القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : مُحْيي الدّين بنُ عَرَبي الكل
المجموع : 49
صفاتُ الأولياء تزول عنهم
صفاتُ الأولياء تزول عنهم / ويأخذها الشقُّ هناك منهم
كما نابَ السعيدُ هنا زمانا / تنوبُ الأشقياء هناك عنهم
فما لجأوا إلى الراحاتِ إلا / وكان الأمر فيهم من لدنهم
وإنْ طلبوا المعونةَ من إمام / به كفؤ هنالك لم يعنهم
بنيّ إذ رأيتهمُ سُكارى / فمل معهم وبشرهم وصُنهم
إذا عجز الرجالُ بأنْ يكونوا / على تحقيقهم منهم فكنهم
إذا شمسُ النفوسِ أرتْ ضُحاها
إذا شمسُ النفوسِ أرتْ ضُحاها / تزايدتِ القلوبُ بما تلاها
تراها فيه حالاً بعد حالٍ / ومجلاها الهلالُ إذا تلاها
وإني من حقيقتِه بسرِّي / كمثلِ الشمسِ إذ تُعطي سناها
فما أنا في الوجودِ سواه عيناً / وما همُ في الوجودِ بنا سواها
فتلك سماؤنا لما بناها / وهذي أرضنا لما طحاها
من أجلي كان ربي في شؤون / وقد بلغتْ فواكهكم أناها
سنفرغ منكمُ جوداً إليكم / لتعطي نفوسَكم منها مناها
ويلمحها بذاتٍ منه لما / علمتُ بأنها كانت سداها
يعذبنا النهار سُدى وويلاً / وليلته يعذبنا نداها
فغطاها الظلامُ بسرِّ كوني / وجلاها النهارُ وما جلاها
أرى الأنوار في شرح الصدور
أرى الأنوار في شرح الصدور / عياناً في الورود وفي الصدورِ
وليس له امتنان فيه أني / أرى أثر الأمور من الأمورِ
فإن الحكم للمعلومِ عقلاً / وكشفاً في الجنان وفي السعير
فحكمُ الشيءِ مقصورٌ عليه / وما أدَّاه ذاك إلى القصورِ
ولكنَّ الأديبَ إذا رآه / يقولُ بذاكَ من خلفِ الستورِ
ويدخل محرِماً بلداً إحراماً / ويلبس للملابسِ ثوبَ زور
فيأخذه العليم بما ذكرنا / ويوصله إلى دهرِ الدهور
لقد دلَّتْ شواهده عليه / بما دارت عليه رَحى السرورِ
أرى في التين عِلمَ الحقِّ حقاً
أرى في التين عِلمَ الحقِّ حقاً / وعلمي أنه الحقُّ المبينُ
وعلم المصطفى الأميّ منه / به قد جاء في النبأ اليقين
يقول به الكليم بطورِ سينا / وذلك عندنا البلدُ الأمينُ
يجولُ به العليم بكلِّ شيءٍ / بطاهرِه وباطنه مسكون
لقد أيدت بالتحقيق فيه / وقد أعطتْ معالمه الشؤون
وعلمُ الزيت عن نظرٍ صحيحٍ / وفي تين الهدى العلمُ المتين
جزاك الله خيراً من وليٍّ
جزاك الله خيراً من وليٍّ / عليمٍ بالخفيّ وبالجليِّ
رعاك الله من شخصٍ تعالى / عن الأمثال بالنعتِ العليِّ
صدوقُ الوعدِ أنزله كتاباً / فإسماعيل ذو الخُلق الرَّضيّ
لكيوان الثباتِ بغيرِ شكٍّ
لكيوان الثباتِ بغيرِ شكٍّ / كما للمشتري عِلمُ النبيّ
وللمريخ أرماحٌ طوالٌ / إذا اجتمع الكميُّ مع الكميّ
وللشمسِ الأمانة في مكانٍ / كما قال الإله لنا عليّ
وللزهراء ميلُ هوى وحب / فويلٌ للشجيِّ من الخليِّ
ونش عطارد مريِّخ لطف / يضم به العليِّ إلى الدنيّ
بأمر البدر يكتب ما أردنا / إلى الداني المقرَّبِ والقصيّ
ويقطع في بروجٍ معلماتٍ / يكنَّ لسيرها حرفَ الرويّ
فمن حَمَلٍ إلى ثورٍ ويعلو / إلى الجوزاءِ في الفلك البهيّ
إلى السرطانِ من أسد تراه / بسنبلةٍ لميزانِ الهويّ
وعقربٍ صدغه يرمي بقوسِ / من النيران من أجلِ الجدي
ليشويه فيطفيه بدلو / كحوتِ دلالةِ العبد النجيّ
وليس لهذه الأبراجِ عينٌ / من الأنوار في النظر الجليّ
ولكنَّ المنازلَ عينتها / من الفلكِ المكوكَب للخفيّ
فمنزلتان مع ثلث لبرجٍ / كتقسيمِ المراتبِ في النديّ
وبان لكل منزلةٍ دليلٌ / من الأسماء عن نظرٍ خفيّ
كنطحٍ في بُطين في ثريا / إلى الدبران هقعته تحيّ
ذراعاً عند نثرة طرفِ شخصٍ / بجبهته زبرتْ على بنيّ
لتعلمه بصرفته فمالتْ / بعوَّاء السِّماكِ على وليّ
غفرن له زبانات بأمر / من الإكليل عن قلبٍ نقيّ
فجادت شَولةٌ صادت نعاماً / ببلدتها لكلِّ فتى تقيّ
وذابحها يخبرها بما قد / بدا في العجلِ من سرِّ الحليّ
فتبلعها السعودُ على شهودٍ / من أخبيةٍ وأدلاءِ الشقيّ
مقدَّمها مؤخرها لفرغٍ / يدليه الرَّشاءُ إلى الركيّ
ليسقي زرعه كرماً وجوداً / ليقري بالغداةِ وبالعشيّ
وعيُّوقاتُها تهدي إلينا / إذا خفيت لذي الرصد الذكيّ
نجومُ الرجمِ أرسلها إلهي / لتحرقَ كلَّ شيطانٍ غويّ
وتظهر بالأثيرِ من اشتعالٍ / فتهوي بالهواء إلى الغبيّ
فتحرقه فيذهبُ ما لديه / من العلمِ المحققِ بالهويّ
هي النيران في الأبصارِ نورٌ / كماء شرابِ ظمآن شقي
فسبحانَ العليمِ بكلِّ شيءٍ / وموحيه إلى قلبِ الوليّ
إذا أشهدت أنك في شهود
إذا أشهدت أنك في شهود / خليّ عن مقاومة الشهيدِ
وإنك ناظر فيه إليه / به من كونِه ربَّ العبيدِ
وإنك مبتغٍ طلباً مَزيداً / فقد شُرعَ السؤالُ من المزيد
رأيتُ العينَ ليس لها نظيرٌ / يقاوم من مُرادٍ أو مُريد
إذا ما الحق جلاه إلينا / تعيَّنَ في السيادةِ والمسُودِ
فما في الكونِ من يدري كلامي / سوى مَنْ عينه حبلُ الوريد
فيظهرُني فأظهره فيخفى / فأخفيه بآدابِ السجودِ
سجدتُ له سجودَ هوى بحقٍّ / فأكرم بالسلامِ وبالشهود
رفعتُ به فلم أر غير ذاتي / تصرف في القيام وفي القعود
ليشهد في جميع الأمر منه / وفيه فينطفي غيظاً حسودي
ظلامُ الليلِ معتبر
ظلامُ الليلِ معتبر / لعبدٍ عندَه يقظهْ
ظنوني في منازلها / علومَ الخلقِ والحفَظه
ظلومٌ ليس يجهلها / إمامٌ قبلَه حفظه
ظبا لما حللت به / رأيت الحجبَ في اليقظه
ظباءُ كلها شمسٌ / إذا علمت بمن حفظه
ظَللتُ به فأرّقني / فلما كنتُ هو لفظه
ظَننتُ الأمر يشهدني / ويشهدني فما حفظه
ظنونٌ ما حصلتُ بها / على ما قال من وعظه
ظُبى سيفِ القضاءِ أتى / إلى المغرورِ كي يعظه
ظنينُ القلبِ متَّهمُ / نؤومٌ قلبُه يقظه
إذا حسنتَ ظنك بالرجالِ
إذا حسنتَ ظنك بالرجالِ / علوتَ به ورباتِ الحجالِ
وإنْ ساءتْ ظنونك يا حبيبي / فأنت لسوء ظنك في سفالِ
وميزانُ الشريعةِ لا تزنه / بميزانِ التفكر والخيالِ
وإنك إن أصبحت به لوقتٍ / غلطتَ به فتلحقُ بالضلالِ
تميزتِ الخلائق في سناها / فأين الواجباتُ من المحال
إذا عاينت ما لا يرتضيه / إلهك قد حلالي عينُ حالي
بمرآه الذي عاينت منه / وفيه ما يذم من الفعال
أتتك وصيتي تسمو اعتلاء / على ما كان من كرم الخلال
فسوء الظنِّ يحرم منك شرعا / وحسنُ الظنِّ يلحق بالحلال
وإنْ كنتَ الإمام تقيم حدّاً / أقمه كما أمرت ولا تبال
ولا تتبعه سوءَ الظنِّ فيه / به تأمن عليك من السؤال
فإنَّ الله سائلُ من أتاه / به يومَ القطيعة و الوصالي
وعبدُ الله ليس بحكم ماضٍ / ولا آتٍ ولكن حكم حال
ولستُ لمن أجالده بغير
ولستُ لمن أجالده بغير / جزاء إذ أجالده كفاحا
ولكني أجالد فيه نفسي / وأبغي الفوز فيه والنجاحا
أرى المطلوب يكبر أنْ يصابا
أرى المطلوب يكبر أنْ يصابا / ويعظم أنْ يقاوم أو يُدانى
عجبتُ لقربه الأدنى بذات / منزهة تعالتْ أنْ تُهانا
تجلَّتْ والضياءُ لها حجابٌ / وجلَّت أنْ نراها كما ترانا
فلا يحظى بها إلا حريص / وأما من تكاسلَ أو توانى
فينساها وتنساه وهذا / جزاء قد تلوناه قرانا
فمن يقربه لم يطعم سواها / وقد حاز المكانةَ والمكانا
كما أنَّ العليلَ إذا أتاها / يخصُّ به الزمانةَ والزمانا
ظلامٌ كيف يحجبُه ونورٌ / ونحن نراه دونهما عِيانا
فما أرجو سواه لكلِّ أمرٍ / مهمٍّ ليس يعرفه سوانا
تعالى الله لم يدركه عقلٌ
تعالى الله لم يدركه عقلٌ / ولم تدركْ سواه إذا شهدتا
فإنْ تطلبْ على ما قلت فيه / إذا أنصفتني فيه وجدتا
جماع الأمر إن الأمر فردٌ / إذا ركبتَ فيه عليك جدتا
وأدركتَ المعارفَ موضحاتٍ / ونال به دليلك ما أردتا
وساويتَ المنيب بكلِّ وجهٍ / رآه دليله وعليه زدتا
أقمتَ به وجودك مستفيداً / فلما أنْ حبيتَ به أفدتا
وكنت به إماماً ذا نوالٍ / يجود به نداك إذا قصدتا
ومما كان نجد اللومِ تبدو / معالمه لعينك عنه حدتا
فأوفى بالعهود إليه حتى / يكون لك الإله كما عهدتا
ولازم بابه بالباء واعبد / بحرفِ اللام يوماً إن عبدتا
ولا تنسى نصيبك من وجود / تحققه لديك إذا عبدتا
وحاذر سطوة المغرور يوماً / بقلبك في السجود إذا سجدتا
ندبتَ لغاية سبقتَ إليها / جيادَ العزم ثم لها أعدتا
إذا ما راية نشرتْ لمجدِ / يمينك نحوها شوقاً مددتا
إذا ما المرء غاب عن الوجود
إذا ما المرء غاب عن الوجود / بما يلقاه من غط الشهودِ
إذا نزل الأمين عليه يلقي / إليه الوحي من عين المزيد
فيفنيه الفناء عن الوجودِ / وما يفنيه إلا بالوجودِ
ففيه به فناء العين منه / وإن يقصد يستر بالجحود
رأيتُ أهلة طلعت بدوراً / مكملةً بمنزلةِ السعودِ
عيونُ الزهرِ يبدو من خباها
عيونُ الزهرِ يبدو من خباها / لناظرِ مقلتي الزهر الأنيق
إذا ما ساعدتها الشمس فيه / تراه بعد نومته يفيقُ
أفاقت لأمرٍ فيه سرٌّ / فؤاد الطالبين له مشوق
يرومُ المجنون له حصولاً / إذا تُزجى الزَّعازعُ أو تسوق
إذا النجم الرجيم رمى نهاراً / فذاك النجم ليس له حريق
فإن الشمسَ أقوى منه فعلاً / ودمع الزمهرير له طليقُ
فيطفئه ويسلمُ منه ريح / ويحكم أنه فيه غريق
وذاك الانقضاضُ لنا شهيد / على ما قلتُه برٌّ صدوق
رأيتُ الريحَ تأخذ منه سغلاً / حذار منيَةٌ ولها شهيق
عجبت لمن دعا ولمن أجابا
عجبت لمن دعا ولمن أجابا / وما علم الدعاء ولا الجوابا
فلما ان تحققَّ من دعاه / وحقق ما دعاه به أنابا
ولكن بالإيابةِ عن قبولٍ / لدعوته فأخطأ ما أصابا
وأما العارفون به فقاموا / عن الكشف الذي يهدي الصوابا
وقرر شرعّه تقرير حبر / وأنزله على شخص كتابا
وفازَ المؤمنون به ونالوا / من الله السعادةَ والثوابا
ونالَ المذنبون كثيرَ عفوٍ / وفي الدنيا فما أمنوا العقابا
إقامة حدِّه المشروعِ فيهم / يقامُ به وقد قبلَ المتابا
ولا ينجيه منه قبولُ توبٍ / إذا علم الإمامُ وقد أنابا
وبدينه الإمام ويصطفيه / ويوليه العقوبةَ والعقابا
وما حكمُ القيامة فيه هذا / وإنْ وفاه خالقه الحسابا
يراه الأشعريُّ بغير حدٍّ / ويثبتُ منكروه له الحجابا
ومن شهدَ الأمور بلا غطاء / تراه وما تراه إذا يحابى
ويشهده العليم بكلِّ وجه / ويعلم أنه إنْ خابَ خابا
ولولا كونُه ما كان كون / وبالإتيان أشهدنا السحابا
أتاك بها الحكمُ الفصلِ فينا / ويفتح ظُله فيه وبابا
إذا حرنا وحار الناسُ فينا
إذا حرنا وحار الناسُ فينا / وأسكناهم البلد الأمينا
عرفنا الحقَّ حقاً فاتبعنا / فكنا في القيامة آمنينا
ولولا ذاك ما كنا عبيداً / بما قال المهيمنُ غالبينا
ويشهدنا الأمور كما علمنا / فنقطع نجدها حيناً فحينا
رأيتُ أئمة كُبَّارَ قومٍ / أضلُّوا بعدما ضَلُّوا يقينا
فإنْ عزموا على إبطال حقٍّ / وكانوا في الشريعةِ ممترينا
فإنَّ الله يهلكهم ذهاباً / ويأتيكم بقومٍ آخرينا
ونخزيهم وينصرُكم عليهم / ويشفي صدورَ قومٍ مؤمنينا
أقول لهم وقد كفروا بقولي / كفرتم بئسَ عُقبى الكافرينا
أنا الشخص الذي ما زال قولي / يراه ذو النهُّى الحق المبينا
نهاني الحق في الغّطّطْ
نهاني الحق في الغّطّطْ / عن المطّاط والسقّطْ
وإني لا أجالس مَنْ / يكون بمثلِ ذا النَّمَط
وأفهمني بأنْ أحظى / به في العالم الوسَط
قل للشخيص الذي بالحقِّ يعرفني / من كان يعرفني بالحقِّ ينصفني
ولستُ فيه بمعصوم وإن غلطتْ / ألفاظنا فعلى التحقيقِ يوقفني
فصاحبي من أراه في تقلبه / في كلِّ حال من الأحوال ينصحني
في خلوة إن نصح الشخص في ملأ / فضيحة وخليلي ليس يفضحني
فالله يمنحُ ما أملت منه وما / يعطيني إلا الذي في الوقت يصلحني
نعم ويصلح بي فالنفسُ واثقة / به على كلِّ ما يرضى وينفعني
فإن الله جلَّ الله ذو كرمٍ / المنعُ منه عطاءٌ حين يمنعني
المنعُ منه عطاءٌ فيه منفعةٌ / للعبد من حيث لا يدري ويحجبني
عنه واعلم قطعاً أنه ملك / وإنني نائبٌ عنه فيكرمني
برفعِ غاشية يقول مطّرقاً / هذا خليفتنا في السرّ والعلن
بروحه القدسيّ العال أيدني / وبالظلال التي في الحر ظللني
وجاءنا منه توقيعٌ بأنَّ لنا / ختمَ الولايةِ والختمانِ في قرن
روحٌ لروحٍ وتيجانُ مكللةٌ / من النضار الذي الرحمن يزجرني
عنها وعن حللِ الديباج فاعتبروا / فيما أتاكم به ذو المنطقِِ الحسنِ
الواهبُ الألفَ والآلافُ جائزة / لكلِّ طالبِ رفد أو لذي لسنِ
شبهتُ نفسي في عصري وحالتها / بعصرِ سيدنا سيفِ بن ذي يزن
لا علم لي بالذي في الغيب من عَجَبٍ / ولستُ أدري بنعمان ولا المزني
حتى رأيتُ الذي بالعلمِ بشرني / والملك وهو مع الأنفاس يطلبني
إنَّ الذي قد دعاني في بشائره / فلا يزال مع الأحيان يخطبني
فقلت يا ربّ أمّا العلمُ أقبله / والملك لستُ أراه فهو يخدعني
إنْ كان عَرَضاً فما لي فيه من أربٍ / أو كان أمراً فإن الأمر يطمعني
في عصمةِ عصم الله الحفيظ بها / نفسي فأعلم أنَّ الله يحفظني
إذا سمعت كلاماً لا يوافقني / منه أسلمه وليس يحفظني
له التصرفُ في مولاه كيف يرى / مولاه فهو له من أعصمِ الجنن
أجسامُ كلِّ رسولٍ مصطفى نَدسْ / له المكانةُ والزُّلفى بلا محن
أتى بمألكة من عند مرسله / مبلغاً بلسانِ القومِ واللحن
قد طهرَّ الله نفساً منه زاكية / من كلِّ سوءٍ كمثلِ الحقدِ والإحن
ألا إنّ الوجودَ وجودُ ربي
ألا إنّ الوجودَ وجودُ ربي / وما يبدو من الأحكام حكمي
فلا عينٌ تراه علا فاعلم / كذا يقضي به نظري وعلمي
وعلمي بالذي يقضي صحيح / ولكني أرجح فيه كتمي
وكونُ الحقِّ عينا عينُ حكمي / فمن قبل الإله ولا إسمي
فذاتُ الحقِّ إدراكات ذاتي / وذاتي ظله في حكم زعمي
ألا تنظر لمدّ الظلِّ منه / بنورِ الشمس ابقاء لرسمي
فلولا أن أكونَ كهو وجوداً / بحذفِ الكاف في مدّي وضمي
إليه بعد مدّي وانبساطي / يسيراً إذ أساميه من اسمي
ولما كانت الأسماء باسمي / كذاك له السماتُ من أصل وسمي
فنعتي نعته من كلِّ وجه / ولكني أغطيه لا عمي
ولولا أنْ يقول به أناسٌ / لقلت به كما يعطيه فهمي
ووهمي في العلوم له احتكام / وما همُ النفوسِ كمثل وهمي
فإن الوهم عينُ وجودِ حقي / كمثل قواي في قولِ المسَمّي
له عندي مقامٌ ليس يدري / وهمّ الخّلقِ فيه غير همي
حكمت به عليه وليس كوني / به حكمي بعدلٍ أو بظلمِ
لقد كان الوجودُ بلا زمانٍ / ولا أين ولا كيف وكمّ
ولا عرضٌ ولا وضعٌ بلحن / ولا فعلٌ ومنفعلٌ وجسم
ولا نسب يضافُ إلى وجودي / وبعد الكونِ حققهن أمي
مقولاتٌ أتين على اتساق / يترجمها إلى الأفهام نظمي
له عشر وللأكوانِ عشر / كذا زعموا وهذا ليس زعمي
فإن قلنا به جهلوا مقالي / وإنْ جهلوا يزيد علي غمي
مدحتُ المصطفى فمدحتُ نفسي / ولي قسَمٌ وما جاوزت قسمي
فأعمالي تردّ عليّ منه / ولو أرمي فعيني منه أرمي
وإن عصم الإله به وجودي / فإن أرمي فنصلٍ ليس يصمي
وهذي رحمة منه تواليت / لديَّ بها يعود عليّ سهمي
وظني لم يزل ظناً جميلاً / فإنَّ الظنَّ مني عين علمي
إلى معناي فانظر يا خليلي / ولا تنظر بطرفك نحو جسمي
فقفلي ما قفلتُ به وجودي / عن الإدراك بي والختم ختمي
فلا تفتح فخلفَ البابِ ريحٌ / إذا هبَّت عليّ تهين عظمي
تميزني الصلاة ويرتدي بي / إذا صليتها بأبٍ وأمّ
ولو أنَّ الدليل يدل حقاً / عليه لكان يولده لتمِّ
ولم يولد فلم يدركه عقلٌ / فإنْ ظفروا به فبحكم وهم
وإن حكموا عليه بمثل هذا / فقد حكموا عليه بغير علم
تعالى الله عن قدمٍ بكوني / كما قد جلَّ عن حدثٍ بكمّ
يدل الجزؤ من مضمون كوني
يدل الجزؤ من مضمون كوني / على ما دلَّ كلّي من وجوده
فيشهدني وأشهده بنفسي / فأفنى عن وجودي من شهوده
ولولا أن يقال صبا لأمر / لقلت صدورُنا من عينِ جوده
يراه النائمُ اليقظانُ كشفا / كرؤية ذي التهجد في هجوده
يراه الحائرون بلا دليل / كرؤية ذي المقاصد في قصوده
يراه ناظم المرجان فيه / من أسماء له سلكا بجيده
يراه ناظم الألفاظ بيتاً / هو الروح المؤيد في قصيده
يراه ناظم الأحجار عقدا / وذاك العقد من اسنى عقوده
قرأت بعقده أجيادَ دهرٍ / به أخذ الشهادة في عقوده
له التسبيحُ والفرقان فيه / يميزه ركوعك مع سجودِه
وحاذرْ أن تمازجَ بي ربٍّ / وبين من اصطفاهم من عبيده
يراه مطلقا من كان اعمى / كرؤية ذي البصيرة في قيوده
فذاك الفيلسوف بغير حدٍّ / وهذا الأشعريّ على حدوده
وكلهم رهين الحبس فيه / بجعلِ العقلِ ذلك من صيوده
على الإنصاف آمنهم شخيص / طليقٌ ليس يرسفُ في قيوده
وهم أجنادُه وظهور ملك / مطاع إنما هو من جنودِه
بذا سعدوا وحازوا الأمن منه / وإن تعبوا المال إلى سعوده
لذا سبقت إلى الغايات رحمتي / وحازتها بمنزلتي سعوده
فحلتْ في الجنان وفي جحيم / وإن كانا لنا داري خلوده
فاخبئه ليستر في جحيمٍ / من الآلام أنسى من جحوده
فلو لزموا الحقائقَ لم يكونوا / كمنكر ما رآه لذي وروده
تجلّى للبصائر من بعيد / تجليه كمن هو في وريده
وأطلعه على ما كان منه / من الشكر العميم على مزيده
تراه عند وصل العين منه / بذاتك مثل فصلك في شروده
فلا تطلب من الرحمن عهداً / فيسألك المهيمن عن عهوده
وسالمه تكن عبدا سؤوساً / وتظفر بالزيادة في شهوده
ورثت محمداً فورثتُ كلا
ورثت محمداً فورثتُ كلا / ولو غيراً ورثتَ جزءا
حصلت على معارفَ مفرداتٍ / ولم أر لي بعلمِ الله كفؤا
لذلك ما اتخذت كلام ربي / ولا آياته إذ جئن هزؤا
فاقبلتِ النفوسُ إليّ عددا / وقد أنشأتها للعين نشأ
لقد أخرجت من فلك وأرض / من العلم الإلهي لهنَّ خبأ
ولولانا لكان الخلقُ عميا / وبُكما دائماً عوداً وبدءا
بنا فتح الإله عيونَ قومٍ / قربن ومن نأى منهنّ ينأى
وورثناهمُ بالعلم فضلاً / فكانوا زينة خلُقاً ومرأى
وكنا في المصيف لهم نسيما / كما كنا لهم في البردِ دِفأ
وضعنا عن ظهورِ القومِ إصرا / وما حملتْ ظهورُ القوم عبأ
لاني رحمة نزلت عليهم / كآنية بماء الغيثِ ملأى
فأروينا نفوساً عاطشاتٍ / فلم تر بعد هذا الشربِ ظمأى

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025