المجموع : 13
قد كان لي في شبيبتي فَرَحٌ
قد كان لي في شبيبتي فَرَحٌ / يحدُثُ لي بغتةً بلا سببِ
فمذ تولَّى الصِّبَا تبيَّنَ لي / أن الصِّبَا كان موجبَ الطربِ
حظٌّ تولَّى فلستُ أُدرِكُهُ / إلّا بعونٍ من ابنةِ العنَبِ
فهاتِها من شبيبتي بدلاً / أَقْضِ بها بعضَ ذلك الأربِ
صفراءَ مثلَ النُّضَارِ ألبَسَها / مزاجُها لُؤلُؤاً من الحَبَبِ
فأسعدُ االناسِ منْ حوتْ يدُه / ما شاء من لُؤلؤٍ إِلى ذهبِ
صُبَّتْ على حِمْيَرٍ وما انتَهبُوا
صُبَّتْ على حِمْيَرٍ وما انتَهبُوا / بِيضٌ رِقاقٌ وشُزَّبٌ قُبُّ
لُفَّتْ على حيِّهم عجاجَتُنا / والشمسُ غَضٌّ شعاعِها رَطْبُ
جئناهُمُ والسماءُ مُصحِيَةٌ / والأرضُ خضراءُ نبتُها القُضْبُ
فما انثنينا إلّا وجَوُّهُمُ / أكلفُ والشمسُ قانِئٌ غضبُ
لم تَنْجُ منهم إلّا مخَدَّرةٌ / دافعَ عنها الرِّعاثُ والقُلبُ
يا ليلُ طوبَى لمعشَرٍ رقدُوا
يا ليلُ طوبَى لمعشَرٍ رقدُوا / إِلامَ هذا السُّهادُ والكَمَدُ
أمرِي طريفٌ وقِصَّتِي عَجبٌ / طَنَّ بأمرِي وقِصَّتي البلدُ
قد قالتِ الريحُ إذْ رأت سَقَمِي / باللّهِ ما تحتَ ثوبهِ جَسَدُ
وقالتِ النارُ إذْ رأتْ كَبِدِي / تذوبُ عني إليكِ يا كَبِدُ
رقَّتْ لِيَ النارُ والنسيمُ ولا / يَرِقُّ لي مَنْ إليه أستنِدُ
يا ليتَ شِعري وهو المُسِيءُ إِذا / أحسنتُ من أينَ ذلك الحَرَدُ
أَبيتُ أرعَى النجومَ مرتفِقَاً / وهيَ لآلٍ في لُجَّةٍ بَدَدُ
تغيبُ هذي وتلك طالعةٌ / والقطبُ رأسٌ كأنَّهُ وَتِدُ
أكمَهُ ضَلَّ الطريقَ منفرداً / ما عندَهُ من هُداتِه أحَدُ
في فَلَكٍ دائرٍ مَجَرَّتُهُ / نَهرٌ خِلالَ الرِّياضِ يَطَّرِدُ
يا سندي والذي مودَّتُه
يا سندي والذي مودَّتُه / عنديَ رُوحٌ يَحْيا بها الجَسدُ
من ألمِ الظهرِ أستغيثُ ولا / يألَمُ ظهرٌ إليك يَسْتَنِدُ
إيَّاكَ والإرتِقاءَ في سَبَبٍ
إيَّاكَ والإرتِقاءَ في سَبَبٍ / يخونُ كَفَّيْكَ حين تنحَدِرِ
لا بدَّ من همَّةٍ يعيشُ بها ال / مرءُ وإلّا فعيشُهُ كَدِرُ
أما رأيتَ الصحيحَ يُؤلِمُهُ / ما لا يُبالِي بمثلِه الحَذِرُ
ما لي وللحاسدينَ لا بَرِحَتْ
ما لي وللحاسدينَ لا بَرِحَتْ / تذوبُ أكبادُهمْ وتنفَطِرُ
يغتابُنِي عند غيبتي نَفَرٌ / جباهُهم إنْ حضرتُ تنعَفِرُ
ألسنةٌ في مَساءَتِي ذُلُقٌ / يعتادها من مَهابتي حَصَرُ
أنامُ عنهم مِلءَ الجفونِ إِذا / أسهرهمْ في المضاجِعِ الأِبَرُ
يكفيهمُ ما بهم إِذا نظروا / إِلَيَّ مِلءَ العيونِ لا نظروا
تغيظُهمْ رتبِتي وَيكْمَدُهُمْ / جاهي فصفوي عليهمُ كَدَرُ
فنعمةُ اللّهِ وهيَ سابغَةٌ / عندي من الحاسدينَ تنتصرُ
يُعجِبُنِي أنهمْ إِذا كَثُروا / قَلُّوا غَناءً وإِنْ هم كَثروا
قد كذَّبَ الظنَّ صادقُ الخَبَرِ
قد كذَّبَ الظنَّ صادقُ الخَبَرِ / وكنتُ من صِدْقِه على حَذَرِ
يا أرضُ تِيهاً فقد ملكتِ به / أعجوبة من محاسنِ الصُّوَرِ
لا غروَ إِن أشرقتْ مضاجعُهُ / فإِنها من منازلِ القمرِ
أو قَذِيَتْ مقلتي فلا عَجَبٌ / فقد حَثَوا تربَها على بَصَرِي
نارُ الهَوى تسبكُ القلوبَ وبال
نارُ الهَوى تسبكُ القلوبَ وبال / صبرِ عليها تَفاوتُ القيمُ
فثابتٌ في الخَلاصِ منسبِكٌ / وطائرٌ في الخلاصِ منهزِمُ
كُلٌّ لهُ في حبيبهِ أرَبٌ / لو سُئِلوا عن مَداهُ ما علِموا
والحبُّ ما غابَ عنك باطنُه / وما تراهُ فإنَّهُ صَنَمُ
ما أنصفَ الحبَّ من شكاهُ ومنْ / يَشْكُ الهَوى فهو فيه متَّهَمُ
أما رأيت الفَراشَ تأكلُهُ ال / نارُ فيعتادُها ويزدَحِمُ
حاشا لقلبٍ يحلُّ باطنَه / هواكُمُ أن يَمَسَّهُ ألَمُ
يا قاتل الله معشراَ ظلموا ال
يا قاتل الله معشراَ ظلموا ال / حكمة فينا واغمضوا الكتبا
في السحر والكون والعزائم وال / طلسم قد رتبوا لها رتبا
والكيمياء العويص قد لقي ال / ناس بتدبير أمره نصبا
في المعدنيات والنبات ولم / يغادروا معدناً ولا عشبا
حقائق تشبه المجاز وأمثال / يحاكي صدقها الكذبا
حتى إذا ما الحكيم أبصرها / والجاهل الغرّ أمعنا هربا
قالوا ولم يكذبوا ولا صدقوا / قولاً خفيَّ الرموز مضطربا
إنَّ بني الحكمة الشريفة قد / أتاهم الله قدرة عجبا
سخّر أفلاكهم لأمرهمُ / نجومَها السائراتِ والشهبا
وسخر الاربع الطبائع لا / قائم من أمرهم بما وجبا
والمعدنيات والنبات وما / فيه حياة مما نما وحبا
في قولهم تكوين ما طلبوا / إن قلبوا كل شيء انقلبا
قالوا ولا غرو أنهم علموا / إذ عرفوا الأصل فيه والسببا
وأيسرُ الأمر عندهم عملُ ال / فضة إذ يقلبونها ذهبا
وحيّروا الناس في كلامهم ال / غامض حتى تفرقوا شعبا
لكن أتانا الذين هُمُ / من خشية الله جانبوا الريبا
قالوا اجعلوا كل ماله جسد / لا جسداً واريحوا به التعبا
وجسّدوا الشيء ما له جسد / وقد وصلتم وحزتم الأربا
وقرّبوا الأمر فيه وهو إذا / سَهَّلَه الله ربنا قربا
يرزقه الله من يشاء ولم / يلاقِ فيه بؤساً ولا نصبا
نحاسنا تغلنا وزئبقنا
نحاسنا تغلنا وزئبقنا / ما طار في طبخنا عن الثُّفلِ
وهو إذا ابيضّ فضة فإذا / ما احمرّ تبر فرخان من أصلِ
صنوان من واحد إذا امتزجا / في البحر حازا أكرم الفعلِ
والجسد اللين الضعيف هوال / حابس للآبقات بالثقلِ
والروح أباقة لخفتها / تطير في جوها وتستعلي
والناس بالزئبق الغرور وبال / كبريت والأوساخ في شغلِ
قد تركوا النور يستضيء به ال / ساري وساروا في ظلم الجهلِ
الزئبق الأبيض الرقيق إذا
الزئبق الأبيض الرقيق إذا / ما فارق الأرض فهو طيارُ
أبيض ما لم يمسه لهب / أحمر إن مس جلده النارُ
وأمه في مجسّها حجر / لها جنى طيّب وأزهارُ
قشورها أفسدت طبائعها / فهو بغير القشور يختارُ
خزائن الله في دواخلها / تخرج من جوفها وتمتارُ
مطروحة في الطريق هينة / ليس لها في النفوس مقدارُ
وهي إذا أحكمت طبائعها / ملك عزيز الوجود جبارُ
وسرها الظاهر يخفى كما / قد اختفت في العيون أنوارُ
تنينا جائع له ذنب
تنينا جائع له ذنب / يمتصّ منه الغذا إذا سغبا
وهو بذاك الغداء يرضعه / يعود حياً من بعد ما عطبا
كالطفل من ثدي أمه رضع ال / لبان حتى نما وحبا
فراشه ترينا الذي شرب ال / ماء زماناً حتى ارتوى وربا
قد صيّر الماء والهواء له / من بعد أن صعدا هما ذنبا
وإنما النار والهواء هما / غذؤه دائما فيا عجبا
أحلف بالله ما رمزت ولا
أحلف بالله ما رمزت ولا / كتمت شيئا من سر أسراري
الماء والأرض أصل صنعتنا / قد دبرا بالهواء والنارِ
مكشوفة للعيون بارزة / ما حجبت دونها بأستارِ
أوزانها سرّها فإن علمت / فإنّ مثالها بقنطارِ
وإنما صبغها تولّد من / مزاج أركانها بمقدارِ
كالنبت من مائه وتربته / والشمس قد جاءنا بأزهارِ
وأحكم الناس في صناعته / من اقتدى بالمهيمن الباري