْ / بأُسرتهِ سَفينٌ لابْنِ يامِن
نظرتُ إلى الحُمولِ غداةَ سارَتْ / بطَرْفٍ غيرِ سافٍ وهْو سافن
وبيضُ الهِنْدِ من وَجْدي هَوازٍ / بإحدَى البيضِ من عُلْيا هَوازن
وقد عَرَض الرّماحَ على الهَوادي / لها فُرسانَ يَربوع ومازن
تَميمٌ خالُها والعَمُّ قَيْسٌ / فدونَ لقائها كلٌّ يُطاعن
تُطارُ لها الجَماجمُ كلَّ يَومٍ / وسُمْرُ الخَطِّ تُحطَمُ في الجَناجِن
وهذا الدَّهْرُ من أَعْدَى الأعادي / فما قَدْرُ المُعادي والمُضاغِن
إلامَ أَذودُ صادِيةَ الأماني / وماءُ مُهنَّدي في الغِمْدِ آجن
وقد نفَتِ الحِفاظَ رجالُ عَصْري / فَمرَّ كما نُفي الوَلَدُ المُلاعن
وكم حارَبْتُ سُلطانَ اللّيالي / فهاأنَذا أُسالمُ أَو أُهادِن
أَهُمُّ بمَطْلبي وأَرَى زماناً / أَنامِلُه بما أَبْغي ضَنائن
ولي أَبناءُ دَهْرٍ أَشْبَهوهُ / فكُلٌّ منهم كأبيهِ خائن
وقد حالوا عنِ المَعْهودِ طُرّاً / وَأَبْدَوْا عن ذَميماتِ الدَّفائن
فصَبْراً فالزَّمانُ كما تُعاني / وصَمْتاً فالأنامُ كما تُعايِن
وممّا شَفّني أَنْ مَرَّ عنّي / زمانُ صِباً وتلْكَ من الغَبائن
وظَنَّ الشّيْبُ أَنّ العَزْمَ وَاهٍ / إلى طَرَبٍ وأَنَّ العَظْمَ واهن
وفيَّ بَقيّةٌ بقيَتْ لوَجدٍ / ومَن يَصْحو معَ الحَدَقِ الفَواتن
فيا رشَأً تَعرَّضَ يومَ جَمْع / وولَّى والقلوبُ له رَهائن
ليَهْنكَ أَنْ سكنْتَ القلبَ منّي / وقَبلَك لم يكُنْ قلبي بساكن
وأَنّك لو أَجلْتَ الطّرفَ فيه / لَما صادفْتَ غيرَك فيه قاطن
وغيرُ وَلاءِ زَيْنِ الدينِ صدْقاً / فَداكَ به بدِينِ اللهِ دائن
إمامُ هُدّى لدِينِ اللهِ منه / على أَعدائه أَعلَى مَعاوِن
دَعُوهُ زَيْنَه فازدانَ معنىً / وكم يُدعَى بزَيْنٍ غَيرُ زائن
أَغرُّ من المكارمِ والمعالي / أَبوه أَحلَّه أَعلَى الأماكن
وصَفوةُ سُؤْدَدٍ خلَصتْ عُلاه / منَ الرِّيَبِ الشّوائبِ والشّوائن
له في الدّهرِ آثارٌ حسانٌ / إذا اخْتُبرَتْ وأخلاقٌ أحاسن
وحالٌ غيرُ حائلةٍ وطَبْعٌ / بلا طَبَعٍ وشأْنٌ غيرُ شائن
هُمامٌ ظَلَّ للإسلامِ تاجاً / فقَلَّ له المُوازي والمُوازن
ومَغْشيُّ الرِّواقِ لعُظْمِ قَدْرٍ / يَغَصُّ ذُراهُ بالخيلِ الصّوافن
مُذيلٌ مالَه حَزْماً ولكنْ / نَداهُ لدِينهِ والعِرْض صائن
إذا خُبئَتْ له الأموالُ يَوماً / فأيدي السائلين له المَخازن
فتىً يحبو ولكنْ لا يُحابي / إذا فصَلَ القضاءُ ولا يُداهن
ويأوي رُكْنُ دينِ اللهِ منه / إلى حَرَمٍ منَ الشُّبُهاتِ آمن
ألا يا أخطبَ الخُطباء طُرّاً / كما شَهِدَ المُصادِقُ والمُشاحن
وأعدلَ مَن قضَى في الدّهرِ يوماً / إذا أَضحَى يُلايِنُ أَو يُخاشن
لقد حُزْتَ المعاليَ والمعاني / وعُدَّ لك المَزايا والمَزاين
وأصبحتِ المَحاسنُ لِلآلى / لذاك كَنَوا أَباك أَبا المَحاسن
لِيَهْنِكَ أنّ خُوزِستانَ أَلْقَى / إلى يَدِكَ العِنانَ على المَيامن
فَثقِّفْ منه مُنْآدَ القضايا / وأبرِزْ أَخْزَميّاتِ الشّنائن
وكلُّ مُجازِفٍ من قَبلُ أَمسَى / وأَصبحَ وهْو بالقسطاسِ وازِن
كأنّ المجلسَ الرُّكنيَّ رامٍ / رمَى غرضَ العُلا وهْو المُراهن
فلم يَخْتَرْ سِواك إليه سَهْماً / وبينَ يدَيْهِ قد نُثرَ الكَنائن
أَنابَكَ عنه بدْراً وهْو شَمسٌ / فنُورُكما الّذي شَمَلَ المَدائن
ألا ففَداكما من كلِّ سَوءٍ / غداةَ عُلاكُما أركانُ كائن
ولا عَدتِ العِدا غِيَرُ اللّيالي / إذا زمَنٌ تحَرَّكَ منه ساكن
أيا مَن ما لفُلْكِ رَجاء قَومٍ / سِوى مأْلوفِ جُودِ يدَيْكَ شاحن
كما طَوَّقْتَني المِنَنَ البَوادي / لقد أَقْرَطْتُك الدُّرَر الثّمائن
ثَناءٌ تعبَقُ الآفاقُ منه / ولستُ لمَنْ شَرَى شُكْري بغابن
لغَيْرِكَ تَضْمَنُ الأموالُ غَيْري / ولكنّي بحُسْنِ الذَّكرِ ضامن
فما عُهِدَ المطامعُ قَطُّ فيكمْ / ولا فيمَنْ تُولّونَ المَطاعن
وما أَنا غيرَ عَضْبٍ تَنْتَضيه / على عُنُقِ العَدُوُّ لكَ المُباين
وكم من حائدٍ عنكمْ تَمادَتْ / غَوايتُه فأصبحَ وهْو حائن
مَرنْتُ على عَدُوِّكمُ إلى أنْ / قَدِمْتُ برَغْمِ هاتيكَ المَوارن
ولو أنّي قدَرْتُ لكان منّي / سِنانٌ في نُحورِ البيدِ طاعن
أَمامَ السّائرِين إليك شَوقاً / يُرقِّصُ كُلَّ مَلئِ النِّسْعِ بادن
ولكنْ هُمْ نَوَوْا لذُراكَ حَجّاً / وكانوا في القَصيِّ منَ المَواطن
فسرْتَ وأَنت بُغْيَتُهمْ إليهمْ / فقد حَجّوا وما بَرِحوا الأماكن
فها أنا في فنائكَ كُلَّ يَومٍ / أَروحُ بعُمْرةٍ للحجِّ قارِن
ولا أَرْضَى لتَهْنئتي نِثاراً / إذا عُدَّ الذي حَوتِ الخَزائن
سوى الدُّرِّ الّذي قَلَمي وفكْري / وأَلسنةُ الرُّواةِ لها مَعادن
ولي في الأرضِ غُرٌّ سائراتٌ / تَهاداها الأياسِرُ والأيامن
وما سَيّارةُ الأفْلاكِ إلاّ / حَواسِدُها المُسِرّاتُ الضَّغائن
وكانتْ سَبعةً من قَبْلِ عَصْري / فشِعْري راحَ وهْو لَهُنَّ ثامن
على أَنَّي وإنْ أَغرَبْتُ قَوْلاً / عليمٌ أنّني في الفعْلِ لاحن
كَبُرْتَ عنِ المديح فلا لِسانٌ / له إعْظامُ قَدْرِكَ غَيْر شاحن
فتَعليقُ المدائح من بليغٍ / عليك تَميمةٌ من عَيْنِ عائن
ستَملِكُ رِقَّ أهلِ الأرضِ طُرّاً / وهذا الشِّعْرُ للكُرَماء كاهن
وتَبْلو الخُوزَ مثْلَ الخُوزِ شَتىً / وكم ضَيْفٍ سيَتْبَعُه ضَيافن
وتَحكُمُ في الأقاليمِ البَواقي / وها أَنا للبَيانِ بذاكَ راهِن
فطالَعَكَ السُّعودُ بكلِّ أَرْضٍ / ظَلِلْتَ بها وصَبّحَك المَيامن
ودُمْتَ دَوامَ ذِكْرِ أَبيكَ غَضّاً / وجادَتْ عهدَه السُّحُبُ الهَواتن
أَعِدْ نظَراً فما في الخَدِّ نَبْتٌ
أَعِدْ نظَراً فما في الخَدِّ نَبْتٌ / حَماهُ اللهُ من رَيْبِ المَنونِ
ولكنْ رقَّ ماءُ الخَدِّ حتّى / أَراك خَيالَ أَهدابِ الجُفون
سِهامُ نَواظرٍ تُصْمي الرَّمايا
سِهامُ نَواظرٍ تُصْمي الرَّمايا / وهُنَّ منَ الجوانحِ في الحَنايا
ومن عجَبٍ سهامٌ لم تُفارِقْ / حَناياها وقد أصْمَتْ حشايا
نَهيْتُك أن تُناضِلَها فإنّي / رمَيْتُ فلم يُصِبْ سَهْمي سِوايا
جعَلْتُ طليعتي طَرْفي سَفاهاً / فَدُلَّ على مَقاتِليَ الخَفايا
وهل يُحمَى حَريمٌ من عَدُوٍّ / إذا ما الجيشُ خانَتْه الرَّبايا
ويومَ عَرضتُ جيشَ الصَّبْرِ حتّى / أَشُنَّ به على وَجْدي سَرايا
هزَزْنَ من القُدودِ لنا رِماحاً / فخَلَّينا القلوبَ لها دَرايا
وأَبكَى البَيْنُ شَتّى مِن عُيونٍ / وكان سِوَى مَدامِعيَ البَكايا
ولي نَفَسٌ إذا ما امتدَّ شَوقاً / أطار القلبُ من حُرْقٍ شَظايا
ودمعٌ يَنصرُ الواشِين ظُلْماً / ويُظهرُ من سَرائريَ الخبايا
ومُحتكِمٍ على العُشّاقِ جَوْراً / وأينَ منَ الدُّمَى عَدْلُ القَضايا
يُرِيكَ بوَجْنَتَيْهِ الوَرْدَ غَضّاً / ونَورَ الأُقْحُوانِ منَ الثّنايا
تأمَّلْ منه تحت الصُّدْغِ خالاً / لتَعلمَ كم خَبايا في الزَّوايا
ولا تَلُمِ المُتيَّمَ في هواهُ / فعَذْلُ العاشِقينَ من الخَطايا
خَطبْتُ نوالَه المَمنوعَ حتّى / أَثَرْتُ به على نَفْسي بَلايا
فأرَّقَ مقلتي وجْداً وشَوقاً / وعذَّب مهجتي هَجراً ونايا
وأَتعبَ سائري أن رقَّ قلبي / وفي ضَعْفِ الملوكِ أذَى الرّعايا
غَريمُ الدّهرِ ليس له وفاءٌ / فلا تَدْفعْ نُقودَك بالنَّسايا
تَغنَّمْ صُحبتي يا صاحِ إنّي / نَزعْتُ عنِ الصِّبا إلاّ بَقايا
وخالفْ مَن تَنسَّك مِن رجالٍ / لَقُوكَ بأكبُدِ الإبِلِ الأَبايا
ولا تسلُكْ سِوى طُرُقي فإنّي / أنا ابْنُ جَلا وطَلاّع الثّنايا
وقُمْ نأخُذْ من الَّلذّاتِ حَظّاً / فإنّا سوف تُدرِكُنا المنايا
وساعِدْ زُمرةً ركَضوا إليها / فآبُوا بالنِّهابِ وبالسَّبايا
وأَهْدِ إلى الوزيرِ المدْحَ يَجْعَلْ / لكَ المِرباعَ منها والصَّفايا
وقُلْ للرّاحِلينَ إلى ذُراهُ / ألستمْ خيرَ مَن رَكِبَ المَطايا
بيُمْنِ مُعينِ دينِ اللهِ أضحَتْ / ديارُ المُلْكِ عاليةَ البِنايا
هو الفلَكُ المُطِلُّ عُلاً ولكنْ / كواكبُه إذا طلَع السَّجايا
هو المَلِكُ الّذي يُضْحي ويُمْسي / زِنادُ المُلكِ مِن يَدِه وَرايا
أجلُّ الناسِ إن فخَروا نِصاباً / وأكرمُهمْ إذا اخْتُبِروا سجايا
أبَى إلاّ السُّموَّ إلى المعالي / وقد دنَتِ النُّفوسُ من الدَّنايا
وصَدِّقْ كُلَّ ظنٍّ فيه جُوداً / وقد طُوِيتْ على البُخْلِ الطَّوايا
فتىً لو جادَ بالدّنيا لفَرْدٍ / توَهَّم أنّها أدنَى العَطايا
ولو وهَب النُّجومَ لسائليهِ / رآها من مَواهبِه نفايا
وحُسنُ الذّكْرِ في الدُّنيا غِراسٌ / تَنالُ ثمارَها الأيدي السَّخايا
إليك أَثَرْتُ من بُعُدٍ خُطاها / فجاءتْ وهْي ضامرةٌ رَذايا
وهُنّ وقد أَتَتْكَ بنا خِفافاً / بأنْ يَرجِعْنَ مُثقلَةً حَرايا
قِسِيُّ سُرًى وأَرْكَبَها سِهامٌ / رَميْنَ بِهنَّ أغراضاً قَصايا
لِيَهْنِكَ ما تَجدَّد من جَلالٍ / بما أَولاك سُلطانُ البَرايا
فقد غَدَتِ المَمالكُ وهْي تُزْهَى / بعَدْلك من خَلائقِك الوَضايا
وعَسكرُ مُكرَمٍ عَرِيَتْ رُباها / لِما صنَعتْ بها العُصَبُ الغَوايا
ولم تَرَ في بلادِ اللهِ طُرّاً / كسُوق الجَسْرِ سُوقاً مُقلتايا
ولا كتدفُّقِ الدُّولابِ فيها / رأتْ عينايَ واغترَفَتْ يَدايا
فهاهيَ قد خلَتْ تلك المَغاني / بها وتَقوَّضتْ تلكَ البنايا
فَجرِّدْ للمَصالحِ منك عَزْماً / ألا يا أيمنَ الوزراءِ رايا
تَنالُ به لَواحِقَ حُسنِ صيتٍ / لَهُنَّ على سَوابقه مَزايا
يَعُدْ فَلكاً يدورُ وفيه شُهْبٌ / تَقاذَفُ من جوانبهِ القَضايا
وباكيةٍ تَحِنُّ لغَيْرِ وَجْدٍ / وتَندُبُ في الغُدُوِّ وفي العَشايا
وكان بكاؤها ضَحِكاً لقومٍ / فلمّا أَن رقَتْ بكَتِ البَرايا
وليس من البدائعِ حينَ تُمْحَى / بجُودِ يَديْكَ آثارُ الرّزايا
ولو أنّي مَلكتُ عنانَ أمري / وأجراني الزّمانُ على هَوايا
لسِرْتُ إذَنْ على بَصَري إليكمْ / وما ألِمَ المَسيرَ ولا تَعايا
أَطَلْتُ ببابِكَ العالي مُقامي / مُصاحِبَ هذهِ الشِّيَمِ الرَّضايا
ولكنْ لا أزالُ كأنّ دَهْري / يُبِرُّ من الإساءةِ بي ألايا
وما هذا الزّمانُ وأنت فيه / بأهْلٍ أن يؤاخَذَ بالجَنايا
وأَيّة بَلْدةٍ حَلّتْ رِكابي / تَلَوْتُ بها لشُكرِ نَداكَ آيا
وليس الشِّعْرُ لي شَرفاً ولكنْ / أُحبِّرُ للكرامِ به تَحايا
وأحوِي منه للكُبَراء ودّاً / تَقطَّعُ للحسودِ به الحَوايا
ولولا شكرُ مثْلِك بالقوافي / لَما عَلِقتْ أعِنّتَها يَدايا
فلا بَرِحَتْ بك الأيّامُ غُرّاً / ولا بلَغتْ لك الحُسّادُ غَايا
فدُمْ في أنعُمٍ للخَلْقِ تَبْقَى / على مَرِّ السِّنينَ بها فَتايا
وعيِّدْ في السّعادةِ ألفَ عامٍ / وعشْ ما شئتَ في نِعَمٍ سَنايا
وخُذْها فهْيَ والمهدونَ شَتّى / نَفيسةُ ما مَلكْتُ من الهدايا
إذا القاضي كمالُ المُلكِ يوماً / عليك جلا مَعانيَها الجَلايا
لِمَنْ صُغْتُ المديحَ ومَن رَواهُ / شَهْدتُ لقد تَعالَى مُرْتقايا
مُنظَّمةً من الدُّرِّ الغَوالي / مُحَبّرةً من الكَلِمِ العَلايا
رجَتْ منك القَبولَ لها فتاهَتْ / وما كُلُّ الملائحِ بالحَظايا
أطاعَكَ منّيَ القلبُ العصِيُّ
أطاعَكَ منّيَ القلبُ العصِيُّ / وكم يَقْوَى على النَّبْلِ الرّمِيُّ
وكم للغِيدِ من نظرٍ كَليلٍ / يُصابُ بسَهمه بَطلٌ كَمِيّ
وكنتُ من الهوَى حُرّاً إلى أن / سَباني منكَ طَرْفٌ جاهليّ
سَقيمٌ قد رمَيْتَ به فؤادي / وقد يُبْلَى بذي السَّقْمِ البَريّ
فإن يكُ حُبُّ ذاتِ الخالِ غَيّاً / كما زعَموا فلا رَشَدَ الغَويّ
ذكرْتُ العامريّةَ والمَطايا / يُطَرِّبُها الغُلامُ العامِريّ
فحَنَّ الأرحبِيُّ وهَمَّ شَوقاً / بكَفّي أَن يَحِنَّ الأصبَحيّ
وبِتُّ وللصّبابةِ في فُؤادي / مَكانٌ ليس يَعْرِفُه الخَليّ
أَقولُ ولَيْلتي تَزدادُ طُولاً / ومالي غَيرَ كوكبِها نَجِيّ
ألا صُبْحٌ يُتاحُ لنا مُضيء / أَلا لَيلٌ يُتاحُ له مُضيّ
فحُلَّ عِقالَها يا صاحِ إنّا / بأرضٍ عِداً يمَلُّ بها الثَّويّ
ولمّا رابَني إظْلالُ أَمرٍ / ولاحظَ مُنْتَهاهُ الألمعيّ
زجَرْتُ بأرضِ خُوزِسْتانَ عَنْسي / مُروقَ السّهمِ أَسْلَمَه الحَنيّ
ووافَيْتُ الجِبالَ كما تَسامَى / إلى قُلَلِ الشّوامخِ مَضْرَحيّ
وأعرَضَ بعدَهُنَّ فلا عُراضٌ / لأنفاسِ الرّياح بها دَويّ
وغُبْرٌ من بني الغَبْراءِ مَلأى / فلا يَجْري بها إلاّ جَريّ
يُسَلُّ لهمْ من الجَفنَينِ خوفاً / معَ اللّيلِ الكرَى والمَشرَفيّ
فلَم نَنزِلْ بشابُر خُواةَ إلاّ / وكلُّ رِكابنا نِضْوٌرَذيّ
فألمَمْنا بها واللّيلُ يَحكي / زِناداً ضَوْؤُه فيه خَبيّ
وصَبّحْنا بَروجِرْداً فمِلْنا / إليها والنهارُ بها فَتِيّ
فما بلَغتْ بنا همَذانَ إلاّ / وقد أَلوى بها الأمدُ القَصيّ
بأثباجٍ كما انتطحَتْ وُعولٌ / بِشابةَ أَو كما انأطَرَتْ قِسيّ
فأعجَلْنا بها للرَّكْبِ زاداً / ورُحْنا للرَّكابِ بنا هَويّ
وشارَفْنا المُعسكرَ بعْدَ لأْيٍ / وقد نقرَ الطُّبولَ بها العَشيّ
ولاح لنا الخيامُ البيضُ منه / على بُعْدٍ كما برَق الحَبيّ
وطاولَتِ السّماءَ سُرادِقاتٌ / على أَبوابها رُكزَ القُني
فجاذبَنا أَعنَّتَها المَذاكي / وسالبَنا أَزِمّتَها المَطيّ
وقُلنا اليوم حان لنا مُناخٌ / به تُلقى مع اليُمْنِ العِصيّ
فلمّا أَن دنَتْ منها رِكابي / تَلقّاني بإدراري نَعيّ
فقلتُ وإصبَعي في فيَّ تَدْمَى / لقد عاشَ السّخاءُ الحاتِميّ
كذا فَلْيُكرَمِ الزَّورُ المُوافي / كذا فَلْيُكرِمِ المَولَى الوَفيّ
حياءً معشرَ الكُتّابِ منّا / فما حازَ النُّهَى إلاّ حَبِيّ
وما بَينَ الكتابةِ من ذِمام / وبينَ الشِّعرِ مُتَّضِحٌ جَليّ
وليس يُلابِسُ الآدابَ أَدنَى / من الإطنابِ إن أَنِفَ الأبيّ
أَيُزْعَمُ أَنَّ إدراري لغَيْري / لعَمْرُكَ إنّه كَذِبٌ فَريّ
فيا قلمَ الكتابةِ أَنتَ عندي / كَذوبٌ بعدَ فَعْلِتها دَعيّ
وليس لسانُك المَشْقوقُ إلاّ / لِكذْبكَ إن تَأمّلَهُ ذَكيّ
فقال وهَزَّ من عِطْفي مُجيباً / وما بِيراعةِ الكُتّابِ عِيّ
لعلّ خِتامَ ما كتبوا جَميلٌ / يُسَرُّ بهِ وإنْ كُرِهَ البَديّ
فخَطُّ الفَصِّ مَعكوسٌ عَجيبٌ / ويَصدُرُ عنه مَقْرؤٌ سَويّ
تَعجّبَ صاحبي من طُولِ هَمّي / فقلتُ لِيَهْنِكَ البالُ الرَّخِيّ
وخَوَّفني تَصاريفَ اللّيالي / فقلتُ اللهُ حَسْبي والصَّفيّ
وكيف يَخافُ رَيبَ الدَّهرِ حُرٌّ / وَليُّ الدَّولتَينِ له وَليّ
وهل يُخشَى كَسادُ الفَضلِ يوماً / وناصِرُه أَبوه الأريَحيّ
لقد أَهدَى الغداةَ شِفاءَ صَدري / فتىً وجْهُ الزّمانِ به وَضىّ
أَخو هِمَمٍ لَوِ استَعْلَتْ لظَلّتْ / سَواميَ في السّماء لها رُقىّ
غدا لعُفاتِه فرعاً كريماً / نَماهُ منَ العُلا أَصْلٌ زكيّ
فهَزَّهُ عِطفه فَنَنٌ رَطيبٌ / وجودُ بنانِه ثَمَرٌ جَنيّ
كأنّ الوافدِينَ نُجومُ لَيلٍ / ورَحْبَ جَنابِه الفَلَكُ العليّ
إذا ما حانَ من فِرَقٍ ذَهابٌ / أُتيحَ إليه من فِرَقٍ مَجِيّ
ومُستوفي مَمالكَ قاصياتٍ / كِفايتُه لِعاطلِها حُليّ
أَظلَّ به على الآفاقِ عِلْمٌ / فما مِنْ أَمرها عنه خَفيّ
كعَينِ الشّمسِ يَلْحَظُ كُلَّ قُطْرٍ / من الأقطار ناطرُها المُضيّ
له قلمٌ بما يَحمي شَحيحٌ / وصاحبُه بما يَحوي سَخيّ
كلَمْعِ البَرقِ أَنملُه حِساباً / وفيه الغَيثُ مَشرَبُه رَويّ
أَيا مَن طبعُه عَدْلٌ وفَضْلٌ / فمِنه الحُرُّ بالنُّعْمَى حَريّ
ومَن أَدْنى مَناقِبه سَناءٌ / ومَن أَدنَى مَواهبِه سَنيّ
أَيُقصَدُ نَقْلُ إدراري بظُلْمٍ / وظُلمُ النّاسِ مَرتَعُه وَبيّ
ولم يُحْسَنْ إليّ بحِفْظِ غَيبٍ / ومثْلُك حينَ لم يُحسِنْ مَسيّ
حلَفْتُ بربِّ مكّةَ والمسَاعي / ومَن واراه طَيْبةُ والغَرّي
لقد كادَتْ تُعاتِبُهمْ قوافٍ / لها الأقلامُ تُطرِقُ والدُّويّ
وقد مُلِئتْ قوارصَ مؤلماتٍ / ولكنْ مُلجَمٌ قيلَ التّقيّ
وقَيدُ أوابدي كَرَمٌ وَدينٌ / عنِ الأقوام لا حَصَرٌ وعِيّ
وحاشا أَن أذُمَّ سَراةَ قومٍ / وزَنْدي في العُلا بِهمُ وَريّ
لقد أَزِفَ المَسيرُ بلا عِتادٍ / وشَحَّ بدَرّهِ الخِلْفُ البَكيّ
وتَحتي أعوَجِيٌّ لا يُجارَى / ولكنْ تحت رَحْلي أَخْدَريّ
فهل لك أن تَجودَ وأنتَ بحْرٌ / به لا عنه كُلٌ فتىً غَنِيّ
بعالي القَدِّ سافِلُه وَثيقٌ / لراكبِه وعاليهِ وَطيّ
غدا في الخيلِ من طَرْفٍ نسيباً / عريقاً وهْو من طَرَفٍ نَفيّ
قَصيرَ العُرْفِ أربَعُه طِوالٌ / يُباهي الخيلَ مَنظرُهُ البَهيّ
تَطيرُ حصَى الأماعزِ من يدَيْهِ / كما نقَد الدَّراهِمَ صَيّرفيّ
ويَسْتَدني البعيدَ منَ الفيافي / كما يُطوَى النّسيجُ الأتحَميّ
ولو أجريتَه حَولاً صَبورٌ / ولو أوقَرتَه طَوداً قَويّ
وظَنّي أن يَمُنَّ به سَماحاً / فتىً للوَفْد نائلُه هَنيّ
مَليءٌ أن يَجودَ به وفكْري / بمَدْحي أن يَجودَ له مَليّ
أيا بحراً ومَشرَعُه نَداهُ / ويا بدراً ومَطلَعُه نَديّ
ويَتْبَعُه كرامُ النّاسِ طُرّاً / كما تَبعَ السِّنانَ السَّمْهَريّ
كريمٌ يُفصِحُ المُدّاحُ فيه / وصَوغُ المَدْحِ في اللُّؤَماء عِيّ
أهبْتُ إلى مَديحِك بالقوافي / فكاد يُسابِقُ الصَّدَرَ الرَّويّ
فدونَكَها مُوشَّحةَ المَعاني / كما جُلِيَتْ على البَعْلِ الهَديّ
وإن أضحَتْ ومَنظرُها جَميلٌ / فقد أمسَتْ وخاطِبُها كَفيّ
فدُمتَ لنا مُطاعَ الأمرِ عِزّاً / ودام لك البَقاءُ السَّرمَديّ
ولا سَلَب الزّمانُ عُلاك يوماً / فأنت لعاطلِ الدُّنيا حُليّ