المجموع : 44
أعَذْلاً وَما عَذَلَتْنِي النُّهَى
أعَذْلاً وَما عَذَلَتْنِي النُّهَى / وَلا طرَد الحِلمَ عَنّي الصِّبا
وكيف تلومين صَعْبَ المَرامِ / وَتَلْحَيْنَ مثليَ كهلَ الحِجَا
بلوتُ الزمانَ وأحداثَه / على السِّلْم منهنّ لي والوَغَى
فما فَلّلتْ حربُها لي شَباً / ولا ازددتُ بالسِّلم عنها رِضا
إذا قلتُ لم أَعْدُ فصلَ الخطابِ / وإن صُلْتُ أيقظتُ عينَ الرَّدَى
أرَتني التَّجاربُ ما قد بَدَا / فقِسْتُ بِه كلَّ ما قد خَفا
ولم يبلُغِ العمرُ بي من سِنِيهِ / ثلاثين حتى بلغتُ المَدَى
وبرّزتُ عزماً على ثابتٍ / وأرْبيتُ فَتْكاً على الشَّنْفَرى
إذا الجَدُّ لم يَسْمُ بالمرء لم / يَنَلْ بالنّباهة أقصى المنَى
ولم يَمضِ بي الدهرُ صَفْحاً ولا / غدا ملءَ عينيَّ منه قَذَى
خَلِيلَيَّ بي ظَمَأٌ ما أُراه / يَبَرّدُه عَلَلٌ مِن حَيَا
فلا تَسْتشيما بُروقَ السَّحابِ / فَلَلِّريُّ في شَيْم بَرْق الظُّبا
أَعينَا أَخاً لكما لم يَبِتْ / على طول مَسْراه يشكو الوجَى
ولم يَسترِحْ قلبُه من أسىً / ولم تَخلُ أحشاؤه من جوى
على أنّ لي عَزَماتٍ إذا / تُنوهِضْن هِضْنَ طِوالَ القنا
ونفساً تئِنّ بها الحادثاتُ / وقلباً يَسُدّ عليّ الفَلا
ولم أرْمِ سَهْمِيَ إِلاّ أَصبتُ / ولم أَدعُ بالدّهر إلاّ احتذى
ولا أشرَبُ الماءَ إلاّ دماً / إذا عَرَصتْ لَي طُرْقُ الأذى
تهون عليّ صعابُ الأُمورِ / ويَغر عنّي جميع الورى
أنا ابن المُعِزِّ سليلِ العُلاَ / وصِنْوُ العزيز إمامِ الهُدَى
سما بِي مَعَدُّ إلى غايةٍ / من المجد ما فوقها مُرتَقَى
فَرُحتُ بهَا فاطميَّ النِّجارِ / حُسَينيَّة عَلَوِيَّ الجَنَى
وما احتجتُ قطُّ إلى ناصرٍ / ولا رُحتُ يوماً ضعيفَ القُوى
ولم أستشْر في مُلمٍّ يَنوبُ / مشيراً أَرى منه ما لا أَرى
ولستُ بوَانِ إذا ما أَمَر / زمانٌ ولا فَرِحٍ إن حلاَ
إذا أصبح الموتُ حتماً فلا / تَخَفْه دنا وقُتُه أو نأى
وإنّا لَقومٌ نَروع الزمانَ / ولسنا نراع إذا ما سَطا
ومنّا الإمامُ العزيزُ الذي / به عادَ سيف الهدى مَنْتَضَى
سعى للشآم وقد أصبحتْ / بها الحربُ نَزاّعةً للشَّوَى
فكشّف من ليلها ما سَجَا / وقوَّم من زَيْغها ما التوى
ولمّا تقابلت الجَحْفلان / وعاد كُجْنحِ الظّلامِ الضُّحى
ولم يَبْقَ في الصفِّ من قائلٍ / هَلُمّ ولا من مُجِيبٍ أنا
وقد ولَغتْ في الصُّدورِ الرِّماحُ / وصَلّتْ لبِيض السيوف الطُّلى
وغنّتْ على البَيْض بِيضُ الذّكوِرْ / غَناءً يُعيد الفُرَادى ثُنَا
كأنَّ الرِّماحَ سُكَارَى تجول / بها الخيلُ في النَّقْع قُبَّ الكُلَى
فلولا الإمامُ العزيز الذي / تَدَاركَها وهي لا تُصْطَلَى
فسكَّن عارِضَ شُؤْبُوبها / وأمسك مِن سَجْلهِ ما انهمى
بَدَا لهم دارعاً في العَجَاجِ / كصُبْحٍ بدا طالعاً في الدُّجَى
يَكُرّ ويَبْسِمُ في مَوْقِفٍ / عُبُوسُ الكُماة به قد بدا
ولم يَخْذُل السيفُ منه يداً / ولم يَسْكُنِ الرَّوْعُ منه حَشَا
يقود إلى الحرب من جُنْدِه / أُسودَ رجالٍ كأُسْد الشَّرَى
فلو فَدّتِ الحربُ قَرْماً إِذاً / لفدّتْك صارخةً بالعِدى
فلم تُصْدرِ الرُّمحَ حتى انثنى / ولم تُغْمِد السيف حتى انفرى
ولم يَحْمِل الموتُ حتى حملتَ / ولولاك ما خاض ذاك اللَّظى
فما انفرجتْ عنك إلاّ وأنت / بها الفارس المَلكِ المُتَّقَى
فجاءك منهمْ ملوكُ الرجالِ / وفدّتك منهم ذواتُ اللَّمَى
ولاذُوا بعَفْوِك مستأمِنِين / ولم يَجِدوا غيرَه مُلْتَجا
ولمّا رأى فَتْحها أَفْتكِين / عليه وَاخلَفه ما رَجا
تولّى ليَنجو فَخفَّتْ به / جيوشُك واستوقفته الرُّبَا
ولو طلب العفَو قبل الحروب / لكنتَ له غافراً ما مضى
ولكنّه اعتادَ فيه الإباقَ / وليس الفتى كلَّ يومٍ فَتَى
ورام الخلاصَ وكيف الخلاصُ / وقد بلغ الماءُ أعلى الزُّبَى
فعوّجتَ من أمره ما استوى / وكدّرت من عيشه ما صفا
إذا استعملَ الفكرَ في بَغْيه / تناول بالكفّ منه القفا
ولم يك كُفْئَكَ في حربه / وإن كان في بأسه المُنتهى
ولسنا نقَيس الهدى بالضِّلالِ / ولا نجعل الليثَ ضَبَّ الكُدَى
وبينكما في العُلاَ والوَغَى / كما بين شمس الضُّحَى والسُّهى
وقد هزَم الأُسْدَ حتى انتهاك / فلمّا رآك غدَا لا يَرَى
فراح وحَشْوَ حَشَاه أَسىً / وقد مُلِئتْ مُقْلتاه عَمى
أَريتَهمُ وقَعاتٍ تزيدُ / على وَقعات الدُّهور الأُلَى
ببغدادَ مِنْ ذكرها جولةٌ / تذود عن المارقين الكَرى
فأْنفُسُ دَيْلَمِها تَغْتدِي / وتَمسى على مثل جمر الغَضَى
إذا سمعوا بالإمام العزيزِ / أساءوا الظنونَ وحلُّوا الحُبا
يخَافون من بأسه وقعةً / تدور عليهم بقُطْب الرَّحَى
يُنادِي بُوَيْه بَنيه بها / ويندُبهم وهو رَهْنُ البِلَى
وقد قَرُبَ الوقتُ فَلْيَأْذَنوا / بوَشْكِ الزَّوال وسوءِ القضا
فيا بن الوصيّ ويا بن البَتُول / ويا بن نبِيّ الهُدَى المصطفى
ويَا بنَ المشَاعر والمَرْوَتْينِ / ويا بن الحَطِيم ويا بنَ الصَّفَا
لك الشرفُ الهاشميُّ الذي / يُقْصر عنه عُلاَ مَنْ علاَ
فِمنْ حَدّ سيفك تسطو المَنونُ / ومِنْ بطن كفِّك يُبْغَى النَّدَى
ولو فاخرتْك جميعُ الملوكِ / لكانوا الظلامَ وكنتَ السّنا
منحتُك من فِطْنتي مِدحةً / تُخَبِّر عن باطنٍ قد صفا
فُدونَكَها فيك شِيعيّةً / تميميّةً صَعبةَ المُرْتَقى
فيا ليتني كنتُ من كلّ ما / يسوءك من كلّ خَطْبٍ فِدا
سأصفِيك شكراً ومدحاً إذا / تُنوشِد صَغّر أهلَ العُلا
إذا كنتَ مُصْطِفياً مَرْبَعاً
إذا كنتَ مُصْطِفياً مَرْبَعاً / فخُصَّ القَرافَةَ بِالإِصْطفاء
منازلُ معمورةٌ بالعَفَا / فِ مخصوصةٌ بالتُّقَى والبَهَاء
كأنّ العَبير لها تُرْبَةٌ / تَضَوّع في صُبْحِها والمساء
ويُحيى النفوسَ بأرجائهنّ / رقيقُ النسيم وطِيبُ الهواء
ديارٌ أُدير بهنّ النعيمُ / ومَغْنىً كَمُلْتدّ رَجْعِ الغِناء
تَزيدُ الشُموسُ بها بهجةً / وتحسُن في مُقْلَتَيْ كلّ راءِ
وينبه فيها النيام الأذان / إذا مزّق الليلَ سيفُ الضِّياءِ
فمِنْ ذاكرٍ ربَّه خَشْيةً / ومِنْ مستهل بطول الدعاء
ولا خيرةٌ في حياة امرئٍ / إذا لم يَخَفْ فَصْلَ يوم القضاءِ
رجوتُك يا ربِّ لا أنّني / أَطعْتُك طَوْعَ أُولِي الانتهاءِ
ولكنّني مؤمِنٌ موفنٌ / بأنّك ربُّ الورى والسماءِ
وأنَّك أهلٌ لِحُسْنِ الظُّنونِ / وأنّك أهلٌ لحسن الرجاءِ
ومالِيَ يا ربّ من شافعٍ / إليك سوى خَاتَمِ الأْنبياءِ
وأنِّي حَنِيفٌ بريءٌ إليك / من الشكّ والشرك والإعتداءِ
فَصفْحَك عن زَلّتي مُنْعِماً / وعَفْوَك عن نَبْوَتي والتوائي
بعثتُ بصفرة لونِ المحبِّ
بعثتُ بصفرة لونِ المحبِّ / وحمرةِ توريد خدّ الحبيبِ
وأبردَ من لَثْم ثَغرِ الحبيب / على مهجة المُستهام الكئيب
ويَحْكي ودادَك في حسنه / ومحضَ وفائك طِيباً بِطيب
إذا لبِس البدرُ من غيمه
إذا لبِس البدرُ من غيمه / غِلاَلة سَكْبٍ له أو قَصَب
ذكرتُ به وجه من شَفَّني / إذا خاف من كاشح فانتقبْ
لقد نَطق العودُ عن سِّره
لقد نَطق العودُ عن سِّره / فغادر كلَّ صحيح كئيبُ
فشبَّهتُ مَيْلَ معاصِيرِه / إذا مِلْن بعد استواءٍ وطِيبْ
بوجه حبيبٍ بدا ضاحكاً / فعنّ له الحظُ عين الرّقيب
فلما استوى نُطْقُ أوتاره / حكى نقْرُها حسن لفظ الحبيب
تجسُّ الأناملُ دَسْتانه / كما جَسّ عِرقَ العليلِ الطبيب
فيُسْمِعنا حركاتِ السرور / ويَكْشِف عنّا بنات الكروب
ألا مَنْ لنفسي وأوصابِها
ألا مَنْ لنفسي وأوصابِها / ومَن لدموعي وتَسْكابِها
إذا فزَّع الشوقُ حبَّ القلوبِ / كواها بشدّة تَلْهَابها
أرِقت لبرقٍ أضاء الدّجون / وأذهب حُلْكةَ أطنابِها
سَرى والدُّجنّة منشورةٌ / فمزّق أعلامَ أثوابها
كأنّ السَّحاب به غادة / مُشَوَّقة بين أترابها
كأنّ البروقَ سيوفُ الغمام / إذا هزَّها ثم رامَى بها
ومُنْبَحسِ القَطْر مُثْعَنْجِرٍ / جهير الرَّواعد صخَّابها
كأنّ يَعالِيله في الصَّبَا / نَشَاوى نواشِرُ أطرابِها
سَقَيْن عِطاشَ مُتُون الرُّبا / وبرَّدْن غُلَّة أَقْرَابها
وأبدين تفويفَ بُسْط الرِّياض / ونشَّرن أعلامَ زِرْيابها
كأنّ الشقيقَ بأرْجائها / خدودٌ ثَنَتْ عَقْد تنْقابِها
فَعُوجا على أَرِجٍ مُونِقٍ / أنيقِ الدَّسَاكِر مِعْشابِها
نُعَلَّل ما بين حَوْذانِها / وطِيبِ ثراها ولَبْلابها
بصفراء شابت ولم تَحْتَلِم / وأَنْحَلَها طولُ أحقابِها
سُلاَفٌ إذا انتسبت للنَّديم / غدا الكَرْم أوكدَ أنسابِها
كأن السُّقاةَ لها يَقْسِمون / شُعاعَ الشموش لشُرَّابها
تَطوف علينا بها غادةٌ / كأنّ الضُّحى بين أَثوابها
إذا سلّطت سحرَ أجفانها / دَلالاً أشارت بعُنَّابها
دعاني فلستُ بُمسْتحسِن / لطُرق المجُون وآدابها
ألا قُلْ لمن ضلّ من هاشم / ورام اللُّحوق بأرْبابها
أأوسَاطُها مثل أطرافها / أَأَرؤُسها مِثلُ أذنابها
أعبَّاسها كأبي حَرْبِها / عليٍّ وقاتِلِ نصَّابها
وأوّلِها مؤمِناً بالإِله / وأوّلِ هادِم أَنْصابها
بني هاشمٍ قد تعامَيْتُمُ / فخلّوا المعالي لأصحابها
أعبّاسكم كان سيفَ النبيّ / إذا أبدت الحربُ عن نابها
أعبّاسكم كان قي بَدْره / يذود الكتائبَ عن غابها
أعبّاسكم قاتِل المشركين / جِهاراً ومالِك أَسْلابِها
أعبّاسكم كوصيّ النبيّ / ومُعْطي الرِّغاب لطُلاّبها
أعبّاسكم شَرَح المُشْكلاتِ / وفَتَّح مُقْفَلَ أبوابها
عجِبتُ لمرتَكِبٍ بَغْيَه / غَويِّ المقالة كذَّابها
يقول فَيْنظم زُورَ الكلام / ويُحْكِم تَنْميقَ إذهابها
لكم حرمةٌ يا بني بنْته / ولكن بنو العمّ أوْلى بها
وكيف يحوز سهامَ البنين / بنو العمِّ أفٍّ لغُصَّابها
بذا أنزل اللهُ آيَ القُرَان / أتَعْمَون عن نصّ إسهابها
لقد جار في القول عبدُ الإله / وقاسَ المطايا بِركّابها
ونحن لَبِسنا ثيابَ النبيّ / وأنتم جذَبْتم بِهُدَّابها
ونحن بنوه ووُرّاثه / وأهلُ الوِراثة أوْلى بها
وفينا الإمامة لا فيكمُ / ونحن أحقُّ بجِلْبابها
ومَنْ لكمُ يا بَني عمه / بمثل البَتُول وأَنجابِها
وما لكُم كوصيّ النبيّ / أبٌ فتَرامَوْا بنُشّابها
ألَسْنا لُبابَ بني هاشمٍ / وساداتِكم عند نُسّابها
ألَسْنا سَبقْنا لغاياتها / أَلْسنا ذهبنا بأحسابها
بنا صُلْتُمُ وبنا طُلْتُمُ / وليس الولاة ككُتّابها
ولا تَسْفَهوا أنْفُساً بالكِذابِ / فذاك أشدُّ لإتعابها
فأنتم كَلحْن قوافي الفَخَار / ونحن غدَوْنا كإعرابها
تركنا النّعيم لأهل النَّعيم
تركنا النّعيم لأهل النَّعيم / وجئنا العناءَ لكي نَسْتريحا
ونطردُ بالعزّ ذلَّ الخمولِ / ونشرب ماءَ المعالي صَبُوحا
رءوسُ الرِّماح وحدُّ السيوف / يقودان للطَّالبين الفتوحا
ومالي أُلاُم على أن غدوتُ / بمالي جواداً وعِرْضي شحيحا
ألاَ سَقِّني بالمَلا الصَّحْصَحِ
ألاَ سَقِّني بالمَلا الصَّحْصَحِ / ونجمُ دجى الليل لم يَجْنَحِ
ببِكرٍ من الرَّاح لم تُفْتَرَعْ / وعانِسةِ السنّ لم تُنْكَحِ
لها خَفَر البكر لكنّها / تزيد على خُدَع القُرَّح
فقومي فقد شاب رأسُ الدُّجى / بنور سَنا فجرهِ المُصْبح
فَحَيِّ النديم على كأسه / بأخضرَ أصفرَ مُستْملَح
رأى الشمس فانفتحت عينُه / ولولا سَنا الشمس لم تُفْتَح
إذا ركَد الليلُ لم يَسْتَبِن / وإن طَلع الصّبح لم يَبْرح
قتيلُ الحوادث مَنْ خافها / فلا تَخْش حادثة تَنْجُح
مع العسر يسرٌ يُجَلِّى الدجى / ألَمْ تتذكّر ألَمْ نَشْرَح
دعا دمعَهن فراقٌ فجادا
دعا دمعَهن فراقٌ فجادا / وأعجلهن التَّنائي فَزَادَا
فلم أر دمعاً كأَدْمُعِهِنَّ / يَهِيض الحشى ويُذِيب الفؤادا
ولما تيقّنَّ أن الفراق / يزوِّد عشاقهنّ البعادا
تأوّلن أن لباس الحِداد / أحقُّ بمن صيَّر الحزن زادا
فنشَّرن ما قد طوتْ خُمْرُهنّ / لِيَلْبَسْن شعرَ النَّواصي حِدادا
ولولا مُراعاة عين الرّقيب / لبِسن الثيابَ جِهارا سوادا
فإن يك كوكبُه مظلِماً
فإن يك كوكبُه مظلِماً / فإنّي لظُلمته واقِدُ
وإن يك درهمُه زائفاً / فإنّي لزائفه ناقد
وبيضِ السَّوالِف حُورِ العيون
وبيضِ السَّوالِف حُورِ العيون / خِدال مَهَاوِي الخلاخيل غِيدِ
رياضٌ من الحسن طافتْ على / رياضٍ من النبت حمر البُنود
سَلبْن شقائقَها بالخدود / وأخجلن أغصانَها بالقُدودِ
وأعدَدْن للأُقْحوان الغضيضِ / بياض ثغورٍ كنظم العقود
وأبكين أعينَ عشّاقِهنّ / دموعاً كَخْلْجَانها في المُدُود
فأُلْبِسن صفرةَ ذاك البَهارِ / لأَوْجههم بالنَّوى والصدود
وغادَرْنها بعد حسن الرِّياض / قِفاراً تُقابِل سوداً بسود
وجَدْتَ فَلِمْ لَمْ تَجُدْ
وجَدْتَ فَلِمْ لَمْ تَجُدْ / على المستهام الكمِدْ
وقد جاد من لم يجِد / وأنجز من لم يعِد
إذا كنت تجفو المحبَّ / وتزداد هجراً وصدْ
فصُدْغك كيف انثنى / وخَصْرك كيف انعقد
ولِمْ فترتْ مقلتاك / فُتُوراً أمات الجَلَد
وتُسْفِر عن كالضحى / وتَبسم عن كالبَرَدْ
وتهزِل بالعاشقين / كذا الحبُّ هَزْل وجَدْ
وسِرْبٍ من الآنسات الحِسِان
وسِرْبٍ من الآنسات الحِسِان / غوالي الوصالِ رِخاص الصدودِ
سَرَقن الرياضَ حُلَى رَقْمها / ونَمْنَمْنَها تحت وَشْي البُرُودِ
فصيَّرن نرجِسَها أَعْيُناً / وأوهبن أغصانها للقدودِ
ونِطْن شقائقها بالخدود / فدبَّجْنَ طرْزَ بياض الخدودِ
ولمّا فَتَرن بألحاظهنْ / نَ أَنشَبنْ نُشَّابَها في الكُبُودِ
فأعجِب بها من سهام جَرَحن / قلوبا ولم تعترض بالجلودِ
وما كنت أحسب أنّ العيون / جوارح فوق جِراح الحديد
رأيت على خدِّها شامَةً
رأيت على خدِّها شامَةً / كَحُلكة ناظرها في السوادِ
فقلت لها لِمْ عجمتِ الشقيق / وعارضْتِ حُمرتَهُ بالمداد
فقالت حَمَيْتُ بها وَجْنتي / من العين والنظر المستزاد
شكرت ليومِ النوى جودَه
شكرت ليومِ النوى جودَه / عليّ بمن شفَّني صدُّهُ
جعلت التوادُعَ لي عِلَّةً / وأمكنني عنده خدّه
فأودعتُ وَجْنَتَهُ قُبْلةً / شفَتْ مُهْجَةً شفّها بُعْدُه
كأنّ دموعي على وجهه / نِظام جُمانٍ وَهَي عِقْدُه
أتانِيَ ما لم أَزْل أَعتقدْ
أتانِيَ ما لم أَزْل أَعتقدْ / به منك من حُسْن حفظ ووُد
فساق إليّ وفودَ السرور / وأذهب عني وُفودَ الكَمَدْ
ولستُ له شاكراً إنني / أرى لك عندي به فضلَ يَدْ
لأنك من طبعك المكرماتُ / وصِدقُ الوفاء وشَدُّ العَضُدْ
وليس الإخاء الذي بيننا / ببدْعٍ إذا ما استوى وانعقد
لأنّا إلى والدٍ واحدٍ / تفرُّعُنا حين نُدْعَى وجَد
فلو كنتُ أَمِلك سُؤْلِي لَمَا / رضِيتُ سواك خليلي أَحَدْ
أغِيبُ ولي مهجة لا يزال
أغِيبُ ولي مهجة لا يزال / إليك سُرَاها وتبكيرُها
ولكنّك الشمسُ حيث انصرفْتُ / من الأرض يصحبني نورها
إذا ما غدتْ لك عندي يدٌ / تعاظَم في الفضل تأثِيرها
صددتُ حياءً فنادينني / سجاياك يَعطِفني خِيرها
كما يتَداوَى إذا ما انتشى / من الراح بالراح مخمورُها
وساقيةٍ تَرتمِي بالحَبَابِ
وساقيةٍ تَرتمِي بالحَبَابِ / وتبكي لحبّ أزاهِيرِها
جرى دمعها جرىَ دمعِ المحبّ / وناحت بصوت نواعِيرِها
فأدمُعها مَزْج أقداحِنا / وريحاننا نَشْرُ كافورِها
لدى روضةٍ حَلْيُها نوْرها / حمتها عيونُ نواطيرِها
إذا شاقنا رَقْم أعلامِها / سبتْنا عيونُ يعافِيرِها
تعيد أديم الضحى مُذْهبا / إذا لاح فوق دنانِيرها
وأحسنُ من عَبَرات الغيومِ / إذا قذفت بقواريرِها
وقوفُ الندى فوق محمرّها / ونفخ الصبَا في مزاميرها
أطعنا الصبا في مواخِيرِها / ونِلنا المنى في مقاصِيرها
وشاطِرةِ الزِيّ مخطوفةٍ / إذا برزت في زنانِيرها
أدارت علينا كؤوس المدامِ / وتأثيرُها فوق تأثِيرِها
كأن لُبَانه ألحاظِها / تحاوِل بسطَ معاذِيرِها
ولا خير في الراح إن لم تُعَنْ / بسُقْم العيون وتفتِيرها
ومودَعةٍ بطنَ مغبّرة / تحدِّث عن عهد سابورِها
حججنا إلى بيت خَمَّارِها / لنشربها في معاصِيرِها
سُلاَف تسلَّف منها الزمان / قذاها وأبقى على خِيرها
يقبِّل منها النديمُ الصباح / ويصبِغُ كُمَّيه من نورها
فلا تعذِر النفس في تركها / فلست عليه بمعذورها
وطاوٍ على حسدٍ كشحَه / قديم العداوة مشهورها
يُساء بكسبي العلا كلّما / أغرْتُ بجُودي على عِيرِها
ويأمل شأوي وهل يغتدِي / أميرُ المعالي كمأمورِها
فإن تك هاشمُ قد عدِّلت / منابتنا في عناصِرها
فما نستوي في الحِجا والندى / وطيّ الأمور ومنشورِها
دعُوا لِي العلا دون ساداتِكم / فإنيّ سُورٌ على سُورها
وإني نهضت بمكسورِها / وآنست وحشة مهجورها
وأنتم تطُون ذُنابَي العلا / وتزدحمون على زورها
ملأت عيونكُم بالغُبار / فحسبكُم مسحُ تغبِيرها
ولا تطلبوا رتبتي إنني / ملأت السماء بتكثيرها
ولا تفعلوا فعل آبائكم / فتَخْطُونَ خطوي بتطهيرها
ورِثت سياسة مَهْدِيّها / وحُزت شجاعة منصورِها
ولم أنحرف عن سجايا المعِزّ / وقائمة يوم تقريرها
ولم أُلقِ من ناظري نظرة / إلى منظَر غيرِ منظورها
ولم ترِثوا غيرَ أنسابكم / ولكن وَلِعتم بتكديرها
نجومُ سعودك لا تَفْتُرُ
نجومُ سعودك لا تَفْتُرُ / وآياتُ فضلك لا تُنْكَرُ
وفي كلّ ما أنت فَعَّالُه / لك المعجزاتُ الّتي تَبْهَر
فمجدُك ما فوقه مَصْعَدٌ / وقَصْرُك ما بعده منظَر
مَنَازِلُ لم يَبْنِ مِثلاً لها / على الأرض كِسْرَى ولا قَيْصَر
بناء تردّدَ فيه الجَمَالُ / ولاح عليه السَّنا الأنوَر
فظاهرُه العزّ مستظهَرٌ / وباطنه التِبْرُ والجوهرُ
ولو سَحَرَتْ أَرْبُعٌ قبلَه / لكان البديعَ الذي يَسحَر
فَهُنِّيتَه وتملأْتَه / وذَلَّ لك الدهرُ والأعصرُ
أطَعْتُ الصِبَا وشبابي نضيرُ
أطَعْتُ الصِبَا وشبابي نضيرُ / ولم يبدُ في عارضِيَّ القَتِيرُ
وأغرقتُ في اللّهو إني امرؤ / بِطبِّ المجون عليمٌ بصيرُ
وعاصيتُ عاذِلي في الهوى / لأنّي بطاعة قلبي جدير
وما هو إلا شبابٌ يزولُ / وعمر يسيرٌ ودهر قصير
وكل امرئ مستعارُ الحياة / ولا بدّ أن يَقْتَضِيها المُعِير
هل العيشُ إلا دَلالُ الصِبَا / وبَمٌّ يناغِيه مَثْنًى وزير
وحمراء صفراء يَسْقِيكها / أغنُّ مليحُ السجايا غرير
غلامٌ ويحسبه ناظِروه / غُلاميَّةً فهْو حقّ وزور
إذا اتبع الكأسَ ألفاظه / يرادِفها منه لحظ سَحُور
أما تُبْصِر الرّوضَ كيف اغتدى / وأوّلهُ مونِقٌ والأخير
كأنّ النَّدَى فوقَ أغصانه / إذا أسفرَ الصُّبْح دُرٌّ نَثير
وإن خطرتْ فيه رِيحُ الصَّبَا / تنفّس في الجوّ منه عَبير
كأنّ البنفسَج لثُم المحبّ / حوته خدودُ الدُّمَى والنُحُور
ونرجسه أعينٌ لُحْظُها / سواكِن والأُقحوانُ الثغور
ومن باقِلاَء كبلْق الحمام / تميس ولكنّها لا تطير
إذا ما تداعت فواخيتُها / بدا للطياهيج فيها صفيرُ
وإن هبَّت الرّيح في سَرْوها / تعانقن ضمَّ الصدورِ الصدورُ
كما اهتزَّ في المشي غِيدٌ وعِينٌ / فمادت روادِفُها والخُصُور
خليلَيّ إني خلعت العِذار / فهل منكما مُسعِد أو نصير
أرى الدّهر قد عاد سهلَ القِياد / وسودُ لياليه ليست تدور
كأن العزيز له زاجر / بجدواه فهْو ذليل أسير
لقد خضعتْ لك شمسُ النهار / وصلِّى لك القمر المستنير
ولم أر مثلك فيمن مضى / أميراً عليه نداه أمير
تلافيتني بضروب الجميل / فلا غَرْوَ إني محب شكورُ