القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : ظافِر الحَدّاد الكل
المجموع : 26
أَيا سَيِّدا نالَ أعلى الرُّتَبْ
أَيا سَيِّدا نالَ أعلى الرُّتَبْ / وحاز الكمالَ بأَوْفَى سَبَبْ
أَمالكَ في الراىِ رأىٌ فإنَّ / له صفةً أَوْجَبتْ أن يُحَبّْ
تَربَّى مع النيلِ حتى رَبا / وصار من الشَّحْم ضخما خِدَبّْ
ولا حِسَّ للعظمِ في جسمِه / فليس على الضِّرْس منه تَعَب
يذوب كما ذاب شحمُ الكُلَى / إذا الْجَمْرُ قارَبَه أو قَرُب
يَروقك نيئاً وفي قَلْيِه / فتُبصِرُ من حالتَيْه العَجَبْ
نُصولُ السكاكينِ مصقولةٌ / وفي القَلْى تَمْوِيهُها بالذهب
كأن اللُّجينَ الذي قد عَلا / وذاك النُّضارَ الذي في الذَّنَب
لَفائفُ قطْنٍ لِطافٌ وقد / تَبدَّى بأَطرافِهن اللَّهَب
فيا حُسْنَه وهْو بين الشِّباك / وقد ظلَّ مشتِبكا يضطربْ
كزُرْقِ الأَسَّنِة بين الدروعِ / تَميل بهنّ العوالى السُّلُب
فبادِرْ فنحنُ بشطِّ الخليِج / على روضةٍ رَقَّمَتْها السُّحُب
على حالةٍ نامَ عنها الهلالُ / فإنْ لم تكن حاضِرا لم تَطِب
لقد قَدَح الشيبُ في جانِبي
لقد قَدَح الشيبُ في جانِبي / وأَثَّر ما ليس بالواجِبِ
أتانيَ عندَ تولِّى الشباب / فُلقِّبت بالأَشْمَط الشائب
فلما تظلَّمتُ من فعله / وضِقتُ به قال لي صاحبي
لقد غَضَّ منك فهَلاّ لبستَ / علىرغمه حُلَّةَ الخاضِب
فقلت الشبابُ على صدقه / يَخون فما الظنُّ بالكاذب
عَتَبتُ الزمانَ عَسَى يُعْتِبُ
عَتَبتُ الزمانَ عَسَى يُعْتِبُ / فتَجْمعُنا الدارُ أو تَقرُب
عسى تنقِضى لوعةٌ في الفؤا / د أو تنطفِى جَمْرة تَلْهَب
وأَفْرَق من غَمَرات الهموم / كما يُنْتَضَى الصَّارم المِقْضَب
فأركب للّهوِ خيلَ الشباب / وحَوْلىَ من جُنْده مَوكِب
وأُعطِى أَكُفَّ الهوى مِقْوَدِى / وأتْبَعُه حيثُما يذهب
ولى بالكنيسةِ لا بالكِناسِ / رَشاً هابَه الضَّيْغَمُ الأَغْلَب
يُحكِّم في الأُسْدِ أَلحاظَه / وتَلْقاهُ من راهبٍ يَرْهَب
أفاض القَباطِى على مثِلها / ولاقَى به المُذْهَبَ المُذْهَب
بوجهٍ أَتى بفنونِ الربيعِ / ورَيّاه تصحيفُ ما يُقْلَبُ
به الوردُ والآس والأُقْحُوان / ولكنَّ ناطورَه عَقْرَب
وأسودُ كالأسودِ المستطيل / يَلْدَغُ ذاك وذا يَلْسَب
إذا جال سمُّهُما في الفؤاد / فدِرْ ياقُه البارد الأَشْنَب
تُرنِّحُ ريحُ الصَّبا قَدَّه / كغصنٍ بريح الصَّبا يَلْعب
فتَجْذِب ذاك الخَصيب الجَديب / بعنفٍ وما فيه ما تجْذِب
عجبتُ لرقة زُنّارِه / ودقةُ ما ضَمَّه أَعْجَبُ
أيا سَيِّدي وأخي لا تَغِبْ
أيا سَيِّدي وأخي لا تَغِبْ / فعندي لك اليوم ما يُسْتحَبّ
ملوخيَّةٌ سَبَقتْ وقْتَها / وجاءت كهيئةِ خُضْر الزَّغَب
وقد نُقِّيَتْ قبلَ تقطيفها / بكَفَّىْ لبيبٍ خبيرٍ دَرِب
وقد غادرَتْها حدودُ المُدَى / كما غادر الصبرُ قَلْبا مُحِبّ
وقد أُحْكِمت بفراخِ الحَمام / ودُهْن الدَّجاج وصُفْر الكُبَب
إلى أنْ تَحرَّر تركيبُها / كما حَرَّر الصَّيرَفِىُّ الذَّهَب
وكَمَّلَها النضجُ حتى هَدَتْ / فليس لعيبٍ إليها سبب
فبادرْ إلينا فكلٌّ إلى / قدومِك مُلتِفتٌ مُرتِقب
وما قَصْدنا بك إلا الجمال / لأنك روضةٌ أهلِ الأدب
لما رأيتُك فوقَ السرير
لما رأيتُك فوقَ السرير / ولاح المَناوِرُ والمَسْنَدُ
رأيتُ سليمان في ملكه / يخاطبني وأنا الهُدهد
عجبتُ لجرأةِ هذا الغزالِ
عجبتُ لجرأةِ هذا الغزالِ / وأمرٍ تَخطَّى له واعتمدْ
وأعجبْ به إذا أتَى جاثماً / فكيف اطمأنّ وأنت الأسد
وما أَنْسَ طِيبَ العِناقِ
وما أَنْسَ طِيبَ العِناقِ / ولا سِيمَّا عند بَرْدِ السَّحَرْ
وقد أفرط الضمُّ ما بينَنا / فكوَّن من بَشَرَيْنا بَشَر
كماءَيْنِ من صَبَبَيْ هضْبةٍ / أَلَماّ فضَمَّهما مستقرَ
فلو جَهَد الموتُ أن يستب / دّ منا بمنفردٍ ما قَدَر
أَعزُّ الوَرَى من أفاد القُنوعا
أَعزُّ الوَرَى من أفاد القُنوعا / ولو مات للضُّرِّ هَزْلا وجوعا
وما الذلُّ إلا ركوبُ الفتى / مطامعَ تَجْنِى عليه الخضوعا
على بابِ ذي حِجْبةٍ وَعْدُه / غرورٌ على كونه مستطيعا
عَتبتَ ولكنني لم أعِ
عَتبتَ ولكنني لم أعِ / وأين مَلامُك من مِسْمَعي
وكم قَدْرُ لومِك حتى تُزي / لَ غراما تَمكَّن من أَضْلُعي
وما دام عَتْبُك إلا وأنت / تُفدِّر أن فؤادي معي
فؤاديَ في غيرِ ما أنت فيه / فُخذْ في مَلامِته أودَعِ
مَضى كي يودِّعَ سكانَه / غَداةَ الفراقِ فلم يَرْجع
لَعَمْرُك لو نظرتْ مُقْلتاك / فُتورَ العيون من البُرْقُع
وذاك الحديثَ العُذَيْبَ الذي / جَرَعتُ به الشهد في الأَجْرَع
وكيف يَصيد الغزالُ الهِزَبْرَ / ويَسْطو الضعيفُ على الأَرْوَع
وكيف تُكرِّر خوفَ الرَّقيب / وداعَ الإشارةِ بالإصبع
وأبصرتَ كيف تذوبُ النفوس / وتَنَهلُّ في صورة الأَدْمُع
لأَنْباك قلبُك أنّ المَلام / إذا استحكمَ الحبُّ لم ينفع
وألهاك عَذْلىَ عن أن تفوزَ / بنفسِك من ذلك المَصْرع
هو الحب إنْ كنت في أَسْرِه / فذِلَّ لأحكامِهِ واخْضَع
عَجِبتُ لطَيْفِ الكَرى إنني / قَنَعتُ به ثم لم يقنع
وما طَلبي منه إلا الحديث / اقول له هاتِ أو فاسْمَع
سرائرُ مكنونها لا يزال / إذا خَدَع السِّرُ لم تَخدعِ
وإني لعَاذِرُه في الجَفا / فكيف يزور ولم أَهجَع
أذُمُّ البوارحَ من بعدهم / وأدعو على الناعب الأَبْقَع
وما هي إلا سِراعُ المَطِيِّ / تَقيس المَهامه بالأَذرع
خفافٌ من الحمل لكنها / ثِقالٌ على الكلِف المُوجَع
وجُرْدٌ لها فِعْلُ فرسانِها / فإنْ سمعتْ صارخا تَمْزَع
عسى ما قَسا من زمانٍ يَلين / وهل أَرْتَعِى العيش من مَرْبَعِ
فأَلقَى لدى عَذَباتِ العُذَيبِ / سبيلا أو الأَرْبُع الأربَع
لرامةَ والرملِ من عالجٍ / وزمزمَ والسفِح من لَعْلَع
مَعاهدَ عهد الهوى بينهن / لدى مستقَرٍّ ومستودَع
وأيامُنا كهِباتِ الحُسي / ن في الطِّيبِ والحُسْن والمَوْقِع
سمعتُك والقلبُ لم يسمعِ / فكم ذا تقول ولم أسمع
تقول أما عنده إنني / بغير فؤادٍ ولا أَضُلع
أمَا مع هذا الفتى قلبُه / فقلتُ نعم يا فتى ما معي
وزاد السؤالُ وكان المِطال / فقلت أجيبيه يا أدمعي
أوجهُك أم قِبْلة فالغصو
أوجهُك أم قِبْلة فالغصو / نُ من ساجداتٍ ومن رُكَّع
كأنك آدمُ في جنة / وكم لك من ساجدٍ طَيِّع
ولما عَصتْ في السجود الغصونُ / فللنارِ عاقبةُ المرجع
ومن أصبحت نارُ وجدي به / تُؤَجِّجها في الحشا أدمعي
غَدَوْنا إلى أَرْؤُسٍ أُحْكمِتْ
غَدَوْنا إلى أَرْؤُسٍ أُحْكمِتْ / وَتَمَّتْ مَحاسنُ أوصافِها
صِغار لها سِمَنٌ ظاهِر / تدل على حِذْق عَلاّفها
حَكتْ قِطَعَ القطنِ ملفوفةً / كما فارقتْ كفَّ نَدَّافِها
كأن تماثيلَ أشخاصِها / وأفواهها تحت آنافها
خَليع الطَّراطيرِ بيضا وقد / تَفتَّقَ ما فوق أطرافها
إذا ما افتقرتَ فلا تَسْخَطَنْ
إذا ما افتقرتَ فلا تَسْخَطَنْ / فتَعْدَمَ شَيْئَيْن أجرا ورِزْقا
وهَبْكَ سَخِطت فماذا تُفيد / وأَكَّدتَ لِلضيقِ أَنْ سُؤْتَ خُلْقا
كما يُخْنَق الصيدُ في خَيَّةٍ / ومهما تفاحص زادتْه خَنْقا
تَهون همومُك طُرّا إذا / أَجَلتَ بفكرِك أنْ ليس تَبْقَى
وأنّ المُقدَّر لا بُدَّ منه / على من تَبذَّلَ أو من تَوَقَّى
وأنّ المواهبَ قد قُسِّمت / وكانتْ فدَعْ عنك حرصا وحِذْقا
فلِلّهِ في مُلْكه ما يُريد / يُصرِّفه قادرا مستحقا
يَدلُّ على ذاك كونُ البليد / غنيا وذو الفهم في الفقر يَشْقَى
أَخِلآّىَ بالثغر دام الفراقُ
أَخِلآّىَ بالثغر دام الفراقُ / ولازَمَني أسفٌ واشْتياقُ
تَصبَّرتُ عنكم على حالتين / أسىً يتَلظَّى ودمعٍ يُراق
وأرغمتُ قلبي على سَلوةٍ / فغايةُ ما نال منها الطلاق
وأصعبُ ما حاولتْه النفوسُ / من الأمر تكليف ما لا يُطاق
فهل لي إلى العيش ما بينَكم / كما كنتُ مُسْتَمْسَك واعْتِلاق
لياليَ تعدو بنا في الشباب / إلى حَلْبة اللهو خيلٌ عتاق
وحظُّ العواذلِ من مِسْمَعي / ظواهرُ باطِنُهنّ النفاق
وللعَتْبِ بين جديد الوصالِ / وهجر الدلالِ حَواشٍ رقاق
وهبْ ذاك عاوَد أين الشبابُ / وقد حَلَّ حيث يَعُوز اللَّحاق
لئنْ كنتُ في قبضة الحادثات / فمهما أردتُ فكاكا أعاق
فقلبيَ منذ سَباني البعادُ / له نحوَكم كلَّ يوم إباق
يحالف نفسا لها كلما / تذَكَّرت العيشَ فيكم سِباق
قطعتُ مكاتبتي عنكمُ / لأجل حديثٍ إليكم يُساق
أمورٌ أَتتْ غيرَ مقصودةٍ / ولكنْ نَشَا بينَهنّ اتفاق
ومَن لا يُصانِع قبلَ الدخول / تأسَّف حين يَضيق الخِناق
أتانيَ أخبارُ ما شَنَّعَت / عَلَىَّ العِدا حين خافوا وضاقوا
وما ضَرَّ بدرَ الدُّجى نابحٌ / عَوى وله في العَلاء اتِّساق
وهبْ زَخْرَفوا كذبا مُوهِما / أَمَا للكلامِ مَعانٍ تُذاق
ولو أن لي عادةً في الفضولِ / لصُدِّق في القولِ عني اختلاق
ولكنَّها نفثةٌ بَثَّها / حسودٌ له بَشجاةُ اختناق
وللزور في حال تشنيعه / مَبادٍ عواقبُها الاِمِّحَاق
وهَبْني شربتُ بكأس الحُمام / أليس له منه كأسٌ دِهاق
عليكم سلامٌ كمِسْك الرياضِ / له من نَسيمِ سُحيرٍ فِتاق
وأعذبُ من رَشَفات الرُّضابِ / تجود بهنّ الشِّفاه الرِّقاق
وأطيبُ من بَدْءِ تسليمةٍ / نتيجتُها قُبَلٌ واعتناق
كتابِي كتابُ أخي لوعةٍ
كتابِي كتابُ أخي لوعةٍ / يُقصِّر عن وصفِ أشواقِهِ
إذا كتبتْ كفُّه أَحُرفا / محتْها سوابقُ آماقه
وسوف تُنَبِّيك آثارُها / إذا وَصلتْ ضِمْنَ أوراقه
لئن بَعُدتْ بك عنه النَّوَى / فشخصُك ما بين أحداقه
وبيت دُعيتُ له ثم لم
وبيت دُعيتُ له ثم لم / أجد لي عنِ الكونِ فيه فَكاكا
فزاد بنا فيه فَرْطُ الزحا / مِ والحرِّ حتى اشتهينا الهلاكا
أَمِنّا بَراغيثُه أنْ تَضُ / رَّ ولو حاولتْ ما أطاقَتْ حَراكا
فلو دخلتْ بيننا ذَرَّةٌ / تَشقَّق حائطُه عند ذاكا
وإني لأَعْجبُ من شائبٍ
وإني لأَعْجبُ من شائبٍ / يُنقِّى البياضَ كي يَتكَتِمْ
وهل ذاك إلا كقَطِّ الذُّبالِ / إذا خمدت فبِهِ تَضْطَرم
وكالبئرِ يَنْزِفُها الماتحون / وفي الحال من نَزْفِها تَسْتَجِم
يُرجِّى بذلك ردَّ الشبابِ / وهيهاتَ أنْ يَرجع المُخْتَرَم
إذا خان سَمْكَ الجدارِ الأساسُ / فقد ضاع من فوقه ما يُرَمُّ
وكم قَدْرُ ما يستقرُّ الظلام / إذا ما الصباح عليه هجم
إذا ما أسِفت على فائتٍ / فحَظُّك منه الأسى والندم
لئِن أَنْكَرَتْ مُقلتاها دَمَهْ
لئِن أَنْكَرَتْ مُقلتاها دَمَهْ / فمنه على وَجْنتَيْها سِمَهْ
وها في أناملها بعضُه / دَعَتْه خِضابا لكي توُهِمَهْ
إذا كان لم يَجْنِ غيرَ الهوى / فيُقتَل بالهجرِ ظلما لِمَهْ
فقالت نَما سُقْمُه والدموع / فأظهر من سِرّه مُعظَمه
فديتُك دمعىَ مَنْ سَحَّه / سواك وجسميَ من أسقمه
لِهذا الجلال الذي لا يُرامُ
لِهذا الجلال الذي لا يُرامُ / مَعانِ تَحَيَّر فيها الكلامُ
وقد طَوَّلت وصفَها المادِحون / وأقصرُ ما مرَّ فيها التَّمام
فيا ابنَ البَتولِ سليلَ الرسولِ / أبوك الوَصِىُّ وأنت الإمام
أبوك الذي سار فوق البُراقِ / وفي يد جِبريلَ منه زمام
فلما انتهى سِدْرَة الْمُنْتَهى / مَقاما له جَلَّ ذاك المَقام
دنا قابَ قوسَيْن من ربه / على يقظةٍ لم يَشُبْها منام
فما كذب القلبُ ما قد رآه / فهل حُجّةٌ في خلافٍ تُقام
فضائلُ جاء بهنّ الكتاب / وآياتُه المُحكَمات العِظام
فيا عروةٌ لم يَخِبْ من له / بمثياقِها سببٌ واعتصام
تَطوَّلتَ حتى احتذاك الغَمام / وصُلْت فخافك حتى الحِمام
وسار بشكرك حتى الرياح / وغنى بمدحك حتى الحمام
فما للبلاد ولا للعباد / بغيرِك في كل أرضٍ قَوام
ولولا عزائمُك النافذات / لأصبح للكفر فيها عُرام
أَمِنّا بسيفك من خوفه / فسيفُك كالشمس وهْو الظلام
أتى العيدُ يَغْنم من راحتيك / من الفضل ما غَنمتْه الأنام
هنيئاً له حين قابلتَه / وأبدى له شكرك الإبتسام
فمن حاسديه على أنْ رآك / فشرَّفتَه زمزمٌ والمقام
بقيتَ بقاءً أَخصُّ الطباع / بأوصافه اللازمات الدوام
ولا زلتَ تَنْدَى ويرجو يديك / بنو الدهرِ يوم وشهر وعام
وصلَّى الإلهُ وأهلُ السماء / عليك صلاةً يليها السلام
أرى الشرَّ طبعَ نفوسِ الأنامْ
أرى الشرَّ طبعَ نفوسِ الأنامْ / يُصرِّفها بين عابٍ وذامْ
ولكنّها زُجرِت بالعقول / كزَجْر الجموحِ بجذب اللجام
وقد يَبْدُر الخيرُ من فِعْلها / كما عَرضتْ نَبْوةٌ للحُسام
فلا يَغْرُرنَّك ما أظهرتْه / فتحتَ الرمادٍ أحرُّ الضِّرام
فأَنفعُهم لك منْ لا يَضُرّ / ومن ليس يأخذ أوفَى الذِّمام
وإنْ كان لا بُدَّ من قُرْبِهم / فقَلِّلْ على حذرٍ واتّهام
فما هو إلا كأكلِ المريض / لشهوته من أَضَرِّ الطعام
ومهما عتبتَ على من جَفاك / فإنك أَوْلَى بذاك المَلام
فأصلُ وقوعِك فيما كرهتَ / من الناس من صحبةٍ والتئام
فعِشْ إنْ قدرتَ قليلَ الحديثِ / قليل الجَليس قليل الخِصام
فلو أخطأ المرءُ في صمتِه / لَكان له كصَواب الكلام
وكن أشجعَ الناسِ حِلْما إذا / دنا الغيظُ منك بجيشٍ لُهام
فصبرُ الحليم جميل المآل / كشرب الدواءِ لدَفْعِ السَّقام
وإياك والعُجْبَ إن الكَريم / يُذَمُّ مع العجب ذَمَّ اللئام
كما بالتواضعِ يسمو اللئيم / ويَرْقَي من الفضلِ أعلى مقام
تنال ببِشْرِك ما لا يَنال / قَطوبٌ ببذل العطايا الجِسام
وَعَوِّدْ لسانَك صِدْقَ المَقالِ / ولو كان في الصدق شربُ السِّمام
وإياك من كذبٍ يَطَّبِيك / ولو كان فيه حياةُ الدوام
وإن شئتَ عيشَ الغَنى العزيز / وحُرمةَ من ليس بالمُسْتَضام
ففُزْ بالقناعةِ كنزا يَقيك / ويُغنيك دون حسودٍ مُسام
ولا تَتَّبع طمَعا إنه / لفقرِ الغنىِّ وذُلِّ الهمُام
فما لمَطالبه غايةٌ / مدى الدهر إلا لقاءَ الحِمام
وكافِى الجميلَ بأمثاله / وإلا فبالشكر والإهتمام
فإِن الثناء لمُولِى الجميل / يَقوم مَقامَ الأَيادي العِظام
ومهما قدَرتَ على ظالميك / فعَفْوٌ عن الظلمِ والإجترام
فإنْ أنت كافيتهم ناصَبوك / وما ثلتَهم بالأذى والأَثام
وبادْر بجودك قبلَ السؤال / بلا مِنةٍ ولْيَكُنْ في اكتِتام
وكن أسعدَ الناسِ حظا بكسب / ثناءٍ وأجرِ ببَذْل الحُطام
وسِرُّك فاكتُمْه كتمَ البخيلِ / بقيةَ ماءٍ غَداةَ الهُيام
وإلا كروحِ جبانٍ أصاب / حِجابا من الموتِ عندَ انهزام
وقَدِّرْ فؤادَك قبرا له / وقُلْ باللسانِ صَمامِ صَمام
وراعِ الأمانةَ والزمْ لها / شروطَ المروءةِ أيَّ التزام
وشاورْ ذوي الحزم قبلَ الدخول / على غَرَرٍ مُطْمِعٍ واقتحام
وإنْ عَرضتْ فرصةٌ لا تُخاف / عَواقبُها فَلْتَكُن ذا اعْتِزام
وساعدْ على الخيرِ مهما استطعتَ / بمالٍ ورأىٍ وجاهٍ مُحام
وسُسْ أهلَ عصرِك فيما يَقِلُّ / ويكثر حتى يبذل السلام
وكن سائِسا آمِرا في الملوكِ / وسائسْ لأَمرك أقلَّ الأنام
فقد ينتهي شَرُّ من لا يُخاف / إلى غايةٍ في الأَذى والعُرام
كما يفتك النملُ وهْو الضعيف / بشِبْلِ الهِزَبْرِ البعيدِ المَرام
وعلِّمْ بلُطْفٍ إذا ما علمت / كراعٍ خبيرٍ برَعْىِ السَّوام
وبادر ب لم أَدْرِ عندَ السؤال / إذا ما جهلتَ بغير احْتِشام
فمن صابَ كنتَ شريكا له / ومن زَلّ بايَنْتَه باعْتِصام
وإنْ جهلوا وهلمتَ انفردْتَ / بأخذِ الفضيلة بعد الزِّحام
ولا تَحْقِرنْ حكمةً تُستفاد / وخُذْها ولو من أَقلِّ الطَّغَام
فقدرُ امرىءٍ حَسْبُ ما عنده / منَ العلمِ لا مالَه من وَسام
فما للرماحِ على طولها / مع البعدِ مثلُ قصيرِ السِّهام
ولا تَبْخَس الناسَ أقدارَهم / فما البَخْس إلا أقلُّ الحرام
وكن شاكرا فضلَ ما فيهمُ / بغيرِ تَغال ودونَ اهتضام
ورَفِّع بتبجيلك المستحق / ولو كان طفلا دُوَيْنَ احْتِلام
وقفْ دونَ ما أنت مُستوجِب / فَقَدْرُك مهما تواضعتَ سام
ولاحظْ عيوبَك وافطِنْ لها / وكن من عيوبِ الورى ذا تَعام
وأنصِف وإنْ لم تجد مُنصفا / وسامحْ بواجبِ حقٍّ لِزام
ودُمْ طالبَ الفهم للغامضات / فمفتاحُ مُغْلَقِها في الدوام
وإنْ تُدْعَ للخير فانهضْ وهُمَّ / وإنْ تدع للشرِّ قلْ لا هَمام
وجَدُّك أَسْرِ به في السماءِ / وجِدَّ ارتفاعا أمامَ أمام
وكن عالِمَ الشرِّ لا عامِلا / لتَخلُصَ من مُوبِقات المَرام
فلن يَصلُحَ الشيءَ عند امرىءٍ / بفرطِ محبته ذي غرام
وكن بعُرَا الحقِّ مستمسِكا / أَلاَ إنها غيرُ ذات انفصام
فلا تَفْتِنَنَّك دنيا الغِنى / ومَثِّلْ مُقامَكما في الرِّجام
وكن في حياتك كالمُبتغِي / من السوق زادا لبُعْد المَرام
فما المال والعيش إلا كطيفِ / خيالٍ سَرَى طارِقا في مَنام
فخُذْها وصيةَ مَنْ قَصْدُه / بها الأجرُ لا حُسْنُ نفسِ النِّظام
فإنْ خلُصت عند سَبْكِ العقولِ / فسهمٌ أصابَ به غيرُ رام
وإنْ زُيِّفتْ فاعترافِي يَقوم / شَفيعا لها آخِذا بالزمام
كأنَّ سنابلَ حبِّ الحَصيدِ
كأنَّ سنابلَ حبِّ الحَصيدِ / وقد شارفتْ حين إبّانِها
كبائسُ مصفورةٌ رُبِّعَتْ / وأُراخىَ فاضلُ خِيطانِها

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025