لا لحنه عازف ولا وتره
لا لحنه عازف ولا وتره / ما كان طيّ النشيد ينتظرُهْ
أصغى لأنغامه ومهجته / نوح مع الطير هاجه سحره
يهتزّ لهفان في تسمعه / كأنّما قد سرى به قدره
اللّه في جنبه ولوعته / هشيم غصن أذابه شرره
أحس بالعمر في مقاطعه / وقافيات العذاب تعتصره
والموت في جرسها ونغمتها / خطو من الغيب لا يرى أثره
ما زال يدنيه من غياهبه / حتى احتواه بنظرة بصره
فخرّ في صمته وفرّ به / سرٌّ على الناس غامض خبره
وقيل ما باله وما وهنت / خطاه قلت انتهى عمره
باك أتى والدموع في يده / وبل من النار واكفٌ مطرهْ
ترتجُّ من حزنه قصيدته / ويصطلي في لهيبها ضجره
قد خاف من حرّها فراح لها / يصغي بقلبٍ تخيفه ذكره
ما أوشكت تنتهي مناحتها / وينتهي من معنيّها عبره
حتى غدا صرخةً على فمها / وداع من لن يردّه سفره
لا تعتبوا الدهر في منيته / ولا تقولوا طحا به كبره
فإنها قصّة ينوء بها / ضمير مصر وتكتوي سيره
محاربٌ في سبيل عزّتها / ما ردّه يأسه ولا حذرُهْ
ينقضُّ كالسهم في دجنّتها / فتحسب الليل هُتّكت ستره
ويلطِمُ القيدَ لا يروّعه / حديدُ جبّاره ولا سقره
تنزهت كفّهُ وكلمته / وعفّ والجوّ لاغطٌ هذره
عابوا على صمته فهل سمعوا / تهتزُّ فوقه نذره
ارتاعَ قرصانهُ وساستهُ / وأعوَلت من رياحه جزره
واستعجم القيد حين جابهه / بحجة كالصباح تبتدره
وصيحةٌ كالردى مباغتة / لا نابه ردّها ولا ظفره
وعاد للنيل صامتاً أنفاً / لا طبله قارعاً ولا زمره
يبني لأوطانه ويرفعها / والمصلح الحق من علا حجره
بنياه في ضحوة يسير على / أمانة عدلها سرى عره
وإذ بها وصمة يشيح لها / جبين مصر وتنزوي صوره
حيّا فحيّاه من تواضعه / والغدر بالحق نادر خطره
لكن قضى اللّه وانتهى بطلٌ / كنا لريب الزمان ندخره
لا ذنب راميه للمناب ولا / آمال أوطانه ستغتفره
أتى عليّ يسوق أدمعه / ويندب الشرق ضللت غيره
وكم له وقفة وجلجلة / والنيل من حولها صفي نهره
ومصر تصغي وشطها دنف / يكاد للشدو ينحني شجره
أسحاره فجره أصائله / ليلاته الناغمات أو بكره
عرائس بالنشيد سابحة / تلأْلأت في جبينها درره
كم ناغم الشرق في مواجعه / وهلّلت في سمائها غرره
من كل عرباء فوق حاجبها / أو ما نزار البيان أو مضره
مرصوفة السحر خلت حاديها / من أرض حسّان أقبلت عصره
يهزها هودجٌ ويرقصها / صنّاج بيد أهاجه سمره
تختال بالنيل في مفوّفة / يكاد يخضّل فوقها زهره
إن رقّ أبصرت حلم عاشقة / وليلها والحنين يعتصرهْ
وإن تثره فما الرياح وما / زئيرها إن تدفقت فكره
حمى بها الشعر بعد ما لهثت / أوزانه وارتمت به سرره
ساقوه حيران في مواطنه / لا بدوه في الصدى ولا حضره
وبعضهم لم يقله غير صدى / والبعض في مهده بدت حفره
وأنت للضاد حارس أبدا / ما خفّ إمعانه ولا حذره
غنّيت بالشعر كلّ موطنها / فعشبه في صداك أو مدره
هواك بالنيل مثل إخوته / سيان مطويّه ومنتشره
عروبة للسماك طرت بها / جناح غيب شآي به قدره
وسقت للتاج نغمة عزفت / غرام شعب تعددت صوره
حب لفاروق في جوانحنا / مخلد في حياتنا أثره
بكتك دار العلوم أنت صدى / سحرٍ لها لا تزال تبتكره
هذا الجني من غراس جنتها / في كل واد مهدل ثمره