المجموع : 7
تَيَقّظ فما أنت بالخالد
تَيَقّظ فما أنت بالخالد / ولا حادث الدهر بالراقد
فخلّد بسعيك مجداً يَدو / م دوام النجوم بلا جاحد
وأبقِ لك الذكر بالصالحا / ت وخلّ النُزوع إلى الفاسد
ورِدْ ما يُناديك عنه الصُدُور / ألا دَرّ درّك من وارد
وسِر بين قومك في سِيرة / تُميت الحُقود من الحاقد
فإن فتى الدهر من يَدّعي / فتأتي أعاديه بالشاهد
ولاتك مُرمىً بداء السكو / ن فتُصبحَ كالحجر الجامد
وكن رجلاً في العلا حُوَّلاً / تفَنَّنُ في سيره الراشد
إذا أطّردت حركات الحيا / ة ومرّت على نَسَق واحد
ولم تتنوَّع أفانينها / ودامت بوجهٍ لها بارد
ولم تتجدّد لها شَمْلة / من السعي في الشرف الخالد
فما هي إلاّ حياة السَوا / م تجول من العيش في نافد
وما يُرتَجَى من حياة امرىءٍ / كماءٍ على سَبْخة راكد
وليس له في غُضون الحيا / ة سوى النفَس النازل الصاعد
يغُضّ على الجهل أجفانه / ويرضَى من العيش بالكاسد
فذاك هو المَيْت في قومه / وأن كان في المجلس الحاشد
وما المرء إلاّ فتىً يَغْتدي / إلى العلم في شَرَك صائد
سعى للمعارف فأختازها / وصاد الأنيس مع الآبد
وطالع أوجه أقمارها / بعَين بصير لها ناقد
فأبدى الحقائق من طيّها / وألقى القيود على الشارد
إذا هو أصبح نادى البدا / رَ وشَمَّر للسعي عن ساعد
فكان المُجَلِّيَ في شَأوِهِ / بعزم يشُقّ على الحاسد
وأن بات بات على يقظةٍ / بطَرف لنجم العلا راصد
وأحدث مجداً طريفاً له / وأضرب عن مجده التالد
وما الحُمق إلاّ هو الأتّكا / ل على شرف جاء من والد
فذاك هو الحيّ حيّ الفَخا / رِ وأن لَحَدَتْه يد اللاحد
ماذا على الناس لو أصغت مسامعهم / للشعر أنشده في النصح للناس
تاللّه لو خُلقُوا كالصخر لا نصدعُوا / بما أقول انصداع الصخر بالفاس
لكنّهم أخذت في الخلق طينتهم / من طينة ذات أقذار وأدناس
لو أرسل اللّه جبريلاً لساحتهم / لما أتى غير مصحوب بكنّاس
ولو أراد دخولاً في جوانحهم / لكي يقيس الخنى فيها بمقياس
لشمّر الثوب عن ساقَيْه منكمشاً / وسدّ منخره قطعاً لأنفاس
وراح يدخل في مستنقع حَمِىٍء / وينهوي في مساويهم بديماس
وعاد يضحك من إبليس كيف غدا / مستهتراً عَبَثاً فيهم بوَسواس
أذ هم على الشرّ في الأخلاق قد جبلُوا / فلا احتياج لهمّاز وخنّاس
وصار يعذر إبليساً على أنَفٍ / من سجدة لأبيهم ذلك الناسي
لذاك لم يُجد نفعاً ما نصحت لهم / ولو ملأت بنصحي ألف كُرّاس
وكيف ينفع نفح الطيب منتشراً / من بات مُنجدِ لاً في جَوف كِرياس
أدرنة مهلاً فإن الظُبى
أدرنة مهلاً فإن الظُبى / سترعى لك العهد والمَوْثقا
وَداعاً لمَغناك زاهى الرُبا / وداعاً ولكن إلى المُلتقى
عزاءً لمسجدك الجامع / أفارق محرابه المنبرا
وهل في مُصلاّه من راكع / يُجيب المؤذّنَ إن كبّرا
فيا لَسقوطك من فاجع / به فجع الدهر أم القرى
وقبر النبوة في يثربا / ومثوى ضجيعَيْه منوى التُقى
ومَن في البقيع ومن في قُبا / ومن شهِدوا الفتح والخندقا
رويداً أدرنة لا تجزعي / وإن قد أمَضَّك هذا الأذى
إذا أنت بالسيف لم تُرجَعي / فلا حَبذا العيش لا حَبذا
ألا أنت الزاسنا فاسمعي / ونحن الفرنسيس من بعد ذا
سلام على قُطرك المُجتبَى / سلام على أُفْقك المُنتقى
أيُمسي لشِرك العدى مَلعَباً / وكان لتَوحيدنا مَعَبقا
لقد حلّ فيها لواءٌ مُريب / حلول الحقارة بين الجلال
فظلَت بأدمعها والنحيب / تنوح على نجمها والهلال
أتنسى أدرنة عما قريب / إذن لا بلغنا العلا والكمال
فسوف على الرغم من أوربا / نقوم لها فَيلقاً فيلقا
فتُبكي هزاهزنا المغربا / وتُضحك أسيافنا المشرقا
أيقتدر الشعر أن يشكرا / كما يجب الشكر ذاك البطل
فتىً كان في الحرب مستشعراً / شعاراً أجلّته كل الدول
فيا سيف شكري وكل الورى / غدت تضرب اليوم فيك المثل
سيجري لك الشكر لن يَنضُبا / ويجري الزمان به مُغْرقا
وأما ذُكرت حللنا الحُبا / وقُمنا كقومتنا في اللقا
أرى الدهر أنهض كل العِدى / على حين قد قعد المسلمون
فكم جرَعونا كؤوس الردى / ونحن على كيدهم صابرون
أيَحُسن يا قوم أن نقعدا / وقد آن أن ينهض القاعدون
فسيُل المصائب غطّى الزُبى / وغيم النوائب قد طّبقا
وأوشكت الأرض أن تُقلبا / وصبح القيامة أن يُفلَقا
دع الغْرب ينعم في باله / وإن لَقيَ الشرق منه الكُروب
ولا تسألَنْه بأفعاله / فعهد التمدّن عهد كذوب
فنحن اغترَرْنا بأقواله / ولكّننا بعد هذي الحروب
سَنأبَى عليه أشدّ الأِبا / فإما الفناء وإما البقا
ونركب من عزمنا مركباً / ونرقى وإن صَعُب المُرتقى
لقد آن يا قوم تَرك الَونَى / وترك الشقاق وترك الدد
إلى كم نُكابد هذا العَنا / ونخبط في جهلنا الأسود
وبالعلم من قبل نلنا المنى / وفُزنا من العيش بالأرغد
ولكنَما العلم قد غَرَبا / فلا عيش إلاّ إذا شرَقا
فهُبوا إليه هُبوب الصَبا / عسى أن يسِح ويغدودقا
لقد جمع الشيخ هذي الكتب
لقد جمع الشيخ هذي الكتب / فأنقذها من أكفّ العطب
ورتّبها فهي معروضة / لمن يتناولها من كتب
وكانت لعمرك رهن الغبا / ر مكدسة في زوايا الشجب
يمرّ بها الدهر مطمورة / تعاني الدمار وتدعو الحرب
نسيح العناكب من فوقها / ومن تحتها السوس فيها انسرب
يعيث بها آكلاً طرسها / كما تآكل النار جزل الحطب
وكانت على علم حرّاسها / تحفّ الظنون بها والريب
فمدّ إليها معالي الوزي / ر يداً دأبها الغوث عند الكرب
فأخرج منها كنوز العلو / م لأهل الفنون وأهل الأدب
فها أن ارواح من أوقفوا / مرفرفة فوقها من طرب
كما أن أرواح من ألّفوا / قد ابتسمت كالتْماع الشهب
لقد رضي العلم عن فعله / وإن أخذ الجاهلين الغضب
فما بال قوم غدوا يصرخو / ن صراخاً به يقصدون الشغب
يقولون هذا خلافٌ لما لدى / الناس في وقفها من أرب
فيا للعقول لهذا الغبا / ويا للفحول لهذا العجب
أ للسّوس أوقفها الواقفو / ن أن للعناكب أم للترب
إلى كم نظلّ لأغراضنا / نعارض من دون أدنى سبب
ونجمدُ فيغفلة هكذا / ونمرَح في لهونا واللعِب
أرى هؤلاء ضعاف العقو / ل وإن قد نراهم غلاظ الرقب
تضيق عن الحق أرواحهم / وإن لبسوا واسعات الجبب
فهم يقطعون على المصلحي / ن طريق القيام بما قد وجب
فسر في طريقك مستعلياً / وخلّ ضفادعهم تصطخب
فللشرّ ما صخب الصاخبو / ن وللخير جمعك هذي الكتب
لقد صنتها من طروق البلى / وخلصتها من يد المستلب
وأعددتها لشفاء العقو / ل من الجهل وهو أشدّ الوصب
وما كنت في الرأي بالمستبدّ / ولا كنت في الفعل بالمضطرب
وقد كان عزمك فيما أرد / ت يفل ظبي المرهفات القضب
فمن كان جذلان فليبتسم / ومن كان غضبان فلينتحب
هلمّ إلى ذوق طعم الأدب
هلمّ إلى ذوق طعم الأدب / هلمّ إلى نيل أقصى الأرب
هلمّ إلى ذا الغناء الذي / منيرة منه أتت بالعجب
أليست منيرة في عصرنا / مليكة فنّ غناء العرب
ولا غرو أن ملّكت ي الغنا / ء وأن أحرزت فيه أعلى الرتب
فقد أدركته على رسلها / ونالت أقاصيه من كثب
وأيّدها اللّه من صوتها / بأكبر عون وأقوى سبب
أرى فمها صيغ من حكمةٍ / وأبخسه أن أقل من ذهب
تلوح فتبتزّ بدر الدجى / وتشدو فيعتزّ فنّ الأدب
بلحن إذا امتدّ هزّ القلو / ب وخدّر أبداننا والعصب
ترفوف أرواحنا تحته / كما رفرف الطير لما انقلب
وتخفق أحشاؤنا دونه / كما خفقت في الرياح العذب
نكاد إذا هي غنّت نطي / ر إليها بأجنحة من طرب
وإن هي قامت لانشادنا / جثونا لها وثنَينا الركب
فلو سمع القوم ألحانها / لشقّوا عمائمهم والجبب
أرى الهم يتعب قلب الفتى / وعنه الأغاني تزيل التعب
فبادر إليها ولا تكترِث / لما جاء من ذمّها في الكتب
فتنت الملائك قبل البشر
فتنت الملائك قبل البشر / وهامت بك الشمس قبل القمر
وسرّ بك السمع قبل البصر / وغنىّ بك الشعر قبل الوتر
فأنت بحسنك بنت العبر /
ترفّ لمرآك روح الغرام / ويهوى طلوعك بدر التمام
ليطلع مثلك بالأحتشام / ويرقب خطرة هذا القوام
لكيما يهبّ نسيم السحر /
تميل بقدّك خمر الدلال / فيضحك في ميله الأعتدال
وفيه ارتقى الحسن عرش الجلال / ومنه العقول غدت في عقال
وكم قد نهاها وكم قد أمر /
إذا الوجه منك بدا للعيان / له سجد العشق يرجو الأمان
ويخجل من نوره النيّران / ويعنو له جبروت الزمان
ويخضع حتى القضا والقدر /
بك الحسن أُلبس ثوب الكمال / فأنت الحقيقة وهو الخيال
وأنت مليكة ملك الجمال / ولو صوّروك بلوح المثال
لكنت مليكة كل الصور /
يروح الشتاء وتصحو السما / ويأتي الربيع بما نمنما
فيطلع فوق الثرى أنجما / ويبتسم الزهر بعد النما
فأنت ابتسامة ذاك الزّهر /
فطرفك بالفَتركم قد روى / نشيد غرام يهدّ القوى
وما أنت شاعرة في الهوى / ولكنما الشعر فيك انطوى
فآية حسنك أحدى الكبر /
لسانك يسحر في ظرفه / وجفنك يفتن في ضعفه
وقدّك يخطر في لطفه / فيطنب ردفك في وصفه
ويوجزه خصرك المختصر /
سقتك الكعابة صفو الشباب / وغطّى محيّاك منها نقاب
فأنت إذا قمت للأنسياب / تبخترت في خفر والكعاب
تضيء كعابتها بالخفر /
وقفت عليكنّ قلبي الذي
وقفت عليكنّ قلبي الذي / يمرّ به الحبّ مرّ السحاب
ومنكنّ أحببت هاتي وذي / وألفَيت عذباَ بكنّ العذاب
فمنكنّ بيضاء ما مثلها / عدا حمرة الخدّ إلا القمر
فتلك التي طاب لي وصلها / كما ليلة البدر طاب السمر
ومنكنّ حمراء جذّابةْ / حكى وجهها الشمس عند الطلوع
أرى عينها وهي خلاّبة / فأمسك بالكفّ منّي الضلوع
ومنكنّ صفراء في لونها / كأن قد تردّت شعاع الأصيل
إذا ما تمشّت على هونها / أصحّت هبوب النسيم العليل
ومنكنّ سمراء تحكي الدمى / وتبعث في القلب مَيت الهوى
على شفتَيها يلوح اللمى / فيضرم في الصبّ نار الجوى
ومنكنّ من هي مثل الرياح / لها في ذرى كل قلب هبوب
تريد غلاب جميع الملاح / وتبغي عذاب جميع القلوب
ومنكنّ من هي مثل النجوم / من البعد ناظرةً تبتسم
فتلك عليها فؤادي يحوم / وتلك إليها الردى أقتحم
ففيكنّ طرّاً بوادي الهوى / أهيم وأن لم تعد عائده
ألا أن حبّاً بقلبي انطوى / كثير فلم تكفه واحده
تصور حدائق في بهجة
تصور حدائق في بهجة / تروق وفي نضرة تعجب
ترقرقُ فيها مياه العلوم / جداول تجري ولا تنضب
وهبّ عليها نسيم الفنون / يروح ويغدو بها يلعب
فأضحت وأرض كمالاتها / بنبت الحقائق تعشوشب
وأمست وأن ثمار العلاء / لأشجار عرفانها تنسب
وطار الفخار بأرجائها / بلابل تغريدها مطرب
فللمجد وجه طليق بها / وللسعد ثغر بها أشنب
غذاء النفوس وطب العقول / وحفظ الجسوم بها يطلب
فتلك إذا ما تصوّرتها / جليّاً لعمري هي المكتب