المجموع : 5
يا ليتَ لي كالفراشِ أجنحةً
يا ليتَ لي كالفراشِ أجنحةً / أهفو بها في الفضاءِ هيمانا
أدفُّ للنُّورِ في مشارقه / وأغتدي من سناه نشوانا
وأرشفُ القطْرَ من بواكرِهِ / فلا أرودُ الضفافَ ظمآنا
وألثم النَّوْرَ في سنابله / مصفقاً للنسيمِ جذلانا
حتى إذا ما المساءُ ظللني / سريتُ بين الورود سهرانا
أشربُ أنفاسَها وقد خفقتْ / صدورُها للربيع تحنانا
تحلم بالفجر فوق جنَّتها / يموج فيه الغمامُ ألوانا
وبالعصافير في ملاحنها / تهزُّ قلبَ الصباحِ إرنانا
لو يعلمُ الزهرُ سرَّ عاشقه / أفردَ لي من هواه بستانا
فلا تراني العيونُ مقتحماً / سياجَه أو تحسُّ لي شانا
إذاً لغرّدتُ في خمائله / وصغتُ فيه الحياةَ ألحانا
لكنُّه شاء خلقَ مبتدعٍ / من فنِّه العبقريِّ فنانا
أراده شاعراً فدلَّهه / وسامه جفوةً وهجرانا
فليحمِني الحسنُ زهرَ جنَّتهِ / وليقصني العمرُ عنه حرمانا
ما كنتُ لولاهُ طائراً غرداً / ولو جهلتُ الغناءَ ما كانا
إذا ارتقى البدرُ صفحةَ النهرِ
إذا ارتقى البدرُ صفحةَ النهرِ /
وضمَّنا فيهِ زورقٌ يجري /
وداعبتْ نَسمةٌ من العِطرِ /
على مُحيَّاكِ خُصْلةَ الشَّعرِ /
حَسَوْتُها قبلةً من الجمرِ /
جُنَّ جُنوني لها وما أدري /
أيَّ معاني الفتونِ والسِّحرِ /
ثغرُك أوحى بها إلى ثغري /
حُلْمُ مساءٍ أتاحهُ دهري /
غَرّدَ فيه الحبيسُ في صدري /
فنوِّليني فليس في العمرِ /
سوى ليالي الغرام والشِّعْرِ /
إنِّي رأيتُ النذيرَ في الأثرِ /
تطلِقُ كفَّاهُ طائرَ الفَجْرِ /
فقرِّبي الكأسَ واسكبي خمري /
باللّهِ من أنباكْ
باللّهِ من أنباكْ / باللونِ والطعمِ
وما جَنَتْ كفّاكْ / يا غارسَ الكرْمِ
آدمُ أم حوّاءْ / أغراك بالغرسِ
يا شاربَ الصَّهباء / عَلاًّ بلا كأسِ
لو شَرِبا منها / ما نسِيا العهدَا
أو حُدِّثا عنها / ما هجرا الخُلدَا
صهباءُ ما كانتْ / من غرس إبليسِ
بل كرمةٌ زانتْ / خلقَ الفراديس
تسمو بها الأرواحْ / عَن عالم الإِثمِ
شفّافةُ الأقداحْ / في رقّةِ الحُلمِ
الكأسَ والقيثارْ / يا ربَّةَ الحسنِ
يا ربَّة الأشعارْ / غنِّي بها غنِّي
غنِّي بها روحاً / عُلوِيةَ الومْضِ
لو أدركتْ نُوحاً / عشنا بلا أرضِ
عشنا كأحلامٍ / في خاطر الأكوانْ
في عالمٍ سامٍ / لا يعرف الأحزانْ
هاتي اسْقِني هاتي / من دنِّها المختومْ
أنسَى بها الآتي / من عمريَ المحتومْ
تَسَاءَلَ الماءُ فيكِ والشَّجرُ
تَسَاءَلَ الماءُ فيكِ والشَّجرُ / من أين يا كانُ هذه الصُّوَرُ
البحرُ والحورُ فيه سابحةٌ / رُؤىً بها بات يَحْلُمُ القمرُ
أطلّ والضوءُ راقصٌ غَزِلٌ / دعاهُ قلبٌ وشاقه بَصَرُ
يهمسُ فيما يراه من فِتَنٍ / آلهةٌ هؤلاءِ أم بشرُ
يقفز من لجةٍ إلى حجَرٍ / كأنما مَسَّ روحه الضَّجرُ
معربداً لا يريم سابحةً / إلَّا ومنهُ بثغرها أثرُ
من كلِّ حوّاءَ مثلما خُلقَتْ / يعجبُ منها الحرير والوبرُ
أَلْقَتْهُ عنها رقائقاً ونَضَتْ / جسماً تحامى نداءَهُ القدرُ
في حانةٍ ما عَلَتْ بها عَمَدٌ / ولا استوى في بنائها حجَرُ
جُدرانها الماءُ والسماءُ لها / سقيفةٌ والنسائمُ السُّتُرُ
خمَّارُها مُنْشِدٌ وسامرُها / حورٌ تلوَّى وفتيةٌ سكروا
لم تَبْقَ في الشطِّ منهمو قَدَمٌ / قد خوَّضوا في العباب وانتثروا
وشيَّعوا العقل حينما شربوا / ووَدَّعوا القلب حيثما نظروا
والسابحاتُ الحسان حولهمو / كأنهنّ النجومُ والزَّهَرُ
يزيد سيقانهنّ من بَهَجٍ / لونٌ عجيبُ الرُّواءِ مبتكرُ
يضيءُ ورداً وخمرةً وسنىً / ذوبٌ من المغريات مُعتصَرُ
تغاير الموجُ إذ طلعن به / وثار من حولهنّ يشتجرُ
بهنّ يلتفُّ مُرتقىً وَيُرى / ينشقُّ عنهنَّ فيه مُنحدَرُ
منفتلات قدودهُنَّ كما / ينفتل الغصنُ آده الثمرُ
ملوّحات بأذرُعٍ عَجَبٍ / تحذرهنّ النهودُ والشّعْرُ
والضوءُ فوق الخصور منهمرٌ / والماء تحت الصدور مستعرُ
ما زِلْنَ والبحر في تَوَثُّبِهِ / يُرْغي كما راع قلْبَهُ خطرُ
قد جاوز الليلُ نِصْفَهُ فمتى / تؤمُّ فيه أصدافَها الدُّرَرُ
فليصخبِ البحرُ ولتئنّ به / رمالهُ وليثرثرِ الشجَرُ
ولتعصفِ الريحُ فوق مائجه / ولينبجسْ من غمامه المطَرُ
أقسمنَ لا ينتحين شاطئَهُ / وإنْ ترامى بمائه الشررُ
حتى يُرى وهو فضّةٌ ذَهَبٌ / تمازَجَ الليلُ فيهِ والسّحَرُ
لا نجم لا مصباح
لا نجم لا مصباح / يلمع في السهل
قد نامت الأدواح / مقرورة الظل
مطمورة الأشياح / في مهدها الثلجي
هذا شعاعٌ لاح / يخفق في وهجِ
ألحارسُ السهران / قد فتّح البُرجا
يتلو على النيران / أغنيّة الفولجا
واللهب السكران / يرقصُ في نارِه
والنَغمُ الفرحان / يلهو بقيثاره
أطلقتَ إنشادي / يا من تغيّني
قيثارك الشادي / حلو الأرانينِ
يدعو لميعادي / الحبّ والأحلامَ
يا حارسَ الوادي / قد باحت الأنغام
هذا الفتى الممراح / قد أغلقَ البابا
واللهبُ الوضّاح / من خلفهِ غابا
لا نجمَ لا مصباح / يلمعُ من بُعد
لا صوت لا اشباح / إنّي هنا وحدي
يا أملَ العمرِ / يا حُلُمَ العذراء
يا توأمَ الفجرَ / يا ابنَ الصبا الوضاه
يا ملَكَ الحب / إنّي لكَ الليلَه
فاطبَع على قلبي / أو شفتي قُبلَه