القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : أحمد مُحرَّم الكل
المجموع : 19
مَضى العامُ وَانْبَعَثَ المُنتظَرْ
مَضى العامُ وَانْبَعَثَ المُنتظَرْ / وَخُلِّيَتِ السُّبْلُ لِلْمُعْتَمِرْ
لقد يَسَّرَ اللَّهُ تِلكَ الصعابَ / فما من عَصِيٍّ ولا مِن عَسِرْ
بَدارِ بَدارِ جُنودَ النَّبيِّ / فإنّ الغنيمةَ للمُبْتَدِرْ
إلى البيتِ سِيرُوا سِرَاعَ الخُطَى / فما ثَمَّ من خِيفَةٍ أو حَذَرْ
وَسُوقُوا الهدايا إلى ربِّكم / فما خَابَ مَن ساقَها أو نَحَرْ
دَعُوها لِناجِيَةٍ إنّه / لَنِعْمَ الفتى إن تَمَطَّى السَّفَرْ
دَليلكم الصّدقُ فيما مَضَى / يَشُقُّ الصّعابَ ويَهدِي الزُّمَرْ
ولِلخَيْلِ قائدُها المُجتَبَى / وفَارسُها الشّمّريُّ الأغرّ
رأوْها مُطَهَّمَةً في السّلاح / فطاروا يقولونَ أمرٌ قُدِرْ
أيا قَومَنا إنّهم أقبَلوا / على الجُرْدِ في المُرْهَفَاتِ البُتُرْ
خُذُوا حِذْرَكم وَاجمَعُوا أمركم / ألا إنّنا لا نَرى غيرَ شَرّ
وجاء ابنُ حصنٍ رسولاً يقول / مُحمدُ ما شأنكُم ما الخَبَرْ
أَتنقضُ عهدَكَ تبغِي القتالَ / وما كنتَ ممّن بَغَى أو غَدَرْ
قُريشٌ على العهدِ ما بَدَّلوا / ولا كان منهم أذىً أو ضَرَرْ
عَلامَ السّلاح وماذا تريدُ / أتأبى لأنْفُسِنَا أن تَقرّ
فقال النبيُّ اهْدَأُوا إنّني / لأَوْلَى الوَرَى بوفاءٍ وبِرّ
سيبقَى السّلاحُ بعيدَ المكانِ / لِيأمنَ مِن قومِنا مَن ذُعِرْ
لِمَكَّةَ حُرمتُها والذمام / وللَّهِ سُبحانَهُ ما أَمَرْ
وأقبلَ في صحبِهِ الأكرمين / يَؤُمُّ البَنِيَّةَ ذاتِ السُّتُرْ
فيا ابنَ رُواحَةَ خُذْ بالزِمام / وقل في النبيِّ وفي مَن كَفَرْ
جَلا القومُ يأبونَ لُقْيَا النبي / وأصحابِهِ الطاهرينَ الغُرَر
فطافوا وَصَلُّوا وخَفُّوا معاً / إلى الركنِ يَغشَونَهُ والحَجَرْ
وَقَضُّوا المناسِكَ مُسْتَبْشرينَ / فلم يبقَ من مأرِبٍ أو وَطَرْ
وجاء حُوَيطبُ يَلْقَى النَّبيَّ / وصاحِبُهُ المرتجَى للغِيَرْ
يقولان إنّا على مَوعدٍ / فما لكَ عن أرضِنا لم تَسِرْ
قَضيْتَ الثلاثَةَ فاذْهَبْ إلى / مَنازِلِ يَثْرِبَ ما من مَفَرّْ
فأرعدَ سعدٌ وجاشتْ به / حَمِيَّةُ مُسْتَوفِزٍ كالنَّمِرْ
وألقَى بصاعقةٍ تستطير / على جَانِبَيْها بُروقُ الشَّرَرْ
فقال النبيُّ رُويداً رُويداً / وأطفأ من غَيْظِهِ المسْتَعِرْ
وحُمَّ الرحيلُ فنعمَ السّبيل / سبيلُ القبيلِ الجليلِ الخَطَرْ
هُمُ صَبَرُوا فانثنوا ظافرين / وما الصّبرُ إلا بَشِيرُ الظَّفَرْ
فَشُكْراً لربٍّ يُحِبُّ التَّقِيَّ / وَيُضفِي العَطَاءَ على مَن شَكَرْ
ثَقيفُ انظري أين قَصْدُ الطريقْ
ثَقيفُ انظري أين قَصْدُ الطريقْ / وكيفَ يلقَّى النجاةَ الغريقْ
مَشَى البأسُ في هَوْلِهِ المستطير / له لَهَبٌ ساطِعٌ كالحريقْ
مَشَى ترجفُ الأرضُ من حولِهِ / فأين الفِرارُ وهل من مُطِيقْ
ثَقيفُ ادْخُلِي الحصن لا تهلكي / ويا عَبْدَ ليل لماذا النَّعيقْ
دَعا خالدٌ يَسْتَفِزُّ الرجال / فكان فَريقُكَ شَرَّ الفرِيقْ
وكنت عليهم شهيداً بما / يُعابُ العدوُّ به والصّديقْ
يَضيقُ على العاجزينَ الفضاء / وَيَرْحَبُ بالقادِرينَ المضيقْ
وليس الخليقُ بحرِّ الجلاد / غَداةَ التَّنادي كغيرِ الخَليقْ
رَمَوْا بالسّهامِ ولو أنصفوا / رَمَوْا بالطُّلَى كلَّ عَضْبٍ ذَلِيقْ
حِراصٌ على الأنفُسِ الهالكات / وذلك منهم خَبالٌ وَمُوقْ
ضِعافُ القلوبِ قُعودٌ جُمودُ / يخافون كلَّ سَفوحِ دَفُوقْ
وما يَسْتَوِي الهِبْرِزِيُّ الجَسُور / غَداةَ الوَغى والهَيُوبُ الفَروقْ
رَأَوْا عَجباً من عَتادِ الحروب / تَذوق الحصونُ به ما تَذُوقْ
رَماهُمْ فَتاهَا بدبّابَتَينْ / فيا لَك من فَارسِيٍّ لَبيقْ
رَميْتَ الأُلى حَبَسَ الفاتحون / بموتٍ حبيسٍ وبأسٍ طليق
وَزِدْتَ فقلت اضربوا الكافرين / وَعلّمتهم صنعةَ المنجنيقْ
تَظَلُّ الحجارةُ مقذوفةً / يُشيّعها من مكانٍ سَحِيقْ
ونُودُوا إلينا فمن جاءنا / مَنَنَّا عليه بِعَهْدٍ وَثيقْ
فأقبلَ منهم بُغاةُ الأمان / فكلٌّ مُخلَّى وكلٌّ عَتِيقْ
لهم مَنزلُ الضّيفِ في المسلمين / رُعاةِ العهودِ حُماةِ الحُقوقْ
عُيَيْنَةُ ما قلت للمشركين / وهل يَقتني الحمدَ إلا الصَّدُوقْ
كذبتَ النبيَّ فقلتَ المحال / وجئتَ من الأمرِ ما لا يليقْ
وأزلفْتَها توبةً تبتغي / بها الخيرَ والخيرُ نِعْمَ الرفيقْ
تبيَّنْ عيينةُ عُقْبَى الأمور / لعلَّكَ تعقلُ أو تَستفيقْ
سيأتي بهم رَبّهم مُسلمين / فما من ضلالٍ ولا من فُسوقْ
ولو شاءَ لاجْتثَّهم أجمعين / فبادت أصولٌ وجفّتْ عُروقْ
يقولُ الفوارسُ كيف الرحيل / وما شَرِقَتْ بالدِّماءِ الحُلوقْ
رُوَيداً رُوَيداً جُنودَ النبيِّ / فقد ينفعُ الناسَ ما لا يَروقْ
وللهِ ما شَاءَ فيما يسوق / من الحادثاتِ وفيما يَعوْقْ
لِمَنْ تَجمعُ الُّرومُ أبطالها
لِمَنْ تَجمعُ الُّرومُ أبطالها / وتحملُ للحربِ أثقالَها
أللجاعِلينَ نُفوسَ العبادِ / وَدائِعَ يَقْضونَ آجالَها
إذا استعجلوها ببيضِ الظُّبَى / فلن يملكَ القومُ إمهالَها
جُنودٌ تُقدِّمُ أرواحَها / وتَبذلُ في اللهِ أموالَها
لئن جاوزَتْ غايةَ العاملين / لقد بَارَكَ اللهُ أعمالها
وَمَنْ مِثلُ عُثمَانَ يَرْعَى النُّفوسَ / إذا آدَها الأمرُ أو عَالَها
كثيرُ النَّوالِ رَحِيبُ المجالِ / إذا رَامَ مَنزلةً نالَها
أبا بكرٍ اخْترتَ أبقى الثراء / وجَنَّبتَ نَفْسَكَ بَلبالَها
تَمنَّيتَها نِعمةً سمحةً / فألبَسَكَ اللَّهُ سِرْبَالَها
وإنّ لِصحبِكَ في الباذلين / مَناقِبَ نُدمِنُ إجلالَهَا
ألحَّ النِّساءُ على حَلْيهِنّ / وأقبلنَ في ضَجّةٍ يا لها
نَبِيَّ الهُدَى أتُلِمُّ الحقوقَ / فنأبَى ونُؤثِرُ إهمالَها
وتذهبُ منّا ذَواتُ الحِجالِ / تُجرجِرُ في الحيِّ أذيالَها
لقد طافَ طائِفُها بالفتاةِ / فأرَّقها ما عَنَا آلها
فما أمسكَ البُخلُ دُمْلُوجَها / ولا مَلَكَ الحِرصُ خلخَالَها
مشَى الجحفلُ الضَّخمُ في جحفلٍ / يُحِب الحُروبَ وأهوالَها
وخافَ من الحرِّ أهلُ النِّفاقِ / فقالوا البيوتَ وأظلالَها
وأهْلَكَهُمْ شَيْخُ أشياخِهم / بِشَنعاءِ يَأثَمُ مَن قَالها
بَني الأصفر استبِقوا للوغى / وخَلُّوا النُّفوسَ وآمالها
وقفتم من الرُّعبِ ما تُقدمون / وما هَاجتِ الحربُ أغوالَها
فكيف بكم بَيْن أنْيَابِها / إذا جَمَع اللَّهُ آكالَها
رأى عُمَرٌ رأيَهُ في الرَّحيلِ / فلا تُكْثِرِ الرُّومُ أوجالَها
لهم دَونَ مَهلكِهمْ مُدّةٌ / مِنَ الدّهرِ يَقضونَ أحوالَها
تَبوكُ اشْهَدِي نَزَواتِ الذّئاب / وحَيِّ الأسودَ وأشبالها
أما يَنبغِي لكِ أن تَعرفِي / شُيوخَ الحُروبِ وأطفالها
هي المِلَّةُ الحقُّ لن تَستكين / ولن يدَعَ السَّيفُ أقتَالَها
رأتْ ملّةَ الكُفرِ تغزو النُّفوس / فجاءَتْ تُمزِّقُ أوصالَها
لها من ذويها حُماةٌ شِداد / يُبيدونَ مَن رامَ إذلالَها
فلن يَعرِفَ النّاسُ أمثالَهم / ولن يَشهد الدّهرُ أمثالَها
ولن تَستبينَ سَبيلُ الهُدَى / إذا اتَّبعَ النَّاسُ ضُلَّالها
فَمَنْ كانَ يُحزِنُه أن تَبِيد / قُوَى الشّركِ فَلْيَبْكِ أطلالَها
لأهلِ المُفَصَّلِ من آيهِ / مَوَارِدُ يُسقَوْنَ سِلْسَالَها
تردُّ القُلوبَ إلى ربِّها / وتَفتحُ للنُّورِ أقفالَها
لَكَ اللهُ أَقبِلْ أبا خَيْثَمهْ
لَكَ اللهُ أَقبِلْ أبا خَيْثَمهْ / فِللّهِ صُنْعَكَ ما أَكْرَمَهْ
قَعدتَ فلما كَرِهتَ القُعودَ / نَفرت حَثيثاً إلى المَلْحَمَهْ
دَخلتَ العَريشَ على نَعجتيك / فَسُبحانَ ربِّكَ ما أعظَمَهْ
نَعِيمٌ يَروقُ وظِلٌّ يشوقُ / وعَيشٌ يَسرُّكَ أن تَغْنَمَهْ
فذكَّرَكَ اللهُ حَرَّ الجهاد / وألهمَ قلبكَ ما ألْهَمَهْ
فقلتَ أيمضي الرسولُ الكريم / يُكابِدُ في اللَّهِ ما جَشَّمَهْ
وأبقى هُنا في هَوى نَعْجَتيّ / وَحُبِّ العريشِ كذِي الملأمَهْ
وَسِرْتَ فأدركَتَهُ في تبوك / وللجيشِ من حَوْلِهِ هَمْهَمَهْ
يقولون مَن ذا وما خطبهُ / ألا إنّه لأبو خَيْثَمَهْ
ألم يَكُ في المعشرِ القاعدين / فماذا عراهُ وما أَقْدَمَهْ
هُوَ اللَّهُ يَهدِي نُفوسَ الرجال / ويَرزقها البِرَّ والمَرْحَمَهْ
أخالدُ إنّكَ ذو نَجْدَةٍ
أخالدُ إنّكَ ذو نَجْدَةٍ / فَهيَّا إلى دُومَةِ الجندلِ
إلى معشرٍ كفروا بالكتابِ / وحَادوا عن المذهبِ الأمثلِ
دَعاكَ الرسولُ فأنت الرسول / وليس له عنك من مَعدلِ
أمامك حِصنٌ طويلُ الذُّرَى / فَخُذْهُ بِصَمصامِكَ الأطولِ
وَمُرْ بالأكيدرِ يَقذفْ به / إليك على كِبرهِ من عَلِ
قتلتَ أخاهُ وألقى إليك / جَناحَ الذليلِ فلم يُقتلِ
وجِئتَ به سيِّدَ الفاتحين / فأوغَلَ في قلبهِ المقفلِ
هَداه إلى اللَّهِ بعد الضلالِ / وبعد العَمى لم يَكَدْ يَنجَلِي
وأعطاه من عهدهِ موئلاً / يَقيهِ فيا لك من مؤئلِ
فَصبراً أُكيدرُ إنّ الزمان / سيكشفُ عن غَدِكَ المقْبلِ
سَتنقُض عهدكَ دَأْبَ الشقِيِّ / وتجمعُ في غَيِّكَ الأوّلِ
فيرميك ربُّكَ بابنِ الوليدِ / ويشفيكَ من دائِكَ المعضلِ
بصاعقةٍ مَنْ يَذُقْها يَقُلْ / كأنَّ الصّواعقَ لم تُرْسَلِ
أتفعلُ وَيْحَكَ ما لو عقلتَ / لأعرضتَ عنه ولم تفعلِ
أُكيدرُ ليس لنفسٍ وَقاء / إذا ما ابتلى اللَّهُ مَن يبتلي
مرحباً بالوفدِ وافى من هَجَرْ
مرحباً بالوفدِ وافى من هَجَرْ / يَبتغي الدِّينَ ويأبى من كَفَرْ
لا خَزايا لا نَدامَى إنّهم / زُمْرةٌ ما مِثلُها بين الزُّمَرْ
ظفروا إذ قَبَّلوا خيرَ يَدٍ / وخِيارُ النّاسِ أوْلَى بالظَّفرْ
نَزَل الحقُّ على شاعِرِهم / ساطعَ الحُجّةِ وضَّاحَ الأثَرْ
صَدَق الجارودُ إنّ اللهَ قد / أرسلَ القومَ إلى هادِي البَشَرْ
جاء في إنجيلِ عِيسَى ذِكرُهُ / فأتى ينظرُ مِصداقَ الخَبَرْ
لم يَزَلْ يَسألُهُ حتَّى بَدا / من يقينِ الأمرِ ما كانَ اسْتتَر
زَادَهم من علمِهِ ما زادهم / ولديهِ من مزيدٍ مُدَّخَرْ
كَشَفَ اللهُ له عما انْطَوى / في زوايا الغيبِ عنه فَظَهَرْ
هذه الأرضُ وهذا نخلها / تتراءى فيه أنواعُ الثَّمرْ
آثروا الإسلامَ دِيناً وانْقَضى / ما أضلَّ القومَ من دينٍ نُكُرْ
أُمِروا بالخيرِ طُرّاً مالهم / منهُ بُدٌّ ونُهوا عن كلِّ شرّ
لهجوا بالخمرِ ثُمَّ ازْدَجرُوا / وعنِ الخمرِ غِنىً للمُزدجِرْ
وفْدَ عبدِ القيسِ لا تعدِلْ بكم / ظُلمةُ الرأيِ عن النهْجِ الأغرّ
ليس في الخمرِ شِفاءٌ لامرئٍ / من سقامٍ أو وقاءٌ من ضَرَرْ
احذروها إنَّها المكرُ الذي / مَكَرَ الشيطانُ في ماضِيِ العُصُرْ
هِيَ للأقوامِ شَرٌّ وأذىً / وَهْيَ للبغضاءِ نَارٌ تَستَعِرْ
ليس مَن بَرَّ فأرضَى رَبَّهُ / مِثلَ من أرضَى هَواهُ وفَجَرْ
حَسْبُكم ما كانَ مِنها وكفَى / ما رأيتُمْ أو سَمِعْتُم من عِبَر
في رسولِ اللهِ إذ نَبَّأكم / ببلايا الخمرِ آياتٌ كُبَرْ
انتهُوا عن كلِّ ما عَنْهُ نَهَى / وَافْعَلوا مِن كلِّ أمرٍ ما أمرْ
اسألوا هذا الفتَى عن شيخِكم / واسألوني عن أعاجيبِ القَدَرْ
صُورةٌ زالتْ وأُخرى بَرزتْ / من تصاويرِ المليكِ المقتدِرْ
اسألوا الحاضرَ عمَّنْ غابَ أو / فاسألوا الغائبَ عمن قد حَضَر
ذَهَبَ المجنونُ مهدودَ القُوى / وأتَى العاقلُ مَشدودَ المِرَر
قُدرةُ اللهِ تجلَّتْ في يدٍ / لعظيمِ الجاهِ ميمونِ الأثرْ
إلى طَيِّئٍ يا ابنَ عمِّ النبيِّ
إلى طَيِّئٍ يا ابنَ عمِّ النبيِّ / إلى معشرٍ يعبدون الصَّنَمْ
إلى الفلسِ في جُندِكَ الغالبين / فلن يَلبثَ الشِّركُ أن يُصطلَمْ
أضلّ العُقولَ وأعْمَى القلوب / وأشقى النُّفوسَ وهدَّ الهِمَمْ
أرى طَيِّئاً خَذلتْ ربَّها / فما من مَلاذٍ ولا مُعتصَمْ
فيا لكَ ربّاً يذوقُ الهوان / فَيُغضِي عليه ولا يَنْتَقِمْ
مضى عزُّه وانْطَوى مجدُه / فَزالَ الجَلالُ وبَادَ العِظَمْ
وأصبح تَذْرُوه هُوجُ الرياحِ / فَتلكَ تَفارِيقُه ما تُلَمّ
وهاتيك أسلابُه أُطلِقَتْ / وكانت حبائسَ منذُ القِدَمْ
سُيوفٌ بَقينَ طِوالَ العُصورِ / ودائعَ للوارثينَ الأُمَمْ
مَلَلْنَ لدى الفلسِ عهدَ الظّلامِ / فأصبحن مِيراثَ ماحِي الظُّلَمْ
أضاءَ الرَّسُوبُ به واليماني / وأشرقَ في راحَتَيْهِ الخَذمْ
وما نَظرتْ أعينُ الدَّارعين / كأدراعهِ الغالياتِ القِيَمْ
رَجعْتَ بها يا ابنَ عمِّ النبيِّ / وبالشاءِ مجلوبةً والنَّعَمْ
وبالسَّبْيِ مُغتنَماً ما رأى / حُماةَ المحارمِ إذ يُغْتَنَمْ
ومَرَّ النبيُّ بِسُفَّانَةٍ / فقامَتْ إليه تَبُثُّ الأَلَمْ
وقالت نَشدتك فامْنُنْ عليّ / فما حقُّ مِثليَ أن يُهْتَضَمْ
أنا ابنةُ مَن كانَ في قومِهِ / عَقيدَ السَّخاءِ حَليفَ الكَرَمْ
وما بِكَ في حاتمٍ رِيبةٌ / بلى إنّه للجوادُ العَلَمْ
يَفُكُّ العُناةَ ويُعطِي العُفاةَ / ويكسو العُراةَ ويَحمِي الحُرَمْ
ويُفْشِي السَّلامَ ويرعى الذِّمامَ / ويَقْرِي الضُّيوفَ وَيَشْفِي القَرَمْ
فقال لها صِفةُ المؤمنين / فلو أنّه كان فيهم رُحِمْ
كريم يُحبُّ حِسانَ الخِلال / ويَكرهُ مِن حُبّها أن يُذَمّ
مَننتُ عليك فإن تفرحي / فَغَيرُكَ أولى بِحُزْنٍ وَهَمّ
فقالت شَهِدتُ مع الشّاهدين / فذلِك دينُ الهُدى لا جَرَمْ
رأيتُ السّبيلَ فآثرتُه / وفارقتُ دِينَ العَمَى والصَّمَمْ
كَساها وأركَبها واستهلّ / عليها بغَمرٍ من المالِ جَمّ
فراحت بخيرٍ وراح الثناءُ / يَجوبُ السُّهولَ ويَطوِي الأكم
وجاءت أخاها فقالت عديُّ / أرى الحقَّ أخلقَ أن يُلتزَمْ
وإنّي استقمتُ على واضحٍ / من الأمرِ يا ابنَ أبي فَاسْتَقِمْ
دَعِ الشِّركَ واذهبْ إلى يثربٍ / فثَمَّ هُدَى اللهِ باري النَّسَمْ
هُناك هُناكَ جَلاءُ العَمَى / ورِيُّ الصَّدَى وشِفاءُ السَّقَمْ
هُناكَ النبيُّ العظيمُ الجلال / هناك الرّسولُ الكريمُ الشِّيَمْ
هُناك النجاةُ لِهَلْكَى النُّفوس / فَطُوبى لمن رَامها فَاعْتَزَمْ
مَتى يَنهضُ الشَرقُ مِن كَبوَتِهْ
مَتى يَنهضُ الشَرقُ مِن كَبوَتِهْ / وَحَتّى مَتى هوَ في غَفوَتِهْ
كَبا وَكذلك يَكبو الجَوادُ / براكبهِ وهوَ في حلبتِه
وَنامَ كَما نامَ ذو كُربَةٍ / تَملَّكَهُ اليَأسُ في كُربَتِه
وَهى عَزمُه ما يُطيقُ الحِراكَ / وَقَد كانَ كالليثِ في وَثبتِه
تجرُّ عَلَيهِ عَوادِي الخُطوب / كلاكِلَها وَهوَ في غَفلَتِه
نَواهِبَ ما كانَ مِن مَجده / سَوالبَ ما كانَ مِن عِزَّتِه
فَلا هوَ يَدفَعُ عَن حَوضِهِ / وَلا هوَ يَمنعُ مِن حَوزتِه
لَعاً أَيّها الشرقُ مِن عَثرَةٍ / بِها نَهضَ الغَربُ مِن عَثرتِه
لَقَد كُنتَ تَسبقُهُ أَعصُراً / وَقَد كانَ يَظلُعُ في مِشيتِه
إِلى المَجدِ حِينَ تَذرَّيته / وَحينَ تَضاءلَ عَن ذِروتِه
سَما الغَربُ وَاعتزَّ بَعد الَّذي / رَأى القَومُ ما كانَ مِن ذِلَّتِه
وَجَدَّ يَرومُ كبارَ الأُمورِ / فَقَد أَصبحت وَهيَ مِن بُغيَتِه
فَأَدركَ ما أَعجزَ المُدركين / وَلَم يَثنِ ذَلِكَ مِن هِمَّتِه
بَلى هوَ في سَعيهِ دائِبٌ / تزيدُ الكَوارِثُ في قُوَّتِه
إِذا نابَهُ حادِثٌ رائعٌ / تَخورُ العَزائمُ مِن خَشيتِه
دَعا مِن بَنيهِ مُطاعٌ مُجاب / تَخفُّ الجُموعُ لَدى دَعوَتِه
كِراماً يَكرُّون مُسترسِلينَ / كَمُبتدرِ الغنمِ في كرَّتِه
هم يَجبرون المَهيضَ الكسيرَ / إِذا فلَّلَ الدَهرُ مِن شَوكَتِه
وَهم يُكرِمونَ السَريَّ الكَريم / وَلا يَحمدونُ سِوى سِيرتِه
وَهم يُنصِفونَ وَلا يَظلمون / كَمَن أَصبحَ الظُلمُ مِن شِيمتِه
فَلا يُرفَعُ المَرءُ عَن قَدرِهِ / وَلا يُخفَضُ الشَيءُ عَن قيمتِه
خِلالٌ غَدَت غُرَّةً لِلخلال / وَهَل حُسنُ شَيءٍ سِوى غُرَّتِه
تَحَلّى بِها الغربُ سُقياً لَهُ / وَبُورِكَ فيهِ وفي حِليتِه
لَقَد كانَ في حُفرَةٍ ثاوياً / وَلَكن ثَوى الشرقُ في حُفرتِه
فَيا لَهفَ قَلبي لمجدٍ مَضى / وَيا شَوقَ نَفسي إِلى عَودتِه
وَيا لَهفَ آبائِنا الأَوّلين / على الشرق إن ظلَّ في نكبتِه
همو غادروه كرَوضٍ أريضٍ / تَتوقُ النُفوسُ إِلى نَضرتِه
وَنَحنُ تَركناهُ للعاديات / وَلم نَرعَ ما ضاعَ مِن حُرمَتِه
فَأَذهَبنَ ما كانَ من حُسنِه / وَأَفنَينَ ما كانَ مِن بَهجتِه
فَهَل يُسمعُ القولَ أَهلَ القُبورِ / خَطيبٌ فَيُسهِبُ في خُطبتِه
يُناديهمُ فِيمَ هَذا الرقاد / كَفى ما دَهى الشَرقَ مِن رَقدتِه
لَقَد ضاعَ بَعدكُمُ مَجدُهُ / وَكُلُّ المَثالبِ في ضَيعتِه
وَأَنتُم رِجالٌ ذَوُو نَجدَةٍ / فَلا تقعُدوا اليَومَ عَن نَجدتِه
لَكُم عَزَماتٌ صِلابٌ شِداد / يَلِينُ لَها الدَهرُ في شدَّتِه
قَواصمُ لِلمُعتَدي المُستَطيل / عَواصِمُ يَحمِينَ مِن صَولَتِه
بِها يُدرِكُ الشَرقُ ثاراتِهِ / فَيُشفى وَيَنقَعُ مِن غُلَّتِه
سَقى اللَه سُكانَ تِلكَ القُبورِ / غُيوثاً هَوامِعَ مِن رَحمَتِه
وَعَزّى بَني الشَرقِ عَن مَجدِهِ / وَبارك لِلغَرب في أُمَّتِه
بِرَبِّكَ ماذا أَصابَ البِلادا
بِرَبِّكَ ماذا أَصابَ البِلادا / فَما تَنظُرُ العَينُ إِلّا حِدادا
فَوَيحَ القُلوبِ وَوَيحَ العُيونِ / لِحُزنٍ تَوالى وَخَطبٍ تَمادى
فَقَدنا الظَهيرَ فَقَدنا النَصيرَ / فَقَدنا المُجيرَ فَقَدنا العِمادا
فَقَدنا المَضاءَ فَقَدنا الوَفاءَ / فَقَدنا الإِباءَ فَقَدنا السَدادا
فَيا لَكَ خَطباً يَهولُ النُفوسَ / وَيَأبى عَلى الدَهرِ إِلّا اِشتِدادا
وَيا طولَ وَجدي عَلى أُمَّةٍ / أَساءَ الزَمانُ بِها ما أَرادا
إِذا أَنجَبت رَجُلاً عاجَلَتهُ / يَدُ المَوتِ تُفجِعُ فيهِ البِلادا
سَلامٌ عَلى راقِدٍ لَم يَكُن / لِيَهوى القَرارَ وَيَرضى الرُقادا
وَأَدنى العُيونِ مِنَ النَومِ عَينٌ / تُميتُ طِوالَ اللَيالي سُهادا
فَإِن يَستَرِح جِسمُهُ في الثَرى / فَذَلِكَ مِمّا أَطالَ الجِهادا
جِنايَةُ نَفسٍ لَو اِستودِعَت / ذُرى شاهِقٍ مُستَقِرٍّ لَمادا
وَإِنَّ النُفوسَ مَطايا الجُسومِ / إِلى المَوتِ لَو نَستَبينُ الرَشادا
فَأَمّا الشِدادُ فَتَمضي سِراعاً / وَأَمّا الضِعافُ فَتَمشي اِتِّئادا
وَإِنَّ حَياةَ الفَتى كَالثَراءِ / يُصَرِّفُهُ سَرَفاً وَاِقتِصادا
فَهَذا يُؤَخِّرُ مِنهُ البَقاءَ / وَهَذا يُعَجِّلُ مِنهُ النَفادا
نَظُنُّ الحَياةَ دَماً جائِلاً / وَروحاً تَقينا البَلى وَالفَسادا
وَما هِيَ إلّا حِسانُ الفِعالِ / تُفيدُ البِلادَ وَتُجدي العِبادا
فَلا رَحِمَ اللَهُ إِلّا اِمرَأً / يُجيبُ نِداءَ العُلا إِذ يُنادى
يَخوضُ إِلَيها جِسامَ الأُمورِ / وَيَقتادُ فيها الصِعابَ اِقتِيادا
وَلَو أَبصَرَ المَوتَ مِن دونِها / لَما رامَ عَن جانِبَيها اِرتِدادا
عَزاءً بَني مِصرَ عَن كَوكِبٍ / أَحالَتهُ أَيدي المَنايا رَمادا
كَأَنّي بِهِ يَستَثيرُ القُبورَ / وَيَبعَثُ فيها الحَياةَ اِجتِهادا
كَأَنّي بِأَيدي البِلى واهِناتٍ / تُمارِسُ مِنهُ خُطوباً شِدادا
عَزاءً بَني مِصرَ عَن فَقدِهِ / وَضَنّاً بِشِرعَتِهِ وَاِعتِدادا
وَلا تَتَعادَوا فَإِنَّ الشُعوبَ / تَموتُ اِنقِساماً وَتَحيا اِتِّحادا
أَخا الدَهرِ ما الدَهرُ إِذ يُنسَبُ
أَخا الدَهرِ ما الدَهرُ إِذ يُنسَبُ / وَأَينَ هِيَ الأُمَمُ الغُيَّبُ
شَرِبتَ العُصورَ فَأَفنَيتَها / وَما زِلتَ مِن دَمِها تَشرَبُ
تُميتُ وَتُحيي عَلى شِرعَةٍ / يَدورُ بِها الزَمَنُ القُلَّبُ
تَثورُ وَتَسكُنُ تَقضي الأُمورَ / فَتَطفو الحَوادِثُ أَو تَرسُبُ
أَخا الدَهرِ أَينَ حَديثُ القُرونِ / وَأَينَ المِدادُ لِمَن يَكتُبُ
شَهِدتَ المَمالِكَ تُزجي الجُنودَ / وَعايَنتَها رِمَماً تُندَبُ
وَما حَجَبَ الدَهرُ مِن سِرِّها / فَخافيهِ عِندَكَ لا يُحجَبُ
إِلَيكَ اِنصَرَفتُ أَضُمُّ المُنى / وَأَبعَثُها نُزَّعاً تَدأَبُ
غَوالِبَ تَأخُذُ أَقصى المَدى / وَيَأخُذُها القَدَرُ الأَغلَبُ
يُصَرِّفُها في أَفانينِها / هَوىً لا يَضِلُّ وَلا يكذبُ
عَلى مِلَّةٍ مِن شُعاعِ الضُحى / يُضاحِكُها الرَونَقُ المُعجَبُ
يُجاوِرُهُ أَدَبٌ ساطِعٌ / كَما جاوَرَ الكَوكَبَ الكَوكَبُ
فَيا نيلُ أَنتَ الهَوى وَالحَياةُ / وَأَنتَ الأَميرُ وَأَنتَ الأَبُ
وَيا نيلُ أَنتَ الصَديقُ الوَفِيُّ / وَأَنتَ الأَخُ الأَصدَقُ الأَطيَبُ
وَأَنتَ القَريضُ الَّذي أَقتَفي / فَيَزهى بِهِ الشرقُ وَالمَغرِبُ
وَلَولاكَ تَعذِبُ لِلشارِبينَ / لَما ساغَ مَورِدُهُ الأَعذَبُ
فَإِن أورِثِ الخِصبَ هذي العقولَ / فممّا تعلِّمني تخصبُ
وإن أنا أطربتُ هَذي النُفوسَ / فَصَوتُكَ لا صَوتِيَ المُطرِبُ
تَسيلُ فَتَندَفِقُ الرائِعاتُ / وَتَجري فَتَستَبِقُ الجُوَّبُ
قَوافٍ يَقودُ بِها الحادِثاتِ / فَتىً لا يُقادُ وَلا يُجنَبُ
عَصَيتُكَ إِن كانَ لي مَأرِبٌ / سِواكَ فَيُؤثَرُ أَو يُطلَبُ
قَسَمتَ الحُظوظَ فَمَن يَشتَكي / وَسُستَ الحَياةَ فَمَن يَعتَبُ
لَئِن فاتَني الذَهَبُ المُنتَقى / فَما فاتَني الأَدَبُ المُذهَبُ
وَهَبتُ لَكَ المُلكَ مُلكَ القَريضِ / وَذَلِكَ أَفضَلُ ما يوهَبُ
فَهَل وَهَبَت ما لَها أُمَّةٌ / يَظَلُّ الغُرورُ بِها يَلعَبُ
تَضِنُّ عَلَيكَ بِنَزرِ العَطاءِ / وَيَسلُبُها الغَيُّ ما يَسلُبُ
تُسيءُ إِلَيكَ فَلا تَستَطيرُ / وَتَجني عَلَيكَ فَلا تَغضَبُ
وَتَقتُلُ أَبناءَكَ النابِغينَ / فَتَذهَبُ في الحِلمِ ما تَذهَبُ
أَلَم يَئنِ أَن تَزَعَ الجاهِلينَ / فَنَحيا وَنَأمَنَ ما نَرهَبُ
لَئِن وَجَبَ الحِلمُ عَمَّن أَساءَ / فَإِنَّ دِفاعَ الأَذى أَوجَبُ
فَلا تَجرِ إِلّا دَماً أَو ذُعافاً / وَلا تَحفَل القَومَ أَن يَعطَبوا
أَماناً فَما بَينَنا ثائِرٌ / وَعَفواً فَما بَينَنا مُذنِبُ
عَسى عقِبٌ مِنهُمو صالِحٌ / يُعَظِّمُ أَقدارَ مَن تُنجِبُ
نَفَرنَ أَصيلاً كَسِربِ المَها
نَفَرنَ أَصيلاً كَسِربِ المَها / يُثِرنَ الهَوى وَيَهِجنَ الجَوى
أُعارِضُهُنَّ فَيَلوينَني / وَيَمضينَ مُبتَدِراتِ الخُطى
أُناشِدُهُنَّ ذِمامَ الهَوى / وَلَو ذُقنَهُ لَشَفَينَ الصَدى
تَوَزَّعنَ أَشطارَ هَذا الفُؤادِ / فَشَطرٌ هُناكَ وَشَطرٌ هُنا
وَرُحنَ يُضاحِكُهُنَّ النَعيمُ / وَيَقتُلُني إِثرَهُنَّ البُكى
حَلَفتُ لَهُنَّ بِأُمِّ الكِتابِ / لَقَد بَلَغَ الوَجدُ أَقصى الحَشا
وَناشَدتُهُنَّ ذِمامَ الهِلالِ / وَما فيهِ مِن رَحمَةٍ أَو هُدى
فَأَقبَلنَ مِن جَنَباتِ الرِياضِ / رَياحينَ مُخضَلَّةً بِالنَدى
فَصافَحنَني فَلَثَمتُ الأَكُفَّ / فَلَمّا اِنطَلَقنَ لَثَمتُ الثَرى
ذَهَبنَ يَطُفنَ عَلى المُحسِنين / فَحَرَّكنَ كُلَّ يَدٍ لِلنَدى
وَما كانَ ذَلِكَ مِن هَمِّهِنَّ / وَلا هُنَّ مِمَّن حُرِمنَ الغِنى
وَلَكِنَّهُنَّ مَدَدنَ الأَكُفَّ / لِرَأبِ الثَأى وَلِكَشفِ الأَذى
رَثَينَ لِجَرحى كساها الحِفاظُ / سَوابِغَ مِن عَلَقٍ يُمتَرى
جَزى اللَهُ قَوماً دُعوا لِلنَوالِ / فَفاضَت أَكُفُّهُمو بِاللُهى
ذَوائِبُ تَأسو كُلومَ الغُزاةِ / وَتَشعَبُ مِنها صَديعَ القِوى
تَدافَعنَ في غَمَراتِ السَماحِ / تَدافُعَهُم في غِمارِ الوَغى
جَزى اللَهُ كُلَّ فَتىً ماجِدٍ / يَصونُ الذِمارَ وَيَحمي الحِمى
أَرى الأَرضَ تَرجُفُ بِالعالَمينَ
أَرى الأَرضَ تَرجُفُ بِالعالَمينَ / وَيَسبَحُ سُكّانُها في الدَمِ
وَفي مِصرَ شَعبٌ دَهاهُ القَضاءُ / فَلَم يَدرِ شَيئاً وَلَم يَعلَمِ
يَجيءُ وَيَذهَبُ في المُضحِكاتِ / كَعَهدِكَ في الزَمَنِ الأَقدَمِ
وَما يَعرِفُ الشَعبُ كُنهَ الأُمورِ / بِرَأيٍ غَوِيٍّ وَقَلبٍ عَمِ
لَقَد كَشَفَ الدَهرُ أَسرارَهُ / وَأَبدى الخَفِيَّ فَلَم يَكتُمِ
وَجاءَت مِنَ اللَهِ رُسلٌ غَضابٌ / تَصُبُّ العَذابَ عَلى المُجرِمِ
حَذارِ بَني مِصرَ مِن وَقعِها / صَواعِقَ تَعصِفُ بِالأَنجُمِ
تَناهَوا عَنِ الغَيِّ وَاِستَيقِظوا / فَقَد وَضَحَ الصُبحُ لِلنُوَّمِ
وَرُدّوا النُفوسَ إِلى رَبِّها / وَعودوا إِلى دينِهِ القَيِّمِ
عَجِبتُ لِمُستَهتِرٍ لَم يَتُب / عَنِ الفاحِشاتِ وَلَم يَندَمِ
تَقومُ القِيامَةُ في العالَمينَ / وَتَبرُزُ في هَولِها الأَعظَمِ
وَنَحنُ عَلى الشَرِّ مِن عُكَّفٍ / نُوالي الضَجيجَ وَمِن حُوَّمِ
جَعَلناهُ ديناً فَمِن مَأثَمٍ / يَهُزُّ السَماءَ إِلى مَأثَمِ
يَجودُ الغَوِيُّ بِمِلءِ اليَدَينِ / إِذا راحَ في غَيِّهِ يَرتَمي
وَيَسأَلُهُ اللَهُ أَدنى القُروضِ / فَيَأبى وَيَبخَلُ بِالدِرهَمِ
وَشَرُّ البَرِيَّةِ ذو نِعمَةٍ / يَشُنُّ الحُروبَ عَلى المُنعِمِ
وَلَو عَرَفَ القَومُ مَعنى الحَياةِ / وَماذا يُرادُ مِنَ المُسلِمِ
لَهَبّوا سِراعاً إِلى الصالِحاتِ / وَساروا عَلى السَنَنِ الأَقوَمِ
وَشَدّوا عُرى الدينِ وَاِستَمسَكوا / مِنَ اللَهِ بِالسَبَبِ المُحكَمِ
تَوَلّى القَوِيُّ بِحَقِّ الضَعيفِ / وَجارَ الغَنِيُّ عَلى المُعدِمِ
تَمَرَّدَ هَذا فَلَم يَزدَجِر / وَعَربَدَ هَذا فَلَم يرحمِ
أَخافُ عَلى القَومِ مِن نَكبَةٍ / تَبيتُ لَها مِصرُ في مَأتَمِ
أَرى الأَرضَ تَخسِفُ بِالظالِمينَ / وَأَيُّ بَني مِصرَ لَم يَظلِمِ
خَذَلنا الكِتابَ وَرَبَّ الكِتابِ / فَأَينَ الحِمى وَبِمَن نَحتَمي
وَمَن يَخذلِ اللَهُ لا يَنتَصِر / وَمَن يُهِنِ اللَهُ لا يُكرَمِ
وَمَن لا يُرِد عِندَهُ عِصمَةً / إِذا فَدَحَ الخَطبُ لَم يُعصَمِ
أَما وَاللَيالي وَأَحداثِها
أَما وَاللَيالي وَأَحداثِها / وَما عَلَّمَت مِن كِبارِ العِظاتِ
وَما هَذَّبَت مِن نُفوسِ الكِرامِ / وَما ثَقَّفتَ مِن عُقولِ الهُداةِ
لَقَد كَشَفَ الشَرُّ عَن ساقِهِ / وَشَمَّرَ لِلرَوعِ أَهلُ التُراتِ
فَمَن كانَ يَكرَهُ أَن يُستباحَ / فَذَلِكَ يَومُ الحِمى وَالحُماةِ
بَني مِصرَ مَن يَكُ ذا نَجدَةٍ / فَمِصرُ تُريدُ سَبيلَ النَجاةِ
أُحيطَ بِها فَهيَ مَكروبَةٌ / تَضُجُّ وَتَشكو ضَجيجَ العُناةِ
دَعوا كُلَّ شَيءٍ سِوى نَصرِها / وَلا تَدَعوها بِأَيدي الغُزاةِ
وَضُمّوا الصُفوفَ وَلا تَسمَعوا / لِأَهلِ الأَباطيلِ وَالتُرّهاتِ
فَلَن يَلبَثَ الأَمرُ أَن يَستَقيمَ / إِذا اِجتَمَعَ القَومُ بَعدَ الشَتاتِ
دُعاةَ الحِمايَةِ لا تَنعَقوا / فَما أَهلَكَ الناسَ غَيرُ الدُعاةِ
أَيملِكُ باطِلُكُم أَن يَسودَ / وَقَد وَضَحَ الحَقُّ ذو البَيِّناتِ
وَصَفتُم لَنا حَسَناتِ الكِتابِ / فَما إِن رَأَينا سِوى السَيِّئاتِ
يَضُمُّ الحِمايَةَ فيما يَضُمُّ / لِأَبناءِ مِصرَ مِنَ المُزعِجاتِ
يُعَلِّمُنا كَيفَ تُرمى الشُعوبُ / وَكَيفَ تُقَبَّلُ أَيدي الرُماةِ
لَعُمرُ الغُواةِ وَما أَحدَثوا / لَقَد سَئِمَت مِصرُ دَعوى الغُواةِ
إِذا نَحنُ شِئنا نَشَرنا لَهُم / صَحائِفَ تَطفَحُ بِالمُخزِياتِ
عَلى اللَهِ يَومَ يَقومُ الحِسابُ / جَزاءُ الخَبائِثِ وَالطَيِّباتِ
عَمِلنا لَهُ نَبتَغي وَجهَهُ / إِذا ما اِبتَغى القَومُ بَعضَ الهَناتِ
لَنا وِجهَةُ الخَيرِ في العالَمينَ / وَلِلنَفسِ وجهَتُها في الحَياةِ
وَفَينا لِمِصرَ عَلى حالَةٍ / مِنَ الهَولِ قَذّافَةٍ بِالوُفاةِ
تَطيرُ بِهِم فَتَسُدُّ الجِواءَ / وَتَلوي بِأَجنِحَةِ العاصِفاتِ
تَمورُ الدِيارُ لِهَزّاتِها / وَلَو أَمسَكَتها قُوى الراسِياتِ
نُجاهِدُ لِلمَجدِ حَقَّ الجِهادِ / وَنَشرَعُ لِلناسِ دينَ الثَباتِ
نَصونُ لِمِصرَ أَماناتِها / وَنَبتَذِلُ المُهَجَ الغالِياتِ
وَلَن تُستَباحَ حُقوقُ البِلادِ / إِذا اِستَودَعَتها نُفوسُ الأُباةِ
أَمانُ الحُصونِ وَغَوثُ الجُنودِ / وَحِرزُ السَوابِغِ وَالمُرهَفاتِ
أَلا إِنَّ مِصرَ لَحَقُّ البَنينَ / وَعِرضُ الأُبُوَّةِ وَالأُمَّهاتِ
وَمَحكَمَةُ الدَهرِ مِن بعدِنا / تُقامُ لِأَجداثِنا وَالرُفاتِ
إِذا ما قَضى الدَهرُ أَحكامَهُ / فَتِلكَ حُكومَةُ أَقضى القُضاةِ
يُقَلِّبُ عَينَيهِ مُستَوفِزاً / إِذا صيحَ بِالرِمَمِ البالِياتِ
لَهُ كاتِبٌ عَبقَرِيُّ اليَراعِ / سَرِيُّ الصَحيفَةِ حُرُّ الدَواةِ
تُذيبُ لَهُ كيمياءُ الدُهورِ / مِدادَ الغَياهِبِ وَالنَيِّراتِ
يَروعُ الظَلامَ بِسودِ الخِلالِ / وَيُشجي الصَباحَ بِبيضِ الصِفاتِ
أَرى المَرءَ يَأخُذُ مِمّا يَشاءُ / وَيَأخُذُ مِنهُ حَديثُ الرُواةِ
إِذا كُتِبَ المَجدُ في أُمَّةٍ / فَلِلعامِلينَ وَلِلعامِلاتِ
وَإِنَّ الأُمورَ بِأَشباهِها / وَبَعضُ الَّذينَ كَبَعضِ اللَواتي
وَكائِنْ تَرى مِن فَتىً لا يَقومُ / غَداةَ الحِفاظِ مَقامَ الفَتاةِ
نَقَمتُ عَلى مِصرَ طولَ الجُمودِ / وَيَحسَبُهُ القَومُ طولَ الأَناةِ
بَلَوتُ الأُمورَ وَكُنتُ اِمرَأً / ذَكِيَّ الجنانِ كَبيرَ الحَصاةِ
فَلَم أَرَ فيما يَنوبُ الشُعوبَ / كَجَهلِ السَراةِ وَظُلمِ الوُلاةِ
أَرى الناسَ في مِصرَ شَتّى القُلوبِ
أَرى الناسَ في مِصرَ شَتّى القُلوبِ / وَإِن جَمَعَتهُم عَوادي النُوَبْ
فَكُلُّ لَهُ وِجهَةٌ تُستَرادُ / وَكُلٌّ لَهُ شَأنُهُ وَالأَرَبْ
وَبَعضٌ يَمُدُّ حِبالَ الرَجاءِ / وَبَعضٌ يَرى اليَأسَ حَقّاً وَجَبْ
وَهَذا يَنامُ عَلى فِضَّةٍ / وَهَذا يَبيتُ ضَجيعَ الذَهَبْ
وَهَذا يَطوفُ بِأَوراقِهِ / مُعَنّى الأَماني حَثيثَ الطَلَبْ
يُريدُ الضِياعَ بِأَقصى البِقاعِ / وَلَو خالَطَ الشَوكُ فيها الحَطَبْ
وَباتَ الفَقيرُ يُريدُ الرَغيفَ / فَيُمعِنُ مِن خيفَةٍ في الهَرَبْ
إِذا سَأَلَ القوتَ قالوا أَساءَ / وَإن وَصَفَ الفَقرَ قالوا كَذِبْ
وَإِن قالَ يا رَبِّ أَينَ القُلوبَ / أَجابَ الوَعيدُ وَهاجَ الغَضَبْ
وَقالوا فَقيرٌ يَصُكُّ الوُجوهَ / بِفُحشِ المَقالِ وَسوءِ الأَدَبْ
أُمورٌ تَشِقُّ عَلى العارِفينَ / وَتَترُكُ جُمهورَهُم في تَعَبْ
لَقَد أعوَزَ الحَبُّ كُلَّ النُفوسِ / وَلَم يَدرِ حُكّامُنا ما السَبَبْ
يَطوفُ الرِجالُ مَعاً وَالنِسا / ءُ آناً فُرادى وَآناً عُصَبْ
فَيَرمي التِجارُ بَراميلَهُم / بِأَبصارِ جِنٍّ تَمُجُّ اللَهَبْ
وَيُقسِمُ دَهقانُهُم أَنَّهُ / أَبادَ المَطِيَّ وَأَفنى الكُتُبْ
فَلَم يَرَ سُنبُلَةً تُقتَنى / وَلا حَبَّةً في القُرى تُجتَلَبْ
تَواصى أَكابِرُهُم وَالصِغارُ / بِدَهياءَ تَأخُذُكُم مِن كَثَبْ
فَشُدّوا البُطونَ وَغُضّوا العُيونَ / وَروضوا الشُؤونَ وَكُفّوا الشَغَبْ
وَلوذوا بِرُكنٍ شَديدِ القُوى / مِنَ الصَبرِ عِندَ اِشتِدادِ الكُرَبْ
فَما اِستَفحَلَ الشَرُّ إِلّا اِرعَوى / وَلا اِضطَرَب الأَمرُ إِلّا اِستَتَبْ
أَعيدوا الحَديثَ وَقولوا أَجَلْ
أَعيدوا الحَديثَ وَقولوا أَجَلْ / أَجابَ الرَجاءُ وَلَبّى الأَمَلْ
أَجَل هَكَذا فَليُنادي المُلوكُ / بِحَقِّ الشُعوبِ وَأَمرِ الدُوَلْ
أَجَل هَكَذا فَليَجِلّ المَقامُ / وَيَسمُ المَرامُ وَيَعلُ المَثَلْ
أَرى الشَرقَ يَهتَزُّ مِمّا رَأى / كَما اِهتَزَّ ذو النَشواتِ الثَمِلْ
تَخايَلَ فيهِ بَريدُ المُلوكِ / يُقِلُّ المَمالِكَ فيما حَمَلْ
يُقِلُّ الكِنانَةَ في عِزِّها / وَأُبَّهَةِ الفاتِحينَ الأُوَلْ
تَسيرُ مَواكِبُها فَخمَةً / تَهِلُّ البِقاعُ لَها وَالسُبُلْ
مَواكِبُ مُطلَقَةٌ حُرَّةٌ / تَعافُ الحِجالَ وَتَأبى الكَلَلْ
مُلوكَ الكِنانَةِ سيروا بِها / فَقَد نَشَطَت بَعدَ طولِ المَلَلْ
وَما نَكَبَت عَن مَعالي الأُمورِ / عَلى الرَيثِ مِن أَمرِها وَالعَجَلْ
أَضيئوا الشِعابَ وَروضوا الرِكابَ / إِذا نَدَّ جامِحُها أَو جَفَلْ
فَنِعمَ السَبيلُ السَوِيُّ الأَمينُ / وَنِعمَ المَطِيُّ السِماحُ الذُلُلْ
وَخَيرُ العَتادِ لَها هِمَّةٌ / يَذوبُ لَها الخَطبُ أَو يَضمَحِلْ
وَرَأيٌ يُسَدِّدُ مِنها الخُطى / وَيُمسِكُ أَقدامَها أَن تَزَلْ
سَكَتُّم وَضَجَّت تُنادي الشُعوبُ / فَكانَ السُكوتُ لِأَمرٍ جَلَلْ
فَمَن يُنكِرُ اليَومَ أَو مَن يَقولُ / بِلادٌ هَواءٌ وَشَعبٌ هَمَلْ
نُعيدُ الحَديثَ إِذا ما اِمتَرى / وَنُسهِبُ فيهِ إِذا ما جَهِلْ
جَعَلناهُ دَعوَتَنا في الصَلاةِ / إِذا خَرَّ ساجِدُنا يَبتَهِلْ
أَقولُ لِمِصرَ وَمِصرُ الحَياةُ / حَياةُ الغَدِ الدائِمِ المُتَّصِلْ
لَقَد جَدَّ شَعبُكِ في شَأنِهِ / فَما يَتَوانى وَما يَتَّكِلْ
قَضى اللَهُ رَبُّكِ أَن تَخلَعي / قُيودَ الهَوانِ وَأَن يَستَقِلْ
تَغَلغَلَ في القَلبِ حَتّى وَقَرْ
تَغَلغَلَ في القَلبِ حَتّى وَقَرْ / وَأَشرَقَ في العَينِ حَتّى بَهَرْ
حَديثٌ شَفى النَفسَ مِن دائِها / وَأَطفَأَ مِن وَجدِها المُستَعِرْ
فَقُل لِبَني مِصرَ جَدَّ الثِقاتُ / فَسُدّوا المَسامِعَ عَمَّن هَذَرْ
أَلا إِنَّهُ لَحَديثُ المُلوكِ / فَنِعمَ الحَديثُ وَنِعمَ الخَبَرْ
أَذاعوهُ ثانِيَةً فَاِنبَرى / يَروحُ بِهِ البَرقُ أَو يَبتَكِرْ
أَبانَ لِملنرَ مَعنى الشَبابِ / لِشَعبٍ يَراهُ صَريعَ الكِبَرْ
لَقَد أَخَذَ الشَكُّ بَعضَ النُفوسِ / فَرابَ السَبيلُ وَزاعَ البَصَرْ
وَمِن نَكَدِ الدَهرِ أَن يَستَعينَ / بِكَيدِ العِظاتِ وَظُلمِ العِبَرْ
أَلَم يَأنِ لِلدَهرِ أَن يَزدَجِرْ / فَقَد أَتعَبَ الناسَ ما يَأتَمِرْ
رُوَيدَ الحَوادِثِ إِنّي اِمرُؤٌ / رَأَيتُ الأَعاجيبَ شَتّى الصُوَرْ
وَأَعجَبُها أُمَّةٌ تَشتَكي / خُطوبَ الزَمانِ وَفيها عُمَرْ
فَتى الهِمَمِ الناهِضاتِ الكِبارِ / وَمَولى الفِعالِ الحِسانِ الغُرَرْ
يَصونُ الذِمارَ وَيَأَبى القَرارَ / إِذا عَصَفَ الحادِثُ المُكفَهِرّْ
عَرَفناهُ أَكبَرَنا مَوقِفاً / وَأَصدَقَنا نَجدَةً في الغِيَرْ
إِذا اِنتَظَرَ القَومُ في النازِلاتِ / تَوَثَّبَ أَروَعَ ما يَنتَظِرْ
يُبادِرُها غَيرَ ذي رَعدَةٍ / إِذا اِستَوهَلَ الراجِفُ المُقشَعِرّْ
وَما جُعِلَت عَفَواتُ الثَنا / ءِ إِلّا لِذي الجُرأَةِ المُبتَدِرْ
نُؤَمِّلُهُ عِصمَةً لِلنُفوسِ / فَنِعمَ المُؤَمَّلُ وَالمُعتَصَرْ
وَنَرمي بِهِ حادِثاتِ الزَمانِ / إِذا ما رَمَتنا بِأَمرٍ نُكُرْ
لَهُ دَعوَةُ الخَيرِ تَجلو العَمى / وَتَهدي السَبيلَ وَتَنفي الغَرَرْ
تَدارَكَهُ فَاِستَوى مِن عَلٍ / وَأَرسى قَواعِدَهُ فَاِستَقَرْ
إِذا زَلزَلَ اليَأسُ صَرحَ الرَجاءِ / وَمالَ بِأَركانِهِ وَالجُدُرْ
يَعُدُّ مِنَ النَفَرِ الكابِرينَ / جَلالَ العُروشِ وَزَينَ السُرُرْ
حُماةُ البِلادِ إِذا اِستَصرَخَت / تُريدُ النَجاءَ وَتَبغي المَفَرّْ
وَأَقمارُها حينَ يُخفي الظَلامُ / ضِياءَ النُجومِ وَنورَ القَمَرْ
إِذا سَطَعوا في دَياجي الخُطوبِ / جَرى النورُ مِن حَولِهِم يَنتَشِرْ
وَإِن سَلَكوا خُطَّةً أَقبَلَت / تَسيرُ الجُموعُ وَتَمشي الزُمَرْ
لَهُم بَينَنا الغُرَرُ السابِقاتُ / مِنَ المَجدِ وَالباقِياتُ الأُخَرْ
وَما مِصرُ إِلّا رَجاءُ الجَميعِ / فَإِن ذَهَبَت ذَهَبوا في الأَثَرْ
أَمانَةُ آبائِنا الأَوَّلينَ / وَإِرثُ البَنينَ وَذُخرُ العُصُرْ
فَقُل لِلمُساوِمِ في عِرضِها / مَكانَكَ إِنّا رِجالٌ غُيُرْ
نَرُدُّ الهَضيمَةَ نُرمى بِها / وَنَصدُفُ عَن تُرَّهاتِ النُذُرْ
وَنَعلَمُ أَنّا عَلى واضِحٍ / مِنَ الحَقِّ يَعرِفُهُ ذو النَظَرْ
أَفي الحَقِّ أَنّا نَخونُ البَنينَ / وَنُغضِبُ آباءَنا في الحُفَرْ
يُخَوِّفُنا مَعشَرُ الموعِدينَ / وَلا خَوفَ مِمّا يَجُرُّ القَدَرْ
سِوانا يَجُرُّ قِيادَ الذَليلِ / وَيَنزِلُ مَنزِلَةَ المُحتَقَرْ
أَيُقضى عَلَينا قَضاءَ العَبيدِ / وَنُؤخَذُ بِالخَسفِ أَخذَ الحُمُرْ
فَلا وَأَبيكَ نُقِرُّ الأَذى / وَنَرضى الهَوانَ وَنَلقى الضَرَرْ
رَدَدنا عَلى القَومِ أَحكامَهِم / وَإِن أَصبَحَت شِرعَةً لِلبَشَرْ
فَلا الأَمرُ لِلقادِرِ المُستَبِدِّ / وَلا الحَقُّ لِلغالِبِ المُنتَصِرْ
إلى المجد إنّا بنوه الكرامْ
إلى المجد إنّا بنوه الكرامْ / إلى المجد إنّا هُداةُ الأُمَمْ
ندينُ مدى الدّهر بين الأنامْ / بدين المعالي ودنيا الهِمَمْ
أوائلُنا زلزلوا الراسياتْ / أنرقدُ نحن مع الرّاقدينْ
بِسرِّ الوجودِ ومعنى الحياةْ / تَنزّلَ فينا الكتابُ المبينْ
أهاب الحمى بِحُماةِ الذّمارْ / فأين اللّواءُ وأين البطلْ
شبابَ البلادِ البِدارَ البِدارْ / فإنّ الحياةَ حياةُ العملْ
إلى المجد ما من سَبيلٍ سِواهْ / فنعم السَّبيلُ سبيل الفلاحْ
سلوا كلّ ذي مأربٍ هل قَضاهْ / بغير الجهادِ وطولِ الكفاحْ
هو الجِدُّ لا عُذْرَ للهازلين
هو الجِدُّ لا عُذْرَ للهازلين / ولا حقَّ إن غَلَب الباطلُ
ولا خيرَ في العيش إن لم يَفُزْ / على الجاهلِ الكيِّسُ العاقلُ
حياةُ البلادِ بِنُوَّابِها / وآفتُها النّائبُ الجاهلُ
تهزّ الزلازلُ أقطارها / وَمقْعَدُهُ نائمٌ غافلُ
إذا جَدَّ أمرٌ تولَّى به / من الهزل شُغلٌ له شاغلُ
جبانُ اللّسانِ جبانُ الجَنان / على أنّه البطلُ الباسلُ
خُذوا الأمرَ يا قومُ أَخْذَ الرجال / فهذا هو الموقفُ الفاصلُ
دَعوا جانباً نَزَعاتِ الهوى / فما في اتّباعِ الهوى طائلُ
أَعن حقِّ مصرَ ودستورِها / ننامُ وقد نشط الواغل
أيبقى الفسادُ فلا حاجزٌ / يهدُّ قُواهُ ولا حائلُ
أَلا فاهدموا النفَر الأرذلين / فخيركم الهادمُ الخاذلُ
بناهم لحاجته مُفسِدٌ / له مأربٌ سيّئٌ سافلُ
تردَّى به الغَيُّ إذ قدّسوه / وطاح به الخَبلُ الخابلُ
بَلَتْهُ المقاديرُ تلهو بهِ / وجرَّبَهُ الزَّمنُ الهازلُ
فلا رأيُه راجحٌ حازمٌ / ولا حُكمُه صالحٌ عادلُ
عَرَفناهُ يركبُ أهواءَه / ويركبُه الجاهلُ العاطلُ
يُريد فيذهبُ مِلءَ الفجاج / كما يذهبُ الجامح الجافلُ
ويُومِي فيهوي هُوِيَّ الفراش / تخطّفَهُ القدر النّازلُ
لئن بات يبكي بُكاءَ النّساء / لقد هاجه عهدُه الزّائلُ
وإن أكلَتْه عوادي الذّئاب / ففي عِرضِه وَقعَ الآكلُ
يقول الغواةُ إذا ابتاعهم / فيفضحه منهمُ القائلُ
أنحن قتلنا الرئيسَ الجليلَ / غداةَ هوى نجمُه الآفلُ
لقد كذب القومُ كم من قتيل / سوى نفسِه ما له قاتلُ
جَمعنَ المشَارِقَ في المُؤتمرْ
جَمعنَ المشَارِقَ في المُؤتمرْ / فَقُلْ لِلمغاربِ أينَ المَفرْ
وقُمْنَ على الحَقِّ يَنْصُرْنَهُ / وقَامتْ وَراءَ الدُّروعِ الأُزُرْ
هو الظُّلمُ هَيَّجَ كلّ القُوَى / فما تستكنُّ وما تَسْتَقِرْ
أَثارَ الكِرامَ فمن مُستطيرٍ / يُوالي المغارَ ومن مُبْتَدِرْ
وَراعَ الكرائِمَ فَاسْتَلَّها / وأَطلقَها مِن وَراءِ السُّتُرْ
تَوافَيْنَ شَتَّى يُجاهِدْنَهُ / ويُطفِئْنَ مِن شَرِّهِ المُستَعِرْ
وَجِئْنَ يُغِرْنَ على عينهِ / وَينفذنَ مِن نابِهِ والظُّفُرْ
فَيا لَكَ مِن نَمِرٍ فَاتكٍ / ويا لِلّواتي يَصِدْنَ النُّمُرْ
أخذنَ السّهام فَسدَّدْنها / بأيدٍ ترفّ رفيف الزَّهَرْ
لِطافِ الأنامِل بيض البنان / تذيب الحديد وتفري الحجرْ
تميل زلازلها بالجبال / وتمضي نوافذها في السُّرُرْ
فلسطينُ خطبُكِ غُول الخطوبِ / وذُعر الزّمانِ ورعبُ القَدَرْ
تنام البراكينُ عن همَّها / وما نام بركانُك المُسْتَعِرْ
مَعارِضُ لِلظُّلم قَامَتْ بِها / أعاجيبُ مُختلفاتُ الصُّوَرْ
تَصُبُّ الحضارةُ أَهوالَها / بأَيدِي الأُلىِ هُم هُداةُ البَشَرْ
يقولون إنّا حُماةُ الضَّعيف / أجل إنّهم لَحُماةُ الهَذَرْ
بَراءٌ من الجِدِّ لا ينطقون / على الهزلِ إلا بسوءٍ وشَرّ
لهم قُدرةٌ يَا لها قُدرةً / تُضِلُّ العُقولَ وتُعيِي الفِكَرْ
فمن نمطٍ لِلأَذَى رَائِعٍ / إلى نَمطٍ غيرِه مُبْتكَرْ
إذا فَرِغُوا من فُنونٍ خَلَتْ / أَتوا بعدها بِفُنونٍ أُخَرْ
هُمُ القومُ ما مِثلهم أُمّةً / تُرَجَّى على الدَّهَرِ أو تُنْتَظَرْ
جبابرةٌ يأكلونَ الشُّعوبَ / وَيُمسونَ مِن سَغبٍ في سُعُرْ
لهم في الشَّرقِ أُنشُودَةٌ / يُغَرُّ بباطلها مَن يُغَرّ
لئن أوجعتنا عَوادِي الخُطوب / لقد عَلّمتْنا غَوالي العِبَرْ
كَفانا مِن الدّهر ما ثَقَّفتْ / تعاليمُ أحداثهِ والغِيَرْ
ألا نجدةٌ تدرك الهالكين / ألا نفحةٌ من حنانٍ وبرّ
نسرُّ ونلهو ومن قومنا / نُفوسٌ مُرزَّأةٌ مَا تُسَرّ
كأنا نُقيمُ وراءَ الزمان / فما من حديثٍ ولا من خبرْ
كأنّ الحياة كلامٌ يقال / وأحدوثةٌ من فُضولِ السَّمَرْ
كأنّ فلسطينَ لم تَنتَفِضْ / لفرط البلاءِ ولم تَستَجِرْ
أَبيْنا فلم نَرْعَ عهد الجوار / ولم نَقْضِ حقَّ الأباةِ الغُيُرْ
يُحامون عن عرضنا بالسُّيوف / ونخذلهم تلك أُمُّ الكُبَرْ

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025