المجموع : 26
أَيا سَيِّدا نالَ أعلى الرُّتَبْ
أَيا سَيِّدا نالَ أعلى الرُّتَبْ / وحاز الكمالَ بأَوْفَى سَبَبْ
أَمالكَ في الراىِ رأىٌ فإنَّ / له صفةً أَوْجَبتْ أن يُحَبّْ
تَربَّى مع النيلِ حتى رَبا / وصار من الشَّحْم ضخما خِدَبّْ
ولا حِسَّ للعظمِ في جسمِه / فليس على الضِّرْس منه تَعَب
يذوب كما ذاب شحمُ الكُلَى / إذا الْجَمْرُ قارَبَه أو قَرُب
يَروقك نيئاً وفي قَلْيِه / فتُبصِرُ من حالتَيْه العَجَبْ
نُصولُ السكاكينِ مصقولةٌ / وفي القَلْى تَمْوِيهُها بالذهب
كأن اللُّجينَ الذي قد عَلا / وذاك النُّضارَ الذي في الذَّنَب
لَفائفُ قطْنٍ لِطافٌ وقد / تَبدَّى بأَطرافِهن اللَّهَب
فيا حُسْنَه وهْو بين الشِّباك / وقد ظلَّ مشتِبكا يضطربْ
كزُرْقِ الأَسَّنِة بين الدروعِ / تَميل بهنّ العوالى السُّلُب
فبادِرْ فنحنُ بشطِّ الخليِج / على روضةٍ رَقَّمَتْها السُّحُب
على حالةٍ نامَ عنها الهلالُ / فإنْ لم تكن حاضِرا لم تَطِب
لقد قَدَح الشيبُ في جانِبي
لقد قَدَح الشيبُ في جانِبي / وأَثَّر ما ليس بالواجِبِ
أتانيَ عندَ تولِّى الشباب / فُلقِّبت بالأَشْمَط الشائب
فلما تظلَّمتُ من فعله / وضِقتُ به قال لي صاحبي
لقد غَضَّ منك فهَلاّ لبستَ / علىرغمه حُلَّةَ الخاضِب
فقلت الشبابُ على صدقه / يَخون فما الظنُّ بالكاذب
عَتَبتُ الزمانَ عَسَى يُعْتِبُ
عَتَبتُ الزمانَ عَسَى يُعْتِبُ / فتَجْمعُنا الدارُ أو تَقرُب
عسى تنقِضى لوعةٌ في الفؤا / د أو تنطفِى جَمْرة تَلْهَب
وأَفْرَق من غَمَرات الهموم / كما يُنْتَضَى الصَّارم المِقْضَب
فأركب للّهوِ خيلَ الشباب / وحَوْلىَ من جُنْده مَوكِب
وأُعطِى أَكُفَّ الهوى مِقْوَدِى / وأتْبَعُه حيثُما يذهب
ولى بالكنيسةِ لا بالكِناسِ / رَشاً هابَه الضَّيْغَمُ الأَغْلَب
يُحكِّم في الأُسْدِ أَلحاظَه / وتَلْقاهُ من راهبٍ يَرْهَب
أفاض القَباطِى على مثِلها / ولاقَى به المُذْهَبَ المُذْهَب
بوجهٍ أَتى بفنونِ الربيعِ / ورَيّاه تصحيفُ ما يُقْلَبُ
به الوردُ والآس والأُقْحُوان / ولكنَّ ناطورَه عَقْرَب
وأسودُ كالأسودِ المستطيل / يَلْدَغُ ذاك وذا يَلْسَب
إذا جال سمُّهُما في الفؤاد / فدِرْ ياقُه البارد الأَشْنَب
تُرنِّحُ ريحُ الصَّبا قَدَّه / كغصنٍ بريح الصَّبا يَلْعب
فتَجْذِب ذاك الخَصيب الجَديب / بعنفٍ وما فيه ما تجْذِب
عجبتُ لرقة زُنّارِه / ودقةُ ما ضَمَّه أَعْجَبُ
أيا سَيِّدي وأخي لا تَغِبْ
أيا سَيِّدي وأخي لا تَغِبْ / فعندي لك اليوم ما يُسْتحَبّ
ملوخيَّةٌ سَبَقتْ وقْتَها / وجاءت كهيئةِ خُضْر الزَّغَب
وقد نُقِّيَتْ قبلَ تقطيفها / بكَفَّىْ لبيبٍ خبيرٍ دَرِب
وقد غادرَتْها حدودُ المُدَى / كما غادر الصبرُ قَلْبا مُحِبّ
وقد أُحْكِمت بفراخِ الحَمام / ودُهْن الدَّجاج وصُفْر الكُبَب
إلى أنْ تَحرَّر تركيبُها / كما حَرَّر الصَّيرَفِىُّ الذَّهَب
وكَمَّلَها النضجُ حتى هَدَتْ / فليس لعيبٍ إليها سبب
فبادرْ إلينا فكلٌّ إلى / قدومِك مُلتِفتٌ مُرتِقب
وما قَصْدنا بك إلا الجمال / لأنك روضةٌ أهلِ الأدب
لما رأيتُك فوقَ السرير
لما رأيتُك فوقَ السرير / ولاح المَناوِرُ والمَسْنَدُ
رأيتُ سليمان في ملكه / يخاطبني وأنا الهُدهد
عجبتُ لجرأةِ هذا الغزالِ
عجبتُ لجرأةِ هذا الغزالِ / وأمرٍ تَخطَّى له واعتمدْ
وأعجبْ به إذا أتَى جاثماً / فكيف اطمأنّ وأنت الأسد
وما أَنْسَ طِيبَ العِناقِ
وما أَنْسَ طِيبَ العِناقِ / ولا سِيمَّا عند بَرْدِ السَّحَرْ
وقد أفرط الضمُّ ما بينَنا / فكوَّن من بَشَرَيْنا بَشَر
كماءَيْنِ من صَبَبَيْ هضْبةٍ / أَلَماّ فضَمَّهما مستقرَ
فلو جَهَد الموتُ أن يستب / دّ منا بمنفردٍ ما قَدَر
أَعزُّ الوَرَى من أفاد القُنوعا
أَعزُّ الوَرَى من أفاد القُنوعا / ولو مات للضُّرِّ هَزْلا وجوعا
وما الذلُّ إلا ركوبُ الفتى / مطامعَ تَجْنِى عليه الخضوعا
على بابِ ذي حِجْبةٍ وَعْدُه / غرورٌ على كونه مستطيعا
عَتبتَ ولكنني لم أعِ
عَتبتَ ولكنني لم أعِ / وأين مَلامُك من مِسْمَعي
وكم قَدْرُ لومِك حتى تُزي / لَ غراما تَمكَّن من أَضْلُعي
وما دام عَتْبُك إلا وأنت / تُفدِّر أن فؤادي معي
فؤاديَ في غيرِ ما أنت فيه / فُخذْ في مَلامِته أودَعِ
مَضى كي يودِّعَ سكانَه / غَداةَ الفراقِ فلم يَرْجع
لَعَمْرُك لو نظرتْ مُقْلتاك / فُتورَ العيون من البُرْقُع
وذاك الحديثَ العُذَيْبَ الذي / جَرَعتُ به الشهد في الأَجْرَع
وكيف يَصيد الغزالُ الهِزَبْرَ / ويَسْطو الضعيفُ على الأَرْوَع
وكيف تُكرِّر خوفَ الرَّقيب / وداعَ الإشارةِ بالإصبع
وأبصرتَ كيف تذوبُ النفوس / وتَنَهلُّ في صورة الأَدْمُع
لأَنْباك قلبُك أنّ المَلام / إذا استحكمَ الحبُّ لم ينفع
وألهاك عَذْلىَ عن أن تفوزَ / بنفسِك من ذلك المَصْرع
هو الحب إنْ كنت في أَسْرِه / فذِلَّ لأحكامِهِ واخْضَع
عَجِبتُ لطَيْفِ الكَرى إنني / قَنَعتُ به ثم لم يقنع
وما طَلبي منه إلا الحديث / اقول له هاتِ أو فاسْمَع
سرائرُ مكنونها لا يزال / إذا خَدَع السِّرُ لم تَخدعِ
وإني لعَاذِرُه في الجَفا / فكيف يزور ولم أَهجَع
أذُمُّ البوارحَ من بعدهم / وأدعو على الناعب الأَبْقَع
وما هي إلا سِراعُ المَطِيِّ / تَقيس المَهامه بالأَذرع
خفافٌ من الحمل لكنها / ثِقالٌ على الكلِف المُوجَع
وجُرْدٌ لها فِعْلُ فرسانِها / فإنْ سمعتْ صارخا تَمْزَع
عسى ما قَسا من زمانٍ يَلين / وهل أَرْتَعِى العيش من مَرْبَعِ
فأَلقَى لدى عَذَباتِ العُذَيبِ / سبيلا أو الأَرْبُع الأربَع
لرامةَ والرملِ من عالجٍ / وزمزمَ والسفِح من لَعْلَع
مَعاهدَ عهد الهوى بينهن / لدى مستقَرٍّ ومستودَع
وأيامُنا كهِباتِ الحُسي / ن في الطِّيبِ والحُسْن والمَوْقِع
سمعتُك والقلبُ لم يسمعِ / فكم ذا تقول ولم أسمع
تقول أما عنده إنني / بغير فؤادٍ ولا أَضُلع
أمَا مع هذا الفتى قلبُه / فقلتُ نعم يا فتى ما معي
وزاد السؤالُ وكان المِطال / فقلت أجيبيه يا أدمعي
أوجهُك أم قِبْلة فالغصو
أوجهُك أم قِبْلة فالغصو / نُ من ساجداتٍ ومن رُكَّع
كأنك آدمُ في جنة / وكم لك من ساجدٍ طَيِّع
ولما عَصتْ في السجود الغصونُ / فللنارِ عاقبةُ المرجع
ومن أصبحت نارُ وجدي به / تُؤَجِّجها في الحشا أدمعي
غَدَوْنا إلى أَرْؤُسٍ أُحْكمِتْ
غَدَوْنا إلى أَرْؤُسٍ أُحْكمِتْ / وَتَمَّتْ مَحاسنُ أوصافِها
صِغار لها سِمَنٌ ظاهِر / تدل على حِذْق عَلاّفها
حَكتْ قِطَعَ القطنِ ملفوفةً / كما فارقتْ كفَّ نَدَّافِها
كأن تماثيلَ أشخاصِها / وأفواهها تحت آنافها
خَليع الطَّراطيرِ بيضا وقد / تَفتَّقَ ما فوق أطرافها
إذا ما افتقرتَ فلا تَسْخَطَنْ
إذا ما افتقرتَ فلا تَسْخَطَنْ / فتَعْدَمَ شَيْئَيْن أجرا ورِزْقا
وهَبْكَ سَخِطت فماذا تُفيد / وأَكَّدتَ لِلضيقِ أَنْ سُؤْتَ خُلْقا
كما يُخْنَق الصيدُ في خَيَّةٍ / ومهما تفاحص زادتْه خَنْقا
تَهون همومُك طُرّا إذا / أَجَلتَ بفكرِك أنْ ليس تَبْقَى
وأنّ المُقدَّر لا بُدَّ منه / على من تَبذَّلَ أو من تَوَقَّى
وأنّ المواهبَ قد قُسِّمت / وكانتْ فدَعْ عنك حرصا وحِذْقا
فلِلّهِ في مُلْكه ما يُريد / يُصرِّفه قادرا مستحقا
يَدلُّ على ذاك كونُ البليد / غنيا وذو الفهم في الفقر يَشْقَى
أَخِلآّىَ بالثغر دام الفراقُ
أَخِلآّىَ بالثغر دام الفراقُ / ولازَمَني أسفٌ واشْتياقُ
تَصبَّرتُ عنكم على حالتين / أسىً يتَلظَّى ودمعٍ يُراق
وأرغمتُ قلبي على سَلوةٍ / فغايةُ ما نال منها الطلاق
وأصعبُ ما حاولتْه النفوسُ / من الأمر تكليف ما لا يُطاق
فهل لي إلى العيش ما بينَكم / كما كنتُ مُسْتَمْسَك واعْتِلاق
لياليَ تعدو بنا في الشباب / إلى حَلْبة اللهو خيلٌ عتاق
وحظُّ العواذلِ من مِسْمَعي / ظواهرُ باطِنُهنّ النفاق
وللعَتْبِ بين جديد الوصالِ / وهجر الدلالِ حَواشٍ رقاق
وهبْ ذاك عاوَد أين الشبابُ / وقد حَلَّ حيث يَعُوز اللَّحاق
لئنْ كنتُ في قبضة الحادثات / فمهما أردتُ فكاكا أعاق
فقلبيَ منذ سَباني البعادُ / له نحوَكم كلَّ يوم إباق
يحالف نفسا لها كلما / تذَكَّرت العيشَ فيكم سِباق
قطعتُ مكاتبتي عنكمُ / لأجل حديثٍ إليكم يُساق
أمورٌ أَتتْ غيرَ مقصودةٍ / ولكنْ نَشَا بينَهنّ اتفاق
ومَن لا يُصانِع قبلَ الدخول / تأسَّف حين يَضيق الخِناق
أتانيَ أخبارُ ما شَنَّعَت / عَلَىَّ العِدا حين خافوا وضاقوا
وما ضَرَّ بدرَ الدُّجى نابحٌ / عَوى وله في العَلاء اتِّساق
وهبْ زَخْرَفوا كذبا مُوهِما / أَمَا للكلامِ مَعانٍ تُذاق
ولو أن لي عادةً في الفضولِ / لصُدِّق في القولِ عني اختلاق
ولكنَّها نفثةٌ بَثَّها / حسودٌ له بَشجاةُ اختناق
وللزور في حال تشنيعه / مَبادٍ عواقبُها الاِمِّحَاق
وهَبْني شربتُ بكأس الحُمام / أليس له منه كأسٌ دِهاق
عليكم سلامٌ كمِسْك الرياضِ / له من نَسيمِ سُحيرٍ فِتاق
وأعذبُ من رَشَفات الرُّضابِ / تجود بهنّ الشِّفاه الرِّقاق
وأطيبُ من بَدْءِ تسليمةٍ / نتيجتُها قُبَلٌ واعتناق
كتابِي كتابُ أخي لوعةٍ
كتابِي كتابُ أخي لوعةٍ / يُقصِّر عن وصفِ أشواقِهِ
إذا كتبتْ كفُّه أَحُرفا / محتْها سوابقُ آماقه
وسوف تُنَبِّيك آثارُها / إذا وَصلتْ ضِمْنَ أوراقه
لئن بَعُدتْ بك عنه النَّوَى / فشخصُك ما بين أحداقه
وبيت دُعيتُ له ثم لم
وبيت دُعيتُ له ثم لم / أجد لي عنِ الكونِ فيه فَكاكا
فزاد بنا فيه فَرْطُ الزحا / مِ والحرِّ حتى اشتهينا الهلاكا
أَمِنّا بَراغيثُه أنْ تَضُ / رَّ ولو حاولتْ ما أطاقَتْ حَراكا
فلو دخلتْ بيننا ذَرَّةٌ / تَشقَّق حائطُه عند ذاكا
وإني لأَعْجبُ من شائبٍ
وإني لأَعْجبُ من شائبٍ / يُنقِّى البياضَ كي يَتكَتِمْ
وهل ذاك إلا كقَطِّ الذُّبالِ / إذا خمدت فبِهِ تَضْطَرم
وكالبئرِ يَنْزِفُها الماتحون / وفي الحال من نَزْفِها تَسْتَجِم
يُرجِّى بذلك ردَّ الشبابِ / وهيهاتَ أنْ يَرجع المُخْتَرَم
إذا خان سَمْكَ الجدارِ الأساسُ / فقد ضاع من فوقه ما يُرَمُّ
وكم قَدْرُ ما يستقرُّ الظلام / إذا ما الصباح عليه هجم
إذا ما أسِفت على فائتٍ / فحَظُّك منه الأسى والندم
لئِن أَنْكَرَتْ مُقلتاها دَمَهْ
لئِن أَنْكَرَتْ مُقلتاها دَمَهْ / فمنه على وَجْنتَيْها سِمَهْ
وها في أناملها بعضُه / دَعَتْه خِضابا لكي توُهِمَهْ
إذا كان لم يَجْنِ غيرَ الهوى / فيُقتَل بالهجرِ ظلما لِمَهْ
فقالت نَما سُقْمُه والدموع / فأظهر من سِرّه مُعظَمه
فديتُك دمعىَ مَنْ سَحَّه / سواك وجسميَ من أسقمه
لِهذا الجلال الذي لا يُرامُ
لِهذا الجلال الذي لا يُرامُ / مَعانِ تَحَيَّر فيها الكلامُ
وقد طَوَّلت وصفَها المادِحون / وأقصرُ ما مرَّ فيها التَّمام
فيا ابنَ البَتولِ سليلَ الرسولِ / أبوك الوَصِىُّ وأنت الإمام
أبوك الذي سار فوق البُراقِ / وفي يد جِبريلَ منه زمام
فلما انتهى سِدْرَة الْمُنْتَهى / مَقاما له جَلَّ ذاك المَقام
دنا قابَ قوسَيْن من ربه / على يقظةٍ لم يَشُبْها منام
فما كذب القلبُ ما قد رآه / فهل حُجّةٌ في خلافٍ تُقام
فضائلُ جاء بهنّ الكتاب / وآياتُه المُحكَمات العِظام
فيا عروةٌ لم يَخِبْ من له / بمثياقِها سببٌ واعتصام
تَطوَّلتَ حتى احتذاك الغَمام / وصُلْت فخافك حتى الحِمام
وسار بشكرك حتى الرياح / وغنى بمدحك حتى الحمام
فما للبلاد ولا للعباد / بغيرِك في كل أرضٍ قَوام
ولولا عزائمُك النافذات / لأصبح للكفر فيها عُرام
أَمِنّا بسيفك من خوفه / فسيفُك كالشمس وهْو الظلام
أتى العيدُ يَغْنم من راحتيك / من الفضل ما غَنمتْه الأنام
هنيئاً له حين قابلتَه / وأبدى له شكرك الإبتسام
فمن حاسديه على أنْ رآك / فشرَّفتَه زمزمٌ والمقام
بقيتَ بقاءً أَخصُّ الطباع / بأوصافه اللازمات الدوام
ولا زلتَ تَنْدَى ويرجو يديك / بنو الدهرِ يوم وشهر وعام
وصلَّى الإلهُ وأهلُ السماء / عليك صلاةً يليها السلام
أرى الشرَّ طبعَ نفوسِ الأنامْ
أرى الشرَّ طبعَ نفوسِ الأنامْ / يُصرِّفها بين عابٍ وذامْ
ولكنّها زُجرِت بالعقول / كزَجْر الجموحِ بجذب اللجام
وقد يَبْدُر الخيرُ من فِعْلها / كما عَرضتْ نَبْوةٌ للحُسام
فلا يَغْرُرنَّك ما أظهرتْه / فتحتَ الرمادٍ أحرُّ الضِّرام
فأَنفعُهم لك منْ لا يَضُرّ / ومن ليس يأخذ أوفَى الذِّمام
وإنْ كان لا بُدَّ من قُرْبِهم / فقَلِّلْ على حذرٍ واتّهام
فما هو إلا كأكلِ المريض / لشهوته من أَضَرِّ الطعام
ومهما عتبتَ على من جَفاك / فإنك أَوْلَى بذاك المَلام
فأصلُ وقوعِك فيما كرهتَ / من الناس من صحبةٍ والتئام
فعِشْ إنْ قدرتَ قليلَ الحديثِ / قليل الجَليس قليل الخِصام
فلو أخطأ المرءُ في صمتِه / لَكان له كصَواب الكلام
وكن أشجعَ الناسِ حِلْما إذا / دنا الغيظُ منك بجيشٍ لُهام
فصبرُ الحليم جميل المآل / كشرب الدواءِ لدَفْعِ السَّقام
وإياك والعُجْبَ إن الكَريم / يُذَمُّ مع العجب ذَمَّ اللئام
كما بالتواضعِ يسمو اللئيم / ويَرْقَي من الفضلِ أعلى مقام
تنال ببِشْرِك ما لا يَنال / قَطوبٌ ببذل العطايا الجِسام
وَعَوِّدْ لسانَك صِدْقَ المَقالِ / ولو كان في الصدق شربُ السِّمام
وإياك من كذبٍ يَطَّبِيك / ولو كان فيه حياةُ الدوام
وإن شئتَ عيشَ الغَنى العزيز / وحُرمةَ من ليس بالمُسْتَضام
ففُزْ بالقناعةِ كنزا يَقيك / ويُغنيك دون حسودٍ مُسام
ولا تَتَّبع طمَعا إنه / لفقرِ الغنىِّ وذُلِّ الهمُام
فما لمَطالبه غايةٌ / مدى الدهر إلا لقاءَ الحِمام
وكافِى الجميلَ بأمثاله / وإلا فبالشكر والإهتمام
فإِن الثناء لمُولِى الجميل / يَقوم مَقامَ الأَيادي العِظام
ومهما قدَرتَ على ظالميك / فعَفْوٌ عن الظلمِ والإجترام
فإنْ أنت كافيتهم ناصَبوك / وما ثلتَهم بالأذى والأَثام
وبادْر بجودك قبلَ السؤال / بلا مِنةٍ ولْيَكُنْ في اكتِتام
وكن أسعدَ الناسِ حظا بكسب / ثناءٍ وأجرِ ببَذْل الحُطام
وسِرُّك فاكتُمْه كتمَ البخيلِ / بقيةَ ماءٍ غَداةَ الهُيام
وإلا كروحِ جبانٍ أصاب / حِجابا من الموتِ عندَ انهزام
وقَدِّرْ فؤادَك قبرا له / وقُلْ باللسانِ صَمامِ صَمام
وراعِ الأمانةَ والزمْ لها / شروطَ المروءةِ أيَّ التزام
وشاورْ ذوي الحزم قبلَ الدخول / على غَرَرٍ مُطْمِعٍ واقتحام
وإنْ عَرضتْ فرصةٌ لا تُخاف / عَواقبُها فَلْتَكُن ذا اعْتِزام
وساعدْ على الخيرِ مهما استطعتَ / بمالٍ ورأىٍ وجاهٍ مُحام
وسُسْ أهلَ عصرِك فيما يَقِلُّ / ويكثر حتى يبذل السلام
وكن سائِسا آمِرا في الملوكِ / وسائسْ لأَمرك أقلَّ الأنام
فقد ينتهي شَرُّ من لا يُخاف / إلى غايةٍ في الأَذى والعُرام
كما يفتك النملُ وهْو الضعيف / بشِبْلِ الهِزَبْرِ البعيدِ المَرام
وعلِّمْ بلُطْفٍ إذا ما علمت / كراعٍ خبيرٍ برَعْىِ السَّوام
وبادر ب لم أَدْرِ عندَ السؤال / إذا ما جهلتَ بغير احْتِشام
فمن صابَ كنتَ شريكا له / ومن زَلّ بايَنْتَه باعْتِصام
وإنْ جهلوا وهلمتَ انفردْتَ / بأخذِ الفضيلة بعد الزِّحام
ولا تَحْقِرنْ حكمةً تُستفاد / وخُذْها ولو من أَقلِّ الطَّغَام
فقدرُ امرىءٍ حَسْبُ ما عنده / منَ العلمِ لا مالَه من وَسام
فما للرماحِ على طولها / مع البعدِ مثلُ قصيرِ السِّهام
ولا تَبْخَس الناسَ أقدارَهم / فما البَخْس إلا أقلُّ الحرام
وكن شاكرا فضلَ ما فيهمُ / بغيرِ تَغال ودونَ اهتضام
ورَفِّع بتبجيلك المستحق / ولو كان طفلا دُوَيْنَ احْتِلام
وقفْ دونَ ما أنت مُستوجِب / فَقَدْرُك مهما تواضعتَ سام
ولاحظْ عيوبَك وافطِنْ لها / وكن من عيوبِ الورى ذا تَعام
وأنصِف وإنْ لم تجد مُنصفا / وسامحْ بواجبِ حقٍّ لِزام
ودُمْ طالبَ الفهم للغامضات / فمفتاحُ مُغْلَقِها في الدوام
وإنْ تُدْعَ للخير فانهضْ وهُمَّ / وإنْ تدع للشرِّ قلْ لا هَمام
وجَدُّك أَسْرِ به في السماءِ / وجِدَّ ارتفاعا أمامَ أمام
وكن عالِمَ الشرِّ لا عامِلا / لتَخلُصَ من مُوبِقات المَرام
فلن يَصلُحَ الشيءَ عند امرىءٍ / بفرطِ محبته ذي غرام
وكن بعُرَا الحقِّ مستمسِكا / أَلاَ إنها غيرُ ذات انفصام
فلا تَفْتِنَنَّك دنيا الغِنى / ومَثِّلْ مُقامَكما في الرِّجام
وكن في حياتك كالمُبتغِي / من السوق زادا لبُعْد المَرام
فما المال والعيش إلا كطيفِ / خيالٍ سَرَى طارِقا في مَنام
فخُذْها وصيةَ مَنْ قَصْدُه / بها الأجرُ لا حُسْنُ نفسِ النِّظام
فإنْ خلُصت عند سَبْكِ العقولِ / فسهمٌ أصابَ به غيرُ رام
وإنْ زُيِّفتْ فاعترافِي يَقوم / شَفيعا لها آخِذا بالزمام
كأنَّ سنابلَ حبِّ الحَصيدِ
كأنَّ سنابلَ حبِّ الحَصيدِ / وقد شارفتْ حين إبّانِها
كبائسُ مصفورةٌ رُبِّعَتْ / وأُراخىَ فاضلُ خِيطانِها