المجموع : 22
يا هلْ من الحادثات من وَزَرِ
يا هلْ من الحادثات من وَزَرِ / للخائف المستجير أم عَصَرِ
تغدو فتعدو فما تَرِقُّ على / أنثى وما إن تخاف من ذكرِ
يا بؤسَ للدهر ذي السفاهِ أما / يَفْرقُ بين القيانِ والجِزَرِ
أما يُعفِّي على جرائم ما اس / تقدَمَ منه متابَ منتظرِ
يُمرُّ عصراه كلّ مُنتكث / ونقضُهُ عائد على المِرَرِ
مُنصلتُ السيفِ كلَّ مُنصلَت / مُنشمر النَّبل كل منشمَرِ
يقتلنا سيفُهُ وتختِلنا / سهامُهُ الكامنات في القُتَرِ
كأن إسرافهُ برهبة مق / هور عليه وحرص مؤتجَرِ
كم من قتيلٍ لِصَرفه طَلفٍ / وكم دمٍ في ثيابهِ هدرِ
ألا فداءٌ يفي ببُغيته / ألا سِدادٌ لتلكمُ الفُقَرِ
يا لك من مالكٍ ومقتدرٍ / مؤتَمِر السوء كلَّ مؤتَمَرِ
مُكتنِفٍ بالعَداء مُعتوِرٍ / مكتنَفٍ بالملام مُعتوَرِ
فجَّعني صرفُهُ بمؤنسةٍ / تبعث مَيْت النشاط والأشرِ
صيغت وِفاقَ الهوى فما شُنِئت / من رَهَل عابها ولا قَفَرِ
عسيرة البذل غير خاليةٍ / من خُلق يخدع الرِّضا يَسَرِ
تُمتِّع الحِدْث من مُلاعَبَةٍ / تنزل بين المجون والحصرِ
ويومها من محرَّم أبداً / حِذقاً ويوم القيان في صفرِ
سابقة لم تزل تُنقِّلها / بسابقٍ في الكتاب مستطَرِ
واها لذاك الغناء من طبقٍ / على جميع القلوب مقتدَرِ
يملأ رَوْحاً فؤاد سامعهِ / ويُصطلى حرُّه من القِررِ
كأنه قالبٌ لكلّ هوىً / فكلُّهُ والمُنى على قَدَرِ
لا خير في غيره وهل أمَمٌ / من شاربِ الراح شارب السَّكرِ
إنّا إلى الله راجعون لقد / غال الردى سيرة من السيرِ
مِلءَ صدور المجالس اختُلِست / لا بل صدور الورى إلى الثُّغرِ
فَزفْرةٌ لا تزال في صَعدٍ / وعبرةٌ وُكّلت بمنحدرِ
بانت وما خلَّفت نظيرتها / وغصنها اللدن غير مهتصَرِ
مضت على دَلِّها بوحدتها / ولم يعد شخصُها بمنجحِرِ
تسمو لأقرانها مبارِزةً / لا من وراء الستور والحُجَرِ
لم يعتصم عودُها بزامرةٍ / ولا ضوى وجهها إلى السُّترِ
تُبارز العين وحدها أبداً / والأُذنَ وهي الحميدة الأثرِ
وتقتل الهمّ شرّ قتلتِهِ / بغير عون يكون من أُخرِ
ما بذلتْ للكئيب نُصرتها / على الأسى فارعوى إلى النُّصَرِ
لم تخلُ من منظر تُشوِّقهُ / ومن عفاف يفي بمستَترِ
ما برزت للخنا ولا استترت / من عجر شانَها ولا بجرِ
ما أُولع الدهر في تصرفهِ / بكل زينٍ له ومفتخَرِ
يعدو على نفسه فيسلبها / إلا عتاد المعدِّ ذي النَّمرِ
كم ملبس لا يعاب هتّكه / عن جلدةٍ منه شَثنة الوبرِ
أودى بِبستانَ وهي حُلّتهُ / فقد غدا عارياً من الحبرِ
أطار قُمرية الغناء عن ال / أرض فأيُّ القلوب لم تطِرِ
للَّه ما ضُمِّنت حفيرتُها / من حُسن مرأىً وطُهرِ مختبرِ
أضحت من الساكني حفائرهم / سكنَى الغوالي مَداهنَ السُّررِ
مُطيِّبي كلِّ تربةٍ خَبثتْ / ومؤنسيها بشرّ مجتوَرِ
يا حرّ صدري على ثلاثة أم / واهٍ هُريقت في الترب والمدَرِ
ماءي شباب ونعمة مُزجا / بماء ذاك الحياء والخفرِ
لو يعلم القبر من أتيح له / لا نحفر القبر غير محتَفرِ
أو لأباها فصان حينئذٍ / عن رمسه درّةً منَ الدرَرِ
إنّ ثرىً ضمها لأفضلُ مح / جوجٍ لِصَبٍّ وخيرُ معتَمرِ
أقسمتُ بالغُنجِ من مَلاحظِها / وسحر ذاك السُّجوِّ والفَتَرِ
لو عُقرتْ حول قبرها بقر ال / إنسِ مكان القِلاص والمُهَرِ
والدرّ نظمٌ على الترائب من / هن وأشكاله من العِترِ
وانتحرت في فنائه بُهَمُ ال / حرب وصِيد الملوك من مُضرِ
ثم سَقيتُ الدماء تربتَها / لم أشفِ ما في الفؤاد من وَحَرِ
نفسَك يا نفس فانحري أسفاً / فإن هذا أوان مُنتحرِ
ما حَسَنٌ أن تذوبَ مهجتُها / ومهجتي لم تُرَق ولم تُمَرِ
لا يُنكر الدهرُ بعد مهلِكها / هُلكَ ذوات الجلال والخطرِ
كَوَّر شمس النهار فانكدرت / كواكبُ الليل كل منكَدَرِ
بستان يا حسرتا على زَهَرٍ / فيك من اللهو بل على ثمرِ
بستان لهفي لحسن وجهك وال / إحسان صارا معاً إلى العَفرِ
بستان أضحى الفؤاد من وَلهٍ / يا نزهة السمع منه والبصرِ
بستان ما منك لامرئٍ عوضٌ / من البساتين لا ولا البشرِ
بستان أسقيتِ من مدامعنا ال / دمع وأعقبتِ عُقبةَ المطرِ
بل حَقُّ سقياك أن تكون من ال / صهباءِ صهباءِ حمص أو جَدَرِ
بل من رحيق الجنان يقطَبُ بال / مسكِ سُلافاته بلا عَكَرِ
بل من نجيع القلوب يمزج بال / عطف وصفو الوداد لا الكدرِ
بستان لم يُستعَر لك اسمك يا / بستانَ لذاتنا ولم يُعَرِ
كنا إذا اللَّهو قلّ مائرُنا / منه وجدناك معدن المِيرِ
ما كل لهوٍ أراهُ بعدكُمُ / عندي سوى سُخرةٍ من السُّخَرِ
لست إلى نغمة بذي أذَنٍ / ولا إلى صورةٍ بذي صَوَرِ
كنتِ وكانت قرينةٌ لك عي / نين لهوىً فِشين بالعوَرِ
وكنتِ يُمناهما ففات بك ال / دَهر وهل يَصطفي سوى الخِيَرِ
يا مشرباً كان لي بلا كدرٍ / يا سمراً كان لي بلا سهرِ
ما كنتُ أدري أطعمُ عافيتي / أعذبُ أم طعم ذلك السمرِ
يا نعمة الله في بريّته / أصبحتِ إحدى فواقرِ الفِقرِ
يا غضّةَ السن يا صغيرتها / أمسيتِ إحدى المصائب الكُبرِ
أنّى اختصرتِ الطريق يا سكَني / إلى لقاء الأكفان والحفرِ
ألم تكوني غريرةً فُنُقاً / لا يهتدي مثلها لمحتَصَرِ
أنى تجشمت في الحداثة ما / جُشِّمتِ من كُره ذلك السفرِ
أنى ولم تلحقي ذوي حُنْك ال / سنّ ولا امّزت من ذوي الغَرَرِ
أحميك من مورد قصدتِ له / لا ينتهي وردُهُ إلى صدرِ
يا شمسَ زُهر الشموس يا قمر ال / أقمار حسناً يا زهرة الزُّهَرِ
أبعد ما كنتِ باب مبتهجٍ / للنفس أصبحتِ باب معتبرِ
أصبحت كالترب غير راجحةٍ / به وقد ترجحين بالبِدرِ
أصابنا الدهرُ فيك أكمل ما / كنت فما رُزؤُنا بمجتبَرِ
لم تقتحمك العيون من صِغَرٍ / ولا قَلتْك النفوس من كِبرِ
فكيف نسلاكِ والأسى أبداً / في كِبَرٍ والسُّلوُّ في صغرِ
كلُّ ذنوب الزمان مغتفرٌ / وذنبه فيك غير مغتفَرِ
تبتّل العود عند فقدكُمُ / وازدجر اللهو أيّ مزدَجرِ
وغاب عنا السرور بعدكُمُ / واحتَضر الهم حينَ محتضرِ
وغاض ماء النعيم يتبعكم / وانهمر الدمع كلّ منهمرِ
فإن سمعنا لِمزهر وتراً / حنّ فهاتيك عَوْلة الوترِ
أما ولؤم البِلى وقسوته / لقد محا منك أحسن الصورِ
يا بشراً صاغه المصوِّر من / نورٍ على سُنّة من الفِطرِ
بل من شعاع العقول حين ترى ال / غيب بعين الذكاء والعبرِ
لا تحسبوني غَنيتُ بعدكُمُ / عنكم بشمس الضحى ولا القمرِ
لا تحسبوني أنستُ بعدكمُ / إلى هديل الحمام في الشجرِ
لا تحسبوني استرحت بعدكُمُ / إلى نسيم الشَّمال بالسّحرِ
لا تحسبوا العين بعدكم سَرَّحت / في مسرحٍ من مسارح النظرِ
يأبى لها ذاك أن ناظرها / في شُغُلٍ بالسهاد والعبرِ
وكيف بالنوم للمُباشر أط / راف حُمات الحيّات والإبرِ
سقياً ورَعياً لعيشةٍ معكم / أصبحتُ من عهدها بمفتقرِ
أمتعني دهرُها بغبطتِهِ / على الذي كان فيه من قصَرِ
كانت لياليه كلّها سَحَراً / وكان أيامهن كالبُكَرِ
لهوٌ أطفنا بِبكر لذَّتِه / وما فضضْنا خواتمَ العُذَرِ
ولم ننلْ من جناه نَهْمَتَنا / وإن حظينا بمونِق الزهرِ
كم قد نعمنا بضمِّ مُتَّشحٍ / وما اعتدينا بهَتْك مؤتزرِ
كم قد شربت الرضاب في قُبَل / كانت ولكن شربت بالغُمرِ
جدوى فمٍ فيه لؤلؤ وجَنَى / نحلٍ بماء السحابِ في النُّقرِ
غناؤه يشتكي حرارته / وريقه يشتكي من الخَصَرِ
كنتم لنا فتنةً من الفتن ال / غُرِّ بلا شهرةٍ من الشُّهَرِ
وكلُّ لهوٍ بمثل وصلكُمُ / ذو غُرر إذ سواه ذو عُرَرِ
أخذتُكُم طائعاً أخا جَذَلٍ / ولم أدع طائعاً ولم أذَرِ
كأنني ما طلعتِ مقبلةً / عليَّ يوماً بأملح الطُّرَرِ
في كفّك العود وهو يؤذن بال / إحسان إيذانَ صادقِ الخبرِ
إذ مشيكم مُذْكِري غناءَكُمُ / مَشْيَ الهوينا سواكنِ البقرِ
وإذ فسادي بكم يذكِّرني / لنُفْسِدَنَّ الطواف في عمرِ
كأنّ عينيَّ أبصرتْكِ ضُحى / في مجلسي والوشاة في سَقرِ
كأنها ما رأتك كالمَلَكِ ال / أصيد في التاج يوم مُبتَهرِ
وبين عينين منكُمُ علمٍ / لم يُسْدَ شِبْهٌ له ولم يُنَرِ
يا أحسنَ العالمين حاسرةً / وأكمل الناس عند معتجَرِ
كأنها ما رأتك صادحةً / والصُّدّحُ الوُرْق عُكّفُ الزُمُرِ
يَسْمعنَ أو يَسْتفدنَ منك شجا / والتمر يُمتار من قرى هجرِ
كأن داوود كان يومئذٍ / يتلو زبوراً مُلَيِّنَ الزبرِ
كأنني ما اقترحتُ ما اقترحتْ / نفسي فساعفتني بلا زورِ
كأنني ما استعدت مقتَرحي / يوماً فكررتهِ بلا ضجرِ
وصنتِ خدّاً كساه خالقه ال / حسنَ فصعّرْتهِ عن الصَعَرِ
ولو تكبرتِ كنتِ مُعْذِرةً / والمسكُ ما لا يُعابُ بالذَّفرِ
كأنني ما نعمتُ منك بمر / تاحِ نعيمٍ ولا بمبتكرِ
رضيتُ من منظر بطيف كرىً / يعرو ومن مسمع بمدّكرِ
رضىً كسخطٍ ولو قَدِرْتُ لغي / يَرْتُ ونكّرتُ مُنكَر الغيرِ
لو أنَّ قِرني سوى المقادير في / أمرك أحضرتُ عز منتصِرِ
لكنها القِرْنُ لا يقاومهُ / قِرنٌ عزيز لعزة النَّفرِ
لو كان فعل الورى لقد ذَئِرَتْ / له المساعير أيما ذأرِ
لكنه وِتْرُ مالكٍ مَلِكٍ / يعلو على الطالبين بالثُّؤَرِ
يا لهفَ نفسي على مُهَاجرتَي / إياكِ لهفاً يطير كالشرَرِ
ليس لذنبٍ دعا إلى غضبٍ / لكن لنُعمى دعتْ إلى بطرِ
هجرٌ متى شئتُ قلتُ كان من ال / خسران أو قلتُ ربح متَّجَرِ
كانت تُجِدُّ الهوى مغنِّيةً / كأنها نَشرةٌ من النُّشرِ
ووصلُك الإلفَ بعد هجرتِهِ / يَجْنيك معسول حدّة الظَّفرِ
لولا التعزّي بذاك آونةً / لانْفَطر القلبُ كلَّ منفَطرِ
ما انتهك الدهر قبلكم لذوي ال / لَهوِ حريماً في البدو والحضرِ
أبكيك بالدمع والدماء بل ال / تسهاد بل بالمشيبِ في الشعرِ
بل بنحول العظام مُحتقِراً / ذاك وإن كان غير محتقرِ
بل باجتناب الشفاء بل بتوخ / خي النفس ما يُتَّقى من الضّررِ
لأستميحنّ كلّ ذاك لمب / كائيك بعد استماحة الدِّررِ
بل ليت شعري وقد حَييت وقد / قَدَّمتِ للنفس وجه معتذِرِ
كيف وأنّى ولِمْ أقمتُ وقد / بِنْتِ أكان الفؤاد من حجرِ
إلّا أكن متُّ فانقرضتُ فكَمْ / من مَوْتةٍ للفؤادِ في الذِّكَرِ
وليس في خطرةٍ مغيرةٍ / لكنها سَرْمد مع الفِكرِ
رثيتُ منك صِبىً تكنَّفه / عفاف سرٍّ وحسن مجتهَرِ
وما يفي بالثلاث مرثيةٌ / إلا صلاةَ المليك في السورِ
وإن جرى الدمع غير معتنَفٍ / وسمَّح الشِّعر غير معتَسرِ
وكنتُ عَفوَ الصبَى فشيعهُ / عفوٌ من الشجو غيرُ معتَصرِ
دمعٌ وشعرٌ مساعدٌ أتيا / طوعاً وما طائع كمقتَسرِ
أشكو إلى الله لا إلى أحدٍ / أن متِّ والنفسُ حيةُ الوطرِ
من لي بالصبر بعد مدَّخرٍ / أفْنَى من الصبر كلَ مدّخرِ
بل قَبُح الصبر إنه غُدَرٌ / بصاحب الصدق أيما غُدرِ
لا أسأل الله حسن مصطبر / فإنه عنك لؤمُ مصطبرِ
وحزن نفسي عليك من كرمٍ / وهو على من سواك من خَورِ
وقد يُعزِّي الفؤاد أنك في / جنّة عدن غداً وفي نَهَرِ
سيشفع الحور فيك أنك من / هنَّ بذاك الدلال والحورِ
يا لهف نفسي عليك كم حَذِرتْ / لو وُقِّيتْ ما تخاف بالحذرِ
كم وحْيِ رؤيا فزعتُ فيك له / وطِيرةٍ من نواطق الطيرِ
بيَّنْتِ لي الحزم في البدار إلى / كل مخُوفٍ عليه مبتدَرِ
أصبحتُ من صبحه بمنبلَجٍ / والناس من فجره بمنفجَرِ
ولو تخليتُ من شَجايَ بكم / بادرتُ باللهو كرَّةَ القَدرِ
راجَعَ من بعد سلوةٍ ذِكَرَهْ
راجَعَ من بعد سلوةٍ ذِكَرَهْ / وواصَلَ الظبي بعدما هَجَرَهْ
ظبيٌ دعا قلبَ هائمٍ كلفٍ / مؤتمِرٍ قلبُهُ بما أمره
يؤنِسُهُ حُسنهُ ويوحشهُ / قبحُ أفاعيله إذا ذكره
مازال يدعوه من محاسنهِ / داعٍ إذا سوءُ فِعلِهِ زَجره
لا الوصلُ يصفو له وإن عزم ال / هِجرانَ غال النزاعُ مصطبره
يدنو فيُقصَى فإن نَأى أنفاً / بات يباري بكاؤهُ سهرَهْ
ألقاه في حيرةٍ محيِّرةٍ / فما يرى وِردَهُ ولا صَدَرَهْ
ظبيٌ وما الظبي بالشبيه به / في الحسن إلا استراقَه حَوره
وحسنَ أجياده وغُنَّتِهِ / ونفرةً فيه مِن رُقَى الفَجَره
محاسنٌ كلهن مسترقٌ / منه وكلٌّ رآه فاغتفره
سخّاه عن رُزءِ ذاك أنَّ له / حُسناً إذا قاسه به غمره
وكلُّ رزء فإنَّه جَلَلٌ / إذا المبقَّى لأهله كثَرهْ
يا ليت مِن عفوه لعاشقهِ / بل ذاك شيء عليه قد حظرهْ
يصفح عن لصّهِ جريمَته / وهْو لنعماه أكفرُ الكَفره
ولستُ أنفكُّ من معاتبةٍ / بغير ذنب موازِنٍ وبَره
يا عجباً من مُعذِّبي عجباً / عُجبي به ضِعفُهُ فقد هَدَره
سوَّغ ما نِيل من حُلاه ولو / يسأله الصبُّ قُبلةً نَهره
كما أجاع الوشاحَ حين تَردْ / دَاهُ وقد كظَّ مِئزراً وَزره
بالله يا إخوتي سألتُكُمُ / أليس مولاي أجْوَرُ الجَوَره
أضحى وسيف العداء في يدهِ / عليَّ دون الأنام قد شَهره
إن عض خلخالهُ مُخلْخَلَهُ / أو شفّ عقدُ الإزار مؤتَزره
أقبل ظُلماً عليّ يشتمني / كأنني كلُّ واترٍ وَتَره
وقد رأى شيبةً فأنكرها / وتلك من فعله لو اعتبره
شَيّبَني من هواهُ ما نَهك ال / جسمَ فماذا ترونَهُ نَكِره
ألم ترعهُ محاسنٌ نَحلتْ / وراعه أن تنكَّرتْ شَعَره
أبصر بيضاء في القَذالِ فلا / نَفْرٌ كنفرٍ رأيتُهُ نَفَره
أعجِبْ بمن يقتل الرجال وإن / لاحَ له شخص شيبةٍ ذَعره
لا يظلمنِّي ولا سِنى ولا / يظلم خلاخيله ولا أُزرَه
فربَّ شيبٍ بعاشقٍ وبِلىً / قد برَّأ الله منهما كِبرَهْ
ما شَيَّبت رأسهُ السنون ولا / أبلتهُ بل حَرُّ وجدِهِ صَهره
ورب ضيقٍ بملبسٍ وهو ال / سَابغ لكنَّ قِرنَه قَهَره
قد أوسع الحِجْلُ والإزار لهُ / فزاد ما ضُمِّنا على الحَزَره
ومِن تَعدّيه أنه أبداً / يعتدُّ نفعاً لعبده ضرره
يعتدُّ ما يعمِد الشقي بهِ / نيلاً ولم يَعْدُ نفعُهُ بصره
فإن رأى في المنام هفوتهُ / غضّ من الطرف عنه أو شَزره
يعتدُّ إبداءهُ محاسنَهُ / نَيْلاً لحرَّانَ هَيَّجت حَسَره
إذا نهتْ عن هواه غلظتُهُ / دعا إليه برقةِ البشره
ولحْظِ عينين لو أدارهما / لفارسٍ في سلاحِهِ أسره
نِضْوَى سَقامٍ يقود ضعفُهما / له شدادَ القلوب مُقتَسره
من خُنْثِ جفْنيهما وغُنْجهما / تعلَّم السحرَ ماهرُ السَّحره
ومُضْحكٍ واضحٍ به شَنبٌ / يعرف من شام برقَهُ مطره
يضمن للعين طيب ريقتهِ / ثغرٌ يباري نقاؤهُ أَشَرَه
ينعت لألاؤُهُ عذوبتَهُ / وليس يُخفى نسيمُه خَصره
لو ضاحك المَزنَ عنه ضاحَكَهُ / عن برقه مُسبلاً له دِرره
وصحنُ خدٍّ حريقُهُ ضَرِمٌ / يقذف في القلب دائماً شرره
لا ماءَ إلا رضابُ صاحبِهِ / يطفىء عن قلب ناظِرٍ سُعرَه
أعاره الوردُ حسن صِبغته / بل صِبغةُ الورد منه معتصره
وفاحمٍ واردٍ يقبِّل مَم / شاه إذا اختالَ مُسبِلاً عُذرَهْ
أقبل كالليل من مفارقِهِ / مُنحدِراً لا تَذمُّ منحدره
حتى تناهَى إلى مَواطئهِ / يلثِم من كل موْطئٍ عَفَره
كأنه عاشقٌ دنا شغفاً / حتى قضى من حبيبه وَطره
تغشَى غواشي قرونه قدماً / بيضاءَ للناظرين مقتدره
مثلَ الثريا إذا بدت سَحراً / بعد غمامٍ وحاسرٍ حَسره
وجيدِ إبريقِ فضةٍ دأبَ ال / صوَّاغُ حتى اصطفى له نُقَره
يتخذ الحَلْيَ كالتميمة لا ال / زينة من حسنه الذي جَهره
وحسنِ قدٍّ أجاد قادرُهُ / قدْراً فما مَدَّه ولا قَصَره
عُدِّل حتى كأنه غُصنٌ / من خير ما أنجبتْ به شَجرهْ
يحمل ثديين خَفَّ ثِقلُهما / جداً فلا آده ولا اهْتَصره
محاسنُ الناس من محاسنه / منسوخةٌ في الحسان مختصره
كأنما الله حين صَوّرهُ / خَيَّرَه دونَ خلقهِ صُوَره
أغيدُ لم يرتعِ الخَلاء ولا / خالط غِزلانَه ولا بقره
يكفيه رعي الخلاء أنَّ له / من كل قلبٍ مُمنَّعٍ ثَمَره
كم من شفيقٍ عليّ ظَلَّمَهُ / ولو رأى حسنَ وجهه عذره
وناصرٍ لي عليه لو هَتفتْ / به دواعيه مرّةً نصره
دعْ ذكره إنّ ذكره شعفٌ / وامنحْ من المدح سالماً غُررَه
الواحد الماجد الذي عدم ال / مِثْل فلم يلق ماجداً عشره
الوارث المجد كلّ أصيدَ لا / يدفع تيجانه ولا سُرُرَه
القائل الفاعل الموارعَ لا / يشكو العلى بخله ولا حَصره
ذا المستقى الطيب القريب وذا ال / غور الذي لا تناله المَكَره
المانح السائل الرغائبَ وال / غائل مِسبارَ كلِّ من سَبره
ذا المِرة الشَّزْرِ والمتانة وال / عقدةِ تحت السجية اليَسره
ذا اللين سائل به المَلاين وال / شِدّة سائل به من اعْتَسره
الآخذ الخطة الرضيّة وال / تارك ما الحظ فيه أن يذره
ذا الكرم العذب والمُناكرة ال / مرّة إن هاج هائجٌ وغَرهْ
ما ذاق شهداً أجل ولا صَبِراً / من لم يذق شهده ولا صبرَه
الأسدَ المستعدَّ منذ دَرَى / أن الزُّبَى للأسود محتَفره
العارض المستهلّ منذ رأى / أنّ العلى في الكرام مبتَدره
الراجح العفّ في كتابته / إذ في سواه نقيصةٌ وشَرَهْ
يرى مكان البعيد من دغلِ ال / مُدغِل والمستسِرِّ في الجحرَهْ
أحاط علماً بكل خافيةٍ / كأنما الأرض في يديه كُرَهْ
مَهْ لا تَعُدَّن من ينابذهُ / له عُداةً وعُدَّهمِ جَزره
كلا ولا طالبي فواضلهِ / له عُفاةً وعُدّهم نَفره
ورائمٍ رامه فقلت له / حاولت من لا تنال مفتخَره
طاولتَ من لا أراك مُنْتصفاً / باعُك من شبره إذا شَبره
أصْوَر نحو العلى ترى أبداً / إلى نواحي وجوهِها صَوَره
أزْورَ عن وجه كل فاحشةٍ / لا يعدِم الفحشُ كله زَوَره
لو أعرض البحر دون مكرمةٍ / وليس للبحر مَعْبر ضَبرَه
مظفَّرٌ بالتي يحاولها / لا يُعدِم الله سالماً ظَفره
فيه وقارٌ يكفُّ سَوْرته / وفيه حدٌّ يَعز منتصِره
شاورْه في الرأي إن أُثِرتَ ولا / يَرِمْك بالرأي إنّه فَطَره
ذاك الذي قال فيه مادحهُ / مهما انتحى من رميَّةٍ فقَره
سِرْ بهُدَى كوكبٍ هَداك به / ولا تَعرَّضْ لكوكبٍ كَدرَه
قد آمَنَ الله من يخاف من ال / فقر إذا جودُ سالمٍ خَفَره
يا رُبّ شاكٍ إليه خَلَّتَهُ / راح بجدواه يشتكي بطره
يسبق معروفُهُ العِدات وإن / قدّم وعداً حسبتَه نذره
لا يُعرض القوم عن ثناه ولا / يَملّ سُمَّارُ ذكره سمره
مَن مُبْلغٌ صفوةَ الأمير أبي ال / عباس عن كل حامدٍ أثره
أن قد تولَّى الزمامَ صاحبُهُ / بحكمةٍ أحكمت له مِرَره
فقاد مستصعَبَ الأمور بهِ / لا خائفاً ضَعفَهُ ولا قِصَرَهْ
ولَّيتَ لا مائلاً إلى دنسٍ / عمداً ولا عاثراً مع العَثره
هو القويُّ الأمينُ فارْمِ بهِ / ما شئتَ من معضلٍ يكُن حجره
لا يشتكي الناسُ عنفهُ وكذا / لا تشتكي ضعفهُ ولا خوره
أجريتَهُ والكُفاةَ في طَلَقٍ / فجاء لم تغشَ وجهه قَتره
تلوح فوق الجبين غرّتُهُ / كأنها المشتري أو الزُهَرَهْ
وجاء أصحابُهُ وكلُّهُمُ / قد كظَّهُ جَهدُهُ وقد بَهره
لم يلحقوا شأوهُ ولو فعلوا / أمكن أن يسبِق امرؤٌ قدَره
ولم يزل يسبق الرجالَ ولا / يشقُّ ذو جُهدهم له غَبَره
حتى أقرُّوا وقال قائلُهُمْ / محرَّمُ الحول سابقٌ صَفرَهْ
واتخذوا الصدق زينةً لهُمُ / كَرهاً على رغمهم وهمْ صَغره
وكان زْيناً لكل من نفر ال / سؤددَ إقراره لمن نَفره
ومن أبى الصدق بعد ما قُمر ال / فضل فمن كل جانبٍ قُمِرَه
أسخطَ حسادَهُ وأرغمهمْ / أنْ سار في الناس فارتضوْا سِيَره
يا حاسدي سالم أبي حسن / مجداً كساه فَعالُهُ حِبرَه
إن يرتدِ الحمدَ سالمٌ رجلاً / فإنه قبل حُلمه ائْتزَره
ما زال يُكساه قبل بُغيتهِ / إياه بل قبل خلقه بَدَره
مدَّخَراً في أبٍ له فأبٍ / كانت له الصالحات مدَّخره
ثم سعى بعد ذاك مكتسباً / للمجد حتى ارتداهُ واعْتَجره
يا رُبّ عُرفٍ أتاه ما طلب ال / حمدَ بإتيانه ولا خَسِره
نوى بإسدائه رضا ملك / نفَّله الحمد بعد ما أجَره
وتاجرُ البر لا يزال له / ربحان في كل مَتْجَرٍ تَجَره
أجر وحمد وإنما قصد ال / أجَر ولكن كلاهما اعْتَوره
كصاحب البذر لا يريد به / شيئاً سوى رَيْعه إذا بَذَره
وهْو إذا لُقِّي السلامة لا / يعدَم لا رَيعه ولا خَضِره
كم سرَّني حين ساءني زمنٌ / كم برّني حين عَقَّني البرره
يا سالم الخير يا أبا حسنٍ / يا من وجدنا كوجهه خَبره
يا حسن الوجه والشمائل إن / ردَّد فيه مردِّدٌ نظره
يا حسن الهدْي والخلائق إن / كرَّر فيه مُكرّرٌ فِكرَه
ماذا على من يراك في بلدٍ / أنْ لا يرى شمسه ولا قمره
وما على من يراك في زمنٍ / أن لا يرى نوْره ولا زَهره
أنت السراج المنير والكلأ ال / مُمرِع حَفّت رياضُه غُدَره
لكل قومٍ يُعدُّ مجدُهُمُ / آصال مجدٍ سَهمتهم بُكره
لا تحمدنّي فما جرى قلمي / إلّا بأشياءَ منك مختَبره
ما زدتُ فيما وصفتُ منك على / ما حصَّلتْهُ صحائفُ البرره
لم أبتدع في ثنائك الحسن ال / منشَر بل كنتُ بعض من نَشره
لكنني أنظم الثناء إذا / مُثني ثناءٍ على امرئٍ نثره
وما لمُثنٍ على أخي كرمٍ / حمدٌ ولكنه لمن فَطره
كم فيك من مِدحةٍ تظل على / ألسنة المنشدين مُعتَوره
واسعدْ ببيت بنيتَهُ أفِدٍ / أُسِّس بنيانُهُ على الخِيَره
أُيِّد بالساج والحديد ولم / يوهَن بآجُرّةٍ ولا مَدَره
بناءُ حزمٍ أبَى لصاحبه / في كل أمرٍ ركوبَهُ غَرَره
لا يعرف الوهيَ والسقوط ولا / يخذُل ألواحُ ساجه دُسُره
وخيرُ بيت بنيتَ مشتبِهٌ / وَفْقٌ ترى مثل سقفه جُدُرَهْ
أسمرُ ما شاب لونَه برص ال / جَصِّ ولامس جلدُهُ وضَرَه
هَندسَه رأيك المبرِّز في ال / فضل وأعطته حقَّه النَّجَره
وعُلَّ من بعد ذاك بالذهب ال / أحمر فاختال لابساً شُهَره
أهدى لك الدهرُ فيه حبْرته / ولا أرى ناظراً به عِبره
تَعمرُهُ بالنعيم والنِّعم ال / سُبَّغ ملبوسةً ومنتظره
قريرَ عينٍ قرين مَغْبطةٍ / تفتضُّ من كل مَنعمٍ عُذَره
يُسمعك الشدوَ في جوانبهِ / مُناغياتُ البُمُوم والزِّيَرَهْ
في كل يومٍ تراه بُكرتَهُ / وكل ليلٍ تخالهُ سَحَره
كلاهما لا يزال قاطعُهُ / يدعو بسقياه كلَّ ما ادَّكره
زلّال بَرٍّ يظلّ يسكنه / بحر بحورٍ يُهلُّ من عَبره
بل بيت بِرٍّ تظل كعبتهُ / محجوجةً للنوال معتَمرَه
تغشاك فيه عُفاة نائلك ال / غَمر فيمتار مُنفِضٌ مِيَرَه
لا الجار يستبطِئُ الجوار ولا / يلعن من جاء نازعاً سَفرَه
كعادةٍ لم تزل لكل أب / يَنميكَ تغشى عُفاتُه حُجَره
لا يشتري المال بالثناء ولا / تظل تُفدي صِرارُه بِدَره
يجوز معروفه الغِنى ومُنَى ال / نفس ويلقاك مُلقياً عُذرَهْ
أهدى لك المدح فيه خادمك ال / سابق من أهل بَيْعةِ السَّمُرَهْ
أولُ كُتّابك افتتحتَ به / أمرك ثم ارتضيت مختبرَه
أهدى بُنيَّاتِ نفسه ولو اس / طاع لأهدى مكانها عُمُرَه
لا أوحش المجدُ يا بني عمر / منكم فأنتمُ أجَلُّ من عَمَرَهْ
وعشتم في لَبوسِ عافيةٍ / يقاتل الدهرُ عنكُمُ غِيَرَهْ
دونَكها حُلّةً محبرةً / تَطرِف من كل حاسد بصره
زينةُ فخرٍ إذا تَلَبَّسها / سيدُ قوم لفاخرٍ فخَره
جُنّة حِرْزٍ إذا تدرَّعها / لقائلِ الهُجْر نَهْنَهَتْ ظُفُرَه
قصيرةُ البيتِ وهي سابغةٌ / على هوى السامعين مُقتَدِره
كَيَوْمِك الأرْيَحيِّ قصّره / ربك في عمرك الذي وَفَره
طالت فألوى بطولها كرمٌ / فيك جسيم فقيل مُختَصره
ولو علت لابساً سوالك من ال / نَاس لطالت وبينت قِصَرَه
شُنطفُ يا عُوذَة السمواتِ وال
شُنطفُ يا عُوذَة السمواتِ وال / أرض وشمسَ النهار والقمرِ
إن كان إبليسُ خالقاً بشراً / فأنت عندي من ذلك البشر
صوّركِ الماردُ اللعين فأع / طتكِ يداهُ مقابحَ الصُّورِ
ولم تَعافي من البغاء ولا ال / بردِ وخُبْثِ النسيم والدَّفَرِ
بل أنتِ فوق المُنَى إذا ذُكر ال / قبحُ وفُحشُ العيوبِ والقَذر
لم تَقطعي قطُّ ذا مُكايدةٍ / بل تقطعين الوتين بالبخَر
ترمين آنافنا بأسهمه / عن شر قوسٍ وشرِّ ما وتر
والطيز عند الغناء مختلجٌ / تضْحك أشداقه إلى الكمر
شنطُف يا سوءَ ما مُنِيت به / ما كُنتِ إلا فريسةَ القدر
لم تَنشُري قطُّ نائكاً وكذا / وجهُك حقاً يا نُشرةَ النشر
يا أيها السيدُ الذي غمرتْ
يا أيها السيدُ الذي غمرتْ / قِدْماً أياديه شُكر من شَكَرَهْ
قد كنتَ أوليتَني يداً عظمتْ / عندي وكانت لديك محتقرَهْ
أربعةً جُدتَ لي بها سلفاً / إذ عقّني من ثِقاتيَ البررَهْ
وكم يدٍ قبلها جَبرتَ بها / عظمي وكان الزمانُ قد كسرَهْ
فإن تُقاصِصْ فغيْرُ ذي شططٍ / وعبدُ مولىً أحقُّ من عذرَهْ
وإن تُؤخِّر قِصاصَ ذي عَوَزٍ / يشكْركَ والشكرُ خير ما ثمرَهْ
وحقُّك الشكر كيف كُنتَ وما اخ / ترتَ ففيه الصلاحُ والخِيَرهْ
وكُبْر ظنّي أنْ ليس مثلك من / أخدَجَ معروفه ولا بتَره
يفْديك من ذاك كل منتكِثٍ / يُعقِبُ من صَفوِ فعله كدره
رزقي لشهرين قد علمتَ به / أربعةٌ نيّفت على عشره
ونيِّفُ العقد كالسَّنام له / إن جُبّ أبقى بظهره دَبَره
لن يقضى العقدُ بعد نيِّفهِ / حاجة ذي حاجة ولا وطره
وكيف حملُ العقير راكبه / لا كيف أو قطعه به سَفره
فاترك لرزقي سنامه يَقِهِ / فأنت أولى موفِّرٍ وفره
يا مُؤثِرَ الناسِ بالثراء ومن / له عليهم بالسؤددِ الأثره
لا أوحش المجدُ يا بني عُمرٍ / منكم فأنتُم أجلُّ من عَمَرَه
يا من زكا جهرُه وإسرارُهُ
يا من زكا جهرُه وإسرارُهُ / وصحَّ إبداؤه وإضمارُهُ
أراك عاقبتَني لأني لم / أسألك شيئاً يجلُّ مقدارُهُ
وملتُ نحو الذي يميلُ أخو ال / جهل إلى مثله ويختارُهُ
وهْو البخورُ الذي محصَّلُنا / من ملكه قترُهُ وإعصارُهُ
ذاك الذي أشبهتْ روائحه / روائحَ الروضِ فاح نُوارُهُ
ولا ترى عاقلاً يُعاملُهُ / إلا إذا زال عنه إعسارُهُ
لكنَّه الندّ وهْو مقتَرحٌ / يجلَّ عن أن يُذمَّ مختارُهْ
لاسيّما ندّك الذي منعتْ / جوْدته أن يُسبَّ عطاره
سُمِّي ندّاً لأنه أبداً / تَبعد في الخافقين آثاره
تنِدُّ أرواحه فتطرأُ من / أقصى قَصيِّ البلادِ أخباره
كأنما ذِكرُك الذي حلف ال / معروفُ أن لا تنام سُمّاره
ينفذ أقطارَ كلِّ منخرقٍ / تحمي الرياحَ النَّفوذ أقطاره
يبعثُ نشراً له تطيبُ به / أنجادُ إقليمه وأغواره
إذا امتطى الريحَ سار منشمِراً / سيان مَدحيكمُ وسَياره
حقرتَ لي منه غير محتقرٍ / فراث عني لذاك إحضاره
وكُنتَ لا تَعذر المخفِّف في ال / تخفيف حتى يبينَ إعذاره
وحاجةُ السائل المثقِّل في / نفسك كالشُّهد حين تشتاره
وإنني تائبٌ إليك من ال / تخفيف توباً تصحُّ أسراره
ما بيننا بعدها مُطالبةٌ / إلا بما لا يُعاب مُمتاره
كالحاجةِ الفخمةِ الجليلة من / جاهٍ ومال يميل مِعْياره
وأنت أهلٌ لذاك يا سندي / ومن مَطافي وقِبْلتي داره
يا من له السؤددُ التمام إذا / كان لكل الأنام مِعْشاره
لن يحسُنَ الاحتشامُ من ملك / درهمه للندى وديناره
فحواه بشراه حين تسألهُ / وحلمهُ إن عثرتَ إنذاره
أنذر في البخل معشرٌ مُنُعٌ / وفي السماح الغريبِ إنذاره
يُقرُّ بالوعد حين يعقدهُ / وإن أتى العرفَ طال إنكاره
يا لك من منكرٍ ومعترفٍ / يُكرمُ إنكاره وإقراره
حرَّرنا طَولُهُ وعبَّدنا / فنحن عُبدانه وأحراره
يا من إذا المال حلَّ عِقوته / حُسِّن إقابله وإدباره
يُورِدُ من حِلِّه على كرمٍ / ثُم إلى العارفات إصداره
يا من يجيرُ المُلاوذين به / فالله من كل آفةٍ جاره
قصَّر من يسأل الحقائر أم / ثالك جِدّاً وآنَ إقصاره
فاعذر وإن كنتُ قد سألتك ما / يصغر فيما تُنيلُ قنطاره
وعجِّل الندّ وليكن عبقَ ال / نفحة يذكو وإن خبتْ ناره
فما قليلٌ قليل ذي كرمٍ / يطيبُ إقلاله وإكثاره
ومِن زَراءِ الكثير قطعُكَه / ومن بهاء القليل إدراره
صادت فؤادي عشيةَ النفرِ
صادت فؤادي عشيةَ النفرِ / ظبيةُ قصرٍ نأتْ عن القَفْرِ
كالشمس في حسنها وبهجتها / فإن تورّعْتَ قلتَ كالبدرِ
لو قُلِّدت نحرها السعود من ال / سَبعة قلَّت لذلك النحر
أو نُطِّقت خصرها بمنطقة ال / جوزاء قلَّت لذلك الخصر
قولا لمن عاب شعر مادِحه
قولا لمن عاب شعر مادِحه / أما ترى كيف رُكِّب الشجرُ
رُكِّب فيه اللحاء والخشب ال / يابس والشوك بينه الثمر
وكان أولى بأن يهذّب ما / يخلق ربُّ الأرباب لا البشر
فلم يكن ذاك بل سواه من ال / أمر لشيءٍ جرى به القدر
والله أدرى بما يدبره / منا وفي كل ما قضى الخِيَر
فليعذُر الناس من أساء ومن / قصر في الشعر إنه بشر
مطلبه كالمغاص في دَرك ال / لجَّة من دون دُرها خطر
وليذكروا أنه يُكَدّ له ال / عقل وتُنضى في قرضه الفِكر
وفيه ما يأخذ التخيُّرُ من / غالٍ ثمينٍ وفيه ما يَذر
وليس بدٌّ لمن يغوص من ال / جرف لما يُصطفى ويُحتقَر
دابر أوطاره إلى الذِّكَرِ
دابر أوطاره إلى الذِّكَرِ / وفاقدُ العين تابع الأثرِ
مآرب فاته المتاع بها / إلّا افتقاد العهود بالذِّكَرِ
إذا تعاطتْ منالهنّ يدي / أعجزْنَ إلا تناوشَ الفِكَرِ
سقياً لأيامٍ لم أقل أسفاً / سقياً ولم أبكِ عهد مُدّكرِ
سقياً ورعياً لعيشةٍ أُنُفٍ / أصبحتُ من عهدها بمفتقر
أمتعني دهرُها بغبطته / على الذي كان فيه من قِصر
إن يطوِ لذّاتها المشيبُ فقد / جنيتُ منها مَطايب الثمر
أجزعني حادثُ المشيب وإن / كنت جليداً مستحصِد المِرر
حُقّ لذي الشيب أن يعفّرهُ / لا بل كفاه بالشيب من عَفر
ما الشيب شيباً فإن سألت به / فالشيب شَوْبُ الحياةِ بالكدر
هلّا يسليك عن شبيبتك ال / شيب ومَنْعاه باقي العُمُر
أولُ بدءِ المشيب واحدةٌ / تُشعِل ما جاورتْ من الشعر
بينا تُرى وحدها إذ اشتعلت / أرتْك نار المشيب في أُخر
مثل الحريق العظيم تبدؤهُ / أولَ صولٍ صغيرةُ الشرر
تُعدي إذا ما بدت صواحبَها / كأنها عُرة من العُرر
كذا صغار الأمور ما برحت / تكون منها مبادئُ الكُبر
ليت شباب الفتى يدوم له / ما عاش أو ينقضي مع الوطر
لكنه ينقضي وإرْبتُهُ / في القلب مثل الكتاب في الحجر
يا لمّةً قد عهدتُها زمناً / سوداءَ سحماءَ جَثلة الغُدر
هل صِبغة الله فيك عائدةٌ / يوماً ولو بعد طول منتظر
أراحنا اللَّه منك يا قَذِرَهْ
أراحنا اللَّه منك يا قَذِرَهْ / فأنت عين الثقيلة الوَضِرَهْ
يا إخوتي إن عيشةً شغلت / بشاغلٍ حقُّ عيشة كدره
بخراءُ وقصاءُ في مغابنها / نَتنٌ مجيفٌ فكلها عَذِره
لا تغسل الدهرَ كفّها قَذَراً / فكفّها طولَ دهرها غمره
تحرِّم الماء من نجاستها / فهْي يد الدهر كله ذَفره
لم ينتشر قط من يشاهدها / وهْي على العالمين منتشره
رُشَّت بخِيلانها فجلدتُها / منقوشة مثل جلدة النمره
لهْفي لما قد رآه منك أبا / شيبة يا ذا الصديقة القعره
رضيتَ منها بأن تناك وتأ / تيك إذا ما أتتك منحدره
ساخرةً منك ثم تحسبها / جاءت بحق إليك معتذره
لا عجب أن يحب فاجرةً / من استه بالمَنيِّ منفجره
مُشبِهها في الحُلاق والقبح وال / نَتْن وبرد الطريقة الخصِرَه
فلا سقى اللَّه ربع عاشقها / ما عاش صوبَ السحابة الهَمِره
لخالدٍ زوجةٌ مكرَّعةٌ
لخالدٍ زوجةٌ مكرَّعةٌ / تكريعُها في البلاد مشهورُ
يعيش من طبلها ومن حِرها / فبيته القَلْطبان معمور
يلومه الناس أنْ تزوجَها / والشيخُ لو يعلمون معذور
لولا استُها جاعت استه أبداً / وعاش ما عاش وهو مضرور
دعُوه يمتار من فياشِلها / بعلة الطفل تشبع الظير
شاعتْ له دعوةٌ فأتبعها
شاعتْ له دعوةٌ فأتبعها / بدعوةٍ واللئيمُ ذو نظرِ
لما ادعى والداً فجاز لهُ / تَداخلَته حلاوةُ الظفر
فاختار بنتاً لكي يكونَ لهُ / كَعْثبها وُصْلةً إلى الكَمر
يزعمها بنتَهُ وأُقسم لل / شوكيُّ أولى بها من البشر
لخالدٍ زوجة يُلقِّمها
لخالدٍ زوجة يُلقِّمها / بكفه من أطايب الكَمرِ
يُبركها الشيخ ثم يقبض بال / خمس على كل مُحصَد المِرَرِ
حتى إذا ما اسمَغدّ في يده / واعتمّ من جانبيه بالعُجَرِ
صكّ عِجان استها بفَيْشته / كصكَّة المنجنيق بالحجرِ
قد عُجِّلت لي عقوبة الخورِ
قد عُجِّلت لي عقوبة الخورِ / وأنت فاحذرْ عقوبة البطرِ
خِرْتُ فأملتُ ما لديك فعو / قِبْتُ بفوتِ النجاح والظفرِ
وأنت أيضاً بطرت إذ وردت / عليك دنيا وشيكة الصَّدرِ
فاصبر ستُجزَى بما بطرتَ من ال / سُوء كما قد جُزيتُ بالخور
ما آمنتْ نفسُ من رجاك بما / أنزل ربُّ السماءِ في السور
هل كان راجٍ يراكَ عِصمتَهُ / لولا اتهام القضاءِ والقدر
أسلمتني من يديك في يديَ ال / لَهِ وحَسْبي به من البشر
قِدماً كفاني وما عرفتك في / بدوٍ من الأرض لا ولا حضر
رزقي لستَ الذي تُسبِّبهُ / مسبِّبُ الرزقِ مُنشئُ الصُّور
فاركبْ طريقاً أراك راكبَهُ / يُفضى بركبانه إلى الغِيرِ
نُعماك عندي التي أقرُّ بها / أنك أصبحت لي من العبر
أصبحت لي عِبرة رأيت بها / رشدي وقد كنت زائغ البصرِ
وشكر تلك اليد الدنيئة إع / فائيكَ مني يا تافه الخطر
بل ذاك حظي فلست أحسبُهُ / عليك شكراً يا شرّ مختبرِ
والذم شُكرِيك إذ رأيتك ته / وى الذمّ فاصبر لشرّ منتظَر
وحبُّك الذمَّ لائق بك ما / أشبه خَطْم الخنزير بالقذر
أنت الوزير الذي وزارتُهُ / معدودةٌ في الكبائر الكُبَر
فاذهبْ عليك العفاءُ من رجل / لا بل عليك الدَّبار في سَقر
آخر جهلي بك الغداةَ عِتا / بيك وما للعقابِ والحجرِ
لا جهلَ لي بعده وكيف وقد / كَيَّسني ما وُهبتُ من حذر
لهفي لآصالي التي اتصلت / في غير شيء لديك بالبُكر
كدرتَ قبل استقاء آملك ال / خائب قبحاً للوجه والخبر
ولو أثارتك دلوهُ رجعتْ / إليه مملوءةً من المدر
وكيف يصفو الذي أثار به / من كُدِّرت عينه ولم يُثَر
أبديتُ في أُوليات لؤمك ما / قدرتُ في أخرياته الأخرِ
هلّا بدا الصفو منك ثم بدا / رنْقُك مِثل الطِلاءِ والسَّكر
أو كُدِّرَ البدءُ ثم أعْقبه / صفوٌ ففي ذاك وجه معتذَر
بل كنتَ كالأسودِ الغليظ أخي ال / نَتْن لمن شمَّه وذي الوضَر
كالقَطِران الذي يُرى أبداً / في رأسهِ ما اقتنى من العكر
وذاك يصفو لدى إماطةِ أع / لاهُ وما إن تزال ذا كدر
أصبحتَ حزت النقيصتين معاً / تقصيرَ سعيٍ ضَوى إلى قِصَر
دِنتَ بدينٍ من النذالة أد / دتْكَ إليه لطافةُ النظر
يا لك من حكمةٍ ملعَّنةٍ / أمرِّ ما أثمرتْ من الثمرِ
وكيف يحلو جنىً مَطاعِمُهُ / منك بعودٍ من أخبث الشجر
فكَّرْ أبا البنت هل تُؤثِّل ما / تجمع إلا لناكحٍ ذَكر
تغْصبه أهلَهُ وتمنعُهُ / حقوقَهُ للقُمدِّ ذي العُجَر
واسوأتا للحكيمِ همتُهُ / إشباعُهُ بنتَهُ من الكمر
يجمع ما يخطِب الأيور به / غدا إذا غيَّبَتهُ في العَفَر
مُطَّرَحاً حقّ من يلوذ به / إلا المُنى أو كواذبَ العِذر
يا أيها الفيلسوف ذا الحكم ال / جمّةِ مما روى ذوو الفِكرِ
هل حكمةٌ أنَّ قفلَ كفك لا / يفتَح إلا بمِفتَح العُذَرِ
تبخل إلا على القُمُدّ إذا / شقَّقَ ذاتَ الدلالِ والخفر
تُضحي وتمسي وأنت ملتمسٌ / أعيَطَ كالرمح من ذوي الطُّرر
ينزو عليها فتستمِيت لهُ / فيغتدي في النُّزاء والأشر
يعجبُك الفحلُ في تراجعه / على عِجان الفتاةِ بالسَّحر
للَّه ماذا يكون بينهما / إذا تلاقتْ مداهن السّرَر
لهفُك أنْ لا تكون عندهما / إذا أجابا الحقيقَ بالنُّخَر
ذلك أشهى إليك من نغم ال / شدو تناغيه غُنّةُ الوتَر
وهي تفدِّيه بالأب الأحمق ال / مائق والرُّهزُ طائرُ الشَّرر
لتِلك أثَّلتَ أو لذي هَوجٍ / أصبحت تُكنَى به أبا العبر
يُكَنى أبا صالحٍ وصالحُهُ / تكثيرُهُ من يحُلّ في الحفر
لا تدعُوَنْ بالبقاء ويك له / فموتُهُ من أخاير الخير
قفاه هول لمن تأمَّلهُ / ووجههُ طِيرةٌ من الطّيَر
إذا تلَّوى على مُجالسِهِ / في الحفل عاينْتَ شُهرة الشُّهر
فإن تعاطى الحديث مات من ال / عيِّ وأبصرتَ عُرّةَ العُرر
يصفِر في السير ماله صَفِرَت / به دواعي المنون في صفر
مُبثبِثاً مثلَ عمّه الأعور ال / معورِ أهلِ الإعوارِ والعَور
يُتعِب جلاسَهُ ويُنصِبُهم / نَوْكاً فيودي بكل مصطَبر
أوْدِع سِواه الذي جمعتَ لهُ / إن كنت ترعاه يا أبا البقر
فلو جمعت الجبال أتلفها / في غير حقٍ يُقضى ولا وطر
وإن وقفت الوقوفَ فاز بها / قاضٍ يرى ظلمَ كل ذي صِغر
يأكلها تارة ويُؤكِلها / طوراً وكيلاً بأغلظ الأجر
وابنك ممن يشيخ وهو من ال / أيتام يا لليتيم ذي الكِبر
ليس يراه امرؤ فينصِفَهُ / والظلم مُغرىً بكل محتقَر
لا يرتجي المرتجون عدل أبي / بكرٍ على مثله ولا عمر
فاطلب لإرث الشقيّ عنك غداً / مستودِعاً إن أثرت أو فَذَر
أودعْه أهلَ الوفاءِ في مِننٍ / تُعقَد لا في الصِّرار والبِدَر
أودِعْ له المال لا على جهة ال / إيداع بل كالجِباء والشَّبر
يحفظْك فيه المحافظون إذا / أضحى من الضارطين بالكِسر
واهاً لها من نصيحةٍ صدرت / من صدرِ حُرٍّ عليك ذي وَحر
الحمد للَّه لا شريك لهُ
الحمد للَّه لا شريك لهُ / مدبِّر الأمر مُنزل القَطرِ
عُضدتَ بابنين أصبحا لك في ال / تدبيرِ مثل اليدين للظهرِ
وشكرُها ذاك أن تُقيل وأن / تصفحَ يا ذا السناء والفخرِ
يا أكمل الناس في فضائله / من أهل بدوٍ وساكني حضرِ
بحقّ مَن تُوجَب الحقوقُ لهُ / من هاشميِّيك أنجم الدهرِ
صِلنا بأن تُكمل الرضا لأبي / إسحاق تَسعد بالحمد والأجرِ
وهبت شطر الرضا له فهب ال / كلَّ فليس الكمال في الشطرِ
قد فاز بالمجلس الشريف فبد / دِلْهُ بلحظ الرضا من الشزر
أنت الثِّقاف الذي يقام به ال / زَيغ وأنت المُقيل للعَثر
أنت الذي أنزلتهُ همتُهُ / منزلة الفَرقدين والنسرِ
وأنت في عِفَّة السريرة وال / علم شبيه بجدك الحَبرِ
ما نعمةُ اللِّه فيه راضيةً / صدَّك عنهُ بوجهك النضرِ
كم قائل حين قيل إن أبا / إسحاق غادٍ غداً مع السفر
ما مثلُ ذاك الفتى يُعَرَّض لل / بَرِّ وآفاته ولا البحر
أما ونُعماك إنها قسمٌ / قام مقام اليمين والنذرِ
لا أدَعُ النصح ما استطعتُ وإن / لاقيتني بالعُبوس والزجر
إني شهيدٌ بأنك اليوم إن / غاب فُواقاً فُجِّعت بالصبر
وكيف بالصبر وامتزاجُكما / مثل امتزاج الزُّلال والخمر
صُنهُ عن العنف إن مَغمزَهُ / من عودِك اللدن لا من الصخرِ
وفي تعدِّي الحدود مَفسدةٌ / وليس كل الأمور بالقسر
أما ترى العودَ إن عَنَفتَ به / جاوزتَ تقويمَهُ إلى الكسر
ولست من يكسر الصحيح ألا / بل جابرَ الكسر جابرَ الفقر
ما زلت ضد الزمان تصلِح ما / يفسد مذ كنتَ من بني العشر
تَجبرُ ما تكسِر الحوادثُ فال / كسرُ عليها وأنت لِلجبر
خذها عروساً لا أقتضيك لها / غير الرضا عن فتاك من مَهر
وإن تماديتَ في مَساءتنا / فيه شكونا إلى أبي الصقر
أشدْ بأيامنا لتشهرَها
أشدْ بأيامنا لتشهرَها / وقلْ بها معلناً لتظهرَها
وابغ ازدياداً بنشْر أنعُمها / لا تخف إحسانها فتكفُرَها
مِنْ حَلَبِ الصُّنع أن تُبادر بال / نِعمة مُوليكها فتشكرَها
إنّا غدونا على خلال فتىً / كرَّمها رَبُّنا وطهَّرَها
باكَرنا بالصَّبوح مُدَّلجاً / لنشوةٍ شاءها فبكَّرها
عاج بنا مائلاً إلى حِلَلٍ / قصورِ مُلكٍ له تخيرها
من إرثه عن أبي محمَّده / يا لك مأوى العلا ومفخرَها
أحكمَ إتقانها بحكمته / وشاد بنيانها وقدرها
وسط رياض دنا الربيع لها / فحاك أبرادها ونشَّرها
وجادها من سحابه دِيَمٌ / ورَّد أنوارها وعَصْفَرها
وساق ما حولها جداولها / فشقَّ أنهارها وفجَّرها
فارتوتِ الماء من جوانبها / فزانها ربّنا ونضّرها
فهْي لفرط اهتزاز رونقها / تُخيلُ نطقاً لمن تبصّرها
كأنها في ابتهاج زهرتها / وجهُ فتى للسرور يَسّرها
إذا بدا وجهُهُ لزهرتها / حار لها تارةً وحيّرها
واختار من أحسن السقوف لها / أفضلها قيمةً وعَرْعرها
مشْعَرةً بالشموس من ذهب / بين عيون تنير مُشعرَها
كأنها في احمرارها شُمُسٌ / يعشَى لها من دنا فأبصرها
أمامها بركة مرخَّمةٌ / ترضى إذا ما رأيت مرمرها
أعارها البحر من جداوله / لُجّاً غزير المياه أخضرَها
كأنما الناظر المطيفُ بها / فوق سماءٍ حنَى لينظرها
رِباعُ مُلك يريك منظرُها / أنبلَ ذي بهجة وأكبرها
لو قابلتْها بنا خلائقنا / لم نكُ في حسنها لنَعشِرها
ثم أتى مُبدعاً بمائدةٍ / عظّمها جاهداً وكبرها
محفوفةً شهوةَ النفوس على / أحسنِ نَضْدٍ تروق مُبْصرها
تخالها في الرُّواء من سعةٍ / كدارةِ البدر حين دورها
ثم انثنينا إلى الشراب وقد / جاء بآلاته فأحضرها
من تُحَفٍ ما تُغِبُّ فائدةً / لم تكُ في وهمنا ولم نرها
وَقينةٍ إن مُنِحْتَ رؤيتَها / رَضِيتَ مسموعَها ومنظرها
إذا بدَتْ لِلعيون طلعَتُها / أبدتْ لها سرّها ومُضْمَرها
شمسٌ من الحسن في مُعَصفرةٍ / ضاهتْ بلونٍ لها مُعصفرها
في وجناتٍ تحْمَرُّ من خجلٍ / كأن ورد الربيع حمَّرها
يسعَى إليها بكأسه رشأٌ / أنَّثَهُ اللَهُ حينَ ذكَّرها
تُشْبه أعلاهُ لا تُغادِرهُ / وينْثني مشْيها مؤزَّرَها
يقول من رآهُ وعاينَها / سبحان من صاغه وصورها
في كفّه كالشَهاب لاح على / ظلماء ليلٍ دجتْ فنوَّرها
كأن زُرْقَ الدَّبا جوانبها / تاحَ لها تائحٌ فنفَّرها
إن برزت للهواء غيرها / أو قُرِعَتْ بالمزاج كدَّرها
فليسَ لِلشَارب الحصيف سوى / أن تتراءى له فَيَبْدُرها
ثم أتت سُرَّعاً مجامرُهُ / تمنحها نَدَّها وعنبرها
يا لذةً للعيون قد عَلِمتْ / بأنها جُمِّعَت لتبهرها
أو شهوةً للنفوس ما برحت / تُبدي لنا حسنها لنشهرها
يا حسرتي كيف غاب وهب ولم / يكن لنا حاضراً فيحضُرَها
إذا أتى سالماً كمُنيتنا / أعادها محسناً وكرَّرها
أحسنُ من كل ما بَدأتْ به / أخلاقُهُ إذْ بدا وأظهرَها
من كرم يستبي مُعاشِرَهُ / وعشرةٍ لا نذُمُّ مَخبرَها
وخدمةٍ للصديق دائمةٍ / تَجشَمُها النفسُ كي يوقِّرها
تواضعٌ لا تشوبُهُ ضَعةٌ / وشيمةٌ لا يرى تفتُّرَها
أَيا خلالاً كَمُلْنَ فيه لقد / حسَّنها اللَه ثم كثَّرها
ويا أبا القاسم اغتنِمْ مِدَحي / تغنمْ من المكرُمات أفخرَها
واعلم بأني امرُؤٌ إذا سنحتْ / للفظه المأثُراتُ حبَّرها
ثم حدا نطقَها بفطنته / فساقها مُوشكاً وسيَّرها
ها إنها مِدحةٌ مبالغةٌ / إن امرُؤٌ منصِفٌ تدبَّرها
يا ابنَ الوزيرَينِ لا مُواربة
يا ابنَ الوزيرَينِ لا مُواربة / قد مازجَ الصفْوَ عندكَ الكدرُ
أليس بدٌّ من الذعاف مع ال / شهد بلى والذنوبُ تُغْتَفَرُ
مالي بدار الهوان مُصْطَبَرٌ / ولا بدار الضّياع مصطبر
ولو كستْني السماءُ زينتَها / تاجاً وأمضَى احتكاميَ القدر
وأنت إن شِئتَ كان بينهما / مَعْدىً لذي حُرمةٍ ومُعْتصَر
أودى بصبري الأذى وبرَّح بي ال / فَقْرُ وأنتَ المَلاذ والعَصَر
قد رفع اللَه قدر مثلِك بال / قدْرة يا من يُطيعُهُ القَدر
أن تمنح الصفوَ جُلُّهُ كدرٌ / أو تمنح النفعَ جُلُّهُ ضرر
حسبي نصيراً على أخي كرم / أنْ ليس لي مِنْ أذاه منتصَر
هبْني امرَأً لم يكن له خطرٌ / ولم يزل يُزدرَى ويحتقر
جاءك مستشفِعاً بطَولك أن / تَزْهاهُ حتى يُرى له خَطر
ألم يكن واجباً عليك له / ذاك بحقٍّ إنْ صُحِّحَ النظر
بلى فما بالُ من له خطرٌ / ومدحُهُ فيك كله غُرر
جاءك يبغي المزيد منك فقد / صار حديثاً وعندك الخبر
أضحى عدوٌّ قد كان يَحْسدُهُ / ودمعُهُ رحمةً له دِرَر
أظْلمَ ليلي وأنت لي قمرٌ / فَنَوِّرِ الليلَ أيها القمر
أجدَبَ سرحي وأنت لي مَطرٌ / فزحزح الجدبَ أيها المطر
أرابَ دهري وأنت لي وَزَرٌ / فدافع الريبَ أيها الوَزَر
أخطأتُ قصدي وأنتَ لي بصرٌ / فاركبْ بيَ القصد أيها البصر
كم قائل حين جاءهُ خَبري / تاللَّه ما قُدِّرتْ له الخِبَر
إنْ لا يغادر وشِلْوُهُ جَزَرٌ / بين سباع فقدْرُهُ جَزر
أضحَى ابن شاهينَ للورَى عجباً
أضحَى ابن شاهينَ للورَى عجباً / بلِحيةٍ لم تَطُل بمقدارِ
كثيفةٍ في النباتِ وافرةٍ / أوْفت على طوله بأشبار
لو أنها شِعرةٌ يُنَوِّرُها / لم تكفِها نَوْرةٌ بدينِار
قد قُرن المشتري إلى البدرِ
قد قُرن المشتري إلى البدرِ / ووافق السؤلُ ليلةَ القدرِ
ضُمَّ إلى خير والد ولدٌ / حل محلَّ الفؤاد في الصدر
سيدة في الزمان أهدت إلى ال / سيِّد أنساً لسيد غَمر
أمتعَه أفضلَ المتاع به / مُعطِيه إياه آخرَ الدهر
أرى رجالاً قد خُوِّلوا نِعَماً
أرى رجالاً قد خُوِّلوا نِعَماً / في خفة الحلم كالعصافيرِ
تبارك اللّه كيف يرزقهم / لكنه رازق الخنازير
يا أيها السائلي لأُخبرَهُ
يا أيها السائلي لأُخبرَهُ / عنّيَ لِمْ لا أزال مُعتجِرا
أستر شيئاً لو كان يمكنني / تعريفه السائلين ما سُترا