المجموع : 33
تَغَيَّرَ عن مَوَدَّتِهِ وحالا
تَغَيَّرَ عن مَوَدَّتِهِ وحالا / وأَظْهَرَ بَعْدَ رغبتِهِ ملالا
فما يَنْفَكُ يَظلِمُني اعْتِدَاءً / وما أَنْفَكُّ أُنْصِفُهُ اعتدالا
وقد نُزِّهْتُ عن هَجْرٍ وهُجْرٍ / وإنْ أَبْدَى الخليلُ لِيَ اخْتِلالا
أُقيلُ ولا أَقُولُ وأَيُّ ذَنْبٍ / لِمَنْ مالَ الزمانُ به فمالا
ومن طَلَبَ الوفاءَ مِنَ الليالي / على عِلاَّتِها طَلَبَ المُحَالا
لذلك لم أَزَلْ طَلْقَ المُحَيَّا / وإنْ عَبَسَ الصديقُ وإن أَذَالا
وعندي والغرامُ له صُروفٌ / بَلَوْتُ صُنوفَها حالاً فحالا
ضلوعٌ لستُ آلوها اشتعالا / وقلبٌ لستُ آلوهُ اشتغالا
وكنتُ متى عَلِقْتُ حبالَ قومٍ / وصلتُ بها وإن صَرَمُوا حبالا
وتلك شمائلي راقَتْ وَرَقَّتْ وَرَقَّتْ / فما أَدرِي شَمولاً أو شمالا
بَقِيتَ وإنْ لَقِيتُ بك السَّقَاما / ودُمْتَ وإنْ أَدَمْتَ لِيَ انْتِقالا
فَمَنْ يخشاكَ لا يَخْشَى صُدوداً / ومن يرجوكَ لا يرجو وِصالا
إذا غَدِقَ الهوى يوماً لِمَعْنًى / أَزالَ الدهرُ معناهُ وزالا
وكم خَلُصَتْ سريرة من يُعادَى / وكم كدُرَتْ سريرةُ من يُوالَى
جَرَتْ بالجَوْرِ أَحكامُ الليالي / تَعالَى اللُّه عَنْ هذا تعالى
لَعَلَّكَ لاَئِمِي وَخَلاَكَ لَوْمٌ / فَمِثْلُكَ مَنْ تَخَيَّلَ ثُمَّ خَالا
أتُرْشِدُني ولستَ تَرَى سفاهاً / وتَهْدِينِي ولستَ ترَى ضلالا
دعِ الأيامَ تنقُلُني يداها / وتَلْعَبُ بي يميناً أو شِمالا
فكم صَرْفٍ صَرَفْتُ الفِكْرَ عنه / فما أدْرِي تَوَلَّى أَم توالَى
أَنا الماضي الشَّبَا والدَّهْرُ قَيْنٌ / أُريدُ على تَقَلُّبِهِ صِقالا
ولولا أَنْ يَشقَّ على عَلِيٍّ / لَجَرَّدَ غَيْرُهُ غَرْبِي وصالا
وكيف يكونُ بي أَبداً مَصُوناً / وَيَرْضَى أَنْ أَكونَ به مُذالا
أَيَأْنَفُ أَنْ يُقَلِّدَنِي جَميلاً / فَيَغْدو وقد تَقَلَّدَنِي جَمَالا
تراهُ يَظُنُّنِي أَنْ زِدتُ نقصاً / تزيد به معالِيهِ كمالا
عَذَرْتُكَ لَو منعتَ شفاءَ سُقْمِي / ولم تَمْنَحْنِيَ الداءَ العُضالا
دعِ التَّضْعيفَ لِلإضعاف عدلاً / فلستُ أطيقُ حَمْلاً واحتمالا
وعُدْ لقديمِ عادِكَ أَو فَصرِّحْ / وسُرَّ بها وإنْ ساءَتْ مقالا
فلَسْتُ بِفاقدٍ أَبداً منالا / يُمَلِّكُ راحَتي جاهاً ومالا
بحيثُ أَهزُّ أَسيافاً حِداداً / لأَعدائي وأَرْمَاحاً طِوالا
ويحميني هَجيرَ الذّلِّ قومٌ / يمد عَلَيَّ عزُّهُمُ ظِلالا
وأُرسلُها شوارِدَ مطلقاتٍ / تكونُ لعقلِ سامِعِها عِقالا
معانٍ للقريحِةِ فِكْرُ عانٍ / سَبَتْهُ فَرَجَّلَتْهُ لها ارتجالا
وقد أَرْشَفْتَ سَمْعَكَ من لَمَاها / بَرُودَ رُضَابِها العّذْبَ الزُّلالا
فهلْ أَبْصَرْتَ واستبصرَتَ إلاَّ الَّ / ذي تدعُونَه السِّحْرَ الحلالا
ومنكَ وفيك تنتظمُ القوافي / ومن وَجَدَ المقالَ الرَّحْبَ قالا
وظنَّي فيكَ إلاَّ عَنْ يقينِ / بأَنك مُوجِدِي وَطَنًا وآلا
نَعَمْ فانطِقْ بها واعدُدْ نوالاً / مقالكما يقلب ما نوالا
وطَرْفِي عن كَراهُ صام شهرا / فلُحْ كيما تُفَطِّرَهُ هلالا
وقَلِّدْ نَحْرَ عيدِ النَّحْرِ عِقْدًا / قَرَنْتَ به أَيادِيَكَ الثِّقالا
وعِدْ ظَمَأَى بِلالاً من وِدادٍ / تَجِدْ غَيْلانَ مُمْتَدِحاً بلالا
ودُمْ كالسُّحْبِ إِنْ بَعُدَتْ مَنَالاً / فقد قَرُبَتْ لِمُسْتَسْقٍ نَوالا
ولو عَدَّدْتَ مالَكَ من أَيادٍ
ولو عَدَّدْتَ مالَكَ من أَيادٍ / لأَفنَيْتُ الطُّروسَ ولم أُوَفِّ
أَلَسْتَ مُحَكِّمِي في بحرِ جُودٍ / لَدَيْكَ جَعَلْتَهُ في بَطْنِ كَفِّي
وعندي كُلُّ يَوْمٍ منكَ عُرفٌ / يفوحُ له الثَّناءُ بِكُلِّ عَرْفِ
يَمِينُكَ في النَّوالِ وفي الكفاحِ
يَمِينُكَ في النَّوالِ وفي الكفاحِ / كَصَوْبِ المُزْنِ والقَدَرِ المُتَاحِ
إِذا صالَتْ فَكَمْ أَجَلٍ مُبَاحٍ / وإِنْ جادَتْ فَكَمْ مالٍ مُباحِ
يَلينُ لنا ويَخْشُنُ للأَعادِي / وهَذِي شِيمَةُ البِيضِ الصِّفاحِ
أُبثُّكَ يا جمالَ المُلْكِ أَّنِّي / سَكِرْتُ وما شَرِبْتُ كؤوسَ راحِ
قَطَعْتُ إِلى أَبِي الخَيرِ بْنِ جُرْجِي / مَهَامِهَ لا تَخِفُّ على الرِّياحِ
فأَنزَلَني ولكِنْ عن ذُرَاهُ / وحَيَّانِي ولكنْ بِالنُّباحِ
فلو لاقيتُ منهُ رَبَّ عِرْضٍ / تَرَكْتُ أديمَهُ دامِي الجِراحِ
ولكن نُزِّهَتْ عنه سُيوفي / هناك وأُكْبِرَتْ عنه رِماحي
ولو أَنِّي إِلى رَيَّان آوِي / لآواني فَتًى رَجْبُ النَّواحي
فإِنْ لم أَحْظَ منه بنَيْلِ رِفْدٍ / فإِنَّ البِشْرَ عُنْوَانُ السَّماحِ
سُعُودُ سِنِيكما كَمُلَتْ سَنَاءَ
سُعُودُ سِنِيكما كَمُلَتْ سَنَاءَ / فعادَ الإِنتهاءُ والإِبتداءَ
وعند الدَّهْرِ عَبْدِ كُمَا رُواءٌ / بنُورِكما اكتسى ذاكَ الرُّواءَ
قضى لكما البقاءَ بهِ إلهٌ / رأَى بكما لِمِلَّتِهِ الْبَقَاءَ
فلا عدم الهَناءَ بكم زمانٌ / مواضِعَ نَقْبِه وَضَعَ الهِناءَ
غدت أَيَّامُه لكمُ عبيداً / كما راحتْ ليالِيه إِماءَ
أَعدتُمْ ميلَ جانبه اعتدالاً / فما أَحدٌ به يشكو اعْتِداءَ
وفُتُّمْ نَيِّرَيْهِ إِلى المعالي / سناً ملأَ النواظِرَ أَو سَنَاءَ
فما سمّاكُما البدرَيْنِ إِلا / سُمُوٌّ فيكما بَلَغَ السَّماءَ
يَحُلُّ لكمْ حُبَى الأَملاكِ فضلٌ / حَلَلْتُمْ من معاقِدِهِ الحِباءَ
بأَيمانٍ قد إمتلأَت حياةً / إِلى غُرَرٍ قد امتلأَت حَيَاءَ
أَمِنَّا في فنائِكُمُ الليالي / فلا طَرَقَ الفَنَاءُ لكم فِناءَ
وقبَّلْنَا الثَّرى حمداً وشكراً / فما كان الثَّرى إِلاَّ ثَراءَ
وأَحْرَزْنَا الغِنَى بِنَدَى أَكُفٍّ / كَفَتْ رامَ سُقْيَاها العَنَاءَ
سحائِبُها إِذا نَشَأَتْ بجَوٍّ / جَرَتْ دِيَمًا تَدَفَّقُ أَو دِماءَ
فطوراً في العَدُوِّ تشُبُّ ناراً / وطوراً في الوَلِيِّ تسيلُ ماءَ
وخيلٍ كالقِداحِ جَرَتْ ظِماءً / وجرَّت خلفها الأَسَلَ الظِّمَاءَ
نُقَيِّدُ بالظُّبَا مَنْ يَمْتَطِيها / على صَهَواتِها الأُدْمَ الظِّباءَ
ويطلبُها الهواءُ إِذا تراخَتْ / فيُقْسِمُ ما يَشُمُّ لها هواءَ
إِذا دُعِيَتْ نَزالِ عَدَتْ عليها / فوارسُ تستجيبُ لها الدُّعاءَ
تقدّمَ ياسِرٌ بِهِمُ أَماماً / ولولاهُ لَمَا رَكِبُوا وراءَ
فما أَبْقَى الإِباءَ لغيرِ مَلْكٍ / حوى الشَّرَفَ المُمَنَّعَ والإِباءَ
بنى آل الزُّرَيْعِ له أَساساً / فأَعْلَى فوقَهُ ذاكَ النِاءَ
وأَولاهُمْ نصيحةَ ذى ولاءٍ / يوالي طاعةً لهُمُ الولاءَ
تتبّع حاسِمًا داءَ الإِعادِي / وقد جعلَ الحُسامَ له دواءَ
وهَدَّ ذُرَى النِّفاقِ فلَيْسَ يَبْنِي / ولا اليربوعُ منه نافِقَاءَ
مطاعُ الأَمْرِ يقضي مُرْهَفَاهُ / فهلْ أَبصَرْتَ مَنْ رَدَّ القضاءَ
تقيَّلَ من أَبيه صفاتِ مجدٍ / تزيدُ لعَيْنِ شائِمِها صفاءَ
وأَلوى السّاعِدَيْنِ يكادُ طُولاً / يكون أَمامَ عسكَرِهِ لِواءَ
تواضَعَ والجلالَةُ قد كسَتْهُ / لأَعين ناظرَيْهِ الكبرياءَ
ولمَّا أَنْ وَرَدْنَا منه بحراً / غَنِينا أَن نُطيلَ له الرِّشاءَ
وكم زُرْنا من الأَملاكِ لكِنْ / تَلَتْ أَفْعالُهُم لَيْسوا سَواء
ومَنْ ينظُرُ أَميرَيْ آلِ يامٍ / يُزِلْ عنه اليَفِينُ الإمْتِراءَ
أَميرا دولةٍ بَنَتِ العوالي / لها سُوراً تصونُ به العلاءَ
وبدراها اللَّذانِ إِذا أَلَمَّت / من الأَيام مُظْلِمَةٌ أَضاءَا
وليثاها اللَّذانِ ترى الأَعادي / متى شَاءَا لَهُمْ إِبلاً وشاءَ
حدونا من مكارِمِهِمْ مطِيًّا / بإِذن الفضلِ تستمتع الحُداءَ
وأَثنَيْنَا على مَجْدٍ أصيلٍ / عَجَزْنَا أَن نُوَفِّيَهُ الثَّناءَ
فلو قلنا الأَنامُ لهم فِداءٌ / لأَقلَلْنَا لحَقِّهِمُ الفِداءَ
طَرَحْنَا فوقَ غارِبِها الزِّمانا
طَرَحْنَا فوقَ غارِبِها الزِّمانا / فأَسْلَمَها العَرَارُ إِلى الخُزَامَى
رَعَتْ بالجِزْعِ أَسْنِمَةَ الرَّوابي / فجاءَتْ وَهْيَ تحمِلُها سَنَاما
وما بَرِحَتْ تراوحُ أَو تُغادِي / جَمِيماً في أَو جِمَاما
تَحُطُّ به النّعائِمُ مُتْأَقَاتٍ / تَرَجْرَجُ فوقَ أَعناقِ النُّعامى
إِلى أَن عارضَتْنَا فاسْتَرَبْنَا / أَكُوماً نحنُ ننظرُ أَمْ إِكاما
وقالَتْ والخيامُ صَبَاحُ عَشْرٍ / لِلَيْلَتِها أَلاَ حَيِّ الخياما
فعُجْنَا بالأَراكِ على أَرَاكٍ / صَدَحْنَا في ذوائبِهِ حَماما
ومِلْنا للعقيقِ فقام جِسْمِي / به يَقْرَا على قَلْبِي السَّلاما
طرحنا العَجْزَ عن أَعجازِ عَيْشٍ / نُوَشِّحُها على الحَزْمِ الحِزاما
ونُوسِعُها بأَيدِي الوَخْدِ مَخْضاً / تُطيرُ الريح زُبْدَتَهُ لُغَاما
وندفَعُ بالسُّرَي منها قِسِيّاً / فتقذفُ بالنَّوى مِنَّا سِهاما
ونُعْمِلُ كالأَهِلَّةِ ضامراتٍ / لنبلُغَ فوقها القَمَرَ التَّماما
ببابِ الفاضلِ المِفْضالِ حَطَّتْ / فأَطلَقَها وَأَقْعَدَنَا وقاما
تُجَنِّبُها الخوافِيَ والذَُّنَابَي / وَتُورِدُها القوداِمَ والقُدَامَى
كَأَنَّا إِذْ قطعناهم إِليهِ / تَعَسَّفْنَا إِلى الصُّبْحِ الظَّلاما
يَحُطُّ لِثامَ نائِلِهِ فيبدُو / وقد عَقَدَ الحياءُ له لِثاما
ومِنْ أَحكامِهِ أَنْ ليسَ يُبْقَي / على الأَحرارِ للدهرِ احْتِكاما
شَفَتْ وكَفَتْ فصائِلُهُ فلولا / جفونُ الحُورِ أُعْدِمَتِ السَّقَاما
وأَسْكَرَنَا بَيَاناً دامَ حَتَّى / عَجِبْنَا كيفَ خَدَّرْنا المُدَاما
معانٍ تجلسُ الفُصَحاءُ عنها / وتسمَعُها خواطِرُهُمْ قِياما
يتيماتٌ تُصَدِّقُ في عُلاهُ / مَقَالَةَ مَنْ دعاهُ أَبا اليتامى
ونُعْمَى مَنْ رَأَى الأَجسامَ عُطْلاً / فَقَلَّدَها أَيادِيَهُ الجِساما
أَقولُ له وقد أَحْيَتْ يَدَاهُ / عِظاماً من أَوائله عِظاما
أَبَتْ لِيَ أَنْ أُضامَ صفاتُ مَجْدٍ / أَبيَ لولا سَمَاحُكَ أَنْ يُضَاما
وما أَبقي احتفالُكَ فيَّ هَمّاً / ولا فيما يخصُّنِيَ اهتماما
ولكنْ قد بَدَأْتَ به رَحِيقاً / أُنَافِسُ أَنْ تُضِيفَ له الخِتاما
يَرُوعُ الذئبُ حيثُ سِواكَ راعِ
يَرُوعُ الذئبُ حيثُ سِواكَ راعِ / ويُثْلَمُ غَيْرُ نَصْلِكَ بالقِراعِ
ويُخْدِعُ بالمُنَى من بات يرجو / تناوُلَ شَأْوِ عِزِّكَ بالخِداعِ
وما المغرورُ إِلاَّ مَنْ تَعَاطَى / مداكَ وما مداكَ بمُسْتَطاعِ
يحاول نُهْزَةَ الإِطراقِ عنه / وللوَثَبَاتِ إِطراقَ الشُّجَاعِ
فساقَ إِليكَ كُلَّ أَسيرِ حَتْفٍ / دَعَتْهُ إِلى مَتَالِفِهِ الدَّواعي
وقام السَّعْدُ يُنْشِدُ رُبَّ أَمرٍ / أُتِيح لقاعدٍ بِمَسيرِ ساعِ
فَقَلَّصَتِ الرَّعارِعُ جانبَيْها / مُنّزَّهَةَ المَقَامِ عَنِ الرِّعاعِ
وما الحَشَرَاتُ مَعْ نَزْوَاتِ كَيْدٍ / بجاهلةٍ مُنَاجَزَةَ السِّباعِ
فأَينَ متونُ مُشْرَعَةِ العوالى / وأَينَ بطونُ عالية الشِّراعِ
رأت ذاتَ القلوعِ لك احْتِفالاً / أَرَتْهُمْ مثلَهُ ذاتَ القِلاعِ
وكايلَتِ المواضِيَ بالمَوَاضِي / مكايَلَةَ الرِّضا صاعاً بِصاعِ
وإِن ذَمُّوا المِصاع لِحَرِّ بأْسٍ / فقد حمدوكَ في ذَمِّ المصاعِ
وكم حفِظَتْ سيوفُكَ من دماءٍ / أُضيعَتْ عند أَبناءِ الضِّياعِ
رعيتَ اللَّه والإِسلامَ فيهِمْ / وكنتَ لِذَا وذلك خَيْرَ راعِ
وربَّت فارسٍ أَمْسَى مَرُوعاً / وإِنْ أَضْحَى على خِصْبِ المَرَاعي
طَرَحْتَ عنانَهُ لِيَدَيْهِ فيها / وليسَ يخيبُ عندك ذو انتجاعِ
فإِن أَشبعته وخلاكَ ذَمٌّ / فكَمْ أَشْبَعْتَ من أُمَمِ جِياعِ
ولمَّا اسْتَرْفَدُوكَ جَرَيْتَ فيهم / على المحمودِ من كرم الطباعِ
رضعتَ الجودَ في سلْمٍ وحربٍ / وحرَّمت الفِطامَ على الرَّضاعِ
وصُنْتَ بوارق الأُمراءِ عن أَنْ / تَمُدَّ لها الخطوبُ طويلَ باعِ
رفعتَ لهم سماءَ المَجْدِ حتى / سَكَبْتَ المجد دعوى الارتفاعِ
وسُمْتَ مقامَ داعِي الدِّينِ فيهمْ / فكلٌّ للَّذِي أَوْلَيْتَ داعِ
ولو أَدركْتَ تُبَّعَ مالَ فخراً / إِلى التَّقديمَ عندَكَ باتِّباعِ
يضيقُ بك الزمانُ الرّحبُ ذَرْعاً / وعزمُكَ فيه مُتَّسِعُ الذِّراعِ
وكم وَطِئَتْ مساعِيكَ السَّوامي / بأَخْمَصِها على لِمَمِ المساعي
تَبِعْتَ أَباكَ في جودٍ وبأْسٍ / وزِدْتَ على اتِّباعِ بابْتِداعِ
بني شرفَ الفخارِ على يَفَاعٍ / فكنتَ النارَ في شَرَف اليَفَاعِ
ومثلُكَ بالوزارةِ ذو اضطلاعٍ / على من جاد فيها ذو اطلاعِ
بِنهضتِكَ ارتجعتَ لها بلالاً / أَباكَ وليس يَوْمَ الإِرْتِجاعِ
فما نلقَى به إِلاَّ بشيراً / كأَنَّ المَيْتَ لم يندُبْهُ ناعي
وحقَّ لنا بياسرٍ ارْتِياحٌ / عزيزٌ أَنْ يُعَارَضَ بِارْتياعِ
سمعنا عن عُلاهُ وقد رأَينا / سما قدرُ العِيانِ على السَّماعِ
وصارَعْنَا الخطوبَ إِلى حماهُ / فكانَ لنا به غَلَبُ الصِّراعِ
وفارَقْنَا إِليه الأَهلَ علماً / بأَنَّ به دوامَ الإِجْتِماعِ
بَدَأْنا بالتدَّاعي للتَّدانِي / فأَسرعْنَا التَّداني بالتَّداعي
فأَوْرَدَنَا نَدَاهُ البَحْرَ شُدَّتْ / قُرَاهُ بالمَذَانِبِ والتِّلاعِ
وَمَلَّكَنا ربوعَ المجدِ حتَّى / نَظَمْنَاهُنَّ في تلك الرِّباعِ
وأَقْطَعَنَا اقْتِراحاتِ الأَماني / وما الإِقطاعُ منهُ بذِي انْقِطاعِ
فأَصبحَ باسْمِهِ ديوانُ شِعْرِي / على التَّحرِير عالي الإِرْتِفاعِ
وكانت دَوْلَةُ الإِقتار عندي / فقامَ لنا نداهُ باخْتِلاعِ
وصارَتْ رُقْعَةُ الدنيا بكفِّي / بما أَولاهُ من مِنَنِ الرِّقاعِ
ولولا من حَطَطْتُ قِناعَ خدِّي / لعِلَّةِ صَوْنِهِ تَحْتَ القِناعِ
وذكرَى عاوَدَتْ كَبِدِي فعادَتْ / وليْسَ سِوى شَعاعٍ في شَعَاعِ
ضَرَبْتُ بِظِلِّهِ أَوتادَ رَحْلِي / وقُلْتُ أَمِنْتُ عادِيَةَ اقْتِلاعِ
سلامٌ أَيها الملكُ المُعَلَّى / بلفظٍ يستقيلُ من الوداعِ
سلامٌ كالنسيمِ الرَّطْبِ ساعٍ / بخَطْوٍ من تَأَرُّجِهِ وَسَاعِ
فإِنْ ضاعَفْتَ في حقِّي اصطِناعاً / فقَدْ ألْفَيْتَ أَهلَ الإِصْطِناعِ
وإِن وفَّرْتَ فِيَّ الجودَ إِني / لأَرحلُ عنكَ بالشكرِ المُشَاعِ
ثناءٌ تَعْيَقٌ الأَقطارُ منه / وتُخْضَبُ منه ما حِلَةُ البقاعِ
متى غنَّتْ به نَغَمُ الوَافِي / هَفَتْ طرباً لها نَغَمُ السَّماعِ
إِذا ما المجدُ لم يُضْبَطْ بشعرٍ / فقد أَضحى بِمَدْرَجَةِ الضِّياع
تَهُزُّ بك الْخُطوبُ من الْخِطابِ
تَهُزُّ بك الْخُطوبُ من الْخِطابِ / وتَنْهَزِمُ الكتائِبُ بالكتابِ
وتخشى نارَ حربِكَ وَهْيَ تَخْبُو / فكيف إِذا ارْتَمَتْ شَرَرُ الحِرابِ
ومذ جَرَّدْتَ عَزْمَكَ وَهْوَ سَيْفٌ / رَقَبْنَا ما يكونُ من الرقابِ
فما وَجَّهْتَهُ حتى حَكَمْنَا / هُنَالك بالغنيمةِ والإِيابِ
وَكَزْتَ حَشَا اللَّعِينِ بمُنْكِصَاتٍ / على الأَعقابِ من جِهَةِ العُقَاب
قطائِعُ تستهلُّ بها المنايا / فتحسَبُ أَنها قِطَعُ السَّحابِ
يصارِعُها العُبابُ فيعتليهِ / بأَهْوَلَ في العُبابِ من العُبابِ
إِذا انْعَطَفَتْ عليه أَو اسْتَقَامَتْ / فقُلْ لَعِبَ الحُبابُ على الحُبابِ
وعُرْبٌ ماجَ منها البَرُّ بحراً / أَليس البحرُ من صِفَةِ العِرابِ
إِذا أُهَبُ القتال تناقَلُوها / أَقَلُّوها أَخَفَّ من الإِهابِ
أَغِرْبَانَ الشّآمِ حَذَارِ شُؤْمًا / لكم مُسْتَوْطَنًا في الاغْتِرابِ
هَفَتْ بكمُ المُنَى فأَطَعْتُمُوهَا / على الأَمْواهِ من عَدَدِ التُّرابِ
فكان لكُمْ من التَّضْعِيفِ فَأْلٌ / على مقدارِ تضعيفِ الحِسابِ
وعند الطَّيْرِ في الرّاياتِ رأْيٌ / فما يخلو عُقابٌ من عِقابِ
إِذا أَبْصَرْتَ ناظِرَنَا
إِذا أَبْصَرْتَ ناظِرَنَا / وقد حَفَّتْ بِهِ الخَدَمُ
فلا يَغْرُرْكَ قَعْقَعَةٌ / كَسَتْهُ مَجَالَها الخُذُمُ
وجِدْ قِرْطاسَهُ لِتَرَى / مَقابِحَ خَطَّها القَلَمُ
تَجِدْها ثَمَّ شاهدةً / بأَنَّ وجودَه عَدَمُ
هُوَ النَّادي وأَنتَ به أُنادي
هُوَ النَّادي وأَنتَ به أُنادي / فيامروي الحيا موري الزنادِ
لسانك أَم سنانك دار فيما / أَراه من الجدال أَو الجلادِ
يبرز في اطِّلاع واضطلاع / وتبرز في اتِّقاد وانتقادِ
وكم لك في الفصاحة من أَياد / ملكت بها الفخار على إِيادِ
قريض يدعيه الجو زُهراً / ينظمها بأَجياد الدآدي
وترسيل يراه الروض زهراً / ينثّره براحات الوهادِ
من الشعراءِ أَضحى فيك قلبي / يهيم صبابة في كل وادِ
تخذتك من صقلِّية خليلا / فكنت الورد يقطف من قتادِ
وشمتك بين أَهليها صفيّا / فكنت الجمر يقبس من زنادِ
وما هي إِذ تحوزك غير صدر / حتى الأَضلاع منك على فؤادِ
فإِن وسعتك حيزوماً وآلا / فما ضاقت حيازيم البلادِ
مرادي أَن أَراك ولست أَشدو / عذيرك من خليلك من مرادِ
بأَرضٍ نعمة النعمان فيها / تزاد لمن يقصر عن زيادِ
وإِنِّي عنكَ بَعْدَ غَدٍ لَغَادٍ / وقلبي عن فنائِكَ غيرُ غادِ
فأَبْعَدَ بُعْدَنَا بُعْدُ التَّدانِي / وَقرَّبَ قُرْبَنَا قُرْبُ البِعادِ
بَعَثْتَ به حَنَانًا أَمْ جِنانا
بَعَثْتَ به حَنَانًا أَمْ جِنانا / وصُلْتَ بهِ لِسانًا أَم سِنانا
وقلَّدْتَ الطُّروسَ به كلاماً / يُفَصَّلُ في التَّرائِبِ أَم جُمَانا
قريضٌ زارَ بل روضٌ أَرِيضٌ / فآتانا المحاسِنَ إِذ أَتانا
نُعانِي أَو نعايِنُ منه لفظاً / مُعاناً بالبلاغة لا مُعانَى
يَروعُ وقد يروقُ فأَيُّ بِيضٍ / تَذَكِّرُنا القيونَ أَوِ القِيانا
قرأْنا من محاسِنِها فنوناً / وكِدْنا أَن نُسَمِّيهَا قُرَانا
شرائِعُ مُوجِباتٌ أَن تُدَانَا / بدائِعُ مانِعاتٌ أَنْ تُدانَى
فلو حَسَّانُ فازَ بها لَحلَّى / بجوهَرِها قلائِدَهُ الحِسانا
ولو رامَ ابْنُ هانِىٍءٍ اتِّصالاً / بصعب مَرَامِها يوماً لهانا
ولو أَنِّي أَطَقْتُ أَطَلْتُ قولي / فلم أَتْرُكْ فلاناً أَو فلانا
أَبا حَسَنٍ ملَكْتَ الحُسْنَ طُرًّا / فأَسْقِطْ شانِياً أَوْ فَاعْلُ شَانا
نَصَبْتَ على صِقِلِّيَةٍ لواءً / هَدَانا في دُجَى خطبٍ دَهانا
بدا عَلَمًا فكنتَ عليه نارًا / ولولا الحِلْمُ سَمَّيْتُ الدُّخانا
وكم رُزِقَ المكانَةَ من أُناسٍ / لَوِ اختيروا لما وَجَدوا مكانا
فديتُكَ من خليلِ لي خليلٍ / كُفيتُ به الزَّمانَةَ والزَّمانا
وقد شاهَدْتُ إِخوانًا ولكِنْ / هُمُ الإِخوانُ إِن نظروا الخِوانا
وكم من تَسْكُنُ الأَجفانُ منه / إِذا أَسكنته منك الجِفانا
بك الإسلامُ قد لبسَ الشبابا
بك الإسلامُ قد لبسَ الشبابا / وكان سناه قد ولّى فآبا
وهزّ الملكُ عطفَيهِ بمَلْك / تقلّد أمره وكفى ونابا
ومذْ لبِسَتْ به الدنيا حِلاها / جلاها حُسنُها خَوْداً كَعابا
وما عطُلَتْ رِقابُ الدهرِ إلا / وحلاّها عقوداً لا سِخابا
فلو أنّ اللياليَ عُدْنَ غيداً / شجَتْ ليلى وتيّمتِ الرّبابا
وأحسبُ أن أنجُمَها كؤوسٌ / تكونُ لها مجرّتُها شرابا
ومَنْ للشمس أن تُكسى سَناه / فتُغشي الناظرينَ لها التهابا
ولو حيّا محيّاها بنورٍ / لما كان الظلامُ لها حِجابا
صباحٌ يملأُ الآفاقَ نوراً / يقيم إذا سنا الإصباحِ غابا
وغيثٌ بات يُردي المحلَ طوعاً / وليثٌ ينزِعُ المهجَ اغتصابا
وسعدٌ من بني سعدٍ تجلّى / وقد جعل الدروعَ لها سَحابا
ولم يُرَ قبلَهُ بحرٌ خضمٌّ / أفاضَ على معاطِفِه سَرابا
رسا طَوْداً وأسفرَ بدرَ تِمٍّ / وجادَ غمامةً وسَطا شِهابا
مَروضُ الحِلمِ طمّاح المواضي / إذا ساموهُ عفواً أو عقابا
وما صابَتْ سماءُ الحربِ إلا / سقى أبطالَها شرْياً وصابا
وكم زهِرَتْ رياضُ دمٍ تغنّى / ذُبابُ حُسامه فيها ذُبابا
يواصلُ شُرْبَ كأسِ البأسِ صِرْفاً / ويجتنبُ المُدامةَ والرّضابا
ويبتعدُ الأعارِب ناعماتٍ / ويستَدْني المُضمّرةَ العِرابا
وقالوا أطولُ الأبطالِ باعاً / فقلت نعمْ وأعلاهُم رِكابا
وأفصَحُهُم إذا نطقوا لساناً / وأفسَحُهُم إذا طُرِقوا جَنابا
وقد سمعوا رُقاهُ وجرّبوها / فلا ينسابُ كيدُهُمُ حُبابا
ولا يغْرُرْهُمُ عفوٌ لديه / فربّ عذوبةٍ نتِجَتْ عَذابا
سَلوا عنه بَني رُزّيكَ لما / أفادَ الحربَ منهم والحِرابا
وأقدَمَ نحوهُم أسَداً مُشيحاً / فولّوا بين أيديه ذئابا
فإن عمرَتْ جموعُهُمُ الفيافي / فقد تركوا رُبوعَهمُ خرابا
أهابَ بهم لسانُ الخوفِ حتى / أقامَهُمُ لراحتِه نهابا
ومنّتْهُم ظنونُهُم نجاةً / ورُبّ حجًى رأيَ خطأَ صوابا
فإن جعلوا الظلام لهم مطايا / فقد جعلَ النجومَ له رِكابا
فلا يهْنِ الذين نجوا هروبٌ / فلو آبوا لكان الملك يابى
ولو شاءَتْ صوارِمُهُ المواضي / أقامَتْ دونَهُم سوراً وبابا
ولم يُرسِلْ شفارَ ظُباه إلا / غدَتْ قُلَلُ الملوكِ لها جوابا
إذاً لأزارَهُم تيّارَ حربٍ / تكون له جماجِمُهُمْ حَبابا
وساقَ إليهمُ غرْباً ورُعْباً / يسمّيها الكتيبةَ والكتابا
وصدّعَ شعبَهُمْ بوميضِ عزمٍ / يروّي من دمائِهمُ الشِّعابا
وكم فتحٍ أبو الفتحِ اجتناهُ / بقُبٍّ في العُلى رفعَتْ قِبابا
ولما لم يجدْ رُزّيكُ عنه / الى غير الملاذِ به ذَهابا
أتاهُ ورهطُه في الهَوْنِ سعياً / وقد سُلِبوا الحميّةَ والثيابا
وقد قادوا الصواهلَ مُقرَباتٍ / فقُلْنَ لهم الى الذُلِّ اقترابا
وكم ملؤوا الدروعَ وليس تُغني / وقد مُلئَتْ قلوبُهُمُ ارتِعابا
وكم شاموا ظُباً بأكُفِّ غُلْبٍ / قضَتْ شؤماً عليهم أو غِلابا
وكم ركَزوا رماحَهُمُ كِناساً / وسمّوها وما صدَقوا غيابا
وخالوا أنّ راحَهمُ غمامٌ / فغادرَها مؤمِّلُهُم ضَبابا
فجازَهُمُ إليه المُلْكُ طوعاً / ومَنْ وصلَ الرؤوسَ جَفا الذُنابى
فحسّن رُتبةً قبُحَتْ لديهمْ / وكان التاجُ في الأرساغِ غابا
ليَهْنِ المُلكَ أن أمسى مَصوناً / عشيةَ راحَ عزُّهُمُ مُصابا
بأنّ الله أكرمَهُ بمَلْكٍ / أذلّ له الغطارفةَ الصِّعابا
أُخيَّ دعِ البطالة والْهُ عنها
أُخيَّ دعِ البطالة والْهُ عنها / وجانِبْها فعُقباها الشّقاءُ
جمالُ المرءِ في الدنيا صلاحٌ / وخيرُ بضاعةِ الحرِّ الحياءُ
عجبتُ لمن يميل الى المعاصي / وتعجِبُه الملاهي والغِناءُ
وعقبى ذَينِ لو يدري شقاءٌ / يطولُ وبعده أيضاً عناءُ
تنبّهْ يا نؤومُ فلستَ تدري / عليك بما الذي سبقَ القضاءُ
وكِلْ لله أمرَك إنه في / جميع الخلق يفعلُ ما يشاءُ
ولُذْ بالحافظ الحَبْرِ المُرجّى / ففيه الفضلُ أجمع والوفاءُ
إمامٌ كل من في الأرض أرضٌ / إذا اختُبِروا وهمّتُهُ سماءُ
عليه من المفاخر والمعالي / لسواءٌ حبذا ذاك اللواءُ
أدام له البقا والعزّ ربّي / متى ما أعقبَ الصُبْحَ المساءُ
خليليّ اتركا ما تعدُلاني
خليليّ اتركا ما تعدُلاني / عليه وانظُرا ظبياً سَباني
فإني مستهامٌ ذو اكتئاب / حليفُ الحزنِ مسلوب الأماني
برى جسمي ومالي منه روحٌ / به ربي تعالى قد حَباني
فرحي من شقائي في مكانٍ / وجسمي مثل روحي في مكانِ
ولما زادَ ما بي من هواهُ / وألبسَ مهجتي ثوبَ الهوانِ
وكدتُ أذوبُ من وجدي عليه / ويرحمُني لذلك من رآني
ويرثي لي العدوّ بظهر غيبٍ / رجعتُ الى الذي قِدْماً بَراني
وأكثرتُ الدعاءَ عسى بفضلٍ / ومنّ منه يصلحُ كلُّ شان
ويلهمُني رشادي فهو ربُّ / رؤوفٌ بالبريّة ذو امتنانِ
وقلتُ لرفقتي هل لي سلوٌّ / عن الحاظٍ عمْراً دهاني
فقالوا بالأجلّ الحبرِ تسلو / وصدرٍ ما له في العصر ثاني
إمامٌ حافظٌ علمٌ فقيهٌ / نبيهٌ ساد في كلِّ المعاني
له ذِكْرٌ علا فوق الثريا / وجاهٌ من ذوي الحاجاتِ داني
وجودٌ بالذي ملكَتْ يداهُ / لعافٍ قد أتاه وفكّ عانِ
وفي الآدابِ قد أضحى وحيداً / وفي علمِ الحديثِ فلا يُداني
وإن ألقى الدروس فلا يجارَى / فدعْ ذكرى فلانٍ أو فلانِ
يفسّرُ ما يقولُ بلا اكتراثٍ / بأفصح ما يكون من البيان
فمَنْ قسّ ومن سحبانُ أيضاً / متى ذكروه في نُطْقِ اللسانِ
ومن عَمرو بن بحرٍ أو سواهُ / لديه في التصانيفِ الحِسان
وفي نظمِ القريضِ فمَنْ حبيبٌ / وبشارُ بنُ بردٍ وابنُ هاني
ومَن قرأ العلوم عليه أضحى / كنتَسِبٍ الى عبدِ المَدانِ
لفضلٍ قد حكاهُ وصار فيه / سريع الردّ عند الامتحان
ومن والاه أُلْبسَ ثوبَ عز / وصار من الحوادث في أمان
ومن عاداهُ ذلّ بلا ارتيابٍ / وصار حليفَ خوفٍ وامتهانِ
فلا زال العلاءُ له قريناً / قريباً منه في كل الأوانِ
ويبقى ملجأً للناس طرّاً / وكهفاً للأقاصي والأداني
وعاش مهنّأً في كل عيدٍ / على رغم العدى طول الزمانِ
ومهما رام أن يَرْقى مداها
ومهما رام أن يَرْقى مداها / سواهُ أظهرَتْ فيه قُصورَهْ
ولا زالتْ تنمِّقُ بالعطايا / رياضَ المجدِ أو تبني قُصورَهْ
نجومُ علاكَ قد طلعَتْ سعودا
نجومُ علاكَ قد طلعَتْ سعودا / وعَرْفُ ثَناك فينا فاحَ عودا
فأبْلِ حوادثَ الأيام والبَسْ / رِداءَ الفضلِ فضفاضاً جديدا
وطالِعْ أوجُهَ الأعوامِ بيضاً / فقد طلعَتْ لمَنْ عاداكَ سُودا
فأنت ابنُ السعيدِ أخو المعالي / ومَن أضحى كوالدِه سعيدا
بنيتَ المُلْكَ بالعزَماتِ قصراً / وأعليتَ البِناءَ به المَشيدا
رسا فوقَ الصّعيدِ وطالَ حتى / تخطّى النجمَ مرتفعاً صُعودا
ومثلُك من تقلّد بالمعالي / فريداً حالياً منها فريدا
غمامٌ في ندًى ورديٍّ تراه / مفيداً للرغائب أو مبيدا
وسيدُ معشر ما قال إلا / رأينا سيّداً قد صار سِيدا
يفوّق رأيَهُ في الخطب سهماً / سديداً في مقاتلِه شديدا
ويفترسُ الأسودَ بمُرهَفاتِ / من العَزَماتِ تفترسُ الأسودا
وينشئُ من مثارِ النّقْع سُحْباً / تُسحُّ دماً تبُلُّ به الصّعيدا
إذا سُلّتْ صوارمُه بُروقاً / أعانَتْها صواهِلُه رعودا
بكلِّ أشمّ ما صديَتْ ظُباه / فأوردَ هيمَها إلا الوريدا
وأبلجَ كالصباحِ أضاءَ منه / عمودٌ فاجتليناهُ عميدا
جنودٌ بات ياسرٌ المُعلّى / مع الأيام يُتبِعُها جنودا
بها كبتَ الحسودَ ومن يصرِّفْ / جنودَ النصرِ قد كبتَ الحَسودا
فيابْنَ بلال الملكُ الذي قد / شأى آباءَه وشأى الجُدودا
إليك قدِ ارتمَتْ مسلى مسالي / فجاوزَتِ التّهائمَ والنُجودا
وقد عوّدْتَني إسداءَ فضلٍ / أعيشُ به وظنّي أن يعودا
وإن لم أغْدُ فيك لبيدَ عصري / فكُنْ لي أنت وُفِّقْتَ الوليدا
فقد أضحَتْ ملوكُ الأرض طُرّاً / لديك على نفاستِها عَبيدا
ومثلُك من تلبّيه الأماني / رُكوعاً حولَ كعبتِه سُجودا
وخذْ مني عُقوداً من كلامٍ / يفوقُ على نفاستِه العُقودا
فقد نُظِمَ الكرامُ فكنت بيتاً / هو المعنى وإن كانوا القصيدا
ومعترَكٍ يضمُّ الموتُ فيه
ومعترَكٍ يضمُّ الموتُ فيه / جوانحَهُ على قلب المَروعِ
تهيّبك الزّمانُ به فأبقَتْ / إليكَ يداهُ ناصيةَ المُطيعِ
وجرّدْتَ الحُسامَ فأغْمَدَتْهُ / يَمينُك في طُلى الخطْبِ الصّريعِ
وقد كحلَتْ بأميالِ العوالي / أُساةُ الحربِ أحداقَ الدروعِ
وشبّ البأسُ نيرانَ المواضي / وأسبلَ غيثَ أمواهِ النجيعِ
فللفرسانِ من محْلٍ ووحْلٍ / حديثٌ عن مَصيفٍ في ربيعِ
ولي بالخَيفِ من نَعمانَ ظبيٌ
ولي بالخَيفِ من نَعمانَ ظبيٌ / يحيفُ على فؤادي أيّ حَيْفِ
فكم من معطِفَيْه ومقلتَيْهِ / بقلبي منه من رمحٍ وسيفِ
علقت به نَفوراً عن وِدادي / نفورَ الجودِ من طبعِ ابنِ عوفِ
فراجي راحتَيْه كمن يرجّي / هُمولَ الوَدْقِ عند جَهامِ صيفِ
ولولا الحافظُ السّلفيُّ فينا / لما كنّا أمنّا كلَّ خوفِ
إمامٌ إن سألناهُ عظيماً / تأبّى أن يماطِلَنا بسَوفِ
أتى النّوروز فاهْنَ به سعيداً / سليمَ العِرض من نقصٍ وزَيفِ
إليك تُشدُّ في العلمِ الرِّحالُ
إليك تُشدُّ في العلمِ الرِّحالُ / ومنك الجاهُ يُرجى والنّوالُ
وأنت الحافظُ الحبْرُ المعلّى / ومَنْ للدين والدنيا جمالُ
جمعْتَ الحُسنَيَيْن وأنت فردٌ / فما لك في الورى طُرّاً مثالُ
وما لك مثلُ جاهِك مستَباحٌ / وعِرضُك مثل فخرِك لا يُنالُ
ويُرضيكَ السؤالُ إذا سألنا / وبعضُ القوم يُغضِبُه السّؤالُ
ولي رسمٌ عليك ولا دِفاعٌ / لديك تصدُّ عنه ولا مِطالُ
ولما أن تأخّر طِبْتُ عيشاً / فقد تُستبطأُ السُحُبُ الثّقالُ
كتبتُ إليك في ظهرٍ لأني / فقيرٌ ليس لي واللهِ مالُ
وهذي قصّتي وإليك أشكو / ومني القولُ ثم لك الفَعالُ
فأبقاك المهيمنُ في نعيمٍ / وعزٍّ ما لَه أبداً زَوالُ
جرى في عودِه ماءُ الشبابِ
جرى في عودِه ماءُ الشبابِ / وأسكرهُ الصِّبا قبل التّصابي
ويخطُر كالقضيبِ اهتزّ رِيّا / وجُرّ عليه ذيلٌ من سَحابِ
هتفْتُ به وبُرْدُ الليلِ بالٍ / ونجمُ الصُبحِ ورديُّ النِّقابِ
ومرّ بنا النسيمُ فرقّ حتى / كأني قد شكوْتُ إليه ما بي
ولفّ الليلُ شملتَهُ بحاءٍ / وبلّ الصُبْحُ أذيالَ الرّوابي
أرَوْهُ الجلّنارَ من الخُدودِ
أرَوْهُ الجلّنارَ من الخُدودِ / واخفَوْا عنه رمّان النهودِ
وحلَّوْا مقلتيه بدُرِّ دمعٍ / تبسّم في المخانِقِ والبرودِ
وهم نظَموا الفريدَ على نُحورٍ / فدمعُ العينِ يجري كالفَريدِ
وما غرَسوا نخيلَ العيسِ إلا / وهمْ فيها من الطَلْعِ النضيد
يُثنّين المعاطفَ في قيامٍ / ويُفعِمْنَ الروادفَ في قُعودِ
وكثبانٌ ترجْرجَ في مُروطٍ / وقضبانٌ ترنّحُ في بُرودِ
ويكسرن الجفونَ على لِحاظٍ / هي الأسيافُ تحفل بالغُمودِ
بعثْن على النوى جيشَ التداني / وسلّطْنَ الوصالَ على الصُدودِ
فبات الطيفُ يقضي الطرفَ دَيْناً / تقاضتْهُ كفالاتُ الهُجودِ
وكم جذبَ الصبا طرفَيْ عِناني / فغادرَهُ بسالفتَيْ شُرود
سقى مصراً وساكنُها مُلِثٌّ / صليلُ البرقِ صخّابُ الرعودِ
ولو أني وجدتُ لقلت سُقْيا / يعاورُها على نايٍ وعودِ
مواردُ بي لها عطشٌ شديدٌ / ولكنْ لا سبيلَ الى الورودِ
هل الرأي السديدُ البعدُ عنها / نعم إنْ كان للشيخِ السديد
إليكَ قطعتُ لا طوفانَ نخْل / ليُنزلَني على جوديّ جُودِ
فصحّ وقد رأيتُك كلُّ وعدٍ / ملكتُ به مناجزةَ الوُعودِ
معي خِلَعُ الثناء وليس منها / خليعٌ إن عزَمْتُ على الجديدِ