المجموع : 37
أَبا العُمْرِ خَيَّمَ أَم بالحَشاءِ
أَبا العُمْرِ خَيَّمَ أَم بالحَشاءِ / قريبٌ إذا هجعَ الركْبُ نائي
ألمَّ وثوبُ الدُّجى مُخلِقٌ / وثوبُ الصبَّاحِ جديدُ الضِّياءِ
يُضئُ لنا الخَيْفَ إيماضُه / وليس ببرقٍ خفى من خَفاءِ
وفاءٌ تصرَّمَ عن يَقْظَةٍ / وكم يقظةٍ عصَفَتْ بالوفاءِ
تولَّتْ عهودُك محمودةً / بقُرْبِ الوِصالِ وبُعدِ الجَفاءِ
وأبقَت أسىً ليس يَقضي الأُسى / عليه وداءٌ بعيدُ الدَّواءِ
وشوقاً أكافحُهُ باللَّوى / مكافحةَ القِرنِ تحتَ اللِّواءِ
وصبْراً إذا هَبَّ وَجْدُ الحَشا / تعلَّقْتُ منه بمثلِ الهَباء
ومَن غَرَّه الدهرُ ألفيتَه / ذليلَ الدموعِ عزيزَ العَزاءِ
تجلَّى المشيبُ لتلك العيونِ / فبدَّلهنَّ قَذىً من جَلاءِ
ورُبَّ زَمانٍ سحَبْنا به / رِداءَ البِطالَةِ سَحبَ الرِّداءِ
ومستسلماتٍ هززْنا لها / مَداري القِيانِ لسَفْكِ الدِّماءِ
وقد نظَمَ العِلجُ أجسامَها / مع الجُدْرِ نَظْمَ صفوفِ اللِّقاءِ
نمُدُّ إليها أكفَّ الرِّجالِ / فترجِعُ مثلَ أكُفِّ النِّساءِ
وَجَعْدُ المياهِ إذا صافَحَت / جداولَه الريحُ سَبْطُ الهواءِ
غدَوْنا وأنوارُه كالبُرودِ / ورُحْنا وكُثبانُه كالمُلاءِ
تُقابلُنا الوحشُ في روضَةٍ / كما قابَلَتْكَ نُجومُ السَّماءِ
فهل من سَبيلٍ إلى نشرِه / إذا ركضَت فيه خيلُ الرَّخاءِ
وأقمارُه حينَ تُبدي له / محاسنُها الصُّبحَ سِلمُ المساءِ
وتجديدهُنَّ بجرِّ الذّيولِ / وجرِّ الزِّقاقِ أديمَ الفَضاءِ
وتشتيتُنا شَمْلَ سِرْبِ الظِّبا / بمُدمَجةٍ مثلِ سِربِ الظِّباءِ
إذا ما طُلِبْنَ فخيلُ السِّباقِ / وإمَّا طَلَبنَ فسفْنَ النَّجاءِ
وكم من خليلٍ رأى خُلَّتي / فصدَّ وكُنَّا خليلَي صَفاءِ
وحمراءَ تُمزَجُ في خِدرِها / بماءِ الصبَّابةِ ماءِ البَهاءِ
تحذِّرُني أجَلي في السُّرى / وهل كنتُ آمِنَه في الثواءِ
ومن عَجَبٍ أنَّ حِلفَ الفُسو / قِ حالَفه عَدَمُ الأنبياءِ
سيُظْفِرُهُ بالمُنى زجْرُه / إلى ابن المظفَّرِ عِيسَ الرَّجاءِ
دَعَوْنا مُفرِّقَ شمْلِ اللُّهى / سماحاً وجامِعَ شَملِ الثَّناءِ
بكَفٍّ تُرَقرِقُ ماءَ الحياةِ / ووجهٍ يُرَقرقُ ماءَ الحَياء
نضا الكِبَرَ إلاّ على حاسدٍ / تُجاذِبُهُ حُلَّةُ الكِبرياءِ
وفازَ ولم يغْلُ في جَرْيِه / غَداةَ النِّضالِ بسهمِ الغِلاءِ
كأنَّ سَجاياه من نَشْرِها / وإشراقِها عَبَقٌ في ذَكاءِ
له عَزَماتٌ تَفُلُّ السيوفَ / وتَسبِقُ بالفَوْتِ شأوَ القَضاءِ
ومكرُمةٌ لو غَدَتْ مُزنةً / لأيقنَ منها الثَّرى بالثَّراءِ
نزلتُ بعَقْوتِه مَنْزِلاً / خَصيبَ الجِنابِ رَحيبَ الفِناءِ
أهَبَّ لنا فيه ريحَ النَّدى / رَخاءً تخبِّرنُا بالرَّخاءِ
أبِيٌّ تذِلُّ صُروفُ الزمانِ / لَدَيه فتنقادُ بعدَ الإِباءِ
وخرقٌ تخرَّقَ في المكرُماتِ / فغطَّت ْيداه حِجَابَ العَطاءِ
وثَبْتٌ إذا ما اللَّيالي انبرَتْ / بريحٍ سمائمُها الجِرِبْياءِ
كأنَّ الخطوبَ إذا حاولَتْه / تَقَطَّرَ منها بقُطْرَي حِراءِ
بَنَتْ مجدَه الغرُّ من يَعْرُبٍ / فآثرَ تشييدَ ذاكَ البِناءِ
بَقِيتَ فكم لك من شيمَةٍ / كسَوْتَ بها المجدَ ثَوبَ البقاءِ
ويومٍ تَوَرَّدُ فرسانُه / حياضَ الحُتوفِ ورودَ الظِّماءِ
كأنَّ صوارِمَه في العَجاجِ / بوارِقُ تَصْدعٌ حُجْبَ العَماءِ
تراءى السوابغُ في حومَتَيْهِ / كما اطَّرَدَتْ شمأَلٌ في نِهاءِ
كأنَّ الكُماةَ لإشراقِها / تَناهَبُ أعضاءَ شمسِ الضَّحاءِ
أضاءَ لعينيكَ في نَقْعِه / سَنا المَشرفيّةِ نهجَ السَّنَاءِ
وكنتَ إذا ما بلْتكَ العُلى / مَلِيّاً بتفريقِ شَمْلِ البَلاءِ
فحلِّ أبا أحمدٍ حِليةً / مُخلَّدةً ما لَها من فَناءِ
تُضرِّمُ غَيْظاً قلوبَ العِدى / وتملأُ بَرداً حَشا الأولياءِ
دعوتُك والدهرُ مُسْتَلْئِمٌ / يَشوبُ الشَّجاعةَ لي بالدَّهاءِ
فكنتَ جديراً بفضلِ الغِنى / وكنتُ جديراً بفضلِ الغَناءِ
ومُعطيةٍ صَفْوَ ما استودَعَتْ
ومُعطيةٍ صَفْوَ ما استودَعَتْ / مسامحةً عندَ إعطائِها
تُسِرُّ لَندمانِها هيبةً / على أنه عبدُ آلائِها
فتمنحُه صفوَ مكنونِها / وتَكتُمُه جُلَّ أقذائِها
وتُحدِثُ في الماءِ بردَ الشَّمالِ / إذا سُدَّ فُوها على مائِها
يُصوِّبُ في طَرفِ أنفاسِها / ويشربُ من جُرحِ أحشائِها
إذا القيظُ أخمدَ نيرانَه / تَواصَى النَّدامى بإقصائِها
حبيبٌ حباكَ بلينوفرٍ
حبيبٌ حباكَ بلينوفرٍ / فأكرمْ به وبإهدائه
تأمَّلتُ ما فيه فاقتادَني / إليه تزاويقُ وَشْيائِه
له طَلْعَةٌ بين أوراقِه / ضُحىً ثم يكمُنُ في مائِه
كغوَّاصِ لُجٍّ على فاقةٍ / يحاولُ أسبابَ إثرائِه
هَفا طَرَباً في أوانِ الطَّرَبْ
هَفا طَرَباً في أوانِ الطَّرَبْ / فَأَنْخَبَ أقداحَه بالنُّخَبْ
وغنَّى ارتياحاً إلى عارضٍ / يغنّي وعَبرتُه تَنسَكِبْ
غيومٌ تُمَسِّكُ أُفقَ السَّما / وبَرقٌ يُكتِّبُها بالذَّهَب
وخضراءُ تَنثُرُ فيها الصَّبا / فريدَ ندىً ما لَه من ثُقَب
فأنوارُها مثلُ نظمِ الحِلَى / وأنهارُها مثلُ بِيضِ القُضُب
شَهِدْتُ بها في نَدامَى سلَوا / عن الجِدِّ واستهتروا باللَّعِب
وأغناهمُ عن بديعِ السًّماع / بدائعُ ما ضُمِّنَتْهُ الكُتُب
وأحسنُ شيءٍ رَبيعُ الحَيا / أُضيفَ إليه ربيعُ الأدَب
ألا غَادِها مُخطِئاً أو مُصِيباً
ألا غَادِها مُخطِئاً أو مُصِيباً / وسِرْ نحوَها داعياً أو مجيبا
وخذْ لَهَباً حَرُّه في غدٍ / إذا الحَرُّ قارنَ يوماً لَهِيبا
دعانا الخريفُ إلى مَوْطِنٍ / يفوقُ المواطنَ حُسناً وطِيبا
وقد جُمِعَ الحُسْنُ في روضةٍ / وفرَّقَ دِجلةُ فيه شُعوبا
وَمُضْطَربٍ وشيُ أبرادِه / يُضاحكُ وَشْيَ النِّجادِ القَشيبا
نُشيِّدُهُ إن نَزلنا ضُحىً / ونَهدِمُه إن رحلْنا الغُروبا
كأنَّا ارتَبطنا بهِ نافراً / من الخيلِ يُفرِقُ شخصاً مَهيبا
فبِتْنا وبات نسيمُ الصبَّا / يُدَرِّجُ في جَانبيه الكَتِيبا
يكادُ على ضُعفِ أنفاسِه / يُطيرُ على الشَّربِ تلك الشُّروبا
وقد حجبَ الأرضَ ريحانُنا / فلم يَبْقَ للعينِ منها نَصيبا
كأنَّا على صفحَتيْ لُجَّةٍ / تُلاقي الشَّمالُ عليها الجَنوبا
فمن طَرَبٍ يستفزُّ النُّهى / ومن أدبٍ يَستَرِقُّ القُلوبا
وساقٍ يقابلُ إبريقَه / كما قابل الظَّبيُ ظبياً رَبيبا
يطوفُ علينا بشمسِيَّةٍ / يروعُ بها الشمسَ حتى تغيبا
وينشرُ صيَّادُنا حولَنا / لُباباً من الصيدِ يُرضي اللَّبيبا
سَبابيطَ تُخبِرُ أجسامُها / بأنْ قد رَعَيْنَ جَناباً خَصيبا
نَواعمَ لو أنها باشرَتْ / هواءً لأحدثَ فيها نُدوبا
فلولا الدروعُ التي قُدِّرَت / لأبدانِها أوشكَتْ أن تَذُوبا
وتُبْعَثُ للبرِّ وحشيّةٌ / تسوقُ إلى الوحشِ يوماً عَصيبا
مُؤدبةٌ يُرتَضي فعلُها / ولم نزَ ليثاً سِواها أديبا
وتُركيَّةُ الوَجهِ تُبدي لنا / إخاءً فصيحاً ووجهاً جَلِيبا
تُعانِقُ إن وثَبتْ صيدَها / عناقَ المحبِّ يُلاقي حبيبا
طِراداً صحيحاً وخُلْقاً صَبيحَاً / ووَثباً مليحاً وأمراً عَجيبا
فقَد مَلكتْ وُدَّ أربابِها / فكلٌّ يخافُ عليها شَعوبا
وللماءِ من حولِنا ضَجَّةٌ / إنِ الماءُ كافحَ تلك العُروبا
جبالٌ تؤلِّفُها حِكمةٌ / فتَحبو البحارَ بها لا السُّهوبا
تُقابِلنا في قميصِ الدُّجى / إذا الأفقُ أصبحَ منه سَليبا
حيازيمُها الدَّهرَ منصوبةً / تُعانِقُ للماءِ وَفْداً غَريبا
عَجِبْتُ لها شاحباتِ الخدو / دِ لم يُذهِبِ السَّرْيُ عنها الشُّحوبا
إذا ما هممْنا بِغِشْيَانِها / رَكِبْنا لها وَلَداً أو نسيبا
تُغَنِّي السُّكورُ لنا بينَها / غَناءً نَشُقُّ عليه الجُيوبا
يُجاورُها كلُّ ساعٍ يَرى / وإن جدَّ في السَّيرِ منها قَريبا
خَليُّ الفؤادِ ولكنَّه / يَحِنُّ فيُشجي الفُؤادَ الطَّروبا
فيا حبَّذا الديرُ من منزلٍ / هَصَرْنا به العيشَ غضّاً رطيبا
إذا ما استَحَمْنا به برهة / حَمتْنا بدائعُه أن نَخيبا
مَدَحْتُ أبَا جَعْفَرٍ
مَدَحْتُ أبَا جَعْفَرٍ / وَقُلْتُ شَرِيفُ العَرَبْ
فَأَسْلَمِنَي بُخْلُهُ / إلى خَيْبَةِ المُنْقَلَبْ
وَأَبْدَى عَلَى بَابِهِ / تَجَمُّلَ أَهْلِ الأَدَبْ
إذا قُلْتُ قدْ جَادَ لي / يَقُولُ قمِيصي كَذِبْ
يُعنِّفُني أنْ أطَلْتُ النَّحيبَا
يُعنِّفُني أنْ أطَلْتُ النَّحيبَا / وأسكُبُ للبَيْنِ دمعاً سَكوبا
وَأَدْنَى المُحبِّين مِنْ نحبِه / مُحِبٌّ بكى يومَ بَيْن حَبيبا
دعا دمعَه ودعَتْ دمعَها / فبَّللَ منها ومنه الجُيوبا
فتاةٌ رمتْه بِسَهْمِ الجفونِ / ومدَّت إليه بَناناً خَضيبا
فعاينَ منهم غزالاً رَبيباً / وبَدراً مُنيراً وغُصْناً رَطيبا
وعَهْدي بها لا تُديمُ الصدودَ / ولا تتجَّنى عليَّ الذُّنوبا
لياليَ لا وَصلُنا خِلسةً / نراقبُ للخوفِ فيها الرَّقيبا
ولا برقُ لذَّاتِنا خُلَّبٌ / إذا ما دعَونا لوصلٍ قُلوبا
وكم لي وللبَيْنِ من مَوقفٍ / يُميتُ بِلَحْظِ العيونِ القُلوبا
إذا شَهَرَ اللَّحْظُ أسيافَهُ / تدرَّعْتُ للصِّبرِ بُرداً قَشيبا
كأنِّيَ في هَبْوَتَيْه ابنُ فَهْدٍ / إذا اليومُ أصبحَ يوماً عَصيبا
فَتىً يَستَقِلُّ جَزيلَ الثَّوابِ / سَماحاً لمن جاءه مُستَثيبا
ويُربي على سُنَنِ المكرُماتِ / فيُظْهِرُ فيهنَّ مجداً غَريبا
وتَلقاه مبتسماً واضحاً إذا / ما الحوادثُ أبدَتْ قُطوبا
كريمٌ إذا خابَ راجي النَّدى / حَمَتْنا مكارمُه أن نَخيبا
رأى لحظُه ما تُجِنُّ الصُّدورُ / فخِلناه يعلمُ منها الغُيوبا
بعيدٌ إذا رُمْتَ إدراكَهُ / وإن كانَ في الجُودِ سهلاً قريبا
نَمَتْهُ من الأزدِ صِيدُ المُلوكِ / وما زال يَنْمِي النَّجيب ُالنَّجيبا
سَلِمتَ سلامَةُ للمَكْرُماتِ / وما زِلْتَ تَبسُطُ باعاً رَحيبا
تَزُفُّ إليك تِجارُ المديحِ / عَذارى تَروقُكَ حُسْناً وطِيبا
فكمْ لك من سُؤدُدٍ كالعبيرِ / أصابَ من المدحِ ريحاً جَنوبا
ورأيٍ يُكشِّفُ ليلَ الخٌطوبِ / ضياءً إذا الخَطْبُ أعيا اللَّبيبا
ومُشتمِلٍ بنِجادِ الحُسامِ / يَفُلُّ شبا الحربِ بأساً مَهيبا
ملأتَ جوانِحَه رَهبةً / فأطرقَ والقلبُ يُبدي وَجيبا
كسوْتَ المكارمَ ثوبَ الشَّبابِ / وقد كُنَّ ألبِسْنَ فينا المَشيبا
ضرائبُ أبدَعْتَها في السَّماحٍ / فَلسْنا نرى لك فيها ضَريبا
تَخلَّصْتَني من يَدِ النَّائباتِ / وأحلَلْتَني منك رَبعاً خَصيبا
ومُلِّكْتَ مَدحي كما مُلِّكَتْ / بنو هاشمٍ بُرْدَها والقَضيبا
وأنَّي لواردِ بحرِ القريضِ / إذا وردَ المادحون القَليبا
ولسْتُ كمَنْ يَستردُّ المديحَ / إذا ما كساه الكريمَ المُثِيبا
يُحلِّي بمَدْحَتِه غيرَه / فيُمْسي محلّىً ويُضحي سَليبا
تَباعَدَ عَنْ عِرْسِه جَعفرُ
تَباعَدَ عَنْ عِرْسِه جَعفرُ / فَسرَّهُما البُعدُ بعدَ اقترابِ
وكانت تَصبو إلى غيره / وكانَ إلى غيرِها ذا تَصَابي
فبَينا هُما يَتْبعانِ الهَوَى / على حَذَرٍ مِنهما وارتقابِ
أتاحَ الزمانُ لهُ سَفرةً / مُعجَّلةً لم تَكُنْ في الحِسابِ
فمكَّنَها من قِيادِ الزُّناةِ / وتُمكِنُه من قِيادِ القِحابِ
فوَدَّا وقد وُفِّقَا للفِراقِ / بأنَّ التَّلاقيَ يومَ الحِسابِ
على الرُّغْمِ بُدِّلتُ من رُغمِ لاحي
على الرُّغْمِ بُدِّلتُ من رُغمِ لاحي / ومِن نُزَهي في الوجوهِ الصبَّاحِ
وشُربي المُدامةَ ممزوجةً / مُحرَّمُها بالحَلالِ المُباحِ
ومُخْطَفَةِ القَدِّ مُهتزَّةٍ / تباكُرني قبلَ حَيْنِ الصبَّاحِ
فتُسفِرُ عن مثلِ وَردِ الربيعِ / وتَبسِمُ عن مثل نَوْرِ الأَقاحي
بيومٍ يَجُدُّ به الدارعونَ / فلا يعرفونَ سبيلَ المِزاحِ
تَرُشُّ به السُّمْرُ طَعناً تَرى / مواقفَنا منه حُمرَ النَّواحي
ويخطِرُ في هَبْوَتَيْهِ الكَميُّ / بقَلْبٍ جرئء ووجهٍ وَقاحِ
وسابغةٍ مثلِ سَرْدِ الشُّجاعِ / أوِ الماءِ عندَ هبوبِ الرِّياحِ
وأبيضَ يلمَعُ في مَتنِهِ / إذا ضَلَّ بَرقُ الحِمامِ المُتاحِ
فمَنْ راحَ يُسخِطُ عُذَّالَه / ويُرضي الهَوى بينَ عُودٍ وراحِ
فإني عَدِمتُ تَثنَّي القُدودِ / وبُدِّلْتُ منه بَثْنيِ الرِّماحِ
وكنتُ أَشيمُ بروقَ الثُّغورِ / فصِرتُ أشيمُ بروقَ الصِّفاحِ
وما إن سَمِعتُ غِناءَ الحدي / دِ إلاّ ذكرتُ غِناءَ الوِشاحِ
فليتَ ضجيعيَ ليلَ التَّما / مِ يَعلمُ أني ضجيعُ السِّلاحِ
أراعي المنيَّةَ عندَ الغُدُوِّ / وأنتظرُ الحَتْفَ عندَ الرَّواحِ
ولو أنَّ لي حيلةً في الفِرارِ / فررتُ وهانَ عليَّ افتضاحي
متى أطإِ الأرضَ مُبيضَّةً / جوانبُها أو أرى الجوِّ صاحي
فأُلِبسُ خيلَ الوغَى راحةً / وأُتعِبُ في اللَّهوِ خيلَ المِراحِ
عَسى القُربُ يُطفئُ من لوعتي / ويُنْقِصُ من غُلَّتي والتياحي
وباكيةٍ ليلَها كلَّه
وباكيةٍ ليلَها كلَّه / تحاكي الصَّباحَ بمِصباحِها
بَصيرةُ ليلٍ ولكنَّها / ضريرَتُه عندَ إصباحِها
نَجُزُّ لإصلاحِها رأسَها / فإفسادُها عند إصلاحِها
تذكَّرَ نَجداً فحنَّ ادِّكارا
تذكَّرَ نَجداً فحنَّ ادِّكارا / وأرَّقَه البرقُ لَمَّا استطارَا
أماتَت صبابتُه صَبْرَه / وكان يَرى أن يموتَ اصطِبارا
وجارَ الهَوى فاستجارَ الدموعَ / إذا لم يجِدْ غيرَها مُستجارا
وقَفْنا فكم خَفَرٍ عارضٍ / يُعَصْفِرُ وَرْدَ الخدودِ احمِرارا
وأُدْمٍ إذا رامَ ظُلمَ الفِرا / قِ عُذْنَ بِفَيْضِ الدُّموعِ انتصارا
يَجُدْنَ عليَّ بأجيادِهِنَّ / ويُبْدينَ لي الوردَ والجُلَّنارا
وإن أَعْرَ ن سَلوةٍ أو أَحِدْ / عَنِ الرُّشد لم يكسُني الغَيُّ عارا
فغَدْرُ المحبِّ سوادُ العِذارِ / إذا خلعَ الحبُّ منه العِذارا
وحاشا لغاوي الصِّبا أن يُقالَ / عصَى غَيَّه وأطاعَ الوَقارا
وَبِكْرٍ إذا جَنَّبَتْها الجَنوبُ / حسْبِتَ العِشارَ تؤمُّ العِشارا
ترى البرقَ يبسِمُ سِرّاً بها / إذا انتحبَ الرَّعدُ فيها جِهارا
إذا ما تَنَمَّرَ وَسمُّيها / تَعَصفَرَ بارِقُها فاستطارا
يُعارِضُها في الهواءِ النَّسيمُ / فَيَنْثُرُ في الرَّوْضِ دُرّاً صِغارا
تَكادُ تسيرُ إليه الرياضُ / إذا اطَّرَدَ الماءُ فيها فسَارا
فطَوْراً تَشُقُّ جيوبَ الحَياءِ / وطوراً تَسُحُّ الدُّموعَ الغِزارا
كأنَّ الأميرَ أعارَ الرُّبا / شمائلَه فاشتملْنَ المُعَارَا
هو الغيثُ تغَنى به بلدةٌ / وأخرى تَحِنُّ إليه افتقارا
أيادٍ سحائبُها ثَرَّةٌ / تفيض رَواحاً وتَهمي ابتكارا
وباعٌ إذا طالَ يومُ اللقا / ءِ غادرَ أعمارَ قومٍ قِصارا
ولن يرهَبَ السَّيفَ حتى يَرى / على صفحةِ السيفِ ماءً ونارا
أبا الحسَنِ اخترْتَ حُسْنَ الثَّناءِ / ومثلُكَ مَنْ يُحسِنُ الاختيارا
وكم قد وَطِئْتَ ديارَ العِدا / على الرُّغمِ منهم فجُستَ الدِّيارا
بخيلٍ تَمُدُّ عليها الدُّجَى / وبِيضٍ تَرُدُّ عليها النَّهارا
وأطلعْتَ فيها نجومَ القَنا / فليست تَغورُ إذا النجمُ غارا
ويومَ المدائنِ إذ زُرْتَها / وقد منَعْتها الظُّبا أن تُزارا
وخاضَتْ جيادُكَ فيها الدِّماءَ / ومن قبلُ جاءَت تُثيرُ الغُبارا
فلو أنَّ كِسرى بإيوانِها / لأَهدَتْ سَطاك إليه انكسارا
سَقَيْتَ الرِّماحَ دِماً فانثَنتْ / نَشاوى كأنْ قد شَرِبْنَ العُقارا
يُقصِّرْنَ إذ طُلْنَ خَطْوَ العِدا / ويُبدينَ في كلِّ نحرٍ عِثارا
وكم من ملوكٍ تواعدْتَهم / على النأيِ منهم فماتوا حِذارا
جريْتَ فأنضَيْتَ شأوَ الرِّياحِ / وجاوزْتَ في السَّبْقَ من أن تُجارى
نأيْتَ فأصبحْتَ جارَ الفُراتِ / وكنتَ لدِجلةَ من قبلُ جارا
فقد عُذْنَ منك بمستَلئِمٍ / يُبيحُ التَّليدَ ويَحمي الذِّمارا
بغيثٍ يجودُ إذا الغيثُ ضَنَّ / وليثٍ يَثورُ إذا النَّقْعُ ثارا
وأغلَبَ إن سارَ في تَغِلبٍ / سمعْتَ لسُمرِ الرِّماحِ اشتِجارا
تغارُ عليه قوافي المديحِ / فيأبَيْنَ إن رَيْتَ إلا ابتِدارا
وحُقَّ لقافيةٍ لم تكُنْ / مآثرُه حَليَها أن تَغارا
لأَذكَرَني بِشرَه عارضٌ / أضاءَ دُجى اللَّيلِ حتَّى أنارا
ومرَّ على الرَّوضِ مَرَّ الخليعِ / يُغنِّي ويَسحَبُ فيه الإزارا
فأيقنْتُ أن سأُطيعُ النَّوى / وأَعصي الهَوى صائراً حيثُ صَارا
دَعَتْكَ الثُّغورُ وقد عايَنتْ / حِماماً مُطِّلاً وحَتْفاً بَوارا
وصادفَ بعدَك وفدُ الثَّنا / ءِ وِرْداً ثِماداً ورَبعاً قِفارا
يَقولون إن طرَقَتْ أزمةٌ / أأنْجدَ ذاك النَّدى أَم أغارا
فليسَ المحلُّ مَحَلاًّ لهم / إذا فَقدوكَ ولا الدارُ دارا
ثَنَتْ لكَ أعطافَها والخُصورا
ثَنَتْ لكَ أعطافَها والخُصورا / وأعطَتْكَ أجيادَها والنُّحورا
تصدَّتْ لنا والهوى أَنَّةٌ / فصَدَّتْ وقد غادَرَتْهُ زَفيرا
وكانت ظباءً ترودُ اللِّوى / فأضحَتْ شموساً ترودُ الخُدورا
فِراقٌ أصابَ جَوىً ساكناً / فكان له يومَ سَلْعٍ مُنيرا
وساجي الجُفونِ إذا ما سجَى / أغارَ المَهَا دَعَجاً أو فُتُورا
أُغَرِّرُ بالنَّفسِ في حبِّه / وآلفُ منه غزالاً غَريرا
وأَعتدُّ زَورَتَهُ في الكَرى / نوالاً لديَّ وإن كان زُورا
لقد جَهِلَ الدهرُ حقَّ الأريبِ / وما زالَ بالدَّهرِ طِبّاً خَبيرا
عزائِمُهُ شُعَلٌ لو سطَتْ / على اللَّيلِ عادَ ضياءً مُنيرا
إذا ما توعَّرَ خَطْبٌ سَرى / فَغَلَّ سهولَ الفَلا والوُعورا
نزورُ أغرَّ تَغارُ العُلى / عليه ويُلْفى عليها غَيورا
إذا المجدُ أنجزَ ميعادَضه / أعادَ وعيدَ اللَّيالي غُرورا
يَعُدُّ من الأَزدِ يومَ الفَخارِ / ملوكاً حوَتْ تاجَها والسَّريرا
يُريكَ النَّدِيُّ إذا ما احتَبوا / بدورَ المحافلِ تحبُو البُدورا
وتَجلُبُ من كَرمٍ في النَّدى / فإن أجلَبَ الدهرُ أضحى وَقورا
أقولُ لمَنْ رامَ إدراكَه / وما رامَ من ذاك إلا عَسيرا
عزاؤُك إنْ عَزَّ نَيلُ السُّهى / وصبرُكَ لستَ تنالُ الصَّبيرا
سلامةُ يا خيرَ مَنْ يَغتدي / سليمُ الزَّمانِ به مُستَجيرا
إلى كَم أُحبِّرُ فيك المديحَ / ويلقَى سواي لديك الحُبورا
لَهمَّتْ عرائِسُه أن تَصُدَّ / وهمَّتْ كواكُبه أن تَغورا
أَتُسلِمُني بعدَ أن أوجَدَتْ / على نُوَبِ الدَّهرِ جاراً مُجيرا
وأسفرَ حَظِّيَ لمَّا رآ / كَ بيني وبينَ اللَّيالي سَفيرا
وكم قيلَ لي قد جفاكَ ابنُ فَهْدٍ / وقد كُنتَ بالوصلِ منه جَديرا
فقلتُ الخطوبُ ثَنَتْ وُدَّهُ / فلم يَبْقَ لي منه إلا يَسيرا
سأُهدي إليك نسيمَ العِتابِ / وأُضمِرُ من حَرِّ عَتْبٍ سَعِيرا
مَعانٍ إذا ما ظَهَرَتْ دَبَّجَتْ / بُطونَ المديحِ له والظُّهورا
تَبَرَّجُ للفِكْرِ أُنْساً به / وطوراً تَخَفَّرُ عنه نُفورا
تراءَضت له كسطورِ البُروقِ / وقد رامَها فشَآها سُطورا
فيَهنِكَ أَنْ حَلَّ وَفْدُ السُّرورِ / وأزمعَ وفدُ الصيِّامِ المَسيرا
فلا فَضْلَ للعُودِ حتّى يَحِنَّ / ولا حمْدَ للكأسِ حتّى تَدورا
فقد جدَّدَ الدَّهرُ ظِلاًّ ظليلاً / ورَوْضاً أَريضاً وماءً نَمِيرا
وحَلَّ الرَّبيعُ نِطاقَ الحَيا / فغادرَ في كُلِّ سَهْلٍ غَديرا
هواءٌ نُبَاشِرُهُ حُسَّراً / فنَقسِمُه ساجياً أو حَسِيرا
وزَهْرٌ إذا ما اعتَبَرْنا النسيمَ / حَسِبناهُ يمسَحُ منه العَبيرا
ورَوْضٌ يُراقُ بماء الحياةِ / فنُوَّارُهُ يَملأُ العَينَ نُورا
جلا البَرقُ عن ثغرِه ضاحكاً / إليه فأضحكَ منه الزُّهورا
وسَافرَه الرَّعدُ مُستَعْطِفاً / فقد سَفَرَ الوردُ فيه سَفِيرا
ومالَتْ من الرَّيِّ أشجارُه / كأنَّ السَّواقي سقَتْها الخُمورا
وولَّتْ صوادرَ منشورةً / وقد ملأَ الحُزْنُ منه الصُّدورا
أَوَانٌ تحَيِّيك أَنوارُه / رَواحاً بأنفاسِها أو بُكورا
وشهرٌ يُشهِّرُ ثَوبَ الثَّرى / ويَنظِمُ بالطَّلِّ فيه شُذُورا
أعادَ عُبوسَ الرُّبا نَضْرةً / وشِيبَ الغُصونِ شباباً نَضيرا
فسَلَّ الجَداوِلَ سَلَّ الذُكورِ / وأغمضَ للبِيضِ بِيضاً ذُكورا
ودلَّ على عَدْلِه أننا / نَرى القُرَّ مُعتَدِلاً والهَجيرا
فلا زِلْتَ مُغتَبِطاً ما حَيِيتَ / بِعيدٍ يُعيدُ عليك السُّرورا
بكاسٍ بِكَفِّ خَلُوبِ اللِّحا / ظِ تَخلُبُ شُرَّابَها والمُديرا
إذا هو عايَنَها بالمِزاجِ / رأى غُدرَها لهَباً مُستَطيرا
تُشيرُ إليكَ بها كَفُّهُ / وقد مثَّلَتْ لك كِسرى مُشيرا
بحُلَّةِ وَرْدٍ إذا رَدَّها / على الشَّرْبِ عاوَدَها مُستَعيرا
تَحُفُّ بها صُوَرٌ لا تزالُ / عيونُ النَّدامى إليهنَّ صُورا
فلو أنَّ ميْتاً يُلاقي النًّشورَ / بِنَشْرِ المُدامَةِ لاقَى النُّشورا
وفِكْرٍ خواطِرُهُ أَلبسَتْ / عُلاكَ من المَجْدِ ثوباً خَطيرا
مَحاسِنُ لو عُلِّقَتْ بالقَتيرِ / لَحَسَّنَ عندَ الحِسانِ القتَيرا
إذا ما جَفَت خِلَعُ المادِحينَ / عليهنَّ رقَّتْ فكانت حَريرا
إذا الشَّيبُ باعدَ بين القلوبِ
إذا الشَّيبُ باعدَ بين القلوبِ / فليسَ بمُجْدٍ تَداني الدِّيارِ
سكنْتُ إلى شمسِه كارِهاً / وقد كنتُ من نَجمِه ذا نِفارِ
وزَهَّدَني عارُها في الخِضابِ / فجانبْتُ زُورَ الشَّبابِ المُعارِ
وسرَّحْتُ للشَّعْرِ بالآبَنوسِ / فسرَّحْتُ بالعاجِ شَيبَ العِذارِ
أُلاقي الظلامَ بمثلِ الظَّلامِ / وألقى النهارَ بمثلِ النَّهارِ
أيا شاغلَ الشُّكرِ عن غيرِه
أيا شاغلَ الشُّكرِ عن غيرِه / بما ذاعَ في الناس من شُكرِه
ويا ناصرَ الأدبِ المُستضامِ / إذا قعدَ النَّاسُ عن نَصْرِه
أرى خِلعةَ العيدِ قد أُغفِلَتْ / وكانت تَجئُ على إثْرِه
فجُدْ لي بحَمراءَ إن فَاخَرَتْ / جَنى الوردِ أزرَتْ بمُحمَرِّه
وإمّا بصفراءَ منسوبةٍ / إلى خالصِ التِّبرِ في نَجْره
وإمّا ببيضاءَ مثلِ اللُّجَينِ / تَزيدُ بَياضاً على حُرِّه
إذا ما أخو الكِبْرِ حَلَّى بِها / سراويلَه زادَ في كِبْرِه
وتَلحَقُ بالأرضِ أطرافُها / إذا هي دارَتْ على خَصرِه
إذا ما الحسودُ رآها رأى / وَميضَ الخناجرِ في نحرِه
فأنتَ المُوحَّدُ في جُودِه / وأنتَ المُؤَمَّلُ في عصرِه
دُنُوُّ المُدامَةِ يُدني السُّرورا
دُنُوُّ المُدامَةِ يُدني السُّرورا / فَصِلْ باغتباقِكَ مِنها البُكورا
فقَد نشرَ الصُّبحُ أعلامَه / وحانَ لكاساتِها أن تَدورا
تَعَجَّبْتُ من غَفَلاتِ الوَرَى / وتَركِهِمُ العيشُ غَضّاً نَضيرا
فطائِفَةٌ تَرتَجي جَنَّةَ ال / خُلودِ وأخرى تَخافُ السَّعيرا
ألا فَاسْقِني الخمرَ مشمولةً / تَصُبُّ على اللَّيلِ صُبحاً مُنيرا
مُوَرَّدَةَ اللَّونِ مِسكِيَّةً / تُعِزُّ الدَّليلَ وتُغني الفَقيرا
كأنَّ العَقيقَ بكاساتِها / تَفُضُّ السُّقاةُ عليها العَبيرا
صَريعُ النَّوائبِ مَنْ لم يكُنْ / جَليداً على الهَولِ منها صَبورا
فكُنْ مُوقِناً بِذَهابِ الصَّبا / ومُغتَنِماً منه دَهْراً قَصيرا
فإنَّ الشَّبابَ له مُدَّةٌ / تُفَضُّ فتُذهِبُ عنك السُّرورا
لنا غُرفَةٌ حَسُنَتْ مَنْظَرا
لنا غُرفَةٌ حَسُنَتْ مَنْظَرا / وَطَابَتْ لسكَّانِها مَخبَرا
ترى العينُ من تحتِها روضةً / ومن فوقِها عارضاً مُمطِرا
وينسابً قًدَّامهَا جَدوَلٌ / كما ذُعِرَ الأَيْمُ أو نُفِّرا
وراحٌ كأنَّ نسيمَ الصَّبا / تحمَّلَ من نَشْرِها العَنبر
وعِنديَ عِلْقٌ قليلُ الخِلافِ / ونَدْمانُ صِدْقٍ قليلو المِرا
ودَهماءُ تهدِرُ هَدْرَ الفَنيقِ / إذا ما امتطَتْ لهباً مُسعِرا
تَجيشُ بأوصالِ وَحْشيَّةٍ / رَعَتْ زَهَراتِ الرُّبا أشهُرا
كأنَّ على النَّارِ زنجيَّةٌ / تُفَرِّجُ بُرْداً لها أصفَرا
وذي أربعٍ لا يُطيقُ أسوداً / ولا يألف السير فيمن سرى
نحمله سبيحاً أسوداً / فيَجعلُه ذَهَباً أحمَرا
إذا قلَبَ القُرُّ كفَّ الفتى / حَمى حَرُّهُ الكفَّ أن تَخْصرَا
وقد بكَرَ العبدُ من عندِنا / يزُفُّ لك الطِّرفَ والمِمْطَرا
فَشَمِّرْ هُديتَ إلى لذّةٍ / فإنَّ أخا الجدِّ من شمَّرا
كأنَّ تأجُّجَ كانونِنا
كأنَّ تأجُّجَ كانونِنا / تَكاثُفُ نَوْرٍ من العُصْفُرِ
وأحدثَ إخمادُه زُرْقةً / تَأجَّجُ في مُدمَجٍ أحمَرِ
كَبِركَةِ جَمْرٍ على صَاجِها / بقايا تَفَتُّحِ لَينُوفَرِ
دعانا إلى اللَّهوِ داعي السُّرورِ
دعانا إلى اللَّهوِ داعي السُّرورِ / فبِتْنا نبوحُ بما في الصُّدورِ
وطافَتْ علينا بشَمْسِ الدِّنا / نِفي غَلَسِ اللَّيلِ شمسُ الخُدورِ
كأنَّ الكؤوسَ وقد كُلَّلَتْ / بِفَضْلاتِها بأكاليلِ نُورِ
جيوبٌ مِنَ الوَشْيِ مَزرُورَةٌ / يلوحُ عليها بياضُ النُّحورِ
قُصاراكَ في اللَّومِ أن تَقْصُرا
قُصاراكَ في اللَّومِ أن تَقْصُرا / وحقّيَ في الغَيِّ أن أُعذَرا
ولم أنسَ يومي بِقُطرُبُّلٍ / وليلي على القُفْصِ أو عُكْبَرا
زمانٌ تملَّيْتُه مُقبِلاً / وعَيشٌ تلقَّيتُهُ مُسْفِرا
وملآنُ من عَبَراتِ الكُرومِ / كأنَّ على فَمِه عُصفُرا
إذا قرَّبَتَه أكُفُّ السُّقاةِ / مِنَ الكأسِ قَهقَهَ واستعبَرا
تُروِّحُه عذباتُ الغَرامِ / بريَّا النَّسيمِ إذا ما جرى
وريمٌ إذا رامَ حَثَّ الكُؤو / سِ قَطَّبَ للتِّيهِ واستَكبرا
وجَرَّدَ من طرفِهِ خَنجَراً / ومن نُونِ طُرَّتِه خَنجَرا
ترى وَرْدَ وَجنَتِه أحمراً / وريحانَ شاربِه أخضرَا
شكَرنا لإدريسَ أفعالَه / وحُقَّ لإدريسَ أن يُشكرَا
عَرَفْنا به طُرُقَ المُنْكَرَاتِ / ولولاه لم نَعرِفِ المُنكرَا
فطَوراً يُعيدُ لنا كَدَّةً / وطَوراً يُعيدُ لنا شَوْذَرا
إذا عَمَرَتْ دارُه لم أُطِلْ / بُكايَ على مَنزلٍ أقفرَا
وإن قَدَّمَت يومَه النَّائِباتُ / فلستُ أُسَرُّ بمَنْ أخِّرا
أبا حَسَنٍ إنَّ وجهَ الرَّبيعِ
أبا حَسَنٍ إنَّ وجهَ الرَّبيعِ / جميلٌ يُزانُ بحُسْنِ العُقارِ
فإنَّ الربيعَ نهارُ السُّرو / رِ والرَّاحُ شمسٌ لذاك النَّهارِ
وإنك مَشرِقُها إن أردتَ / وإن لم تُرِد غَرَبتْ في استتارِ
فأجْرِ إليَّ بجارِ العُقارِ / فمن فَيْضِ كفَّيْكَ فيضُ الجِرارِ
فقد عَبَّأَ الهَمُّ لي جَيْشَه / وليسَ له غيرُ جيشِ الخُمارِ