القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : عبد الغَفّار الأَخْرس الكل
المجموع : 61
أتنْكِرُ منكَ ما تطوي الضُّلوعُ
أتنْكِرُ منكَ ما تطوي الضُّلوعُ / وقد شَهِدَتْ عليكَ بهِ الدُّموعُ
ولولا أنَّ قَلْبكَ مستهامٌ / لما أودى بك البرق اللموع
ولا هاجَتْ شجونك هاتفات / تُكَتَّم ما تكابد أو تذيع
تُشَوِّقُكَ الرّبوع وكلُّ صَبِّ / تُشوِّقُه المنازلُ والرُّبوع
ليالٍ بالتواصل ماضيات / بحيث الشمل مُلْتَئِمٌ جميعُ
وأقمارٌ غَرُبْنَ فَلَيْتَ شعري / ألا بعد الغروب لها طلوع
أمرْتُ القلبَ أنْ يسلو هواها / على مضضٍ ولكن لا يطيع
وما أشكو الهوى لو أنَّ قلبي / تَحَمَّلَ بالهوى ما يستطيع
أنيخاها فَقَدْ بَلَغَت مُناها
أنيخاها فَقَدْ بَلَغَت مُناها / وغادرها المسيرُ كما تراها
سلكتُ بها فجاج الأرض حتَّى / أضَرَّ بها وأوهنها قواها
فَسَلْني كيفَ جابتها قِفاراً / وكيفَ طَوَتْ فدافدها خطاها
وما أنسى الوقوف على رسومٍ / عَناني في الصبابة ما عناها
قضى بوقوفه المشتاقُ فيها / وجوهاً يا أمَيْمَة لا أراها
وقفتُ أناشِدُ الأطلال منها / ديوناً للمنازل ما قضاها
وأذكر ما هنالك طيبَ عيشٍ / به تجري النفوس على مداها
جرَينا في ميادين التصابي / إلى اللّذات نستحلي جناها
فواهاً لِلّذائذ كيف ولّت / وآهاً من تصرّمها وآها
تدار من المدام على الندامى / كؤوسُ الراح تشرق في سناها
وألحان المثالثِ والمثاني / يُغنّيها فتطربُ في غناها
وينظمنا اجتماعُ في رياضٍ / نثار الطل يلبسها حلاها
وقد أمْلَتْ حمائمها علينا / من الأوراقِ شيئاً من أساها
كأنَّ الوُرْقَ حين بكت وأبكتْ / رَماها بالقطيعة من رماها
تُكَتِّمُ أدمعاً وتبوحُ وجداً / وتعربُ ما هنالك عن جواها
وربَّ مديرةٍ كأس الحميّا / أخذْتُ بكفِّها ورشفتُ فاها
ومُسودِّ الإهاب من الدياجي / كشَفْتُ بشهب أكؤسنا دجاها
وعانقتُ القوام اللَّدنَ منها / وعينُ الواشي يحجبها عماها
فآونةً ترشِّفني طلاها / وآونة ترشِّفني لماها
ومِن عَجَبٍ أذِلُّ لذاتِ دَلٍّ / وتسبيني المحاسن في هواها
ولي نفس متى دُعيَتْ لذُلٍّ / نهاها عن إجابته نهاها
أبَتْ نفسي مداناة الدّنايا / وأغنتها القناعة عن غناها
وهل تستعبد الأطماع حراً / إذا عُرضت له الدنيا ازدراها
ولست ألينُ والأيام تقسو / بشدَّتها ولمْ أطلبْ رخاها
وأرض يَفْرَقُ الخرّيت فيها / ويفزعُ من مهالك ما يراها
سلكتُ فجاجها ومَرَقْتُ منها / مروقَ النَّبل يبعُدُ مرتماها
سَليني كيفَ جرَّبت الليالي / وكيف عرفَتها وعَرَفْتُ داها
بلوت النَّاس قَرناً بعد قرنٍ / وكنتُ بها أحقَّ من ابتلاها
فلم أزدَد بها إلاَّ اختباراً / ولم أزْدَدْ بها إلاَّ انتباها
وفي عبد الحميد بديع شعري / مناقبُ عن معاليه رواها
نعمتُ بفضله وشكرت منه / يداً لا زال يغمرني نداها
فما استعذبتُ غير ندى يديه / وما استعذبته مما عداها
فلو أني وَرَدْتُ البحر عذباً / أنِفْتُ من الموارد ما خلاها
وإنَّ الله أودع فيه معنىً / لتسمية المكارم مذ براها
من السادات من أعلى قريشٍ / سلالة خير خلق الله طه
شديد البأس ألطفَ من نسيم / تعطِّره الأزاهر من شذاها
يخوض غمارها الهيجاء خوضاً / وماء الموت يرشحُ من ظباها
ويرفع راية المنصور فيها / ويخفض من أعاديه الجباها
وتلك رئاسةٌ وعلوُّ قَدرٍ / إليه العزُّ يتَّجهُ اتّجاها
تريه بواطنَ الآراء تبدو / فلمْ تَحجُبْ لعمرك ما وراها
أرَته زينةَ الأمجاد تزهو / بأرديةِ المحاسن فارتداها
تَولَّى والولاية فيه أضْحَتْ / تزيد بعزِّه عزًّا وجاها
أمورٌ في الرّياسة يَبْتديها / ويعْلَمُ بعدَ ذلك منتهاها
وأحيا بالعمارة كلَّ أرضٍ / وأجرى في ضواحيها المياها
وأمَّن بالصيانة ساكنيها / وأصبَحَ فيه محْميًّا حماها
حماها حيثُ كانت من لَدُنْه / بعينِ عنايةٍ ممَّن رعاها
ودبَّرها بلطفٍ لا بعنفٍ / فأرشَدَها وألهَمَها هداها
وكفَّ يدَ الخطوب السُّود عنها / فما مُدَّتْ إلى أحدٍ يداها
فهَلْ مِن مبلغٍ عَنِّي ثناءً / تقيَّ الدِّين يشكره شفاها
ربَّما أسدى من الحُسنى إلَيْنا / وما عَرفَ الأَماجدَ فاجتباها
تَفَرَّسَ بالرِّجال فازداد عِلماً / فولاّها الأُمورَ بمقتضاها
بلغنا غايةً من لطفِ مولًى / بشيرٍ للمؤمّلِ مبتداها
وسيَّرْنا لساحته الأَماني / فأَلقَت في مغانيه عصاها
إليك ركبْتُها في البحر تجري / من الفُلك السوابق في سراها
تَنَفَّسُ بالدخان وفي حشاها / لظى نارٍ مُسَعَّرةٍ لظاها
ويخفِقُ وهي مثل الطير سبحاً / جناحاها إذا دارتْ رحاها
جَرَت مجرى الرياح بلا توانٍ / فما احتاجت إلى ريحٍ سواها
وما زلنا بها حتَّى بلغنا / مِنَ الآمال أقصى مبتغاها
بقيتَ لنا مدى الأنام ذخراً / نواها فيك أحْسَنَ ما نراها
فمثلك في المكارم لا يجارى / ومثلك في الأَكارم لا يضاهى
أقولُ لصاحبي ورَضيع كأسي
أقولُ لصاحبي ورَضيع كأسي / رَفيقي بالفُسوق وبالفجورِ
علامَ صَدَدْتَ عن كأس الحميَّا / لقد ضيَّعتَ أوقات السُّرور
أبعدَ الشَّيْب ويحك تُبْتَ عنها / وما لكَ في متابك من عَذير
وكيفَ عَدَلْتَ عن حالات سَوْءٍ / تَصيرُ بها إلى بئسَ المصير
لبستُ بها وإيَّاك المخازي / فأسْحَبُ ذيلَ مختالٍ فخور
أتنسى كيفَ قضَّينا زماناً / به الأيام باسمة الثغور
وكنَّا كلَّما بِتْنا سكارى / ورحنا بالمدام بلا شعور
وقُمنا بعد ذلك واصطبحنا / فما نَدري المساءَ من البكور
وأنتَ معَ العواهر والزَّواني / تطاعِنُهنَّ بالرُّمح القصير
وكنتَ تقولُ لي اشرَب هنياً / وخُذها بالكبير وبالصغير
وكنتَ إذا نظرتَ ولو عجوزاً / سَلَلْتَ سلولَ غرمولِ الحمير
ومن سفهٍ ركَنْتَ إلى الغواني / وميَّزْتَ الإِناث على الذُّكور
تركتَ طريقتي وفررتَ عنِّي / فِرارَ الكلب من أسَدٍ هصور
وَتَوبَتُك الَّتي كانتْ نِفاقاً / غُرورٌ وانغماسك في الغرور
كصبغ الشيب ينصلُ بعد يومٍ / ولم يَبْعُدْ مداه عن الظهور
وما كتبت لتخطر لي ببال / ولا اختلجت وشيبك في الضمير
لئِنْ أخذوا عليك بها عهوداً / بما كَتَبَتْ يداك من السُّطور
فعُد عنها إلى ما كنتَ فيع / كمنْ شَمَّ الفسا بعد العبير
وأَكْثِرْ ما استطعتَ من المعاصي / فإنَّ الله يعفو عن كثير
وننعمُ بالملاح بخفض عيش / مدى الأَوقات من بمٍّ وزير
فإنْ حضر الفساد وغبتَ عنه / ولم تكُ من يُعَدُّ من الحضور
لسَوَّدْتُ الصحائفَ فيك هجواً / وإنِّي اليوم أهجى من جرير
تطيعُ مشورَتي وترى برأيي / وحَقَّ المستشير على المشير
لتقضي العمر في طرَبٍ ولهوٍ / فمرجعنا إلى ربٍّ غفور
وأنفِق ما ملكتَ ولا تبالِ / فناصرُنا ثراءٌ للفقير
فنحن بفضله وندى يديه / كمَن آوى إلى روضٍ نضير
ولا زلنا بشرعته وروداً / وُرودَ الهيم من عَذبٍ نمير
نؤَمِّل أنْ يطولَ بنا الثَّواء
نؤَمِّل أنْ يطولَ بنا الثَّواء / ونَطْمعُ بالبقاء ولا بقاء
وتُغرينا المطامعُ بالأَماني / وما يجري القضاءُ كما نشاء
تحدِّثُنا بآمالٍ طوالٍ / وليس حديثُها إلاَّ افتراء
وإنَّ حياتنا الدُّنيا غرورٌ / وسَعيٌ بالتكلُّف واعتناء
نُسَرُّ بما نُساءُ به ونشقى / ومن عَجَبٍ نُسَرُّ بما نساء
ونضحك آمنين ولو عقلنا / لحقَّ لنا التَّغابن والبكاء
إلامَ يَصُدُّنا لَعِبٌ ولهو / عن العِظة الَّتي فيها ارعواء
وتنذرُنا المنون ونحن صمٌّ / إذا ما أسمع الصمَّ النداء
وأيَّة لَذَّة في دارِ دنيا / تَلَذُّ لنا وما فيها عناء
ستدركُنا المنيَّةُ حيثُ منَّا / وهلْ ينجي من القدر النجاء
ظهرنا للوجود وكلُّ شيءٍ / له بَدْءٌ لعمرك وانتهاء
لئنْ ذهبت أوائلنا ذهاباً / فأَوَّلُنا وآخرنا سواء
نودِّع كلَّ آونةٍ حبيباً / يَعُزُّ على مفارقه العزاء
تسير به المنايا لا المطايا / إلى حيث السَّعادة والشَّقاء
ولو يُفدى فديناهُ ولكنْ / أسيرُ الموت ليس له فداء
مَضَتْ أحبابنا عنَّا سراعاً / إلى الأُخرى وما نحن البطاء
وما قلنا وقد ساروا خفافاً / إلى أينَ السُّرى ومتى اللّقاء
ولو نبكي دماً حزناً عليهم / لما استوفى حقوقَهُم البكاء
متى تَصفو لنا الدُّنيا فنَصفو / ونَحنُ كما ترى طين وماء
فهذا السّقم ليس له طبيبٌ / وهذا الدَّاء ليس له دواء
فقدنا لا أباً لك من فقدنا / فحلَّ الرُّزْءُ إذ عَظُمَ البلاء
وبعد محمَّد إذ بانَ عنَّا / على الدُّنيا وأهليها العفاء
لقد كانت به الأيام تزهو / عليها رونق ولها بهاء
وكانَ الكوكب الهادي لرشد / يضلُّ الفهم عنه والذكاء
وكانَ العروة الوثقى وفاءً / لمن فيه المودَّة والإِخاء
فيأوي من يُضام إلى علاه / ويعصِمُه من الضَّيم الإِباء
علا أقرانَه شرفاً ومجداً / كما تعلو على الأرض السَّماء
عصاميُّ الأُبوَّة والمعالي / له المجدُ المؤثَّل والسَّناء
وما عُقِدَتْ يدٌ إلاَّ عليه / إذا عُدَّ الكرامُ الأَتقياء
سقاكَ الوابل الهطَّال قبراً / ثوت فيه المروءة والسَّخاء
وحيَّاك الغمام بمستهلٍّ / يصوب فتروي الهيم الظِّماء
قد اسْتُودِعَتْ أكرمَ من عليها / فأنتَ لكلِّ مكرمةٍ وِعاء
وقد واريت من لو كانَ حيًّا / لضاقَ بفضله الوافي الفضاء
وقد أُفْعِمْتَ من كرم السَّجايا / وطيّبها كما فُعِمَ الإِناء
فأصبحَ منك في جنَّات عدن / بدار الخلد لو كُشِفَ الغطاء
مضى فيمن مضى وكذاك نمضي / وغايتنا وما نبقى الفناء
فما يأتي الأيام له بثانٍ / إلى الدُّنيا ولا تَلِدُ النِّساء
فقدناكَ ابنَ عثمانٍ فَقُلنا / فَقَدْنا الجودَ وانقطعَ الرجاء
ستبكيكَ الأيامى واليتامى / وتَرثيكَ المكارمُ والعلاء
وكنتَ علمتَ أنَّك سوف تمضي / ويبقى الحمدُ بعدك والثناء
فما قصَّرْتَ عن تقديم خيرٍ / تُنالُ به المثوبةُ والجزاء
تفوزُ ببرك الآمال منَّا / ويرفَع بالأَكفِّ لك الدُّعاء
إذا وافَت إلى مغناك فازت / ذوو الحاجات واتَّصل الحباء
رزقْتَ سعادة الدَّارين فيها / وإنْ رَغِمت عداك الأَشقياء
لوجه الله ما أنْفَقْتَ لا ما / يراد به افتخارٌ واقتناء
صفاء لا يمازجه مِراءٌ / وتقوًى لا يخالطها رياء
قَضَيْتَ وما انقضى كَمديَ وحزني / عليك وما أظنُّ له انقضاء
يذكرنيكَ ما وافى صباحٌ / وما أنساكَ ما وافى مساء
وما قَصُرَتْ رجال بني زهير / وفيك لها اقتفاء واقتداء
بنيتَ لهم على العَيُّوق نجماً / وشُيِّد بالعلى ذاك البناء
بدور مجالسٍ وأسودُ غيلٍ / إذا الهيجاءُ حان بها اصطلاء
شفاءٌ للصُّدور بكلِّ أمرٍ / إذا مرضَتْ وأعياها الشفاء
وخيرُ خليفة الماضين عنَّا / سليمانٌ وفيه الاكتفاء
وقاسم من زكا أصلاً وفرعاً / وما في طيب عنصره مِراء
إذا زكَتِ الأُصولُ زكتْ فروع / فطابَ العود منها واللّحاء
هو الشَّمسُ الَّتي بزَغَتْ ضِياءً / فلا غربَتْ ولا غرب الضياء
أُعزِّيه وإنْ عَزَّيْتُ نفسي / بمن فيه المدائحُ والرثاء
عليه رحمة وسجالُ عَفْوٍ / من الرحمن ما طلعت ذكاء
ليالينا على الجرعاء عودي
ليالينا على الجرعاء عودي / بماضي العيش للصَّيب العميدِ
بحيث منازلُ الأحباب تزهو / ونظمُ الشمل كالدر النضيد
وفي تلك المنازل لا عداها / حَياً ينهلّ من ذات الرعود
مسارح للمها يسخن فيها / وإنْ كانتْ مرابضَ للأسود
تعلَّقها هوى قيسٍ لليلى / سوانح ربرب وقطيع غيد
هنالك تفتك اللحظات منها / وتنتسب الرماح إلى القدود
وكم في الحيّ من كبدٍ تَلَظّى / وتَصْلى حَرَّ نيران الخدود
ولما أنْ وقفْت بدار ميٍّ / لذكر الماضيات من العهود
نثرتُ بها دموع العين نثراً / كما انتثر الجُمان من العقود
وللركب المناخ بها حنينٌ / حنينَ الفاقدين على الفقيد
سقتك بمستهلّ المزن قطرٌ / ووشاك الحيا وشي البرود
فأينَ ملاعب الغزلان فيها / وصفو العيش في الزمن الرغيد
وفي تلك الشفاه اللُّعس ريٍّ / فوا ظمأ الفؤاد إلى الورود
وما أنسى الإقامة في ظلالٍ / على ماء من الوادي برود
تُغَنّينا من الأوراق وُرْقٌ / وتَشدونا على الغصن الميود
وتُنْشِدُنا الهوى طرباً فنلهو / وتُطْرِبُنا بذياك النشيد
لقد كانت ليالينا بجَمعٍ / مكان الخال من وجنات خود
أبيتُ ومَن أحبُّ وكأس راحٍ / كذَوْب التّبر في الماءِ الجَمود
وقد غنَّت فأعرَبَتِ الأغاني / عن اللّذات من نايٍ وعود
فما مالت إلى الفحشاء نفسٌ / ولا ركنت إلى حسناء رود
وما زالت بي الألحاظُ حتَّى / ألانَتْ هذه الأيام عودي
ولم تملِك يمين الحرص نفسي / ولا ألْوَتْ إلى الأطماع جيدي
وليلٍ قد لبست به دجاه / بأردية من الظلماء سود
لِبيدٍ يَفْرَقُ الخرّيتُ فيها / ولم أصْحَبْ سوى حَنَشٍ وسيد
يجاوبني لديها الحتف نفسٌ / فيلمَسُ ملمَس الصعد الشديد
وتمنع جانبي بيضٌ شدادٌ / ولي بأسٌ أشدُّ من الحديد
وكم يوم ركبنا الفلك تطفو / بسيطَ الماء في البحر المديد
إذا عصفت بها ريحٌ هوت بي / كما يهوي المُصلّي للسجود
فآونةً تكون إلى هبوط / وآونةً تكون إلى صعود
ولولا اليوسُفان لما رمت بي / مراميها إلى خطر مبيد
وقد أهوى الكويتَ وأنتحيها / إلى مَغنى محمدها السعيد
إذا طالعت بهجته أرَتْني / مَطالعُها مطالعَ للسعود
أنامِلُه جداول للعطايا / وبهجته رياضٌ للوفود
وأكرَمُ من غَدَتْ تُثني عليه / بنو الدنيا بقافية شرود
مفيدٌ كلّ ذي أمل وحاجٍ / يَمُدُّ إليه راحة مستفيد
ومُنْتَجَعُ العُفاة ينالُ فيه / مَكانةُ رفعة ومَنالُ جود
تَحُطُّ رحالَها فيه الأماني / وتعنيه المدائح من بعيد
وتأوي كلَّما آوت إليه / ومأواها إلى ركن شديد
فَتىً من عِقدِ ساداتٍ كرام / يتيمةُ ذلك العقد الفريد
نَعِمتَ فتىً من الأشراف خِلاًّ / فيا لله من خِلٍّ ودود
ولولا جودُه والفضلُ منه / كما مَنَّ الوجودُ على وجودي
مناقبُ في المعالي أورِثوها / عن الآباء منهمْ والجدود
أُسودُ مواطن الهيجاء قومٌ / لهُم شَرَفُ العقول على الأُسود
هو الشرف الَّذي يبدو سناه / فيُخْضِعُ كلُّ جبار عنيد
ويخمد نورهم ناراً تلظى / وكان الظنّ آبية الخمود
وما اعترف الجحود بها وفاقاً / ولكنْ لا سبيل إلى الجحود
رفاعيٌّ رفيعُ القدرِ سامٍ / أبيٌّ راغمٌ أنْفَ الحسود
ومُبدي كلِّ مكرمةٍ معيدٌ / فيا لله من مبدٍ معيد
مكارمُ منعم ونوالُ بَرٍّ / غنيٌّ بالنجاز عن الوعود
وما مَلَكَتْ يداه من طريف / فلم تُضَع الجميلَ ومن تليد
عمودُ المجد من بيت المعالي / وهل بيتُ يقوم بلا عمود
مَدَحْتُ سواه من نُقباء عصر / فكنتُ كمن تَيَمَّم بالصعيد
ولُذْتُ به فَلُذْتُ إذن بظلٍّ / يمدُّ ظلال جنات الخلود
ولستُ ببارحٍ عن باب قرم / أقيّدُ من نداه في قيود
إذا جَرَّدْته عَضباً صقيلاً / وقفتَ من الحديد على حديد
وإن ذكروا له خلقاً وخلقاً / فَقُلْ ما شئت بالخلق الحميد
إليك بعثْتُها أبيات شعر / يَسيرُ بها الرسول مع البريد
كقطرِ المزن يسجم من نمير / وروض المزن يبسم عن ورود
لئِنْ كانت بنو الدنيا قصيداً / فإنّك بينَهُم بيتُ القصيد
أفي الطلل الحديثِ أو القديم
أفي الطلل الحديثِ أو القديم / بلوغُ مرامِ صَبٍّ مَرومِ
وقفتُ على رسوم دارسات / وما يغني الوقوف على الرسوم
ألا سُقِيَتْ منازلُ آل سلمى / بذي سَلمَ ورامة والغميم
وحيّ حيَّ أحباب تناءت / بقلب سار عن جسد مقيم
خذي يا ريح أنفاسي إليهم / وإنْ كانت أحرّ من السُّموم
أُكفكفُ بعدهم دمعاً كريماً / جرى من لوعة الوجد اللَّئيم
رعى الله الأَحبَّة كيف مرَّت / لياليهم بمنعرج الصَّريم
قَضَيْتُ نعيم عيشٍ مرَّ فيها / فسَلني إنْ جهلتَ عن النعيم
وكم غصنٍ هصرتُ بها رطيباً / جَنيّ الزهر مخضرّ الأَديم
بحيث نزوّج ابنَ المزن لما / عقدت حبابه بنتَ الكروم
إلى بعد الغميم وعهد سلع / نجاة من هموم أو غموم
سقتها هذه العبرات صوباً / تنوف به على الغيث العميم
كأنِّي حين أسقيها دموعي / سقاني البين كأساً من حميم
تلوم لجهلها لمياءُ وجدي / وأين الَّلائمون من الملوم
سألتكِ إنْ رأيتِ اللَّوم يجدي / حليفَ الوجد حينئذٍ فلومي
أما وحشاشة في القلب تزكو / غراماً يا أُميمَة كالغريم
لقد عَدِمَ التصبُّر فيك قلبي / ومن يبغي الثراءَ من العديم
وها أنا بَعْدَ من أهوى عليلٌ / شفائي منه معتلّ النسيم
وكم دنفٍ بكاظمة سقيمٍ / ولكنْ من هوى طرف سقيم
وليثٍ دون ذاك الحيّ يرمي / فيصرَعُ في سهام لحاظ ريم
وأَحباب أُقاسي ما أُقاسي / عَذاباً من عذابهم الأَليم
هُمُ نقضوا العهود وهم أصَرّوا / بصدِّهم على الحنث العظيم
وذكري بعدهم جنَّات عيش / رماني في لظى نار الجحيم
وفي دار السلام تركت قومي / وما أنا من هواهم بالسَّليم
ولي في البصرة الفيحاء قوم / أصولُ بهم على الخطب الجسيم
جرى من صدر إبراهيم فيها / على الدُّنيا ينابيع العلوم
من الأَشراف من أعلى قريش / بهم شَرَفٌ لزمزم والحطيم
إذا عُدَّت قرومُ بني مَعَدٍّ / فأوَّلُ ما يُعَدُّ من القُروم
عماد الدِّين قام اليوم فينا / بأمرِ الله والدين القويم
وفرعٍ من رسول الله دَلَّتْ / أطايبُه على طيب الأُروم
ونجمٍ في سماء المجد يهدي / إلى نهج الصراط المستقيم
شهاب ثاقب لا زال يذكو / فيقذف كلّ شيطانٍ رجيم
يعيد ظلام ليل الشَّكِّ صبحاً / إذا ما كانَ كاللَّيل البهيم
يزيد عقولنا بدقيق فَهمٍ / غذاءً للعقول وللفهوم
ونرجع في الكلام إلى خبيرٍ / بكشف دقائق المعنى عليم
تكادُ حلاوة الأَلفاظ منه / تعيد الرُّوح في الجسم الرَّميم
وروضٌ من رياض الفضل ضاهى / بزهر كلامه زهر النُّجوم
يقصّر بالبلاغة باعَ قسٍّ / ويقصُرُ عنه قيس بن الخطيم
وإنَّكَ إنْ نظرتَ إلى علاه / نظرتَ إلى جبالٍ من حلوم
إذا ذكرتْ مناقبه انتشينا / وكانت كالمدامة للنديم
لقد كرمَتْ له خِيمٌ وجَلَّتْ / وخيمُ الأَكرمين أجلّ خيم
وهل في السَّادة الأَنجاب إلاَّ / كريمٌ قد تفرَّع من كريم
يفوقُ الدّرّ في نَثْرٍ ونَظْمٍ / إذا ما قيس في الدُّرِّ النظيم
وأينَ المسكُ من نفحاتِ شيخٍ / يفوقُ نوافج المسك الشميم
ولم يبرح يقابِلُ سائليه / بحسن الخلق والطبع الحليم
تنال بفضله عِلماً وحكماً / وتعلم فضل لقمان الحكيم
فحاز مكارم الأَخلاق طراً / وحاشاه من الخلق الذميم
زفَفْتُ إلى علاك بنات فكري / فكانت مُنيَة الكفو الكريم
أغارُ من اللّئام على القوافي / فلا يَحظى بها حظّ اللَّئيم
أُمانعُ عن قوافيَّ الأَداني / ممانعةَ الغيورِ على الحريم
أتنسى صالحاً يوماً عبوساً
أتنسى صالحاً يوماً عبوساً / غداةَ هُجِيَتْ في شعر السُّويدي
ويوماً قد ضُرِبْتَ بكلِّ نعلٍ / ثقيلٍ فوق رأسكَ بالجُنَيْد
لقد أصبحتَ للشعراء مرمًى / فكلٌّ قال هذا كلبُ صَيْد
ألا بلِّغ جنابَ الشَّيخ عنِّي
ألا بلِّغ جنابَ الشَّيخ عنِّي / رسالَة مُتْقِنٍ بالأمرِ خُبرا
وسَل منه غداةَ يهُزُّ رأساً / بحلقة ذكره ويدير نحرا
أقال الله صفِّق لي وغنِّ / وقُلْ كفراً وسمِّ الكفرَ ذكرا
وأيُّ ولاية حَصَلتْ بجهلٍ / ومن ذا نالَ بالكفران أجرا
فإن قُلتَ اجتهَدْتَ بكلِّ علمٍ / فأعربْ لي إذَنْ لاقيت عمرا
وما يكفيك هذا الفعل حتَّى / كذبتَ على النبيِّ وجئت نكرا
متى صارت هيازع من قريش / فعدِّدها لنا بطناً وظهرا
فإنْ تكن السِّيادة باخضرار / لكان السلقُ أشرفَ منك قدرا
تقول العيدروسي كانَ يحيي / من الأَنفاس من قد مات دهرا
أكان شققتَ للباري شريكاً / فيَمْلِكُ دونه نفعاً وضرَّا
فويلك قد كفرتَ ولستَ تَدري / ولم تبرح على هذا مُصِرَّا
وويحك ما العبادة ضربُ دُفٍّ / ولا في طول هذا الذقن فخرا
برؤيتك الأنام تظنُّ خيراً / ولو علقتَ لظنَّت فيك شرَّا
أجب عمَّا سألتكَ واشف صدري / وإنْ أكُ قد عرفتك قبل ثورا
جلا في الكأسِ جاليَة الهمومِ
جلا في الكأسِ جاليَة الهمومِ / وقامَ يمِيسُ بالقَدِّ القَويمِ
يحضُّ على مسرَّات النَّدامى / ويأمُرُ في مُصافاة النَّديم
وقد فرش الربيعُ لنا بساطاً / من الأزهار مختلف الرقوم
بحيث الأُفق مغبرّ الحواشي / ووجه الأرض مخضر الأديم
هنالك تطلعُ الأقمار فيها / شموس الراح في اللَّيل البهيم
كأنَّ حَبابها نُظِمَت نجوماً / رَجَمتْ بها شياطين الهموم
وأرشفني لماه العذب ألمى / مراشفه شفاء للسقيم
وأعذب ما أرى فيه عذابي / فما أشكو الظلامة من ظلوم
وأحبابٌ كما أهوى كرامٌ / تنادمني على بنت الكروم
ويسعدنا على اللذات عودٌ / يكرِّرُ نغمة الصوت الرخيم
يخصّ بما يعمّ أخا التصابي / فيشجي بالخصوص وبالعموم
فيالك لوعة في الحبّ باحت / بما في مضمر القلب الكتوم
وما أهرقت من دمع كريم / جرى من لوعة الوجد اللئيم
أُلام على هواك وليت شعري / فما للاّئمين من الملوم
وما سالتْ دموعُ العين إلاَّ / لما في القلب من حرّ السُّموم
وهل ينجو من الزفرات صبٌّ / رَمَتْهُ بالغرام لحاظُ ريم
وقد حان الوداع وحانَ فيه / رحيلُ الصَّبر عن وجدٍ مقيم
إلاَّ لله من زَمَنٍ قَضَيْنا / به اللّذّات في العصر القديم
وقد كانت تُدارُ عليَّ راحٌ / تُعيدُ الرُّوح في الجَسَدِ الرَّميم
أخَذْتُ بكأسها وطربت فيها / فسَلْني كيف شئتَ عن النعيم
بحيث الشمس طالعة مدامي / وبَدْرُ التّمِّ يومئذٍ نديمي
تصَرَّمتِ الصّبابة والتصابي / وصارَمني الهوى ظبيُ الصَّريم
ومفريَّة الفدافد والفيافي / لها في البيد إجفالُ الظَّليم
سريت بها أقدُّ السَّيرَ قدًّا / بضربِ الوخد منها والرَّسيم
إذا مرَّتْ على أرضٍ فَرَتْها / مرور العاصفات على هشيم
وقفتُ على رسوم دارسات / وما يُغني الوقوفُ على الرُّسوم
أُكفْكفُ عبرة الملهوف فيها / وتحتَ أضالعي نار الجحيم
أُطوِّفُ في البلاد وأنتحيها / وإنْ شَطَّتْ إلى حرٍّ كريم
لئنْ سَعِدَتْ به الكوماءُ يوماً / حسمت نحوس أيَّام حسوم
أُنيخت في رحاب بني عليٍّ / نياقي لا بمنعرج الغميم
وأغناني عن الدُّنيا جميعاً / ندى سلمان ذي القلبِ السَّليم
وما زالت مطايانا سراعاً / إلى نادي الكريمِ ابنِ الكريم
رعيت النَّدى به غضًّا نضيراً / فما أدنو إلى المرعى الوَخيم
أقبِّل منه راحة أريحيٍّ / تَصوبُ بصيّب الغيثِ العميم
وإنِّي والهموم إذا اعترتني / وجَدْتُ به النجاة من الغموم
ويحمي المنتمين إلى عُلاه / مُحاماة الغيورِ عن الحريم
إذا ذُكِرتْ مناقبُه بنادٍ / تَضَوَّعَ عن شذا مسكٍ شميم
يروقُ نَضارةً ويَروقُ ظرفاً / أرقَّ إذا نَظَرْتَ من النَّسيم
وما يُبديه من شَرَفٍ ومجدٍ / يَدُلُّ به على شَرَفِ الأُروم
وما برحت مكارمُه ترينا / وُجُوه السَّعد بالزَّمن المشوم
وتَطْلُعُ من مَعاليه فتزهو / مناقبُ أَشْهَتْ زَهر النجوم
ولِمْ لا يرتقي دَرَج المعالي / بما يُعطاه من شيمٍ وخِيم
بوار الخصم في بأسٍ شديد / ونيلُ البرِّ من بَرٍّ رحيم
له فينا وإنْ رَغِمَتْ أُنوف / يدا موسى بن عمران الكليم
أَنوءُ بشكرها وأَفوزُ منها / بما يوفي الثراءَ إلى العديم
وذو الحظّ العظيم فتًى بَرَتْهُ / يَدُ الباري على خلقٍ عظيم
وفيه منعة لا زالَ فيها / امتناع الحادثات من الهجوم
ويدرك فكره من كلِّ معنى / يدقّ على المكالم والفهوم
هو القرم الَّذي افتخرت وباهت / به الأَشرافُ أشراف القروم
تحومُ على مناهله العطاشى / وثمَّةَ مَنْهلٌ عَذْبٌ لِهيمِ
وتصدُرُ عن موارد راحتيه / وقد بلغ المرام من المروم
لعبد القادر الجيلي يُنمى / وقطب الغوث والنبأ العظيم
إلى من تفرج الكربات فيه / وينجي المستغيث من الهموم
إلى بيت النُّبوَّة منتماهم / رفيع دعائم الحسب الصميم
هُداةُ العالمين ومقتداهم / إلى نهج الصراط المستقيم
رياض محاسن وحياض فضل / تَدفَّقُ بالمكارم والعلوم
وما أدري إذا طاشتْ رجال / رجالٌ أمْ جبال من حلوم
نظمتُ بمدحهم غُرَرَ القوافي / فما امتازت عن الدّرّ النظيم
ألا مَن مبلغٌ عنِّي ابنَ شبلي
ألا مَن مبلغٌ عنِّي ابنَ شبلي / رسائِلَ ضمنها خِزيٌ وعارُ
قصيميٌّ عَدِمْتَ العقل يوماً / ويوماً شمّريٌّ مستعار
وجنيٌّ إذا ما جُنَّ ليلٌ / وإنسيٌّ إذا ضاءَ النَّهار
ذهبت مولياً خدعاً ولؤماً / فلم يلحق بمذهبك الغبار
كما ذهب الحمار بأُمِّ عمرو / فلا رجعت ولا رجع الحمار
سَنا بَرْقٍ تَبَلَّجَ واستَنارا
سَنا بَرْقٍ تَبَلَّجَ واستَنارا / أثارَ من الصَّبابة ما أثارا
وهاج لي الغرام وهيّجت بي / فؤاداً يا أُميمة مستطارا
فبرقاً شِمْتُه واللَّيل داج / كما أوْقَدْتَ في الظَّلماء نارا
كأَنَّ وميضَه لمعانُ عَضبٍ / يشقُّ من الدُّجى نقعاً مثارا
ذكرتُ به ابتسامك يا سُليمى / فأبكاني اشتياقاً وادّكارا
فما مرَّ الخيال إذنْ بطرفي / ولَمْ أذُقِ الكرى إلاَّ غرارا
وذكرى ما مضى من طيب عيشٍ / سحبت من الشباب به إزارا
وعهد هوىً لأيام التصابي / وإنْ كانت لياليه قصارا
أخَذْتُ بجانب اللَّذات منها / على طَربي وعاقرتُ العقارا
وكم من لذَّةٍ بكُمَيْت راحٍ / أغَرْناها فأبْعَدْنا المغارا
منظمة الحباب كأنَّ كسرى / أماطَ الطَّوق فيها والسّوارا
مزجناها وقد كانت عقيقاً / فصيَّرها المزاج لنا نضارا
فلو طار السرور بمجتليها / على الندمان يومئذٍ لطارا
وقد كانَ الشباب لنا لبوساً / يَلَذُّ بِخَلْعِنا فيه العذارا
فواهاً للشبيبة كيف ولّتْ / وما استرجعتُ حلْيا مستعارا
تنافَرَتْ الظباء وبان سِربٌ / ولم أُنْكِرْ من الظبي النفارا
وشطّ نزارُ من أهواه عنِّي / ومن لي أن أزورَ وأنْ أُزارا
إلام أُسائل الرُّكبانَ عَنهمْ / وأستَقْري المنازلَ والديارا
وقوفاً بالمطيِّ على رسومٍ / أُعاني ما تُعانيه البوارا
أُرقْرِقُ عَبرة وأذوبُ شوقاً / ويَعدِمُني بها الشَّوقُ القرارا
وحنَّتْ أنيقي وبكَتْ رفاقي / وأرسَلَتِ الدُّموع لها غزارا
أشوّقك العرارُ لأرض نجدٍ / ولا شيحاً شَمِمْتَ ولا عرارا
أضَرَّ بك الهوى لا باختيار / وما كانَ الهوى إلاَّ اضطرارا
سَقَتْها المزنُ سحًّا من نياقٍ / وصَبَّ على معالمها القطارا
وصَلْتُ بها المهامه والفيافي / وجُبْتُ بها الفدافد والقفارا
مُعلِّلتي بممرضتي حَديثاً / لقد داويت بالخمرِ الخمارا
بمن لا زلت تحييني التفاتاً / وتقتُلُني صُدوداً وازورارا
هي الحدق المراض فتكْنَ فينا / وألطف من ظبا البيض احورارا
فلولا فتكها ما بتُّ أشكو / بأحشائي لها جرحاً جُبارا
كأنَّ جفونَها بالسِّحرِ منها / سُكارى والنفوس بها سُكارى
بَلَوْتُ بني الزمان وعرفَتْني / تجاريبي سرائِرَهم جهارا
وإنَّك إن بلوتْ النَّاس مثلي / وجَدْتَ النَّاس أكثرهم شرارا
وإنْ قِسْتَ الرجال وهم كبار / بمجد محمد كانت صغارا
بأهداهم إلى المعروف برًّا / وأسرعهم إلى الحسنى بدارا
وكم لحقته في ميدان فضل / فما شَقَّتْ له فيه غبارا
بروحي من إذا ما جار خطبٌ / فَرَرْتُ إليه يومئذٍ فرارا
يرى في ظلِّه العافون عيشاً / يَروقُ العينَ بهجته اخضرارا
ويُنفِقُ في سبيل الله مالاً / بهِ ادَّخرَ الثوابَ له ادِّخارا
ويَرعى في صَنائِعِهِ ذِماراً / بجيلٍ قلَّ من يرعَى الذّمارا
تبصَّر في الأُمور وحنكته / التجاريب اختباراً واعتبارا
وحلَّتْهُ فضائله بحِلْيٍ / لعمرك لن يُباعَ ولنْ يُعارا
وأبدعَ بالمكارم والأَيادي / فما يأْتي بها إلاَّ ابتكارا
وما زالتْ كرامُ بني زهير / خياراً تنتجُ القوم الخيارا
نِجار أُبوَّةٍ ونتاج فخرٍ / فحيَّا الله ذيَّاك النجارا
هم الجبل المنيع من المعالي / يُجيرُ من الخطوب من استجارا
وإنَّ محمَّداً أندى يميناً / وأَوفرُ نائلاً وأَعزُّ جارا
أبا عبد الحميد رُفِعتَ قدراً / وقد أُوتِيتَ حِلماً واقتدارا
سَبقْتَ الأَوَّلين فلا تُجارى / إلى أَمَد العلاء ولا تبارى
فسبحان الَّذي أَعطاك حِلماً / فوازَنْتَ الجبالَ به وقارا
وألهَمَكَ الصَّوابَ بكلِّ رأيٍ / يُريك ظلامَ حندسِهِ نهارا
عليك النَّاس ما بَرحتْ عيالاً / ولم تبْرح لدائرها مدارا
تُشَيِّدُ من عُلاك لهم مقاماً / وتُوضِحُ من سَناك لهم منارا
لك النَّظر الدَّقيق يلوح منهم / هُدى قومٍ به كانتْ حيارى
وفيك فطانة وثقوب ذهنٍ / يَراكَ به المشيرُ المستشارا
بقد سارَتْ مناقبك السَّواري / فما اتَّخذت في الأرض لها دارا
تَقَلَّدْتَ القوافي الغرَّ منها / بأحسنَ ما تقلَّدتِ العذارى
وما استَقْصَتْ مدائحك القوافي / نظاماً في علاك ولا نثارا
لئنْ قصَّرتُ فيما جئتُ منها / فقد تتلى اقتصاراً واختصارا
ليهنِك رُتْبَةٌ تعلو وتسمو / ونيشانٌ نُؤرِّخه افتخارا
ذكرتُ على النوى عهد التَّصابي
ذكرتُ على النوى عهد التَّصابي / فأشجاني وهيَّجَ بعضَ ما بي
وشوَّقني معالم كنتُ فيها / بأنعم طيبِ عيشٍ مستطاب
فَبِتُّ احِنُّ من شوق إليها / كما حنَّ المشيبُ إلى الشباب
سقى تلك الديار وساكنيها / مُلِثُّ القَطر منهلّ الرباب
فكم ظبيٍ هنالك في كناسٍ / ينوب بفتكه عن ليث غاب
بنفسي من أفدّيه بنفسي / ويعذب في تجنّيه عذابي
ولي قلبٌ تَوَقَّدَ في التهابٍ / ولي دمع توالى بانسكاب
وليلٍ طال بالزفرات منّي / ولم يقصر لحزني واكتئابي
وكم همٍ أساءَ إلى فؤادي / وطال مع الزمان به عتابي
وأزعجني عن الأحباب بينٌ / وبالبينِ انزعاجي واضطرابي
تعلِّلني بموعدها الأماني / وما التعليل بالوعد الكذاب
وتطمعني بما لا أرتجيه / وهل أرجو شراباً من سراب
وما فَعَلتْ بأصحابي المنايا / فأبْقَتْني وقد أخَذَتْ صحابي
وما لي من أُنيب إليه يوماً / إذا ما عضّني يوماً بناب
وما كتَبتْ يدايَ له كتاباً / ولكن كانَ في أمِّ الكتاب
أذاقَنيَ النَّوى حلواً ومرًّا / وجرّعني الهوى شهداً بصاب
أطوِّف في البلاد وأنتحيها / فما أغنى اجتهادي في الطّلاب
وأيَّةُ قفرة لم أرْمِ فيها / ولم أُزْعِجْ بِمَهْمَهها ركابي
لبستُ غُبارها وخرجت منها / كما استلَّ الحُسام من القراب
ولم أبلُغْ مقام العزّ إلاَّ / بعبد القادر العالي الجناب
وما نلنا المنى من السّعي حتَّى / نَزَلْنا في منازله الرِّحاب
كريم طيب الأخلاق بَرٍّ / بيوم الجود أندى من سحاب
فما سُئِل النَّدى والجودَ إلاَّ / وأسْرَعَ بالثواب وبالجواب
إذا ما أُبْت بالنَّعماء عنه / حَمِدْتُ بفضله حُسنَ المآب
أو انتَسَبَ انجذابٌ من قلوب / فما لسواه ينتسِبُ انجذابي
فيا بدرَ الجَمال ولا أُماري / ويا ربَّ الجميل ولا أحابي
سَأشكرُ فضلَك الضّافي وأدعو / لمجدك بالدعاء المستجاب
على نِعمٍ بجودك قد أُفيضَتْ / ولا ترجو بها غير الثواب
وممَّا سَرَّني وأزالَ همِّي / دُنُوِّي من جنابك واقترابي
ولم أبْرَحْ أهيمُ بكلّ وادٍ / وأقْرَعُ في ثنائك كل باب
وأرغَبُ عن سواك بكل حالٍ / وأطْمَعُ في أياديك الرغاب
ولم تبرحْ مدى الأيام تُدعى / لكشف الضر أو دفع المصاب
أصاب بما حباك به مشيرٌ / مشيرٌ بالحقيقة والصواب
وولاّك العمارة إذ تولى / أُمورَ الحكم بالبأس المهاب
فقُمْت مقامه بالعدل فيها / وقد عمرتها بعد الخراب
وذلَّلْتَ الصِّعاب وأنتَ أحرى / وموصوف بتذليل الصعاب
فلا يحزنك أقوال الأعادي / فما جَزِعَتْ أسودٌ من كلاب
لقد حلَّقْتَ في جَوِّ المعالي / فكنتَ اليومَ أمْنَعَ من عقاب
عَلَوْتَ بقَدْرِك العالي عليهم / كما تعلو الجبال على الرَّوابي
وما ضاهاك من قاصٍ ودانٍ / بعدل الحكم أو فصل الخطاب
وحُزْتَ مكارم الأخلاق طرًّا / ومنها جئت بالعجب العجاب
ألا يا سيّدي طال اغترابي / فرخِّصْ لي فَدَيْتُك بالذهاب
فأرجعُ عنك مُنْقَلِباً بخير / وأحْمَدُ من مكارمك انقلابي
وأنظِمُ فيك طول العمر شكراً / كما انتظم الحباب على الشراب
وليس يهمُّني في الدهر همٌّ / وفيك تَعَلُّقي ولك انتسابي
فمن شوقٍ إلى وطنٍ وأهلٍ / غَدَوْتُ اليومَ ذا قلبٍ مذاب
ومن مرضٍ أٌقاسيه ووجدٍ / رضيتُ من الغنيمة بالإياب
أمرَّ بها مع الأرواح رَنْدُ
أمرَّ بها مع الأرواح رَنْدُ / فَشَوَّقها إلى الأطلال وَجْدُ
أمْ ادَّكَرَتْ أحبَّتُها بسلع / فهيَّجها بذات الأثلِ عهد
أراها لا تُفيقُ جوىً ووجداً / وشبَّ بقلبها للشوق وقد
حدا فيها الهوى لديار ميٍّ / فَثَمَّ مسيرُها في البيد وخد
وتَيَّمها صبا نجدٍ غراماً / فما فَعَلَتْ بها سَلْعٌ ونجد
ولي كدموعها عبراتُ جَفْنٍ / لها في وجنتي عكس وطرد
بودِّي أنْ تعيدا لي حديثاً / بأحبابٍ لهم في القلب ودّ
لهم منِّي غرامٌ مستزادٌ / ولي منهم منافرةٌ وصدّ
ضَللْتُ عن التَصَبُّر في هواهم / وعندي أنَّه هديّ ورشد
فأخْلَقَ حبُّهم ثوبَ اصطباري / وثَوْبُ الوَجْد فيهم يُسْتَجدُّ
صَبَوْتُ إليهمُ فاستعْبَدوني / وإنَّ الصَّبَّ للمعشوق عبد
ولي في حيّهم رشَأ غرير / تخاف لحاظَهُ بالفتك أُسْد
إذا ما ماس أزرى بالعوالي / وكم طَعَنَ الجوانحَ منه قَدُّ
وليلٍ بالأُبيرقِ بِتُّ أُسقى / ثناياه ونَقْلي منه خد
يميل بنا التصابي حيث مِلْنا / وأمَّا عيشُنا فيه فرغد
رَكِبْنا من ملاهينا جُموحاً / فنحنُّ عن المسرَّة لا نُردُّ
لَيالي أوْرَثَتْنا حين وَلَّتْ / تَصَعُّدَ زفرةٍ فينا تجدّ
فهل يا سعد تُسْعِدُني فإني / فَقَدْتُ الصَّبر لا لاقاك فقد
وما كلٌّ يُرَجَّى عند خطبٍ / إذا ما خاصَمَ الدهرُ الألدّ
سوى محمود محمود السجايا / فلي من عطفه الركن الأَشدّ
إذا عُدَّتْ خِصالُ كريمِ قومٍ / فأَوَّلُ ما خصائله تعدّ
سروري في الهموم إذا اعترتني / وعيشي الرغد حيث العيش كدّ
بفضل يَمينه وظبا يَدَيْه / يفوز مصاحبٌ ويخيب ضدّ
وفيض علومه للناس جهراً / يدلُّ بأنَّهُ بحرٌ مُمدّ
وقد عَذُبَتْ موارده فأَمسى / لكلِّ النَّاس من صافيه وِرْد
طمى علماً ومكرمةً وجوداً / خضَمٌّ ليس يستقصيه حدّ
فجود لسانه درٌّ ثمينٌ / وجود بنانه كرم ورفد
تَقَلَّدَ صارمَ التقوى همام / له في هيبة الرحمن جند
سَلُوا منه الغوامض في علوم / فما في الكشف أسْرَعَ من يردّ
علومٌ نصْبَ عينيه أَحارَتْ / عقولَ طلابها أنَّى تجدّ
ذكيٌّ ثاقبُ الأَفكار ذهناً / فلم يَصْلد له بالفكر زند
تسائله فيبدي الدّرّ سيلاً / ويُنبي عن حُسام العَضب قدُّ
وكم قد أعْجَزَ الأَغيار ردًّا / بأجوبةٍ لعمرك لا تردّ
إذا كشف الحقائق في كلام / كأَنَّ نظامه في النثر عقد
وجاوَبَ عالِمُ الزَّورا بما لا / تُجاوبُ فيه إيرانٌ وهند
وأَمْسَتْ عندَه الأَغيار خرساً / وبانَ ضلالُهم وأُبينَ رُشْد
لد آتاهُ ربُّك أَيّ فضل / وذلك من إِله العرش وعد
أقامَ شريعةَ الغرَّاء فيه / وشُدَّ به لدين الله عضد
إمامٌ قدوةُ العلماء قرمٌ / لقد جَمَعَ الفضائل وهو فرد
ففي بَحْرينِ إفضالٍ وعلمٍ / يفوزُ بوَفْرها عافٍ ووفد
إليك أبا الثناء أبيتُ أُثْني / وإنْ أَثنى لساني عنك جهد
ومن جُمَل الفروض عليك تتلى / لشكر صنيعك الإِحسان حمد
ليهْنِك سيِّدي عيدٌ سعيدٌ / عليك له مدى الأَعوام عَوْد
وهاكَ من الفقير قصيد شعر / رضاكَ له بها كرم ورفد
أَجِزْ لي في مديحك لي بلثمي / يمينكَ فهو لي أملٌ وقصد
سقى الطللَ الغمامُ وجادَ رسْما
سقى الطللَ الغمامُ وجادَ رسْما / عفا من عالجٍ لديارِ سَلمى
وسحَّ على منازلنا بنجدٍ / مُلِثُّ القطر تسكاباً وسَجْما
وعهد في الصَّريم مضى وصَدَّتْ / أوانسُ غيدِه هجرأ وصَرْما
بحيثُ الكأس تُتْرَعُ بالحميَّا / وعقد الشَّمل مثل العقد نظما
وممَّا صبوَةٍ وصباً أصابا / مراماً باجتماعهما ومرمى
تساعدني على اللّذّات سعدى / وتنعم لي بطيب الوصل نعمى
وتعقرّنا العقار وكم عقَرْنا / بها في هذه الأَحشاء همَّا
وليلٍ ما برِحْتُ أُديرُ فيه / معَتَّقةً تلذُّ لدي طعما
أُزوِّجها بابنِ المُزن بكراً / وأَمْزِجُ صِرْفها برُضاب ألمى
وأَغْتَنِمُ المسَرَّةَ بالندامى / وكانتْ لذَّة النُّدماء غنما
رعى الله الشَّباب وإنْ تولَّى / وذكّرْ عهده يوماً فيَوْما
صحا سكرانُ من خمر التَّصابي / وبدّل بعد ذاك الجهل حلما
وصاخ إلى العَذول وكان صبًّا / يرى لوم العَذول أشدّ لوما
فمن لاحٍ يعَنِّفُه لدمعٍ / يُكفكِفه مخافة أن يُنمّا
أرَتني من حوادثها اللَّيالي / أعاجيباً لها العَبرات تدمى
ومن لي أن تسالِمُني الرَّزايا / فما زالت لي الأَرزاء خصما
أُؤَمِّل نفس حرٍّ لم تعدني / أمانيها إلى أجلٍ مسمَّى
ضلالاً ما أُعلِّلُ فيه نفسي / وقولي ربَّما وعسى ولمَّا
فما لي والخمول وكلّ يومٍ / تُفَوِّق لي خطوبُ الدَّهر سهما
أَراني إنْ عَزَمْتُ على مُهِمٍّ / ثَنَتْ عنِّي يدُ الأَقدار عزما
وإنِّي سوف أركبها لآمرٍ / أُحاول شأوه إمَّا وإمَّا
وإنَّ ليالياً أعْرَقْنَ عَظمي / أضاعتني وما ضيَّعْتُ عزما
فتبًّا للزَّمان لقد تعدَّى / حدوداً ما تعدَّاهنَّ قدما
أيسمو الجاهلون بغير علمٍ / ويروى من هزَوْتُ به وأَظما
تحوَّل يا زمان إلى الأَعالي / وخذْ بكمالها فالنَّقص تمّا
لقد جهل الزَّمان بعلم مثلي / وإنَّ الجهل بين بَنيه عَمَّا
وكيف أسودُ في زَمَنٍ جَهولٍ / ولو أنِّي كإبراهيم علما
قريب من رسول الله يُدعى / بأزكى العالمين أباً وأُمَّا
نَمَتْهُ الأَنجبون وكلّ قرم / إلى خير الورى يُعزى ويُنمى
تَخَلَّقَ من سنا نورٍ مُبين / فكانَ الجوهرَ النَّبويَّ جسما
بني الشَّرف الَّذي يعلو ويسمو / فما أعلى مبانيه وأَسمى
وشيَّدهُ وإن رَغِمتْ أَنوفٌ / ولم يَبْرَح لأنف الخصم رغما
بناءٌ قصَّرَتْ عنه السَّواري / وما استطاعتْ له الحُسَّاد هدما
تأَمَّل في عظيمٍ من قريش / تجدْ أُسْد الشَّرى والبدر تمّا
عليه من سول الله نورٌ / به يمحو الظَّلام المدلهّما
إذا الأَمر المهمُّ دهى كفانا / بدعوته لنا ما قد أهمّا
شفاءٌ للصُّدور وكم مريضٍ / يكون له اشتيار الشّهد سمَّا
بروحي منك أروع هاشميًّا / حديد القلب واري الزّند شهما
لك الكلمُ الَّتي جَمَعَتْ فأَوْعتْ / تروح الملحدون بهنَّ كلمى
وكم من حجَّة نَطَقَتْ فظلَّتْ / لها فصحاء غير الحقّ عجما
وجئتَ بما يحير الفكر فيه / بياناً منك إلهاماً وفهما
وقد أحيَيْتَ هذا الدِّين علماً / بحيث الدِّين قارب أن يرمّا
وقوَّمْتَ الشَّريعة فيه حكماً / ولم ترَ غير حكم الله حكما
وكم أَغْضَبْتَ يا مولايَ قوماً / بما فيهم وكم أَرْضَيْتَ قوما
أتكتم فضلك الحسَّاد جهلاً / وما اسطاع الدُّجى للنور كتما
مَناقِبُك النجومُ وليس بِدْعاً / إذا ما أَنكرتها عينُ أَعمى
وجَدتك سيِّدي للمدح أهلاً / فخذ مدحي إذَنْ نثراً ونظما
وحسبي منك جائزتي دعاءً / به من سائر الأَسواء أَحمى
أنال به الثواب بغير شكٍّ / وأمحو بالثناء عليك إثما
وليس يفي بفضلك كنه مدحي / وكانَ المدح إلاَّ فيك ظلما
مَلَكْتَ فؤادَ صبِّك في جَمالِك
مَلَكْتَ فؤادَ صبِّك في جَمالِك / فلا تُضْنِ مُحبّك في دلالِك
كئيبٌ من جفونك في سقام / فَعالِجهُ وإلاّ فهو هالك
يرومُ وصالكَ الدَّنفُ المعنى / ولو أنَّ المنيَّة في وصالك
تحرِّمُ وَصْل من يهواك ظُلماً / وتَبْخَلُ فيه حتَّى في خيالك
وما ينسى لك المشتاق ذكراً / أَيَخْطر ذكرها يوماً ببالك
لقد ضاقت مذاهبُه عليه / وسُدَّتْ دون وِجْهَتِه المسالك
مَلِلْتُ وما مَلِلْتَ عن التجافي / فَلِمْ لا مِلتَ يوماً عن ملالك
فيا ظَبي الصَّريم وأنت ريمٌ / لكم قُنِصَتْ أُسودٌ في حبالك
وإنَّك إنْ حَكَيْتَ الصّبحَ فَرقاً / حكى حظِّي الشَّقيّ سواد خالك
أقولُ لعاذلٍ بهواك يلحو / أَصَمَّ الله سمعي عن مقالك
وبين الوجد والسوان بعد / كما بين اتّصالك وانفصالك
تحلُّ دَماً من العاني حراماً / فهَلاَّ كانَ وَصلُك من حلالك
وهَبْنا من زكاة الحسن وَصلاً / أما تجب الزَّكاة على جمالك
وإنَّا في هواك كما ترانا / عطاشى لا تُؤَمِّلنا ببالك
يُؤَمِّلنا المنى فيك المنايا / ويُوقعُنا غرامك في المهالك
وما طمع النُّفوس سوى تلاقٍ / وقد أطْعَمْتُ نفسي في نوالك
منعتَ ورودَ ذاك الثَّغر عنِّي / فواظمأ الفؤاد إلى زلالك
أَرَبْعَ المالكيّة بعد ليلى / ضلالاً إنْ صَبَوْتُ لغير وصالك
سُقيتَ الرّيَّ من ديَم الغوادي / تجرُّ ذيولهنَّ على رمالك
أُقاسي من ظبائك ما أُقاسي / وأعظمُ ما أُكابد من غزالك
ويا قلباً يذوبُ عليك وجداً / أرى هذا الغرام على وبالك
يحمِّلك الهوى حملاً ثقيلاً / وما احتملت قلوبٌ كاحتمالك
ألا فانشد بذات الضَّال قلبي / فعهدي أنَّه أضحى هنالك
ولا تسلك بنا سبل اللَّواحي / فإنِّي في سبيلك غير سالك
لقد أَرْشَدتَ بل أضْلَلْتَ فيه / فلم أعرف رشادك من ضلالك
شجيتُ وأَنتَ من وجدي خليٌّ / وها حالي ثكلتك غير حالك
فلا تَحْتَلْ على صَبري بشيءٍ / من العجز اتَّكلْت على احتيالك
ولا تعذل أخا دنفٍ عليه / متى يصغي لقيلك أو لقالك
يزين صباح ذاك الفرق منه / بأَسْوَدَ من سواد اللَّيل حالك
وما لك بالغرام وأَنتَ عدل / تجورُ على المحبِّ مع اعتدالك
أَيَمْلِكُ بالهوى رقِّي وإنِّي / شهاب الدِّين لي بالفضل مالك
أمحمود الفضائل والسَّجايا / حَمِدْتُ من الأَنام على فعالك
لقد أُوتيتَ غاية كلّ فضلٍ / بخوضك في العلوم وباشتغالك
إذا افتخرت بنو آلٍ بآلٍ / ففخر الدِّين أَنت وفخر آلك
وأعجبُ ما نشاهد في أحاجي / بديهتك العجيبةُ وارتجالك
وكم أخْرَسْتَ منطيقاً بلفظٍ / فأفصحَ عن عُلاك لسانُ حالك
وفي مرآك للأَبصار وحيٌ / ينبِّئُنا فديتُك عن جلالك
وتصقع بالبلاغة والمعاني / أَشدّ على عدوِّك من نبالك
فيا فرع النّبوَّة طِبْتَ أصلاً / ثمار الفضل تُجنى من كمالك
ظَفِرنا من نَداك بما نرجّي / على أَنْ ما ظَفِرنا في مثالك
وحسْبُك أَنتَ أَشرفُ من عليها / تشَرَّفَتِ البسيطةُ في نعالك
وكم لله من سيفٍ صقيلٍ / بجوهره العناية في صقالك
لنا من اسمكَ المحمود فأْلٌ / يخبِّرُ سائليك بسعد فالك
وما أنا قائلٌ بنداك وبلٌ / لأنّ الوَبْلَ نوعٌ من بلالك
إذا الأَيَّام يوماً أظمأَتْنا / وَرَدْنا من يمينك أو شمالك
وإنْ بارَزْتَ بالبرهان قوماً / تحامى من يرومك في نزالك
وكلٌّ منهمُ وله مجالٌ / فما جالت جميعاً في مجالك
تُجيبُ إذا سُئِلْتَ بكلِّ فنٍّ / وتعجزهم جواباً عن سؤالك
وإنَّك أَكثر العلماء علماً / ولستَ أَقلَّهم إلاَّ بمالك
نعم هم في معاليهم رجال / ولكنْ لم يكونوا من رجالك
كمالُكَ لا يُرام إليه نَقْصٌ / وأينَ البَدْرُ تمًّا من كمالك
وما تحكي البدورُ التِّمُّ إلاَّ / بوجهك وارتفاعك وانتقالك
سجاياك الجميلة خبَّرتنا / بأنَّ الحُسن معنى من خصالك
خلالٌ كلُّها كرمٌ وجودٌ / تجمَّعَتِ المكارم في خلالك
وما في النَّاس من تَلْقاهُ إلاَّ / ويَسْأَلُ من عُلومِكَ أو نوالك
وتولي في جميلك كلَّ شخصٍ / كأَنَّ الخَلْقَ صارت من عيالك
لقد أَمَّنْتَني خَوْفَ اللَّيالي / وإنِّي إنْ بقيت ففي خلالك
تعالى قَدْرُكَ العالي مَحلاًّ / وعندي أنَّ قَدْرك فوق ذلك
وصَفْتُك بالفضائل والمعالي / ولم تِكُ سيِّدي إلاَّ كذلك
تَبَارَكَ من بَراكَ ابنَ المُبارَكْ
تَبَارَكَ من بَراكَ ابنَ المُبارَكْ / وَزادَك من مواهبه وبارَكْ
مكانةَ رفعةٍ وعلوَّ قدرٍ / يزيد به علاءك واقتدارك
وأبقاك الإِله غمام جودٍ / لمن يظما فيستسقي قطارك
رأيتك مورد الآمال طرًّا / فها أنا لم أرِدْ إلاَّ بحارك
تُهينُ نفائسَ الأَموال بذلاً / ولم تعبأ بها وتعزُّ جارك
حماك هو الحمى ممَّا يحاشى / تجير من الخطوب مَن استجارك
وإنَّك صفوة النجباء فينا / وإنَّك خيرة لمن استخارك
نشأت بطاعة المولى منيباً / وتقوى الله ما برحت شعارك
تجنّبك الَّتي تأبى تقاة / عَقَدْتَ على العفاف بها إزارك
تعير البدرَ من محياك حُسناً / كأَنَّ البدر طلعتَه استعارك
أَخَذْتَ بصالح الأَعمال تقضي / بأمر الله ليلَك أو نهارك
مجيباً من دَعاكَ ولا أناة / أثارك للمكارم مَن أثارك
ولا لحقتك يوم سبقتَ نجبٌ / بمكرمةٍ ولا شقَّتْ غبارك
أَغَرْتَ على الثناء من البرايا / وقد أبْعَدْتَ يومئذٍ منارك
لقد طابت بفضلك واستقرَّت / بك الأرض الَّتي كانت قرارك
وحقَّ لها إذا فخرت وباهت / ديارٌ رُحْتَ توليها افتخارك
سماحك لا يزالُ لمستميح / من العافين جاهك واعتبارك
وإنَّك دوحة بسقت وطالت / جنى الجانون يانعة ثمارك
يُشاركُ كلّ ذي مجد بمجد / ومجدك في الحقيقة لا يُشارك
ودهرٌ قد جنى ذنباً عظيماً / فلما قيل هل تلقي اعتذارك
تدارك ذنبَه بعلاك حتَّى / غفرنا ذنْبَه فيما تدارك
وإنَّ أبا الخصيب يروق عندي / لأنك فيه قد شيَّدْتَ دارك
أزورك سيِّدي في كلّ عام / فلا أنأى عن الدَّاعي مزارك
وإنِّي قد ترقَّبت الغوادي / ووابلها ترقَّبت ازديارك
شَهِدْتُ مشاهد النعماء فيها / فلا شاهدت في الدُّنيا بوارك
هَلُمَّ بنا نزورُ أبا الخصيبِ
هَلُمَّ بنا نزورُ أبا الخصيبِ / ونرعى جانِبَ العيش الخصيبِ
نعاشر أهْلَهُ ونقيمُ فيه / بخفض العيش من حسن وطيب
كرامٌ قد نزلت بهم غريباً / فكانوا سلوة الرجل الغريب
وعبد الواحد الموصوف فيهم / بطول الباع والصَّدر الرَّحيب
هو الشَّهم الَّذي لا عيب فيه / سوى العرض النقيّ من العيوب
لقد تُقنا إلى ذاك المحيَّا / ولا تَوْقَ المحبِّ إلى الحبيب
فحيِّ ابنَ المبارك من كريم / أحبّ إلى القلوب من القلوب
يرى فعل الجميل عليه فرضاً / وصنع المكرمات من الوجوب
نُصيبُ بفضله الأَعراض منه / ونرجع عنه في أوفى نصيب
حكى إحسانه صوب الغوادي / فقلنا ديمة القطر الصَّبيب
إذا المستصرخون دَعَوْه يوماً / فقد أمنت بكشَّاف الكروب
وإنْ أبْصَرَتْ منه البِشْرَ يبدو / فأبشرْ منه بالفرج القريب
يلذّ لدى سؤال ندى يديه / فيثني عطف مرتاح طروب
ومبتسم بوجه الضَّيف زاه / ووجه الدَّهر مشتدّ القطوب
أَجَلّ عصابة كرمت وجادت / على العافين في اليوم العصيب
كريمٌ قد تفرَّع من كريم / نجيبٌ ينتمي لأبٍ نجيب
رأيت الأَكرمين على ضروب / وهذا خير هاتيك الضروب
وقَدْرٍ ما استخفَّته الرَّزايا / ولا راعته قارعة الخطوب
ولا استهْوَتْه نَفْسٌ في هوانٍ / ولم يَدْنُ إلى أدنى معيب
منارٌ يُستمدُّ الرأي منه / وعنه رميَّة السَّهْمِ المصيب
فأَشهَدُ أنَّه فردُ المعالي / وما أنا منه في شكٍّ مريب
عليه ذوو العقول إذَنْ عيالٌ / وها هو إرْبةُ الفطن الأَريب
فتعرض رأيُها أبداً عليه / كما عرض المريض على الطَّبيب
فداك الباخلون وهم كثيرٌ / فداءَ النَّحر من بُدنٍ ونيب
بيومٍ عنده الإِنفاق فيه / أشدّ على الجبان من الحروب
ولا أَفلَتْ كواكِبُك الزَّواهي / ولا أَذِنَتْ شموسُكَ للغروب
سقانيها معتَّقَةً عقاراً
سقانيها معتَّقَةً عقاراً / وقد ألقَتْ يدُ الفجر الإِزارا
ودار بها مشعشعة علينا / فَدارَ الأُنسُ فينا حيث دارا
إذا ما زفَّها السَّاقي بلَيْلٍ / أعاد اللَّيل حينئذٍ نهارا
تشقّ حشاشة الظَّلماء كأسٌ / كما أوقدَت في الظَّلماء نارا
جلاها في الكؤوس لنا عروساً / وقد جعل الجمان لها نثارا
يتوِّجها الحباب بتاج كسرى / إذا مزجت ويلبسها سوارا
فقبل المزج تحسبها عقيقاً / وبعد المزج تحسبها نضارا
جلاها فانجلتْ عنَّا هموم / وفرت كلَّما جُلِبَتْ فرارا
فأَدركت الندامى بالحميّا / من الهمِّ الَّذي في القلب ثارا
وكم من لذَّةٍ بكيتِ راح / أغرناها فأَبعدنا المفارا
ويعذرني الشَّباب على التَّصابي / بصبوة مغرم خلع العذارا
وما أَهنا المدام بكفِّ ساقٍ / كمثل البدر أشرق واستنارا
بروحي ذلك الرَّشأ المفدَّى / وإنْ ألِفَ التجنّب والنفارا
وأينَ الظبي من لفتات أحوى / يضاهيه التفاتاً واحورارا
رنا فأَصابَ بالأَلحاظ منَّا / فؤاداً بالصَّبابة مستطارا
مليحاً ما تصبّر في هواه / محبٌّ لم يجد عنه اصطبارا
وما أَنسى غداة الشّرب أمْسَتْ / بناظره وريقته سكارى
أَلا يا ممرضي بسقام طرفٍ / أصاب من الحشا جرحاً جبارا
فؤادي مثل طَرفك بانكسارٍ / فكلٌّ يشتكي منك انكسارا
غرامي في هواك بلا اختياري / وما كانَ الهوى إلاَّ اضطرارا
مضى وتصرَّمَتْ تلك التَّصابي / فإنْ عاد الصّبا عاد ادّكارا
فوالهفي على أوقات لهوٍ / قَضَيناها وإنْ كانت قصارا
تركت الشعر لمَّا ألْبَسَتْني / من الأَكدار أيَّامي شعارا
ولولا مدح مولانا عليٍّ / لما جُدْتُ النظام ولا النثارا
أجلّ السَّادة الأَشراف قدراً / وأرفعهم وأطيبهم نجارا
وأرأفهم على الملهوف قلباً / وأسرعهم إلى الحسنى بدارا
جواد في الأَكارم لا يبارى / وبحرٌ في المكارم لا يجارى
إذا نظر الكبار إلى علاه / رأت في المجد أنفسها صغارا
وقد سبقَ الأَعالي في المعالي / فما لحقت له فيها غبارا
وساجله السَّحاب فكان أندى / يداً منها وأعظمها قطارا
وكم عام منعنا القطر فيه / فأمطرَنا لجيناً أو نضارا
وكم شاهدت في الأَيَّام عسراً / ولذت به فشاهدت اليسارا
لنا في فضله غرس الأَماني / جَنَيْناها بدولته ثمارا
وكم أكرومةٍ عَذراءَ بِكْرٍ / يجيءُ بها إلى النَّاس ابتكارا
يُهينُ أَعزَّ ما ملكت يداه / بِوافر نَيْله ويعزّ جارا
ألَسْتُم في الحقيقة آل بيت / عَلَوْا جُوداً وفضلاً واقتدارا
عليكم تنزل الآيات قِدْماً / فحسبكمُ بذالكمُ افتخارا
أَقَمْتُم ركن هذا الدِّين فيها / وأَوْضَحْتُم لطالبه المنارا
جُزيتم عن جميع النَّاس خيراً / وما زلتم من النَّاس الخيارا
بنفسي منكَ قرماً هاشميًّا / يجير من الخطوب من استجارا
تَقُدّ حوادث الأَيَّام قَدًّا / فأنتَ السَّيف بل أمضى شفارا
بسرِّ نداك قام الشعر فينا / فأثنينا عليك به جهارا
نُقَلِّدُ من مناقبك القوافي / بأحسن ما تَقَلَّدَتِ العذارى
لبسن من الثناء عليك حِلْياً / لعمرك لن يُباع ولن يعارا
يضوع شميمه في كلّ نادٍ / كما نشرت صَبا نجدٍ عرارا
فلا زالتْ لكَ الأَيَّام عيداً / ولا شاهدت في الدُّنيا بوارا
أَقولُ ليوسفٍ والمطل ظلمٌ
أَقولُ ليوسفٍ والمطل ظلمٌ / أما لي حصَّةٌ في ماءِ وَرْدِكْ
وإنَّك قَدْ وعدت به فقل لي / متى يا سيِّدي إنجازُ وَعْدِكْ
رآها قد أَضرَّ بها الكلال
رآها قد أَضرَّ بها الكلال / وقد ساءَت لها يا سعد حال
فذكّرها شميمَ عَرارِ نجدٍ / ولا سيَّما إذا هبَّتْ شمال
فحرّكها وأَينَ لها بنجد / لهيبُ الشَّوق والدَّمع المذالُ
وقد كانت كأَنَّ بها عقالاً / فأَطْلَقَها وليس بها عقالُ
ولولا النَّازلون هضاب نجدٍ / تحاماها الضَّنى والاختلال
تخال الدَّمع سابقها عَلَيْهم / فكيفَ تسابق المزنَ الرؤال
يحمِّلها الهوى عبئاً ثقيلاً / وللأَشجان أَعباءٌ ثقال
ويقذفها النوى في كلّ فجٍّ / لها فيه انْسياب وانثيال
تمدُّ به فيقصرُ في خطاها / من البَيْداء أبواعٌ طوال
تشيم البرق يومئذٍ سناه / كعَضْب القين أَرْهَقَه الصقال
وما أدري أهاج النّوق منه / غرام حين أَومَضَ أَمْ خيال
شديدُ وَجْدُها والوصلُ دانٍ / فكيف بها وقد مُنِعَ الوصال
ذكرنا عَهْدَ رَبعك يا سُلَيْمى / وعقد الدَّمع يوهيه انحلال
منازل للهوى ما لي أراها / كطرفي لا يلمّ بها خيال
مباديها المسَرَّة والتَّهاني / وغايتها التغابن والوبال
وكانتْ بهجةَ الأَبصار حتَّى / أحالَتْها من الحدثان حال
سألتك أينَ عيشُك بالأَوالي / وما يغني التفحُّص والسُّؤال
غداة الشِّيح نبتُك والخزامى / حَمَتْها البيض والأسل الطوال
وتسنَحُ في عِراصِك قبلَ هذا / من السَّرْبِ الغزالة والغزال
وتَطْلُعُ من خيامك مشرقات / بدورٌ من أسِرَّتها الكمالُ
وكلُّ مهفهفٍ تُثني عليه / معاطفه ويَثْنيه دلال
رماة من حواجبها قِسِيٌّ / تُراشُ لها من الحَدَق النبال
ومن لي أن ترى عيني سناها / فتنعم أعينُ ويُراح بال
تنافَرَتِ المها فوَجَدْتُ قلبي / يجدُّ به وللحيِّ ارتحال
وهاتيك الرَّكايب أَرْقَلَتْها / ظِباءٌ قَدْ أَقلَّتها الجِمال
وكم صانَتْ أَكِلَّتها وُجواً / عَليها مهجتي أبداً تذال
فمالوا بالأَباعر لا إليْنا / ومال بنا الهوى من حيث مالوا
أعيذك من حشاً تذكر لظاها / وهمٍّ داؤه الدَّاء العضال
أحبّتك الذين شَقِيتَ فيهم / أسالوا من دموعك ما أسالوا
لنيران الجوى يا ناقُ عندي / على البُعد اتّقادٌ واشتعال
أُعَلِّلُ بالأَماني والأَماني / أُمورٌ من زخارفها المحال
سرابٌ ولا يُبَلُّ به غليل / ولا فيه لوارده بلال
وحَسبُك إنْ وَرَدْتَ أبا جميل / جميلٌ ما يروقك أو جمال
رِدِي من سَيْبه عَذباً زلالاً / فثَمَّ الموردُ العذب الزُّلال
تُناخ ببابه الآمال طرًّا / وتُملأُ من مواهبه الرِّحال
تعظّمه الخطوب ويزدَريها / وليسَ له بمعظمها احتفال
وينهضُ من أُبوَّته بعبءٍ / قليل ما تنوءُ به الرِّجال
من الشّمِّ الشَّوامخ في المعالي / يطولُ الرَّاسيات ولا يُطال
ويوقره إذا طاشتْ رجالٌ / حلومُ لا تضاهيها الجبال
صقيلُ مضارب العزمات ماضٍ / فلا فُلَّت مضاربُه الصّقال
قوام الدِّين والدُّنيا جميعاً / شفاؤهما إذا كانَ اعتلال
أظلَّتْنا غمامَتُه بظلٍّ / إذا لفح الهجير به ظلال
ويومٍ مشمسٍ فيه مضيءٍ / فشمسٌ لا لمطلعها زوال
وليلٍ فيه أقْمرٌ مستنيراً / على وجنات هذا الدَّهر خال
ينفّس كلَّ كاربة بكَرٍّ / لدى يومٍ يضيقُ به المجال
سماءٌ من سماوات المعالي / كواكبها المناقب والخصال
فعالٌ تسبق الأَقوال منه / وأَقوالٌ تقدّمها الفعال
يريك مِدادَه في يوم جودٍ / لأحداق النَّوال به اكتحال
ومن كلماته ما قيل فيها / هي السّلسال والسِّحر الحلال
لساني في مدائحه صدوق / يصدّق فيه منِّي ما يُقال
إذا أَسدى إليَّ المالَ أَمْسَتْ / تُمالُ لي القلوب وتستمال
فلي من ماله شرف وجاه / ولي من جاهه عِزٌّ ومال
قريبُ النَّيل ممتنع المعالي / ومُدني النَّيْل ما بَعُدَ المنال
تحطّك رأفةٌ شملَتْ ورقَّتْ / وترْفَعُكَ الأُبوَّة والجلال
عزيز النَّفس عزَّ على البرايا / نظيرك في الأَماجد والمثال
كأنَّك بين أقوامٍ سراةٍ / هُدًى ما بعده إلاَّ الضَّلال
وإنِّي قد رأيت علاك منهم / مرامٌ قد يرامُ ولا ينال
وليسَ لهم وإنْ دفعوا إليها / مناقِبُك الشَّريفة والخلال
خليقتك المروءةُ حيثُ كانتْ / وشيمتك السَّماحة والنَّوال
وهل أخشى من الحظِّ انفصالاً / ولي من قرب حضرتك اتّصال
تَلَذُّ لك المكارم والعطايا / وتطربك الشَّجاعة والنزال
ولستَ من الكرام كبعض قوم / يجود بماله حتَّى يقالُ
فيا جبلاً أطَلَّ من المعالي / عَلَيْنا لا تزول ولا تزال
هباتٌ منك للعافين تترى / ولا وعدٌ لديْكَ ولا مطال

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025