لِمَن يَضوعُ العَبيرُ
لِمَن يَضوعُ العَبيرُ / لِمَن تُغَنّي الطُيورُ
لِمَن تُصَفُّ القَناني / لِمَن تُصَبُّ الخُمورُ
وَلا جَمالٌ أَنيقٌ / وَلا شَبابٌ نَضيرُ
بَل مومِياتٌ عَلَيها / أَطالِس وَحَريرُ
راحَت تُقَعقِعُ حَولي / فَكادَ عَقلي يَطيرُ
وَلاذَ قَلبي بِصَدري / كَأَنَهُ عُصفورُ
لاحَت لَهُ في الأَعالي / بَواشِق وَصُقورُ
وَقالَ ضويِقتَ فَاِهرِب / قُلتُ الفَرارُ عَسيرُ
ما لي جَناح وَلا لي / سَيّارَةٌ أَو بَعيرُ
صَبراً فَهَذا بَلاءٌ / مُقَدَّرٌ مَسطورُ
وَرُحتُ أَسأَلُ رَبّي / وَهُوَ اللَطيفُ الخَبيرُ
أَينَ الحِسانُ الصَبايا / إِن كانَ هَذا النُشورُ
لَيتَ الحُضورَ غِيابٌ / وَالغائِبينَ حُضورُ
بَل لَيتَ كُلَّ نَسيجٍ / بَراقِع وَسُتورُ
فَقَد أَضَر وَآذى / عَينَيَّ هَذا السُفورُ
هَذي العُصورُ الخَوالي / تَطوفُ بي وَتَدورُ
مِن كُلِّ شَمطاءَ وَلّى / شَبابُها وَالغُرورُ
كَأَنَّما الفَمُ مِنها / مُقَطَّبٌ مَزرورُ
كيسٌ عَلى غَيرِ شَيءٍ / مِنَ الحِلى مَصرورُ
كَأَنَّما هُوَ جُرحٌ / مَرَّت عَلَيهِ شُهورُ
يا طالِبَ الشَهدِ أَقصِر / لَم يَبقَ إِلّا القَفيرُ
كَأَنَّما الوَجهُ مِنها / قَد عَضَّهُ الزَمهَريرُ
كَالبَدرِ حينَ تَراهُ / يُعينَكَ الناذورُ
تَبدو لِعَينَيكَ فيهِ / بَرازِخ وَبُحورُ
وَأَنجُد وَوِهادٌ / لَكِنَّهُ مَهجورُ
مِثلُ المِسَن وَلَكِن / لا ماءَ فيهِ يَمورُ
ما لِلبَعوضَةِ فيهِ / قوتٌ بَلِ التَضوِرُ
وَلا يُؤَثِّرُ فيهِ / ناب وَلا أُظفورُ
وَلِليَدَينِ اِرتِعاشٌ / وَلِلعِظامِ صَريرُ
أَما العُيونُ فَغارَت / وَلا تَزالُ تَغورُ
مَغاوِرٌ بَل صَحارى / بَل أَكهُفٌ بَل قُبورُ
وَالخَصرُ عَفواً وَ / صَفحاً لَهُنَّ خُصورُ
هُنَّ السَعالى وَلَكِن / سُعالُهُنَّ كَثيرُ
حَديثُهُنَّ اِنتِفاضٌ / وَضِحكُهُنَّ حَريرُ
وَمَشيُهُنَّ اِرتِباكٌ / وَتارَةً تَقديرُ
يَغضَبنَ إِن مالَ ظِلٌّ / وَإِن شَدا شُحرورُ
وَإِن تَهادَت غُصونٌ / وَإِن تَسارى عَبيرُ
وَإِن تَمايَلَ عُشبٌ / وَإِن تَماوَجَ نورُ
فَكُلُّ شَيءٍ قَبيحٌ / وَكُلُّ شَيءٍ حَقيرُ
وَكَيفَ يَفرَحُ قَلبٌ / رَجائُهُ مَدحورُ
ما لِلرَمادِ لَهيبٌ / ما لِلجَليدِ خَريرُ
مِن حَولِهِنَّ الأَقاحي / وَالوَرد وَالمَنثورُ
وَهُنَّ مُكتَإِباتٌ / كَأَنَّهُنَّ صُخورُ
لا يَبتَسِمنَ لِشَيءٍ / أَما لَهُنَّ ثُغورُ
بَلى لَهُنَّ ثُغورٌ / وَإِنَّما لا شُعورُ
كَأَنَّما الحُسنُ في الأَر / ضِ كُلُّهُ تَزويرُ
في فُندُقٍ أَنا فيهِ ضَيفٌ / جَهَنَّمٍ مَحشورُ
وَهَل أَنا فيهِ ضَيفٌ / لِساعَةٍ أَم أَسيرُ
يا لَيتَني لَم أَزُرهُ / وَلَيتَهُ مَهجورُ
فَلَيسَ يَهنَءُ فيهِ / إِلّا الأَصَمُّ الَريرُ