المجموع : 11
أصبحتُ جذلانَ طيّبَ العَرَبَهْ
أصبحتُ جذلانَ طيّبَ العَرَبَهْ / والكأسُ تهدي إلى الفتى طربَهْ
وذي دلالٍ كأنّ وَجْنَتَهُ / من خَجَلٍ بالشّقيقِِ مُنْتَقِبَهْ
في حِجْرِهِ أجوفٌ له عُنُقٌ / نِيطَتْ بظهرٍ تخالُهُ حَدَبَه
يمُدّ كفّاً إليه ضاربةً / أعناقَ أحزانِنا إذا ضرَبَه
تحسبُ لفظاً بأختها نغَماً / ويودعُ المسمعينَ ما حسبَه
قلتُ ألا فانظروا إلى عجبٍ / جاءَ بِسِحرٍ فأَنْطقَ الخَشَبَه
وقهوَةٍ في الزّجاجِ تحسبُها / شُعْلَةَ برقٍ في الغيم ملتهبَه
كأنّما الدهرُ من تَقادمِها / أوْدَعَ في طول عمرها حِقبَه
ماءُ عقيقٍ إذا ارتدى زبداً / حَسِبتَ دُرّاً مجُوّفاً حَبَبَه
يُسْكِرُ من شَمّهُ بسَوْرَتِهِ / فكيف بالمنتشي إذا شربَه
وذي حنينٍ تحنّ أنفُسُنا / إليه مُنقادةً ومنجذبَه
يُفْشِيهِ ذو حكمةٍ أناملُهُ / منَغّماتٌ بِزَمْرِهِ ثُقَبَه
يرسلُ عن منخريه من فمِهِ / ريحاً لها نغمةٌ من القصَبَه
كأنّ ألحانَهُ الفصيحةَ منْ / صريرِ بابِ الجنانِ مُكْتَسَبَه
يا لَيلَةً فُزْتُ إذْ ظَفرتُ بها
يا لَيلَةً فُزْتُ إذْ ظَفرتُ بها / لأنْتِ صَفْوُ الحَياةِ لو دُمْتِ
هزَمتُ فيك الهمومَ فانْهَزَمَتْ / بكرّ شُقْرِ الكؤوس والكُمْتِ
وكادَ لَيلي يكون من قِصَرٍ / غَيرَ زَمَانٍ مجدّد الوقتِ
يا لَيْلَ هَجرِ الحَبيبِ طُلْتَ على
يا لَيْلَ هَجرِ الحَبيبِ طُلْتَ على / صبٍّ من الشوق دائمِ البَرحِ
بِحُمْرَةٍ في الجُفُونِ تحسبها / نَدَرْتُهَا في الفُؤادِ عَن جرحِ
هل جَمدَ البحرُ من دجاكَ فما / ينتقلُ الحوت فيه بالسّبْحِ
أم حدثَت حَيْرَةٌ مواصلة / في الجوّ بَينَ البُطَيْنِ والنّطحِ
لو كنت ليل الشبابِ بتّ إلى ال / صبحِ من الشيب طائرَ الجُنْحِ
لو كنت ليل الشبابِ فُتُّ ولم / تَدّرِكِ النّاظِرِينَ باللّمحِ
متى أرى كلكلاً بركت به / يَطْعَنُ فيه السِّماكُ بالرّمحِ
وللثّرَيا جناحُ قاطِعَةٍ / بالخفق منه مسافةَ الجُنحِ
وأشهبُ الصبح في إغارته / يستاقُ ما للنّجومِ من سرحِ
فاطوِ رواقَ الظّلامِ عن أُفُقٍ / تُنْشَرُ فيه مُلاءَة الصبحِ
صِحّاتُنَا بالزَّمانِ أمْرَاضُ
صِحّاتُنَا بالزَّمانِ أمْرَاضُ / وَدَهْرُنا مُبْرِمٌ وَنَقّاضُ
وَللّيالي في صَرْفِها عِبَرٌ / فهْيَ سهامٌ ونحن أغْراضُ
أَجلُو عَرُوساً بخدّها خَجَلٌ
أَجلُو عَرُوساً بخدّها خَجَلٌ / كالورد لوناً ونشرها عَبِقُ
كأنّما كوكبٌ يصافحني / مُجَوَّفُ الجسم روحُهُ شفَقُ
حمراءُ مشمولةٌ لها عُمُرٌ / في طَرَفٍ منه دَهْرُهَا غَرِقُ
أسألها حُمْرَةَ العقيق فلي / من لؤلؤٍ بعد شربها عرقُ
راحٌ أضافتْ إلى دَمي دَمَها / طبائعٌ في المزاج تَتّفِقُ
وللثّرَيّا يدٌ مُخَتَّمَةٌ / منها بناناً خضابُها الغَسَقُ
كأنّها والصباحُ يقطفها / عنقودُ نَوْرٍ له الدّجى ورقُ
وفَحمَةُ اللَّيلِ كلَّما اعتَرَضَتْ / ألْهَبَ فيها اتّقادَهُ الفلقُ
عَجِببُ من مُحْرِقٍ ومحترِقٍ / لا فحمةٌ منهما ولا حرقُ
ما صدّ عنّي بوجهِهِ ولَها
ما صدّ عنّي بوجهِهِ ولَها / إلا لأزدادَ في الهوى وَلهَا
رِئْمٌ إِذا ما تَغَزّزَتْ أُسُدٌ / عاجلَهَا دلُّهُ فَذَلَّلَها
راشَ بسحرٍ سهامَ مُقْلَتِهِ / بالحِمامِ المريجِ نَصّلَها
كَأَنَّما جَنَّةٌ بِوَجنَتِهِ / وَبِالعذار يكونُ جَدولها
كأنّما مَدّ هُدْبَ مُقْلَتِهِ / صَوناً لَها ظِلُّهُ فَظلّلها
كأنَّما انسابَ من ذَوائِبِهِ / سودُ أَفاعٍ عَلَيَّ أَرسَلَها
أَو دَبَّ بِالحسنِ فَوقَ عارِضِهِ / نَملٌ أَصابَ المدادُ أَرجُلَها
هُبّوا فقد رَحّلَ الدّجى ظُلَمَهْ
هُبّوا فقد رَحّلَ الدّجى ظُلَمَهْ / وأقبلَ الصّبحُ رافعاً عَلَمَهْ
كزَاحفٍ أقبلتْ كتائبُهُ / هازِمةً في اتباع مُنْهزِمه
كأنّ في كفّه حسامَ سناً / ما مسّ من حندس به حَسَمَه
كأنّ ليثَ النجوم ريعَ بهِ / فهو من الغرب داخلٌ أجمه
ونفحةُ الزّهر شمُّها عَبِقٌ / وريقةُ الماء بالصَّبا شَبِمَه
ومَعْبَدُ الطير وهو بلبُلها / مُرَجِّعٌ في غصينه نَغَمَه
كأنّما الليلُ أدهمٌ رَفَعَتْ / عن غُرّةِ الصّبْح راحةٌ غُمَمَه
كأنّما الشمسُ جمرةٌ جَعَلَتْ / تحرقُ من كلّ ظلمة حممَه
خُذوا من الكَرْمِ شَرْبةً وَصَفَتْ / للشَّربِ ريّا نَسِيمُها كَتَمَه
كأنّما الدّهرُ في تصرفهِ / أودَعَ في الطولِ عمرها قِدَمَه
تريكَ ياقوتةً مُنَعَّمَةً / عن لؤلؤٍ في الزّجاجِ مُبْتسِمه
كأنّما للمُنى بها شَفَةٌ / فَهْيَ بكلّ الشفاهِ مُلْتَثَمه
فالعيشُ في شربها مُعَتَّقةٌ / بسكرها في العقول محتكمه
على غناءٍ بعودِ غانيَةٍ / يُجْري عليها بنانُها عَنَمه
لسانُ مضرابِها ترَى يَدَها / له فماً ليتني لثمتُ فَمَه
وشادِنٍ في جفونه سَقَمٌ / كأنّني عنه حاملٌ ألمَه
ودّعنا في سلامِهِ عَجِلاً / ففرّقَ الشملَ عندما نَظَمه
كانت وقوفاً بنا زيارتُهُ / كوَاضِعٍ فوق جمرَةٍ قَدمَه
كأنّ ليلَ الوصالِ من قِصَرٍ / في فَلَقِ الصبحِ أدْغمَ العَتَمَهْ
يا أيّها المعرضُ الذي رَقَدَتْ
يا أيّها المعرضُ الذي رَقَدَتْ / أجفانُهُ عن سهاد أجفاني
للسحرِ عَيْنٌ سبحانَ خالقِها / وأنتَ من خَلْقِهِ بها رانِ
يا ثانيَ البَدْرِ في تَكامُلِهِ / ها أنا في القَسْمِ للسُّها ثانِ
يَهْدِمُ دارَ الحياةِ بانيها
يَهْدِمُ دارَ الحياةِ بانيها / فأيّ حيّ مُخَلَّدٌ فيها
وإن تَرَدّتْ من قبلنا أُمَمٌ / فهي نفوسٌ رُدّتْ عواريها
أما تَراها كأنّها أجَمٌ / أسوَدُها بيننا دواهيها
إنْ سالَمَتْ وهي لا تسالمنا / أيّامُنا حارَبتْ لياليها
وَاوَحْشَتَا من فِراقِ مُؤنِسَةٍ / يميتني ذكْرُهَا ويحييها
أذكرها والدموعُ تسبقني / كأنّني للأسى أجاريها
يا بحرُ أرخصتَ غير مكترثٍ / مَنْ كنتُ لا للبياع أغليها
جوهرةٌ كان خاطري صَدَفاً / لها أقيها به وأحميها
أبَتّها في حشاك مُغْرَقَةً / وبتُّ في ساحليك أبكيها
ونفحةُ الطيبِ في ذوائبها / وصبغةُ الكحل في مآقيها
عانَقَهَا الموجُ ثمّ فارقَها / عن ضَمّةٍ فاضَ روحها فيها
ويلي من الماءِ والتراب ومن / أحكامها ضِدّيْن حُكّمَا فيها
أماتَها ذا وذاكَ غَيّرَها / كَيْفَ من العُنْصُرَيْن أفديها
مُصْفَرَّةُ الجسم وهي ناحلةٌ
مُصْفَرَّةُ الجسم وهي ناحلةٌ / تستعْذِبُ العيشَ معْ تَعَذّبِها
تطعنُ صدرَ الدجى بعاليةٍ / صنوبريٌّ لسانُ كوكبها
إن تَلِفَتْ روحُ هذه اقتسمَتْ / من هذه فضلةً تعيشُ بها
كحيّةٍ باللّسانِ لاحسةٍ / ما أدرَكتْ من سوادِ غيهبها
نفوسُنا بالرّجاءِ مُمْتَسَكَهْ
نفوسُنا بالرّجاءِ مُمْتَسَكَهْ / والموتُ للخلق ناصبٌ شَرَكَهْ
تبرمُ أجسامنا وتنقضها / طبائعٌ في المزاج مشتركه
لولا انتشاقُ الهوا لمتّ كما / تموتُ مع فَقْدِ مائها السمكه
نُنْشأُ بالبعث بعد ميتتنا / أما يُعيدُ الزجاجَ مَن سبَكه
ما أغفلَ الفيلسوف عن طُرُقٍ / ليستْ لأهل العقول منسلكه
مَن سَلّمَ الأمرَ للإله نجا / ومن عدا القصد واقعَ الهلكه