المجموع : 19
عرف المحبوب فابتهجا
عرف المحبوب فابتهجا / ومن الأكوان قد خرجا
مستهام ليس يقنعه / غير لحظ العين نهب رجا
ضاق حتى لو تكون له / وسعة الدارين ما انفرجا
والنوى والشوق أتلفه / لم يزل في الحب منزعجا
لو لمن يهواه كان درى / منزلاً من شوقه عرجا
آه من لي لم أجد أحدا / عنه بالإدراك لي لهجا
ليت لو ألقى له سببا / أو أرى لي نحوه درجا
ذاب صبري وانقضى جلدي / والتواني أحرق المهجا
رام بالأكوان يشغلني / عنه كي أسلو فشوقي جا
بي عليم غير أن له / حكمة تهزَى بكل حجا
يا قليل الصبر والجلدِ
يا قليل الصبر والجلدِ / خلق الإنسان في كبدِ
فالتفت فالظل أنت له / وتواجد في الهوى تجد
كل من في الكون مشتغل / بالإله الواحد الصمد
لكن الجهال عنه به / في اشتغالات إلى الأبد
واشتغال العارفين به / فيه لم يلووا على أحد
والذي يبدو لأعينهم / كله أوصافه فقد
يا بديع الحسن بالصورِ
يا بديع الحسن بالصورِ / جئتنا في هيكل البشرِ
ثم لما كنت مرتفعاً / عن وصول العقل والبصر
كان ما قد كان منك لنا / بالقضاء الحق والقدر
كل شيء آية ظهرت / عبرة فينا لمعتبر
وجميع الكون أمثلة / عند أهل الفهم والنظر
علم قومي كله ورق / وعلومي فيه كالثمر
وكلامي عند عارفه / ليس معناه بمستتر
لا على معنى الحلول ولا / باتحاد يا أولي الحذر
لي فؤاد يا وجود قضى / زيده ما فيك من وطر
أنت فينا ظاهر أبداً / كظهور الشمس في القمر
أو كمثل الظل يكشف عن / هيئة الأوراق والشجر
أو كمرآة يلوح بها / ما يدانيها من الصور
جل وجه منك نحن له / سترة في العقل والفكر
وظهور في القلوب لمن / هو من جهل النفوس بري
آمنت قوم ظهرت لهم / في جميع النفع والضرر
وجهك الميمون قبلتهم / وعليه الكل كالقتر
خرجوا للكائنات كما / خرج المختار للمطر
ثم قاب القوس منك دنوا / حين رنت نغمة الوتر
وسعوا من نحو مروتهم / للصفا عن سائر الكدر
بالسوى ليسوا على خطر / والسوى منهم على خطر
هذه الآيات والسورُ
هذه الآيات والسورُ / ما هي الأشباح والصورُ
لكن الألباب حائرة / وقفت من دونها الفكر
عز مطلوبي وجلَّ فلا / ملك يدري ولا بشر
إنني بالحسن أعرفه / وإليه الكل مفتقر
بي محيط قادر وبه / أنني في الكون أنتصر
وأنا الكرسي صيغ له / من أباطيل هي الأكر
وهو مستولٍ عليَّ بما / شاء لا يبقي ولا يذر
عالياً فوقي أحس به / كل ما بي شاء يشتهر
غير أني دونه شبح / غير أني تحته أثر
قدر منه أنا وأنا / لست أدري ما هو القدر
إن أنثى النفس ولدها ال / روح وهو الصارم الذكر
حيث رحمن الوجود على / عرشنا يبدو ويستتر
ظاهر بالإستواء لنا / حيث أنا كلنا عبر
إن زهدي خلقة طبعت / فيه نفس ليس تنحصر
واعترافي بالقصور ولا / شمخة مني ولا ضرر
إن وجهاً كنت أنظرُهُ
إن وجهاً كنت أنظرُهُ /
يختفي عني فأظهره /
والذي أخطى مصوره /
ساكنٌ في القلب يعمره / لست أنساه فأذكره
كم به وجدي أجاهدُهُ /
وهو فرد الكون واحده /
ولئن زالت شواهده /
حاضر عندي أشاهده / وسويدا القلب تبصره
إنني في روضه ثمرُ /
منته فيه ومؤتمر /
ثم لمّا غرني القمر /
قلت للعذال مذ أمروا / بسلوٍّ عز أيسره
خائف والحق مَأْمَنُهُ /
فانظروا فالحب يحضنه /
هل سلو الصب يمكنه /
مالكي في القلب مسكنه / فسلوي أين أضمره
كل من بالناس يختلطُ
كل من بالناس يختلطُ / في مهاوي الجهل يختبطُ
وهو لاهي القلب مشتغل / بسواه والسوى غلط
أنتجت فرط الكلام له / خلطة إذ أمره فرط
وكثير القول يكثر من / مثله الزلات والسقط
إن يخالط غيره اشتغلت / فكرة منه فتنضغط
وإذا ما الغير خاطبه / شغله بالغير يشترط
فمتى يصحو لحالته / وحجاه ليس ينضبط
حار حتى لا يعي أبداً / وهو بالأغيار مرتبط
دائر لا زال في هممٍ / لكلام الناس يلتقط
ضجت الأسواق منه وقد / ملت الخانات والربط
لا يغر المرء رقته / إذ به ذو القبض ينبسط
إن فيه الخبث مكتمن / والرضى في ضمنه السخط
وهو بين الناس مرتفع / وهو عند الله منهبط
لا يرى إلا ولمته / قد علاها الشيب والشمط
وتدانت منه حفرته / وثواب الله منحبط
والذي في الإنفراد له / حالة طوبى له وسط
ساكن منها بمنزلة / دونها الأصقاع والخطط
قد صحا من سكر خلطته / عارف بالله منتشط
لا يدانيه سواه وهل / عسل يشبهه الأَقَط
قدموا الحرف البسيط وقد / أخروا ما معه النقط
هذه الأثواب والخلع
هذه الأثواب والخلع / تُكتَسى طوراً وتُختَلَعُ
فاستقم يا من على خطرٍ / يرتقي حيناً ويتضع
والذي تفهمه فتن / والذي تعلمه خدع
والمنى كل المنى أبداً / فوق فوق الفوق مرتفع
ما له فينا مناسبة / مع شيء ليس يجتمع
بل له فينا المعية من / قبل تكوينٍ لنا يقع
وجميع الكون مشغلة / للذي في قلبه طمع
فتيقظ إن ربك لا / يترك البلوى ولا يدع
والذي في عمله سنن / والذي في علمنا بدع
سائق الأظعان نحو حمى / منيتي والنور يلتمع
عج على الوادي المقدس بي / وتأدب ههنا سبع
ثم عرِّج نحو كاظمة / حيث تلك الساح والبقع
واسأل الركب المقيل على / يمنة الوادي وما صنعوا
إن لي في خدرهم قمراً / كل أيامي به جُمَعُ
خاله المسكيُّ حين بدا / منه في ليل الورى شمع
عصبة التشبيه لا تقفوا / سيركم في الحق منقطع
حدثوني في العقيدة ما / هذه الصلبان والبيع
وتنحوا عن طريقتنا / عقلكم للحق لا يسع
كل مغرور له صنم / بافتكار فهو مبتدع
أين أنتم من عقيدتنا / إذ بها للحق نتبع
وعلى التسليم نحن وما / حالنا في الله مصطنع
وانجلت عين الوجود لنا / وسحاب الجهل منقشع
واقتربنا حيث لا أحد / لا ولا مرئي ومستمع
ثم عدنا بعد ذاك وذا / ما لنا رِيٌّ ولا شبع
والجوى والشوق لازمنا / كل حين عندنا وجع
كيف أنتم والقلوب قست / ليس بالتذكير تنتفع
واطمأنت بالمحال وقد / أصبحت باللهو تقتنع
أسمعتهم من وساوسكم / ورضيتم أنكم تبع
لا أقر الله عين فتى / عن هوى المحبوب يندفع
إنني مضنى محبَّتِه / لا رأوا قومي ولا سمعوا
صاد قلبي لحظ غانية / عن خطور الوهم تمتنع
إن بدت صلى الأنام لها / وإذا ما أومأت ركعوا
لي فؤاد حشوه شجن / بل على الأشواق منطبع
والجوى والوجد مبتذل / دائماً والصبر ممتنع
قمر من فوق غصن نقا
قمر من فوق غصن نقا / ينجلي سبحان من خلقا
هذه الأكوان طلعته / كل من قد هام فيه رقى
يا بريق الغور قف نفساً / قد خطفت القلب والحدقا
إن تَجُز يوماً بذي سلم / قل لهم جودوا ببعض لقا
لي فؤاد ملؤه شغف / وضلوع حشِّيتْ حِرَقا
وعيون كلما رمقت / لم يدع منا الهوى رمقا
قل لهم يا سعد مغرمكم / كم يقاسي الدمع والأرقا
ذاب شوقاً في محبتكم / حين منكم بارق برقا
شمس هذا الكون طالعة / جذبت روح الذي رمقا
ذاتها من ذات لابسها / وهما في النشأة افترقا
وهي من أنوار بهجته / بالعطايا تملأ الأفقا
حنت الأرواح حين بدت / مثل معشوق ومن عشقا
ثم راح الجسم مضطرباً / شمَّ ريح الأمر فانتشقا
وحنين الفرع لا عجب / نحو أصل باسمه نطقا
يا نسيمات سرت سحراً / من شذاها الكون قد عبقا
خبرينا عن أحبتنا / وعن الأهلين والرفقا
ليت من بالجزع لو عطفوا / ليت من أهواه بي رفقا
دمعتي بالسفح من إضم / سفحت يوم النوى قلقا
يا عذولي كُفَّ عن عذلي / إن هذا اللوم محضُ شقا
لو ترى ما قد رأيت لما / لُمتَ في ساق هواه سقى
في نواحي الشعب غانية / حسنها في الكون ما اتفقا
كلما لاحت سجدت لها / حيث كلى ذاب وانمحقا
وأنا الفاني فواعجباً / كيف لي منها بوصف بقا
بدر تمٍّ لاح في الغسقِ
بدر تمٍّ لاح في الغسقِ / فوق غصن بالجمال سقي
وبه الألباب هائمة / سكرت منه فلم تفق
عطرت روضي نسائمه / حين وافت بالشذا العبق
وفؤادي فيه ذو شغف / دائماً والجفن ذو أرق
واصطباري يوم جفوته / ما بقى والوجد فيه بقي
هائمٌ صبٌّ كثيرُ جوىً / عنه سدت سائر الطرق
خطفته منه بارقة / غيرها في القلب لم يرق
فأدارت كأس خمرته / فهو منها اليوم في غرق
وأثارت عرف روضته / في الورى طوبى لمنتشق
كيف لا أختال في مرح / ومليح الوجه معتنقي
فاسألوا عيني فإن بها / لمحة من داخل الحدق
نلتها من حسن بهجة من / لو بدا للكون لم يطق
ثم ذوقوا ما بقي بفمي / من بقايا خمر كل تقي
هذه أذني لقد سمعت / طيب ذاك الصوت فاسترق
واسألوا أنفي فقد نفحت / فيه ريّا نفحة الفلق
يا بني قومي خذوا خبري / عن جوى قلبي وعن قلقي
وانظروا نحوي فإن خفيت / شمس ذاتي فاشهدوا شفقي
كل ما تدرونه حجب / لسعيد في الورى وشقي
واحذروا في الله أن تقفوا / عند شيء لاح في الأفق
فالبرايا كلها فتن / أي جمع غير مفترق
كلها تمضي بأجمعها / ثم يبقى الإثم في العنق
واحذروا أن تعبدوا صنماً / نحتته فكرة فبقي
جل ربي في تنزهه / عن وجودات على طلق
فاسرعوا وامحوا الحروف بما / عندكم من صفحة الورق
قبلَ أن يبدو المنونُ لكم / يأخذ الباقي من الرمق
واسلكوا سبل النجاة على / دين طه زاكي الخلق
ثم كونوا إثر سنته / وبها فامشوا على نسق
وابعثوا لي دعوة وسلوا / في غدٍ أمناً لذي فرق
وصلاة الله دائمة / مع سلام غير منمحق
للذي أنواره سطعت / فأحالت صبغة الغسق
أحمد المختار سيدنا / من به قلبي مناه لقي
ما بدا للكون منشئه / خلف ستر أبيض يقق
لم أزل في الحب يا أملي
لم أزل في الحب يا أملي / أخلط التوحيد بالغزلِ
وعيوني فيك ساهرة / دمعها كالصيب الهطل
ليت لي من نور طلعتكم / لمحةً كي تنطفي غللي
إن أحشائي بكم تلفت / بل وجسمي في الغرام بَلي
واصطباري يوم جفوتكم / زال والتهيام لم يزل
جد لعيني باللقاء ولو / في الكرى يا غاية الأمل
وتلطف بالمشوق ودع / ذا الجفا واعطف وجُد وصِل
وأبح مضناك بعض لقا / يا شفا قلبي من العلل
يا منى هذا الفؤاد ويا / بغيتي يا كلَّ متكلي
يا ضيا شمسي إذا طلعت / في الضحى مني وفي الطَفَل
يا مرادي حين قلت ويا / جلَّ قصدي حين لم أقل
خذ أماناً من قلاك لنا / إننا منه على وجل
ثم كن فيما يكون كما / كنت في أيامك الأُوَل
ذا التجافي كم أكابده / آهِ قلَّت في الهوى حيلي
والذي أهواه مشتمل / من ملاح الكون في حلل
وسرت من نحو كاظمة / نسمة فيها انمحى طللي
وبروق الحي لامعة / حان لما أومضت أجلي
هذه الأكوان أجمعها / شمَّةٌ من وردة الأزل
عطرتني عندما نفحت / ما أنا عنها بمشتغل
طيب أثواب المليح بدا / فائحاً من جانب الكلل
وثغور الزهر قد بسمت / من روابي أشرف الرسل
يا عذولاً لامني سفهاً / أنا لا أصغي إلى العَذَل
قلبي المضنى حليف جوىً / عن هوى الغزلان لم يَحُل
مغرم صب بذي عظم / جلَّ عن علمي وعن عملي
ما له في الخلق من شبه / ما له في الأمر من مثل
جل عن قولي أجلُّ وعن / كل خاف لي وكل جلي
ذو اتصال غير متصل / وانفصال غير منفصل
لم يمل عن أمره أحد / دائماً في سائر الملل
غير أن الأمر منقسم / للصواب المحض والزلل
وانقسام الأمر يظهر في / مقتضى أشخاصه السفل
وهو في العلياء واحده / قبل أن يبدو لذي مقل
هذه أبهى ملابسنا / حلة زرَّت على بطل
لم نفصلها لغير فتى / عزمه خالٍ من الكسل
خمرة منها النهى سكرت / شربة أحلى من العسل
فاقبلونا يا أحبتنا / وابشروا بالمنزل الجلل
إن ترم أن تعرف الأحوالْ
إن ترم أن تعرف الأحوالْ / والذي فيه أنا في الحالْ
والذي أشهده مني / دائماً في الحل والترحالْ
والذي نفسي تحدثني / فيه بالإكثار والإقلال
أنا ذاتيْ والصفات كذا / سائر الأقوال والأفعال
من عبادات وعصيان / ومباحات لها إحلال
واعتقادات مؤكدة / والذي يخطُرُ لي في البال
من علوم الدين والدنيا / في بكور العمر والآصال
واشتغال الفكر ملتهياً / والخطا والسهو والإغفال
كل هذا دائماً أبداً / هو في الماضي وفي استقبال
خلق ربي لي فينسب في / رؤيتي للخالق الفعال
تارة عندي فأشهده / فعل ربي ما به إشكال
فأراه كله مِنَناً / من إلهي وهو لي إقبال
وهو إحسان إليَّ به / وهو للإكرام والإجلال
فالذي من قسم طاعات / محض إنعامٍ بلا إهمال
والمباح القلب يقلبه / طاعة بالقصد للإكمال
والذي من قسم معصية / بدَّلته توبة استعجال
وهو بالطاعات منقلب / حسناً من أحسن الأعمال
ثم إني كل ذاك أرى / أنه فعلي على استقلال
وهو منسوب إليَّ كما / جاء في التكليف باسترسال
طبق ما التشريع جاء به / عن رسول الله ذي الأفضال
وهو مني كله شكر / وثناء ما به إخلال
للإله الحق خالقنا / منجح المقصود والآمال
وإذا فعلٌ تكون له / نسبتانِ الأمرُ فيه مجال
سائغ لا شرع يمنعه / لا ولا للعقل فيه عقال
نسبة لله جل كذا / نسبة للعبد كيف يقال
وحقيقيّان أمرهما / لا مجازٌ ذا وليس محال
فأنا ما بين رؤية ذا / فرط إنعامٍ من المفضال
وأراه تارة مني / شكر ربي الخالق المتعال
هذه في الله حالتنا / فاسمعوا يا أيها العذال
قد ذكرناها لرؤيتنا / إنها تخفى على الجهال
فيظنون الطريق إلى / علم غيب الله محض مقال
أو بفكر ذاك يحصل أو / بتعاني ذكره المتوال
إنما بالله جل إذا / لازم التقوى بلا إهمال
واقتفى آثار من سلفوا / مع دوام الصدق والإقبال
عِمْ صباحاً أيها الطللُ
عِمْ صباحاً أيها الطللُ / رسمُ أمرٍ كلُّه جللُ
أمر مولى عنه قد ظهرت / كل روح ما بها خلل
وهو شأن الحق يسفر عن / نشأة بالنقص تكتمل
كل يوم قال خالقنا / هو في شأن ولا ملل
يا عظيم الخطب أنت لها / لا يُمِلْكَ القصدُ والأمل
جامع للكل منفرد / ما سيأتي فيك والأول
وعليكم جاء أنفسَكم / فاستمعها أيها البطل
وتأمل من سواك ومن / هو أنت الكل قد بطلوا
ثم إن الغيب عنك بقي / ما له عما به حِوَل
عن يمين الحيِّ من إِضَمِ
عن يمين الحيِّ من إِضَمِ / سربُ غزلانٍ تبيحُ دمي
يا لقومي من لواحظهم / أسرت في الحب كلَّ كمي
والوجوه الغر طالعة / أوجدوا وجدي من العدم
واستباحوا يوم جفوتهم / مهجتي شوقاً لوصلهم
واستهانوا بي وقد قهروا / ثم صالوا صول منتقم
ليت لو جادوا ولو سمحوا / لي ولو بالطيف في الحلم
أيها العذال في شغفي / لومكم من أخبث الكلم
لو شهدتم ما أشاهده / من حبيبي ذقتمو ألمي
لكن الألباب زائغة / لا تعي والطرف عنه عمي
قربوا منا مسامعكم / علَّكم أن تسمعوا حكمي
واعلموا أني نصحتُ لكم / لو عقلتم ما يقول فمي
غير أني في نصيحتكم / ناثر درّاً على غنم
كيف تصغي العاذلون لنا / وهم الأعدا من القِدَم
كل مغرور بغير هدىً / ربُّه ناشٍ من الوَهَم
عابد من فكره صنماً / هائمٌ بالجهل في الصنم
محض تشبيه عقيدته / في سوى التجسيم لم يَهِم
جاهل بالطبع لذته / لذة الثيران والنَعَم
وعلى تشبيهه حذرٌ / خائفٌ منّا عليه ظمي
إن نقل تنزيهُ خالقنا / قال هذا زلة القدم
وإذا بالفتح فهتَ لَهُ / حلَّ مني ساحة التهم
يا بني قومي ومن ألِفوا / نصرتي في كل مزدحم
ذاكروني في مواجدكم / عل أن يشفى بكم سقمي
واسألوا برق الحمى كرماً / عن لويلات بذي سلم
هل له في عودهنَّ لنا / إذ له التصريف في الحرم
ليت أهل المنحنى عطفوا / لي وراعوا حرمة الذمم
أغمضوا عنا لواحظكم / قد مزجتم دمعتي بدمي
واعملوا أني شغفت بكم / وأنا من جملة الخدم
هائم صبٌ كثيرُ جوى / في الهوى لحمٌ على وَضَم
كل أحوالي بكم ظهرت / وغرامي غير منكتم
أتعبتني بقرُ الشامِ
أتعبتني بقرُ الشامِ / وهي في نقضٍ وإبرامِ
وا عنائي كم أعلمهم / ثم ألقى جهلهم نامي
زبلُهُم في الماء صيَّرهم / شربُهُ من غير أفهام
لم يرقوا بالمواعظ إذ / ماؤهم من حجر هامي
كلهم لا يعرفون سوى / قبح أفعال وآثام
بطنهم والفرج أهلكم / مثل ثيران وأنعام
فتراهم لا عقول لهم / إنما هم أسر أوهام
عصبة البهتان ضلوا ولم / يختشوا زلات أقدام
فيَّ قد زادت وساوسهم / وابتُلوا في داء برسام
فلذا هم يخلطون بنا / فرطَ تحقيرٍ بإكرام
بعضهم للبعض متَّبعٌ / حذوَ أقدام بأقدام
حاولوا بالإستهانة أن / يخفضوا مرفوع أعلامي
وأرادوا في تعنُّتهم / أن يذلوا قدريَ السامي
ويهينوني ويحتقروا / علم تحقيقي وإلهامي
ولقد خاضوا ولم يَخَفوا / غرقاً في بحريَ الطامي
والإله الحق مطَّلعٌ / بأموري خير علام
قادرٌ في الحال يأخذهم / بي على قهر وإرغام
ما أنا من جنسهم وبنو / آدم هم مثل أصنام
فكأني بينهم وأنا ال / عربيْ من نسل أعجام
ينكروني كلما جهلوا / فيزيد الله إنعامي
وأنا من خبث عصبتهم / بين عذال ولوام
مولدي فيهم ولا عجب / جوهر في صدف كامي
لست منهم لانفراديَ في ال / بيت عنهم منذ أعوام
قسوة فيهم وفرط جفا / لم يخف مرميهم رامي
وابتُلوا بالبغي من حسد / مثل أمراض وأسقام
قد أتى في مسند ابن عديْ / خبرٌ عن جُلِّ أقوام
قال خير الخلق سيدُنا / الجفا والبغيُ في الشام
إنني قد شفني السقمُ
إنني قد شفني السقمُ /
ووجودي فيكمو عدمُ /
فالبقا يا سادتي لكمُ /
أنتم المقصود لا العلَمُ / وأهيل الحيِّ قد علموا
ليت دمعي حين أَرسلَهُ /
ذكرُكم بالقرب أَوصلَهُ /
وفؤادي شفه الولَهُ /
كيف اخفى والغرام لهُ / شاهدانِ الدمع والسقمُ
لم أزل بالله في هممِ /
في وجود كنت أو عدمِ /
فإلى كم مقتضى ألمِ /
يا أصيحابي بذي سلَمِ / مَن أصيحابي وما السَلَمُ
فنيت رويحي بلا مهَلِ /
مثل برق لاح في طللِ /
يا أخلائي بلا عذَلِ /
أنا عني اليوم في شغلِ / فاذكروني إن نسيتكمُ
قد تساوى بالصفا كدري /
وحبيبي غير مستترِ /
فاشهدوا يا سادتي أثري /
وأشيعوا في الحمى خبري / وأذيعوا السر واكتتموا
صرتُ في الأعتاب مرتميا /
وإلى الأحباب منتميا /
وإذا ما كنت مهتديا /
لا يراني الحب منثنيا / بعد ما لاحت ليَ الخيمُ
عالم الدنيا دجى ظلمِ /
نوره حق لمفتهمِ /
كم وجود لي وكم عدمِ /
كنت قبل اليوم في حُلُمِ / وتقضَّى ذلك الحُلُمُ
ما لأشواقي لكم سببُ /
فالورى نائي ومقتربُ /
ساكن حالي ومضطربُ /
فزماني كله طربُ / دونه الأوتار والنغمُ
شق روحي غيم جثتهِ /
وبدا في نور نشأتهِ /
واختفى كوني بظلمتهِ /
وحبيبي من لبهجتهِ / أنا والأشواق نحتكمُ
يا هنا قلبي ويا طربي /
وانعدامي ليس بالعجب /
لاح نوري واختفى حجبي /
كلما وليت يقبل بي / وإذا قطَّبتُ يبتسمُ
لم يفه يا ذا الوجه فمُ
لم يفه يا ذا الوجه فمُ / بك لولا أنني العدمُ
فالتفت وانظر لأصلك لا / تفتخر يلحق بك الندم
إن ربي عند قدرته / تستوي الأنوار والظلم
وعطاياه بلا علل / وكذا الحرمان والنعم
ما استحق المرءُ مرتبة / هو فيها أيها الفهم
ما اقتضت نفس عطيَّتها / بل عطاياه لنا كرم
ما اقتضى القبح القبيح ولا / يقتضي الحرمان منحرم
بل بمحض الإختيار على / كل ذي رأس له قدم
وجميعاً أسر قبضته / منعمٌ طوراً ومنتقم
إنما نحن للإله شئونُ
إنما نحن للإله شئونُ / فهو فينا في كل يوم يكونُ
نزلت شمسُه المنازلَ منا / فظهورٌ لها بنا وكمونُ
ها هو الحق ملء قلبي وجسمي / وعظامي وكل ما هو دونُ
لا حلولاً وإنما هو فعلٌ / خلفَهُ فاعلٌ به محصون
نحن تقديره القديم وفينا / حدثت بالوجود منه فنون
كيفما شاء عنه في الكون كنا / واحتراك لنا به وسكون
فيه كنا قدماً فقيل عليم / كل شيء في علمه موزون
ثم لما عنه به قد صدرنا / كان فينا والعين منه عيون
فتسمى بقادر ومريد / عندما عز فهو ليس يهون
كل هذا ونحن نحن جميعاً / عدم يحتويه كافٌ ونون
وهو حق هو الوجود على ما / هو فيه والفتح غيثٌ هتون
جاءت السنة الحصان بهذا / وأتانا كتابه المكنون
فتمسك به بإرشاد هادٍ / يقتفيه فإنه المأمون
واترك المنكِرَ الذي ليس يدري / فهو عن ذوق طعمه الملعون
إن لله في الوجود قلوباً / عقلها عند من سواها جنون
يا كثير الشوق والشجنِ
يا كثير الشوق والشجنِ / دائماً في السر والعلنِ
راح يشكو هجر ممتنع / فهو عن وصف الجميع غني
ما له إن رمته جهة / فانتبه من غفلة الوسن
ما له في ديننا أبداً / من مكان لا ولا زمن
كان قبل الكون وهو على / ما عليه كان فاستَبِن
إن تَرُمْ تحظى برؤيته / طبق ما قد جاء في السنن
ألق منك النفس وهو بأن / تعرف المودع في البدن
واستمع واصغ لذاك ولا / تشتغل عنه بلوم دني
كل من في الكون عنه إذا / لم تجدهم فيه في فتن
إنما نحن ربنا في شئونِهْ
إنما نحن ربنا في شئونِهْ / ناظرتٌ عيوننا بعيونِهْ
يتجلى بنا ونحن كواوٍ / أضمرت بين كاف أمرٍ ونونِهْ
كم له في بطوننا من ظهور / وظهور لنا به في بطونه
يا لحيٍّ إذا بدا فيلاقي / كلُّ حيٍّ حياته في مَنونه
وإذا لاح قادراً أو مريداً / بان تحريك عبده في سكونه
حدثوني يا أمة العشق فيه / عن محيَّا ليلى وعن مجنونه
كل نفس مرهونة بدعاوى / ذاته والصفات أسر ديونه
صبغة الله في الشئون فخلوا / عاشق الوجه حائراً في جنونه
وصفوا في صفاته فصفاتي / لا أراها بأنها من دونه
هي لي تارة به وله بي / مثل نهر يدور في مَنْجَنُونِه
عدم كلنا وذاك وجود / لكن الأمر ظاهر بفنونه
والذي قام فيه بالنفس فانٍ / مضمحلٌ يقينه في ظنونه
وعليه تلبَّس الأمر حتى / ليس يدري صوابه من لُحُونه
هو إلا مضمون علم قديم / فليجل بالوجود في مضمونه
إنك الإعتبار منه فكن يا / وردة كالدهان عين شئونه
لا تكن خارجاً بنفسك عنه / لا ولا داخلاً به في حصونه
أنت لا شيءَ وهو شيءٌ عظيم / فاشتغل بالوفا لفكِّ رهونه