المجموع : 4
قد كان لي في شبيبتي فَرَحٌ
قد كان لي في شبيبتي فَرَحٌ / يحدُثُ لي بغتةً بلا سببِ
فمذ تولَّى الصِّبَا تبيَّنَ لي / أن الصِّبَا كان موجبَ الطربِ
حظٌّ تولَّى فلستُ أُدرِكُهُ / إلّا بعونٍ من ابنةِ العنَبِ
فهاتِها من شبيبتي بدلاً / أَقْضِ بها بعضَ ذلك الأربِ
صفراءَ مثلَ النُّضَارِ ألبَسَها / مزاجُها لُؤلُؤاً من الحَبَبِ
فأسعدُ االناسِ منْ حوتْ يدُه / ما شاء من لُؤلؤٍ إِلى ذهبِ
صُبَّتْ على حِمْيَرٍ وما انتَهبُوا
صُبَّتْ على حِمْيَرٍ وما انتَهبُوا / بِيضٌ رِقاقٌ وشُزَّبٌ قُبُّ
لُفَّتْ على حيِّهم عجاجَتُنا / والشمسُ غَضٌّ شعاعِها رَطْبُ
جئناهُمُ والسماءُ مُصحِيَةٌ / والأرضُ خضراءُ نبتُها القُضْبُ
فما انثنينا إلّا وجَوُّهُمُ / أكلفُ والشمسُ قانِئٌ غضبُ
لم تَنْجُ منهم إلّا مخَدَّرةٌ / دافعَ عنها الرِّعاثُ والقُلبُ
يا قاتل الله معشراَ ظلموا ال
يا قاتل الله معشراَ ظلموا ال / حكمة فينا واغمضوا الكتبا
في السحر والكون والعزائم وال / طلسم قد رتبوا لها رتبا
والكيمياء العويص قد لقي ال / ناس بتدبير أمره نصبا
في المعدنيات والنبات ولم / يغادروا معدناً ولا عشبا
حقائق تشبه المجاز وأمثال / يحاكي صدقها الكذبا
حتى إذا ما الحكيم أبصرها / والجاهل الغرّ أمعنا هربا
قالوا ولم يكذبوا ولا صدقوا / قولاً خفيَّ الرموز مضطربا
إنَّ بني الحكمة الشريفة قد / أتاهم الله قدرة عجبا
سخّر أفلاكهم لأمرهمُ / نجومَها السائراتِ والشهبا
وسخر الاربع الطبائع لا / قائم من أمرهم بما وجبا
والمعدنيات والنبات وما / فيه حياة مما نما وحبا
في قولهم تكوين ما طلبوا / إن قلبوا كل شيء انقلبا
قالوا ولا غرو أنهم علموا / إذ عرفوا الأصل فيه والسببا
وأيسرُ الأمر عندهم عملُ ال / فضة إذ يقلبونها ذهبا
وحيّروا الناس في كلامهم ال / غامض حتى تفرقوا شعبا
لكن أتانا الذين هُمُ / من خشية الله جانبوا الريبا
قالوا اجعلوا كل ماله جسد / لا جسداً واريحوا به التعبا
وجسّدوا الشيء ما له جسد / وقد وصلتم وحزتم الأربا
وقرّبوا الأمر فيه وهو إذا / سَهَّلَه الله ربنا قربا
يرزقه الله من يشاء ولم / يلاقِ فيه بؤساً ولا نصبا
تنينا جائع له ذنب
تنينا جائع له ذنب / يمتصّ منه الغذا إذا سغبا
وهو بذاك الغداء يرضعه / يعود حياً من بعد ما عطبا
كالطفل من ثدي أمه رضع ال / لبان حتى نما وحبا
فراشه ترينا الذي شرب ال / ماء زماناً حتى ارتوى وربا
قد صيّر الماء والهواء له / من بعد أن صعدا هما ذنبا
وإنما النار والهواء هما / غذؤه دائما فيا عجبا