القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : ابنُ دَرّاج القَسْطَلّي الكل
المجموع : 22
زَمَانٌ جَدِيدٌ وَصُنعٌ جديدُ
زَمَانٌ جَدِيدٌ وَصُنعٌ جديدُ / ودنيا تَرْوقُ وَنُعْمى تَزِيدُ
وغيثٌ يَصُوبُ وعيشٌ يِطيبُ / وَعِزٌّ يدومُ وعِيدٌ يعودُ
ومُلْكٌ يُنِيرُ بِعَبْدِ المليكِ / كَشَمْسِ الضُّحى سَاعَدَتْهَا السُّعُودُ
وَنَصْرٌ كَمَا تَتَمَنَّى الأَمَانِي / وَمَوْلَىً كَمَا يتمنّى العبيدُ
حَيَاءٌ وَحِلمٌ وفضلٌ وعدلٌ / وعَطْفٌ وَعَفْوٌ وبأسٌ وجُودُ
إِذا سِيلَ كاد يذوبُ ارتياحاً / وإِنْ صالَ كادَ يذوبُ الحديدُ
فيا خير من وَلَدَتْهُ الملوكُ / وأَكرَمَ من نَصَرَتْهُ الجنودُ
وأَشجعَ من حملته الخيولُ / وأَهيَبَ من رَهِبَتْهُ الأُسودُ
وأَصمدَ من جَرَّبَتْهُ السيوفُ / وأَجملَ من ظَلَّلَتْهُ البُنُودُ
ومَنْ هو للمُلْكِ سورٌ منيعٌ / ومن هو للدينِ ركنٌ مَشِيدُ
تقبَّلْ هدِيَّةَ عبدٍ حَدَاها / لسانٌ شَكورٌ وقلبٌ وَدُودُ
جواهِرَ من نظمِ حُرِّ الثناءِ / تبيدُ اللَّيالي وَمَا إِنْ تبيدُ
دُعيتَ فَأَصْغِ لِداعي الطَّرَبْ
دُعيتَ فَأَصْغِ لِداعي الطَّرَبْ / وطاب لَكَ الدهرُ فاشْرَبْ وَطِبْ
وهذا بَشيرُ الربيع الجديد / يُبَشِّرُنَا أَنَّهُ قَدْ قَرُبْ
بَهَارٌ يَروقُ بِمِسْكٍ ذَكِيٍّ / وصُنعٍ بَديعٍ وخَلْقٍ عَجَبْ
غصونُ الزَّبَرْجَدِ قَدْ أَوْرَقَتْ / لَنَا فِضَّةً نَوَّرَتْ بالذَّهَبْ
إذا جُمِعَتْ فِي جِبالِ الحَرِيرِ / وقَامَتْ أَمامك مِثلَ اللُّعَبْ
فَمِنْ حَقِّها أَنْ تَرى الشَّارِبينَ / وَقَدْ نَفَّقَتْ سُوقُهُمْ بالنُّخَّبْ
وأَنْ تَسْألوا اللهَ طُولَ البَقَاءِ / لِعَبْدِ المَلِيكِ مَليكِ العَرَبْ
فلولا مَحاسِنُهُ لَمْ تَرُقْ / ولولا شمائِلُهُ لَمْ تَطِبْ
غدا غَيْرَ مُسْعِدِنا ثُمَّ رَاحَا
غدا غَيْرَ مُسْعِدِنا ثُمَّ رَاحَا / يُسَاعِدُنَا طَرَباً وارْتِياحا
وخُيِّرَ فاختارَ دِينَ الغَبُوقِ / ولَجَّ فليسَ يَرى الإِصْطِباحا
فإِنْ آنَسَ الصُّبحَ نامَ وشَحَّ / وإِنْ آنَسَ الليلَ نَمَّ وفاحا
كما خَيَّرَ اللهُ عَبْدَ المَلِي / كِ فاخْتارَ فِي رَاحَتَيْهِ السَّمَاحا
وفي صَهَوَاتِ الخُيُولِ الرِّجَالَ / ومِنْ أدوَاتِ الرِّجَالِ السِّلاحا
فَعَمَّ القريبَ نَدىً والبَعيدَ / ورَوَّى السُّيوفَ دَماً والرِّماحا
ونَيْلُوفَرٍ قَمِنٍ بالذُّبُولِ
ونَيْلُوفَرٍ قَمِنٍ بالذُّبُولِ / يَرُوقُ فيذبلُ عَمَّا قليلِ
يلاقي الصَّباحَ بيمنى جَوَادٍ / ويُخْفِي الظَّلاَمَ بيمنى بخيلِ
يُبيحُ الضُّحى مَا حَوى من نسيمٍ / ويمنعُهُ عند وقتِ الأُفُولِ
أَلَمْ يَرَ عبدَ المليكِ المليكَ / مجيبَ الرَّجاءِ ومُعْطِي الجَزيلِ
لو ازدادَتِ الأرضُ عَرْضاً بَعَرْضٍ / ولو وصل الدهرُ طولاً بطولِ
لما زال يُوسِعُ هَذَا وتلكَ / بفعلٍ كَريم وذكرٍ جميلِ
لَعَلَّكِ يَا شمسُ عند الأصيلِ
لَعَلَّكِ يَا شمسُ عند الأصيلِ / شَجِيتِ لِشَجْوِ الغرِيبِ الذَّليلِ
فكونِي شَفيعي إِلَى ابْنِ الشَّفِيعِ / وكُونِي رَسُولِي إِلَى ابن الرَّسُولِ
فإمَّا شَهِدْتِ فأَزْكى شَهيدٍ / وإِمَّا دَلَلْتِ فأَهدى دَليلِ
عَلَى سابِقٍ فِي قُيودِ الخُطُوبِ / ونجمِ سَناً فِي غُثاءِ السُّيولِ
يُنادِي النَّدى لِسقامِ الضَّياعِ / ويشكو إِلَى المُلْكِ داءَ الخُمُولِ
وعزَّ عَلَى العِلْمِ مَثوَاهُ أَرْضاً / عَلَى حُكمِ دَهْرٍ ظَلومٍ جَهولِ
ويَعجَبُ كَيْفَ دنا من عَليٍّ / وَلَمْ تنفصِمْ حَلَقاتُ الكُبولِ
وكَيْفَ تَنَسَّمَ آلَ النَّبيِّ / وأَبْطأَ عنهُ شِفاءُ الغَليلِ
وأَطودُ عِزّهِمُ مائِلاتٌ / لَهُ وَهْوَ يَرْنو بطَرفٍ كَليلِ
وأَبحُرُهُمْ زاخراتٌ إِلَيْهِ / ويَرْشُفُ فِي الثَّمَدِ المُسْتحيلِ
وَقَدْ آذَنُوهُ الخصِيبَ المَريعَ / ومَرْتَعُهُ فِي الوَخيم الوَبيلِ
تَجزَّأَ من جَنَّتَيْ مأْرَبٍ / بِخَمْطٍ وأَثْلٍ وسِدْرٍ قليلِ
غَريبٌ وكم غَرَّبَتْ رَاحَتا / هُ فِي الأَرْضِ من وَجْهِ بكْرٍ بَتُولِ
مُكَرَّمَةٍ مَا نَأَتْ عَنْ بلادٍ / ولا قَرُبَتْ من شَبيهٍ مَثيلِ
تُضيءُ لَهَا مُظلِمَاتُ النُّفُوسِ / وتُروى بِهَا ظامِئاتُ العُقُولِ
وتطلُعُ فِي زاهراتِ النُّجومِ / ومُطلِعُها جانِحٌ لِلأُفُولِ
شَريدُ السُّيوفِ وفَلُّ الحُتوفِ / يَكيدُ بأَفْلاذِ قَلبٍ مَهولِ
تهاوَتْ بِهِمْ مُصعِقاتُ الرَّوَاعِ / دِ فِي مُدْجِناتِ الضحى والأَصيلِ
بوارِقُ ظَلْمَاءِ ظُلْمٍ تُبيحُ / دُمىً مِنْ حِمىً أَوْ دماً من قَتيلِ
فأذْهَلَ مُرْضِعةً عَنْ رَضيعٍ / وأَنسى الحَمائمَ ذِكْرَ الهَديلِ
وشَطَّ الصَّريخُ عَلَى ذي الصُّراخ / وفاتَ المُعَوَّلُ ذاتَ العَويلِ
فما تهتَدي العَيْنُ فِيهَا سَبيلاً / سِوى سَبَلِ العَبَراتِ الهُمُولِ
ولا يَعْرِفُ المَوْتُ فِيهَا طَريقاً / إِلَى النَّفْسِ إِلّا بعَضبٍ صَقيلِ
رَكِبتُ لَهَا مَحْمَلاً للنَّجَاةِ / وصيَّرْتُ قصدَكَ فِيهِ عَديلي
فَرَدَّتْ عَلَى عَقِبَيها المَنونُ / بِواقٍ مُجيرٍ ورأْيٍ أَصِيلِ
وَقَدْ سُمْتُها بِنفيسِ التِّلادِ / عَلَى أَنْفُسٍ ضائِعَاتِ الذُّحُولِ
فَهِلتُ اليسارَ بيُسرى جَوادٍ / وحُطْتُ الذِّمَارَ بيُمْنى بَخيلِ
نُفُوساً حَنَتْ قَوسُ عَطفي عليها / فَكُنَّ سِهامَ قِسِيِّ الخُمُولِ
ومِنْ دوننا آنِساتُ الدِّيارِ / نِهابَ الحِمى مُوحِشاتِ الطُّلُولِ
يُهَيِّجُ فِيهَا زَفيرُ الرِّياحِ / مدامِعَ شَجوِ السَّحابِ المُخيلِ
وتلطِمُ فِيهَا أَكُفُّ البُرُوقِ / خُدُودَ عِرَاصٍ علينا ثُكُولِ
تظلَّمُ من هاطِلاتِ الغَمامِ / وتَشكو مِنَ الريحِ جَرَّ الذُّيولِ
مغاني السُّرور لَبِسنَ الحِدَادَ / عَلَى لابسَاتِ ثِيابِ الذُّهولِ
خطيباتِ خَطبِ النَّوى والمُهورِ / مَهارى عليها رِحالُ الرَّحيلِ
فَمِنْ حُرَّةٍ جُلِيتْ بِالجلاءِ / وعَذْرَاءَ نُصَّتْ بنصِّ الذَّميلِ
ولا حَلْيَ إِلّا جُمانُ الدُّموعِ / يَسيلُ عَلَى كُلِّ خَدٍّ أَسِيلِ
فَبُدِّلْنَ مِنْ بَعدِ خفضِ النَّعيم / بشَقِّ الحُزُونِ وَوعْثِ السُّهولِ
ومِنْ قِصَر اللَّيلِ تَحْتَ الحِجال / بِهَوْلِ السُّرى تَحْتَ ليلٍ طويلِ
وَمِنْ عَلَلِ الماءِ تَحْتَ الظِّلالِ / صِلاءَ القُلوبِ بحَرِّ الغليلِ
ومن طيب نفحٍ بنَوْر الرِّياضِ / تَلظِّيَ لفحٍ بنار المَقيلِ
ومن أُنسِها بَيْنَ ظِئْرٍ وتِربٍ / سُرى لَيْلها بَيْنَ ذيبٍ وغوْلِ
ومن كُلِّ مَرْأَىً مُحيَّا جَميلٍ / تَلقِّي الخُطُوبِ بصبْرٍ جميلِ
لَعَلَّ عواقِبَهُ أَنْ تَتِمَّ / فَيُهدى الغريبُ سَواءَ السَّبِيلِ
إِلي الهاشِميّ إِلَى الطَّالِبيِّ / إِلَى الفاطِميِّ العَطُوفِ الوَصُولِ
إِلَى ابنِ الوَصِيِّ إِلَى ابن النَّبيِّ / إِلَى ابن الذَّبيح إِلَى ابن الخَليلِ
إِلَى المُستجَار من المُستَجيرِ / إِلَى المُستَقَال مِنَ المُستَقِيلِ
إِلَى المُستضاف المَلِيكِ العزيزِ / من المُسْتَضيفِ الغريب الذليلِ
سلامٌ وأَنتَ ابنُ بَدْءِ السَّلا / مِ منْ ضيفِهِ المكرَمِينَ الدُّخولِ
غَدَاةَ يُضيِّفُ أَهْلَ السَّماءِ / إِلَى منزِلٍ آلفٍ للنَّزيلِ
فَرَدَّ سَلامَ حَليمٍ مُنيبٍ / وجاءَ بعِجْل كريمٍ عَجولِ
وأَعطانُهُ مَأْلفٌ للضُّيوفِ / ومَوْطِنُ ذي عَيْلَةٍ أَوْ مُعيلِ
شرائِعُ خَلَّدَها فِي الأَنَا / مِ من كُلِّ أَرْضٍ وَفِي كلِّ جيلِ
وَمَا زَالَ من آلِهِ حافِظٌ / معالِمَها حِفظَ بَرٍّ وَصُولِ
بأنفُسِ مَجدٍ سِرَاعٍ إليها / وأَيدٍ عليها شُهودٍ عُدُولِ
فسُمِّيَ جدُّكَ عَمْرَو الكِرام / بهَشمِ الثريد زَمانَ المُحُولِ
و شَيْبَةُ ساقي الحَجيجي الكَفيل / بمأوى الغريب وقوت الخليلِ
وضيَّفَ حَتَّى وحوش الفَلاةِ / وأَهْدى القِرى لهِضَاب الوُعُولِ
وإِنَّ أَبا طالِبٍ للضُّيوفِ / لأَطْلَبُ من ضَيفِهِ للحُلولِ
ولا مِثلَ والِدِكَ المُصطَفى / لِرَكْبٍ وُفودٍ وَحَيٍّ حُلُولِ
يبادِرُهُمْ بابْتِناءِ القِبابِ / ويُكرِمُهُمْ بدُنُوِّ النُّزُولِ
ويَخْلَعُ عن مَنكِبَيهِ الرِّدَاءَ / سُروراً وفَرْشاً لضَيفِ القُيولِ
يروحُ عَلَيْهِم بغُرِّ الجِفانِ / ويغدو لهم بالغَريضِ النَّشيلِ
قِرىً عاجِلاً يقتَضي شربهُ / من الكَوْثَرِ العَذْبِ والسَّلْسَبيلِ
فأَنتُمْ هُدَاةُ حياةٍ ومَوْتٍ / وأَنْتُمْ أَئِمَّةُ فِعلٍ وقيلِ
وساداتُ من حَلَّ جَنَّاتِ عَدْنٍ / جميع شبابهِمُ والكُهُولِ
وَأَنْتُمْ خلائِفُ دُنيا ودينٍ / بحُكْم الكِتابِ وحُكْم العُقولِ
ووالِدكُم خاتَم الأَنبياءِ / لكُم منه مجدُ حَفِيٍّ كَفيلِ
تَلَذُّ بحَمْلِكُمُ عاتِقاهُ / عَلَى حَمْلِهِ كُلَّ عِبءٍ ثقيلِ
ورحْبٌ عَلَى ضَمِّكُمْ صَدْرُهُ / إِذَا ضاقَ صَدْرُ أَبٍ عن سَليلِ
ويطرُقُهُ الوحيُ وَهنَاً وأَنتُم / ضَجيعَاهُ بَيْنَ يَدَيْ جِبرَئيلِ
وَزَوَّدَكُم كُلَّ هَدْيٍ زَكِيٍّ / وأَوْدَعَكمْ كُلَّ رَأْيٍ أَصِيلِ
سلامٌ وهُنِّيتُ فيك السَّلامَهْ
سلامٌ وهُنِّيتُ فيك السَّلامَهْ / وعُمْراً أُهنِّي الليالي دَوَامَهْ
ومَقدِمُ يومٍ تجَلَّيتَ فِيهِ / كريماً تحلَّى بتاجِ الكرامَهْ
كما رُفعت مُظْلِماتُ العيون / إِلَى قَمَرٍ طالع فِي غمامَهْ
وَمُلِّيتَ مُلك الرِّضى من مليكٍ / إِذَا سَلَّ رأْيَكَ أَمْضى حُسامَهْ
مُفيقَ سهامٍ تُباري القضاءَ / وقَائدَ خيل تُباري سهامَهْ
إِلَى غزْوَةٍ مَا عدا أَن أطاع / بِهَا رَبَّهُ ثُمَّ أَرْضى إِمَامَهْ
تَسَرْبَلَ بأْساً يكادُ الحمامُ / إِذَا صالَ يَرْهَبُ فِيهِ حمامَهْ
فلا نسِيَ اللهُ والمُسلِمو / نَ والملكُ والدينُ فِيهَا مَقَامَهْ
وَقَدْ هاج مُصعبَ هيجَائِها / برَيبِ المَنونِ وأَحْمى خطامَهْ
فأَيمِنْ بيُمناكَ موصولَةً / بكفٍّ تعالتْ فجَبَّتْ سَنامَهْ
وزيراً تحمَّلَ أَعباءَ مُلكٍ / كَمَا نِيط بالسَّيفِ أَذيالُ لامَهْ
ولله سعيُكَ فِي الله يوماً / تقنَّعَتِ الشمسُ منه غمامَهْ
تُفَلِّلُ خَدّاً تعالتْ ذُراهُ / وتُطفئُ جمراً يَشُبُّ اضطرامَهْ
بما أنبت الخَطُّ إِلَّا شَباهُ / وَمَا يُنبِتُ الخَطُّ حَتَّى نظامَهْ
سناناً سَنَنتَ له المأثُراتِ / وثقَّفهُ العدلُ حتى أقامَهْ
فأُوقِدَ في كلِّ نجدٍ سَناهُ / وأهدى إلى كُلِّ أمتٍ قوامَهْ
وأتبعَهُ قلمٌ ما ينالُ / مُساجِلُهُ في مداه قُلامَهْ
فصيحُ الشَبا ما استمَدَّ الرِضاعَ / وَأَعجمُ ساعةَ تنوي فِطامَهْ
يُريكَ ظلامَ الدجى مُشرِقاً / إذا مجَّ في وجهِ صبحٍ ظلامَهْ
وإن أمطرَ المسكَ كافورَ أرضٍ / فقد فَضَّ عن كلِّ طيبٍ ختامَهْ
تجهَّزَ للخطبِ فصلُ الخطابِ / فملَّكَ أيدي الأماني زمامَهْ
ووُشِّجَ للسَلمِ منكَ السُلامى / فأهدى له كلُّ أفقٍ سلامَهْ
وقلَّدتَهُ سيفَ رأيٍ وحزمٍ / يضيءُ الظلامَ ويأبى الظُلامَهْ
سلاحاً قتلتَ بهنَّ الحقودَ / وخيلاً غَنمتَ بهِنَّ السَلامَهْ
فَرُبَّ تلاقٍ أباحَت حماهُ / ورُبَّ اعتناقٍ أحلَّت حرامَهْ
وليسَ بأوَّلِ شعبٍ رأبتَ / ولا صدع شَملٍ ضَمِنتَ التِئامَهْ
فما دَويَ الثغرُ إلا بَعثتَ / إليهِ شمائلَ تشفي سقامَهْ
ولا ظَمئَ الدهرُ إلا سَكبتَ / عليه سحائبَ تروي أوامَهْ
ذكاءُ زكا فاحتبى ثوب حِلمٍ / كما احتَبَتِ الماءَ نارُ المدامَهْ
وآدابُ علمٍ تحلَّت بهَديٍ / كهادي الجوادِ تحلّى لجامَهْ
كأنَّ العُلا خُيِّرَت في الوُلاةِ / وأعطيَ سلطانُهُنَّ احتكامَهْ
فأعطاكَ حُرُّ الخطابِ المقادَ / وولّاك درُّ المقالِ انتظامَهْ
فلو غِبتَ يوم استباقِ الكرامِ / لوافاك ذو السبقِ منها أمامَهْ
وكَيفَ وما ضاع حقٌّ لحُرٍّ / تُراعي حماهُ وترعى سوامَهْ
وكيفَ يُقَصِّرُ عن غايةٍ / فتىً شدَّ طفلاً إليها حِزامَهْ
وعندكَ أُبلغَ ساعٍ مداهُ / وعندَكَ أدركَ جفنٌ منامَهْ
وكم من يدٍ حُرَّةٍ عندَ حُرٍّ / تُطَوِّقُها منكَ طوقَ الحمامَهْ
وأنتَ غفرتَ ذنوبَ الزمانِ / إليّ وكفَّرتَ عندي أثامَهْ
فإن ذكَّرتني ليالي المُقامِ / لديكَ نعيماً بدارِ المقامَهْ
فكم لُجِّ بحرٍ وضحضاحِ قفرٍ / تمثَّلَ لي فيه هولُ القيامَهْ
لياليَ أُمسي صدى قفرَةٍ / أجولُ الفلا بينَ غولٍ وهامَهْ
مُعنّىً بأفلاذِ قلبٍ حوامٍ / تُباري إلى كلّ ماءٍ سمامَهْ
وكلُّهُمُ نَمِرِيٌّ وإنّي / لكُلٍّ هنالكَ كعبُ بنُ مامَهْ
وأعذَرَ مُبلِغُهُم حيثُ ألقَوا / عَصِيَّ النوى ورحالَ السآمَهْ
وأُنسوا ببَحرِكَ مَوجَ البحارِ / ومَيدَ السفين بها وارتِطامَهْ
وظِلُّكَ أنساهمُ ليلَ همٍّ / يُقاسونَ في ليل يمٍّ غرامَهْ
ونُورُكَ أَنساهُمُ آلَ قَفْرٍ / وَحَرَّ الهجيرِ بِهَا واحتِدَامَهْ
ووعدُكَ بالفضلِ أَنساهُمُ / وَعيدَ الرَّدى حَيْثُ حلُّوا خِيامَهْ
وَلَيْسَ عَلَى زمنٍ قادني / إِليكَ وإِن شَفَّ نفسي مَلامَهْ
وأَنتَ كَسَوْتَ نجومي سَناها / فلاحتْ وأَمْطَرْتَ روضي غمامَهْ
وأَدْنَيْتَ من مَدّ كفِّي جَناها / وَقَرَّبْتَ من مرِّ سَهمي مَرامَهْ
وَأَنتَ أَسَوْتَ عَلَى حُرِّ وَجْهي / جِراحَ أَكُفٍّ أَضَاعَتْ ذِمامَهْ
فإِنْ يَصدُقِ الجَدُّ صِدْقَ الوَفا / ءِ منكَ فقد نالَ بدرٌ تمامَهْ
وأَرْطَبَ زَهْوُ الأَماني فجاءَتْ / مُباكرَةُ الحَمدِ تبغِي صِرَامَهْ
وَصِدْقُ الوفاءِ بصدْقِ الرَّجاءِ / فَهَلْ يَنظُرُ الدَّهرُ إِلّا تمامَهْ
بَقاءُ الخلائقِ رَهْنُ الفَناءِ
بَقاءُ الخلائقِ رَهْنُ الفَناءِ / وقَصْرُ التَّدانِي وَشيكُ التَّنائي
لقد حَلَّ مَنْ يَومُهُ لاقترابٍ / وَقَدْ حان مَنْ عُمْرُه لانتِهاءِ
هلِ المُلكُ يَملِكُ ريبَ المَنونِ / أَمِ العِزُّ يَصْرِفُ صَرْفَ القضاءِ
هُوَ الْمَوْتُ يصدَعُ شَمْلَ الجميع / وَيَكسو الرُّبوعَ ثيابَ العفاءِ
يَبزُّ الحياةَ ببطشٍ شديدٍ / ويَلقى النفوسَ بدَاءٍ عياءِ
أَلَمْ تَرَ كَيْفَ استَباحَتْ يَداهُ / كَريم الملوكِ وَعِلْقَ السَّناءِ
وَوافى بسَيِّدَةِ السَّيِّدا / تِ مأْوى البِلى ومُناخ الفناءِ
هُوَ الرُّزْءُ أَلْوى بعزمِ القُلوبِ / مُصاباً وَأَوْدى بحُسنِ العزاءِ
فما فِي العويل لَهُ من كفِيءٍ / وَلا فِي الدُّموع لَهُ من شِفاءِ
فَهيهاتَ فِيهِ غَناءُ الزفيرِ / وَهيهاتَ مِنهُ انتصَارُ البُكاءِ
وأَنَّى يُدافَعُ سُقمٌ بسُقمٍ / وَكَيْفَ يُعالَجُ داءٌ بداءِ
فَتلكَ مآقي جُفونٍ رِواءٍ / مُفَجَّرَةٍ من قلوبٍ ظِماءِ
فلا صدرَ إِلّا حريقٌ بنارٍ / ولا جَفنَ إِلّا غَريقٌ بماءِ
فقَد كادَ يَصدَعُ صُمَّ السِّلامِ / وَيُضرِمُ نارَ الأَسى فِي الهواءِ
وَجِيبُ القلوبِ وشَقُّ الجُيوبِ / وشَجوُ النَّحيبِ ولَهْفُ النِّداءِ
فمن مُقلَةٍ شَرِقَتْ بالدُّمُوعِ / ومن وَجْنَةٍ شَرِقَتْ بالدِّماءِ
وسَافِرَةٍ من قِناعِ الحياءِ / ونابذةٍ صَبْرها بالعراءِ
وبيضٍ صَبَغْنَ بلَوْنِ الحِدا / دِ حُمْرَ البُنودِ وبيضَ المُلاءِ
نَواشِجَ فِي سابغاتِ المُسُوح / وضافي الشُّعورِ بلُبسٍ سَواءِ
أَنَجْماً هَوى فِي سماءِ المعالي / لتبكِ عَلَيْكِ نُجومُ السَّماءِ
فحاشى لِرُزْئِكَ أَن يَقْتَضيهِ / عويلُ الرِّجَالِ ولَدْمُ النِّساءِ
لِبيضِ أَيادِيكِ فِي الصَّالِحاتِ / تمسَّكَ وجهُ الضُّحى بالضِّياءِ
وقلَّ لفقدِكِ أَن يَحْتَبِي / عَلَيْهِ الصَّباحُ بثوبِ المساءِ
فيا أَسَف المُلكِ من ذاتِ عِزٍّ / تعوَّض منها بعزِّ العَزاءِ
وروْحِ القبورِ لمجدٍ مُقيم / وتَرْح القصورِ لربعٍ خَلاءِ
ولو قَبِلَ الموْتُ منها الفِدَاءَ / لضاقَ الأنامُ لَهَا عن فداءِ
لئِنْ حُجِبَتْ تحتَ رَدْمِ اللُّحُودِ / وَمِنْ قَبلُ فِي شُرُفاتِ العَلاءِ
فتلك مآثِرُها فِي التُّقى / وبذْلِ اللُّهى مَا لَهَا من خَفاءِ
جزاكِ بأعمالكِ الزَّاكِيا / تِ خَيْرُ المُجازِينَ خَيْرَ الجزاءِ
ولُقِّيتِ فِي ضَنْكِ ذَاكَ الضَّريحِ / نسيمَ النعيم وطِيبَ الثَّواءِ
فيا رُبَّ زُلْفى لدى المشْرِقَيْ / نِ أَبْضَعْتِ فابْتَعْتِها بالعلاءِ
وعاري الجَناحَيْنِ نُبِّئتِ عَنهُ / فأَمسى وَقَدْ رِشْتِهِ بالعطاءِ
ودعْوةِ عانٍ بأَقصى الدُّروبِ / سمعتِ لوجهِ سميع الدُّعاءِ
وَذي حُبوَةٍ بفناءِ المَقامِ / سَنَحْتِ لَهُ بِسِجالِ الحِباءِ
فلِلَّهِ من طارِقٍ لليالي / رماكِ بيوْمٍ كيومِ البراءِ
فودَّعْتِ فِيهِ إِمامَ الهُدى / وَدَاعَ نوىً مَا لَهَا من لِقَاءِ
نَجيبكِ والمصطفى للخلافَ / ةِ من سَلَفَي خاتَمِ الأَنبياءِ
وما رَدَّ عنكِ سِهام الحِمامِ / بحرْزِ الجنابِ وعزِّ الفِناءِ
ودَهرٍ مُطيعٍ وسورٍ منيعٍ / وقصرٍ رفيعٍ مشيدِ البناءِ
وزَأْرِ الأُسودِ وخفقِ البنودِ / وجمع الحشودِ بملء الفضاءِ
بكلِّ كمِيٍّ جريء الجَنانِ / وكلِّ أَميرٍ منيفِ اللِّواءِ
وَوالٍ رعى اللهُ مَا قَدْ رَعاهُ / فأبلاهُ فِي الصُّنع خَيْرَ البلاءِ
تبلَّجَ عنه سنا يعرُبٍ / تبلُّجَ قَرْنِ الضَّحى عن ذُكاءِ
وهُزَّتْ مضاربُهُ عن حُسامٍ / وَفُرَّتْ نواجِذُهُ عن ذَكاءِ
فتىً قارضَ اللهَ عن نَفس حُرٍّ / بَراها لِتخْليدِ حُرِّ الثناءِ
وَأَقحَمَها مُخطراتِ الحُروبِ / وأَحْبَسَها فِي سبيل السَّواءِ
وجاهَدَ فِي اللهِ حقَّ الجهادِ / وأَغْنى عنِ المُلْكِ حقَّ الغَناءِ
وَشدَّ عَلَى الدين سورَ الأَمانِ / وَسدَّ عن الشِّركِ بابَ النَّجاءِ
وسيفٌ إِذَا لأَلأَتْهُ الحُرو / بُ طارَ العُداةُ بِهِ كالهباءِ
وَأَلْبَسَهُ النصرُ ثوبَ الجَلالِ / وتَوَجَّهَ الصبرُ تاجَ البهاءِ
فَلَوْ أفصحَ الدهرُ عمَّا يكِنُّ / لناداهُ يَا صَفْوَةَ الأَوْلِياءِ
هُو المَلِكُ العامِرِيُّ المُسمَّى / يَدَاهُ كفيلَيْ حياةِ الرَّجاءِ
عزاءٌ إِمامَ الهُدى فالنُّفو / سُ مَا إِنْ سِواكَ لَهَا مِن عَزاءِ
وَعُوِّضْتَ منها جزيلَ الثَّوابِ / وَمَدَّ لَكَ اللهُ طُولَ البقاءِ
بِفَتْحِ الفُتُوحِ وسَعْدِ السُّعُودِ
بِفَتْحِ الفُتُوحِ وسَعْدِ السُّعُودِ / وعِزِّ العزيزِ وحَمْدِ الحَمِيدِ
تَدَرَّعْتَ صَبْراً تَجَلَّى بِنَصْرٍ / وأَوْفَيْتَ شُكْراً وَفى بالمَزِيدِ
فَمِنْ يَوْمِ عِيدٍ إِلَى يَوْمِ فَتْحٍ / ومن يَوْمِ فَتْحٍ إِلَى يَوْمِ عِيدِ
وجُودٍ تَفَجَّرَ مِنْ نَارِ بَأْسٍ / وبَأْسٍ تَسَعَّرَ مِنْ بَحْرِ جُودِ
بِطَوْلٍ يُعِيدُ شَبابَ الكَبِيرِ / وهَوْلٍ يُشَيِّبُ رَأْسَ الوَلِيدِ
وسَعْيٍ يزيدُ مَدىً كُلّ يَوْمٍ / إِذَا لَمْ يَكُنْ فِي مَدىً من مَزِيدِ
فَلَوْ عَلِمَ البَدْرُ عَمَّ السَّماءَ / أَوِ البَحْرُ جَلَّلَ وَجْهَ الصَّعِيدِ
فَكَمْ صَبَّحَتْكَ بِفَتْحٍ قَرِيبٍ / سُرى لَيْلَةٍ ذَاتِ صُبْحٍ بَعِيدِ
وكَمْ حَمَلَتْ منكَ بَيْدَاءُ قَفْرٍ / إِلَى الكُفْرِ من يَوْمِ حَيْنٍ مُبِيدِ
بِكُلِّ كَمِيٍّ لأُمٍّ نَزُورٍ / ومن راحَتَيْكَ لأُمٍّ وَلُودِ
يُجيبُ إِلَيْكَ صَرِيخَ المُنادِي / بِأَنْزَعَ مِنْ قَلْب صَبٍّ عَمِيدِ
ويَلْقى وَجُوهَ الأَهاوِيلِ عَنْكَ / لِقاءَ هَوىً مَا لَهُ مِنْ صُدُودِ
إِذَا قَتلَ الحَزْنَ والسَّهْلَ وافى / نُفُوسَ العِدى من يَدَيْ مُسْتَقِيدِ
وكُلِّ جَوَادٍ نَمَتْهُ يَدَاكَ / فأَعْرَقَ فِي سَرْوِ بَأْسٍ وَجُودِ
رَعى بكَ كُلَّ حِمىً لَمْ يَرُعْهُ / صَرِيخُ المُنادِي بِهادٍ وَهِيدِ
تَضَمَّنَهُ خافِقات البُرُوقِ / تَلأْلأُ فِي مُصْعِقَاتِ الرُّعُودِ
وأَوْرَدْتَها كُلَّ ماءٍ حَماهُ / بَرِيقُ السُّيُوفِ وَزَأْرُ الأُسُودِ
سَرَيْتَ فَأَلْحَقْتَ لَيْلاً بِلَيْلٍ / وسِرْتَ فَوَصَّلْتَ بِيداً بِبِيدِ
كما قَدْ وَصَلْتَ حِبالَ الغَرِيبِ / وَقَرَّبْتَ مَأْوى القَصِيِّ البَعِيدِ
ونادى نَدَاكَ عَلَى الأَرْضِ حَيَّ / عَلَى مُسْتَقَرِّ الشَّرِيدِ الطَّريدِ
وجَيْشٍ عَقَدْتَ لَهُ فِي الجِهادِ / لِواءً سَما بِوَفاءِ العُقُودِ
فَزَادَ الضُّحى مِنْ سَنا الشَّمْسِ نُوراً / ولَيلَ السُّرى فِي نُجُومِ السُّعُودِ
وأَصْبَحْتَ أَعلى جِبالِ الأَعادِي / تُزَلْزِلُها بِجِبالِ الحَدِيدِ
فَرُعْتَ الصَّياصِي بِشُعْثِ النَّوَاصِي / وأَبْناءِ قُوطٍ بأَبْناءِ هُودِ
بِكُلِّ نَجِيبٍ نَمى فِي تُجِيبَ / بِمَجْدِ الجُدُودِ وسَعْدِ الجُدُودِ
لَهُ فِي المَدى كُلُّ بَحْرٍ طَمُوحٍ / وفَوْقَ العُلا كُلُّ قَصْرٍ مَشِيدِ
مَناقِبُهُمْ لِصُدُورِ الدُّهُورِ / عُقُودٌ نُظِمْنَ نظامَ الفَرِيدِ
ومُلْكُكَ سِلْكٌ لِذَاكَ النِّظَامِ / وأَنْتَ وَسِيطٌ لِتِلْكَ العُقُودِ
فَأَسْرَيْتَ بَيْنَهُمُ يَا ابْنَ يَحْيَى / كَبَدْرٍ سَرى بَيْنَ زُهْرِ السُّعُودِ
رُجُوماً رَمَيْتَ بِهَا فِي الضَّلالِ / عَلَى كُلِّ شَيْطَانِ كُفْرٍ مَريدِ
تُذَكِّرُهُمْ بِذُبالِ الرِّماحِ / صِلاءَهُمُ النَّارَ ذَاتَ الوَقُودِ
وتُرْهِقُهُمْ كُلَّ طَوْدٍ يفَاعٍ / يُمَثِّلُهُمْ رَهَقاً فِي صَعُودِ
وَمَا فات صَرْفَ الرَّدى مَنْ عَلَيْهِ / لِنَصْرِكَ عَيْنُ رَقِيبٍ عَتِيدِ
ولَوْ كَانَ وَعْداً لأَنْجَزْتَ لكِنْ / خُلِقْتَ خَلِيقاً بِخُلْفِ الوَعِيدِ
ولو شِمْتَ سَيفَكَ فِي صَدْرِ كِسْرى / وَقَيصَرَ بَيْنَ الطُّلى والوريدِ
لما نِلْتَ حَقَّكَ سَعْياً وهَدْياً / ولا بَعْضَ ثارِ أَبِيكَ الشَّهيدِ
وفي اللهِ أَكْفَأْتَ كَأْسَ المَنامِ / وسُمْتَ جُفُونَكَ فَقْدَ الهُجُودِ
ثنائي عَلَيْكَ ونُعماكَ فينا
ثنائي عَلَيْكَ ونُعماكَ فينا / كواكِبُ تشرقُ للعالَميِنا
تَلأْلأَ بالجودِ مِمَّا يَليكَ / عَلَيْهِمْ وبالحمد مِمَّا يَلِينا
جواهِرُ فصَّلْتَها فِي سُلُوكٍ / ملأْنَ الصدورَ ورُقْنَ العيونا
مُبَرِّزَةُ السَّبْقِ فِي الأَوَّلِينا / ومأْثُورَةُ الذِّكْرِ في الآخِرينا
كَسبْقِكَ فِي كلِّ علياءَ حَتَّى / أَضَرَّ غبارُكَ بالسابقِينا
فيا بُعْدَ مَسْرَاكَ للمُدْلِجِينا / ويا قُرْبَ مأْوَاكَ للرائِحينا
فحقّاً إِلَيْكَ رحلْنا المهاري / تُقاسِمُنا جهدَ مَا قَدْ لَقِينا
أَهِلَّةَ سَفْرٍ وقَفْرٍ قَطَعْنا / إِلَيْكَ الشهورَ بِهَا والسِّنِينا
نُلاقِي السُّيوفَ إذا مَا فَزِعْنا / ونُسْقى الحتوفَ إذَا مَا ظمِينا
فطوراً نرى العَيْشَ ظَنّاً كَذُوباً / وطوراً نرى الموت حَقّاً يَقِينا
وحقاً إِلَيْكَ رَكِبْنا الرياحَ / مطايا رحلنا عليها السَّفينا
كَأَنَّ عَلَى لُجَجِ البحرِ منها / هوادِجَ تخفُقُ بالظَّاعِنينا
وللهِ من أُمَّهاتٍ حَنَيْنَ / علينا الظهور وجُبْنَ البطونا
تقودُ المنايا بِهَا حَيْثُ شاءَتْ / وتثني كلاكِلَها حَيْثُ شِينا
خطوباً تباذَلْنَ منَّا نفوساً / جَلَبْنَ لَكَ الحمدَ غَضّاً مَصُونا
فغادَرْنَ أَوْطانَنا عافِياتٍ / وجئْنَ إِلَيْكَ بِنا مُعْتَفِينا
دياراً تسُحُّ عَلَيْها الدُّموعَ / وَفِيهَا قُتِلْنا وَفِيهَا سُبِينا
وَفِيهَا صدقْنا إِلَيْكَ الرَّجاءَ / وهُنَّ يُرَجِّمْنَ فينا الظُّنونا
أَهِمْنا بِغُرْبَتِنا أَم هُدينا / ومُتْنا بكُرْبَتِنا أَم حَيِينا
فإِن يعجَبِ الدهرُ أَنَّا صَبَرْنا / فأَعجَب من ذاكَ أَنَّا بَقِينا
فهَلْ بُلِّغَتْ عن ركابٍ أَجَرْتَ / بأَنْ قَدْ سَعِدْنَ بما قَدْ شقِينا
وأَنَّى انتحَيْنا إِلَيْكَ المَطِيَّ / كما قصفَ العاصِفاتُ الغصونا
دأَبْنَ كجِدِّكَ حزماً وعزماً / وعُدْنَ كَحِلمِكَ عطْفاً ولِينا
وأَنَّكَ حيَّيْتَها بالحياةِ / وأَمَّنتها فِي ذَرَاكَ المنونا
وأَوطَأْتَها البِرَّ حَتَّى سكَنَّ / وسَقَّيْتَها الجودَ حَتَّى رَوِينا
فأَرضَيْتَ رَبَّكَ فِي ابْنِ السَّبيلِ / وَفِي العائِلِينَ من المسلمينا
وأَحيَيْتَ فِي الأَرضِ فَضْلاً وعدلاً / وعطفاً وعُرفاً ودُنيا ودِينا
ودائِعُ للهِ فِي الرَّوْضِ ضاعَتْ / وكُنتَ عليها القويَّ الأَمينا
فوَفَّاكَ عنَّا الجزاءَ الجزيلَ / ولقَّاكَ مِنَّا الثناءَ الثمينا
وبوَّأَنا منك جنَّاتِ عطْفٍ / جزاكَ بِهَا جَنَّةَ الفائِزِينا
حدائقُ من غَرْسِ يمناكَ وَقْفاً / عَلَى الرائِحينَ أَوِ الطَّارِقِينا
كفيلٌ بأَثْمارِها كلَّ حينٍ / غيوثُ سمائِكَ حِيناً فَحِينا
وأَزْهَرُها منكَ للناظرينا / وأَبهَرُها عنكَ للسَّامعينا
نُفَجِّرُها نَهَراً حَيْثُ كنَّا / ونأْكلها رَغَداً حَيْثُ شِينا
ذرَا جنَّةٍ كَتَبَ اللهُ فِيهَا / لِمَنْ شَرَّدَ الخوفُ حظَّاً مُبِينا
وزادَتْ بِعَدْلِكَ أُكْلاً وظِلّاً / فزادَتْ عَلَى أَمَلِ الآمِلينا
رأَيْتَ لنا موضِعَ الحقِّ فِيهَا / بما قَدْ أَرَتْكَ المقادِيرُ فِينا
فنادى نَدَاكَ بِهَا نَحْوَها / سلامٌ لكُمْ فادْخُلُوا آمنينا
لكُمْ ذمَّةُ اللهِ فِي صدقِ عَهْدِي / فلا خائِفِينَ ولا مُخْرَجِينا
فظلَّتْ تُنَفِّسُ عن رُوحِها / غريباً سليباً ونِضْواً حزينا
وتُبْرِدُ من حَرِّ نار السيوفِ / ونارِ الهواجِرِ مَا قَدْ صَلِينا
فنَسْلى بِهَا عن ديارٍ نَأَيْنَ / ونَغْنى بِهَا عن مَغانٍ غَنينا
وبُلْغَةُ عيشٍ لمن قَدْ سَتَرْتَ / ضعافَ البناتِ وشُعْثَ البَنِينا
نُعَلِّلُهمْ بِجَنى روضِها / إذَا أَوْحَشَتْهُمْ عطاياكَ حِينا
ونشفِي بِهَا بَثَّ مَا قَدْ أَصَبْنا / ونأْسُو بِهَا جُرْحَ مَا قَدْ رُزِينا
وفخراً لنا منكَ سارَتْ بِهِ / رِكابُ التِّهامِينَ والمُنْجدِينا
وبُشْرَى أَخْلَّ بِهَا الشاكرونَ / إِلَى من فُجِعْنا من الأَقْرَبِينا
فما راعَنا غيرُ قولِ الخبيرِ / يُذَكِّرُنا أُسْوَةَ المؤْتَسِينا
بآدَمَ إِذ أَخرجَتْهُ الغُوا / ةُ من جَنَّةِ الخلدِ مُسْتَظْهِرينا
ببَغيِ حَسودٍ لَهُ طالِبٍ / كما قَدْ لَقينا من الحاسِدِينا
فها نَحْنُ أَقْعَدُ هَذَا الأَنامِ / بِمِيرَاثِها مِثْلَها عن أَبينا
وهاتِيكَ جَنَّتُنا والتي / حَبانا بِهَا سيِّدُ المنعمينا
وأَبْيَنُ آياتِنا أَنَّنا / حلَلْنا لديهِ المكانَ المكينا
ومن شَكَّ فِي حظِّنا من رِضاهُ / فَتِلْكَ لنا أَعْدَلُ الشاهدينا
قِفوا فاسْمَعُوا هَدَّةَ الأَرْضِ رَجْلاً / ورَكْباً إِلَى نُصْبِها يُوفِضُونَا
وداعي الزِّيادَةِ فِيهَا سميعٌ / مُصِيخٌ إِلَى أَلْسُنِ الزائدِينا
يُجَمْجِمُ فِيهِمْ بأَنْ قَدْ سَخِطْتَ / علينا وأَنَّا من المُبْعَدِينا
لِيَجْلُوَ أَستارَكَ الخُضْرَ عنَّا / ويمحُوَ آثارَكَ الغُرَّ فِينا
وَقَدْ أَسْمَعَ الصُّمَّ فِيهَا مُنادٍ / يؤذِّنُ حَيّ عَلَى الشامِتِينا
فمن هاتِفٍ زائدٍ بالأُلوفِ / لِبَغْيٍ أَراهُ احتقارَ المِئِينا
ومن كاشِحٍ كاشِرٍ قَدْ أَرَتْهُ / أَمانِيهِ مَا ظَنَّ أَنْ لن يكونا
بذي حُرْمَةٍ منكَ أَلْبَسْتَهُ / كرامَةَ أَضيافِكَ المُكْرَمينا
ومن حَلَّ سِتْرَكَ فِي أَهْلِ بيتٍ / بحبلِ وفائِكَ مستمسكِينا
فيا مشهداً سامَني تَحْتَ ظِلِّ / كَ خسفاً وخِزْياً وذلّاً وهُونا
بكُلِّ مُفِيضٍ عَلَيَّ القِداحَ / لِيَقْسِمَ لَحْمِيَ فِي الآكلينا
وكلِّ مُبيحٍ حماكَ العزيزَ / علينا لعاديَة المعتدينا
فَمَدُّوا حبالَهُمُ طامعينَ / وأَلْقَوْا عِصِيَّهُمُ واثِقِينا
قُدِ الخيلَ والخيرَ بأْساً وجُودا
قُدِ الخيلَ والخيرَ بأْساً وجُودا / وصِلْ أَبَدَ الدهرِ عِيداً فَعِيدَا
ودَوْنَكَ فالْبَسْ ثيابَ البقاءِ / فأَخْلِقْ جديداً وأَخْلِفْ جديدا
مُظاهِرَ مَا أَوْرَثَتْكَ الجدودُ / من الحُلَلِ المُلْبساتِ الجُدُودا
سَنىً وسَناءً ومُلكاً وملِكاً / وسيفاً وسَيْباً وجَدّاً وجُودَا
وَمَا نَثَرَتْهُ عَلَيْكَ السُّعودُ / محاسِنَ تبهَرُ فِيهَا السُّعودا
حُلىً منحت منكَ زُهْرَ النُّجومِ / شُنُوفاً تَحَلَّى بِهَا أَوْ عُقُودا
وأَنْتَ وَسِعْنَ بِهِنَّ الرجالَ / ملابِس فالبَسْ لَهُنَّ الخُلُودا
فَحَوَّلْتَ منها اللُّهى والخيولَ / وعَبَّدْتَ منها المَها والعَبِيدا
وأَلْبَسْتَ فِيهَا الحُلى والدُّروعَ / وأَسْحَبْتَ منها المُلا والبُرُودَا
وكم قَدْ كَسَوْتَ ثيابَ الحِدادِ / بلاداً لبسْتَ إِلَيْها الحديدا
فأَشْرقْتَ بالدِّينِ نوراً مُبِيناً / وأَلْحَقْتَ بالشركِ حتفاً مُبِيدا
كتائِبَ حلَّيْتَهُنَّ السيوفَ / وتَوَّجْتَهُنَّ القَنا والبُنُودا
صوارِمَ بوَّأْتَها فِي الرقابِ / معاهِدَ أَنْسَيْتَهُنَّ الغُمُودا
كما فَتَقَتْ نَيِّراتُ الصباحِ / تُفَتِّحُ فِي الروضِ روضاً نَضِيدا
وسُمراً جلوتَ بِهَا للعيونِ / وجُوهَ المهالِكِ حُمْراً وسُودا
يُرِينَكَ تَحْتَ سُجُوفِ العجاجِ / نواظِرَ أَنْسَيْتَهُنَّ الهُجودا
مصارِعَ قَرَّبْتَ منها نفوساً / تعاطَيْنَ منها مراماً بعيدا
فمُلِّيتَهُ عِزَّ نصرٍ وفَلْجٍ / كفيلَ المزيدِ بأن تَسْتَزِيدا
وهُنِّيْتَهُ فَتْحَ أَيَّامِ عيدٍ / جديرٍ عوائدُهُ أَن تعودا
ولُقِّيْتَهُ عيْدَ فَأْلٍ بوَعْدٍ / لِنَصْرِكَ يَقْرُو عِدَاكَ الوعيدا
وكم ذَكَّرَتْ منكَ أَيَّامُهُ / مقاماً كريماً وفِعلاً حَميدا
فَعَشْرُ لياليهِ فضْلاً ونُسْكاً / وعَشْرُ بنانِكَ عُرفاً وَجُودا
ويومُ مِنىً بالمُنى أَيُّ فَأْلٍ / مُفِيدَ الرَّغائِبِ أَوْ مُسْتَفِيدا
وَفِي اليومِ من عَرَفَاتٍ عَرَفْنا / من اللهِ فيما حَباكَ المزيدا
وذكَّرَنا مَنْحَرُ البُدْنِ منكَ / مواقِفَ تَنْحَرُ فِيهَا الأُسُودا
وتكسُو سيوفَكَ فِيهَا الدِّماءَ / وتُوطِئُ خيلَكَ فِيهَا الخُدُودا
ورَمْيُ الجِمارِ فَكَمْ قَدْ رَمَيْتَ / عن الدينِ شيطانَ كُفْرٍ مَرِيدا
معالِمُ شَيَّدَهُنَّ الخليلُ / وأَذَّنَ بالحَجِّ فيها مُشِيدا
فلَبَّاهُ من لَمْ يكُنْ قبلُ خَلْقاً / وأُنشِئَ من بَعْدُ خلقاً جديدا
رجالٌ أَجابُوا أذانَ الخليلِ / فجابُوا إِلَيْها بِحاراً وَبِيدا
كما عُمِّرَتْ بك سُبْلُ الجِهادِ / جنوداً تَفُلُّ بِهِنَّ الجنودا
وجُدْتَ فنادى نَدَاكَ العُفاةَ / وسُدْتَ فنادى عُلاكَ الوُفُودا
ولا كَوُفودٍ تقبَّلْتَ مِنْهُمْ / وسائِلَ كانوا عَلَيْها شُهودا
فَحَيَّوْكَ عن كُلِّ مُحْيي الوفاءِ / إِلَيْكَ حياةً تُمِيتُ الحقودا
فكم أَنَّسوا بك شكلاً زَكِيّاً / وأَدْنَوْا إِلَيْكَ صَفِيَّاً بعيدا
وكم وَصَلُوا بك قلباً كريماً / وكم شَرَحُوا لَكَ صدراً وَدُودا
عهوداً تَضَمَّنَهُنَّ الوفاءُ / بصدقٍ تضمَّنَ منكَ العُهُودا
فلا أَعْدَمَتْكَ ظنونُ اللبيبِ / يقيناً عَلَى كلِّ قلبٍ شهيدا
ولا زالَ سيفُكَ فِي كلِّ أَرْضٍ / عَلَى كلِّ غاوٍ رقيباً عَتِيدا
ولا زِلْتَ للدِّينِ طَوْداً مُنيفاً / وظلّاً ظليلاً ورُكناً شَدِيدا
نجومَ الصِّبا أَيْنَ تِلْكَ النجومُ
نجومَ الصِّبا أَيْنَ تِلْكَ النجومُ / نَسِيمَ الصَّبا أَيْنَ ذَاكَ النَّسيمُ
أَما فِي التَّخَيُّلِ منها ضِياءٌ / أَما فِي التَّنَشُّقِ منها شَمِيمُ
فَيَلْحَقُها من ضلوعي زفيرٌ / ويُدْرِكُها من دُموعي سَجُومُ
لقد شَطَّ روضٌ إِلَيْهِ أَحِنُّ / وغارَتْ مِياهٌ إليها أَهيمُ
أَوانِسُ يُصْبِحُ عنها الصَّباحُ / نواعِمُ يَنْعَمُ منها النَّعيمُ
كواكِبُ تصغي إِليها السُّعودُ / كواعِبُ تَصْبُو إِليها الحُلُومُ
ليالِيَ إِذْ لا حبيبٌ يصُدُّ / وعهديَ إِذ لا عذولٌ يلومُ
وإِذ لا صباحِي رقيبٌ عَتيدٌ / ولا ليلُ وصلِي ظلامٌ بهيمُ
وكيفَ وشمْسُ الضُّحى لي أَليفٌ / وأَنَّى وبدرُ الدُّجى لي نديمُ
وخمرِي من الدُّرِّ مِسْكٌ مُذَابٌ / وروضِي من السِّحْرِ دَلٌّ رخيمُ
وأَوجُهُ أَرضِيَ زُهْرٌ تروقُ / ومِلْءُ سمائِي نجومٌ رُجُومُ
فشيطانُ لهوي مُطاعٌ مُطيعٌ / وشيطانُ هَمِّي طريدٌ رجيمُ
غرارةُ عيشٍ أَراها الغُرورُ / بأَنَّ الزمانَ صديقٌ حميمُ
وغمرةُ شكٍّ أتاها اليقِينُ / بأَنَّ رضيعَ الأَمانِي فطيمُ
وغصنُ شبابٍ علاهُ المشيبُ / كغضِّ رياضٍ علاها الهشيمُ
فيا عَجَباً لصروفِ الزمانِ / شهوداً لَنَا وَهْيَ فينا خُصومُ
وكيف قضى حُكْمُ هَذَا القضاءِ / عليَّ لدهرِيَ وَهْوَ الظَّلُومُ
فنحنُ ديونُ النَّوى كلَّ يومٍ / عَلَى حكمِهِ يقتضينا الغريمُ
وتلك المعاهِدُ منا رُسوماً / عفاها الذَّميلُ بنا والرَّسِيمُ
بِسَيْرٍ يقولُ الصَّفا الصُّمُّ منه / أَما للحوادِثِ قلبٌ رحيمُ
أَما يُستقالُ الزمانُ الكئودُ / أَما يُسْتَكَفُّ العذابُ الأَليمُ
عن الأَوْجُهِ المُتَوالِي عليها / ليالٍ وأَيَّامُ جَهْدٍ حُسُومُ
جسومٌ تطيرُ بِهِنَّ القلوبُ / بأَجنحةٍ ريشُهُنَّ الهمومُ
بكلِّ هجيرٍ لَوِ النَّارُ تَصْلى / جحيماً لأَصبَحَ وَهْوَ الجحيمُ
كَأَنَّ رواحِلَنَا فِي ضحاهُ / صوادي سَمَامٍ حداها السَّمُومُ
وَفِي كلِّ ليلٍ تَغَشَّى دُجاهُ / فنامَ ولكِنَّه لا يُنيمُ
كَأَنَّا وَقَدْ سَدَّ بابَيْهِ عنَّا / وهامَ بِنا الذعرُ هامٌ وبومُ
وَفِي كلِّ بحرٍ كَمَا قيلَ خَلْقٌ / صغيرٌ يُهاوِيهِ خلقٌ عظيمُ
كَأَنَّا عَلَيْهِ نجومُ الثُّرَيَّا / تسيرُ وَقَدْ أَفردَتْها النُّجومُ
نِجاءٌ تَمَنَّى ثِمارَ النجاةِ / ومن دونِهِنَّ رجاءٌ عَقِيمُ
فذاك مدى صبرِ حُرٍّ يُضامُ / وذاك مدى صرفِ دهرٍ يَضِيمُ
وكم أَعْقَبَ الظَّمْءَ حِسْيٌ جَمُومٌ / وكم عاقَبَ الجِدبَ ريٌّ جَميمُ
وكيفَ يؤمِّلُ مولىً كريمٌ / ويخشَى من الدَّهْرِ خَطْبٌ ذَمِيمُ
وَفِي اسمِ المظفَّرِ فألُ الحياةِ / ليحيا الغريبُ بِهِ والمقيمُ
يُبَشِّرُنا بسناهُ الصباحُ / وتخبرُنا عن نداهُ الغيومُ
ففي كل بحرٍ لنا مِنْكَ شِبْهٌ / وَفِي كلِّ فجرٍ لَنَا فيك خِيمُ
ومرعاكَ فِي كل أرضٍ نرودُ / وسقياكَ فِي كلِّ برقٍ نَشِيمُ
وفي كلِّ نادٍ مُنادٍ إِلَيْكَ / هَلُمَّ إِلَى حَيْثُ يُغْنى العديمُ
هَلُمَّ إِلَى حَيْثُ تُنْسى الرَّزايا / هَلُمَّ إِلَى حَيْثُ تُؤْسى الكُلُومُ
هَلُمَّ إِلَى حيثُ يُؤْوى الغريبُ / هَلُمَّ إِلَى حَيْثُ يُحْمى الحريمُ
هَلُمَّ لِعِزِّ حِمىً لا يُرامُ / يَسُحُّ عَلَيْهِ حَياً لا يَرِيمُ
عُلاً أَعْرَقَتْ فِيكَ من عَهْدِ عادٍ / يدينُ الكريم بِهَا واللئيمُ
عهودُ مكارِمَ لا عهدُها / ذميمٌ ولا الدَّهْرُ فِيهَا مُليمُ
أَجَدَّ مناقِبَهُنَّ اللَّبِيسُ / وأَحدثَ آثارَهُنَّ القديمُ
تُنيرُ بِهِنَّ القبورُ الدُّثورُ / وتَعْبَقُ منها العِظامُ الرَّميمُ
وتُثْمِرُ من طَعْمِهِنَّ الغصونُ / وتُغدِقُ فِي سَقْيِهِنَّ الأَرُومُ
ويُوصِي بِهِنَّ مليكاً مليكٌ / ويُودِعُهُنَّ كريماً كريمُ
فعمَّ الخلائِقَ منها خُصُوصٌ / كفاها وخَصَّكَ منها العُمومُ
وجاءَتْكَ بَيْنَ ظُباةِ السيوفِ / تصولُ القيولُ بِهَا والقُرومُ
وَفِي كل برٍّ وَفِي كلِّ بحرٍ / صِراطٌ إِلَيْكَ لَهَا مستقيمُ
وأَنت بميراثِهِنَّ المحيطُ / لأَنكَ فِيهَا الوسيطُ الصَّميمُ
فإِنْ أَعلَقَتْ بك عِلْقَ الفخارِ / فأَنتَ الكفيلُ بِهَا والزعيمُ
وإِنْ رَضِيَتْكَ لتاجِ البقاءِ / فأَنتَ الرَّفِيعُ بهِ والعَمِيمُ
وسيفُكَ للدينِ رُكْنٌ شديدٌ / وحظُّكَ فِي الملكِ حظٌّ جسيمُ
وإِنْ يَهْنِكَ اليومَ عيدٌ يَعودُ / فَيَهْنِ لَنَا مِنْكَ عيدٌ يُقيمُ
ولما رأَى أنه لا يدومُ / أَتاكَ يُهَنِّيكَ مُلْكاً يدومُ
وإِقبالُها دولةً لا تَناهى / وإِقْدَامُها عِزَّةً لا تَخِيمُ
ويَهْنِ المصلَّى تجلِّيكَ فِيهِ / بوجهٍ يُنيرُ وكفٍّ تَغِيمُ
وهَدْيٌ تهادى إِلَيْهِ العُيونُ / ويُزْهى لَهُ زَمْزَمٌ والحَطِيمُ
لبستَ إِليها من المُلْكِ تاجاً / يُهِلُّ الهلالُ لهُ والنُّجومُ
عَلَى حُلَلٍ حاكَهُنَّ السناءُ / وأَردِيَةٍ نسجَتْها الحُلُومُ
وتحت غَياباتِ غابِ الوَشيجِ / أُسودٌ إِلَى مُهَجِ الكفرِ هِيمُ
وللسابغاتِ بحورٌ تمورُ / وللسابحاتِ سفينٌ يَعُومُ
كَأَنَّ خوافِقَ أَعلامِهِنَّ / طيورٌ عَلَى الماءِ منها تَحُومُ
فَفُصِّلَ باسمِكَ فصلُ الخطابِ / كَمَا قَدْ حباكَ العزيزُ الحكيمُ
وأُخْلِص فيكَ جميلُ الدُّعاءِ / بما لا يُضِيعُ السميعُ العليمُ
فلا شاءَ دهرُكَ مَا لا تشاءُ / ولا رامَ شانِيكَ مَا لا تَرُومُ
فنصرُكَ أَوَّلُ مَا نَسْتَمِدُّ / وعمرُكَ آخِرُ مَا نستديمُ
وفيهنَّ أَضحَيْتَ يومَ الأَضاحِي
وفيهنَّ أَضحَيْتَ يومَ الأَضاحِي / كتائِبَ مستقدِماتِ التَّهادِي
بأَجْمَعِ مولىً لشملِ العبيدِ / وأَخشَعِ عبدٍ لربِّ العبادِ
فأَوْسَعْتَهُنَّ نظامَ المصلَّى / وَقَدْ غَصَّ منهنَّ رحبُ البلادِ
ملاعِبَةً للصَّبا بالنَّوَاصِي / مسامِيَةً للقَنا بالهوادِي
تكادُ تَفَهَّمُ فصلَ الخطابِ / بتعويدِها لاسْمِكَ المستعادِ
وعِرْفانِهِ فِي شِعارِ الحروبِ / وتِبْيَانِهِ فِي صَريخِ المُنادِي
وتَرْدِيدِهِ فِي مجالِ الطِّعانِ / وتكريرِهِ فِي مَكَرِّ الطِّرادِ
وَفِي كلِّ ذكرٍ وفخرٍ ونشرٍ / وشكرٍ وشِعرٍ وشَدْوٍ وشادِ
فلما قَضَوْا بِكَ حقَّ السَّلامِ / ثَنَوْا لَكَ حقَّ سلامٍ مُعادِ
فوافى قصورَكَ وفدُ السلامِ / بأَيْمَنِ حادٍ إليها وهَادِ
يخُوضُونَ نحوَكَ بَحْرَ العوالي / تموجُ بِهَا أَبْحُرٌ من جِيادِ
لمَلْءِ عيونِهِمُ من بهاءٍ / ومَلْءِ صدورِهمُ من وِدَادِ
بمرأَىً هَداهُمْ إِلَى هَدْي هُودٍ / وعادَ إِلَيْهِمْ بأحلامِ عادِ
وَقَدْ ذَكَّرَتْهُمْ جِفاناً نَمَتْكَ / إِلَى كلِّ ملكٍ رفيعِ العِمادِ
مطاعِمُ مُدَّتْ بِهَا فِي الصُّحونِ / موائدُ مستبشِراتُ التَّمادِي
وكم خَطَّ جودُكَ بالمِسْكِ فِيهِمْ / شهادَتُهُ لمليكٍ جوادِ
سطوراً محوْنَ بياضَ المشيبِ / بنورٍ محا منه لونَ السَّوادِ
وراح قرينُ الشبابِ النَّضِيرِ / وفَوْدَاهُ خَطَّا شبابٍ مُفادِ
مشاهدُ غَلَّفْتَ منها الزمانَ / بغالِيةٍ مِسْكُها من مِدادِي
فأَشْعَرْتَها كلَّ بَرٍّ وبحرٍ / وأَنشَقْتَها كلَّ سارٍ وغادِ
وأَتْبَعْتَها من كِباءِ الثناءِ / عجاجاً يهُبُّ إِلَى كلِّ نادِ
نوافِجُ مَجْمَرُها من ضلوعي / تُؤَجِّجُها جمرةٌ من فؤادِي
بِما عَلَّمَ الهِنْدَ أَنَّكَ أمضى / غداة الوغى من ظُباةِ الحِدادِ
وأَنَّ ثناءَكَ أَزكى وأَذكى / عَلَى الدهر من طِيبِهِ المستجادِ
سوائِمُ فخرٍ عَلَتْ عن مُسيمٍ / يرودُ بِهَا مَرْتَعَ الإِقْتِصَادِ
ودعوى هوىً لَمْ يَزُرْ فِي كراهُ / خيالٌ ولا خاطرٌ فِي فؤادِ
وتلك عُلاكَ تُهادِي العيونَ / كواكِبَ مُقْتَرِباتِ البِعادِ
أَوانِسُ تأْبى لَهَا أَنْ تَصُدَّ / مقادِمُها فِي الوغى أَوْ تُصادِي
كواعِبُ مَجدِكَ حَلَّيْتَهُنَّ / بزُهْرِ المساعِي وبيضِ الأَيادي
نجومٌ تُنِيرُ بِنُورِ الأَمَانِي / وطوراً تنوءُ بِغُرِّ الغوادي
فأَوَّلُ أَنوائِها منكَ بِشرٌ / وَفيُّ العهودِ بصَوْبِ العِهادِ
حياً صِدْقُهُ منكَ فِي اسْمٍ وفعلٍ / وشاهِدُهُ فِي الورى منكَ بادِ
وسمَّاكَ رَبُّكَ مأْمُونَ غَيْثٍ / عَلَى نَشْرِهِ رحمةٌ للعبادِ
غمامٌ يؤودُ مُتُونَ الرياحِ / ويُزْجِيهِ للرَّوْعِ مَتْنُ الجوادِ
فمن راحَةٍ ريحُها الارتياحُ / ومن ماءِ صادٍ إِلَى كلِّ صادِ
وسُقْيا عَنانٍ بِثَنْيِ العِنانِ / وبارِقُهُ فِي مَناطِ النِّجادِ
فأَشْرَقَ من رَوْضِهِ كُلُّ حَزْنٍ / وأَغدَقَ من وَبْلِهِ كُلُّ وادِ
وذابَ بأَنْدائِهِ كلُّ فَصْلٍ / يُكَذِّبُ فِيهِ حَدِيثَ الجَمادِ
ربيعُ المَصِيفِ ربيعُ الشِّتاءِ / مَريعُ الحزونِ مَريعُ الوِهادِ
ومن رَوْضِهِ سَرَواتُ الكُماةِ / تَثَنَّى عَلَى صَهَواتِ الجِيادِ
ومن زَهْرِهِ سابغاتُ الدورعِ / وبِيضُ الصِّفاحِ وسمر الصِّعادِ
وأَيْنِعْ بِهَا فِي وَقُودِ الطِّعانِ / وأَنْضِرْ بِهَا فِي ضِرامِ الجِلادِ
وأَيُّ فواتِحِ وردٍ نَضيدٍ / مواقِعُها فِي نحور الأَعادي
وكم غادَرَتْ لَمَهَبِّ الرياحِ / سنا جَسَدٍ شَرِقٍ بالجِسادِ
رياضاً قَسَمْتَ أَزاهِيرَهُنَّ / لِعِزِّ المُوالي وخِزْيِ المُعَادِي
فأَهْدَيْتَها لأُنوفِ الغَناءِ / وأَرغمتَ منها أُنوفَ العِنادِ
وأَوْرَدْتَها كل بحرٍ يَمُورُ / بِما يُلْبِسُ الشُّهْبَ لونَ الوِرادِ
ودُسْتَ بِهَا كلَّ صعبِ المرامِ / وقُدْتَ بِهَا كلَّ عاصِي القِيادِ
إذَا مَا تنادَتْ لجمعٍ ثَنَتْهُ / مُجِيبَ المُنادِي ليومِ التَّنادِي
بِهِنَّ شَعَبْتَ عِصِيَّ الشِّقاقِ / وعنهُنَّ أَوْضَحْتَ سُبْلَ الرَّشادِ
فأَوْدَعْتَها فِي نواصِي الرِّياحِ / لتَنْثُرَها فِي أَقاصِي البلادِ
فكَمْ أَنْبَتَ الشرقُ والغربُ منها / حدائِقَ تُغني عَنِ الإِرْتِيادِ
ووَقْفاً على سَقْيِها ماءُ وجهي / وفَيْضُ دموعي وَمَا فِي مَزَادِي
وكم حَصَدَ الدهرُ للخُلْدِ منها / ثمارَ النُّهى وثِمارَ التَّهادِي
فيا أَرْأَسَ الرُّؤَساءِ الجديرَ / بحُكْمِ السَّدادِ لقولِ السَّدادِ
أَيَغْرُبُ عندَكَ نَجْمُ اغْتِرابِي / ومطلَعُهُ لَكَ فِي الأَرضِ بادِ
وأَسْقِي الوَرى عَنْكَ ماءَ الحياةِ / وأَرشُفُ منك حِميءَ الثِّمَادِ
وزَرْعِيَ فيكَ حَصِيدُ الخلودِ / وحظِّيَ منك لَقِيطُ الحَصادِ
سِداداً من العَوْزِ المُسْتَجارِ / وأَكثرُهُ عَوَزٌ من سَدَادِ
قضاءٌ لَهُ فِي يدِ الإِقتضاءِ / زِمامٌ ومن سابِقِ البَغْيِ حادِ
كعِلْمِكَ من خَطْبِ دهرٍ رماني / بأَسهُمِ واشٍ وغاوٍ وعادِ
يَسُلُّونَ بينَ الأَمانِي وبيني / سيوفَ القِلى ورماحَ البِعادِ
زمانٌ كَأَنْ قَدْ تَغَذَّى لِسَعْيٍ / لُعابَ أَفاعٍ وحيَّاتِ وادِ
فأَودَعَ من نَفْثِهِ حُرَّ صدري / سِماماً لَياليَّ منها عِدَادِي
وأَطْفَأَ نُورِي وناري عليماً / بأَنْ سيُضِيءُ الدُّجى من رَمَادِي
وهانَ عَلَيْهِ نَفاقِي بفَقْدِي / لبَيْعِ حياتِيَ بَيْعَ الكَسادِ
ولولا القضاءُ الَّذِي فَلَّ عزمي / وآدَ شَبا حَدِّه مَتْنَ آدِي
وأَنِّيَ دِنْتُ إِلهي بِدينٍ / من الصَّبْرِ جَلَّ عَنِ الإِرْتِدادِ
لغاضَتْ بِهِ قطرَةٌ من سحابِي / وأَوْدَتْ بِهِ شُعْلَةٌ من زِنادِي
وَمَا انْفَرَجَتْ مُبهَماتُ الخطوبِ / بمثلِ اشْتِدادِ الأُمُورِ الشِّدادِ
فكِلْني لحاجِبِكَ المستجيرِ / بذِمَّتِهِ كلُّ قارٍ وبادِ
ليَقْسِمَ لي سهمَ حمدي وشكري / وينزِعَ سهم الأَسى من فُؤادي
ليقتادَني بِيَدِ الإِصْطِناعِ / ويخلَعَ من يَدِ دهرِي قِيادِي
ويكتُبَ فَوْقَ جبيني ووجهي / إِلَى نُوَبِ الدهرِ حِيدي حَيادِ
وحسبي فإِمَّا رِباطِي أراني / ثوابِيَ منه وإِمَّا جِهادِي
فإِنْ شَطَّ من غَرْبِ شأَوِي مَدَاهُ / وعادَتْ أَمانِيَّ منه العَوَادِي
فأَنتَ عَلَيْهِ دَليلي وعَوْنِي / وجدواكَ ذُخْرِي إِلَيْهِ وَزَادِي
فلا أَبعدَ الدَّهْرُ منكُمْ حياةً / تَلي نِعَماً مَا لَهَا من نَفادِ
ولا خذَلَتْكُمْ يَدٌ فِي عِنانٍ / ولا خانكُمْ عاتِقٌ فِي نِجادِ
وأَهْدِ بِهَا فِي الفَلا والسُّرى
وأَهْدِ بِهَا فِي الفَلا والسُّرى / ويَوْمَ التَّلاقي وحِينَ الثَّوَاءِ
وتحتَ العَجاجِ ووَسْطَ الهِياجِ / وَفِي بحرِ آلٍ وَفِي بحرِ ماءِ
وأَوْصِلْ بِهَا لأَصيلِ العَشِيِّ / بقَرْنِ الضُّحى والضحى بالمساءِ
وفاءً لنفسٍ أَمَدَّتْ سناها / بنورِ النهى وبنارِ الذَّكاءِ
وهدِيٍ هَداها سبيلَ العَفَافِ / ورأَيٍ أَراها هُدى كلِّ رَاءِ
كما قَدْ وَفَيْتُ لَهَا حِينَ عُجْتُ / بِغُلَّتِها فِي عُبابِ الوفاءِ
ينابِيعُ مجدٍ سَقَتْ نَبْعَةً / من الفضلِ دانِيَةَ الإِجْتِناءِ
زَكَا تُرْبُها فِي ثرى المَأْثُرَاتِ / فأَيْنَعَ إِثمارُها بالزَّكاءِ
فأَضْحَتْ تَثَنَّى بِرُوحِ الثَّناءِ / ويَنْمِي لَهَا عُنْصُرُ الإِنْتِماءِ
فكم أَفرَجَتْ عن نجومِ السُّعُودِ / وكم أَغْمَضَتْ من نُجُومِ الشَّقاءِ
وكم ظَلَّلَتْ من حَريرِ الهجيرِ / وكم أنْزَلَتْ من طريدِ العِشاءِ
رياضاً تفوحُ بِطيبِ الفَعَالِ / وزَهْراً يلوحُ ببشْرِ اللِّقاءِ
ونادَيْنَني بِضَمانِ النَّدى / وحَيَّيْنَني بحياةِ الرَّجاءِ
بما استُحْفِظَتْ من حفاظِ الجِوارِ / وَمَا أُبْلِيَتْ من حَميدِ البَلاءِ
بجامِعها شَمْلَ حِلْمٍ وعِلْمٍ / وهادٍ لَهَا شُكْرَ دانٍ وناءِ
ومن ولَدَتْ من كريمِ النِّجارِ / ومن أرْضَعَتْ بِلِبانِ الدَّهاءِ
رعى حَقَّ مَا استودَعَتْهُ المساعي / فأَوْدَعْنَهُ رَعْيَ خيرِ الرِّعاءِ
ونادَتْ بِهِ دَوْلَةُ السَّبْقِ حَيَّ / فأَعْدَتْهُ بالسَّبْقِ قَبْلَ النِّداءِ
تُجِيبيَّةٌ جابَ عنها الرَّدَى / كَجَوْبِ المُهَنَّدِ مَتْنَ الرِّداءِ
حقيقُ النَّصِيحَةِ أَنْ يَسْتَثِيرَ / لَهَا الدُّرَّ من تَحْتِ رَدْمِ الغُثاءِ
وأَلّا يُخَلِّيَ فِي ظِلِّها / ذَلِيلَ الذِّمامِ عَزِيزَ العَزَاءِ
فَبَشَّرَ عنها بِبَذْلِ الغِنى / وأَعذر فِيهَا ببذل الغناءِ
لِمُنْزِلِهِ مَنْزِلَ الإِخْتِصاصِ / ومُلْبِسِهِ شُرْطَةَ الإِعتِلاءِ
ومُعْتَدِّ أَقلامِهِ للكِتابِ / كتائِبَ مُشْتَرِفاتِ اللِّواءِ
مليكٌ تواضَعَ فِي عِزِّ مُلْكٍ / كسا دَهْرَهُ حُلَّةَ الكِبْرِياءِ
مُقَلَّدُ سَيْفِ الهُدى والهوادِي / مُتَوَّجُ تاجِ السَّنا والسَّناءِ
وأَغْزَى جيوشَ نداهُ القلوبَ / فجاءَتْهُ مُذْعِنَةً بالسِّباءِ
وخاصَمَ فِي مُهَجَاتِ الأَعادِي / فأُعْطِيَ بالسيفِ فصْلَ القضاءِ
كَأَنَّ الأَمانِيَ مَنٌّ عَلَيْهِ / فلا آيِبٌ دونَ ضِعْفِ الجزاءِ
فَلَبَّيْكَ لا مِنْ بَعيدٍ ولكنْ / عَذيرَكَ من مُعْذِراتِ الحَياءِ
حَمى فَاحْتَبَى بفناءِ اخْتِلالي / فباعَدَ بَيْني وبَيْنَ الحِباءِ
وقَنَّعَ وَجْهِي قَناعَاتِ حُرٍّ / فَقَنَّعَ دُوني وُجُوهَ العَطاءِ
وآزَرْتُهُ بالتَّجَمُّلِ حَتَّى / طَوَيْتُ صدى ظَمَأٍ عَنْ سِقاءِ
أَميرٌ عَلَى ماءِ وَجْهِي ولكِنْ / فِدَاهُ بِعَيْنَيَّ ماءً بِماءِ
فأُرْصِدَ هَذَا لِحُرٍّ كريمٍ / وأُسْبِلَ ذا طَمَعاً فِي الشِّفاءِ
فقد حانَ من بُرَحَاءِ الضُّلوعِ / رَحيلٌ تَنادى بِبَرْحِ الخَفاءِ
عَلَى ذُلُلٍ من مطايا الشؤونِ / قَطَعْنَ إِلَيْكَ عِقالَ الثَّواءِ
عواسِفَ يَهْمَاءَ من غَوْلِ هَمي / يُقَصِّرُ عَنْها ذَمِيلُ النِّجاءِ
جَدَلْتُ أزِمَّتَها من جُفُونِي / وصُغْت أَخِسَّتَها من ذَمَائِي
وأُنْعِلُها قَرِحاتِ المآقي / فأخْصِفُها بِنَجِيعِ الدِّماءِ
فَمُنْجِدَةٌ فِي مَجالِ النِّجادِ / وغائِرَةٌ فِي غُرور الرِّداءِ
فكَمْ قَدْ شَقَقْنَ سَلىً عن سَليلٍ / وأَجْهَضْنَ عن مُسْتَسرِّ الوِعاءِ
وكم قَدْ رَدَدْنَ حياةَ نُفوسٍ / ظِماءٍ بِمَوْتِ نفوسٍ ظِماءِ
كَأَنَّ مَدَاهُنَّ فِي صَحْنِ خَدِّي / ركابيَ فِي صَحْصَحَانِ الفَضاءِ
تجوبُ التَّنائِفَ خَرْقاً فَخَرْقاً / وحاجاتُها فِي عُنُوِّ العَنَاءِ
بكُلِّ حزينٍ بِعالِي الحُزُونِ / ومُقْوٍ بكُلِّ بِلادٍ قَواءِ
وَمُسْتَوْهَلٍ حُمَّ منهُ الحِمامُ / لأَوَّلِ وَهْلَةِ ذَاكَ التَّنَائِي
كَأَنَّ تَجاوُبَ خُضْرِ الحَمَامِ / نَشِيجُهُمُ لِتَغَنِّي الحُدَاءِ
وَقَدْ أَوْطَنُوا أَرْبُعاً لِلْبِلَى / وَقَدْ وَطَّنُوا أَنْفُساً لِلْبَلاءِ
وكُلِّ خَليٍّ عن الإِنْسِ رَهْنٍ / لِجَنْبَيْ خَلِيَّةِ بَحْرٍ خَلاءِ
قريبَةِ مَا بَيْنَ نِضْوٍ ونِضْوٍ / بعيدَةِ مَا بَيْنَ مَرْأَىً وَرَاءِ
تمورُ بِضِعْفِ نُجُومِ الثُّرَيَّا / لَوِ انْفَرَدَتْ بأَديمِ السَّمَاءِ
ثمانٍ كأَسرارِ قَلَبِ الكَئِيبِ / ورابِعةٌ كَقِدَاحِ السِّرَاءِ
مَطالِبُهُمْ لِمَطالِ الضِّمارِ / وآجالُهُمْ لاقْتِضاءِ القضاءِ
فهل آذَنَتْ هِجْرَتِي أَنْ ترِيني / عواقِبَ تَجْلُو كُرُوبَ الجَلاءِ
وهل ظَفِرَتْ هِمَّتِي من هُمُومِي / بِثَأْرٍ مُنيمٍ وَوِتْرٍ بَوَاءِ
أَلَمْ يَتنَاهَ غُرُوبُ الغَرِيبِ / إِلَى مَطْلِعِ الشَّمْسِ فِي الانْتِهاءِ
ولم أَتَّخِذْ جُنْحَ لَيْلِ المحاقِ / جَناحاً إِلَى نُورِ لَيْلِ السَّواءِ
ولَمْ أَتَزَوَّدْ هَبِيدَ القِفارِ / إِلَى بَحْرِ أَرْيٍ جزيلِ العَطَاءِ
فأَصبَحْتُ من ظُلَمِ الإِكْتِئَابِ / عَلَى عَلَمٍ بَيْنَ قَرْنَيْ ذُكاءِ
وأَلْقَتْ يَمِيني عَصا الإِغْتِرابِ / من الأَمْنِ بَيْنَ العَصَا واللِّحاءِ
وأَوْطَنْتُ فِي قُبَّةِ المُلْكِ رَحْلِ / يَ بَيْنَ الرِّواقِ وبين الكِفاءِ
وأَوْفَيْتُ سُوقَ النَّدى والمعالي / بِدُرِّ المقالِ وحُرِّ الثَّناءِ
وَقَدْ شَهِدَ البَرُّ والبَحْرُ أَنِّي / بِقُرْبِ ابْنِ يَحْيى مُجَابُ الدُّعاءِ
وأَنَّكَ أَنْتَ الصَّريحُ السَّمِيعُ / إِذَا صَمَّ مُسْتَمِعٌ عن نِدائِي
وأَنَّكَ دُونِيَ طَوْدٌ مَنيعٌ / عَلَى الدَّهْرِ مُسْتَصْعَبُ الإِرْتِقاءِ
وأَنَّكَ أَنتَ الشَّفِيعُ الرَّفِيعُ / بِدائي إِلَى مُسْعِفٍ بالدَّوَاءِ
فكيف تخطّت إليَّ الرزايا / ولم أُخطِ في مُستجاد الوِقاءِ
وكيْفَ اعْتَصَمْتُ بِصَدْرِ الزَّمَانِ / وصَدْرِي قِرى كُلِّ داءٍ عَياءِ
وَقَدْ ضَرَّسَتْنِي حُرُوبُ الخُطُوبِ / وأَبْطَأْتِ يَا نُصْرَةَ الأَوْلِياءِ
وعُرِّفْتُ فِي نَكَباتِ الزَّمانِ / بِكُنْهِ الصَّديقِ ومَعْنى الإِخاءِ
فوا قَدَمِي من سلامِ العِثارِ / ويا أَلَمِي من سِهامِ الجَفَاءِ
وَمَا أَبْعَدَ القَفْرَ عن عَيْنِ راءِ / وَمَا أَقْرَبَ الوَقْرَ من سَمْعِ ناءِ
ويا طُولَ ظِمْئِي لِخَمْسٍ وعَشْرٍ / طريدَ الحياضِ بعيدَ الإِضاءِ
كَأَنِّيَ بِعْتُ التُّقى بالنِّفاقِ / فلا هؤُلاءِ ولا هؤُلاءِ
وكم عُقِرَتْ دونَ عُقْرِ الحياضِ / سَوَامِي وأُزَّتْ أَمامَ الإِزاءِ
فَرُحْتُ بِهَا مُخْمِصاً فِي البِطانِ / وأَصْدَرْتُها مُظْمِئاً فِي الرِّواءِ
وأَرْعَيْتُ سعدانَ سَعْدِ السُّعُودِ / نِواءَ المُنى وصَفايا الصَّفاءِ
وأَقْوى فأَنْحَرُ حَرْفاً سِناداً / وأَرْعى فأَحْلُبُ شَطْرَ الإِناءِ
بِسَبْعٍ كَسَبْعِ سَمامِ السَّمُومِ / وأَرْبَعَةٍ كَرُبُوعِ العَفاءِ
يُفَدُّونَ نَفْسِي من الحادِثَاتِ / وَمَا لِي ولا لَهُمُ مِنْ فِداءِ
وكَمْ ضَرَبُوا بِقِداحِ الحُنُوِّ / عَلَيَّ ففازُوا بِقِسْمٍ سَوَاءِ
وَقَدْ أَسلَمَتْهُمْ سمائي وأَرْضِي / فلا مِنْ ثَرَايَ ولا مِن ثَرَائِي
فيا ضِيقَ ذَرْعِي لَهُمْ بالزَّفِيرِ / عَلَى ضِيقِ ذَرْعِي بِضِيقِ الشِّتاءِ
وَقَدْ آذَنَتْهُمْ يَدِي واضْطِلاعي / بِعُدْمِ الوِقاءِ لهمْ والصِّلاءِ
فما بسوى حرِّ تلك الصدورِ / يُوَقَّونَ من بردِ هذا الهواءِ
وإِن راعتِ الأرضُ منهم جنوباً / تسلَّوا برعيِ نجومِ السماءِ
عَرَفْتُ عوازِفَكَ السَّابِقاتِ
عَرَفْتُ عوازِفَكَ السَّابِقاتِ / بَوَادِي السَّنا واضِحاتِ السِّماتِ
وَمَا كِدْتُ أَبْسُطُ لَحْظَ الغرِيبِ / وَمَا آنَ حَلِّي عِقالَ الأَناةِ
وبَيْنا أُرَاقِبُ نَشْءَ السَّحا / بِ هَبَّتْ رِياحُكَ لِي بالهِباتِ
وَمَا كادَ يَنْصُفُ لَيْلُ الهُمُومِ / أَنارَ صَباحَكَ لي فِي البَياتِ
فَوَفَّرْتُ فِي الوَجْهِ ماءَ الحياءِ / بِداراً إِلَيْهِ بِماءِ الحَياةِ
فكَيْفَ وَقَدْ راقَ شُكْرِي عَلَيْكَ / وأَوْثَقْتَ لي منكَ رَهْنَ العِدَاتِ
فهذا أوانُ أَذانِ الغِداءِ / وَقَدْ حانَ منّا إِقامُ الصَّلاةِ
وهذا إِمامُ الهُدى مُنْصِتٌ / إِلَى دَعْوَةِ الدِّينِ والمَكْرُماتِ
لِتَهْنَئْ سلامتُكَ المسلمينا
لِتَهْنَئْ سلامتُكَ المسلمينا / وتَفْدِكَ أَنْفُسُهُمْ أَجمعينا
فقد صَدَّقَ اللهُ مَا يرغبونا / وَقَدْ حقَّقَ الله مَا يأْمَلُونا
غَزَوْتَ فأُعطِيت نَصْراً عزيزاً / وصُلْتَ فَوُفِّيتَ فتحاً مُبينا
بسيفٍ ضربتَ بِهِ فِي الإِلَهِ / فأَعْزَزْتَ ملكاً ودُنيا ودِينا
وبَلْدَةِ شِرْكٍ تَيَمَّمْتَها / فغادَرْتَها آيَةَ السَّائِلِينا
ودائِعُ مجدٍ تَقَلَّدْتَها / فكُنتَ عليها القوِيَّ الأَمينا
نهضتَ فأَرْضَيْتَ مِنَّا النفوسَ / وأُبْتَ فأَقْرَرْتَ مِنَّا العُيُونا
فما خَيَّبَ اللهُ فيكَ الرجاءَ / وَلا كذَّبَ الله فيك الظُّنونا
فأُبقِيتَ حِصناً منيعاً رفيعاً / ودُمْتَ كريماً عزيزاً مَكينا
هو البدرُ فِي فَلَكِ المَجْدِ دارا
هو البدرُ فِي فَلَكِ المَجْدِ دارا / فما غَسَقَ الخطبُ إِلّا أَنارَا
تَجَلَّى لَنَا فَأرَتْنَا السُّعودُ / غُيُوبَ المُنى فِي سناهُ جِهارا
وأَوْفَى فكادَتْ صَوَادِي القُلوبِ / تفوتُ العُيونَ إِلَيْهِ بِدارا
وحَلَّ فَحَلَّتْ جِسامُ الفُتُو / حِ تَبْأَى اخْتِيالاً وتُزْهى افْتِخارا
وحَقَّ لَهُ اليومَ رِقُّ الكرا / مِ طَوْعاً ورِقُّ العُداةِ اقْتِسارا
فَيا رُبَّ غايَةِ مَجْدٍ شَأَوْتَ / إِلَى فَخْرِها مُعْجِزاً أَنْ تُجارى
ومن يَسْمُ فِي ذِرْوَتَيْ حِمْيَرٍ / ويَحْتَلَّ من يَمَنِ المُلْكِ دارا
يُنازِعْ إِلَى شِبْهِ ذَاكَ السَّناءِ / وتَنْحُ مساعِيهِ ذَاكَ النِّجارا
وحَسْبُ الخليفةِ إِيثارُهُ / لكُمْ دونَ هَذَا الأَنامِ اقْتِصارا
تَنَقَّاكُمَا عامِرِيَّيْنِ قاما / بأَعبائِهِ فاسْتَجَدَّا الفَخارا
فلَمْ يَأْلُ بحبوحَةَ الملكِ حَظّاً / ولا ادَّخَرَ المسلمينَ اختيارا
رمى بكَ بَحرَ الأَعادِي وأَدْنى / من المُلْكِ حاجِبَهُ مُسْتَشارا
فكانَ الحسامَ وكُنْتَ السِّنانَ / وَكَانَ الشِّعارَ وكنتَ الدِّثارا
ولأْلأَ منهُ عَلَى الدِّينِ نُوراً / وأَضْرَمَ منكَ عَلَى الشِّرْكِ نارا
فأَوْلَيْتَ نُعْماهُ فِي اللهِ عَزْماً / ترى النَّصْرَ يَقْدُمُهُ حَيْثُ سارا
فصُنْتَ العُلا وأَبَحْتَ النَّدى / وحُطْتَ الهُدى وحميتَ الذِّمارا
فأَصبحَ سيفُكَ للدينِ حِصْناً / وأَمسى سِنانُكَ لِلْثَّغْرِ جارا
وَفِي شَنْتِ ياقُبَ أَوْرَدْتَها / شوارِبَ يَبْغِينَ فِي البحرِ ثارا
فسِرْتَ هِلالاً تُبارِي الهِلالَ / إِلَيْها وبَحْراً يخوضُ البِحارا
وشمساً تَطَلَّعُ بالمَغْرِبَيْنِ / بحيثُ تُوافِي ذُكاءُ الغُبارا
فما رِمْتَ حَتَّى عَلَتْ جانِباها / بأَيدِي المَذَاكِي عَجاجاً مُثارا
تهُبُّ بِهَا فِي الهواءِ الرِّيا / حُ إِمَّا دُخاناً وإِما غُبارا
وَلَمْ يَسْتَطِعْ ياقُبٌ نَصْرَها / ولا دَفَعَ الخَسْفَ عنهُ انْتِصارا
لَئِنْ غَوَّرَتْ فِي شَغافِ الشّمالِ / لقد أَنْجَدَ الفَتْحُ مِنْها وغَارا
وأَخْلَفَ بِرمُنْدَ منها الرَّجاءُ / وَمَا زادَهُ الشِّرْكُ إِلّا تَبارا
أَطَرْتَ إِلَى ناظِرَيْهِ عَجاجاً / تركتَ بِهِ عَقْلَهُ مُسْتَطارا
فما يعرفُ العَهْدَ إِلّا امْتِراءً / ولا يُوقِنُ العهدَ إِلّا ادِّكارا
ولما ادَّرَعْتَ إِلَيْهِ اليَقِي / نَ لَمْ يَدَّرِعْ منكَ إِلّا الفِرارا
وشامَ غِرَارَيْ حُسامِ المنايا / فما يَطْعَمُ النَّوْمَ إِلّا غرارا
ولَنْيُوشُ أَمْطَرْتَها صائباتٍ / تُصِيبُ النفوسَ وتَعْفو الدِّيارا
هَزَزْتَ إِلَيْها رِماحاً طِوالاً / تُصَيِّرُ أَعمارَ قومٍ قِصارا
فغادَرْتَها فِي ضَمانِ الإِلهِ / ويَمَّمْتَ أعلى وأَنْأَى مَزَارا
وَقَدْ يَفْرِسُ الليثُ أَرْوى الهِضابِ / ويُهْمِلُ حَرْشَ الضِّبابِ احْتِقارا
وخَلَّفْتَ فِيهَا مُبِيدَ الضَّلالِ / يُقَرِّبُها لَكَ ثوباً مُعَارا
يُكَفكِفُ أَدْمُعَ عَيْنٍ سِجاماً / ويُبْرِدُ أَحشاءَ صَدْرٍ حِرَارا
فَإِنْ أَخْطَأَتْهُ كُؤوسُ المنايا / لقد خَلَّدَتْ فِي حَشاهُ خُمارا
وعمَّ بِهَا فتحُكَ الأَرضَ نُوراً / كَمَا ذَرَّتِ الشمسُ فِيهَا النَّهارا
فَعَرِّجْ عَلَى الحَجِّ بالمسلمينَ / بِعُقْبِ اصْطِلامِكَ حَجَّ النَّصارى
فقد نَشَرَتْ مِصْرُ والقيروانُ / ومَدَّتْ عيونُ الحجازِ انْتِظارا
تَسَمَّعْ لِدَعْوَةِ ناءٍ غَرِيبِ
تَسَمَّعْ لِدَعْوَةِ ناءٍ غَرِيبِ / كَثيرِ الدُّعاءِ قليلِ المُجِيبِ
يَهيمُ إِلَيْكَ بِهَمٍّ شُجاعٍ / ويَجْبُنُ عنكَ بِسَتْرٍ هَيوبِ
ويقتادُهُ منكَ صِدْقُ اليقينِ / فيرتابُ منه بِظَنٍّ كَذُوبِ
أَيَأْذَنُ سَمْعُكَ لِي من بَعيدٍ / ولحظُكَ قَدْ رابَنِي من قريبِ
وكيفَ بأَشجانِ قلبٍ عزيزٍ / فيُسْعِدُهُ لَهْوُ قلبٍ طَروبِ
فناداكَ من غَمَراتِ التَّناسِي / وناجاكَ فِي ظُلُماتِ الخُطوبِ
بِبالِغَةٍ للتَّرَاقِي حَدَتْها / إِلَيْكَ وَصاةُ القريبِ المُجيبِ
بما خُطَّ للجارِ وابْنِ السَّبيلِ / وأُوجِبَ للمُسْتَضامِ الغريبِ
وَمَا قَدْ حَباكَ الرِّضا من مليكٍ / بلاكَ بلاءَ الحُسامِ الرَّسُوبِ
فَحَلّاكَ إِكرامَهُ فِي العيونِ / لِتَقْدُمَ أَعلامَهُ فِي الحروبِ
وأَذْكَى سِراجَكَ وَسْطَ القصورِ / لِيُعْلي عَجاجَكَ خَلْفَ الدُّروبِ
فأَرْعَيْتَهُ صِدْقَ حُرٍّ شَكُورٍ / تَسَرْبَلَ إِخلاصَ عَبْدٍ مُنِيبِ
وأَبْلَيْتَهُ نُصْحَ جَيبٍ سَليمٍ / وفِيِّ الضَّمانِ بِنُصْحِ الجُيُوبِ
تقودُ إِلَيْهِ رجاءَ البعيدِ / وتتلُو عَلَيْهِ ثناءَ القريبِ
وتَلْقى وُجوهَ المُحِبِّينَ عنهُ / بِبِشْرِ المُحِبِّ ووَصْلِ الحبيبِ
وكم مِنْبَرٍ للعُلا قَدْ بناهُ / لَهُ اللهُ من مُعظَماتِ الصَّليبِ
حَمَيْتَ ذُرَاهُ بأَنْفٍ حَمِيٍّ / ورَحْبَ ذَرَاهُ بصدرٍ رَحيبِ
وضاقَ بِمَنْ أَسْمَعَ الضَّيْمَ عَنْهُ / فيا لخطيبٍ صريعِ الخُطوبِ
قريبٌ إِلَى كلِّ أُفْقٍ بعيدٍ / بعيدٌ عَلَى ذِكْرِ مولىً قريبِ
وَقَدْ أَطْلَعَ الشرقُ والغربُ عنهُ / كواكِبَ تهوي لغيرِ الغُروبِ
نجوماً أَضاءَتْ بِفَصْلِ الخطابِ / لَهُ الدَّهْرَ إِلّا مكانَ الخطيبِ
وعنهُ تَنَكَّبْتَ قوسَ النِّضالِ / فَرِشْتَ لَهَا كلَّ سَهْمٍ مُصيبِ
فأَوْتَرْتَها لقلوبِ العُداةِ / وأَغْرَقْتَ فِيهَا لِرَمْيِ الغُيُوبِ
فما لَكَ عن غَرَضٍ كالصَّباحِ / تجلَّلَ أُفْقَ الصَّبا والجَنُوبِ
يضاحِكُ من رَوْضِ فِكْرِي بِذِكْرِي / أَزاهِيرَ نَوْرٍ بِنُورٍ مَشوبِ
فلِلَّهِ إِشراقُ ذَاكَ الشبابِ / تأَلَّقَ فِي حُسْنِ ذَاكَ المَشيبِ
فَفَاحَ تَضَوُّعُ ذا من ضَياعِي / كَمَا لاحَ مَطْلَعُ ذا من غُرُوبِي
فتِلْكَ نقائِضُ سَعْيِي وسَعْدِي / يُنادِينَ يَا لَلْعُجابِ العَجيبِ
وتلكَ بضائِعُ نثري ونظمي / ضوارِبُ فِي الأَرْضِ هَلْ من ضَريبِ
ويا للخلائِقِ هلْ من مُساوٍ / ويا للدَّواوينِ هل من مُجيب
ويا نَشْأَتِي عبْدِ شَمسٍ / ومن أَعْقَبَتْ هاشِمٌ من عَقِيبِ
وَمَا خَطَّهُ أَثَرٌ عن أَميرٍ / وسَطَّرَهُ أَرَبٌ عن أَرِيبِ
فَهَلْ فِي الوَرى غَيْرُ سَمْعٍ شهيدٍ / يُلَبِّيهِ كُلُّ فؤادٍ لَبيبِ
وغيرُ لسانٍ صدوقِ البيانِ / يُقِرُّ لَهُ كلُّ زَعْمٍ كَذُوبِ
بأَنْ لَمْ يَفُزْ قَبْلَها مُلْكُ مَلْكٍ / بِقِدْحٍ كَقِدْحِ مَلِيكَيْ تُجِيبِ
فأَنْجِبْ بِمُورِثِهِ من مَليكٍ / وأَسْعِدْ بوارِثِهِ من نَجِيبِ
وأَعْجِبْ بأَوفى مليكٍ أَضاعَ / من الذِّكْرِ والفخرِ أَوْفى نَصِيبِ
لواءَ ثناءٍ كَبَرْقِ الغَمامِ / يُهِلُّ إِلَيْهِ لواءُ الحروبِ
وَمَا قَدْ كَسَا كُلَّ بَرِّ وبَحْرٍ / بذكراهُ من كُلِّ حُسْنٍ وَطِيبِ
حَدَائِقَ من زَهَرَاتِ العُقولِ / تفوحُ إِلَى ثَمَرَاتِ القُلُوبِ
تَغَنَّى العذارى بِهَا فِي الخُدورِ / وتُحدَى المهارى بِهَا في السُّهوبِ
وَقَدْ أَيْنَعَ الحَزْنُ والسَّهْلُ منها / بِشِرْبِ ذَنوبٍ مَحا من ذُنُوبِي
بلاغُ حياةٍ وأَحْجَمْتُ عنهُ / لعودِ الخِباءِ ولِلْعَنْدَلِيبِ
كما ابْتَزَّ صَيْدَ العُقابِ الذُّبابُ / وصادَ النَّعامَ حَسيرُ الدَّبيبِ
وذُلِّيَ أَوْدَعَ هَذَا وهذا / أَظافِيرَ لَيْثٍ وأَنيابَ ذيبِ
مظالِمُ أَظْلَمَ حَقُّ المُحِقِّ / بِهِنَّ وأَشْرَقَ رَيْبُ المُرِيبِ
وأَنتَ عليها شهيدُ العِيانِ / وحكمُكَ فِيهَا صريحُ الوُجوبِ
ووَعْدُكَ أَلزَمَنِي من ذَرَاكَ / وِصالَ المُحِبِّ ورَعْيَ الرَّقِيبِ
فحِينَ افتَتَحْتَ بنصرٍ عزيزٍ / يُبَشِّرُ عنكَ بفتحٍ قريبِ
تَرَقَّيْتَ فِي هَضْبَةِ العِزِّ عَنِّي / وأَهْوَيْتَ بي لِمَهيلٍ كَثيبِ
ولَفَّتْكَ دُونِي غصونُ النعِيمِ / وأُسْلِمْتُ ضاحِيَ مَرْعىً جَديبِ
فَمُلِّيتَها جَنَّةً لا يزالُ / يُمَدُّ بِهَا كُلُّ عيشٍ خَصِيبِ
ولا بَرِحَتْها طيورُ السرورِ / يَميدُ بِهَا كلُّ غصنٍ رطيبِ
وإِنْ شاقَني من صَباها نسيمٌ / يُفَرِّجُ عنِّي بُرُوحَ الهَبُوبِ
وأُظْمِيتُ منها إِلَى رَشْفِ ماءٍ / يُمَثَّلُ لي فِيهِ رِيقُ الحبيبِ
وكم سُمْتُ أَوْراقَها فِي الرِّياحِ / لأَخْصِفَ فِيهَا لعارٍ سَليبِ
وأَمْسَحَها فِي مآقي جُفونٍ / دَوَامِي القَذَى قَرِحاتِ الغُرُوبِ
بما فَتَّ فيهنَّ رَمْيُ العُداةِ / وَمَا غَضَّ منهُنَّ ذُلُّ الغريبِ
فإِنْ رَمِدَتْ فقليلٌ لِعَيْنٍ / يُقَلِّبُها شَجْوُ قلبٍ كئيبِ
وإِنْ قَدَحَتْ بالحَشا فِي الحشايا / فَزَنْدَا ضِرامٍ لنارِ الكُروبِ
تُؤَجِّجُها حَسَرَاتُ التَّناسي / وتَنْفُخُها زَفَرَاتُ النَّحِيبِ
وكُلّاً وَسِعْتُ بصبرٍ جميلٍ / وبَعْضاً كَفَفْتُ بدمعٍ سَكوبِ
لأُوقِدَ منها مصابِيحَ جَمْرٍ / تُنِيرُ إِلَيْكَ بِسِرِّ الغُيوبِ
ولو غابَ عِلْمُكَ عن بَحرِ ظِمءٍ / وَمَا غِيضَ من شربِه فِي الشُّروبِ
لأغناكَ عن شُبْهَةِ الشَّكِّ فِيهِ / ذُبُولُ الجنى فِي ذُبولِ القضيبِ
وحَسْبي لَهَا منكَ حُرٌّ كريمٌ / وفيُّ الشهودِ أمين المَغِيبِ
وأرْجى عَليلٍ لِبُرْءِ السَّقَامِ / عليلٌ تَيَقَّنَ يُمنَ الطَّبيبِ
وحُسْنُ الظُّنونِ لِصدْقِ اليقينِ / نسيبٌ ولا كالنسيبِ الحسيبِ
فإنْ تُنهِ عَنِّي فأولى مُجابِ / دَعا للمكارِمِ أهدى مُجيبِ
وكُنتَ بذلِكَ أحظى مُثابٍ / لَهُ من ثَنائِيَ أوفى مُثيبِ
ومن يَمْنَعِ الضَّيفَ رَحْبَ الفِناءِ / فقد قادَهُ للفضاءِ الرَّحِيبِ
أيادِيكَ رَدَّتْ يَدِي فِي يَدَيْكا
أيادِيكَ رَدَّتْ يَدِي فِي يَدَيْكا / وبِرُّكَ قادَ عِناني إليْكا
كقَوْدِكَ للحربِ خَيْلاً تَهُزُّ / عَوَاليَها من كِلا جانِبَيْكا
وقد أبْصرَ النُّجْحُ فِي ناظِرَيْكا / وساعَدَهُ السَّعْدُ من ساعِديكا
وهذا إيابيَ من يومِ زُمَّتْ / رِكابِيَ من غُرَّتَيْ كَوْكَبَيْكا
إلى كل بَرٍّ وبحرٍ أنارَتْ / جَوَانِبُها مِنْ ثَنائي عَلَيكا
أشِيمُ نجوماً هَدَتْني إليكَ / تَلوحُ مَطَالِعُها مِنْ يَدَيْكا
يدورُ بِهَا فَلَكٌ من عُلاكَ / فمِنْ مَشْرِقيْكَ إلى مَغْرِبَيكا
لياليَ أبْقَيْتَها للأَنامِ / وذِكْرَاكَ فِيهَا حَماماً وأيْكا
فلا بَرِحَتْ نِعَمُ اللهِ تَتْرى / لَدَيَّ مُفَجَّرَةً من يَدَيْكا
هنيئاً لَنَا ولِأَقصى العِبادِ
هنيئاً لَنَا ولِأَقصى العِبادِ / جِهادُكَ فِي الله حَقَّ الجِهادِ
تُباري الصَّبا وتُناوي الشَمالَ / تُرَاوِحُ أرْضَ العِدى أو تُغادي
بِسُمْرِ القَنا وبِبِيضِ السُّيوفِ / وحُرِّ الكُماةِ وغُرِّ الجِيادِ
جيوشاً تَضِلُّ الأدِلّاءُ فِيهَا / وأنتَ لهَا بِهُدى النَّصْرِ هادِ
إذا اكتَحَلَ الجَوُّ كُحْلَ الظَّلامِ / كَحَلْتَ العيونَ بِطولِ السُّهادِ
تقودُ أعِنَّتَها مُسْتَقِيداً / إليكَ بِها كُلَّ صَعْبِ القِيادِ
مُظَلَّلةً بِعَوالي الرِّماحِ / مُكَلَّلَةً بِطِوالِ الهوادي
مُجَلَّلَةً منكَ بَرْدَ اليقينِ / فَهانَ عَليْهُنَّ حَرُّ الجِلادِ
تُوَطِّئُهُنَّ لحمْلِ الكُماةِ / وتُوطِئُهُنَّ صدورَ الأعادي
مُجِيباً بهِنَّ مُنادِي الإلهِ / فَلَبَّاَكَ كُلُّ مُجيبِ المُنادِي
بعَزْمٍ يُذَكِّرُ أرْضَ الأعادي / هُبوبَ العواصفِ فِي أرضِ عادِ
فأقْدَمْتَها يَا ابْنَ عبدِ العزيزِ / لِعزِّ المُوالي وذُلِّ المُعادي
لِتُحييَ من حَكَمٍ حُكْمَهُ / بِسَقْيِ الرَّدى كُلَّ باغٍ وَعادِ
ولم يَثْنِها عن مَدىً غارَةٌ / تُغَوِّرُها فِي مَغَارِ البِعادِ
ولا أخَّرَتْ يانِعاتِ الرُّؤوسِ / ليوم الجَنى وليومِ الجِدادِ
فلأياً طَرَدْتَ المَها عن أسودٍ / أبَرْتَهُمُ فِي مَكَرِّ الطِّرادِ
دِياراً سَقَيْتَ دَمَ المانِعيها / مُتُونَ الرُّبى وبُطونَ الوِهادِ
وأطْفَأْتَ فيهنَّ نارَ السُّيوفِ / وأضْرَمْتَ منهنَّ قَدْحَ الزِّنادِ
وَقُوداً تُبَيَّضُ فِيهَا الليالي / ويُصْبَغُ نُورُ الضُّحى بِالسَّوادِ
بما بُدِّلَتْ من مَجالِ الرماحِ / مَجالَ الرِّياحِ بِهَا فِي الرَّمادِ
فَأُلبِسْتَ فِيهَا ثيابَ السرورِ / وغادَرْتَها فِي ثيابِ الحِدادِ
بفَتْحٍ تَفَتَّحُ منهُ الأماني / إلى كُلِّ حاضِرِ أرْضٍ وَبادِ
مَعالِمُ منها تَعَلَّمْتُ منكَ / إليكَ مسالِكَ سُبْل الجِهادِ
فَأعْلَيتُ نَحَوَكَ بَندَ الثناءِ / وقُدْتُ إليكَ خُيُولَ الوِدادِ
وشَرَّدَ جَفْني لذيذَ المنامِ / وعَطَّلَ جَنْبي وَثيرَ المِهادِ
مثالاً تَمَثَّلْتُهُ منكَ فيكَ / وأنتَ إلى الغَزْوِ سارٍ فغَادِ
فَكَمْ أبْتَ منهُ بِبِيضِ الوجوهِ / كما أبتُ منكَ ببيضِ الأَيادي
وكم عُدْتَ منهُ بفتحِ الفُتوحِ / كم عادَ لي منكَ عَهْدَ العِهادِ
ولكنَّ منكُم جَوادِي وسَرْجِي / ونُزْلي ويُسْرِي ومائي وزادي
وأنتُم شَدَدْتُمُ يَميني بِرُمحِي / وهَيَّأْتُمُ عاتِقي للنِّجادِ
وأنتُمْ سَقَيْتُمْ ثَرَاةَ اغْتِرابي / سِجالَ الغَمامِ وصَوْبَ الغَوَادي
فتِلْكَ أزاهِيرُها قَدْ سَقَيتُمْ / تَفُوحُ لَكُمُ من أقاصِي البِلادِ
ويَسْرِي بِهَا فِي الدُّجى كُلُّ سارٍ / ويَشدُو بِهَا فِي الورى كُلُّ شادِ
على كُلِّ فُلْكٍ طَرُوقِ الشِّراعِ / وَفي كُلِّ رَحْلٍ وَثيقِ الشِّدادِ
وتِلكَ حدائِقُ مَا قَدْ غَرَسْتُمْ / مُنىً وجنىً لِنفوسِ العِبادِ
تَرَوَّضُ من نَشْرِها كُلُّ أرْضٍ / ويَنْدى بإنشادِها كُلُّ نادِ
سَتُؤْتِيكُمُ أُكْلَها كُلَّ حينٍ / ويُجنِيكُمُ زَهْرَها كُلُّ وادِ
بإحياءِ فَخْرِكُمُ للْحياةِ / وإجزال ذُخْرِكُمُ فِي المَعادِ
ودُونَكَ غَرَّاءَ يُضْحِي سَناها / بِغُرَّةِ سَيِّدِها فِي ازْدِيادِ
فلا خَانَها أمَلُ المُسْتَفِيدِ / وَأُبْقِيتَ فِي عُمُرٍ مُسْتفادِ
عزاءً وأنتَ عَزَاءُ الجَمِيعِ
عزاءً وأنتَ عَزَاءُ الجَمِيعِ / ومن ذا سِواكَ لِجَبْرِ الصُّدوعِ
ومَنْ ذا سواك لرُزْءٍ جليلٍ / تُسَلِّيهِ أو لمقامٍ فَظيعِ
ولولاكَ مَا كانَ بالمستَطاعِ / جَوىً مَا لأدناهُ من مُسْتَطِيعِ
لَهَبَّ العويلُ هبوبَ الرِّياحِ / فَعفَّى السُّلُوَّ عَفاءَ الرُّبوعِ
وفُلَّتْ ظُبى كُلِّ عَضْبٍ صقيلٍ / وَهُبَّتْ ذُرى كلِّ سُورٍ مَنيعِ
وأقبَلَتِ الخيلُ من كلِّ أوْبٍ / تَجُرُّ أعِنَّةَ ذُلِّ الخضوعِ
لِنَجْمٍ تَلألأَ للآمِلينَ / فَغُوِّرَ عنَّا بُعَيْدَ الطُلوعِ
وغيْمٍ تَدَفَّقَ لِلرَّاغِبينَ / فأقشَعَ عندَ أوانِ الهُمُوعِ
فيا صَدْرُ هاتِ زفيرَ الضُّلوعِ / ويا عَيْنُ هاتي غَزيرَ الدُّموعِ
لأُسْعِدَ فيهِ بُكاءَ السماءِ / بِذَوْبِ الهجيرِ وَصوبِ الرَّبيعِ
كَصَوْبِ خوافِقِهِ فِي الحَبيكِ / وصَوتِ مَغافِرِهِ فِي الدُّروعِ
وأجنادِهِ فِي فضاءِ الثُّغورِ / تَرُوعُ الأعادِيَ مِنْ كُلِّ ريعِ
بسُمْرٍ تُفَجِّرُ من كُلِّ صَدْرٍ / مَقَرَّ النفوسِ ودَرَّ النَّجيعِ
وبِيضٍ تفيضُ عَلَى المُلْحِدِينَ / بموتٍ ذُعافٍ وسُمٍّ نَقيعِ
وجُرْدٍ يُنَفِّضْنَ أعرَافَهُنَّ / عَلَى كُلِّ مَصْرَعِ غاوٍ صَريعِ
فَفُزْ يَا مُظَفَّرُ مِمَّنْ شَجاكَ / بِأَكْرَمِ ذُخْرٍ وأزكى شَفِيعِ
تُصافِحُهُ عندَ بابِ الجِنانِ / وتعلُو بِهِ فِي المَحَلِّ الرَّفيعِ
وفي ذِمَّةِ اللهِ أصْلٌ كريمٌ / يُسكِّنُ من فقدِ بعضِ الفُرُوعِ
بِطْولِ بقاءٍ يَفي بالزَّمانِ / وصَفْوِ حياةٍ تَفي بالجَميعِ

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025