المجموع : 6
شُدَّ غُروضَ المطيّ مُغترِبا
شُدَّ غُروضَ المطيّ مُغترِبا / فلم يَفُزْ طالبٌ وما دَأَبا
لا درَّ في النّاس دَرُّ مقتصدٍ / يَأخذ مِن رزقهِ الّذي اِقتربا
يَترك أَن يحمِيَ الذِّمارَ إِذا / ضِيمَ وَيَحمِي اللُّجَيْنَ والذَّهبا
للّهِ دَرُّ الإِباء أعوزه / في جانِبِ الذُّلِّ عزّه فنبا
وَما مُقامُ الكَريمِ في بلدٍ / يُنفق فيه الحياءَ والأَدبا
ما لِي أَرى المَكرُماتِ عاطلةً / وَالفَضلَ خِلْوَ الفناءِ مُجتَنَبا
تفرّقٌ دائمٌ فإنْ عرضتْ / دَنيّةٌ طير نَحوها عُصبا
هَل لِيَ في الدّهرِ مِن أَخي ثِقَةٍ / يَحتَقِرُ الحادثاتِ والنُّوبا
مُمتَعِضِ الأَنفِ إِنْ أهَبْتَ بهِ / شَنَنْتَ في صَحنِ وَجهِهِ الغَضَبا
ربّ مقامٍ دَحْضٍ ثبتُّ بهِ / وَلَو خَطاه غَيرُ الجواد كَبا
وَساعَةٍ لِلعيوبِ كاسيةٍ / نَفَضتُ فيها مِن بُرْدِيَ الرِّيبَا
وَحالِك الجانِبين مُلتبسٍ / أطلعتُ فيه كواكباً شُهُبا
وَأَزْمَةٍ لِلّحومِ عارقةٍ / عَقرتُ في عُقرِ دارِها السَّغبَا
وَمُقْتِرٍ بَرّحَ الزّمانُ بِهِ / سَبَقتُ فيهِ إِلى اللُّها الطّلبَا
وَصاحِبٍ يَمتَرِي النّوافلَ في / ودّي وَلَم يَقتضِني الّذي وجبا
يَرضى بِسُخطِي على الزّمان فإنْ / رضيتُ يوماً عن صرفه غَضِبا
كَأنَّما الضِّغنُ بَينَ أَضلُعِهِ / يُضرّمُ ناراً إِذا أَقولُ خَبا
لايَنْتُهُ كَي يرى الجميلَ ولَمْ / أَنْحَتْ بكفّي من عودِه النَّجَبا
وَكنتُ إمَّا مثقِّفاً خَطلاً / منهُ وَإمّا مُداوياً جَرَبا
وَكَم سَقاني الطَّرْقَ الأُجاج فجا / زيتُ زُلالاً تخاله ضَرَبا
لا تعطنِي بالزّمان معرفةً / قد ضاق بِي مرّةً وقد رَحُبا
أيُّ خطوبٍ لم تشفِنِي عِظَةً / وأَيُّ دهرٍ لم أفنِهِ عَجَبا
ساعاتُ لهوٍ تمرّ مسرعةً / عنّا وتُبقي العناءَ والتَّعبَا
لا تطمعُ النّفسُ أنْ تمتَّعَ بال / آتي ولا تستردَّ ما ذهبا
وَكلّ حَيٍّ منّا يجاذب حَبْ / ل العمرِ أيّامَه لوِ اِنجَذبا
وَكَيفَ يَرجو الحياةَ مقتنصٌ / يُغرم منها ضِعفَ الذي كسبا
إنِّيَ من معشرٍ إذا نُسِبوا / طابوا فروعاً وأَنجبوا حَسَبا
لا يجد الذّمّ في حريمهمُ / مسعىً ولا العائبون مُضطَرَبا
إذا رضوا أوسعوا الورى نعماً / أو سَخِطوا أوْسعوهُمُ نُوَبا
أَو رَكِبوا الهولَ قالَ قائِلهم / أَكرمُنا مَن حياتَه وَهبا
كُلّ جَريءِ الجَنان إنْ هتفتْ / يَوماً بهِ حَومةُ الوغى وثبا
وَمَدّ فيها ذِراعَ قَسْوَرَةً / تَردّ صدرَ القناةِ مُختَضَبا
إِلى مَتى أَحمِلُ الهُمومَ وَلا / أُلفى مَدَى الدّهر بالغاً أَرَبا
تَزْوَرُّ عنّي الحقوقُ مُعرِضةً / مَتى أرُمْهُنَّ فُتْنني هَرَبا
نَهضاً إِلَيها إِمّا علوتُ لها / دَفّىْ ركوبٍ أو مركبا حَدِبا
إنْ لم أثِرْها مثل القطا الكُدْريّ لا / تَعرف إِلّا الرّسيمَ والخَببا
تَنصاعُ مثلَ النّعام جافلةً / تَترك أَقصى مُرادها كَثِبا
فَلا دَعوت الحسينَ يُحرز لِي / حُرَّ المَعالي يَومَ الفخارِ أَبا
قِرْمٌ إِذا حفّت الخطوبُ بهِ / نَزَعْن عن آخذٍ لها أُهبَا
مُجتَمع الرّأيِ بَينَهُنَّ وكَمْ / شعبنَ آراءَ غيره شُعَبا
يَأْبى وَتَأبى له حَفيظتُهُ / يَركَبُ أَمراً إِلّا إذا صَعُبا
أَو يَبتَغي في نَجاحِ حاجَتِهِ / إِلّا ظُبا البيضِ وَالقَنا سَببَا
وَكَم لَهُ مِن غَريب مَأثُرَةٍ / تُعجب من ليسَ يألفُ العَجبا
يَكونُ قَولُ الّذي تأمَّلها / لَيسَ المَعالي ونيلُها لَعِبا
مَكارِمٌ لا تَزالُ غالِبةً / عَلى مَحلّ الفَخارِ من غَلَبا
لا يَرهبُ الواصفُ البَليغ وإنْ / أَفرَط فيها عَيباً ولا كَذِبا
وَأَنتَ في كلّ يومِ معركةٍ / تُمطِر من سُحب نقعها العَطَبا
إِمّا جبيناً بالتُّرب منعفراً / أو وَدَجاً بالنَّجيع مُنسكبا
أَو لِمَّةً نشَّرَتْ غدائرُها / على نواحِي قناتها عَذَبا
لَولاك كانت جدّاءَ حائلةً / تُمسحُ أخلافُها ولا حَلَبا
وَمِن عَجيبِ الزّمان أَن يدّعي / شَأْوَك فَسْلٌ لم يعدُ أن كَذِبا
لَم يَدرِ وَالجهلُ من سجيّتِهِ / أَنَّكَ أَحرزتَ قبله القَصَبا
وَأَنَّهُ لا يَكون رَأساً على ال / أَقوامِ مَن كانَ فيهمُ ذَنَبا
وَوصمةٌ في الرّجال أن يطأوا / عَقْبَ اِمرِئٍ كان بينهم عَقِبا
أَو يَتبعوا ساعةً مِنَ الدّهرِ مَن / كانَ لِمَن شئتَ تابعاً حَقِبا
وَإِنْ جرَوْا كنتَ أَنت غُرّتَهم / سَبْقاً وَكان الحِزام واللّبَبَا
وَقَد دَرى كلُّ مَن لَهُ بصَرٌ / أَنّك سُدتَ العجيم والعَرَبا
وَقُدتهمْ ناشئاً ومنتهياً / ونُبْتَ عنهم تكهّلاً وصِبا
وإنْ دَجَوْا كنت فيهمُ قبساً / أَو خَمدوا كنتَ فيهمُ لَهَبا
وَإِن عَلا بَينهم تَشاجُرهمْ / سَللتَ لِلقولِ مِقْوَلاً ذَرِبا
يَأتي بِفَصلٍ مِنَ الخِطابِ لَهمْ / يَقطعُ ذاكَ اللّجاجَ والللّجَبا
كَلَهْذَمِ الرّمحِ عِندَ طَعنَتِهِ / وَالسّهم أصْمى والسّيف إن ضربا
وَكُنت فيهم ممّن يحاوِلهمْ / حِصناً حصيناً ومَعْقِلاً أَشِبا
إنْ كنتَ بالعفوِ ليس تعذُرنا
إنْ كنتَ بالعفوِ ليس تعذُرنا / فلا اِعتذارٌ مِنّا إلى أحَدِ
والعبدُ علماً بحلمِ سيّدِهِ / يُذنِبُ عمداً وغيرَ مُعتمِدِ
ما حُجّتِي عُدّتِي لكن تغا / ضيك عن المذنبين من عُددِي
يا راكباً بلّغِ السّلامَ إذا / شُمتَ خياماً شطّتْ على بُعُدِ
وقلْ لفخرِ الملوكِ قاطبةً / مِنْ والدٍ قد مضى ومن ولَدِ
ومن حباهُ الإِله منزلةً / كم طلبوها فلم تُنَلْ بيدِ
عبدُكَ جَلْدٌ على الخطوبِ ومُذْ / نأَيْتَ عنه أضحى بلا جَلَدِ
يُطرِقُ مستوحشاً لما فاته / منك وما بالأجفانِ من رَمَدِ
قد سار قلبِي لمّا ارتحلتَ وما / خانَ وإن كان خانه جَسَدِي
إنِّيَ يا ذا الجلالتين وقد / خُلّفتُ عنكمْ كُرْهاً ولم أرِدِ
كخائفٍ في بلادِ مَضْيَعَةٍ / مستترٍ بالظّلامِ منفردِ
أو حاملٍ والظّماءُ يُحرقُهُ / بعد مَعينِ عَذْب على ثَمَدِ
يا كَثَبِي منه عُدْ عليَّ ويا / بُعْدِي باللّهِ قطُّ لا تَعُدِ
وقُلْ لحسّاد ما خُصصتُ بهِ / ردّوا زمانِي وَاِستَأنفوا حَسَدِي
وَاِبقَ لَنا في ظِلالِ مَملكةٍ / أَعزَّ عزّاً مِن جانبِ الأسدِ
وَليهنِك المِهْرَجانُ متَّئداً / بما ترجّى وغير متّئِدِ
يَمضِي وَيَأتِي منه لنا خَلَفٌ / وأنتَ باقٍ لنا على الأبَدِ
وَعَن قليلٍ أَزورُ مِن بَلَدِي / دارَك معمورةً على بَلَدِ
وَلَيسَ يَحتاج في الوصولِ إلى / آمِدَ مفتوحةً إلى أمَدِ
جرّعنِي حُبّه وباعدني
جرّعنِي حُبّه وباعدني / فلم أنلْ وصلَه ولم أكدِ
وزارني قبل أنْ تملّكنِي / فصرتُ عبداً له فلمْ يَعُدِ
يضحكُ عن لؤلؤٍ فإن يكن ال / لؤلؤ ذا صُفرةٍ فعَنْ بَرَدِ
ولستُ أرضى تشبيهَ لُقيَتِهِ / بساعةِ الأمنِ أو جنَى الشَّهَدِ
من كَلَفِي أنّنِي مررتُ به
من كَلَفِي أنّنِي مررتُ به / فلم يَعِرْني من طَرْفِهِ طَرَفا
وكدتُ لَمّا رأيتُ غِلظَتَهُ / أُنْجِعُ جسمي بمهجتي أَسَفا
قَد قادَني حُسنُه إليه كما / قاد اليمانون جِلَّةً شرَفا
فقلت رفقاً فلستَ أوّلُ مَن / لاذ مُسيءٌ بعفوه فعفا
إنْ كنتَ يا عمرو قد أسأتَ فقد
إنْ كنتَ يا عمرو قد أسأتَ فقد / رأيت فيك العدوَّ محتكما
في ساعةٍ لو رآك في يده / أقسى عدوٍّ لرقّ أو رحما
قُتِلتَ بالذُّلِّ والمهانةِ وال / قتلُ مريحٌ إذا أسال دما
فإن تعشْ برهةً فأنت بما / رُمِيتَ مَيْتٌ لم تسكن الرَّجَما
وإنْ تكن ناجياً من الموتِ فال / موتُ مُنى مَن يعالجُ السَّقما
لم تنجُ منه كما علمتَ ومَنْ / سلّمه الإتّفاقُ ما سلما
شُلَّتْ يدا من رمى فلم تُصمك الر / رَميةُ لمّا لم يدر كيف رمى
إنّ الأُلى في صدورهمْ حَنَقٌ / لم تعفُ آثارُهُ ولا اِنصرما
همّوا ولم يفعلوا لعائقةٍ / وفاعلٌ للأمور مَن عزما
ألَمَّ سوءٌ وما أتمَّ وكمْ / أنشبَ أظفارَه وما عدما
فاِخشَ لها عودةً فجارمُها / صَبٌّ بها ليس يعرف النّدما
إنّ الّذي أنت غُنْمُ بُغْيتِهِ / ما ظَفِرتْ كفُّهُ وما غنما
وَقد قَضى اللَّهُ أن يزيل لنا / نعمةَ من ليس يشكر النِّعما
ما شكّ قومٌ قُذِفتَ وسْطَهُمُ / أنّ جنوناً بالدّهر أو لمَمَا
أخَفْتَنِي ثمّ ما أمنتَ فلا / يأمن منّا من خاب أو نَدِما
فقل لقومٍ غُرّوا بفتنتِه / إِنّ أديماً دبغتُمُ حَلُما
ظننتُمُ أنّه ينير لكمْ / فَزادكم فَوق ظُلمةٍ ظُلَما
وَإِنْ أبَيْتُمْ إلّا عِبادَتَه / فقد رأينا من يعبد الصَّنمَا
وقلتُمُ إنّه أخو كرمٍ / وَما رَأينا فيكم لَه كَرما
وقال قومٌ أعطى فقلتُ لكمْ / إِنْ كانَ أَعطى فطالما حرما
قد ثلم الدّهرُ ما بناهُ لكُمْ / وتاب ممّا جناه واِجترما
فلا تروموا مثلَ الّذي / كان فذاك الشّبابُ قد خُرِما
بالجِدِّ نلتُ الّذي بلغتُ ولم / تعملْ إليه كفّاً ولا قدما
ولا أساسٌ لما بنيتَ فما / نُنكر منهُ أَن زال واِنهدما
فَقد سَئِمناك والمدى كَثِبٌ / ومن ثَوَى الرّيفَ جانَبَ السَّأَما
وإنْ تُصَبْ بالرّدى فليس ترى / دمعاً لعينٍ عليك مُنسَجِما
وَإِنْ تَغبْ فالّذي به غُصَصٌ / منك بواقٍ يقول لا قَدِما
فَلا سَقى اللَّهُ وادياً حلّه الس / سوءاتُ لمّا حللتَه الدِّيَما
ولا هَناك الّذي أتاك ولا / أمنتَ فيما جنيتَه النِّقَما
وَماءُ قومٍ حلَلتَ بينهُمُ / لا كان عَذْباً لهمْ ولا شَبما
فلا يَرُعني منك الوعيد فما / زلتُ أُولِّيهِ مِنّيَ الصَّمَما
ومَن ترى أنّني أهاب أذىً / فمبصرٌ في منامه حُلُما
سَلْ عَن صُخوري مَن كان يقرعها / وَعن قناتي اِمرءاً لها عَجَما
فلم أكنْ شحمةً لمُزْدَرِدٍ / كلّا ولا مضغةً لمن ضغما
قد كنتُ سيلاً وكنتمُ وَهَداً / وكنتُ ناراً وكنتمُ فحما
للَّه قَومٌ رأيتُ قبلك فو / ق العرش من هذه البِنا جُثُما
كانوا بسِلمٍ إنْ سادَ في حومة ال / حربِ أسودٌ إِفراسةً حَطما
لم يك فيهمْ ولا لهمْ أحدٌ / خالٍ بسوءِ الفِعالِ متَّهما
من كلِّ قَرْمٍ يشفي إذا شهد ال / حومةَ بالبِيض والقنا القَرَما
يرهب في عرضة الملام ولا / يرهب يوماً في جسمه الألما
كأنّني بالخيول ثائرةً / مُعجَلَةً أنْ تَقَلَّدَ اللُّجُما
مثلُ الدَّبا إذْ يقول مبصرها / شلَّ اليمانون بالقنا النَّعَما
وفوقهنّ الكماةُ حاملةٌ / سُمْراً طِوالاً وبُتَّراً خُذُما
لم ينثروا بالسّيوفِ مصلتةً / في الحربِ إلّا الأجسادَ والقِمما
فلا غَبَت منِّيَ المعارِضُ فالت / تعْريض مثلُ التّصريحِ إنْ فُهِما
وربّما ساعد اللّسان فلمْ / أحبسْ لساناً عن نطقه وفما
فطالما لم يخفْ رجالٌ من ال / أَسْيافِ كَلْماً وحاذروا الكَلِما
خذها ومن بعدها نظائرها / فلستُ للصّدق فيك مُحتشما
فأغبنُ النّاسِ كلِّهمْ رجلٌ / هاج لساناً أو نَبَّهَ القَلما
وَسَّدني كفَّهُ وعانقني
وَسَّدني كفَّهُ وعانقني / ونحن في سَكْرَةٍ من الوَسَنِ
وبات عندي إلى الصّباح وما / شاع اِلتقاءٌ لنا ولم يَبِنِ
خادعني ثمّ عَدّ خُدْعَتَه / لمُقْلَتِي منَّةً من المِنَنِ
فليت ذاك اللّقاءَ ما زال أوْ / ليتَ خيالاً في النّومِ لم يَكُنِ
وزارني زَوْرَةً بلا عِدَةٍ / وما أتى وقتُها ولم يَحِنِ
فإِنْ تكنْ زَوْرَةً موهّمةً / فقد أَمِنّا فيها الظِّنَنِ
وإنْ تكن باطلاً فكم باطلٍ / عاش به ميّتٌ من الحَزَنِ