القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : ناصِحُ الدين الأَرَّجاني الكل
المجموع : 25
ولم يَكُ فِيَّ مِنْ عَيْبٍ
ولم يَكُ فِيَّ مِنْ عَيْبٍ / أُعابُ بهِ فَيَنقُصَني
فإنّي قد صَحِبْتُ النّا / سَ فيما مَرَّ من زَمني
فلم أحسُدْ أخا نِعَم / ولم أشْمَتْ بمُمْتَحَن
لذاكَ اللهُ يَرعاني / ويَكْفيني ويَحْرُسُني
سبَى منّي الفؤادَ لحاظُ فاتِنْ
سبَى منّي الفؤادَ لحاظُ فاتِنْ / وعَذَّبني فِراق أغَرَّ شادنْ
وعَوَّضني خيالاً منه طَرْفي / وما أرضَى به عِوَضاً ولكِن
ألا يا حَبّذا بُرْجُ اغْتِماضٍ / لطَيْفي طَيْفُكمْ فيه يُقارِن
وعَيْنٌ عندَها في كُلِّ مُمْسىً / مُقيمٌ لا يَزالُ خَيالُ ظاعن
وعَيْبُ الطّيفِ أَنَّ الوَصْلَ منه / لظاهرِه منَ الهِجْرانِ باطن
وآخِرُ عَهْدِهمْ يومَ اسْتَشاروا / جُيوشَ الحُسْنِ فيه منَ المَكامن
غداةَ غدَوا يَزُمّونَ المَطايا / وقد هَمَّ الخليطُ بأنْ يُباين
وفي أَحَدِ الهوادجِ بَدْرُ تمٍ / ففي أَنوارِه تَسْري الظَّعائن
يَبيتُ كأنّه وكأنَّ عِيساً / تَعومُ برَكبها عَوْمَ السَّفائن
شَقيقٌ لابنِ يامينَ استقلَّتْ / بأُسرتهِ سَفينٌ لابْنِ يامِن
نظرتُ إلى الحُمولِ غداةَ سارَتْ / بطَرْفٍ غيرِ سافٍ وهْو سافن
وبيضُ الهِنْدِ من وَجْدي هَوازٍ / بإحدَى البيضِ من عُلْيا هَوازن
وقد عَرَض الرّماحَ على الهَوادي / لها فُرسانَ يَربوع ومازن
تَميمٌ خالُها والعَمُّ قَيْسٌ / فدونَ لقائها كلٌّ يُطاعن
تُطارُ لها الجَماجمُ كلَّ يَومٍ / وسُمْرُ الخَطِّ تُحطَمُ في الجَناجِن
وهذا الدَّهْرُ من أَعْدَى الأعادي / فما قَدْرُ المُعادي والمُضاغِن
إلامَ أَذودُ صادِيةَ الأماني / وماءُ مُهنَّدي في الغِمْدِ آجن
وقد نفَتِ الحِفاظَ رجالُ عَصْري / فَمرَّ كما نُفي الوَلَدُ المُلاعن
وكم حارَبْتُ سُلطانَ اللّيالي / فهاأنَذا أُسالمُ أَو أُهادِن
أَهُمُّ بمَطْلبي وأَرَى زماناً / أَنامِلُه بما أَبْغي ضَنائن
ولي أَبناءُ دَهْرٍ أَشْبَهوهُ / فكُلٌّ منهم كأبيهِ خائن
وقد حالوا عنِ المَعْهودِ طُرّاً / وَأَبْدَوْا عن ذَميماتِ الدَّفائن
فصَبْراً فالزَّمانُ كما تُعاني / وصَمْتاً فالأنامُ كما تُعايِن
وممّا شَفّني أَنْ مَرَّ عنّي / زمانُ صِباً وتلْكَ من الغَبائن
وظَنَّ الشّيْبُ أَنّ العَزْمَ وَاهٍ / إلى طَرَبٍ وأَنَّ العَظْمَ واهن
وفيَّ بَقيّةٌ بقيَتْ لوَجدٍ / ومَن يَصْحو معَ الحَدَقِ الفَواتن
فيا رشَأً تَعرَّضَ يومَ جَمْع / وولَّى والقلوبُ له رَهائن
ليَهْنكَ أَنْ سكنْتَ القلبَ منّي / وقَبلَك لم يكُنْ قلبي بساكن
وأَنّك لو أَجلْتَ الطّرفَ فيه / لَما صادفْتَ غيرَك فيه قاطن
وغيرُ وَلاءِ زَيْنِ الدينِ صدْقاً / فَداكَ به بدِينِ اللهِ دائن
إمامُ هُدّى لدِينِ اللهِ منه / على أَعدائه أَعلَى مَعاوِن
دَعُوهُ زَيْنَه فازدانَ معنىً / وكم يُدعَى بزَيْنٍ غَيرُ زائن
أَغرُّ من المكارمِ والمعالي / أَبوه أَحلَّه أَعلَى الأماكن
وصَفوةُ سُؤْدَدٍ خلَصتْ عُلاه / منَ الرِّيَبِ الشّوائبِ والشّوائن
له في الدّهرِ آثارٌ حسانٌ / إذا اخْتُبرَتْ وأخلاقٌ أحاسن
وحالٌ غيرُ حائلةٍ وطَبْعٌ / بلا طَبَعٍ وشأْنٌ غيرُ شائن
هُمامٌ ظَلَّ للإسلامِ تاجاً / فقَلَّ له المُوازي والمُوازن
ومَغْشيُّ الرِّواقِ لعُظْمِ قَدْرٍ / يَغَصُّ ذُراهُ بالخيلِ الصّوافن
مُذيلٌ مالَه حَزْماً ولكنْ / نَداهُ لدِينهِ والعِرْض صائن
إذا خُبئَتْ له الأموالُ يَوماً / فأيدي السائلين له المَخازن
فتىً يحبو ولكنْ لا يُحابي / إذا فصَلَ القضاءُ ولا يُداهن
ويأوي رُكْنُ دينِ اللهِ منه / إلى حَرَمٍ منَ الشُّبُهاتِ آمن
ألا يا أخطبَ الخُطباء طُرّاً / كما شَهِدَ المُصادِقُ والمُشاحن
وأعدلَ مَن قضَى في الدّهرِ يوماً / إذا أَضحَى يُلايِنُ أَو يُخاشن
لقد حُزْتَ المعاليَ والمعاني / وعُدَّ لك المَزايا والمَزاين
وأصبحتِ المَحاسنُ لِلآلى / لذاك كَنَوا أَباك أَبا المَحاسن
لِيَهْنِكَ أنّ خُوزِستانَ أَلْقَى / إلى يَدِكَ العِنانَ على المَيامن
فَثقِّفْ منه مُنْآدَ القضايا / وأبرِزْ أَخْزَميّاتِ الشّنائن
وكلُّ مُجازِفٍ من قَبلُ أَمسَى / وأَصبحَ وهْو بالقسطاسِ وازِن
كأنّ المجلسَ الرُّكنيَّ رامٍ / رمَى غرضَ العُلا وهْو المُراهن
فلم يَخْتَرْ سِواك إليه سَهْماً / وبينَ يدَيْهِ قد نُثرَ الكَنائن
أَنابَكَ عنه بدْراً وهْو شَمسٌ / فنُورُكما الّذي شَمَلَ المَدائن
ألا ففَداكما من كلِّ سَوءٍ / غداةَ عُلاكُما أركانُ كائن
ولا عَدتِ العِدا غِيَرُ اللّيالي / إذا زمَنٌ تحَرَّكَ منه ساكن
أيا مَن ما لفُلْكِ رَجاء قَومٍ / سِوى مأْلوفِ جُودِ يدَيْكَ شاحن
كما طَوَّقْتَني المِنَنَ البَوادي / لقد أَقْرَطْتُك الدُّرَر الثّمائن
ثَناءٌ تعبَقُ الآفاقُ منه / ولستُ لمَنْ شَرَى شُكْري بغابن
لغَيْرِكَ تَضْمَنُ الأموالُ غَيْري / ولكنّي بحُسْنِ الذَّكرِ ضامن
فما عُهِدَ المطامعُ قَطُّ فيكمْ / ولا فيمَنْ تُولّونَ المَطاعن
وما أَنا غيرَ عَضْبٍ تَنْتَضيه / على عُنُقِ العَدُوُّ لكَ المُباين
وكم من حائدٍ عنكمْ تَمادَتْ / غَوايتُه فأصبحَ وهْو حائن
مَرنْتُ على عَدُوِّكمُ إلى أنْ / قَدِمْتُ برَغْمِ هاتيكَ المَوارن
ولو أنّي قدَرْتُ لكان منّي / سِنانٌ في نُحورِ البيدِ طاعن
أَمامَ السّائرِين إليك شَوقاً / يُرقِّصُ كُلَّ مَلئِ النِّسْعِ بادن
ولكنْ هُمْ نَوَوْا لذُراكَ حَجّاً / وكانوا في القَصيِّ منَ المَواطن
فسرْتَ وأَنت بُغْيَتُهمْ إليهمْ / فقد حَجّوا وما بَرِحوا الأماكن
فها أنا في فنائكَ كُلَّ يَومٍ / أَروحُ بعُمْرةٍ للحجِّ قارِن
ولا أَرْضَى لتَهْنئتي نِثاراً / إذا عُدَّ الذي حَوتِ الخَزائن
سوى الدُّرِّ الّذي قَلَمي وفكْري / وأَلسنةُ الرُّواةِ لها مَعادن
ولي في الأرضِ غُرٌّ سائراتٌ / تَهاداها الأياسِرُ والأيامن
وما سَيّارةُ الأفْلاكِ إلاّ / حَواسِدُها المُسِرّاتُ الضَّغائن
وكانتْ سَبعةً من قَبْلِ عَصْري / فشِعْري راحَ وهْو لَهُنَّ ثامن
على أَنَّي وإنْ أَغرَبْتُ قَوْلاً / عليمٌ أنّني في الفعْلِ لاحن
كَبُرْتَ عنِ المديح فلا لِسانٌ / له إعْظامُ قَدْرِكَ غَيْر شاحن
فتَعليقُ المدائح من بليغٍ / عليك تَميمةٌ من عَيْنِ عائن
ستَملِكُ رِقَّ أهلِ الأرضِ طُرّاً / وهذا الشِّعْرُ للكُرَماء كاهن
وتَبْلو الخُوزَ مثْلَ الخُوزِ شَتىً / وكم ضَيْفٍ سيَتْبَعُه ضَيافن
وتَحكُمُ في الأقاليمِ البَواقي / وها أَنا للبَيانِ بذاكَ راهِن
فطالَعَكَ السُّعودُ بكلِّ أَرْضٍ / ظَلِلْتَ بها وصَبّحَك المَيامن
ودُمْتَ دَوامَ ذِكْرِ أَبيكَ غَضّاً / وجادَتْ عهدَه السُّحُبُ الهَواتن
أَعِدْ نظَراً فما في الخَدِّ نَبْتٌ
أَعِدْ نظَراً فما في الخَدِّ نَبْتٌ / حَماهُ اللهُ من رَيْبِ المَنونِ
ولكنْ رقَّ ماءُ الخَدِّ حتّى / أَراك خَيالَ أَهدابِ الجُفون
سِهامُ نَواظرٍ تُصْمي الرَّمايا
سِهامُ نَواظرٍ تُصْمي الرَّمايا / وهُنَّ منَ الجوانحِ في الحَنايا
ومن عجَبٍ سهامٌ لم تُفارِقْ / حَناياها وقد أصْمَتْ حشايا
نَهيْتُك أن تُناضِلَها فإنّي / رمَيْتُ فلم يُصِبْ سَهْمي سِوايا
جعَلْتُ طليعتي طَرْفي سَفاهاً / فَدُلَّ على مَقاتِليَ الخَفايا
وهل يُحمَى حَريمٌ من عَدُوٍّ / إذا ما الجيشُ خانَتْه الرَّبايا
ويومَ عَرضتُ جيشَ الصَّبْرِ حتّى / أَشُنَّ به على وَجْدي سَرايا
هزَزْنَ من القُدودِ لنا رِماحاً / فخَلَّينا القلوبَ لها دَرايا
وأَبكَى البَيْنُ شَتّى مِن عُيونٍ / وكان سِوَى مَدامِعيَ البَكايا
ولي نَفَسٌ إذا ما امتدَّ شَوقاً / أطار القلبُ من حُرْقٍ شَظايا
ودمعٌ يَنصرُ الواشِين ظُلْماً / ويُظهرُ من سَرائريَ الخبايا
ومُحتكِمٍ على العُشّاقِ جَوْراً / وأينَ منَ الدُّمَى عَدْلُ القَضايا
يُرِيكَ بوَجْنَتَيْهِ الوَرْدَ غَضّاً / ونَورَ الأُقْحُوانِ منَ الثّنايا
تأمَّلْ منه تحت الصُّدْغِ خالاً / لتَعلمَ كم خَبايا في الزَّوايا
ولا تَلُمِ المُتيَّمَ في هواهُ / فعَذْلُ العاشِقينَ من الخَطايا
خَطبْتُ نوالَه المَمنوعَ حتّى / أَثَرْتُ به على نَفْسي بَلايا
فأرَّقَ مقلتي وجْداً وشَوقاً / وعذَّب مهجتي هَجراً ونايا
وأَتعبَ سائري أن رقَّ قلبي / وفي ضَعْفِ الملوكِ أذَى الرّعايا
غَريمُ الدّهرِ ليس له وفاءٌ / فلا تَدْفعْ نُقودَك بالنَّسايا
تَغنَّمْ صُحبتي يا صاحِ إنّي / نَزعْتُ عنِ الصِّبا إلاّ بَقايا
وخالفْ مَن تَنسَّك مِن رجالٍ / لَقُوكَ بأكبُدِ الإبِلِ الأَبايا
ولا تسلُكْ سِوى طُرُقي فإنّي / أنا ابْنُ جَلا وطَلاّع الثّنايا
وقُمْ نأخُذْ من الَّلذّاتِ حَظّاً / فإنّا سوف تُدرِكُنا المنايا
وساعِدْ زُمرةً ركَضوا إليها / فآبُوا بالنِّهابِ وبالسَّبايا
وأَهْدِ إلى الوزيرِ المدْحَ يَجْعَلْ / لكَ المِرباعَ منها والصَّفايا
وقُلْ للرّاحِلينَ إلى ذُراهُ / ألستمْ خيرَ مَن رَكِبَ المَطايا
بيُمْنِ مُعينِ دينِ اللهِ أضحَتْ / ديارُ المُلْكِ عاليةَ البِنايا
هو الفلَكُ المُطِلُّ عُلاً ولكنْ / كواكبُه إذا طلَع السَّجايا
هو المَلِكُ الّذي يُضْحي ويُمْسي / زِنادُ المُلكِ مِن يَدِه وَرايا
أجلُّ الناسِ إن فخَروا نِصاباً / وأكرمُهمْ إذا اخْتُبِروا سجايا
أبَى إلاّ السُّموَّ إلى المعالي / وقد دنَتِ النُّفوسُ من الدَّنايا
وصَدِّقْ كُلَّ ظنٍّ فيه جُوداً / وقد طُوِيتْ على البُخْلِ الطَّوايا
فتىً لو جادَ بالدّنيا لفَرْدٍ / توَهَّم أنّها أدنَى العَطايا
ولو وهَب النُّجومَ لسائليهِ / رآها من مَواهبِه نفايا
وحُسنُ الذّكْرِ في الدُّنيا غِراسٌ / تَنالُ ثمارَها الأيدي السَّخايا
إليك أَثَرْتُ من بُعُدٍ خُطاها / فجاءتْ وهْي ضامرةٌ رَذايا
وهُنّ وقد أَتَتْكَ بنا خِفافاً / بأنْ يَرجِعْنَ مُثقلَةً حَرايا
قِسِيُّ سُرًى وأَرْكَبَها سِهامٌ / رَميْنَ بِهنَّ أغراضاً قَصايا
لِيَهْنِكَ ما تَجدَّد من جَلالٍ / بما أَولاك سُلطانُ البَرايا
فقد غَدَتِ المَمالكُ وهْي تُزْهَى / بعَدْلك من خَلائقِك الوَضايا
وعَسكرُ مُكرَمٍ عَرِيَتْ رُباها / لِما صنَعتْ بها العُصَبُ الغَوايا
ولم تَرَ في بلادِ اللهِ طُرّاً / كسُوق الجَسْرِ سُوقاً مُقلتايا
ولا كتدفُّقِ الدُّولابِ فيها / رأتْ عينايَ واغترَفَتْ يَدايا
فهاهيَ قد خلَتْ تلك المَغاني / بها وتَقوَّضتْ تلكَ البنايا
فَجرِّدْ للمَصالحِ منك عَزْماً / ألا يا أيمنَ الوزراءِ رايا
تَنالُ به لَواحِقَ حُسنِ صيتٍ / لَهُنَّ على سَوابقه مَزايا
يَعُدْ فَلكاً يدورُ وفيه شُهْبٌ / تَقاذَفُ من جوانبهِ القَضايا
وباكيةٍ تَحِنُّ لغَيْرِ وَجْدٍ / وتَندُبُ في الغُدُوِّ وفي العَشايا
وكان بكاؤها ضَحِكاً لقومٍ / فلمّا أَن رقَتْ بكَتِ البَرايا
وليس من البدائعِ حينَ تُمْحَى / بجُودِ يَديْكَ آثارُ الرّزايا
ولو أنّي مَلكتُ عنانَ أمري / وأجراني الزّمانُ على هَوايا
لسِرْتُ إذَنْ على بَصَري إليكمْ / وما ألِمَ المَسيرَ ولا تَعايا
أَطَلْتُ ببابِكَ العالي مُقامي / مُصاحِبَ هذهِ الشِّيَمِ الرَّضايا
ولكنْ لا أزالُ كأنّ دَهْري / يُبِرُّ من الإساءةِ بي ألايا
وما هذا الزّمانُ وأنت فيه / بأهْلٍ أن يؤاخَذَ بالجَنايا
وأَيّة بَلْدةٍ حَلّتْ رِكابي / تَلَوْتُ بها لشُكرِ نَداكَ آيا
وليس الشِّعْرُ لي شَرفاً ولكنْ / أُحبِّرُ للكرامِ به تَحايا
وأحوِي منه للكُبَراء ودّاً / تَقطَّعُ للحسودِ به الحَوايا
ولولا شكرُ مثْلِك بالقوافي / لَما عَلِقتْ أعِنّتَها يَدايا
فلا بَرِحَتْ بك الأيّامُ غُرّاً / ولا بلَغتْ لك الحُسّادُ غَايا
فدُمْ في أنعُمٍ للخَلْقِ تَبْقَى / على مَرِّ السِّنينَ بها فَتايا
وعيِّدْ في السّعادةِ ألفَ عامٍ / وعشْ ما شئتَ في نِعَمٍ سَنايا
وخُذْها فهْيَ والمهدونَ شَتّى / نَفيسةُ ما مَلكْتُ من الهدايا
إذا القاضي كمالُ المُلكِ يوماً / عليك جلا مَعانيَها الجَلايا
لِمَنْ صُغْتُ المديحَ ومَن رَواهُ / شَهْدتُ لقد تَعالَى مُرْتقايا
مُنظَّمةً من الدُّرِّ الغَوالي / مُحَبّرةً من الكَلِمِ العَلايا
رجَتْ منك القَبولَ لها فتاهَتْ / وما كُلُّ الملائحِ بالحَظايا
أطاعَكَ منّيَ القلبُ العصِيُّ
أطاعَكَ منّيَ القلبُ العصِيُّ / وكم يَقْوَى على النَّبْلِ الرّمِيُّ
وكم للغِيدِ من نظرٍ كَليلٍ / يُصابُ بسَهمه بَطلٌ كَمِيّ
وكنتُ من الهوَى حُرّاً إلى أن / سَباني منكَ طَرْفٌ جاهليّ
سَقيمٌ قد رمَيْتَ به فؤادي / وقد يُبْلَى بذي السَّقْمِ البَريّ
فإن يكُ حُبُّ ذاتِ الخالِ غَيّاً / كما زعَموا فلا رَشَدَ الغَويّ
ذكرْتُ العامريّةَ والمَطايا / يُطَرِّبُها الغُلامُ العامِريّ
فحَنَّ الأرحبِيُّ وهَمَّ شَوقاً / بكَفّي أَن يَحِنَّ الأصبَحيّ
وبِتُّ وللصّبابةِ في فُؤادي / مَكانٌ ليس يَعْرِفُه الخَليّ
أَقولُ ولَيْلتي تَزدادُ طُولاً / ومالي غَيرَ كوكبِها نَجِيّ
ألا صُبْحٌ يُتاحُ لنا مُضيء / أَلا لَيلٌ يُتاحُ له مُضيّ
فحُلَّ عِقالَها يا صاحِ إنّا / بأرضٍ عِداً يمَلُّ بها الثَّويّ
ولمّا رابَني إظْلالُ أَمرٍ / ولاحظَ مُنْتَهاهُ الألمعيّ
زجَرْتُ بأرضِ خُوزِسْتانَ عَنْسي / مُروقَ السّهمِ أَسْلَمَه الحَنيّ
ووافَيْتُ الجِبالَ كما تَسامَى / إلى قُلَلِ الشّوامخِ مَضْرَحيّ
وأعرَضَ بعدَهُنَّ فلا عُراضٌ / لأنفاسِ الرّياح بها دَويّ
وغُبْرٌ من بني الغَبْراءِ مَلأى / فلا يَجْري بها إلاّ جَريّ
يُسَلُّ لهمْ من الجَفنَينِ خوفاً / معَ اللّيلِ الكرَى والمَشرَفيّ
فلَم نَنزِلْ بشابُر خُواةَ إلاّ / وكلُّ رِكابنا نِضْوٌرَذيّ
فألمَمْنا بها واللّيلُ يَحكي / زِناداً ضَوْؤُه فيه خَبيّ
وصَبّحْنا بَروجِرْداً فمِلْنا / إليها والنهارُ بها فَتِيّ
فما بلَغتْ بنا همَذانَ إلاّ / وقد أَلوى بها الأمدُ القَصيّ
بأثباجٍ كما انتطحَتْ وُعولٌ / بِشابةَ أَو كما انأطَرَتْ قِسيّ
فأعجَلْنا بها للرَّكْبِ زاداً / ورُحْنا للرَّكابِ بنا هَويّ
وشارَفْنا المُعسكرَ بعْدَ لأْيٍ / وقد نقرَ الطُّبولَ بها العَشيّ
ولاح لنا الخيامُ البيضُ منه / على بُعْدٍ كما برَق الحَبيّ
وطاولَتِ السّماءَ سُرادِقاتٌ / على أَبوابها رُكزَ القُني
فجاذبَنا أَعنَّتَها المَذاكي / وسالبَنا أَزِمّتَها المَطيّ
وقُلنا اليوم حان لنا مُناخٌ / به تُلقى مع اليُمْنِ العِصيّ
فلمّا أَن دنَتْ منها رِكابي / تَلقّاني بإدراري نَعيّ
فقلتُ وإصبَعي في فيَّ تَدْمَى / لقد عاشَ السّخاءُ الحاتِميّ
كذا فَلْيُكرَمِ الزَّورُ المُوافي / كذا فَلْيُكرِمِ المَولَى الوَفيّ
حياءً معشرَ الكُتّابِ منّا / فما حازَ النُّهَى إلاّ حَبِيّ
وما بَينَ الكتابةِ من ذِمام / وبينَ الشِّعرِ مُتَّضِحٌ جَليّ
وليس يُلابِسُ الآدابَ أَدنَى / من الإطنابِ إن أَنِفَ الأبيّ
أَيُزْعَمُ أَنَّ إدراري لغَيْري / لعَمْرُكَ إنّه كَذِبٌ فَريّ
فيا قلمَ الكتابةِ أَنتَ عندي / كَذوبٌ بعدَ فَعْلِتها دَعيّ
وليس لسانُك المَشْقوقُ إلاّ / لِكذْبكَ إن تَأمّلَهُ ذَكيّ
فقال وهَزَّ من عِطْفي مُجيباً / وما بِيراعةِ الكُتّابِ عِيّ
لعلّ خِتامَ ما كتبوا جَميلٌ / يُسَرُّ بهِ وإنْ كُرِهَ البَديّ
فخَطُّ الفَصِّ مَعكوسٌ عَجيبٌ / ويَصدُرُ عنه مَقْرؤٌ سَويّ
تَعجّبَ صاحبي من طُولِ هَمّي / فقلتُ لِيَهْنِكَ البالُ الرَّخِيّ
وخَوَّفني تَصاريفَ اللّيالي / فقلتُ اللهُ حَسْبي والصَّفيّ
وكيف يَخافُ رَيبَ الدَّهرِ حُرٌّ / وَليُّ الدَّولتَينِ له وَليّ
وهل يُخشَى كَسادُ الفَضلِ يوماً / وناصِرُه أَبوه الأريَحيّ
لقد أَهدَى الغداةَ شِفاءَ صَدري / فتىً وجْهُ الزّمانِ به وَضىّ
أَخو هِمَمٍ لَوِ استَعْلَتْ لظَلّتْ / سَواميَ في السّماء لها رُقىّ
غدا لعُفاتِه فرعاً كريماً / نَماهُ منَ العُلا أَصْلٌ زكيّ
فهَزَّهُ عِطفه فَنَنٌ رَطيبٌ / وجودُ بنانِه ثَمَرٌ جَنيّ
كأنّ الوافدِينَ نُجومُ لَيلٍ / ورَحْبَ جَنابِه الفَلَكُ العليّ
إذا ما حانَ من فِرَقٍ ذَهابٌ / أُتيحَ إليه من فِرَقٍ مَجِيّ
ومُستوفي مَمالكَ قاصياتٍ / كِفايتُه لِعاطلِها حُليّ
أَظلَّ به على الآفاقِ عِلْمٌ / فما مِنْ أَمرها عنه خَفيّ
كعَينِ الشّمسِ يَلْحَظُ كُلَّ قُطْرٍ / من الأقطار ناطرُها المُضيّ
له قلمٌ بما يَحمي شَحيحٌ / وصاحبُه بما يَحوي سَخيّ
كلَمْعِ البَرقِ أَنملُه حِساباً / وفيه الغَيثُ مَشرَبُه رَويّ
أَيا مَن طبعُه عَدْلٌ وفَضْلٌ / فمِنه الحُرُّ بالنُّعْمَى حَريّ
ومَن أَدْنى مَناقِبه سَناءٌ / ومَن أَدنَى مَواهبِه سَنيّ
أَيُقصَدُ نَقْلُ إدراري بظُلْمٍ / وظُلمُ النّاسِ مَرتَعُه وَبيّ
ولم يُحْسَنْ إليّ بحِفْظِ غَيبٍ / ومثْلُك حينَ لم يُحسِنْ مَسيّ
حلَفْتُ بربِّ مكّةَ والمسَاعي / ومَن واراه طَيْبةُ والغَرّي
لقد كادَتْ تُعاتِبُهمْ قوافٍ / لها الأقلامُ تُطرِقُ والدُّويّ
وقد مُلِئتْ قوارصَ مؤلماتٍ / ولكنْ مُلجَمٌ قيلَ التّقيّ
وقَيدُ أوابدي كَرَمٌ وَدينٌ / عنِ الأقوام لا حَصَرٌ وعِيّ
وحاشا أَن أذُمَّ سَراةَ قومٍ / وزَنْدي في العُلا بِهمُ وَريّ
لقد أَزِفَ المَسيرُ بلا عِتادٍ / وشَحَّ بدَرّهِ الخِلْفُ البَكيّ
وتَحتي أعوَجِيٌّ لا يُجارَى / ولكنْ تحت رَحْلي أَخْدَريّ
فهل لك أن تَجودَ وأنتَ بحْرٌ / به لا عنه كُلٌ فتىً غَنِيّ
بعالي القَدِّ سافِلُه وَثيقٌ / لراكبِه وعاليهِ وَطيّ
غدا في الخيلِ من طَرْفٍ نسيباً / عريقاً وهْو من طَرَفٍ نَفيّ
قَصيرَ العُرْفِ أربَعُه طِوالٌ / يُباهي الخيلَ مَنظرُهُ البَهيّ
تَطيرُ حصَى الأماعزِ من يدَيْهِ / كما نقَد الدَّراهِمَ صَيّرفيّ
ويَسْتَدني البعيدَ منَ الفيافي / كما يُطوَى النّسيجُ الأتحَميّ
ولو أجريتَه حَولاً صَبورٌ / ولو أوقَرتَه طَوداً قَويّ
وظَنّي أن يَمُنَّ به سَماحاً / فتىً للوَفْد نائلُه هَنيّ
مَليءٌ أن يَجودَ به وفكْري / بمَدْحي أن يَجودَ له مَليّ
أيا بحراً ومَشرَعُه نَداهُ / ويا بدراً ومَطلَعُه نَديّ
ويَتْبَعُه كرامُ النّاسِ طُرّاً / كما تَبعَ السِّنانَ السَّمْهَريّ
كريمٌ يُفصِحُ المُدّاحُ فيه / وصَوغُ المَدْحِ في اللُّؤَماء عِيّ
أهبْتُ إلى مَديحِك بالقوافي / فكاد يُسابِقُ الصَّدَرَ الرَّويّ
فدونَكَها مُوشَّحةَ المَعاني / كما جُلِيَتْ على البَعْلِ الهَديّ
وإن أضحَتْ ومَنظرُها جَميلٌ / فقد أمسَتْ وخاطِبُها كَفيّ
فدُمتَ لنا مُطاعَ الأمرِ عِزّاً / ودام لك البَقاءُ السَّرمَديّ
ولا سَلَب الزّمانُ عُلاك يوماً / فأنت لعاطلِ الدُّنيا حُليّ

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025