القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : مَعرُوف الرُّصافِيّ الكل
المجموع : 3
لا يبلُغ المرء منتهى أرَبه
لا يبلُغ المرء منتهى أرَبه / إلا بعلم يَجدّ في طلبه
فَأْوِ إلى ظلّه تعش رغَداً / عيشاً أميناً من سوء مُنقلبَه
واتعب له تسترح به أبداً / فراحة المرء من جَنى تعبه
ولذّة العلم من تَذَوَّقها / أضرب عن شهده وعن ضَربه
وأن للعلم في العلا فَلَكاً / كل المعالي تدور في قُطُبه
فاسعَ إليه بعزمِ ذي جَلَد / مُصمّم الرأي غير مضطربه
وأبذُل له ما ملكت من نَشَب / فالعلم أبقى للمرء من نشبه
لا تتّكل بعده على نَسَب / فالعلم يُغني النسيب عن نسبه
وأطّرح المجد غيرَ طارفه / وأجتنب الفخر غير مكتَسَبه
ما أبعد الخيرَ عن فتىً كَسِل / يسرح في لهوه وفي لَعِبه
كم رفع العلم بيت ذي ضَعَة / فقصّر الناس عن مدى حَسَبه
حتى تمنّى أعلى الكواكب لو / يحُلّ بيتاً يكون في صَقَبه
وودّت الشمس في أشعّتها / لو كنّ يُحْسَبْن من قوى طُنُبه
وأن يَسُد جاهل فسؤدده / بعد قليل يُفضي إلى عَطَبه
يرى امرؤ مجد جاهل عجباً / لو صحّ عقلاً لكفّ عن عجبه
كم كذب الدهر في فعائله / وسؤدد الجاهلين من كَذِبه
العلم فَيْض تحيا القلوب به / فأمتّح بسَجْل الحياة من قُلُبه
كل فَخار أسبابه انقطعت / إلا فخاراً يكون من سببه
للعلم وجه بالحسن مُنتقِب / وسافرٌ منه مثل منتقبه
ما حُسن وجه الفتى بمَفخَرة / أن لم يؤيَّد بالحسن من أدبه
ما أقدر العلمَ أنّ صَيْحته / يُمْعِن منها الخميس في هربه
من تَخِذ العلمَ عُدّة لوغىُ / أغناه عن دِرعه وعن يَلَبه
فأنتدِب العلم للخطوب فما / خاب لعمِري رجاء منتدِبه
العلم كالنور بل أفضله / ما أفقرَ النورَ أن يُشبَّه به
وإنما العلم للنُهى عَصَبٌ / والحسّ في الجسم جاء من عصبه
سَقياً ورعياً لروض معهده / وطالبيه وقارئي كتبه
ما الناس إلاّ رُوّاد نُجْعته / وناشروه وكاشفو حُجُبه
ومن غدا هاديا يعلّمه / وراح يشفي الجهول من وَصبَه
ومعهد أسِّست قواعده / في بلد شَفّني هوى عربه
شيّده للعلوم مدرسة / من كان نشر العلوم من دَأَبه
قد غَرَّد المجد في جوانبه / فاهتَزّ عِطف الفَخار من طربه
وأصبح العلم فيه مُزدهِراً / بكلّ ذاكي الذكاء ملتهبه
بمثله في البلاد قاطبةً / يُشفى عَقُور الزمان من كَلَبه
أضحت فلسطين منه مُمْرِعة / مذ جادها بالغزير من سُحُبه
تاهت به ايلياء فاخرة / على دمشق الشَآم أو حلبه
شكراً لبانيه ما أقام به / شُبّانه القاطنون في قُبَبه
حيَاكم الله أيها العرب
حيَاكم الله أيها العرب / فاستمعوا لي فقصّتي عجب
قد بِتّها ليلة مُطَّولة / يَعقِد جَفني بنجمها الوَصَب
أنجمها الزُهر غير سائرة / كأنما كل كوكب قُطُب
تحسَبني في مضاجعي حَسَك / يقلبني وخزه فأنقلب
أمشي إلى النوم وهو منهزم / مَشيِي دبيب ومشيه خَبَب
حتى بدا الفجر لي وقد طفِقت / تغرق في فيض نوره الشهب
عندئذ خَدَّر الأسى عَصَبي / فنِمت والنوم جرّه التعب
فطاف بي طائف لرَوْعته / يرتجف القلب وهو مُرتعِب
رأيتني قائماً على نَشَزٍ / من شاحل البحر وهو مضطرب
والأفق محمرّة جوانبه / كأنما الجوّ ملؤه لَهَب
وفي عنان السماء قد طلعت / أهِلّة في إزائها صُلُب
والأرض قد بُعثِرت ضرائحها / مكشوفة لا تغمّها التُرَب
والموت كالكبش في جوانبه / يرعى نفوساً كأنها عُشُب
وبين تلك القبور غانية / يلمع في حُرّ وجهها الحسب
لها جبين كأنه قمر / تحت شعور كأنها الذهب
ووجنة باللطم دامية / وساعد بالدماء مختضِب
قد أذبل الجوع ورد وجنتها / فاصفرّ وامتصّ ماءه اللَغَب
شاخصة الطرف وهي جاثية / تحملها دون سوقها الرُكَب
حاسرة الرأس غير ناطقة / إلا بدمع لسانه ذَرِب
فلحظها فوق رأسها صُعُدٌ / ودمعها تحت رجلها صَبَب
مكتوفة الساعدين منكسرٌ / مِن حَزَن طرفها ومكتئب
قد وتَّدُوا القَيد في مُخَلخَلها / ومدّدوه كأنه طُنُب
ترى خُدوشاً على مُقَلَّدها / كأنها في صفيحة شُطَب
وحولها أنفس مصرَّعة / يسرح فيها ويمرح العَطَب
واحتَوَشَتها كلاب مَجزَرة / مهترشات يَهيجها الكَلَب
تنهشها تارةً وآوانَةً / تنبح من حولها وتصطخب
وفوقها الطير وهي حائمة / تبعد من رأسها وتقترب
بيض المناقير ذات أجنحة / خُضر وريش كأنه العُطُب
يَقدُمها طائر قوادمه / تلمع كالبرق حين يلتهب
تضطرب الأرض والسماء له / إذا غدا بالجَناح يضطرب
وقفت أرنو إلى ملامحها / ووجهها بالدموع منتقب
حتى تعلّمت أن سَحْنَتَها / للعرب الأكرمين تنتسب
وبينما كنت ممعناً نظري / فيها وقلبي كقلبها يجب
إذ هاتف في السماء يهتِف بي / كأنه في الغمام مُحتَجِب
يقول لي إنها طرابُلُس / تبكي على أهلها وتنتحب
وهذه الطير حيث تُبصرها / محمد والصحابة النُجُب
فتلك رؤياي غيرَ كاذبة / فهل تُغيثون أيها العرب
يا شيخ روما ومَن لرايته / وتاجه ينتمي وينتسب
لست ولا قومك اللئام بمَن / تُعرف أمّ لمثلهم وأب
وإنما أنتم بنو زمن / إذا ذكرناه تخجل الحقب
برومة قبل وهي مبوَلة / بالكم الدهر وهو مُغترِب
فعشتم في الورى سواسيةً / لا حسب عندكم ولا أدب
ما أوقد الدهر نار مُخزية / إلاّ وأنتم لنارها حَطَب
أغسل شعري إذا هجوتكم / لأنه من هجائكم جُنُب
كان أبو الطيّب امرأ قوله
كان أبو الطيّب امرأ قوله / يبتكر الشعر مذكياً شعله
صاحب نفس كبيرة شرفت / فشرّفت حلّه ومر تحله
كان هو الشاعر الذي انتشرت / أشعاره في البلاد منتقله
أوجدت للشعر دولة عظمت / به فعزت من غيره دوله
من كل معنىً أغرّ مؤتلق / في لفظه كالعروس في الحجلة
وربما رقّ لفظه فبدت / في شعره كل كلمة ثمله
وربما لم تبن مقاصده / لأنها فيه غير مبتذله
فسائلهن عن قريضه حلباً / كم قطفت من زهرة خضله
خلّد ذكراً لسيف دولتها / أيام وشى بمدحه خلله
فاعجب لسيف لم تبل جدّته / وشاعر بالمديح قد صقله
لو حاز موسى مضاء عزمته / ماتاه في التيه عندما دخله
وهو الذي اجتازه بيعملَة / تحمل منه الهمام لا التكله
قد بات كافور من جراءتها / على الموامي بمهجة وجله
إِذ أعجزته بالسير عن طلب / لا خيله تختشي ولا ابله
فسل به النيل يوم ناقته / تغمرّت منه وانتحت جبله
كيف أتى مصر كالعقاب لكي / يبلغ فيها بشعره أمله
وكيف أحيا بالمدح أسودها / ثم وشيكا بهجوه قتله
في شعره حكمة مهذّبة / وروعة بالذكاء مشتعلة
ونغمة بالشعور صادحة / وصنعة بالفنون متصّلة
قدرته في البيان واسعة / يتيه فيها السؤال والسأله
إذا المعاني بذهبه ازدحمت / ما ربكت في انتقائها حيله
كم شاعر قد قفا له أثراً / وناقد راح يبتغي زلله
فأخفقوا عاجزين عن درك / لبعض ما كلّه تيسرّ له
قل لابن عبّاد أيّ منقصة / من أجلها كنت مكثراً عذله
أطبعه بالذكاء متقداً / أم نفسه بالاباء مشتمله
أم شعره والعصور ما برحت / تسعى بل استجادة قبله
لكنما رمت من مدائحه / ما لم تكن سالكاً له سبله
طماعة منك غير واعية / وهي لعمري حماقة وبله
أكبر من أكبر القريض به / وأكبر القاتلين من قتله
يا قاتليه لو تعلمون به / أذن قتلتهم نفوسكم بدله
لكنكم تجهلون رتبته / ماذا فعلتم يا أجهل الجهله
قتلتم الشعر والاجادة والاب / داع فيه يا ألأم القتله
لستم بذا القتل من بني أسد / بل أنتم فيه من بني ورله
لم يزل الدهر بعد مقتله / يضرب في الشعر للورى مثله
كان له عند كلّ بادهة / بدائع في القريض مرتجله
يصطاد في الشعر كلّ شاردة / من القوافي بفطنة عجله
فلا تقسه بغير أدباً / وهل تقاس المعطار بالتفله
كم شاعر يدعي وليس له / من شعره غير منطق الحجله
أن أنت أنشدت شعره هزؤاً / رجعت منه كآكل البصله
وربّ شعر إذا لفظت به / من هجنة فيه تأنف السبله
الشعر معنىً ألفاظه حسنت / فنسّقت في بلاغة جمله
وكلما قصَرت قوالبه / عن حسن معناه أوسعت خلله
حسن المعاني بلفظها مشوهٌ / كحسن حسناء ثوبها سمله
من ذاق في الشعر طعم معجزه / فأحمد الشاعر الذي أكله
أي مقام هيجاؤه احتدمت / بالشعر يوماً ولم يكن بطله
كان عزيزاً يأبى الهوان فما / قرّ عليه يوماً ولا قبله
كم منزل قد نبا به فسرى / مُتّخذ الليل في السرى جمله
كان كما قال وهو مفتخر / بفضل ما قاله وما فعله
جوهرة يفرح الكرام بها / وغصّة لا تسيغها السفله

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025