راحَ رسولي وجاءَني عاشِقْ
راحَ رسولي وجاءَني عاشِقْ / وعاقَه عن رِسالتي عائِقْ
وعاد لاَ بالجوابِ بل بجوىً / أَخرسَه والهوى به ناطِقْ
ومُخْجِل الشَّمس بالملاحة قد / أَلبس خدَّيَّ خجلةَ الواثق
والعذرُ فيمن هَوِيتُ منبسطٌ / والعذرُ في مثلِ حُسنه لائِق
أَوعدني أَنَّه سيلْحقُني / وكان لا سابقاً ولا لاحِقْ
وكان ظنِّي أَن سوف يطْرقُني / لأَنَّه النَّجمُ واسمه الطارِقْ
وقالَ لي مسكني السَّماءُ فإِن شئ / تَ أَو اسْطَعتَ فارْقَ أَو فَارِقْ
هيهات هيهات أَن تُقيم بها / تملُّها والسماءِ والطَّارقْ
كيفَ يَقرُّ الحبيبُ في وطنٍ / ولم يَزل قطُّ في حَشاً خافِقْ
له فمٌ كم سَرت به قُبَلِي / بالوهم بين العُذيبِ أَوْ بَارِق
إِن لم أَكن آكلاً حلاوتَه / بالفَمِ إِنِّي بناظري ذائِق
ريقتُه عاتِقٌ محرَّمة / يا قومِ للغلامِ والْعَاتِق
قل لِلثَامِ الغُلام قبِّل عَلَى / رغمي وقل يا قميصَه عَانِقْ
سبقتَني للعِناق فاحْظَ به / وما رأَى النَّاسُ قطُّ لي سابِقْ
سبقتُهمْ للعَلاءِ مُشترياً / حتى لصيَّرتُ سوقَها نَافِق
وفقتُهمْ بالكمالِ وليعلم ال / خلقُ بأَنَّ الكمالَ بي فَائِقْ
أَنَّى لي النْقصُ إِنَّ مجدَ أَبي / سامٍ كما أَنَّ قدرَه سَامِقْ
هو الرَّشِيدُ الَّذي رئاستُه / سارَتْ بلا زاجرٍ ولا سَائِقْ
عُلاً يفوقُ السَّماءَ منزِلَةً / أَين تقولون طرفُه رامِقْ
وفي سُرى الجوِّ أَصلُ نبعتهِ / أَين يظنُّونَ فرعَه باسِقْ
يرى ظهورَ النجومِ طالعةً / وكيف يَرمي بهنَّ من حَالِقْ
يُكْنَى أَبا الفضل فهو يعشَق شخ / صَ الفضلِ والمرُ لابْنِه عَاشِق
ويسرُق الليلُ نورَ غرته / كأَنما ذُرَّ فوقَها شَارِقْ
وإِن دجَت في الخطوب معضلةٌ / فهو لإصْباحِ فجْرِها فالِق
كما الدُّجى والضُّحى لو اختلطا / لكان ما بين ذَا وذَا فارِق
ذكاؤُه يعلَمُ الغيوبَ فقد / أَضحَى عليماً بسرِّها حَاذِق
ورأْيُه يملأُ الزَّمانَ فقد / ضاق وما صدره به ضائِقْ
وسعدُه عبدُه وإِن أَبق ال / عبدُ فلا كان عبدُه آبق
لو أَصبح المشتَرِي يُعانده / لحطَّه عن مكانِه الشَّاهِقْ
وجودُهُ مغرِق العُفاةِ فكم / أَصبحَ منهم بجودِه غَارق
أَعطاهُمُ كُلَّ صامتٍ فغدا / الصامت مِنْهم بمدحِه نَاطِق
يحنّ تقبيلُهم إِلى يده / كما يَحِنُّ المشوقُ للشَّائِق
قل لعدوٍّ جرى ليلْحَقه / هيهَات هيهاتَ لستَ باللاَّحِق
يرتقِّ فتقَ العلا إِذا فُتِقَتْ / وأَنت لا فائِقٌ ولا رَاتِق
طرتَ ولكن مثلَ الفراش فلا / تفخرْ فما كلُّ طائر باشِقْ
من ادّعى مجدَه مُسارَقَةً / فقل له قد مُسِكْت يا سارق
يظن أَعداؤُه به خُنقوا / وما لَهم خانِقٌ سوى الْخَالِقْ
يا من بإِنعامِه ونَائِله / أَنْقَض ظَهْري وأَثْقَل العاتِقْ
أَقطعْتني وسْطَ بلدتي بلداً / سُرَّ به كلُّ رامِقٍ وامِقْ
تغدو الدنانيرُ وهْي غلته / وسعرُها قطُّ لم يزَل نَافِقْ
ليس يُبالي بالنِّيل حين أَتَى / ولا إِذا ضنَّ بالحيا بَارِقْ
قد طاب لي مُجتنىً بغيرِ عَناً / والمِسْكُ لِمْ لا يطيبُ للنَّاشِق
وعيشَتي قد صَفَتْ فمورِدُها / مع كَدرِ الدَّهْرِ رَيِّقٌ رائِقْ
إِن لم تكن خالِقي فقد أَذِن ال / خالِقُ فِي أَنْ تكونَ لي رَازق
يا جعفراً قد صدقْتَ وعدَك لي / فأَنتَ لا شكُّ جعفرُ الصَّادِق