أَغْدِقْ عَلَيْهَا سَحَابَا
أَغْدِقْ عَلَيْهَا سَحَابَا / وَامْلأْ مَدَاها شَبَابَا
وَافْتَحْ عَلَى النَاسِ فِيهَا / لِلْخَيْرِ بَاباً فَبَابا
جُزْتَ الطَرِيقَ فَصَارَتْ / تِبْراً وَكَانَتْ تُرَابَا
الْيُمْنُ يَحْدو ذَهَاباً / وَالسَعْدُ يَشْدُو إِيَابا
وَالنَخلُ ماسَتْ وَمَالَتْ / تَشَوُّقاً وَاجْتِذَابَا
قَدْ هَزَّهَا الشَوْقُ حَتَّى / كادَت تُجَارِي الركابَا
وَألزَهْرُ يَنْضَحُ عِطْراً / بَيْنَ الربَا وَمَلابَا
لَهُ ابْتِسَامُ حَبِيبٍ / أَنْسَى الْمُحِبَّ الْعِتابا
يَرْنُو فَيُرْخِي حَيَاءً / مِنَ الْكِمامِ نِقَابا
رَأَى شَبَاباً وَضِيئاً / عَمَّ الْقُرَى وَالرحَابا
رَأَى خَلاَئِقَ زُهْراً / كَالْمِسْك طَابَتْ وَطَابا
تَطَامَنَتْ هَضَبَاتٌ / ماذَأ أَصَابَ الْهِضَابَا
كَانَتْ تُسَامِي الثرَيَّا / وَالْيَوْمَ تَحْنِي الرقابَا
رَأَتْ جَلالاً مَهيباً / فَمَا وَنَتْ أَنْ تَهَابَا
وَهَالَهَا مِنْكَ عَزْمٌ / لَوْ لاَمَسَ الصخْرَ ذَابَا
وَالْبَحْرُ يَدْنُو وَيَعْلُو / تَطَلُّعاً وَارْتِقابَا
لَمَّا تَلَقَّاك قُلْنَا / لاَقَى الْعُبَابُ الْعُبَابَا
فَارُوقُ أَعْظَمُ نَفْساً / مِنْهُ وَأَسْخَى جَنابَا
يزْجِي السحابَ ثِقَالاً / وَأَنْتَ تُزْجِي الرغَابَا
وَالنيلُ يَنْسَابُ تِيهاً / بَيْنَ الْمُرُوجِ انْسِيَابَا
كالْخَوْدِ ضَمَّتْ ثِيَاباً / عُجْباً وَأَرْخَتْ ثِيَابَا
صَفَا لُجَيْناً نَقِيّاً / وَمَاجَ تِبْراً مُذَابَا
أَلْقَى الدَرَاهِمَ بُشْرَى / بِكُمْ فَكانت حَبابَا
تَوثَّبَ الْمَوْجُ فِيهِ / لِنَظْرَةٍ ثُمَّ ثَابا
جَرَى ذَلُولاً بِمَلْكٍ / ماضٍ أَذَلَّ الصعَابا
إِذَا رَأَى كَانَ حَقا / أوْ قالَ كَانَ صَوَابا
وَالناسُ مِنْ كُلِّ صَوْبٍ / تَهْوِي إِلَيْكَ انْصِبَابا
جَاءُوا شُعُوباً شُعُوباً / حَتَّى أَسَالُوا الشعَابا
يَرْجُونَ مِنْكَ دُنُوّاً / فَيَرْجعُونَ اهْتِيَابا
وَالشمْسُ أَعْلَى مَكاناً / مِنْ أَنْ تُنَالَ اقْتِرابا
لهُمْ دُعاءٌ أَمَاطَتْ / لَهُ السمَاءُ الْحِجَابَا
إِنْ تَلْقَهُمْ تَلْقَ مَوْجاً / إِنْ قَارَبَ الشَطَّ آبا
تَلْقَى عَجِيجاً وَشَوْقاً / وَزَفْرَةً وَاصْطِخَابا
قُلُوبُهُمْ في يَدَيْهِمْ / تُهْدَى إلَيْكَ احْتِسَابا
وَحُبُّهُمْ في وُجُوهٍ / فَاقْرَأْهُ فِيهَا كِتَابا
لاَحَ السَفِينُ فَهَامَتْ / رَشِيدُ تَعْدُو وِثابا
وَأَقْبَلَتْ وَهْيَ تَرْنُو / مَآذِناً وَقِبَابَا
تَوَدُّ خَوْضا إِلَيْهِ / لَوِ اسْتَطاعَتْ ذَهَابا
وَالشَّوْقُ إنْ غَالَ نَفْسا / لا تَسْتَطِيعُ غِلاَبا
أَعْلاَمُها خافِقاتٌ / كَمَا هَزَزْتَ القِضابا
قَدْ زَارَهَا مِنْكَ غَيْثٌ / فَانْهَلَّ فِيها انْسِكابا
وَلُحْتَ فِيهَا فَصَارَتْ / خِصْبا وَكانَتْ يَبَابا
اللّهُ أَكْبَرُ عادَتْ / بَعَدَْ الْمَشِيبِ كَعَابا
إِنْ سُوئِلَتْ عَنْ سِنِيهَا / قَالَتْ نَسيتُ الْحِسَابَا
فِيهَا نُهىً ثاقِبَاتٌ / كَمَا أَضَأْتَ الثقابا
كَالتبْرِ غَطَّاهُ تُرْبٌ / وَالدرِّ فِي الْبَحْرِ غَابا
كَمْ عَامِرَاتِ عُقُولٍ / تَأْوِي الديَارُ الْخَرابا
صَحِبْتُ فِيهَا شبابي / فَما ذَمَمْت الصحَابا
سَقْياً لِمَلْعَبِ أنْسٍ / شَابَ الزَمانُ وَشابا
إِنْ يَجْرِ فِي الْوَهْمِ يَوْماً / جَرَتْ دُمُوعِي اكْتِئَابا
مَنْ غاضَ مَاءُ صِباهُ / رَأَى الْحَيَاةَ سَرَابا
أَبُوكَ راشَ جَناحِي / حَتَّى لَمَسْتُ السحابا
وَكانَ يُصْغِي لِشِعْري / وَكانَ شِعْرِي عُجَابا
رَشِيدُ لاَقَتْ رَشِيداً / شَهْماً مُجيباً مُجابا
سَوَّاهُ مَوْلاهُ نُوراً / صِرْفاً وَمَجْداً لُبابا
نَالَتْ بِيُمْنِ سَناهُ / مِصرُ الْمُنَى وَالطِلاَبا