المجموع : 33
أَلا يا عَيشُ هَل لَكَ مِن مُعيدِ
أَلا يا عَيشُ هَل لَكَ مِن مُعيدِ / وَأَنّى لي التَناوُشُ مِن بَعيدِ
صبرتُ عَلَيكِ يا نَزَواتِ دَهري / فَزيدي ما بَدا لَكِ أَن تَزيدي
وَلا وَأَبيكِ أُجري دَمعَ جَفنٍ / فَما أجريتُ غَيرَ دَمِ الوَريدِ
وَماذا الحُسنُ مِمّا قَد عَهِدنا / وَلَكِن جاءَ في خَلقٍ جَديدِ
يَكادُ يَطيرُ مِن شَوقٍ فُؤادي
يَكادُ يَطيرُ مِن شَوقٍ فُؤادي / وَلَكِن ما تُطاوِعُهُ الضُلوعُ
كَأَنَّ الشَمسَ لَما غِبتَ غابَت / عَنِ الدُنيا فَلَيسَ لَها طُلوعُ
عَلى ذِكراهُ أَيّامَ الفَنيقِ
عَلى ذِكراهُ أَيّامَ الفَنيقِ / جَرى مِن عَينِهِ عَينُ العَقيقِ
فَمِنها وَالحَيا ما اِحمَرَّ ماءٌ / سَقى فَاِنشَقَّ تُربٌ عَن شَقيقِ
وَلَيسَ الدَمعُ مِنهُ صَوبَ ماءِ / كَما ظَنّوهُ بَل ذَوبَ الحَريقِ
يُكَلِّفُني العَذولُ سَماعَ قَولٍ / مِنَ الأَنفاسِ يَأخُذُ بِالمَضيقِ
رُوَيدَكَ لا أُعيرُكَ غَدرَ سَمعي / أَأَسمَعُ مِن عَدُوٍّ في صَديقِ
وَحَلَّ حَديثُهُ مِنّي مَحَلّاً / هُوَ المَوصوفُ قِدماً بِالسَحيقِ
وَما حُسنُ السَلامَةِ فَوقَ بَرٍّ / وَيا قُبحَ الشَماتَةِ بِالغَريقِ
تَرى آثارَهُم إِلّا أَماني
تَرى آثارَهُم إِلّا أَماني / طَلولاً بَعدَ ما كانَت مَغاني
كَأَلفاظٍ خَلَت مِن ساكِنيها / فَيا شَوقي إِلى تِلكَ المَعاني
إِلَيها عُدتُ ذا دَمعٍ شُجاعٍ / أَعودُ بِهِ عَلى صَبرٍ جَبانِ
وَهَل لِلمَرءِ إلا حَرُّ نارٍ / إِذا ما لَم يَنَل بَردَ الجِنانِ
وَمَجلِسِ لَذَّةٍ قَلَّبتُ عَيني / بِساحَتِهِ فَلَم أَحمَد عِياني
وَلا ساقٍ بِهِ إِلّا عَذولٌ / سَقاهُ اللَهُ مِمّا قَد سَقاني
عَذولي ما رَأَيتُكَ لي صَديقاً / إِذا ما كانَ شَأنُكَ غَيرَ شاني
فَما هَذا مَكانَكَ مِن دِيارٍ / عَرَفتَ عَلى البِلادِ بِها مَكاني
عَفَت مِن ناظِرِيَّ فَما أَراها / وَعَفّاني السَقامُ فَما تَراني
وَذَكَّرَني وَلا وَالحُبِّ أَنسى / عُهوداً غُصنُ بانٍ غُصنَ بانِ
وَرَوضاً مُسفِراً لي عَن وُجوهِ / وَطَيراً مُخبِراً لي عَن قِيانِ
فَيا لَيتَ المَكانَ يَمُرُّ عَنّا / مُرورَ وَفا المَكانِ مِنَ الزَمانِ
فَيا عَجَباً لِفانٍ مِنهُ يَبكي / لِفانٍ فيكَ يُضمِرُ غَيرَ فانِ
وَطَيِّ وَدائِعِ الخَطَراتِ وَجدٌ / طَواهُ الذِكرُ عَنهُم بَل طَوانِي
يُقيمُ عَلى الزَمانِ وَلَو تَقَضّى / مَدى عُمري أَقامَ بلا زَمانِ
فَيا نَدَمي وَيا ظُلمَ اللَيالي / وَظُلمي اليَومَ في عَضِّ البَنانِ
وَقَفتُ عَلى صَبابَتِهِ ظُنوني
وَقَفتُ عَلى صَبابَتِهِ ظُنوني / وَلَكِن بِعتُهُ بِالدونِ ديني
وَحُوشِيَ أَن يُقالَ لَها عِتابي
وَحُوشِيَ أَن يُقالَ لَها عِتابي / وَمَن ذا يُسمِعُ الصُمَّ الدُعاءَ
وَهَبكَ نَسيتَ كُلَّ يَدٍ لِقَصدي / عَلى العَليا فَهَل تَنسى الثَناءَ
بَلَغتُ بِكَ الثَرى أَيّامَ عَتبٍ / وَأَيّامَ الرِضا نِلتُ السَماءَ
إِذا جازَيتَ مُحسِنَةً بِحُسنى / فَما يَعتَدُّهُ إِلّا وَفاءَ
فَأَينَ الفَضلُ يَوماً يا أَباهُ / إِذا قالوا أَساءَ بِمَن أَساءَ
وَكَم خَلَقَ العِذارُ عَلَيكَ حُبّاً / وَمِن عُجبٍ بِهِ سَحَبَ الرِداءَ
وَتَملَأُ قَلبَهُ فَيَفيضُ عَتباً / كَما قَد يَملَأُ القَطرُ الإِناءَ
فَإِن عُوِّضتُ مِن وَصلٍ صُدوداً / وَإِن بُدِّلتُ مِن لُطفٍ جَفاءَ
فَلا نَسِيَ النَدى لَمّا نَسِيهِ / بِهِ وَصلاً وَلا قَطَعَ النِداءَ
وَيَسمَعُ عاذِليهِ بِغَيرِ قَلبٍ / وَيَأبى فيكُمُ إِلّا الإِباءَ
وَيَنتَظِرُ التَقاضي لَو نَظَرتُم / فَيُخلِفُهُ وَيَنتَظِرُ القَضاءَ
تَحَكَّم كَيفَ شِئتَ بِقَلبِ عَبدٍ / تَحَكَّمَ في المُنى بِكَ كَيفَ شاءَ
فَلا وَاللَهِ لا نَظَرَت سِواكُمُ / وَإِن فاضَت لِعَتبِكُمُ دِماءَ
فَإِن يُطلِع رِضاكَ عِشايَ صُبحاً / فَإِنَّ السُخطَ أَطلَعَهُ عِشاءَ
وَأُقسِمُ لا أَزالُ لَقَىً إِلى أَن / يُبيحَ اللَهُ لي مِنكُم لِقاءَ
إِذا اِحتَفَلَ النُهى في نَهيِ وَجدي / أَبى إِلّا اِنتِهاكاً لا اِنتِهاءَ
ذَكَرتُ عُلاكُمُ في كُلِّ حالٍ / وَكُنتُم عِندَها أَعلى عَلاءَ
فَمَجدُكُمُ إِذا سُحُبٌ تَعالَت / وَبِشرُكُمُ إِذا بَدرٌ تَراءى
وَجودُكُمُ إِذا غَيثٌ تَدانى / وَقَدرُكُمُ إِذا نَجمٌ تَناءى
وَخَيلُكُمُ إِذا ظُلَمٌ أَجَنَّت / وَنَصرُكُمُ إِذا صُبحٌ أَضاءَ
أَلا لِلَهِ مِنكَ يَدٌ أَفادَت / عَطاءً سِرُّهُ أَمسى غِطاءَ
يُشَبِّهُ عُذرُهُ الإِحسانَ ذَنباً / فَما تَدري أَأَحسَنَ أَم أَساءَ
وَأَحسَنُ مَنظَرٍ في الأَرضِ عِندي / تَواضُعُهُ وَقَد بَلَغَ السَماءَ
أَلا لِلَهِ فيكَ يَمينُ جودٍ / صَحِبنا صَيفَها أَبَداً شِتاءَ
يَسيرُ أَمامَها جَيشُ المَعاني / إِذا هَزَّت مِنَ القَلَمِ اللِواءَ
وَكَم هَرَبَت مَطالِبُنا حَياءً / فَناداها نَداها لا نَجاءَ
هُوَ السَيفُ الَّذي مِنهُ اِستَفادَت / سُيوفُ بَني الوَغى ذاكَ المَضاءَ
وَلَمّا أَرخَصَ الأَحرارَ دَهرٌ / تَغالَت فيهُمُ وَغَلَت شِراءَ
فَأَمّا نَفعُ ذا فَأَطالَ مُكثاً / وَأَمّا سَيلُ ذا فَمَضى جُفاءَ
فَلا عَدِموا الرَخاءَ بِهِ وَأَمّا / شِراهُ لَهُم فَلا عَدِمَ الغَلاءَ
وَأَبقى ما وَهَبتُ لَكُم بَياني / وَكَم ذَهَبَ الهِباتُ فَناً هَباءَ
وَيُعطي يَومَهُ وَغَداً وَأَمساً / وَمَسأَلَةً وَعَوداً وَاِبتِداءَ
يُشَمِّرُ لِلعُلا عَن ساقِ حُرٍّ / وَلا يَثني وِسادَتَهُ اِتِّكاءَ
مَتى كانَ المَديحُ لَكُم كِفاءً / وَمَن يَعتَدُّهُ لَكُمُ وَفاءَ
وَكَم أَورَدتَها بيضاً ظِماءً / وَكَم أَصدَرتَها حُمراً رِواءَ
وَكَم أَطلَعتَ مِن لَمعٍ صَباحاً / وَكَم أَرجَعتَ مِن نَقعٍ عِشاءَ
إِلَيكَ أَزُفُّها أَبَهى عَروسٍ / فَلا عَدِمَ البَنينَ وَلا الرِفاءَ
وَأَينَ الدُرُّ مِنهُ وَهوَ قِدماً / إِذا وَجَدَ السَنا عَدِمَ السَناءَ
مَلَأتَ يَدي فَدَيتُ يَدَيكَ مالاً / فَأَصبحَ في فَمي إِن لُمتُ ماءَ
وَها أَنا قَد فَزِعتُ إِلى طَبيبٍ / وَجَدتُ بِهِ عَلى اليَأسِ الشِفاءَ
أَلا فَلتَعلَمِ الأَيّامُ أنِّي / بلغتُ به من الأرض السماءَ
ولو سقط التفاضلُ في عقولٍ / لَكَانَ الناسُ كُلُّهُمُ سَواءَ
إذا اِتَّشَحَت سُيوفُهُمُ بِأَيدٍ / رَأَيتَ الداءَ قَد سَكَنَ الدَواءَ
دَعِ الكَذِبَينِ في قَولٍ وَفِعلٍ / فَإِنّي قَد رَأَيتُهُما سَواءَ
فَيُسْمَى الكِذبُ في قَولٍ مُحالا / وَيُسمَى الكِذبُ في فِعلٍ رِياءَ
وَلا تَحزَن لِمَن أَولاكَ حُزناً / وَلا تَأسَ عَلى خَلقٍ أَساءَ
وَلا تُتبِعهُ مِن قَلبٍ ضِراماً / وَلا تُتبِعهُ مِن عَينٍ بُكاءَ
وَلا تَقصُر عَلى الآثارِ عَيناً / بِها شَقِيَت فَتُشبِهَها عَفاءَ
وَلي نَفسٌ وَإِن عَزَّت حَبيباً / مِنَ الدُنيا فَما عَزَّت عَزاءَ
وَهَب أَنّي طَبيبُ الهَمِّ يَبقى / فَكَيفَ أَظُنُّ أَن أَبقى بَقاءَ
عَرَفتُ الدَهرَ لَيتَ العِلمَ جَهلٌ / فَلا يَأساً يُديمُ وَلا رَخاءَ
فَلا يَغرُركَ ماءٌ في وُجوهٍ / فَإِنَّ الرَأيَ ما سَكَنَ الرُواءَ
فَرُبَّ صَدىً حَكاهُ السَمعُ صَوتاً / وَلامِعَةٍ رَآها الطَرفُ ماءَ
وَجَدنا في القَناعَةِ أَيَّ مُلكٍ / بِها الفُقَراءُ توجَدُ أَغنِياءَ
فَلا أَرضٌ شَكَت خُطُواتِ رِجلي / رَواحاً في الطِلابِ وَلا اِغتِداءَ
وَلا أَخشى مِنَ الأَيّامِ مَطلاً / وَلا أَرجو إِلى الدُنيا اِقتِضاءَ
وَإِنّي وَالمَطامِعُ مومِضاتٌ / بَوارِقُها لِأَستَحيي الحَياءَ
وَجِئتُ مُقَدَّماً فيهِ أَخيراً / وَأَحمى الجَيشِ مَن يَمشي وَراءَ
لِحِفظِ الماءِ في صَفَحاتِ وَجهي / أُريقُ على صَفائِحِها الذَماءَ
أَفادَك أَن تُقَلِّبَها قُلوباً / فَلَيت هَوىً وَأَفئِدَةً هَواءَ
أَرى خُرقَ العَطايا مِنكَ حَزماً / وَغاياتِ التَواضُعِ كِبرِياءَ
بَقيتَ لَنا عَلى كَدَرِ اللَيالي / تُعاطينا عَلى الكَدَرِ الصَفاءِ
وَتورِدُنا عَلى الظلماءِ بِشراً / يُبَدِّلُ حَيرَةَ الأَمَلِ اِهتِداءَ
وَأَقلى البَذلَ في تَرَفٍ أَراهُ / وَأَهوى المَنعَ في مَلَقٍ عَطاءَ
تَشيمُ يَمينَهُ لاماً لِمالٍ / رَأَتهُ العَينُ في الصَفَحاتِ ماءَ
فَلا أُخِّرتَ في أُخرى جَزاءً / فَما أَرضى لَكَ الدُنيا جَزاءَ
صَحِبنا في ظِلالِكُمُ قُلوباً / فَرَغنَ وَأَيدِياً مِنكُم مِلاءَ
مَلَكتَ سَماً وَأَفئِدَةً وَأَرضاً / دُعاءً أَو وَلاءً أَو ثَناءَ
وَأَخلَدَكَ الثَناءُ بِرَغمِ دَهرٍ / وَهَذا الفَنُّ ما أَلِفَ الفَناءَ
كَفاكَ الإِشتقاقُ لَهُ دَليلاً / إِذا مَدّوا الثَرى قالوا الثَراءَ
وَما فَوقَ التُرابِ يُعَدُّ مِنهُ / فَلا تَقنَ الثَرى وَاِقنَ الحَياءَ
صُدورُ رَجائِهِ بِمُؤَمِّليهِ
صُدورُ رَجائِهِ بِمُؤَمِّليهِ / تَضيقُ فَما يُقالُ لَها رِحابُ
وَلَيسَ لَهُ حِجابٌ حينَ يُعطى / بَلى فَرطُ الزَحامِ لَهُ حِجابُ
بَقيتَ كَما تَشاءُ رَفيعَ جاهٍ / تُصيبُ مَدى الزَمانِ وَلا تُصابُ
ذَكَرتُ وُجوهَكُم وَالبَدرُ يَسري
ذَكَرتُ وُجوهَكُم وَالبَدرُ يَسري / كِلا البَدرَينِ مَسكَنُهُ السَحابُ
سَقاني اللَهُ قُربَكَ عَن قَريبٍ / دَعاءُ طالَ وَاِختُصِرَ الخِطابُ
لِعَينَيهِ عَلى العُشّاقِ إِمرَهْ
لِعَينَيهِ عَلى العُشّاقِ إِمرَهْ / وَلَيسَ لَهُم إِذا ما جارَ نُصرَهْ
فَأَمّا الهَجرُ مِنهُ فَهوَ إِلفٌ / وأَمّا الوَصلُ مِنهُ فَهوَ نَدرَهْ
إِذا ما سَرَّهُ قَتلي فَأَهلاً / بِما قَد ساءَني إِن كانَ سَرَّهْ
تَلِفتُ بِشَعرِهِ وَسَمِعتُ غَيري / يَقولُ سَلِمتُ مِن تَلَفي بِشَعرَه
لَقَد خَدَعَتكَ أَلحاظٌ مِراضٌ / وَتَمَّمَ بِالفُتورِ عَلَيكَ سِحرَه
فَيا حَذِرَ البَصيرَةِ كَيفَ حَتّى / وَقَعتَ كَما رَأَيتُ وُقوعَ غِرَّه
فَإِنَّ الحَربَ تَزرَعُها بِلَفظٍ / وَإِنَّ الحُبَّ تَجنيهِ بِنَظرَه
وَبَعدُ فَإِنَّ قَلبي في يَدَيهِ / فَإِن هُوَ ضاعَ مِنهُ أَذاعَ سِرَّه
وَأَعظَمُ حَسرَةٍ أَنّي بِدائي / أَموتُ وَفي فُؤادي مِنهُ حَسرَه
لَقَد جَمَعَ الإِلَهُ لِناظِرَيهِ / بِنَضرَةِ خَدِّهِ ماءً وَخُضرَه
وَحُمرَتُهُ بِماءِ العَينِ تُذكَى / وَما جَفَّت بِها لِلشِعرِ زَهرَه
وَعِندي أَنَّهُ لَبَنٌ وَخَمرٌ / وَقالَ حَسودُهُ ماءٌ وَجَمرَه
وَإِبريقُ المُدامِ بِريقٍ فيهِ / وَلَم أَشرَب فَكَيفَ وَجَدتُ سُكرَه
حَكى الإِبريقَ في عُنُقٍ وَريقٍ / وَقَد حَلّى الحَبابُ الدُرُّ ثَغرَه
يُرَوِّعُ قُرطَهُ مِن بُعدِ مَهوىً / فَإِن يُرعَدْ فَقَد أَبدَيتُ عُذرَه
وَلَولا جودُهُ ما كانَ ظُلماً / يُغَلِّظُ رِدفَهُ وَيُرِقُّ خَصرَه
وَلَولا بُخلُهُ ما كانَ نَظمي / لَهُ شَفَتانِ تَستَلِمانِ ثَغرَه
وَأَعجَبُ مِن ذُبولِهِما ظَماءً / وَقَد مَنَعا الوَرى مِن وِردِ خَمرَه
بِحُمرَةِ خَدِّهِ لِلشَعرِ خُضرَه / وَقَد زانَ البَياضَ سَوادُ طُرَّه
فَيا شَمساً تَبَدَّت لي عِشاءً / وَيا قَمَراً وَلَيسَ يغيبُ بُكرَه
قَد اِستَخدَمتَ في الأَفكارِ سِرّي / وَما أَطلَقَت لي بِالوَصلِ أُجرَه
وَقَد ضَمِنَ اِغتِرامي عَنكَ صَبري / وَكَم مِن ضامِنٍ يُبلى بِكَسرَه
وَلَم أَرَهُ عَلى الأَيّامِ إِلّا / عَقَدتُ مَحَبَّةً وَحَلَلتُ صُرَّه
وَلا عاتَبتُهُ إِلّا ثَناهُ / عَلَيَّ الغَيظُ وَهوَ عَليَّ شَفرَه
وَلا اِستَمطَرتُ سُحبَ العَينِ إِلّا / بَقيتُ بِأَدمُعي في الشَمسِ عُصرَه
بَكَيتُ عَلَيكَ يا مَولايَ حَتّى / صُرِعتُ وَلَيسَ في عَينَيَّ قَطرَه
وَكَم زَمَنٍ نُواصِلُهُ وَكُنّا / نَقولُ لِذاكَ كَيفَ قَطَعتَ عِشرَه
صَبَبتُ عَلَيهِ لَمّا زادَ دَمعي / فَأَنكَرَهُ فَقُلتُ الماءُ نَثرَه
وَخَوَّفَني مِنَ الأَوزارِ فيهِ / وَمَن لِمُحِبِّهِ لَو نالَ وِزرَه
وَحَلَّمَني هَواهُ فَصِرتُ فيهِ / أُسامِحُ كُلَّ مَن لَحِقَتهُ ضَجرَه
بَدا بَدَراً جَلاهُ لَيلُ شَعرٍ / وَقَد أَهدى لَهُ الشَفَقَ المَزَرَّه
وَجُملَةُ ما أُريدُ بِأَن يَراني / مَكانَ الخَيطِ مِنهُ وَهوَ إِبرَه
وَقُلتُ لَهُ لَقَد أَحرَقتَ جَسمي / وَأَنتَ بهِ فَكَيفَ سَكَنتَ سِرَّه
فَلَو قَبَّلتَني وَقَبِلتَ مِنّي / فَقالَ أَخافُ بَعدَ الحَجِّ عُمرَه
تَمَيدَنَ خَدُّهُ لِخُيولِ لَثمي / وَصَولَجَ صُدغَهُ وَالخالُ أُكرَه
إِذا عايَنتُهُ وَبَدا رَقيبي / فَيا لَكَ حُمرَةً نُسِخَت بِصُفرَه
أَراني كُنتُ في وَطَنِ التَصابي / وَأَشعارُ المَشيبِ دَليلُ سَفرَه
وَما أَخصَبتَ يا نَورَ الأَقاحي / وَإِن أَجدَبتَني إِلَا لِمَطرَه
وَيَنهَرُني نَهارُ الشَيبِ زَجراً / وَلَيلُ شَبيبَتي قَد كانَ سُترَه
وَإِن رابَتكَ أَقوالي فَإِنّي / حَمَلتُ وَقارَهُ وَحَمَلتُ وِقرَه
وَلَيسَ يُجَوِّزُ الأَيّامَ إِلّا ال / تَخَيُّرُ وَالتَخيُّلُ لِلمَسَرَّه
وَخِلٌّ لا يُخِلُّ بِشَرطِ وُدٍّ / وَلا يُبدي لَعَينِكَ وَجهَ عِذرَه
وَبَعضُ الحِلمِ في الأَوقاتِ جَهلٌ / وَيُعجِبُني الحَليمُ وَلَو بِمَرَّه
وَكَم قَد سَرَّ في سَمعي مَلامٌ / أَخَذتُ لُبابَهُ وَتَرَكتُ قِشرَه
وَما في الأَرضِ أَشعُرُ مِن أَديبٍ / يَقولُ الشِعرَ في البُخَلاءِ سُخرَه
يَروقُنيَ الكَريمُ وَلَو بِفلسٍ / وَلا أَهوى البَخيلَ وَلَو بِبَدرَه
وَكُلُّ مَذاقَةٍ تَحلو وَتُحلي / سِوى طَعمِ السُؤالِ فَما أَمَرَّه
مَرَرتُ عَلى حُطامٍ مِن حُطامٍ / وَيَملِكُني الصَديقُ بِحُسنِ عِشرَه
وَأَمّا سوءُ حَظّي مِن صَديقي / فَذاكَ مِنَ الرُسومِ المُستَقِرَّه
وَخِلٍّ كانَ مودِعَ كُلِّ سِرٍّ / فَكُنتُ أَصونُهُ وَأَصونُ سِرَّه
حَفِظتُ عُهودَهُ وَأَضاعَ عَهدي / وَلَم يَكُ لي بِطُرْقِ الغَدرِ خِبرَه
وَكَم آمَنتُهُ خَدعي وَمَكري / وَلَم آمَن خَديعَتَهُ وَمَكرَه
بَذَلتُ لَهُ عَلى العِلّاتِ خَيري / وَلَكِن ما كَفاني اللَهُ شَرَّه
وَما أَدخَلتُ نارَ الهَجرِ قَلباً / بَقي مِن حُبِّهِ مِثقالُ ذَرَّه
سَتُرجِعُهُ لِيَ الأَيّامُ طَوعاً / وَتَعطِفُهُ التَجارِبُ وَهوَ مُكَره
لِيَ الثِقَةُ الَّتي مَلَأَت يَميني / مِنَ الثِقَةِ الَّذي أَملَيتُ شُكرَه
أُذِمُّ الدَهرَ مِن ذَمّي بِمَدحي / وَذَمَّ خَليلَهُ مَن ذَمَّ دَهرَه
رَبِيُّ رِياسَةٍ وَأَبِيُّ نَفسٍ / وَرَأسُ سِيادَةٍ وَأَمينَ حَضرَه
مِنَ القَومِ الَّذينَ لَهُم حَديثٌ / إِذا نُشِرَ اِستَطابَ المِسكُ نَشرَه
وُجوهُ رِياسَةٍ لَهُمُ وُجوهٌ / وَسِرُّ الجودِ في تِلكَ الأَسِرَّه
تَفانَوا في سَبيلِ المَجدِ لَكِن / لَهُم ذِكرٌ أَطالَ اللَهُ عُمرَه
لَقَد أَحبَبتُهُ سَلَفاً رَميماً / فَعادَ لِإِثرِهِ في المَجدِ أَثرَه
وَما أَخشى عَلَيكَ عِثارَ سَبقِ / أَيَخشى نَيِّرُ الآفاقِ عَثرَه
وَعَثرُ السَمحِ لَمحٌ فَاِرتَقِبها / حُظوظاً أَبطَأَت لِتَجي بِكَثرَه
وَقَد تَتَضاعَفُ الأَنواءُ جِدّاً / إِذا الأَقمارُ كانَت مُستَسِرَّه
وَلِلأَيّامِ في الحُكمِ اِختِلافٌ / وَهَمُّ عَشِيَّةِ يُمحى بِبُكرَه
فَيا مَن سَرَّهُ مِنّي قُصوري / إِذا المَسبوقُ يوضِحُ مِنكَ عُذرَه
حَسِبتُ كِتابَهُ خَدّاً صِقيلاً / ذَكَرتُ عِذارَهُ فَلَثَمتُ سَطرَه
وَشِعرٍ ما حَسِبتُ أَخَفَّ روحاً / وَأَثقَبَ زُهرَةً وَأَغَضَّ زَهرَه
جَلاهُ عَلَيَّ في أَثوابِ لَيلي / فَأَبصَرَ مِنهُ لَيلُ الهَمِّ فَجرَه
وَفَجَّرَتِ البَلاغَةُ مِنهُ بَحراً / أَرَدتُ عُبورَهُ فَخَشيتُ عَبرَه
إِذا غَرِقَ اِمرُؤُ في سيفِ بَحرٍ / فَلا تَذكُر عَلى شَفَتَيكَ قَعرَه
أَلَذُّ مِنَ الرِضا مِن بَعدِ سُخطٍ / وَأَعذَبُ مِن وِصالٍ بَعدَ هَجرَه
قَليلُ اللَفظِ لَكِن في المَعاني / إِذا حَصَّلتَها بِالنَقدِ كَثرَه
وَيُؤنِسُ ثُمَّ يُؤيِسُ مِثلَ بَحرٍ / تَراهُ فَيَستَهينُ الغَمرُ غَمرَه
وَفي شِعرِ الوَرى غُرٌّ وَدُهمٌ / وَهَذا كُلُّ بَيتٍ مِنهُ غُرَّه
قَوافٍ شارِداتٌ طالِعاتٌ / لِإِمرَةِ قادِرٍ لَم تَعصِ أَمرَه
وَجِئتَ بِها عَلى قَدرٍ فَجاءَت / تُرينا مِنكَ في التَقديرِ قُدرَه
وَلَيسَ كَمَن يُغيرُ عَلى المَعاني / فَإِن ظَهَرَ اِدَّعى بِالنَقدِ غِرَّه
رَقيقُ الطَبعِ مُرهَفُهُ فَأَمّا / خَواطِرُهُ فَمِثلُ السَيفِ خَطرَه
وَقَد عَرَفَ الأُمورِ وَعَرَّفَتهُ / فَصارَ لَهُ بعُقبَى الأَمرِ خِبرَه
وَما يُخفي غِناهُ عَن صَديقٍ / وَلَكِن ما أَراهُ أَراهُ فَقرَه
جَزاكَ اللَهُ خَيراً عَن صَديقٍ / بِتَخفيفِ الأَسى أَثقَلتَ ظَهرَه
عَرائِسُ يَجتَليها وَجهُ نَقدي / فَتَنقُدُ مِن صَفاءِ الوُدِّ مَهرَه
لَئِن سَهُلَت لَقَد صَعُبَت وَأَضحَت / كَرَوضٍ دونَهُ الطُرُقاتُ وَعرَه
فَلا تَعتَدَّ كُلَّ النَظمِ شِعراً / فَتَحسَبَ كُلَّ سَودا مِنهُ تَمرَه
تَعِلَّةُ حاضِرٍ وَنَشيدُ سَفرٍ / وَمَرشَفُ ناهِلٍ وَأَنيسُ قَفرَه
تُخَفِّضُ فَترَةَ الأَفكارِ عَنّي / وَكَم دَبَّت لَها بِالسُكرِ فَترَه
فَخُذها بِنتَ لَيلَتِها اِرتِجالاً / وَلَكِن أَصبَحَت شَمطاءَ سُحرَه
لَئِن طالَت لَقَد طابَت وَراقَت / عَلى نَظَرِ الخواطِرِ حُسنَ نَظرَه
وَسارَت أَو غَدَت لِلنَجمِ نَجماً / فَطَيَّرَها وَأَوقَعَ ثَمَّ نَسرَه
تُعَرِّفُني إِلَيهِ وَلا أَراهُ / وَتَعقِدُ لي مِنَ الفُضَلاءِ أُسرَه
عَقائِلُ سَنَّ شَرعُ الشِعرِ أَنّي / أبٌ مَن شاءَ كُنتُ بِهِنَّ صِهرَه
مَلَكتُ قِيادَها بِيَمينِ فِكري / وَقَد عُتِقَت لِوَجهِ المَجدِ حُرَّه
أَطالَ اللَهُ عُمرَكَ في سُعودٍ / تَجُرُّ ذُيولَها فَوقَ المَجَرَّه
وَقاكَ اللَهُ مِن غَلَبِ الرِجالِ
وَقاكَ اللَهُ مِن غَلَبِ الرِجالِ / وَصانَ حِماكَ مِن غَضَبِ اللَيالي
وَدامَت مُبتَدا فِكرِ الأَماني / ذَراكَ وَمُنتَهى شَدِّ الرِحالِ
وَدُم يَهدي الهِدايَةَ مِنكَ رَأيٌ / عَرَفنا مِنهُ إِضلالَ الضَلالِ
سَماؤُكَ دونَها حَرَسٌ شَديدٌ / وَشُهبٌ في سَماءٍ مِن عَوالي
إِذا ما السَعدُ فاتَكَ عَن سَعيدٍ / كَفاهُ السَعدُ تَجريدَ النَصالِ
فَقَتلاهُ تُقَدُّ بِلا قِتالٍ / وَأَسراهُ تُقادُ بِلا حِبالِ
يَقولونَ العُداةُ أَتَت سُيولٌ / فَقُلتُ السَيلُ أَخبَرُ بِالجِبالِ
إِذا جَرَتِ السُيولُ عَلى رِمالِ / فَما عُقبى السُيولِ عَلى الرِمالِ
سِلاحُ الرَأيِ مِن جَلٍّ وَدِقٍ / لَدَيكَ فَمِن عَوالٍ أَو نِبالِ
أَهذي كَفُّهُ أَم غَوثُ غَيثٍ
أَهذي كَفُّهُ أَم غَوثُ غَيثٍ / وَلا بَلَغَ السَحابُ وَلا كَرامَه
وَهَذا بِشرُهُ أَم لَمعُ بَرقٍ / وَمَن لِلبَرقِ فينا بِالإِقامَه
وَهَذا الجَيشُ أَم صَرفُ اللَيالي / وَلا سَبَقَت حَوادِثُها زَحامَه
وَهَذا الدَهرُ أَم عَبدٌ لَدَيهِ / يُصَرِّفُ عَن عَزيمَتِهِ زِمامَه
وَهَذا نَصلُ غِمدٍ أَم هِلالٌ / إِذا أَمسى كَنونٍ أَم قُلامَه
وَهذا التُربُ أَم خَدٌّ لَثَمنا / فَآثارُ الشِفاهِ عَلَيهِ شامَه
وَهَذا الدُرُّ مَنثورٌ وَلَكِن / أَروني غَيرَ أَقلامي نِظامَه
وَهَذي رَوضَةٌ تَندى وَسَطري / بِها غُصنٌ وَقافِيَتي حَمامَه
وَهَذا الكَأسُ رُوِّقَ مِن بَناني / وَذِكرُكَ كانَ مِن مِسكٍ خِتامَه
نَعيٌّ زادَ فيه الدَهرُ ميما
نَعيٌّ زادَ فيه الدَهرُ ميما / فأَصبَحَ بَعدَ بُؤساهُ نَعيما
وَما صَدَقَ النَذيرُ بِهِ لِأَنّي / رَأَيتُ الشَمسَ تَطلُعُ وَالنُجوما
يُعابُ لَهُ الزَمانُ وَذاكَ أَولى
يُعابُ لَهُ الزَمانُ وَذاكَ أَولى / بِهِ مِن أَن يُعابَ بِهِ الزَمانُ
يَقَرُّ بِكَ العَلاءُ فَأَنتَ فينا / كَذِكرِكَ ما اِستَقَرَّ بِهِ مَكانُ
إِذا سَفَرَت وُجوهُهُمُ إِلَيكُم / أَراكَ القَلبُ ما جَحَدَ العِيانُ
وَقُلنا اللَهُ أَكبَرُ وَهوَ فَجرٌ / إِذا ما لاحَ قَد سُمِعَ الأَذانُ
عُلىً جَرَّت لَهُ حالاً فَحالاً / وَلَولا الزُجُّ ما اِرتَفَعَ السِنانُ
وَبِالأَشعارِ تَعرِفُ قائِليها
وَبِالأَشعارِ تَعرِفُ قائِليها / كَما حُدِّثتَ عَن نَجرٍ بِنَجلِ
سَبَقتُ بِها فَقَد صارَت لِقَومٍ / مَحارِبَ وَالَّذي بَعدي مُصَلِّي
لِكُلِّ مَوَدَّةٍ أَجرٌ وَأَجري
لِكُلِّ مَوَدَّةٍ أَجرٌ وَأَجري / عَلى وُدّي لَكُم تَضييعُ أَمري
وَأَنّي إِن جَرى ذِكرٌ بِحَفلٍ / دَفَعتُم بِالأَسى في صَدرِ ذِكرى
عَلى هَذا وَفيهِ وَمِنهُ ما لا / يَفي صَبري بِهِ بِأَقَلِّ شُكري
ظَنَنتُكُمُ عَلى دَهري سُيوفاً / فَقَد كُنتُم عَلَيَّ سُيوفَ دَهري
فَكَم دارَت عَلَيَّ كُئوسُ هَمٍّ / كَما دارَت عَلَيَّ كُئوسُ خَمرِ
فَلا تَأخُذ إِذا عَربَدتُ يَوماً / عَلَيكَ إِذا جَنَيت عَلَيَّ سَكري
وَكَم مِن لَيلَةٍ عُكِسَت عَلَينا / فَما كانَت كَما كانَت لِقَدرِ
فَخَيرٌ تِلكُمُ مِن أَلفِ شَهرٍ / وَشَرٌّ هَذِهِ مِن أَلفِ شَهرِ
فَلا تَضرِب لَهُ أَجَلاً بِفَجرٍ / فَقَد مَخِضَت وَما طَرَقَت بِفَجرِ
وَما يَرمي الزَمانُ بِغَيرِ سَهمٍ / وَلا أَلقى السِهامَ بِغَيرِ نَحرِ
عَلى يَبَسٍ كَما أُخبِرتُ لَكِن / غَريقٌ خاطِري في أَلفِ بَحرِ
وَما عَدَّ الغَريقُ المَوجَ فَاِترُك / مُطالَبَتي بِعَدِّ ذُنوبِ دَهري
أَتَطلُبُ بِالبَيانِ غَريقَ بَحرٍ / مَتى طُلِبَ الغَريقُ بِجَلبِ دُرِّ
كَأَنَّ الدَهرَ في تَعذيبِ سِرٍّ / لِما يأتيهِ مِن تَعذيبِ سِرّي
أَقَرَّ اللَهُ يَومَ فِراقِ وَجهي / بِفُرقَتِهِ سَخينَةَ عَينِ مِصرِ
وَما يَجري إِذا ما سِرتَ عَنها / لَعَلَّ النيلَ بَعدَكَ لَيسَ يَجري
وَهَل يَعرى ضُحاها أَو دُجاها / مِنَ النُورَينِ مِن شَمسٍ وَبَدرِ
وَما يَدري الجَهولُ بِقَدرِ نَفعي / وَأَدري أَنَّهُ بَعدي سَيَدري
سَأُصبِحُ بَعدَها في خَيرِ دارٍ / وَيُصبِحُ فَوقَها في شَرِّ قَبرِ
وَلَم أَتَأَلَّ لَكِن لي رَجاءٌ / بِهِ أَرجو كَريمَ المُستَقَرِّ
أَتُنكِرُ إِن نَزَلتُ عَلى كَريمٍ / كَرامَتُهُ لِمُستَقرٍ مُقِرِّ
أَإِخواني وَإِخواناً لِجَهري / أَعُدُّكُم وَأَيُّ أَخٍ لِسِرِّ
ما يَعدوكُمُ خَيرٌ بِخَيرٍ / بِهِ تدلونَ نَحوي أَو بِشَرِّ
وَما أَغلَقتُ عَنكُم كَفَّ يُسري / وَلَم أَكشِف إِلَيكُم وَجهَ عُسري
وَما أَخلَيتُكُم مِن ذِكرِ خَيرٍ / فَلِم تُخلونَ مِنّي خَيرَ ذِكرِ
أَيَنصُرُني عَدُوّي في هَواهُم / عَلى حَربي أَباهُ وَهوَ دَهري
مَعاذَ اللَهِ غَيرُكُمُ لِنَصري / وَلَو شِئتُم لَما قُمتُم بِنَصري
نَعَم أَكفاءُ آمالٍ تجيب / إِذا نادَيتُ واحِدَةً بِعَشرِ
لَهُم إِن أَمكَنَت فُرَصٌ وَفاتَت / عَلى الحالَينِ إِقدامي وَصَبري
فَلا تَجلِب عَلَيَّ بِنَقصِ مالي / فَلَم أَجلِب عَلَيكَ بِنَقصِ عُمري
فَلا سُبُلٌ إِلى البُقيا بِشَخصي / وَلا سُبُلٌ إِلى البُقيا بِذِكري
أَراني اليَومَ أَربَحَ مَن تَراهُ / لِأَنّي أَشتَري عُمراً بِوَفرِ
وَما أَخرَجتُ مِن صُندوق مالي / نَقَلتُ بِهِ إِلى صُندوقِ عُمري
فَمَن هالوا عَلَيهِ ثَرىً فَقيراً / فَقَد هالوا عَلَيَّ ثَرايَ مُثرِ
وَكانَ القَبرُ مِنهُ مَحَطَّ جَنبٍ / وَكانَ القَبرُ مِنّي كيسَ تِبرِ
وَكَم حُفَرٍ مُعَطَّلَةٍ كَبِئرٍ / مُعَطَّلَةٍ وَإِن شيدَت كَقَبرِ
أَلا يا لَيتَ لي أُذناً وَعَيناً / إِذا ما لَيلَتي عَقِمَت بِفَجرِ
إِذا ما اِستَبطَئوا مَن نَفَّذوهُ / وَوَصّوهُ عَلى تَعميقِ حَفرِ
وَوَلَّوني الظُهورَ وَأَفرَدوني / بِمَن وَلَّوهُ تَجهيزي وَطُهري
قَليلٌ ما أُزَوِّدُ مِن ثيابي / قَليلٌ ما يُقيمُ بِهِنَّ عِطري
وَساروا بي إِلى سِجنِ اللَيالي / أَسيرٌ لا يُؤَمِّلُ فَكَّ أَسرِ
أَلا يا حامِلي بادِر فَإِنّي / غَريبٌ بَينَهُم في مُستَقَرّي
وَقَد كَذَبَت عُيونٌ ثَمَّ تَبكي / وَقَد كَذَبَت عُيونٌ ثَمَّ تَجري
يُضَيِّقُ صَدرُهُم مِنّي فَسيحاً / وَلَو أَدرَكتُ ذَلِكَ ضاقَ صَدري
دَعو ذاكَ الحَبيبَ لَقىً كَسيراً / تَمامَ نَهارِهِ مُلقىً بِكَسرِ
فَآخِرُ أَمرِهِ أَن يُخرِجوهُ / وَذَلِكَ فيهِ آخِرُ كُلِّ أَمرِ
فَجَرّوني وَلَيسَ بِيَ اِمتِناعٌ / وَلَولا المَوتُ أَعيا حَرفُ جَرِّ
وَخاضَ حَزينُهُم في حَوزِ إِرثي / وَجَدَّ وَصولُهُم في قَطعِ إِثري
فَإِن يَكُ في المُقامِ هُناكَ دينٌ / فَإِنَّ الهَمَّ يَقبَلُ فيهِ عُذري
وَقُل لِمُوَدِّعِيَّ تَحَمَّلوا بي / فَلا يَصعُب عَلَيكُم صَعبُ أَمري
مُقامي ساعَةً إِن أَضجَرَتكُم / فَإِنَّ وَراءَها تَفريقَ دَهرِ
سَأَخرُجُ مِن صَديقي مِن عِيانٍ / وَمِن سَمعٍ وَمِن نُطقٍ وَفِكرِ
وَيوحِشُ ناظِري مِن مَوتِ شَخصي / وَيوحِشُ مسمَعي مِن مَوتِ ذِكري
سَقاني القَطرُ إِنّي صِرتُ قَفراً / بِلا روحٍ وَمَهجوراً بِقَفرِ
فَلَو جَلَبوا بِجَبري كَسرَ عَظمٍ / لَما طالَبتُهُم فيهِ بِجَبرِ
وَصارَ الوَفرُ وَفرَهُمُ هَنيئاً / وَكانَ الوَفرُ لَما كُنتُ وَفري
أَلا يا رَبِّ بارِك في غِناهُم / وَلا تَجعَلهُ مُقتَضِياً لِفَقري
وَلا تُكثِر فَإِنَّ القَطرَ يَعفو / وَلا تُضعِف فَإِنَّ الريحَ يُذري
وَلا تُروِ السَماءُ القُطرَ عَنّي / فَما بَخِلَت سَماءُ يَدي بِقَطرِ
مُقيماً تَحتَ لَيلٍ لَيسَ يَسري / بِهِ النَجمُ الَّذي في المَيلِ يَسري
يَهابُ الطَيفُ مَسراهُ إِلَيهِ / وَيَعثُرُ بَينَ صُفّاحٍ وَصَخرِ
فَإِن فَرِحوا لِتَركِهِمُ بِخَيرٍ / فَوا حَزَني لِتَركِهِمُ بِشَرِّ
فَقامَ بِهِم لِأُسرَتِهِ المُعَزّي / وَقامَ لَهُ بِغَسلَتِهِ المُعَرّي
أَسُكّانَ القُصورِ لَئِن قُطِعتُم / فَقَد قُطِّعتُ مِن سُكّانِ قَصري
وَما يَبقى لِمَيتٍ عِندَ حَيٍّ / سِوى تَسليمَةٍ وُصِلَت بِهَجرِ
يَمُرُّ عَلَيهِ بِالذِكرى قَليلاً / وَيُضجِرُ فِكرَهُ فَيَقولُ مُرّي
أَلا مُرّوا إِلى الذِكرى فَإِنّي / وَإِن خَفَّ التَرابُ غَريقُ بَحرِ
وَلَو عَينُ الشَفيقِ بَدَت لِوَجهي / لَفاضَت أَدمُعاً إِذ غاضَ بِشري
وَكَم طَمِعَ الفَتى في غَيرِ كُنهٍ / وَعُرَّ لِصَحبِهِ مِن غَيرِ عُرِّ
أَيَشكو العَيشُ مِن قَومٍ عُقوقاً / وَيَرجو المَوتَ مِنهُم فَضلَ بِرِّ
فَلَيتَهُمُ إِذا ما مَرَّ ذِكري / عَفَوا عَنّي فَبَعضُ القَومِ مُرّي
وَقولوا ما أَرَدتُم أَن تَقولوا / فَلَيسَ القَولُ مِن اَمني وَذُعري
خُذو حَذَراً مِنَ الأَيّامِ إِنّي / أَخَذتُ وَما أَفادَ الأَخذُ حِذري
وَإِن يَتَوَرَّعوا عَن نَحتِ ذِكري / فَتَحتَ الجَنبِ مِنّي أَيُّ وَعرِ
ثِقوا بِإِجابَتي يا أَهلَ وُدّي / يَكونُ السَمعُ ذا وَقرٍ بِوَقرِ
وَأَنَّ اللَهَ يَسمَعُكُم جَميعاً / وَأَنَّ الكاتِبينَ عَلَيَّ تَجري
فَإِن قُلتُم مِنَ الأَقوالِ حُرّاً / فَقَد يُثنى عَلى حُرٍّ بِحُرِّ
وَإِنَّ عَقائِلَ الأَعراضِ تُمسي / إِذا سَكَنَت ثَراها تَحتَ خِدرِ
وَقَذفُ المُحصَناتِ كَما عَلِمتُم / وَيَومُ الحَشرِ لَيسَ بِيَومِ هَذرِ
فَلا تَحشُر بِقَبرِكَ غَيرَ ما قَد / يَسُرُّكَ أَن تَراهُ يَومَ حَشرِ
إِلَهي لا تُعَذِبني فَإِنّي / مُقِرٌّ وَالتَجاوُزُ عَن مُقِرِّ
أَقِل يَومَ الصِراطِ عِثارَ خَطوي / فَإِنّي مُثقَلٌ مِن حَملِ وِزري
بِخِفَّةِ مَنطِقي في الذِكرِ خَفِّف / إِذا الداعي دَعاني ثِقلَ ظَهري
أَرى الكُتّابَ كُلُّهُمُ جَميعاً
أَرى الكُتّابَ كُلُّهُمُ جَميعاً / بِأَرزاقٍ تَعُمُّهُمُ سِنينا
وَما لِيَ بَينَهُم رِزقٌ كَأَنّي / خُلِقتُ مِنَ الكِرامِ الكاتِبينا
تَغَيَّرَ مَن هُمُ قَلبي وَعَيني
تَغَيَّرَ مَن هُمُ قَلبي وَعَيني / فَكَيفَ مِمَّن تَغَيَّرَ باصِراهُ
وَلي هَمٌّ بِها وَبِهِم طَويلٌ / فَأَشكُرُها مَن نَواهُ
أَبا قُرب النَعِيِّ مِنَ البَشيرِ
أَبا قُرب النَعِيِّ مِنَ البَشيرِ / وَيا لَيلَ المُصيبَةِ مِن سَميري
وَيا سَيفاً حَمائِلُهُ المَعالي / وَما خِلتُ الغُمودَ مِنَ القُبورِ
وَيا ذِكراً وَيا ذَكَراً تَوَلّى / مُقيماً لِلإِناثِ وَلِلذُكورِ
وَيَأَهلَ العُلا بَكّوا هِلالاً / لَيالي التِمِّ عُدَّ مِنَ الشُهورِ
بِنَفسِيَ أَنتَ مِن نَفسٍ تَوَلَّت / وَسِرُّ عُلاً أُقِلُّ عَلى سَريرِ
وَأَخذُكَ مِن رِجالٍ كَالمَنايا / وَأَخذُكَ مِن قُلوبٍ كَالصُخورِ
وَقَطفُكَ مِن ذُرا شَجَرِ العَوالي / تَسَرَّبَ بَينَها خُلُجُ الذُكورِ
وَرَفعُكِ في حُجورٍ مِن سَماءِ / وَحَطُّكَ مِن سَماءٍ في جُحورِ
وَخَطفُكَ مِن يَدٍ تَهمي وَتَحمي / فَتَختَصِمُ النِصالُ مَعَ النُحورِ
وَشَيَّعتُ السَحابَ بِسُحبِ دَمعٍ / يُشَيِّعُها العَواصِفُ مِن زَفيري
فَمِن صَبرٍ تَداعى لِلتَداعي / وَمِن حُزنٍ تَداعى بِالنَفيرِ
وَغَضُّكَ أَيَّ عَينٍ لَم تُجِلها / فَتَعرِفَ في العِدا عَينَ الظُهورِ
كَبيرٌ ما جَناهُ الدَهرُ فيهِ / فَلِم صَغَّرتَ ثَكلِيَ في الصَغيرِ
فَيا لَلَهِ مِن هَمٍّ طَويلاٍ / وَيا لِلناسِ مِن جَفنٍ قَصيرِ
وَيا ثُكلَ الجُفونِ جَفا كَراها / وَيا هَمَّ القُلوبِ مِنَ السُرورِ
بَني أَيّوبَ قَد أَذوَت وَأَدوَت / أُذاةُ صُدورِكُم ذاتَ الصَدورِ
فَيا عَجَباً لِدَفنِ النورِ لَيلاً / وَجُنحُ اللَيلِ يَجلو كُلَّ نورِ
بَرَزنا بِالأَميرِ إِلى فَلاةٍ / يَبيتُ طَليقُها عَينَ الأَسيرِ
وَوَدَّعناهُ قَلباً في ضُلوعٍ / وَأَودَعناهُ سِرّاً في ضَميرِ
وَسَلَّمناهُ دُرَّةَ أَيِّ بَحرٍ / سَنَلقاهُ قَرينَ نُحورِ حورِ
رَدَدناهُ مُعاراً وَاِحتِسَبنا / فَلَم نَسخَط عَلى قَدَرِ المُعيرِ
وَجَدَّدنا لِلُطفِ اللَهِ حَمداً / لِإِمتِناعِ العُلا بِالمُستَعيرِ
خَفَضنا أَرفَعَ الأَصواتِ فيهِ / عَلى رَفعِ الغَليلِ المُستَطيرِ
فَأَطلَعنا دُموعاً مِن جُفونٍ / كَما اِبتَسَمَت شِفاهٌ عَن ثُغورِ
وَأَدَّبَنا تَجَلُّدُ ثاكِليهِ / وَإِن نادى المَدامِعَ بِالنَفيرِ
وَيُعدِمُنا العُيونَ وَلَيتَ أَنّا / حُجِبنا في الظُهورِ عَنِ الظُهورِ
سَيُعدَمُ ذا النَسيمُ فَيا غَليلي / تَزَوَّد قَبلَ يُحجَبُ بِالقُبورِ
وَعَتبي لِلزَمانِ بِغَيرِ ذَنبٍ / كَما عُتِبَ الصَباحُ مِنَ البَصيرِ
فَلَو نَطَقَ الزَمانُ لَقالَ فينا / كَم أَرسَلَنا إِلَيهِم مِن نُذيرِ
أَستَودِعُ اللَهَ في أَظعانِهِم قَمَراً
أَستَودِعُ اللَهَ في أَظعانِهِم قَمَراً / إِلَيهِ لَو ضَلَّتِ الأَقمارُ يُحتَكَمُ
عِندي سُهادٌ وَعِندَ الهاجِرينَ كَرىً / فَاللَيلُ مُشتَرَكٌ بَيني وَبَينَهُمُ
بِأَيِّ وَجهٍ يَراني الناسُ بَعدُهُم / حَيّا وَيا أَسَفا إِن قُلتُ بَعدَهُمُ
أَبكي الَّذي زالَ عِندَ التاجِ دَولَتُهُ / إِذا بَكى الناسُ مَن زَلَّت بِهِ القَدَمُ
أَعزِز عَلَيَّ بِأَن ظَلَّت دِيارُهُمُ / تُسدى الهُمومُ بِها أَو تُندَبُ الهِمَمُ
وَما لَبِستُ دُموعَ العَينِ عاطِلَةً / إِلّا وَفَيضُ دَمي في رُدنِها عَلَمُ
إِن يَنهَدِم بِكُمُ لِلدَهرِ بَيتُ عُلاً / فَإِنَّ بَيتَ رِثائي لَيسسَ يَنهَدِمُ
مَعنىً مِنَ الكَرَمِ المَهجورِ فُزتُ بِهِ / وَفي الرِثاءِ لِمَن لا يُرتَجى كَرَمُ
وَكانَ حَقُّكُمُ لَو كانَ لي قِبَلٌ / أَن يَنصُرَ السَيفُ لا أَن يَنصُرَ القَلَمُ
يَعِزُّ عَلَيَّ قَبرٌ بَعدَ مَهدٍ
يَعِزُّ عَلَيَّ قَبرٌ بَعدَ مَهدٍ / وَرَكضُ النَعشِ مِن قَبلِ الحِصانِ
وَأَن أَخَذَ المُغَسَّلُ ما نَواهُ / سَماحُكَ لِلطَبيبِ وَلِلخِتانِ
لَئِن قوسِمتَ في ثَمَراتِ نَفسٍ / جَناها ذا الحِمامُ وَأَيُّ جانِ
فَكُلُّ الناسِ سارَ بِلا اِرتِيادٍ / وَبَينَ يَدَيكَ رُوّادُ الجِنانِ