أزمَعوا البَيْنَ وَشَدُّوا الرِّكابا
أزمَعوا البَيْنَ وَشَدُّوا الرِّكابا / فاطلب الصبرَ وخَلِّ العِتابا
ودنا التَّوديع مَمَّنْ وَدِدْنا / أَنَّهم داموا لدينا غِضابا
فاقْرِ ضَيْفَ البَيْنِ دمعاً مُذالاً / يا أخا الوَجْدِ وقلْباً مُذابا
فمَنِ اللائِمُ صَبَّاً مَشُوقاً / أنْ بَكى أَحْبَابَهُ والشَّبابا
إنما أَغْرَى بِنا الوَجْدَ أَنَّا / ما حَسبْنَا لِفِرَاقٍ حسابَا
وَعُرَيْبٌ جَعَلُوا بالمصَلَّى / كلَّ قلبٍ يومَ ساروا نِهايا
عَجَبَاً كيف رضُوا أنْ يَحلُّوا / مِنْ قلوبٍ أحرقوها قِبابا
أضْحَتِ الأرض التي جاوَرُوها / يَحْسُدُ العَنْبَرُ منها الترابا
لا تكَذِّبْ خَبَراً أنَّ سَلْمَى / سَحَبَتْ بالتُّرْبِ ذَيْلا فَطابا
وَكَسَتْهُ حُلَلَ الرَّوْضِ حتى / تَوَّجَتْ منها الرُّبَا والهِضابا
ابْتَسَمَتْ عَنْ مِثْلِ كَأْسِ الحُمَيَّا / نَظَمَ الماءُ عليها حُبابا
سُمْتُها لَثْمَ الثنايا فقالتْ / إنَّ مِنْ دُونِكَ سُبْلاً صِعابا
حَرَسَتْ عَقْرَبُ صُدْغَيَّ خَدِّي / وَحَمَتْ حَيَّةُ شَعْرِي الرُّضابا
وَيْحَ مَنْ يَطْلُبُ مِنْ وَجْنَتَيَّ ال / وردَ أوْ مِنْ شَفَتَيَّ الشَّرابا
حَقُّ مَنْ كانَ لهُ حُبُّ سَلْمَى / شُغلا أنْ يَسْتَلِذَّ العذابا
وَلِمَنْ يمدَحُ خَيْرَ البرايا / أنْ يَرَى الفقرَ عَطاءً حِسابا
وَكَفَاني باتِّباعي طَريقَاً / رَغِبَ المُخْتارُ فيها رِغابا
كلما أُوتِيتُ منها نَصيباً / قُلْتُ إني قدْ مَلَكْتُ النِّصابا
يا حَبيباً وَشَفِيعاً مُطاعاً / حَسْبُنا أنَّ إليك الإِيابا
لَمْ نَقُلْ فيكَ مقالَ النَّصارَى / إذْ أضَلُّوا في المَسيحِ الصَّوابا
إنما أنتَ نَذِيرٌ مُبينٌ / أنْزَلَ اللَّهُ عليك الكِتابا
بِلِسان عربيٍّ بَليغٍ / أفْحَمَ العُرْبَ فعَيَّتْ جوابا
يُطْمِعُ الأسماعَ فيه بياناً / وَسَنا طِبِّهِ عَلَى العَقْلِ يابا
حَوَتِ الكُتْبُ لُبَاباً وَقِشْرَاً / وَهْوَ حاوٍ مِنَ اللُّبابِ لُبابا
يَجْلِبُ الدُّرَّ إلى سامِعِيه / كَلِمٌ لم يُرَ فيه اجْتِلابا
أشْرَقَتْ أنوارُهُ فرأيْنا ال / رأسَ رَأْساً وَالذُّنابى ذُنابا
وَرَأَى الكُفَّارُ ظِلّاً فَضَلُّوا / وَيْحَهُم ظَنُّوا السَّرابَ الشَّرابا
وإذا لَمْ يَصِحَّ بالْعِلْمِ ذَوْقُ / وُجِدَ الشَّهْدُ مِنَ الجَهْلِ صابا
كيف يهدي اللَّهُ منهم عنيداً / كلما أبْصَرَ حقّاً تَغَابى
وَإِذَا جِئْتَ بآياتِ صِدْقٍ / لم تَزِدْهُم بِكَ إلَّا ارْتِيابا
أنتَ سِرُّ اللَّهِ في الخَلْقِ وَالسِّر / رُ عَلَى العُمْيِ أشَدُّ احْتِجَابا
عاقِبٌ ماحٍ مَحَا اللَّهُ عنَّا / بِكَ ما نَحْذَرُ منه العقابا
خَصَّهُ اللَّهُ بِخُلْقٍ كريمٍ / وَدَعا الفَضلَ له فاسْتجابا
وَله مِنْ قَابِ قَوْسَينِ ما شَر / رَفَ قَوْسَيْنِ بذكْرٍ وَقابا
مِنْ دُنُوٍّ وَشُهُودٍ وَسِرٍّ / بانَ عنه كلُّ وَاشٍ وَغابا
وَعلومٍ كَشَفَتْ كلَّ لبْسٍ / وَجَلَتْ عَنْ كلِّ شمسٍ ضَبابا
لَمْ يَنَلْهَا باكْتِسَابٍ وفضلُ ال / له ما لَيسَ يُنَالُ اكْتِسَابا
وَإذَا زَارَ حبيبٌ مُحِبَّاً / لا تَسَلْ عن زائرٍ كَيفَ آبا
كلُّ مَنْ تابَعه نالَ منه / نَسَبَاً مِنْ كلِّ فضْلٍ قِرابا
شَرَّفَ الأنسابَ طُوبى لأَصْلٍ / وَلِفَرْعٍ حازَ منه انتسابا
دينُه الحَقُّ فدَعْ ما سِواه / وَخُذِ المَاءَ وَخَلِّ السَّرابا
جَعَلَ الزُّهْدَ له والعطايا / والتُّقَى والبَأْسَ والبِرَّ دَابا
أَنْقَذَ الهَلْكَى ورَبَّى اليَتَامى / وفَدَى الأسْرَى وفَكَّ الرِّقابا
بَصَّر العُمْيَ فيا لَيْتَ عَيْني / مُلِئَتْ مِنْ أخْمَصَيْه تُرابا
أَسْمَعَ الصُّمَّ فَمَنْ لِي بِسَمْعِي / لو تَلَقَّى لفْظَهُ المُستطابا
ودَعا الهَيجاءَ فارْتَاحَت السُّمْ / رُ اهْتِزَازاً والسُّيُوفُ انْتِدَابا
تَطْرَبُ الخَيْلُ بِوَقْعٍ فَتَخْتَا / لُ إلى الحَربِ وتَعْدوا طِرابا
منْ عِتَاقٍ رَكِبَتْها كُماةٌ / لم يخافوا لِلْمَنُونِ ارْتِكَابا
كلُّ نَدْبٍ لوْ حَكَى غَرْبَهُ السَّيْ / فُ لَمَا اسْتصحبَ سَيْفٌ قِرَابا
قاطعَ الأهلِينَ في اللَّهِ جَهْرَا / لَمْ يَخَفْ لَوْمَاً ولم يَخْشَ عابا
لَمْ يُبالِ حينَ يَغْدُو مُصيباً / فِي الوغَى أو حين يَغْدُو مُصابا
مِنْ حُمَاةٍ نَصَروا الدِّينَ حتى / أَصْبَحَ الإِسلامُ أَحْمَى جَنابا
رَفَعُوا الإِسلامَ مِنْ فوقِ خَيْلٍ / أَرْكَبَتْ كلَّ عُقابٍ عُقابا
خَضَبُوا البيضَ مِنَ الهام حُمْراً / ما تزالُ البِيضُ تَهْوَى الخِضابا
لَمْ يُرِيدُوا بِذُكُورٍ جَلَوْهَا / لِلْحُرُوبِ العُونِ إِلَّا الضِّرَابا
أرْغَمَ الهادي أُنُوفَ الأَعادي / بِرِضاهم وأَذَلَّ الرِّقابا
فأَطاعته الملوكُ اضطِراراً / وأَجابَتْهُ الحُصونُ اضطرابا
وصناديدُ قُرَيْش سَقاها / حَتْفَها سَقْيَ اللِّقاحِ السِّقايا
حَلَبُوا شَطْرَيْهِ فِي الجودِ والبَأْ / سِ فأَحْلَى وأَمَرَّ الحِلابا
وجَدُوا أَخلافَ أخْلاقِهِ فِي ال / خصبِ والجَدْبِ تَعَافُ الخِصابا
دَرُّهَا أطيبُ دَرٍّ فإنْ أمْ / كَنَكَ الحَلْبُ فَرَاعِ العِطابا
جَيَّشَ الجَيْشَ وسَرَّى السَّرايَا / ودَعا الخَيْلَ عِتَاقاً عِرابا
وهوَ المَنْصُورُ بالرُّعْبِ لو شا / ءَ لأَغْنَى الرُّعبُ عنها ونَابا
لو تَرَى الأَحزَابَ طاروا فِراراً / خِلْتَهُمْ بينَ يديهِ ذبابا
أوَ لَمْ تَعْجَب له وهْوَ بَحْرٌ / كيف يَسْتَسْقِي نَدَاهُ السَّحابا
كانتِ الأرضُ مَواتاً فأحْيا / بالْحَيا منها المواتَ انسكابا
نَزَعَتْ عنها مِنَ المَحْلِ ثَوْباً / وكَسَتْها مِنْ رِياضٍ ثِيابا
سَيِّدٌ كيفَ تأَمَّلْتَ معنا / هُ رَأتْ عَيْنَاكَ أمراً عُجابا
مَنْ يَزُرْهُ مُثقَلاً بالخَطايا / عادَ مَغْفُورَ الخطايا مُثابا
ذِكْرُه في الناسِ ذِكْرٌ جَميلٌ / قالَ لِلْكَوْنَيْنِ طيبا فطابا
وسِعَ العَالَم عِلمَاً وجُودا / فدعا كُلّا وأَرْضَى خِطابا
فَتَحَلَّتْ منه قَوْمٌ عُقُوداً / وتَحَلَّتْ منه قومٌ سِخابا
ليتَني كنتُ فيمن رآهُ / أَتَّقِي عنه الأذى والسِّبابا
يومَ نالَتْهُ بإفْكٍ يَهودٌ / مِثْلَمَا اسْتَنْبَحَ بَدْرٌ كِلابا
فادْعُني حَسَّانَ مَدْحٍ وزِدْني / إنّني أَحْسَنْتُ منه المنابا
يا رسولَ اللَّهِ عُذْرَاً إذَا هِبْ / تُ مَقَامَاً حَقُّه أنْ يُهابا
إنني قُمْتُ خطيباً بِمَدْحِي / كَ ومَنْ يَمْلِكُ منه الخطابا
وتَرَامَيْتُ به في بِحَارٍ / مُكْثرا أمواجَها والعُبابا
بِقَوافٍ شُرِعَتْ للأعادِي / وجَدُوها في نفوسٍ حِرَابا
هِيَ أَمْضَى مِنْ ظُبَى البِيضِ حَدَّاً / فِي أعادِيكَ وأنْكَى ذُبابا
فارْضَهُ جُهْدَ مُحِبٍّ مُقلٍّ / صَانَه حُبُّكَ مِنْ أَنْ يُعابا
شابَ في الإسلامِ لكن له في / كَ فؤادٌ حُبُّه لنْ يُشابا
يَتَهَنّى بالأمانيّ إِن / نَهُ قبلَ مماتٍ أَنابا
كلما أَوْسَعَهُ الشَّيْبُ وَعْظا / ضَيَّقَ الخوفُ عليه الرِّحابا
ضَيَّعَ الحَزْمَ وفيه شباب / وأتى مُعْتَذِراً حِينَ شابا
وغدا مِنْ سُوءِ ما قد جَنَاه / نادِماً يَقْرَعُ سِنَّاً وَنابا
أفلا أرجو لذَنْبِي شَفِيعاً / ما رَجَاهُ قَطُّ راجٍ فخابا
أحمدُ الهادي الّذي كلّما جِئ / تُ إليه مُسْتَثيباً أثابا
فاعذِروا في حُبِّ خيرِ البرايا / إنْ غَبطْنا أَو حَسَدْنا الصِّحابا
إنْ بدا شمساً وصاروا نجوما / وطَمَى بحراً وفرُّوا ثِغابا
أَقْلَعَتْ سُحْبُ سُفنِهِمْ سِجالا / مِن علومٍ وَوَرَدنا انصِبابا
وغَدَونا بينَ وَجدٍ وفقدٍ / يَعْظُمُ البُشْرَى به وَالمُصابا
وَتَبَارَأْنَا من النَّصْبِ وَالرَّفْ / ضِ وَأَوْجَبْنَا لكلٍّ جَنابا
إنَّ قوماً رَضِيَ اللَّهُ عنهم / ما لنا نُلقَى عليهم غِضَابا
إننِي في حُبِّهم لا أُحابي / أَحداً قطُّ وَمنْ ذَا يُحابَى
صلوات اللَّهِ تَتْرَى عليه / وَعليهم طيِّباتٌ عِذابا
يفتَحُ اللَّهُ علينا بها مِنْ / جُودِهِ وَالفَضْلِ باباً فبابا
ما انْتَضَى الشَّرْقُ من الصُّبْحِ سَيْفاً / وَفَرَى مِنْ جُنْحِ لَيْلٍ إهابا