لَيلايَ ما أَنا حَيٌّ
لَيلايَ ما أَنا حَيٌّ / يُرجى وَلا أَنا مَيتُ
لَم أَقضِ حَقَّ بِلادي / وَها أَنا قَد قَضَيتُ
شَفَيتُ نَفسي لَوَ اَنّي / لَمّا رُميتُ رَمَيتُ
بَيروتُ لَو أَنَّ خَصماً / مَشى إِلَيَّ مَشَيتُ
أَو داسَ أَرضَكِ باغٍ / لَدُستُهُ وَبَغَيتُ
أَو حَلَّ فيكِ عَدُوٌّ / مُنازِلٌ ما اِتَّقَيتُ
لَكِن رَماكِ جَبانٌ / لَو بانَ لي لَاَشتَفَيتُ
لَيلايَ لا تَحسَبيني / عَلى الحَياةِ بَكَيتُ
وَلا تَظُنّي شَكاتي / مِن مَصرَعي إِن شَكَوتُ
وَلا يُخيفَنكِ ذِكري / بَيروتَ أَنّي سَلَوتُ
بَيروتُ مَهدُ غَرامي / فيها وَفيكِ صَبَوتُ
جَرَرتُ ذَيلَ شَبابي / لَهواً وَفيها جَرَيتُ
فيها عَرَفتُكِ طِفلاً / وَمِن هَواكِ اِنتَشَيتُ
وَمِن عُيونِ رُباها / وَعَذبِ فيكِ اِرتَوَيتُ
فيها لِلَيلى كِناسٌ / وَلي مِنَ العِزِّ بَيتُ
فيها بَنى لِيَ مَجداً / أَوائِلي وَبَنَيتُ
لَيلى سِراجُ حَياتي / خَبا فَما فيهِ زَيتُ
قَد أَطفَأَتهُ كُراتٌ / ما مِن لَظاهُنَّ فَوتُ
رَمى بِهِنَّ بُغاةٌ / أَصَبنَني فَتَوَيتُ
لَو تُفتَدى بِحَياتي / مِنَ الرَدى لَفَدَيتُ
وَلَو وَقاكَ وَفِيٌّ / بِمُهجَةٍ لَوَقَيتُ
إِن عِشتَ أَو مِتَّ إِنّي / كَما نَوَيتَ نَوَيتُ
لَيلايَ عيشي وَقَرّي / إِذا الحِمامُ دَعاني
لَيلايَ ساعاتُ عُمري / مَعدودَةٌ بِالثَواني
فَكَفكِفي مِن دُموعٍ / تَفري حُشاشَةَ فاني
وَمَهِّدي لِيَ قَبراً / عَلى ذُرا لُبنانِ
ثُمَّ اِكتُبي فَوقَ لَوحٍ / لِكُلِّ قاصٍ وَداني
هُنا الَّذي ماتَ غَدراً / هُنا فَتى الفِتيانِ
رَمَتهُ أَيدي جُناةٍ / مِن جيرَةِ النيرانِ
قُرصانُ بَحرٍ تَوَلَّوا / مِن حَومَةِ المَيدانِ
لَم يَخرُجوا قَيدَ شِبرٍ / عَن مَسبَحِ الحيتانِ
وَلَم يُطيقوا ثَباتاً / في أَوجُهِ الفُرسانِ
فَشَمَّروا لِاِنتِقامٍ / مِن غافِلٍ في أَمانِ
وَسَوَّدوا وَجهَ روما / بِالكَيدِ لِلجيرانِ
تَبّاً لَهُم مِن بُغاثٍ / فَرّوا مِنَ العِقبانِ
لَو أَنَّهُم نازَلونا / في الشامِ يَومَ طِعانِ
رَأَوا طَرابُلسَ تَبدو / لَهُم بِكُلِّ مَكانِ
يا لَيتَني لَم أُعاجَل / بِالمَوتِ قَبلَ الأَوانِ
حَتّى أَرى الشَرقَ يَسمو / رَغمَ اِعتِداءِ الزَمانِ
وَيَستَرِدُّ جَلالاً / لَهُ وَرِفعَةَ شانِ
وَليَعلَمَ الغَربُ أَنّا / كَأُمَّةِ اليابانِ
لا نَرتَضي العَيشَ يَجري / في ذِلَّةٍ وَهَوانِ
أَراهُمُ أَنزَلونا / مَنازِلَ الحَيَوانِ
وَأَخرَجونا جَميعاً / عَن رُتبَةِ الإِنسانِ
وَسَوفَ تَقضي عَلَيهِمُ / طَبائِعُ العُمرانِ
فَيُصبِحُ الشَرقُ غَرباً / وَيَستَوي الخافِقانِ
لاهُمَّ جَدِّد قُوانا / لِخِدمَةِ الأَوطانِ
فَنَحنُ في كُلِّ صُقعٍ / نَشكو بِكُلِّ لِسانِ
يا قَومَ إِنجيلِ عيسى / وَأُمَّةَ القُرآنِ
لا تَقتُلوا الدَهرَ حِقداً / فَالمُلكُ لِلدَيّانِ
إِنّي أَرى مِن بَعيدٍ / جَماعَةً مُقبِلينا
لَعَلَّ فيهِم نَصيراً / لَعَلَّ فيهِم مُعينا
هَوِّن عَلَيكَ تَماسَك / إِنّي سَمِعتُ أَنينا
أَظُنُّ هَذا جَريحاً / يَشكو الأَسى أَو طَعينا
بِاللَهِ ماذا دَهاهُ / يا هَذِهِ خَبِّرينا
لَقَد دَهَتهُ المَنايا / مِن غارَةِ الخائِنينا
صَبّوا عَلَينا الرَزايا / لَم يَتَّقوا اللَهَ فينا
فَخَفِّفوا مِن أَذاهُ / إِن كُنتُمُ فاعِلينا
لا تَيأَسي وَتَجَلَّد / أَراكَ شَهماً رَكينا
أَبشِر فَإِنَّكَ ناجٍ / وَاِصبِر مَعَ الصابِرينا
أَوّاهُ إِنّي أَراهُ / بِالمَوتِ أَمسى رَهينا
جِراحُهُ بالِغاتٌ / تُعيي الطَبيبَ الفَطينا
وَعَن قَريبٍ سَيَقضي / غَضَّ الشَبابِ حَزينا
أُفٍّ لِقَومٍ جِياعٍ / قَد أَزعَجوا العالَمينا
قِراهُمُ أَينَ حَلّوا / ضَربٌ يَقُدُّ المُتونا
عَقّوا المُروءَةَ هَدّوا / مَفاخِرَ الأَوَّلينا
عاثوا فَساداً وَفَرّوا / يَستَعجِلونَ السَفينا
وَأَلبَسوا الغَربَ خِزياً / في قَرنِهِ العِشرينا
وَأَلجَموا كُلَّ داعٍ / وَأَحرَجوا المُصلِحينا
فَيا أُرُبَّةُ مَهلاً / أَينَ الَّذي تَدَّعينا
ماذا تُريدينَ مِنّا / وَالداءُ أَمسى دَفينا
أَينَ الحَضارَةُ إِنّا / بِعَيشِنا قَد رَضينا
لَم نُؤذِ في الدَهرِ جاراً / وَلَم نُخاتِل خَدينا
مَسَرَّةَ الشامِ إِنّا / إِخوانُكُم ما حَيينا
ثِقوا فَإِنّا وَثِقنا / بِكُم وَجِئنا قَطينا
إِنّا نَرى فيكَ عيسى / يَدعو إِلى الخَيرِ فينا
قَرَّبتَ بَينَ قُلوبٍ / قَد أَوشَكَت أَن تَبينا
فَأَنتَ فَخرُ النَصارى / وَصاحِبُ المُسلِمينا
رَأَيتُ يَأسَ طَبيبي / وَهَمسَهُ في فُؤادي
لا تَندُبيني فَإِنّي / أَقضي وَتَحيا بِلادي
أَستَودِعُ اللَهَ شَهماً / نَدباً طَويلَ النِجادِ
أَستَودِعُ اللَهَ روحاً / كانَت رَجاءَ البِلادِ
فَيا شَهيداً رَمَتهُ / غَدراً كُراتُ الأَعادي
نَم هانِئاً مُطمَئِنّاً / فَلَم تَنَم أَحقادي
فَسَوفَ يُرضيكَ ثَأرٌ / يُذيبُ قَلبَ الجَمادِ