ما قال أَوَّهْ لفقده واهَا
ما قال أَوَّهْ لفقده واهَا / كمستريحٍ لقوله آهَا
تَبَرَّمُ النفِس من بلابلها / يُفْسد إقرارَها ودعواها
إن يَحْجُبوا وصلَها فما حجبوا / عنِّي سُرَى طيفها وذكراها
بعيدةُ الدّار وهي دانيةٌ / منّي على بعدها ومَنْآها
في ناظر القلب شخصُ مَرْآها / وفي صميم الفؤاد مَثْوَاها
غَرّاء للِّدعْصِ مِلءُ مِئْزَرِها / وللقضيب الرَّطيب أعلاها
أعارِت الراحَ لونَ وجنتها / وطَبْعَ ألحاظها ومعناها
فالخمرُ لو لم تكن كمقلتها / في الطّبْع ما أسكرتْ نَدَامَاها
وليلةٍ بتُّها على طَرَبٍ / آخِرُها مُشْبهٌ لأُولاها
أُقبِّل البرقَ من تَرائبها / وألْثَمُ الشمسَ من مُحيّاها
سَقَتْنِيَ الرّاحَ وهي خدّاها / بأكؤس اللّحظ وهي عيناها
إذا أرادت مزاجها جعلت / بآخر اللحظ في فمي فاها
فيا لَها قهوةً معتّقةً / وليس إلاّ الخدودَ مأواها
حَبابُها الثَّغْرُ حين تُمْزَجُ لي / ونَقْلُها اللَّثْمُ حين أُسْقَاها
تخالُها الشمسَ في تَلأْلُئها / لا بل تخالُ الشموس إيّاها
سَل الصِّبا والأنامَ عن شِيَمي / والمجدَ عن راحتي وجَدْواها
ألستُ أُعطِي العُلاَ حقائقها / منّي وأُجرى اللّذّاتِ مُجْراها
وإن تَدِب الخُطوبُ جامحةً / لَقِيتُها لا أخاف عُقْباها
ومن عيون الظِّبا تَسْحَرُني / أضعفُها لحظةً وأضناها
ولستُ أَرضَى من الأمور بما / لا أجد المكَرْمُات ترضاها
واسمَعْ فعندي من كلّ صالحةٍ / ألطَفُ أسرارِها وأخفاها
لا أدّعي الفضلَ قبل يشهدُ لي / به أداني الدُّنَا وأقصاها
ولا أرى لي على الصديق يداً / تُفْسِدُ إنعامَها بنُعماها
من أصطفاني بودّه فله / عندي يَدٌ كالجبال صُغراها
لله أيّامُنا التي سَلَفتْ / بدار حُزْوَى ما كان أحلاها
فالقَصْرِ من صيرة الملوك إلى / أعلى رُباها إلى مُصلاّها
إذ نَجْتَنِي اللهو من أصائِلها / والعزَّ من فجرها ومَغْداها
إن عَرَضَتْ لذَّةٌ مَلكناها / أو صَعُبت خُطَّة حَوَيناها
أو يممَّتْنا تروم نُصْرتنا / صارخةٌ باسمنا حَميْناها
وإن رَمتْنا الخُطوبَ عن عُرُضٍ / فاضَ نزارٌ لها فَجلاّها
المُطْفئ الحرب كلّما أضطرمتْ / وفارسُ الخيل حين يَلقاها
كأنّما الدهرُ من مخافته / يُعَلّ بالخَمر أو حُمَيّاها
بذَّ الملوكَ الألى فغادَرها / تَذُمّ سلطانَها وعَلْياها
قَصّر عنه اقتدارُ قيصرها / وجاز سَابُورَها وكِسْرَاها
وفات فَيْرُوزَها ورُسْتَمَها / وزاد عزًّا على جُلُنْدَاها
لكلّ مَلْكٍ من الورَى شَبَهٌ / وما أرى للعزيز أشْباها
أقول يا مالكَ الملوك ولا / أقول في مدحه شَهِنْشاها
سعى وطال النجومَ مَبتَدِئاً / بهمّةٍ يَستقلّ مَسْعاها
نفسٌ كأنّ السماءَ مسكنُها / وهِمّةٌ كالزمان أدناها
لم يَسَعِ الدّهرُ حين حلّ به / صُغْرَى عُلاَه فكيف كُبْرَاها
خلافةٌ أصبح الزمانُ لها / مسْتخَدم السَّعْي مذ تولاّها
تَنْهاهُ عن بطشه وتأمرُه / وليس يَسْطِيعها فيَنْهاها
يا مَلِيكاً يفخَر الفَخَارُ به / منَّا على حيّها ومَوْتاها
وتستقِلّ الملوك عِزّتَها / إذا رأتْ عزّة ودنياها
ولو تبدّت لها سجيّتُه / ما حمَدتْ بعده سَجَاياها
لو أمَّهُ من عُفاته أحَدٌ / يقول هَبْ لي عُلاكَ أعطاها
ليست بناسٍ لَوعْدِه وإذا / جاد بنُعماه فهو ينساها
إن أخلف الغيثُ بات نائلهُ / يَخْلُف أنواءه وسُقْيَاها
مُفْترِقُ الحالتين مُجْتمِعُ ال / آراء في سَلْمها وهَيْجاها
دانت له الأرضُ والعبادُ معاً / والوحشُ في وَعْرها وصحْرَاها
فهو لسان التُّقَى ومقلتُه / وهو يمين العُلا ويُسَراها
صُور من جوهر النبوّة إذ / كان الورى طينةً وأمواها
فَمنْ يُطِعْه يفُزْ بطاعته / ومن عصاه فقد عَصَى اللهَ
خُذْها تُباهِي بها الملوكَ فما / جاء بها مالكٌ ولا بَاهَى
لا سيّما من أخي مُحافَظةٍ / حاز بها المَكْرُماتِ والجاها
هذا ولم تَحْوِ من مَناقبك الغرْ / رِ سوى بعض عُشْر أجزاها
مجدك يَستغرِق الثناءَ ولو / كان الورى ألْسُناً وأفواها