المجموع : 4
أَغْدِقْ عَلَيْهَا سَحَابَا
أَغْدِقْ عَلَيْهَا سَحَابَا / وَامْلأْ مَدَاها شَبَابَا
وَافْتَحْ عَلَى النَاسِ فِيهَا / لِلْخَيْرِ بَاباً فَبَابا
جُزْتَ الطَرِيقَ فَصَارَتْ / تِبْراً وَكَانَتْ تُرَابَا
الْيُمْنُ يَحْدو ذَهَاباً / وَالسَعْدُ يَشْدُو إِيَابا
وَالنَخلُ ماسَتْ وَمَالَتْ / تَشَوُّقاً وَاجْتِذَابَا
قَدْ هَزَّهَا الشَوْقُ حَتَّى / كادَت تُجَارِي الركابَا
وَألزَهْرُ يَنْضَحُ عِطْراً / بَيْنَ الربَا وَمَلابَا
لَهُ ابْتِسَامُ حَبِيبٍ / أَنْسَى الْمُحِبَّ الْعِتابا
يَرْنُو فَيُرْخِي حَيَاءً / مِنَ الْكِمامِ نِقَابا
رَأَى شَبَاباً وَضِيئاً / عَمَّ الْقُرَى وَالرحَابا
رَأَى خَلاَئِقَ زُهْراً / كَالْمِسْك طَابَتْ وَطَابا
تَطَامَنَتْ هَضَبَاتٌ / ماذَأ أَصَابَ الْهِضَابَا
كَانَتْ تُسَامِي الثرَيَّا / وَالْيَوْمَ تَحْنِي الرقابَا
رَأَتْ جَلالاً مَهيباً / فَمَا وَنَتْ أَنْ تَهَابَا
وَهَالَهَا مِنْكَ عَزْمٌ / لَوْ لاَمَسَ الصخْرَ ذَابَا
وَالْبَحْرُ يَدْنُو وَيَعْلُو / تَطَلُّعاً وَارْتِقابَا
لَمَّا تَلَقَّاك قُلْنَا / لاَقَى الْعُبَابُ الْعُبَابَا
فَارُوقُ أَعْظَمُ نَفْساً / مِنْهُ وَأَسْخَى جَنابَا
يزْجِي السحابَ ثِقَالاً / وَأَنْتَ تُزْجِي الرغَابَا
وَالنيلُ يَنْسَابُ تِيهاً / بَيْنَ الْمُرُوجِ انْسِيَابَا
كالْخَوْدِ ضَمَّتْ ثِيَاباً / عُجْباً وَأَرْخَتْ ثِيَابَا
صَفَا لُجَيْناً نَقِيّاً / وَمَاجَ تِبْراً مُذَابَا
أَلْقَى الدَرَاهِمَ بُشْرَى / بِكُمْ فَكانت حَبابَا
تَوثَّبَ الْمَوْجُ فِيهِ / لِنَظْرَةٍ ثُمَّ ثَابا
جَرَى ذَلُولاً بِمَلْكٍ / ماضٍ أَذَلَّ الصعَابا
إِذَا رَأَى كَانَ حَقا / أوْ قالَ كَانَ صَوَابا
وَالناسُ مِنْ كُلِّ صَوْبٍ / تَهْوِي إِلَيْكَ انْصِبَابا
جَاءُوا شُعُوباً شُعُوباً / حَتَّى أَسَالُوا الشعَابا
يَرْجُونَ مِنْكَ دُنُوّاً / فَيَرْجعُونَ اهْتِيَابا
وَالشمْسُ أَعْلَى مَكاناً / مِنْ أَنْ تُنَالَ اقْتِرابا
لهُمْ دُعاءٌ أَمَاطَتْ / لَهُ السمَاءُ الْحِجَابَا
إِنْ تَلْقَهُمْ تَلْقَ مَوْجاً / إِنْ قَارَبَ الشَطَّ آبا
تَلْقَى عَجِيجاً وَشَوْقاً / وَزَفْرَةً وَاصْطِخَابا
قُلُوبُهُمْ في يَدَيْهِمْ / تُهْدَى إلَيْكَ احْتِسَابا
وَحُبُّهُمْ في وُجُوهٍ / فَاقْرَأْهُ فِيهَا كِتَابا
لاَحَ السَفِينُ فَهَامَتْ / رَشِيدُ تَعْدُو وِثابا
وَأَقْبَلَتْ وَهْيَ تَرْنُو / مَآذِناً وَقِبَابَا
تَوَدُّ خَوْضا إِلَيْهِ / لَوِ اسْتَطاعَتْ ذَهَابا
وَالشَّوْقُ إنْ غَالَ نَفْسا / لا تَسْتَطِيعُ غِلاَبا
أَعْلاَمُها خافِقاتٌ / كَمَا هَزَزْتَ القِضابا
قَدْ زَارَهَا مِنْكَ غَيْثٌ / فَانْهَلَّ فِيها انْسِكابا
وَلُحْتَ فِيهَا فَصَارَتْ / خِصْبا وَكانَتْ يَبَابا
اللّهُ أَكْبَرُ عادَتْ / بَعَدَْ الْمَشِيبِ كَعَابا
إِنْ سُوئِلَتْ عَنْ سِنِيهَا / قَالَتْ نَسيتُ الْحِسَابَا
فِيهَا نُهىً ثاقِبَاتٌ / كَمَا أَضَأْتَ الثقابا
كَالتبْرِ غَطَّاهُ تُرْبٌ / وَالدرِّ فِي الْبَحْرِ غَابا
كَمْ عَامِرَاتِ عُقُولٍ / تَأْوِي الديَارُ الْخَرابا
صَحِبْتُ فِيهَا شبابي / فَما ذَمَمْت الصحَابا
سَقْياً لِمَلْعَبِ أنْسٍ / شَابَ الزَمانُ وَشابا
إِنْ يَجْرِ فِي الْوَهْمِ يَوْماً / جَرَتْ دُمُوعِي اكْتِئَابا
مَنْ غاضَ مَاءُ صِباهُ / رَأَى الْحَيَاةَ سَرَابا
أَبُوكَ راشَ جَناحِي / حَتَّى لَمَسْتُ السحابا
وَكانَ يُصْغِي لِشِعْري / وَكانَ شِعْرِي عُجَابا
رَشِيدُ لاَقَتْ رَشِيداً / شَهْماً مُجيباً مُجابا
سَوَّاهُ مَوْلاهُ نُوراً / صِرْفاً وَمَجْداً لُبابا
نَالَتْ بِيُمْنِ سَناهُ / مِصرُ الْمُنَى وَالطِلاَبا
يا قبرَ حفني أَجبْني
يا قبرَ حفني أَجبْني / ماذا صنعتَ بحفني
ماذا صنعتَ بعلْمٍ / وما صنعتَ بفَنّ
وما صنعتَ بفكرٍ / ماضي الشَباةِ وذِهْن
طويتَ خيرَ مَثابٍ / للطائفين ورُكْن
في كلِّ يومٍ رِثاءٌ / لصاحبٍ أو لخِدْن
حتَّى لقد كاد شعري / يبكي لضعفي ووهْني
فإنّما أنا منه / وإنّما هو مني
الوزنُ من نَبْضِ قلبي / والبحرُ من ماءِ جَفني
رحا المنايا رويداً / خلطت طِحْناً بِطِحن
وإنَّما الناس ظَعْنٌ / يسيرُ في إثْرِ ظعْنِ
فما حديدٌ بباقٍ / ولا حِذارٌ بمُغْني
وكلُّ عقلٍ مُضِيءٍ / إلى خمودٍ وأَفْن
يكادُ إن مال غصنٌ / يشكو الزمانَ لغصن
تعساً له كم نُعزِّي / حيناً وحيناً نُهَنِّي
من إجتماعٍ لعُرْسٍ / إلى إجتماعٍ لدفن
والمرءُ يُحيي الأماني / والدهرُ يُبْلي ويُفني
فكم تمنّيتُ لكن / ماذا أفاد التمنِّي
دعني أقلِّبُ طَرْفي / في ظلمَةِ الليِ دعني
حيرانَ أضرِبُ كفي / أسىً وأقرَعُ سِنّي
قد خانني الدهرُ يوماً / يا ليته لم يَخُنِّي
أكلَّما مرّ نعْش / أو طاف نَعْيٌ بأُذْني
طار الفؤادُ فلولا / بقيةٌ ندَّ عني
لولا التُّقَى لم أجدْه / بجانبِي أو يجدْنِي
قالوا أجدتَ المراثي / فقلتُ إنَّ وإنِّي
دُموعُ عيني قَريضي / وزَفْرةُ الوجدِ لحني
عَلِّي أداوِي حَزيناً / فالحزنُ يُمْحَيى بحزن
أو يشتفي ببكاءٍ / مَن شأنُه مثلُ شأني
أين النُبوغُ توارَى / يا قبرَ حفني أجبني
أكلَّما لاح بدرٌ / رمتهُ ريحٌ بدَجْن
وخلّف الأرضَ حَيْرى / سهلٌ يموج بحَزْن
وربّ زهرٍ شَذاه / يُزْري بأرواحِ عَدْنِ
كأَنّما منحتْه / ألوانَها ذاتُ حُسْن
جمالُه الغضُّ أغرَى / أغصانَه بالتّثني
غذتْه أَطْبَاءُ طَلٍ / حيناً وأثْداءُ مُزْن
تسري به الريحُ رفقاً / في خشيةٍ وتأنّي
كأنَّها فَمُ أُمٍ / يَمُرُّ في وجنةِ ابْن
النحلُ ترشُفُ منه / رحيقه وتُغَنِّي
تجني ولم تدرِ يوْماً / أنّ الردَى سوف يجني
طغت عليه سَمومٌ / حرَّى كأنفاسِ جِنِّ
فغادرتْهُ رُكاماً / أجفَّ من عودِ تِبن
والدهر أحرَى رفيقٍ / بأن يخونَ ويُخني
يا قبرَ حفني أجبني / وارحم بقيّةَ سنّي
قد راعني منك صَمْتٌ / بحقِّه لا تَرُعْني
ففيكَ أمضَى جَناناً / من كلِّ فُصْحٍ ولُسْن
وفيكَ شِعْرٌ نقيٌّ / من كلِّ وَقْصٍ وخَبن
كأَنَّه بَسَماتٌ / للوصلِ بعد التجنّي
أو نفحةٌ من جميلٍ / طافتْ بأحلام بُثْنِ
أو رَغْوةٌ من سُلافٍ / تفيضُ من رأس دَنّ
كم نكتَة فيه كادت / تخفَى على كُلِّ ظن
مصريةٍ جالَ فيها / ذوقُ الأديبِ المفنِّ
لو كنتَ تعرفُ حفني / لقلتَ زدني وزدني
نحوٌ يصُكُّ الكِسائي / ويزدرِي بابن جِنّي
وإنْ أُثيرَ جِدالٌ / رأيتَه خيرَ قِرْن
العلمُ أمضَى سلاح / له وأوْقَى مِجَنّ
قد كان ضخماً جَسيماً / يبدو كشامخِ حِصْنِ
اللحمُ رِخْوٌ بدين / له نعومةُ قُطن
والصدرُ رَحْبٌ فسيحٌ / ما جاش يوماً بضغْن
في وجهه الجهم حسنٌ / من روحهِ المتسكنّ
قد زارني ذاتَ يومٍ / في وقتِ قَيْظٍ وكِنّ
فكان أُنْساً تدانتْ / به المُنَى بعد ضَنّ
فاض الحديثُ زُلالاً / عذْباً وما قال قَطْني
فُكاهةٌ من لَدُنْه / ونكتةٌ من لدُنّي
في الأُذن قهوْةَ كَرْمٍ / والكف قهوةُ بُنِ
أروِي ويَرْوِي القوافي / كالدرِّ وزناً بوزن
يا مجلساً عاد وجْداً / يُذْكي الفؤادَ ويُضْني
ضاع الصبا ورجَعْنا / منه بصَفْقةِ غَبْن
حفني سلاَمٌ ونورٌ / لقلبكَ المطمئن
فارقتَ أهلاً وسَكْناً / لخيرِ أهْلٍ وسَكن
تَثْني إليكَ القوافي / أعناقَها حين تُثني
الْيَوْمُ يومُكِ مِصْرُ
الْيَوْمُ يومُكِ مِصْرُ / للّه حَمْدٌ وَشُكْرُ
فَلَنْ يَرُوعَكِ رِقٌّ / وَلَنْ يَمَسَّك أَسرُ
وَكُلُّ ما فيكِ صَفْوٌ / وَكُلُّ مَنْ فِيكِ حُرّ
سَعْدٌ يَحُوطُ بَنِيه / وَهْوَ الأَعَزّ الأَبَرّ
دَعَتْهُ مِصْرُ فَلَبَّى / وَالْوَجْهُ يَعْلُوهُ بِشْر
في سَاعَةٍ لَيْسَ فِيهَا / مِنَ الفِرَارِ مَفَرّ
الْمَوْتُ يَحْصُدُ حَصْداً / وَالسِّجْنُ لِلْحُرِّ قَبْر
والأَرْضُ تَهْتَزُّ رُعْباً / فَمَا لَهَا مُسْتَقَرُّ
يَسْرِي مَعَ اللَّيْلِ هَمٌّ / وَيَخْنُقُ الشَّمْسَ ذُعْرُ
تَحَدُّثُ النَّاسِ هَمْسٌ / كَأنَّمَا هُوَ فِكْرُ
وَمِصْرُ تَرْقُُ سَطْراً / لِلْمَوْتِ يَتْلُوهُ سَطْر
إِذَا نِدَاءٌ جَهِيرٌ / يَهُزُّ مِصْرَ وَزَأْر
زَأرُ الْهِزَبْرِ الْمُفَدَّى / سَعْدٍ وَنِعْمَ الْهِزَبْر
دَعَوْتَ قَوْمَكَ حَتَّى / أَسْمَعْتَ مَنْ فِيهِ وَقْرُ
وَقُمْتَ فِيهِمْ خَطيباً / لَهُ عَلَى الْقَوْلِ أَمْرُ
مُفَضَّلاَتٌ قِصَارٌ / لَهَا رنينٌ وَنَبْر
وَحِكْمَةٌ في بَيَانٍ / إنَّ الْبَيَانَ لَسِحْر
قَلْبٌ أبِيُّ شَمُوسٌ / عَلَى الْخُطُوبِ وَصَدْر
وَعَزْمَةٌ مِنْ حَدِيدٍ / لَهَا عُرَامٌ وَأَزْر
أَبَتْ عَلَى الدَّهْرِ ليناً / سِيّانِ عُسْرٌ وَيُسْر
بَانِي الجِبَالِ بَنَاهَا / مَنِيعَةً لا تَخِرّ
فلم يَكُنْ غيرَ سعدٍ / لمصرَ رِدْءٌ وذُخْرُ
فلم يكُنْ غيرَ سَعْدٍ / للناسِ وِرْدٌ وذِكْر
جاءوا إِليكَ سِراعاً / لهم أزيزٌ وهَدْرُ
الشيخُ يتلوه قَسٌّ / والقَسُّ يتلوه حبْرُ
ودينُهم حُبُّ مِصْرٍ / وغيرُ ذلكَ كُفْر
في كلِّ قلبٍ يقينٌ / وحسنُ عَزْمٍ وصَبْر
وليس في الكفِّ بِيضٌ / وليس في الكفِّ سُمْر
فَقُدْتَهُمْ نحوَ فَخْرٍ / لمِصرَ يتلوه فَخْرُ
رُوحٌ من اللّهِ جاءت / من السماء ونَصْر
ونَهْضَةٌ كان فيها / للّهِ قَبْلَكَ سِرُّ
سِرْ بالسفينَةِ هَوْناً / فليس ثَمَّةَ صَخْر
البحرُ صافٍ أمينٌ / وأنتَ بالسفْرِ بَرُّ
تَعيِشُ مِصْرُ وتبقَى / فَقُرَّةُ العَيْنِ مِصْرُ
تبّاً له من ثقيلٍ
تبّاً له من ثقيلٍ / دَماً ورُوحاً وطِينهْ
لو كان من قوم نُوحٍ / لَما ركِبْتُ السفينه