القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : ابنُ الرُّومِي الكل
المجموع : 119
يعطيك يوماً فيقتضيك به
يعطيك يوماً فيقتضيك به / مَريرة من مرائر الجسدِ
يَسْتَرِقُ الشيء من قُواك وإن / كان خفياً عن أعين الرَصَدِ
حالاً فحالاً حتى يَرُدَّكَ لل / كِبرة بعد الشباب والغَيدِ
فيتَّقي الله أو مسبَّتَكُم
فيتَّقي الله أو مسبَّتَكُم / فيختصي أو يَئيم أو يئدُ
مَلذّة تُجتَنى ومنفعة
مَلذّة تُجتَنى ومنفعة / للسالكين السبيلَ والقَعَدِ
وأي شيء أجلُّ منفعةً / من أسدٍ قاسطٍ على أسدِ
وأي لصٍ أجلُّ مَرْزأة / من مُتْلِفِ الروح مُتْلِف الجسدِ
وفيك أشياء من خلائقه
وفيك أشياء من خلائقه / محمودةٌ لا يذمها أحدُ
لا الغَشْم منه بل البسالة وال / نجدة عند الحفاظ والجَلَدُ
فأنت يومٌ لآملٍ وَغَدٌ / وأنت يومٌ لخائف وغدُ
حَقِّيَ ظني بك الجميل إذا / ساءت ظنوني وخانت العُددُ
لا تترك العيْثَ من أبي حسن / يُميل عرشي وأنت لي سندُ
فلم تزل عند كل مُظْلِمَةٍ / سوداء تَبْيَضُّ من يديك يدُ
جريتُمُ سابقين شأوَكُمُ
جريتُمُ سابقين شأوَكُمُ / ثم كَبَوْتُمْ في آخرِ الأمدِ
قل لكتابٍ إذا مررتَ بها / ليتك لم تولدي ولم تلدي
حامِدَ ربٍّ أراك مثلهما
حامِدَ ربٍّ أراك مثلهما / حمداً يُثاب المزيدَ حامدُهُ
بحسبنا كاشفاً عواقبَه / أنَّ شهاب الظلامِ والدُهُ
وأن جدَّ الفتى الوزير أبو ال / قاسم فرْدُ الجلالِ واحِدُهُ
لما ادعى والداً فجاز له
لما ادعى والداً فجاز له / تطلَّعتْ نفسُه إلى ولدِ
ولم يكن خالدٌ وهمتُه / تلك ليرضَى بدعوةٍ فَقَدِ
حتى تراه العيونُ تَكْنفُهُ / ثنْتان كالعقدتين في مَسَدِ
فلا تلوموه إن نفى شبهاً / قد كان فيه بالواحد الصمدِ
كان بلا والدٍ ولا ولد / فرداً وحيداً فصار ذا عددِ
أرسلها صاحب البريد كما
أرسلها صاحب البريد كما / قُوِّضَ بعضُ الهضاب من أُحُدِ
سارت بلا كُلْفَةٍ ولا تعبٍ / سَيْر القوافي الأوابد الشُّرُدِ
كأّنما طارت الرياح بها / فألحقتْها بكل ذي بُعُدِ
لو أنَّ أخبارَهُ كضرطته / إذن كَفَتْهُ مؤونة البُرُدِ
فادَّرعِ الجهل فوقهنّ ولا
فادَّرعِ الجهل فوقهنّ ولا / يُغفل حليمٌ من جهله عُدَدَهْ
وعامِل الجاهلَ السفيه بما / يقيم من متن عوده أودَهْ
من صَوْنك الحلمَ أن تدَّرِعَه ال / جهلَ فظاهرْ من دونه زَرَدَهْ
ولا يريبنّ ثعلبٌ أسداً / إلا قَراه رَداه أو طردَهْ
تالله ما يأمر السداد بأن / أُسْلِمَ عودي لكلِّ من خضدَهْ
أعتقتُ عَبدَيَّ في القريض معاً / عبدةَ والفحلَ من بني عبَدَهْ
إنْ أنا لم أجزِ بالإِساءة من / زاغ عن القصد أو أبَى رشدَهْ
فقل لمن أُبرِق العذابَ له / إن أنت لم تخش يومه فغدَهْ
أستغفر الله من مخالصتي / إخوانَ سوء أَدِقَّةً زَهَدَهْ
عَمرْتُ دهراً أراهُمُ عُقَداً / لنائبات الزمان مُعتَقَدَهْ
ثم تبينتُ أنهم قُذُرٌ / ليست لدى فَقْدها بمفتقَدَهْ
أقسمتُ لا زلتُ هاجياً لهمُ / ما التطم البحر قاذفاً زَبَدَهْ
ويل لمن نام عن مَراشده / سينقضي ليْلُهُ وما رقدَهْ
لا يَلْحني جارمٌ سطوتُ به / من زرع الشرَّ عامداً حصدَهْ
لستُ بباغٍ على المشاغب ذي ال / بَغْي ولا عزّتي بمضطهدَهْ
جعلتُ عدلَ القصاص مُلتَحدي / فليَكن البَغْيُ ثَمَّ مُلْتحَدَهْ
كذاك إني خُلْقت ذا لَدَدٍ / حتى أرى الخصْمَ تاركاً لددَهْ
لا سيَّما من عَفْوتُ عنه فأطْ / غَتْه أَناتي وهيَّجَتْ صَيدضهْ
قلتُ لمن قال لي عرضْتُ على ال / أخْفش ما قلتَه فما حَمدَهْ
قَصَّرتَ بالشعر حين تعرضه / على مُبين العمى إذا انتقدَهْ
ما قال شعراً ولا رواه فلا / ثَعْلَبَه كان لا ولا أسدَهْ
فإن يقل إنني رَوَيْتُ فكال / دفْتَر جهلاً بكل ما اعتقدَهْ
أرُمتَ زيني بأن تُعرِّضني / لمدحه فالذليل من عَضَدَهْ
أم رمت شَيْني بأن تعرضني / لثلبه فالسَّليم من قصدَهْ
أنشدته منطقي ليشهده / فغاب عنه عَمىً وما شهدَهْ
وقال قولاً بغير معرفةٍ / إفكاً فما حلَّ إفكُهُ عُقَدَهْ
شعريَ شعرٌ إذا تأمَّله ال / إنسان ذو الفهم والحجا عَبَدَهْ
لكنه ليس منطقاً بعثَ ال / لَهُ به آيةً لمن جحدَهْ
ولا أنا المفهِم البهائَم وال / طَيْرَ سليمانُ قاهرُ المردَهْ
ما بلغتْ بي الخطوب رتبةَ من / تفهم عنه الكلاب والقردَهْ
وحسب قردٍ أراه يحسدني / أن يسْكنَ اللَّهُ قلبَه حسدَهْ
لا خفَّفَ اللَّهُ عنه من حسدي / وزاده اللَّه فوقه كمدَهْ
ولا تزل صورتي إذا طلعت / لناظريه قذاه بل رمدَهْ
ما ضرَّ شعري أعابه سفهاً / أم دسَّ في حُجر أمِّه وتَدَهْ
أُرْعدْتُ إرعادها مجبِّيةً / إن لم أكثِّر من ابنها رِعَدَهْ
يا عجباً منه والعجائبُ لا / تنفد ما مد دهرنا مَدَدَهْ
أيغتدي ذا عمى وذا صمم / من فَتَحَتْ كلُّ فَيْشَة سُدَدَهْ
لا رحم اللَّهُ أُمَّ أخْفَشكمْ / ولا سقى قبر والد وَلَدَهْ
ماذا عليه وقد رأى ولداً / أعور جَمَّ العُوار لو وأدَهْ
ما البنت أولى بذاك منه إذا / هَزاهزُ النَّيْك هزهزتْ عَمَدَهْ
قبحاً لمختاره وصاحبه / ومجتبيه فما رأى رَشَدَهْ
يا عجباً من مُشَوَّهٍ نَطفٍ / واجدُه في الورى كمن فَقَدهْ
أسقطه الجهل والسَّفال فما / يصلح إلا لكفِّ من قَفَدَهْ
يخطِب حربي على تمردها / لموعدٍ كان ظنُّه وعدَهْ
مستمطراً عارضي صواعقه / جهلاً وحيْناً ولم يُطِق بردَهْ
بُعداً لمن أَنذَر الدُخَانُ وقد / أَوقد شَرِّي فما اتقى وَقَدَهْ
يقدح في أثْلَتي وينحتُها / من غير وتْرٍ علمته حَقَدَهْ
يَقفده معشرٌ ويشتمني / وثأرُه في أصابع القَفَدَهْ
من حقه أن يكون مَصْفَعَةً / أذلّ للصافعين من نَقدَهْ
مُوَضَّعٌ يستكدُّ فقْحَتَهُ / مُلتَمساً للبنين والحفدَهْ
أقسمتُ لو أُولدَ الرجال لقد / أُولد أَلفاً وحقَّ أن يلدَهْ
وليس يأَتي البنون من رحمِ ال / فقحة إن ذاد عقلهُ فَنَدهْ
وشرُّ عُضْوٍ يكون في رَجُلٍ / مقْعَدة لا تزال مُقْتَعَدَهْ
أقول لما رأيتُ أخفشَكم / يجيل في مُقْدِم الغلامِ يدَهْ
ماذا يُريغُ الضرير مجتهداً / قالوا عَصَاهُ لنازلٍ جَهَدَهْ
عصا من اللحم والعروق له / يجسُّ تلميذُه بها كبدَهْ
مَسْكَنُها في حشا أبي حَسَنٍ / لا أسكن الله روحه جسدَهْ
أسجدُ من هدهدٍ إذا برزت / فيشةُ فحلٍ عظيمة العَكَدَهْ
ممن أبى الله أن ينفِّلَه / أجراً وما إن يزال في السَّجَدَهْ
لا يشتهي من مُهَفْهَفٍ جَيَداً / بل يشتهي من عُجارمٍ جَيَدَهْ
ما زال لا يشتهي النواهد مذْ / كان غلاماً ويشتهي النَّهدَهْ
سأسْمعُ الناس ذمّه أبداً / ما سمع الله حمد من حمدَهْ
ناشدتك اللّه والحفاظَ وإحْ
ناشدتك اللّه والحفاظَ وإحْ / سانك بي أن تَفُتَّ في عَضُدي
أنت الشراب الذي أسَغْتُ به الْ / غُصَّةَ يا سيدي ويا سندي
ولم أخف أن تكون لي شَرَقاً / كلّا ولا غُلَّة على كبدي
فلا تصدَّنَّكَ الوِشاية عن / شدِّكَ أزْري ومُنَّتي ويَدي
ودُمْ على كل ما ابتدأتَ به / مُؤكِّدا ما شدَدْتَ من عُقَدي
فإنَّني بين خُطَّتيْن هما / عزِّيَ دهري أوْ ذِلّتي أبدي
إن أنت أعززتني عَزَزْتُ وإنْ / أَسلمتني للعِدى وهَتْ عَمَدي
أنَّى ومِنْ أين منك لي عِوَضٌ / وأنت ظهري وأنت معتمدي
هَبْنيَ لا حقَّ لي سوى مِقَتي / إياك حسبي بذاك من رَشدي
أنت الذي أصْبَحَتْ محبتُه / حلَّتْ محل الحياة من جسدي
ولا تلُومَنَّني على جَزَعي / فَدُون ما بي أتى على جلدي
لَوْ أَسَدٌ نالني بمخلَبه / ما نالني ما تراه من كمدي
لكنَّه ثعلبٌ أُسِرْتُ لَهُ / فنال منِّي وحسبهُ أَسَدي
قد كَبَتَ الحاسدَ انتصارُك لي / بدْءاً فلا تُشْمتنَّ ذا حسدي
لو كنت يوم الفراق حاضرنا
لو كنت يوم الفراق حاضرنا / وهن يطفئن غُلَّة الوجْدِ
لم تر إلا دموع باكيةٍ / تَقْطُرُ من مقْلةٍ على خدِّ
كأَنَّ تلك الدموع قطرُ ندى / يقْطُر من نرجسٍ على وردِ
في كبدي جمرةٌ نَكَتْ كبدي
في كبدي جمرةٌ نَكَتْ كبدي / وفي غدٍ مُنىً لبعْدِ غدِ
وبي سَقام جوى الفؤاد كما / عندي صنوف له من الكمدِ
تعْيَى يدي والظلام معتكرٌ / من طول مدِّي إلى السماء يدي
واكبدا قد ضَنيتُ فما / أقدِرُ ضعْفاً أقول واكبدي
ألَّفَ بين الفؤاد والكمدِ
ألَّفَ بين الفؤاد والكمدِ / وحال دون العناء والجلَدِ
ظبيٌ غريرٌ كأنَّ ريقَتَهُ / نكْهَةُ خمْر نُزِّلَ في بَرَد
يا منيَةَ النفسِ لو أبوح بها / ويا شفاءَ السقَّام والكمدِ
أصبرُ حتى أموت فيك ولا / أشكو الذي شفَّني إلى أحدِ
خشيتُ أنِّي ومن كَلفْتُ به / لا نتلاقى ونحن في بلدِ
لعل دهراً فُجعت فيه بكم / يُعقبُ حتى أراك طوع يدي
فتى على خُبْزه ونائلِهِ
فتى على خُبْزه ونائلِهِ / أشفَقُ من والدٍ على ولدِهْ
رغيفُه منه حين يُسأَلُهُ / مكان روح الجبان من جسدِهْ
إذا مطلت امرأ بحاجته
إذا مطلت امرأ بحاجته / فامضِ على منعه ولا تحِدِ
فلستَ تلقاه شاكراً ليدٍ / قد كدَّها المطلُ آخر الأبدِ
لم أتخذ منك غير متّخَذِ
لم أتخذ منك غير متّخَذِ / فما لِحَظِّي غدا بمنتبَذِ
ما إن أرى رقيةً تُقرُّبُني / منك ولا أُخذةً من الأُخذِ
يكفيك أني أراك تجتبذ ال / ناس وآتيك غير مجتبَذِ
محبةً لا قَرُبتُ منك متى / لم يُتمثَّل بها ولم يُشَذِ
لا تسْلمنِّي إلى الزمان وقد / أنقذتني منه أيّما نَقَذِ
إن كنتُ بعض الثقال فاحتمل ال / ثِقل تجدْني في السُّدِّ ذا نَفَذِ
لا تحقرنِّي فربما نفدتْ / في هَدْم يأجوجَ حيلةُ الجُرذِ
صُنّي أكن كالحسام أخلصه ال / قَينُ فأضحى من خير مُتَّخذِ
مُطَّردَ المتنِ كلَّ مطَّردٍ / منشحذ الحدّ كل مُنشَحَذِ
هبني بعضَ المُثَقَّلات حوا / ليك وهب خلقتي من العُوَذِ
بل كم ثقالٍ تَطبَّعوا بسجا / ياكَ فأضْحوا في خفّة القُذَذِ
يا آل وهبٍ عاذ من جفائكُم / بلين أعطافكم فلم يُعَذِ
أنا الذي حَجَّكم وكعبتُكم / لم يُتَطَوَّف بها ولم يُلَذِ
فلا يقطِّع جفاؤكم كبدي / فحبُّكم بين تلكُمُ الفِلَذِ
يا أيها السيد الذي طَهُرت
يا أيها السيد الذي طَهُرت / به من المنكراتِ بغداذُ
ومن غدا وهو للخبائث تَر / راكٌ وللطيبات أَخّاذُ
مبارَك في يديه للمالِ إه / لاكٌ وللهالكين إنقاذُ
أَعوذ من عُسْرتي بيسركَ وال / أحرارُ بالأكرمين عُوّاذُ
أعْفِ أخاك المريض من حرجٍ
أعْفِ أخاك المريض من حرجٍ / أعفاهُ منهُ الإلهُ في زُبُرِهْ
هبْ لأخي السكر ما جناهُ وعا / قبْهُ إذا ما أفاق من سكَرِهْ
يا هلْ من الحادثات من وَزَرِ
يا هلْ من الحادثات من وَزَرِ / للخائف المستجير أم عَصَرِ
تغدو فتعدو فما تَرِقُّ على / أنثى وما إن تخاف من ذكرِ
يا بؤسَ للدهر ذي السفاهِ أما / يَفْرقُ بين القيانِ والجِزَرِ
أما يُعفِّي على جرائم ما اس / تقدَمَ منه متابَ منتظرِ
يُمرُّ عصراه كلّ مُنتكث / ونقضُهُ عائد على المِرَرِ
مُنصلتُ السيفِ كلَّ مُنصلَت / مُنشمر النَّبل كل منشمَرِ
يقتلنا سيفُهُ وتختِلنا / سهامُهُ الكامنات في القُتَرِ
كأن إسرافهُ برهبة مق / هور عليه وحرص مؤتجَرِ
كم من قتيلٍ لِصَرفه طَلفٍ / وكم دمٍ في ثيابهِ هدرِ
ألا فداءٌ يفي ببُغيته / ألا سِدادٌ لتلكمُ الفُقَرِ
يا لك من مالكٍ ومقتدرٍ / مؤتَمِر السوء كلَّ مؤتَمَرِ
مُكتنِفٍ بالعَداء مُعتوِرٍ / مكتنَفٍ بالملام مُعتوَرِ
فجَّعني صرفُهُ بمؤنسةٍ / تبعث مَيْت النشاط والأشرِ
صيغت وِفاقَ الهوى فما شُنِئت / من رَهَل عابها ولا قَفَرِ
عسيرة البذل غير خاليةٍ / من خُلق يخدع الرِّضا يَسَرِ
تُمتِّع الحِدْث من مُلاعَبَةٍ / تنزل بين المجون والحصرِ
ويومها من محرَّم أبداً / حِذقاً ويوم القيان في صفرِ
سابقة لم تزل تُنقِّلها / بسابقٍ في الكتاب مستطَرِ
واها لذاك الغناء من طبقٍ / على جميع القلوب مقتدَرِ
يملأ رَوْحاً فؤاد سامعهِ / ويُصطلى حرُّه من القِررِ
كأنه قالبٌ لكلّ هوىً / فكلُّهُ والمُنى على قَدَرِ
لا خير في غيره وهل أمَمٌ / من شاربِ الراح شارب السَّكرِ
إنّا إلى الله راجعون لقد / غال الردى سيرة من السيرِ
مِلءَ صدور المجالس اختُلِست / لا بل صدور الورى إلى الثُّغرِ
فَزفْرةٌ لا تزال في صَعدٍ / وعبرةٌ وُكّلت بمنحدرِ
بانت وما خلَّفت نظيرتها / وغصنها اللدن غير مهتصَرِ
مضت على دَلِّها بوحدتها / ولم يعد شخصُها بمنجحِرِ
تسمو لأقرانها مبارِزةً / لا من وراء الستور والحُجَرِ
لم يعتصم عودُها بزامرةٍ / ولا ضوى وجهها إلى السُّترِ
تُبارز العين وحدها أبداً / والأُذنَ وهي الحميدة الأثرِ
وتقتل الهمّ شرّ قتلتِهِ / بغير عون يكون من أُخرِ
ما بذلتْ للكئيب نُصرتها / على الأسى فارعوى إلى النُّصَرِ
لم تخلُ من منظر تُشوِّقهُ / ومن عفاف يفي بمستَترِ
ما برزت للخنا ولا استترت / من عجر شانَها ولا بجرِ
ما أُولع الدهر في تصرفهِ / بكل زينٍ له ومفتخَرِ
يعدو على نفسه فيسلبها / إلا عتاد المعدِّ ذي النَّمرِ
كم ملبس لا يعاب هتّكه / عن جلدةٍ منه شَثنة الوبرِ
أودى بِبستانَ وهي حُلّتهُ / فقد غدا عارياً من الحبرِ
أطار قُمرية الغناء عن ال / أرض فأيُّ القلوب لم تطِرِ
للَّه ما ضُمِّنت حفيرتُها / من حُسن مرأىً وطُهرِ مختبرِ
أضحت من الساكني حفائرهم / سكنَى الغوالي مَداهنَ السُّررِ
مُطيِّبي كلِّ تربةٍ خَبثتْ / ومؤنسيها بشرّ مجتوَرِ
يا حرّ صدري على ثلاثة أم / واهٍ هُريقت في الترب والمدَرِ
ماءي شباب ونعمة مُزجا / بماء ذاك الحياء والخفرِ
لو يعلم القبر من أتيح له / لا نحفر القبر غير محتَفرِ
أو لأباها فصان حينئذٍ / عن رمسه درّةً منَ الدرَرِ
إنّ ثرىً ضمها لأفضلُ مح / جوجٍ لِصَبٍّ وخيرُ معتَمرِ
أقسمتُ بالغُنجِ من مَلاحظِها / وسحر ذاك السُّجوِّ والفَتَرِ
لو عُقرتْ حول قبرها بقر ال / إنسِ مكان القِلاص والمُهَرِ
والدرّ نظمٌ على الترائب من / هن وأشكاله من العِترِ
وانتحرت في فنائه بُهَمُ ال / حرب وصِيد الملوك من مُضرِ
ثم سَقيتُ الدماء تربتَها / لم أشفِ ما في الفؤاد من وَحَرِ
نفسَك يا نفس فانحري أسفاً / فإن هذا أوان مُنتحرِ
ما حَسَنٌ أن تذوبَ مهجتُها / ومهجتي لم تُرَق ولم تُمَرِ
لا يُنكر الدهرُ بعد مهلِكها / هُلكَ ذوات الجلال والخطرِ
كَوَّر شمس النهار فانكدرت / كواكبُ الليل كل منكَدَرِ
بستان يا حسرتا على زَهَرٍ / فيك من اللهو بل على ثمرِ
بستان لهفي لحسن وجهك وال / إحسان صارا معاً إلى العَفرِ
بستان أضحى الفؤاد من وَلهٍ / يا نزهة السمع منه والبصرِ
بستان ما منك لامرئٍ عوضٌ / من البساتين لا ولا البشرِ
بستان أسقيتِ من مدامعنا ال / دمع وأعقبتِ عُقبةَ المطرِ
بل حَقُّ سقياك أن تكون من ال / صهباءِ صهباءِ حمص أو جَدَرِ
بل من رحيق الجنان يقطَبُ بال / مسكِ سُلافاته بلا عَكَرِ
بل من نجيع القلوب يمزج بال / عطف وصفو الوداد لا الكدرِ
بستان لم يُستعَر لك اسمك يا / بستانَ لذاتنا ولم يُعَرِ
كنا إذا اللَّهو قلّ مائرُنا / منه وجدناك معدن المِيرِ
ما كل لهوٍ أراهُ بعدكُمُ / عندي سوى سُخرةٍ من السُّخَرِ
لست إلى نغمة بذي أذَنٍ / ولا إلى صورةٍ بذي صَوَرِ
كنتِ وكانت قرينةٌ لك عي / نين لهوىً فِشين بالعوَرِ
وكنتِ يُمناهما ففات بك ال / دَهر وهل يَصطفي سوى الخِيَرِ
يا مشرباً كان لي بلا كدرٍ / يا سمراً كان لي بلا سهرِ
ما كنتُ أدري أطعمُ عافيتي / أعذبُ أم طعم ذلك السمرِ
يا نعمة الله في بريّته / أصبحتِ إحدى فواقرِ الفِقرِ
يا غضّةَ السن يا صغيرتها / أمسيتِ إحدى المصائب الكُبرِ
أنّى اختصرتِ الطريق يا سكَني / إلى لقاء الأكفان والحفرِ
ألم تكوني غريرةً فُنُقاً / لا يهتدي مثلها لمحتَصَرِ
أنى تجشمت في الحداثة ما / جُشِّمتِ من كُره ذلك السفرِ
أنى ولم تلحقي ذوي حُنْك ال / سنّ ولا امّزت من ذوي الغَرَرِ
أحميك من مورد قصدتِ له / لا ينتهي وردُهُ إلى صدرِ
يا شمسَ زُهر الشموس يا قمر ال / أقمار حسناً يا زهرة الزُّهَرِ
أبعد ما كنتِ باب مبتهجٍ / للنفس أصبحتِ باب معتبرِ
أصبحت كالترب غير راجحةٍ / به وقد ترجحين بالبِدرِ
أصابنا الدهرُ فيك أكمل ما / كنت فما رُزؤُنا بمجتبَرِ
لم تقتحمك العيون من صِغَرٍ / ولا قَلتْك النفوس من كِبرِ
فكيف نسلاكِ والأسى أبداً / في كِبَرٍ والسُّلوُّ في صغرِ
كلُّ ذنوب الزمان مغتفرٌ / وذنبه فيك غير مغتفَرِ
تبتّل العود عند فقدكُمُ / وازدجر اللهو أيّ مزدَجرِ
وغاب عنا السرور بعدكُمُ / واحتَضر الهم حينَ محتضرِ
وغاض ماء النعيم يتبعكم / وانهمر الدمع كلّ منهمرِ
فإن سمعنا لِمزهر وتراً / حنّ فهاتيك عَوْلة الوترِ
أما ولؤم البِلى وقسوته / لقد محا منك أحسن الصورِ
يا بشراً صاغه المصوِّر من / نورٍ على سُنّة من الفِطرِ
بل من شعاع العقول حين ترى ال / غيب بعين الذكاء والعبرِ
لا تحسبوني غَنيتُ بعدكُمُ / عنكم بشمس الضحى ولا القمرِ
لا تحسبوني أنستُ بعدكمُ / إلى هديل الحمام في الشجرِ
لا تحسبوني استرحت بعدكُمُ / إلى نسيم الشَّمال بالسّحرِ
لا تحسبوا العين بعدكم سَرَّحت / في مسرحٍ من مسارح النظرِ
يأبى لها ذاك أن ناظرها / في شُغُلٍ بالسهاد والعبرِ
وكيف بالنوم للمُباشر أط / راف حُمات الحيّات والإبرِ
سقياً ورَعياً لعيشةٍ معكم / أصبحتُ من عهدها بمفتقرِ
أمتعني دهرُها بغبطتِهِ / على الذي كان فيه من قصَرِ
كانت لياليه كلّها سَحَراً / وكان أيامهن كالبُكَرِ
لهوٌ أطفنا بِبكر لذَّتِه / وما فضضْنا خواتمَ العُذَرِ
ولم ننلْ من جناه نَهْمَتَنا / وإن حظينا بمونِق الزهرِ
كم قد نعمنا بضمِّ مُتَّشحٍ / وما اعتدينا بهَتْك مؤتزرِ
كم قد شربت الرضاب في قُبَل / كانت ولكن شربت بالغُمرِ
جدوى فمٍ فيه لؤلؤ وجَنَى / نحلٍ بماء السحابِ في النُّقرِ
غناؤه يشتكي حرارته / وريقه يشتكي من الخَصَرِ
كنتم لنا فتنةً من الفتن ال / غُرِّ بلا شهرةٍ من الشُّهَرِ
وكلُّ لهوٍ بمثل وصلكُمُ / ذو غُرر إذ سواه ذو عُرَرِ
أخذتُكُم طائعاً أخا جَذَلٍ / ولم أدع طائعاً ولم أذَرِ
كأنني ما طلعتِ مقبلةً / عليَّ يوماً بأملح الطُّرَرِ
في كفّك العود وهو يؤذن بال / إحسان إيذانَ صادقِ الخبرِ
إذ مشيكم مُذْكِري غناءَكُمُ / مَشْيَ الهوينا سواكنِ البقرِ
وإذ فسادي بكم يذكِّرني / لنُفْسِدَنَّ الطواف في عمرِ
كأنّ عينيَّ أبصرتْكِ ضُحى / في مجلسي والوشاة في سَقرِ
كأنها ما رأتك كالمَلَكِ ال / أصيد في التاج يوم مُبتَهرِ
وبين عينين منكُمُ علمٍ / لم يُسْدَ شِبْهٌ له ولم يُنَرِ
يا أحسنَ العالمين حاسرةً / وأكمل الناس عند معتجَرِ
كأنها ما رأتك صادحةً / والصُّدّحُ الوُرْق عُكّفُ الزُمُرِ
يَسْمعنَ أو يَسْتفدنَ منك شجا / والتمر يُمتار من قرى هجرِ
كأن داوود كان يومئذٍ / يتلو زبوراً مُلَيِّنَ الزبرِ
كأنني ما اقترحتُ ما اقترحتْ / نفسي فساعفتني بلا زورِ
كأنني ما استعدت مقتَرحي / يوماً فكررتهِ بلا ضجرِ
وصنتِ خدّاً كساه خالقه ال / حسنَ فصعّرْتهِ عن الصَعَرِ
ولو تكبرتِ كنتِ مُعْذِرةً / والمسكُ ما لا يُعابُ بالذَّفرِ
كأنني ما نعمتُ منك بمر / تاحِ نعيمٍ ولا بمبتكرِ
رضيتُ من منظر بطيف كرىً / يعرو ومن مسمع بمدّكرِ
رضىً كسخطٍ ولو قَدِرْتُ لغي / يَرْتُ ونكّرتُ مُنكَر الغيرِ
لو أنَّ قِرني سوى المقادير في / أمرك أحضرتُ عز منتصِرِ
لكنها القِرْنُ لا يقاومهُ / قِرنٌ عزيز لعزة النَّفرِ
لو كان فعل الورى لقد ذَئِرَتْ / له المساعير أيما ذأرِ
لكنه وِتْرُ مالكٍ مَلِكٍ / يعلو على الطالبين بالثُّؤَرِ
يا لهفَ نفسي على مُهَاجرتَي / إياكِ لهفاً يطير كالشرَرِ
ليس لذنبٍ دعا إلى غضبٍ / لكن لنُعمى دعتْ إلى بطرِ
هجرٌ متى شئتُ قلتُ كان من ال / خسران أو قلتُ ربح متَّجَرِ
كانت تُجِدُّ الهوى مغنِّيةً / كأنها نَشرةٌ من النُّشرِ
ووصلُك الإلفَ بعد هجرتِهِ / يَجْنيك معسول حدّة الظَّفرِ
لولا التعزّي بذاك آونةً / لانْفَطر القلبُ كلَّ منفَطرِ
ما انتهك الدهر قبلكم لذوي ال / لَهوِ حريماً في البدو والحضرِ
أبكيك بالدمع والدماء بل ال / تسهاد بل بالمشيبِ في الشعرِ
بل بنحول العظام مُحتقِراً / ذاك وإن كان غير محتقرِ
بل باجتناب الشفاء بل بتوخ / خي النفس ما يُتَّقى من الضّررِ
لأستميحنّ كلّ ذاك لمب / كائيك بعد استماحة الدِّررِ
بل ليت شعري وقد حَييت وقد / قَدَّمتِ للنفس وجه معتذِرِ
كيف وأنّى ولِمْ أقمتُ وقد / بِنْتِ أكان الفؤاد من حجرِ
إلّا أكن متُّ فانقرضتُ فكَمْ / من مَوْتةٍ للفؤادِ في الذِّكَرِ
وليس في خطرةٍ مغيرةٍ / لكنها سَرْمد مع الفِكرِ
رثيتُ منك صِبىً تكنَّفه / عفاف سرٍّ وحسن مجتهَرِ
وما يفي بالثلاث مرثيةٌ / إلا صلاةَ المليك في السورِ
وإن جرى الدمع غير معتنَفٍ / وسمَّح الشِّعر غير معتَسرِ
وكنتُ عَفوَ الصبَى فشيعهُ / عفوٌ من الشجو غيرُ معتَصرِ
دمعٌ وشعرٌ مساعدٌ أتيا / طوعاً وما طائع كمقتَسرِ
أشكو إلى الله لا إلى أحدٍ / أن متِّ والنفسُ حيةُ الوطرِ
من لي بالصبر بعد مدَّخرٍ / أفْنَى من الصبر كلَ مدّخرِ
بل قَبُح الصبر إنه غُدَرٌ / بصاحب الصدق أيما غُدرِ
لا أسأل الله حسن مصطبر / فإنه عنك لؤمُ مصطبرِ
وحزن نفسي عليك من كرمٍ / وهو على من سواك من خَورِ
وقد يُعزِّي الفؤاد أنك في / جنّة عدن غداً وفي نَهَرِ
سيشفع الحور فيك أنك من / هنَّ بذاك الدلال والحورِ
يا لهف نفسي عليك كم حَذِرتْ / لو وُقِّيتْ ما تخاف بالحذرِ
كم وحْيِ رؤيا فزعتُ فيك له / وطِيرةٍ من نواطق الطيرِ
بيَّنْتِ لي الحزم في البدار إلى / كل مخُوفٍ عليه مبتدَرِ
أصبحتُ من صبحه بمنبلَجٍ / والناس من فجره بمنفجَرِ
ولو تخليتُ من شَجايَ بكم / بادرتُ باللهو كرَّةَ القَدرِ
راجَعَ من بعد سلوةٍ ذِكَرَهْ
راجَعَ من بعد سلوةٍ ذِكَرَهْ / وواصَلَ الظبي بعدما هَجَرَهْ
ظبيٌ دعا قلبَ هائمٍ كلفٍ / مؤتمِرٍ قلبُهُ بما أمره
يؤنِسُهُ حُسنهُ ويوحشهُ / قبحُ أفاعيله إذا ذكره
مازال يدعوه من محاسنهِ / داعٍ إذا سوءُ فِعلِهِ زَجره
لا الوصلُ يصفو له وإن عزم ال / هِجرانَ غال النزاعُ مصطبره
يدنو فيُقصَى فإن نَأى أنفاً / بات يباري بكاؤهُ سهرَهْ
ألقاه في حيرةٍ محيِّرةٍ / فما يرى وِردَهُ ولا صَدَرَهْ
ظبيٌ وما الظبي بالشبيه به / في الحسن إلا استراقَه حَوره
وحسنَ أجياده وغُنَّتِهِ / ونفرةً فيه مِن رُقَى الفَجَره
محاسنٌ كلهن مسترقٌ / منه وكلٌّ رآه فاغتفره
سخّاه عن رُزءِ ذاك أنَّ له / حُسناً إذا قاسه به غمره
وكلُّ رزء فإنَّه جَلَلٌ / إذا المبقَّى لأهله كثَرهْ
يا ليت مِن عفوه لعاشقهِ / بل ذاك شيء عليه قد حظرهْ
يصفح عن لصّهِ جريمَته / وهْو لنعماه أكفرُ الكَفره
ولستُ أنفكُّ من معاتبةٍ / بغير ذنب موازِنٍ وبَره
يا عجباً من مُعذِّبي عجباً / عُجبي به ضِعفُهُ فقد هَدَره
سوَّغ ما نِيل من حُلاه ولو / يسأله الصبُّ قُبلةً نَهره
كما أجاع الوشاحَ حين تَردْ / دَاهُ وقد كظَّ مِئزراً وَزره
بالله يا إخوتي سألتُكُمُ / أليس مولاي أجْوَرُ الجَوَره
أضحى وسيف العداء في يدهِ / عليَّ دون الأنام قد شَهره
إن عض خلخالهُ مُخلْخَلَهُ / أو شفّ عقدُ الإزار مؤتَزره
أقبل ظُلماً عليّ يشتمني / كأنني كلُّ واترٍ وَتَره
وقد رأى شيبةً فأنكرها / وتلك من فعله لو اعتبره
شَيّبَني من هواهُ ما نَهك ال / جسمَ فماذا ترونَهُ نَكِره
ألم ترعهُ محاسنٌ نَحلتْ / وراعه أن تنكَّرتْ شَعَره
أبصر بيضاء في القَذالِ فلا / نَفْرٌ كنفرٍ رأيتُهُ نَفَره
أعجِبْ بمن يقتل الرجال وإن / لاحَ له شخص شيبةٍ ذَعره
لا يظلمنِّي ولا سِنى ولا / يظلم خلاخيله ولا أُزرَه
فربَّ شيبٍ بعاشقٍ وبِلىً / قد برَّأ الله منهما كِبرَهْ
ما شَيَّبت رأسهُ السنون ولا / أبلتهُ بل حَرُّ وجدِهِ صَهره
ورب ضيقٍ بملبسٍ وهو ال / سَابغ لكنَّ قِرنَه قَهَره
قد أوسع الحِجْلُ والإزار لهُ / فزاد ما ضُمِّنا على الحَزَره
ومِن تَعدّيه أنه أبداً / يعتدُّ نفعاً لعبده ضرره
يعتدُّ ما يعمِد الشقي بهِ / نيلاً ولم يَعْدُ نفعُهُ بصره
فإن رأى في المنام هفوتهُ / غضّ من الطرف عنه أو شَزره
يعتدُّ إبداءهُ محاسنَهُ / نَيْلاً لحرَّانَ هَيَّجت حَسَره
إذا نهتْ عن هواه غلظتُهُ / دعا إليه برقةِ البشره
ولحْظِ عينين لو أدارهما / لفارسٍ في سلاحِهِ أسره
نِضْوَى سَقامٍ يقود ضعفُهما / له شدادَ القلوب مُقتَسره
من خُنْثِ جفْنيهما وغُنْجهما / تعلَّم السحرَ ماهرُ السَّحره
ومُضْحكٍ واضحٍ به شَنبٌ / يعرف من شام برقَهُ مطره
يضمن للعين طيب ريقتهِ / ثغرٌ يباري نقاؤهُ أَشَرَه
ينعت لألاؤُهُ عذوبتَهُ / وليس يُخفى نسيمُه خَصره
لو ضاحك المَزنَ عنه ضاحَكَهُ / عن برقه مُسبلاً له دِرره
وصحنُ خدٍّ حريقُهُ ضَرِمٌ / يقذف في القلب دائماً شرره
لا ماءَ إلا رضابُ صاحبِهِ / يطفىء عن قلب ناظِرٍ سُعرَه
أعاره الوردُ حسن صِبغته / بل صِبغةُ الورد منه معتصره
وفاحمٍ واردٍ يقبِّل مَم / شاه إذا اختالَ مُسبِلاً عُذرَهْ
أقبل كالليل من مفارقِهِ / مُنحدِراً لا تَذمُّ منحدره
حتى تناهَى إلى مَواطئهِ / يلثِم من كل موْطئٍ عَفَره
كأنه عاشقٌ دنا شغفاً / حتى قضى من حبيبه وَطره
تغشَى غواشي قرونه قدماً / بيضاءَ للناظرين مقتدره
مثلَ الثريا إذا بدت سَحراً / بعد غمامٍ وحاسرٍ حَسره
وجيدِ إبريقِ فضةٍ دأبَ ال / صوَّاغُ حتى اصطفى له نُقَره
يتخذ الحَلْيَ كالتميمة لا ال / زينة من حسنه الذي جَهره
وحسنِ قدٍّ أجاد قادرُهُ / قدْراً فما مَدَّه ولا قَصَره
عُدِّل حتى كأنه غُصنٌ / من خير ما أنجبتْ به شَجرهْ
يحمل ثديين خَفَّ ثِقلُهما / جداً فلا آده ولا اهْتَصره
محاسنُ الناس من محاسنه / منسوخةٌ في الحسان مختصره
كأنما الله حين صَوّرهُ / خَيَّرَه دونَ خلقهِ صُوَره
أغيدُ لم يرتعِ الخَلاء ولا / خالط غِزلانَه ولا بقره
يكفيه رعي الخلاء أنَّ له / من كل قلبٍ مُمنَّعٍ ثَمَره
كم من شفيقٍ عليّ ظَلَّمَهُ / ولو رأى حسنَ وجهه عذره
وناصرٍ لي عليه لو هَتفتْ / به دواعيه مرّةً نصره
دعْ ذكره إنّ ذكره شعفٌ / وامنحْ من المدح سالماً غُررَه
الواحد الماجد الذي عدم ال / مِثْل فلم يلق ماجداً عشره
الوارث المجد كلّ أصيدَ لا / يدفع تيجانه ولا سُرُرَه
القائل الفاعل الموارعَ لا / يشكو العلى بخله ولا حَصره
ذا المستقى الطيب القريب وذا ال / غور الذي لا تناله المَكَره
المانح السائل الرغائبَ وال / غائل مِسبارَ كلِّ من سَبره
ذا المِرة الشَّزْرِ والمتانة وال / عقدةِ تحت السجية اليَسره
ذا اللين سائل به المَلاين وال / شِدّة سائل به من اعْتَسره
الآخذ الخطة الرضيّة وال / تارك ما الحظ فيه أن يذره
ذا الكرم العذب والمُناكرة ال / مرّة إن هاج هائجٌ وغَرهْ
ما ذاق شهداً أجل ولا صَبِراً / من لم يذق شهده ولا صبرَه
الأسدَ المستعدَّ منذ دَرَى / أن الزُّبَى للأسود محتَفره
العارض المستهلّ منذ رأى / أنّ العلى في الكرام مبتَدره
الراجح العفّ في كتابته / إذ في سواه نقيصةٌ وشَرَهْ
يرى مكان البعيد من دغلِ ال / مُدغِل والمستسِرِّ في الجحرَهْ
أحاط علماً بكل خافيةٍ / كأنما الأرض في يديه كُرَهْ
مَهْ لا تَعُدَّن من ينابذهُ / له عُداةً وعُدَّهمِ جَزره
كلا ولا طالبي فواضلهِ / له عُفاةً وعُدّهم نَفره
ورائمٍ رامه فقلت له / حاولت من لا تنال مفتخَره
طاولتَ من لا أراك مُنْتصفاً / باعُك من شبره إذا شَبره
أصْوَر نحو العلى ترى أبداً / إلى نواحي وجوهِها صَوَره
أزْورَ عن وجه كل فاحشةٍ / لا يعدِم الفحشُ كله زَوَره
لو أعرض البحر دون مكرمةٍ / وليس للبحر مَعْبر ضَبرَه
مظفَّرٌ بالتي يحاولها / لا يُعدِم الله سالماً ظَفره
فيه وقارٌ يكفُّ سَوْرته / وفيه حدٌّ يَعز منتصِره
شاورْه في الرأي إن أُثِرتَ ولا / يَرِمْك بالرأي إنّه فَطَره
ذاك الذي قال فيه مادحهُ / مهما انتحى من رميَّةٍ فقَره
سِرْ بهُدَى كوكبٍ هَداك به / ولا تَعرَّضْ لكوكبٍ كَدرَه
قد آمَنَ الله من يخاف من ال / فقر إذا جودُ سالمٍ خَفَره
يا رُبّ شاكٍ إليه خَلَّتَهُ / راح بجدواه يشتكي بطره
يسبق معروفُهُ العِدات وإن / قدّم وعداً حسبتَه نذره
لا يُعرض القوم عن ثناه ولا / يَملّ سُمَّارُ ذكره سمره
مَن مُبْلغٌ صفوةَ الأمير أبي ال / عباس عن كل حامدٍ أثره
أن قد تولَّى الزمامَ صاحبُهُ / بحكمةٍ أحكمت له مِرَره
فقاد مستصعَبَ الأمور بهِ / لا خائفاً ضَعفَهُ ولا قِصَرَهْ
ولَّيتَ لا مائلاً إلى دنسٍ / عمداً ولا عاثراً مع العَثره
هو القويُّ الأمينُ فارْمِ بهِ / ما شئتَ من معضلٍ يكُن حجره
لا يشتكي الناسُ عنفهُ وكذا / لا تشتكي ضعفهُ ولا خوره
أجريتَهُ والكُفاةَ في طَلَقٍ / فجاء لم تغشَ وجهه قَتره
تلوح فوق الجبين غرّتُهُ / كأنها المشتري أو الزُهَرَهْ
وجاء أصحابُهُ وكلُّهُمُ / قد كظَّهُ جَهدُهُ وقد بَهره
لم يلحقوا شأوهُ ولو فعلوا / أمكن أن يسبِق امرؤٌ قدَره
ولم يزل يسبق الرجالَ ولا / يشقُّ ذو جُهدهم له غَبَره
حتى أقرُّوا وقال قائلُهُمْ / محرَّمُ الحول سابقٌ صَفرَهْ
واتخذوا الصدق زينةً لهُمُ / كَرهاً على رغمهم وهمْ صَغره
وكان زْيناً لكل من نفر ال / سؤددَ إقراره لمن نَفره
ومن أبى الصدق بعد ما قُمر ال / فضل فمن كل جانبٍ قُمِرَه
أسخطَ حسادَهُ وأرغمهمْ / أنْ سار في الناس فارتضوْا سِيَره
يا حاسدي سالم أبي حسن / مجداً كساه فَعالُهُ حِبرَه
إن يرتدِ الحمدَ سالمٌ رجلاً / فإنه قبل حُلمه ائْتزَره
ما زال يُكساه قبل بُغيتهِ / إياه بل قبل خلقه بَدَره
مدَّخَراً في أبٍ له فأبٍ / كانت له الصالحات مدَّخره
ثم سعى بعد ذاك مكتسباً / للمجد حتى ارتداهُ واعْتَجره
يا رُبّ عُرفٍ أتاه ما طلب ال / حمدَ بإتيانه ولا خَسِره
نوى بإسدائه رضا ملك / نفَّله الحمد بعد ما أجَره
وتاجرُ البر لا يزال له / ربحان في كل مَتْجَرٍ تَجَره
أجر وحمد وإنما قصد ال / أجَر ولكن كلاهما اعْتَوره
كصاحب البذر لا يريد به / شيئاً سوى رَيْعه إذا بَذَره
وهْو إذا لُقِّي السلامة لا / يعدَم لا رَيعه ولا خَضِره
كم سرَّني حين ساءني زمنٌ / كم برّني حين عَقَّني البرره
يا سالم الخير يا أبا حسنٍ / يا من وجدنا كوجهه خَبره
يا حسن الوجه والشمائل إن / ردَّد فيه مردِّدٌ نظره
يا حسن الهدْي والخلائق إن / كرَّر فيه مُكرّرٌ فِكرَه
ماذا على من يراك في بلدٍ / أنْ لا يرى شمسه ولا قمره
وما على من يراك في زمنٍ / أن لا يرى نوْره ولا زَهره
أنت السراج المنير والكلأ ال / مُمرِع حَفّت رياضُه غُدَره
لكل قومٍ يُعدُّ مجدُهُمُ / آصال مجدٍ سَهمتهم بُكره
لا تحمدنّي فما جرى قلمي / إلّا بأشياءَ منك مختَبره
ما زدتُ فيما وصفتُ منك على / ما حصَّلتْهُ صحائفُ البرره
لم أبتدع في ثنائك الحسن ال / منشَر بل كنتُ بعض من نَشره
لكنني أنظم الثناء إذا / مُثني ثناءٍ على امرئٍ نثره
وما لمُثنٍ على أخي كرمٍ / حمدٌ ولكنه لمن فَطره
كم فيك من مِدحةٍ تظل على / ألسنة المنشدين مُعتَوره
واسعدْ ببيت بنيتَهُ أفِدٍ / أُسِّس بنيانُهُ على الخِيَره
أُيِّد بالساج والحديد ولم / يوهَن بآجُرّةٍ ولا مَدَره
بناءُ حزمٍ أبَى لصاحبه / في كل أمرٍ ركوبَهُ غَرَره
لا يعرف الوهيَ والسقوط ولا / يخذُل ألواحُ ساجه دُسُره
وخيرُ بيت بنيتَ مشتبِهٌ / وَفْقٌ ترى مثل سقفه جُدُرَهْ
أسمرُ ما شاب لونَه برص ال / جَصِّ ولامس جلدُهُ وضَرَه
هَندسَه رأيك المبرِّز في ال / فضل وأعطته حقَّه النَّجَره
وعُلَّ من بعد ذاك بالذهب ال / أحمر فاختال لابساً شُهَره
أهدى لك الدهرُ فيه حبْرته / ولا أرى ناظراً به عِبره
تَعمرُهُ بالنعيم والنِّعم ال / سُبَّغ ملبوسةً ومنتظره
قريرَ عينٍ قرين مَغْبطةٍ / تفتضُّ من كل مَنعمٍ عُذَره
يُسمعك الشدوَ في جوانبهِ / مُناغياتُ البُمُوم والزِّيَرَهْ
في كل يومٍ تراه بُكرتَهُ / وكل ليلٍ تخالهُ سَحَره
كلاهما لا يزال قاطعُهُ / يدعو بسقياه كلَّ ما ادَّكره
زلّال بَرٍّ يظلّ يسكنه / بحر بحورٍ يُهلُّ من عَبره
بل بيت بِرٍّ تظل كعبتهُ / محجوجةً للنوال معتَمرَه
تغشاك فيه عُفاة نائلك ال / غَمر فيمتار مُنفِضٌ مِيَرَه
لا الجار يستبطِئُ الجوار ولا / يلعن من جاء نازعاً سَفرَه
كعادةٍ لم تزل لكل أب / يَنميكَ تغشى عُفاتُه حُجَره
لا يشتري المال بالثناء ولا / تظل تُفدي صِرارُه بِدَره
يجوز معروفه الغِنى ومُنَى ال / نفس ويلقاك مُلقياً عُذرَهْ
أهدى لك المدح فيه خادمك ال / سابق من أهل بَيْعةِ السَّمُرَهْ
أولُ كُتّابك افتتحتَ به / أمرك ثم ارتضيت مختبرَه
أهدى بُنيَّاتِ نفسه ولو اس / طاع لأهدى مكانها عُمُرَه
لا أوحش المجدُ يا بني عمر / منكم فأنتمُ أجَلُّ من عَمَرَهْ
وعشتم في لَبوسِ عافيةٍ / يقاتل الدهرُ عنكُمُ غِيَرَهْ
دونَكها حُلّةً محبرةً / تَطرِف من كل حاسد بصره
زينةُ فخرٍ إذا تَلَبَّسها / سيدُ قوم لفاخرٍ فخَره
جُنّة حِرْزٍ إذا تدرَّعها / لقائلِ الهُجْر نَهْنَهَتْ ظُفُرَه
قصيرةُ البيتِ وهي سابغةٌ / على هوى السامعين مُقتَدِره
كَيَوْمِك الأرْيَحيِّ قصّره / ربك في عمرك الذي وَفَره
طالت فألوى بطولها كرمٌ / فيك جسيم فقيل مُختَصره
ولو علت لابساً سوالك من ال / نَاس لطالت وبينت قِصَرَه

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025