المجموع : 8
يا بالِغاً من بَلاغَةِ العربِ
يا بالِغاً من بَلاغَةِ العربِ / أَقصى الأَماني ومُنتهى الأَربِ
وَيا بَليغاً حوَت بلاغتهُ / دُرَّ المَعاني وجَوهر الأَدبِ
وَيا إِماماً سَمت فصاحتُه / قيساً وَقُسّاً في الشعر والخُطبِ
ما الراحُ في صَفوها ورقَّتِها / مفترَّةً عن مَباسِم الحَبَبِ
وَلا العَروسُ الكعابُ ضاحكةً / تبسمُ عن لؤلؤٍ من الشَنبِ
أَشهى وأَبهى من نظم قافيَةٍ / أَهدَيتَها للمحبِّ من كثَبِ
أَفادَت النَفسَ من مَسرَّتِها / ما لَم تُفدهُ سُلافةُ العِنبِ
أَلبستَها نظمكَ البَديعَ وَقَد / وافت بليلٍ عِقداً من الشُهبِ
فبتُّ منها في نَشوةٍ عجَبٍ / مُغتَبِقاً للسرورِ والطَربِ
وَفزتُ منها بوصلِ غانيَةٍ / ترفلُ في حُلَّة من الذَهبِ
فأَيُّ قَلبٍ لم تولهِ طَرباً / وأَيُّ عَقلٍ دَعتهُ لم يُجبِ
ضمَّنتَها العذرَ فاِستلبتَ بها / فُنونَ همٍّ من قَلبِ مُكتئِبِ
إن لم تُجب دَعوَتي فأنتَ فَتىً / يَملأ دلوَ الرِضا إلى الكَربِ
سبحانَ مُوليكَ فِطرةَ اللَعب / بالنَظم والنَثر أَيّما لَعبِ
دمتَ من العيش في بُلَهنيةٍ / تجرُّ أَذيالها مَدى الحِقَبِ
قَد طَلَعَ البَدرُ في كواكبهِ
قَد طَلَعَ البَدرُ في كواكبهِ / كالمَلك يختالُ في مواكِبهِ
وَاللَيلُ يَسعى به إِلى أَمَدٍ / كالطرفِ يَستنُّ تَحتَ راكِبهِ
لا تَحسب الراح أَورثَت يَدهُ
لا تَحسب الراح أَورثَت يَدهُ / من سوئِها رعشَةً لها اِضطربا
لكنَّه لا يَزالُ يَلمسُها / فالكفُّ تهتزُّ دائماً طَرَبا
لا تَقل البَدرُ لاحَ في الغَسَقِ
لا تَقل البَدرُ لاحَ في الغَسَقِ / هَذا سوادُ القُلوب والحَدقِ
إِنسانُ عَيني بدا بأَسودِها / فَعادَ لي إِذ رمقتُه رَمَقي
يا لابِساً للسَواد طبتَ شَذاً / ما المسكُ إلّا من نشرِك العَبِقِ
لبستَ لونَ الدُجى فسُرَّ وقد / أَغرتَ ضوءَ الصَباحِ في الأُفقِ
حتّى بَدا فيه وهو مُنفَلقٌ / يشقُّ ثَوبَ الظَلام من حَنَقِ
من أَودَع الراحَ والأَقاحَ فمَك
من أَودَع الراحَ والأَقاحَ فمَك / ومن أَعار الصَباح مُبتَسمَك
أَصبحَ من قد رآك ملتثماً / يتيه سُكراً فكيف من لَثمَك
لَو أَنصفتك الحسانُ قاطبةً / أَصبحتَ مولىً وأَصبحَت خَدمَك
قالوا حَكى فرقَك الصَباحُ وَلَو / حُكِّمتُ فيهِ أَوطأتُه قَدَمَك
يا مقسِماً أَن يُذيبَني كلَفاً / حسبُك أَبررتَ بالجَفا قَسمَك
وأَنت يا طرفَه السَقيمَ أَما / تكفُّ عن ظُلم غير من ظَلَمَك
سلبتني صَبري الجَميلَ وَما / كفاكَ حتّى كسوتَني سَقَمَك
لا طرقتكَ الخطوبُ والعِلَلُ
لا طرقتكَ الخطوبُ والعِلَلُ / ولا اِعتراكَ الفتورُ والكسلُ
حاشاك من عِلَّةٍ ومن كسلٍ / ما اِعتلَّ إلّا الرَجاءُ والأملُ
يا ماجِداً بالفَخارِ متَّسِماً / دانت له الشامخات والقُلَلُ
وَلاح نجمُ الهُدى بطلعتِه / فاِتَّضحَت من ضيائِه السُبُلُ
أَنتَ الَّذي حزتَ كلَّ مكرمةٍ / بها مدى الدَهر يُضربُ المثلُ
فاِسلم ودُم راقياً ذُرى شَرفٍ / تقصرُ عنها البوازلُ الطُوَلُ
واِبقَ موقّاً من كُلِّ حادثةٍ / وَغصنُك الدهرَ مورقٌ خَضِلُ
عارضُه السندسِيُّ من رقمه
عارضُه السندسِيُّ من رقمه / وَثغرُه اللؤلؤيُّ من نظمَه
ومن كَسا الأُرجوانَ وجنتَه / وأَكسبَ الأقحوانَ مبتَسمَه
ومن أَعار الصباحَ طلعَتَه / فَلاحَ يَجلو عَن أفقه ظُلمَه
وأَرقَم الصدغَ والعذارَ على / صفحةِ خدّيه من بَرى قلمَه
محجَّب إِن بَدَت محاسنُه / هفَت عليه القُلوبُ مُزدحمَه
لَو لَم يكن في صِفاته علماً / ما نشر الحسنُ فوقَه عَلمَه
لَم أَنسَ إِذ زارَني بلا عِدَةٍ / في لَيلةٍ بالسعود مبتسِمَه
فبتُّ فيها بالوصل مُبتَهِجاً / وأَنفُسُ الكاشحين مضطرمَه
وَلَم يزل والمُدامُ يَعطفُهُ / عليَّ عطفاً حتّى لثمتُ فمَه
فَذقتُ ماءَ الحياة من بَرَدٍ / لم يَخشَ فقدَ الحياة من لثمَه
وَبات والسكرُ قد أَطاف به / يُظهر لي من هَواه ما كتمَه
حتّى بَدا الصبحُ فاِنثَنى عجلاً / لَم يشِ واشٍ به ولا اِتَّهمَه
أَقسمُ باللَيلِ من ذوائِبه / والصبحِ من فرقه إذا قَسمَه
ما طابَ بعد اِستماع منطقِه / لِمَسمَعي من مُحاوِرٍ كَلِمَه
سوى كَلامٍ لسيِّدٍ سندٍ / حازَ العُلى والفخارَ والعظمَه
لا سيَّما شِعرهُ الَّذي اِطَّردَت / أَبياتُه بالبيان منسجمَه
كأَنَّه الدرُّ ضمَّه نسَقٌ / أَو الدراري في الأُفق مُنتظمَه
إِن يُصغ يوماً إليه ذو صَمَمٍ / أَزالَ عنه بلطفه صَمَمه
يا سيِّداً جلَّ قدرُه فسمت / صفاتُه بالكَلام متَّسِمَه
وَيا شَريفاً حلَّت شهامتُه / بكلِّ مجد ومفخرٍ شيمَه
شنَّفتَ سَمعي بنظم قافيةٍ / لَو باهَت الدرَّ أَرخَصت قيمَه
فَلا عَدمنا بلاغة نسقَت / منه المَعاني وأَبدعت حِكمَه
لا زلتَ في عزَّة وفي دعةٍ / وصولةٍ من عِداك مُنتقمَه
ما أَودَع السحر في بلاغته / وضمَّن الدرّ شاعِرٌ كلِمَه
لمّا جَنى الطرفُ وردَ وجنتِهِ
لمّا جَنى الطرفُ وردَ وجنتِهِ / عذَّب قَلبي بنارِ هجرانِ
فَقُلتُ قد جرتَ يا فديتُك بي / عذَّبتَ قَلبي وطرفيَ الجاني