لَمّا اِستَفاقَت عُيوني
لَمّا اِستَفاقَت عُيوني / في ذِلَّتي وَهَواني
عَزمتُ أَن أَتَعَرّى / مِن شهوَتي فَثَناني
وَقالَ لي الحُكم حُكمي / وَالأَمرُ طوع بناني
لا تَستَطيع التَغَنّي / في الحُبِّ عَن سُلطاني
وَالحُبُّ لا يَتَغَذّى / إِن لَم يَكُن شَهواني
فَلَم أَجِد لي مَفيضاً / يَوماً مِن الإِذعانِ
فَصِرتُ أَغذوهُ عاراً / وَالنَفسُ في تَيَهانِ
وَصارَ يُسكر روحي / بِنَغمَتَي خَفَقانِ
بِنَغمَةٍ مِن لَهيبٍ / وَنَغمَةٍ مِن دُخانِ
حَتّى ظَنَنتُ نَعيمي / في ذلِكَ البُركانِ
رَبّاهُ عَفوَك إِنّي كافِرٌ جانِ /
وَطَّأتَ لي كَنفَ الدُنيا فَقُلتُ قِفي / يا نَفسُ في مُنهَلِ اللَذّاتِ وَاِرتَشِفي
وَمالَ مذهب طَبعي عَن سَجِيَّتِهِ / حَتّى تَقَلَّب في بُطلِ وَفي صَلفِ
وَغابَ عَنِّيَ أَنّي عشبَةٌ نَبَتَت / عَلى جَوانِبِ إِبريق مِن الخَزفِ
عَلى جَوانِبِ إِبريقٍ إِذا نَظَرَت / عَين إِلى عَتقه اِنحَطَّت عَلى تَلَفِ
فَخّارَةٌ ذاتُ نَتنٍ / قَديمَة كَالزمانِ
مَرَّت قُرون عَلَيها / فَحال لَون الدهانِ
وَمَهَّد النِتنُ فيها / مَسارِبَ الديدانِ
فَخّارَةٌ دَنَّسَتها / خَواطِرُ الإِنسانِ
تَخاصَمَت جانِبيها / مَظالِمُ الأَديانِ
كَأَنَّما الدينُ فيها / ضَرب مِن الوَيلِ ثانِ
كَم مَرَّة أَوعَدَتها / ثَوائِرُ الغَليانِ
وَكَم تَفَجَّرَ فيها / بِالأَمسِ مِن بُركانِ
تَبقى قُروناً طِوالاً / وَتَمّحي في ثَوانِ
خَزّافها ذو حَنانٍ / حيناً وَذو سُلطانِ
يَنهى وَيَأمُر بِالصا / عِقاتِ وَالنيرانِ
ديدانُها مُسكَرات / بِخَمرَةِ التيجانِ
وَالتاجُ لَو هِيَ تَدري / مَعنى مِن البُهتانِ
رَبّاهُ عَفوَك إِنّي كافِرٌ جانِ /
فُخّارَةٌ جُبَلت بِالدَمعِ وَالطينِ / مِن عَهد قايينَ أَو مِن قَبلِ قايينِ
نيرونُ أَضرمُ فيها جَمرَ مُقلَتِهِ / تِلكَ البَراكينُ مِن أَجفانِ نيرونِ
تبادَرَتها مِن الديدانِ طائِفَة / أَبطال حَرب مِن الغُلبِ المَجانينِ
ما كانَ إِسكَندَرُ فيها سِوى شَبح / يَحجّب الشَمسَ عَن عَينَي ديوجينِ
ما كانَ جِنكيز إِلّا / شَرارَةٌ في الكَيانِ
تَضَرَّمَت وَتَوارَت / بَينَ الرَمادِ الفاني
رَبِّ المَغول إِله ال / نيرانِ وَالعِصيانِ
ثارَت عَلَيهِ كَما ثا / رَ سنَّةُ النيرانِ
وَالنارُ تَمحقُ إِلّا ال / تِذكار في الأَذهانِ
أَبقَت لِفارِسَ ذِكرى / كِسرى أَنوشروانِ
وَقَوَّضَت ما بَناهُ / مِن شاهِقاتِ المَباني
لَم تُبقِ إِلّا بَقايا / خَورَنق النُعمانِ
تِلكَ البَقايا عِظات ال / زَمانِ لِلإِنسانِ
تِلكَ البَقايا رُموزٌ / لِسُخرِيات الأَماني
أَينَ الَّذي شَيَّدتَهُ / جَلائِلُ الرومانِ
حُلم مِن المَجدِ أَبقى / أُسطورَة في اللِسانِ
شَرعُ المُقدّر أَلّا / يَبقى سِوى الخَسرانِ
أَما الكَمال فَحُلمٌ / في هَجعَةِ النُقصانِ
يُرقى إِلَيهِ رُوَيداً / عَلى مُتونِ الزَمانِ
عَلى الإِرادَةِ وَالتَض / حِياتِ وَالعُرفانِ
حَتّى إِذا حُكَّ كانَ ال / كَلامُ لِلطوفانِ
وَكانَ لِلنّارِ رَأيٌ / وَلِلدَّمارِ يَدانِ
أُمُّ الزَلازِلِ طوّا / فَةٌ بِكُلِّ مَكانِ
آثارها باقِيات / وَقفاً عَلى الأَجفانِ
وَالناسُ وآحسرَتاهُ / إِثنانِ مُختَلِفانِ
أَعمى لَهُ مُقلَتانِ / في العَقلِ مُبصِرَتانِ
وَمُبصِرٌ أَظلَمتهُ / عَينانِ لا تَرَيانِ
تُرى مَشيئَتُك العليا تُناديني / بِثَورَة النارِ في تِلكَ البَراكين
رَبّاهُ هَل يَنتَهي حِلمي بِبارِقَةٍ / مِن اللَهيبِ وَيَخبو الطينُ في الطين
وَهَل أَرى زاحِفاً في اللَيلِ مُلتَهِباً / بِجَمرَة السَخطِ في أَيدي الشَياطينِ
أَدعوكَ وَالظُلمَةُ الحَمراءُ تَحرِقُني / فَلا تُجيبُ وَتَلوي لا تنجّيني
أَعرَضتُ عَنكَ غداةَ القَلبِ ضَلَّلني / كَأَن شَهوَة قَلبي عَنكَ تُغنيني
وَحينَ أوقظتُ مِن سُكر الهَوى خَجَلاً / بَحَثتُ عَنكَ وَكادَ العارُ يخفيني
فَلَم تُمِل قَلبَكَ الرَحمن عَن أَلَمي / وَقلتَ تَطلُبني بَينَ المَساكين
لكِنَّني عُدتُ بَعد ال / تَكفيرِ عَن تَيَهاني
إِلى ذُنوبٍ جسامٍ / كَثيرَةِ الأَلوانِ
ملوِّثاتِ بِدَمعٍ / مُخَضّبات بِقانِ
وَقُلتُ لِلقَلبَ أَطلِق / في الموبِقاتِ عَناني
طيف الإله بَعيد / وَعَينه لا تَراني
وَقيل يَوم عَصيبٌ / يَنقضُّ قَبل الأَوانِ
تنفَّذ النار فيهِ / وَالحُكم للدّيانِ
فَرحتُ أَسأَلُ نَفسي ال / دفاعَ عَن كفراني
فَلَم أَجِد مَن يُحامي / عَنّي سِوى بُهتاني
رَبّاهُ عَفوَك إِنّي كافِرٌ جانِ /