المجموع : 14
ألم يَأنِ يا صاح أم قد أَنَى
ألم يَأنِ يا صاح أم قد أَنَى / بأمر المُتَيَّم أن يُعتَنى
فعُجْ بالمطيّة لي عَوجةً / على العَلَمِ الفَرْدِ بالمُنْحنى
وحَيِّ مِن الحَيِّ مَن عندَه / فؤادي أسيرٌ ولا يْفْتَدى
مضَى العُمْرُ أجمعه في البِعادِ / فَموْعُدَنا للتّداني متى
ولم يُبْقِِ مُفتَرقُ الظّاعني / نَ باقيةً فِيّ للملْتقى
فأهْدِ ولو رَدّةً للسلامِ / وأَوْلِ ولو زَوْرةً في الكرَى
عَذيرِيَ من شادنٍ عَهدُهُ / قضى بالصّبابةِ لي وانقضَى
يُعَذِّبُ أحبابه ظالماً / وما ذا على غادرٍ لو وَفى
وحَلَّ الغضا فهْو في نارِهِ / إذا شاءيُضرِم لي في الحشا
ولم يتَعلّمْ سوىالهجرِ قط / فلو شاء وَ صْلَ فتىً مادَرى
فَدَى سحْرَ عينيْك ظبيُ الصّريمِ / وغُرّةَ وجهك شمسُ الضُّحى
ولو لم تكنْ أنت نَفْسي هوىً / جعلْتُ إذَنْ لك نَفْسي فِدى
وكم مَوعدٍ بات طَرْفي عليه / لَطيْفِك مُرتَقباً لو سَرى
وليلٍ تَسربَلْتُ منه الجديدَ / إلى أن تَمزَّقَ عنّى بِلى
فلم يَعرَ خَدّي من الدّمعِ فيه / ولا ناظري بالجفونِ اكتسى
تَذكّرتُ عهدَ الحمى فاستَهل / فللّهِ ذِكريَ عهْدَ الحِمى
ولم يعُدِ الصُّبْحُ لكنّني / غَسلْتُ بدَمْعيَ ثوبَ الدُّجى
وفتّانةٍ سلَبتْني الفؤادَ / بعَيْنٍ لها سلَبْتها المَها
كما يَنتضِي سيفَه غاضبٌ / وأوّلُ ما غَضِب المُنتضى
تَمَنّيتُ عَودةَ أيامِها / وهل راجعٌ زمَنٌ قد مضى
نظرتُ إلى أخْرَياتِ الشّبابِ / وقد كاد أن يتَناهَى المَدى
وعهدُ التّصابي كأنّي به / يَمُرُّ كما مَرَّ عهدُ الصِّبا
أقولُ لرَكْبٍ غَدَوا مُعرِقينَ / على العيسِ نافخةٌ في البُرى
قِفوا لي أُسايرْكُمُ وَقْفَة / فَعَنْسيَ مرحولةٌ للنّوى
وضُمُّوا إليكم صغيراً كما / بَنو النّعْشِ يَستصحبونَ السُّها
وإنْ طَوَّفوا حولَ قُطْبِ السّماءِ / فَسِيروا نطُفْ حولَ قٌطْبِ العُلا
وما هو إلاّ حريمُ الإمام / فقد ظَلَّ مَقْصدَ كُلِ الورى
فلمّا أملْنا إليه الرِّكابَ / مُواصلةً سَيْرَها بالسرى
ذَرَعْنَ بنا البِيدَ ذَرْعَ الرِّداءِ / بأيدٍ سريعةِ رجَعِ الخُطا
فلمّا بدا من سوادِ العراقِ / لأعيُنهنَّ بَياضُ الصَّوى
وغَنّى الحُداةُ وراء المَطِي / وقالوا وصلْتَ فماذا تَرى
تَنَفّسَ في الجَوِّريحَ الجَنوبِ / بُكوراً معَ الصُّبْح لمّا بَدا
بناشئةٍ من رقيقِِ الغَمامِ / بها الأفْقُ عند الصّباح احتَبى
فلم تُطْرفِ العين حتّى استطار / سَناها وحتّى استدارَالرَّحا
وراقَ العيونَ لها عارِضٌ / إذا ضَحِك البرق فيه بكَى
فظَلَّ كأنَّ ارتقاصَ القِطارِ / بوَجْهِ الصّعيدِ افْتِحاصُ القَطا
وحارَ له الرَّكبُ فوقَ الرَكابِ / وقد أصبحَ السّيل ُ مِلءَ المَلا
فقلتُ وقد حالَ دونَ المَسيرِ / ألا ما أقَلَّ حياءَ الحيا
ألم تَدْرِياغيثُأم قد درَيْتَ / بأنّا وفودُ إمامِ الهُدى
نسيرُ إلى ابْنِ الّذي أطلقَتْكَ / يَداهُ لدى المَحْلِ لمّا دَعا
رأى زمَناً حبسَ اللهُ في / ه قَطْر الغمامِ بما قد جَنى
على حينَ ضَجّتْ بلادُ الحِجازِ / إلى رَبِّها ضَجّةً من ظَما
فقام إلى القطْرِ فافتكَّهُ / من الأَسْرِ صِنْوُ أبى المُصطَفى
بأنْ يَلِيَ الأرضَ أبناؤه / إلى الحَشْرِ يَرْوونَها بالنّدى
فما الغيثُ مثْلَكَ في شِيمةٍ / ولكنّه عَبْدُك المُفْتَدى
وما يَنْزِلُ الغيثُ إلا لأنْ / يُقَبِلَ بين يَديْك الثّرى
فللّهِ دولةُ مُستَخلَفٍ / به راحَ مسظهِراً واغتَدى
غدا الدّينُ والملكُ في ظِلِّه / وكُلٌّ مَنيعٍ رفيعٌ الذُرا
يُشافُ ويُشْفَى بآرائه / إذا مَسّه صَدأُ أو صَدى
أعارَ الاعاديَ هاماً متى / أبَوا شُكْرَهُ ارتجعَتْها الظُّبى
وأعطَتتْ زكاةَ النّدَى كفُّه / فنالَتْ يَدُ البحر منها الغِنى
وأُقسِمُ ما مثْلُه في السّخا / ءِ إلا زمانٌ به قد سَخا
وَلاؤك أوفَى أبٍ لامْرىءٍ / فَخاراً إذا ما إليه اعتَزى
وما جعل الدّهْرَ صَعْبَ الإباءِ / سوى أنَّه بذُراكَ احتمى
وما جاد بالطّبعِ كفُّ السحا / بِ بلْ بمِثالِ يدَيْكَ احتذى
فلله مَلْكٌ بكِلْتا يدَيْهِ / يُحيِي الهُدَى حينَ يُردي العِدا
كإلْفِ مَواهبِه للأكُفْ / ف إلْفُ قَواضبِه للطُلى
فلو ضافَه كُلُّ وَحْشِ الفلاة / تَكَفّلَ صَمصامُه بالقِرى
ولو قَلَستْ سُمْرُه ما احتسَتْ / بَلغْنَ سُيولُ الدماء الزُّبى
ولو وَرِثَ النّسرُ عُمْرَ القتيلِ / لما حَلّ بالفُتْخ صرْفُ الرَّدى
فأجدِرْ بنوركَ أن يُستضاءَ / وأكبَرْ بنارِك أن تُصطلَى
بأدنَى الرِضا منك مَن يَرتجيك / ينالُ من الدَّهرِ فوقَ الرِضا
وما برِحَتْ بالوفود المَطِيْ / يُ تَفْلِي إليك نواصي الفَلا
حَملْنَ إليْك جميل الثّناء / وَيحمِلْنَ عنك جزيلَ اللُّها
وقد كادَ يَعْيا على النّاطقينَ / إلى مَدْحِ مثْلِكَ أن يُهتدَى
فَعلّتَ بنا بمعاني عُلا / كَ كيفَ الثّناءُ على مَنْ عَلا
هلِ العِلْمُ شَيءٌ سوى ما وَرِثْتَ / ومَن قال غيرَ مَقالي اعتدَى
أما نشأ الوحيُ في بيِتكم / فهل سرّه لسِواكُم فَشا
ألم يَرَ جِبريلَ عند النّبِيّ / بِهْيئتهِ الحَبْرُ لَمّا هَوى
أما قالَ فَقِّهْهُ في الدّينِ رَبّ / وعلّمْهُ تأويلَه المُبتَغى
أيُرتابُ أنّ دُعاءَ الرّسولِ / به حقَّق اللهُ ما قد رَجا
أخصَّ سِواهُ بعِلْمِ الكتاب / كما خَصَّ كُلاً بما قد رأى
أما كّلُّ شيءٍ بهذا الكِتا / ب ما فرط الله فيما حوى
وجدكم ترجمان الكتاب / فهل فوق ذلك من مُرتقى
وهل باطِنٌ بعد هذا العُمو / مِ باق فُيكشَفَ عنه تُرى
سوى أنَّه مَرقَتْ فرقةٌ / من الدّينِ حين هَوتْ في الهوى
لتَشْرعَ دِيناً بلَهْوِ الحديثِ / فأولى لها لو نَهاها النُّهى
بدا الحقُّ يفترُّ للناظرين / فمالُوا إلى باطلٍ يُفْترى
وما بحثوا عن هُدىً للنفوسِ / ولكنّهم بحثُوا عن مُدى
وكم مُحَنقٍ من ولائي لكم / يَراني فيُطرَفُ بي من قلى
وعِبْءٌ على جَفْنِ عينِ الجَهولِ / لِقاءُ أخى العلم مهما رأى
سَلوا إن جَهِلتُم فإنّ السّؤا / ل يجلو عن النّاظرينَ العَمى
أكانَ النّبِيُّ وراء السُّجو / ف يرمُز بالدّين لمّا أتى
ويأخُذُ أَخْذَ المُريبِ العُهودَ / بكَتْمِ العقيدةِ إذ تُبتلَى
أمِ الحَقُّ أبلَجُ مِثْلُ الصّباحِ / من مُبتداً وإلى مُنتَهى
دعا الخَلْقَ دَعْوتَه ظاهراً / وليس سوى الله من مُتّقى
وطاف بها عارضاً نفسَه / على كُلِّ حيٍّ نأى أو دَنا
يُنادي بها مِلْءَ أذْنِ القَريبِ / ويُوصِي بتَبليغ مَن قد نأى
كذا عُهِدَ الشّرْعُ في بَدْئه / وما عُهِدَ الدهرَ إلاّ كَذا
إليك ابنَ ساقِي الحجيجِ الذي / به الله للخَلْق طُرّاً سقَى
دعاني الوَلاءُ وما زلتُ من / ه مُستَمْسِكاً بوَثيق العُرا
وما قلتُ من كلِمٍ تُستَجاَ / د صِدْقاً ومن مِدّحٍ تُرتَضى
من الدُّررِ الرّائقاتِ الّتي / خلِقْنَ لجِيد المعالي حُلى
سَوائغَ كالماء لكنّها / بمَسْلَكِ أنفاسِ قومٍ شَجا
سَوائرَ تَزهَرُ مثْلَ النُّجومِ / يَنالُ بها طالبٌ ما ابتغَى
فإن لم يكُنَّ نجومَ الدُّجَى / فما هُنّ إلا نجومُ الحِجا
فدُمْ للنّدى ما جرَى للرَّيا / ض في حَدَقِ النَّورِ دَمْعُ النَّدى
تَضوَّعُ مِسكاً مُتونُ البلاد / إذا ذِكْرُ مُلْككَ يوماً جَرى
فعَدْلُك أحسنُ حَلْيَ الزّمانِ / وحبُّكَ أنفَسُ ذُخْر الفتى
أرِقْتُ وصَحْبي بنَجْدٍ هُجودُ
أرِقْتُ وصَحْبي بنَجْدٍ هُجودُ / وأيدِي الرّكائبِ وَهْناً ركودُ
لبَرْقٍ تَبَسَّمَ فاستَعْبَرتْ / جُفوني وحَنَّ الفؤادُ العَميد
كأنّ تَلألُؤه في الظّلامِ / إذا لاحَ ثَغْرٌ لسلْمَى بَرود
دنا ضوءه فَسَما ناظري / إليه وسُقْياهُ منّا بَعيد
فمَنْ بالأجارعِ من وَمْضِه / مَشوقٌ ومَن بالمَطالي مَجود
وما ضَرَّ صحبي سنا بارقٍ / إذا ضَنَّ ما دام عَينَي تَجود
وشَوْقٌ نحَرتُ له مُقْلتي / بُكاءً لأنْ عادَني منه عِيد
ومن دونِ فاتنةِ البِيضِ بيِضٌ / ومن دونِ ساكنةِ البيدِ بِيد
فللّهِ قومٌ على نَأْيِهم / لهم من هَوايَ ذِمامٌ وكيد
نأىَ النّومُ عَنّىَ لمّا نأوا / وأقْسمَ لا عادَ حتّى يَعودوا
وقد بُدّلَ الوحشُ بالآنِسا / تِ يومَ غدا الظّعنُ منهم زَرود
فظَبياً يُراعُ بظَبيٍ يَروعُ / وخِشْفاً يُصادُ بخِشْفٍ يَصيد
نظرتُ إلى السِّرْبِ لمَّا نَصبْنَ / إلى الرَّكبِ أَجيادَها وهْي غِيد
فكم قلتُ للعَيْن أَين النقابُ / وكم قلتُ للجيدِ أَين العقود
فيا راكباً يتَخطّى الفلاةَ / به في الصباحِ نَجاةٌ وخُود
إذا ما بلُغْتُ الحِمى سالماً / وحُطَّتْ لِنضْوِك فيه القُتود
فَبلَّغْ سَلاميَ بَدْرَ الخيا / مِ يَكْسِفُه نأْيُه والصُّدود
بآيةِ ما قال يومَ الرَّحي / لِ مَرْعِيَّةٌ للخليلِ العهود
ولمَّا وقَفْنا غداةَ الوداعِ / وقِيدتْ لتظْعَن بالحيّ قُود
بكَى وتَنفَّس خوفَ الفِراق / فأسلَم عِقدَيْهِ جَفْنٌ وجِيد
كأنَّ الذي خلَعتْه النٌّحو / رُ من لُؤْلُؤٍ لَبِستْه الخُدود
رمانيَ عن عَطْفَةِ الحاجبَيْنِ / بطَرْفٍ كليلٍ شَباهُ حَديد
من النَّبْلِ يَملأ منه القلوبُ / جِراحاً وتَسلَمُ منه الجلود
أَفاتنةَ العينِ كم قد رمْيتِ / فَصِيدَ وسَهْمُكِ في القوسِ صِيد
كحضرة مَولَى الورى إذ تظَلُّ / ومن شَرف الدّينِ فيها سَديد
مُقيمٌ ولم تَخْلُ يوماً له / تَهائمُ من أَثَرٍ أو نُجود
مُصِيبٌ لأغراضِ مَن يَرتَجيه / يُشير فَيْقرُبُ منه البَعيد
فلا زال منها بهذا المحَلْ / لِ تَبدأُ آلاؤه أو تَعود
ولا خاب إلاّ جَهولانِ منه / عَدُوُّ يُكايِدُه أو حَسود
فتىً زانَهُ بأْسُه والسَّماحُ / ومَجَّده نَفْسُه والجُدود
لياليهِ بِيضٌ من المكرماتِ / وأيّامُ قَومٍ من اللٌّؤْمِ سُود
فقد ساد قبلَ خُلُوِّ الدّيارِ / وأَهْوِنْ بمَنْ حين تَخْلو يَسود
تَحُلُّ من المُلْكِ في وَسْطهِ / لأنّك في كُلِّ فَضْلٍ وَحيد
ومُزْدَوِجٌ كُلُّ دُرِّ النّظامِ / وواسِطةُ العِقْدِ فيه فَريد
ومَن حَلَّ فوقَ مَحلِّ النُّجومِ / فلا شَيْءَ يَنقُصه أو يَزيد
وتَكْبُرُ عَمّا به يَكْبُرون / فما لكَ في يَومِ فَخْرٍ نَديد
وما قَلَّ عنك يَقِلّونَ عنه / إذا ضُرِبَتْ للأُمورِ الحُدود
يَعُدُّ لكَ المُلْكُ أيّامَكَ ال / حسان على حين قلّ العديد
وكم قمت بالرّأي من دونه / مقاوم ما شهدته الجنود
متى تدّع السّبق في نصره / فتلك اللّيالي عليه شهود
فدام ودمت ولا زلتما / قرينين في العزّ ما اخضرّ عود
وللهِ ذو كرَمٍ لم يَزَلْ / تَناهَبُ ما في يدَيْهِ الوُفود
يَقي ديِنَه ويَقِي عِرْضَهُ / منَ الذَّمِّ طارِفُهُ والتّليد
وتُطبَعُ للمُلْكِ من رَأيْهِ / صَوارِمُ ما تَحْتويها غُمود
ويا رُبَّ ذي لَجَبٍ أرْعَنٍ / له عَارِضٌ بالمنايا يَجود
كثيرٌ به للسُّيوفِ البُروقُ / كثيرٌ به للقِسيِّ الرُّعود
ثنَيْتَ بسطْرَيْنِ ممّا كتَبْت / فظَلَّ الكتائبُ عنه تَحيد
يَراعُكَ من قَبْلِ أن يُجْتَنى / تُراعُ له في الغِياضِ الأُسود
إلى شَرَفِ الدّينِ سارَتْ بنا / وتَشْرُفُ عند المَوالي العَبيد
ظَوامِئُ منه إلى مَنْهَلٍ / زَمانِيَ قد كان عنه يَذود
فما جاء سَوْقٌ شديدٌ بها / ولكنّ ما جاءَ شَوقٌ شَديد
لقِينا حوادثَ مِن دَهْرِنا / تكادُ لها الأرضُ عُظْماً تَميد
قنَأْتُ حَيائي لها واصطَبرت / وطالَ قيامي لها والقُعود
سُتورُ التّجمُّلِ أضحَتْ وهُنْ / نَ من دونِ أسرارِ حالي سُدود
فَيَبكي لظاهرِهنَّ العَدُو / ويَبْكِي لباطِنهنّ الوَدود
ويَفْدَحُ كتِمانُ ما لا يُطيق / ويَفْضَحُ إعلانُ ما لا يُريد
فَبدَّل شَكْوايَ شُكْراً لها / بأروعَ قَصْدِي له والقَصيد
وعمّا يُفيتُ زمانِي المُسي / ءُ أقبلْتُ أعتاضُ مِمّا يُفيد
كما يَقْصِدُ القَمرُ الشّمسَ لا / يَزالُ يُرى صَدَرِي والورُود
فأنقُصُ عند اجتماعي به / وعند انصرافيَ عنه أَزيد
فَخُذْها قلائدَ من خاطرٍ / له نَفَسٌ في المعاني مَديد
شَوارِدَ تُقْضَى بهِنَّ الحقو / قُ حُسْناً وتُنْسَى لَهُنَّ الحُقود
قَريضٌ لأقلامِ كُتّابهِ / إليه لذِكْرِك فيه سُجود
وما يَغْتدى في الرّياضِ النّسيم / ولا تَلْتقي في السّماءِ السُعود
كما يَعْتفِي فاضِلٌ مُفْضِلاً / فهذا يَجودُ وهذا يُجيد
فلا زال عُمْرُك يُبْلِي الزّمان / ولا زال يَلْقاك عِيدٌ جَديد
تَردَّدُ نحوَك أمثالُه / فبَدْءُ سعيدٌ وعَودٌ حميد
وأدنَى مَعاليك أمسَتْ تُجَرْ / رُ فوق المجَرّةِ منه بُرود
فَهنّأكَ اللّهُ ما نِلْتَه / وزادَك إن كان فيه مَزيد
فقد جُزْتُمُ فوقَ حَدِّ الورى / وللمجدِ من بعدُ فيكم وُعود
رأيتُ الطّريقَ إلى الوَصْلِ وَعْرا
رأيتُ الطّريقَ إلى الوَصْلِ وَعْرا / فقدَّمْتُ رِجْلاً وأَخّرْتُ أُخْرَى
وأودَعْتُ شَطْرَ الفؤادِ الرَّجَا / ءَ حَزْماً وفَرَّغْتُ لليأسِ شَطْرا
وقد جعَل النّاسُ إلاّ الأقَلْ / لَ يُبدونَ عُرْفاً ويُخْفُونَ نُكرا
فإنْ كنتَ من شَرِّهم خائفاً / فَظُنَّ بخَيرِهمُ الدّهرَ شَرّا
لهم ألسُنٌ تَتواصَى بأنْ / يَعِدْنَ وفاءً ويُنْجِزْنَ غَدرا
فضاحِكْ عَدُوَّكَ تُشغِلْ أذاه / بمَنْ أظهرَ البُغضَ عمَّن أسَرّا
وأعلِمْه أنّك منه أمِنْتَ / ومن حيث يجهلُ خُذْ منه حِذرا
وأَوْلِ صديقَكَ منكَ الجَمي / لَ مهما أَطقْتَ ولا تَبْغِ شُكْرا
وكثِّرْ قلائلَ إحسانِه / ومهما أساءَ فَلقِّنْه عُذرا
وعاشِرْ أخاكَ بتَرْكِ العِتابِ / ولا تُخْلِقِ الوُدَّ طيّاً ونَشْرا
عليك بتَفْريغِ قلبِ الودودِ / لكي يجدَ الوُدُّ فيه المَقَرّا
ونفسَك أَنفِقْ على النّائباتِ / وخَلِّ صديقَكَ للدّهرِ ذُخرا
وسَدِّدْ سهامكَ واشْدُدْ قُواك / تَجِدْ غَرضاً إنْ قضَى اللّهُ يُسرا
ويأْتي من الحِرْصِ أن رُبّما / نقَضْتَ أُموراً وأَبرَمْتَ أُخرى
فحسِّنْ بجُهْدِك منك اثنتَيْ / نِ للّهِ سِرّاً وللنّاسِ جَهرا
فنفسُك وحْدَك إصلاحُها / عليكَ وإنْ فَسَدَ النّاسُ طُرّا
وسِرْ غيرَ مُلتفِتٍ إنّما / إلى اللّهِ تَخْطو منَ العُمْرِ جِسرا
لك الشُّهْبُ والدُّهْمُ مخلوقَةٌ / فأَحسِنْ بهنّ إليهِ المَفَرّا
وخُذْها وصيّةَ ذي دُرْبةٍ / أَحاطَ بتَجربَةِ النّاسِ خُبرا
ولا تَعْصِ ذا النُّصْحِ في أَمره / وأَنت بنَفْسِك من بَعْدُ أَدرى
أَعاذِلَتا لا تُطيلي المَلا / مَ في مُقْلةٍ من جوىَ القلبِ عَبْرى
فعَينُك سَكْرَى بخَمْرِ الصِّبا / وعَيْنيَ من حَيْرةِ الدّمعِ شَكْرى
ولو كنتُ أَبكي من الدّهرِ حَولاً / على كلِّ يومٍ من العُمْرِ مَرّا
لم أَقضِ به حقه إذ مضَى / ولم أكتسِبْ فيه حَمْداً وأَجرا
ولمّا محا النّاسُ رَسْمَ الجميلِ / سطَرْتُ من العيسِ في البيدِ سَطرا
وآليتُ ألاّ أَرحتُ المَطِيْ / يَ حتّى أُصادِفَ في النّاسِ حُرّا
فكان الرّئيسُ لدينِ الهُدَى / لتلك الأَليّةِ منّي مُبِرّا
وحَبّرتُ غرّاءَ من مِدْحهِ / لأَلْقَي بها منه مَلْكاً أَغَرّا
جعَلْتُ رِكابي وِشاحاً فجا / لَ لمّا جَعلْتُ له البِيدَ خَصرا
وقاسَيْنَ عِشْراً إلى أن ورَدْنَ / صباحاً سَحائبَ كفَّيْهِ عَشرا
أخو الجِدِّ في غُلَواء الخُطو / بِ يَملأُ يومَيْهِ نَفْعاً وضَرّا
وحَكَّمه الدَّهرُ في أَهلِه / إذا شاء ساءَ وإن شاءَ سَرّا
له مَنطِقٌ يَبهَرُ السامِعينَ / ولا غَرْو أن يَلفِظَ البَحرُ دُرّا
وضَمَّ تليدَ العُلا والطّريفَ / فطالَ بنى الدَّهْرِ نَفْساً ونَجْرا
يَنُمُّ به نَفَسٌ للحسو / دِ يَنقَدُّ من كبِدٍ منه حَرّى
ويَكشِرُ عن حَدِّ أَنيابِه / وفي قلبِه مَرَضٌ ليسَ يَبْرا
يكونُ على حِدَةٍ أُمّةً / ويَعدِلُ يومٌ يُرَى فيهِ عُمرا
يُفيدُ النَّدى ويُبِيدُ العِدا / إذا ما الأسِنّةُ أَصبحْنَ حُمْرا
يُصرِّعُ أَشلاءهم في الثّرى / كأنّهمُ يتَساقَونَ خَمرا
وحارَ الورَى في ليالي الخطوب / فشَقَّ مُحيّاهُ للنّاسِ فَجرا
وتُبصِرُ غَيثاً ولَيثاً يَصولُ / غداةَ السّلامِ وبَدْراً وبَحرا
إذا هَمَّ صَمَّم في الكاشحِينَ / كما يَتبَعُ اللّيثُ بالنّابِ ظُفرا
أيا سَيِّدَ الرّؤساء الكبيرُ / أَرَى في عَلائكَ للّهِ سِرّا
نصَرْتَ الهُدَى فَنبِيُّ الهُدَى / يُجازيكَ عن نَصْرِكَ الدِّينَ نَصرا
وجادَلْتَ حتّى أَريتَ الخُصومَ / صِغارَ الكواكبِ في الأُفْقِ ظُهرا
لِتَحصُدَ بالسّيفِ كلَّ امرئٍ / تَعرَّض يَنثُرُ للشّرِّ بَذرا
رعَيْتَ الممالكَ حتّى غدا / فِعالُك والمجدُ عِقداً ونَحْرا
وحتّى كحَلْتَ بشَزْرِ الطِّعانِ / عُيوناً نظَرْنَ إلى المُلْكِ شَزرا
لقد سُدْتَ قبلَ خُلُوِّ الدِّيارِ / منَ الصِّيدِ مَن كنتَ عاصَرْتَ دَهرا
فكيف بكَ اليومَ والأَكرمونَ / غدا منهمُ ظاهرُ الأرضِ قَفرا
غدا مَلِكُ الأُمَراء الكبيرُ / يَهُزُّ بِكَ العِطْفَ تِيهاً وفَخرا
حوَتْ منك يُمناهُ سَيفاً له / رأَى أَثراً يَرتَضيهِ وأُثرا
حساماً بحدَّيْهِ مهما انتَضا / هُ يَكْسِرُ جيشَ المُلِمّاتِ كسرا
فلا زالَ أيّامُه بالفُتوح / مُحجّلةً تَبهَرُ الخَلْقَ غُرّا
فلم تَخْلُ يوماً من اليُمْنِ يُمْنَى / ولم تَخْلُ يوماً من اليُسْرِ يُسرى
فمنذُ رأَى الوجْهُ ذا البِشْرَ مِنْ / كَ كان له الدَّهرَ بالَسّعْدِ بُشْرى
ودُونَكَ فاجْتَلِ بالسّمْعِ منك / أَزُفُّ إليك ابنةَ الفِكْرِ بِكْرا
وإنّي لأَرضاكَ للمَدْحِ كفْوءاً / كريماً وأَرضى بنُعماكَ مَهرا
فأَمضِ على اسْمِيَ إدراريَ ال / قديمَ وأَجْرِ كما كان يُجْرى
وأَستغفِرُ اللّهَ فالحالُ فيه / تَفاوَتَ جِدّاً فيا رَبُّ غَفْرا
وكان زمانُ لئامِ الوُلاةِ / ومَنْ بسوى الشّرِّ لم يُبْقِ ذِكرا
عليهم إذا بَعْدَ حَولٍ أُحِي / لُ لاقيتُ أَمراً من المَطْلِ إمرا
له اسْمٌ يُسمّى ولا جِسمَ كان / كما يَقْبَضُ الرَجُلُ الكَفَّ صِفرا
ولكنْ عليك إذا ما أَحلْتُ / مَلأْتَ ليَ الحِجْرَ بِيضاً وصُفرا
فجَرْياً على عادةٍ في السّما / ح عُوِّدْتَ يا أَعْظَمَ النّاسِ قَدرا
من القَصْرِ جُدْتَ فإنْ تُعطِهِ / بعَسكرَ تَبْنِ من المجدِ قَصرا
وأَنت سحابٌ إذا ما مطَرتَ / عَمَمْتَ لنا القُربَ والبُعدَ قَطرا
فما زلْتُ منذُ مدَحْتُ المُلو / كَ يُولونَني العُرْفَ عَصْراً فعَصْرا
وكانوا بِبَسْطِ ندىً أحرياءَ / وأنت به منهمُ اليومَ أحْرى
وباعُك أطْولُ يومَ الفَخارِ / وخَيلُك في حَلبةِ المجدِ أجرى
وغيَرُك يُغْرَى بكَسْبِ الثَّراءِ / وكسْبُ الثّناء بهِ أنت مُغْرى
سَئمتُ بتُستَرَ طُولَ المُقامِ / فما تَرَكَ الدَّهرُ فيها مَقَرّا
ولكنّها وطَنٌ والطُّيورُ / تَحِنُّ إذا هُنّ خالفْنَ وَكرا
لعَمْري لقد ظَلمَ الحاسِبو / نَ إذ جَعلوا جَزْلَ جدُواكَ نَزرا
وقد وضَعوا اسماً لَها مُحدَثاً / إذا قيلَ إدرارُ رِزقٍ أُدِرّا
فتلك صِلاتُ بها لي تَجودُ / وما هي عندي أداريرُ تُجْرى
ولكنّها مِنَحٌ منك أُقْرَى / بهنّ على مِدَح فيك أَقْرا
أعِنّي على حدَثانِ الزّمانِ / فقد يُسنِتُ الحَيُّ والضَيْفُ يُقْرى
ألم يأْنِ لي مَرّةً أنْ أُراشَ / فَحتّامَ يُنْحَتُ قِدْحي ويُبْرى
وأعقِلُ نَضوي بحَبْل الرّجاءِ / وما زالَ للأملِ النّاسُ أسرى
فدونَك منّي مَديحاً تَراه / يُبارِي النجومَ مَسيراً ومَسْرى
ودُرّاً كما لاح دُرًىُّ نَجمٍ / وشِعراً كما أهدَتِ النّورَ شِعْري
يقولون ما خَربَتْ تُستَرٌ / وفيها كذا تَركَ الدَّهرُ دُرّا
فَعُمّرْتَ ما امتدَّ عُمْرُ الزّمانِ / وفي نِعَمٍ يَتوالَيْنَ تَتْرى
فقد خلَق اللّهُ فِعْلَ الجميلِ / فُؤاداً وأودَعَهُ منك صَدرا
أيا غائبَ الشّخصِ عن ناظري
أيا غائبَ الشّخصِ عن ناظري / على أنّ نعمتَهُ حاضِرَهْ
إذا شئتُ نَزَّهتُ من دارِه / لِحاظيَ في جَنّةٍ ناضِره
ولكنّ عينيَ تشَتاقُ أن / تكونَ إلى رَبِّها ناظِره
أسأتَ فأصبحتَ مُستوحِشاً
أسأتَ فأصبحتَ مُستوحِشاً / فأحسِنْ متى شِئْتَ واستَأْنِسِ
رَميْنَ القلوبَ بأشواقِها
رَميْنَ القلوبَ بأشواقِها / ظِباءٌ تَصيدُ بأَحداقِها
تَحيَّر من حُسْنِها الطَّرْفُ بَيْنَ / حَبيسِ الدُّموعِ ومُهْراقها
رمَتْ بالهوى قلبَ كُلِّ امْرئٍ / عليلِ الجوانحِ خَفّاقها
فلِمْ لا تَرِقُّ لأشباهها / عيونٌ مِراضٌ كعُشَاقها
وما زال من شِيَمِ الغانيات / مَع الإلْفِ قِلَّةُ مِيثاقها
شِعارُ الضَّنى جِسْمُ مُرْتادِها / ونَهْبُ الجَوى قَلْبُ مُشتاقها
فللّهِ لو سَلِمَتْ أَنفُسٌ / قَضاها الهوَى غيرَ أَرماقها
وممَّا شَجاني وقد وَدَّعوا / بُكاءُ الحمامِ على ساقها
تَنوحُ على بُعْدِ أُلاّفها / وتُظْهِرُ مَكْتومَ أَشْواقها
وضاقَتْ صُدوراً بأنفاسِها / فَفرَّجْنَ حَلْقةَ أَطْواقها
لَبِسْنَ حِداداً ومَزَّقْنَه / فلم يَمتسِكْ غيرُ أَزْياقها
وقد نزفَتْ في الهَوى دَمعَها / فلم يَبْقَ ماٌ لآماقها
أَتَتْ غُدوةَ البَيْنِ حتّى روَتْ / من الشّجْوِ أَشعارَ نُعّاقها
وقد لَحّنتْ كُلَّ أَبياتِها / كفِعْلِ الفُحولِ وحُذّاقها
قوافٍ على القافِ مَبنيّةٌ / لِوَصْفِ الفراقِ بمُنْساقها
تَلقَّتْ على عَجَلٍ حِفْظَها / لتَجْويدِها ولإفْلاقها
وقد خَطّأَتْ فَتْحَ حَرْفِ الرَّويِّ / فَضَمّتْ أَواخِرَ إطلاقها
فَقُدَّتْ لها من رداء الغُرابِ / تَمائمُ تُلْوَى بأعناقها
فيالَكِ مُشتاقةً ما تَزا / لُ تُعدي الرّجالَ بتَشْواقها
وخُطْباً علَتْ فوقَ أَعوادِها / وقد خَطَبتْ مِلْءَ أشْداقها
أَطالَتْ من الوجْدِ تَشْبيهَها / بإطْنابِها وبإغْراقها
وكان التّخلُّصُ في إثْرِها / ثَناءً على آلِ إسْحاقها
كرامِ الخلائقِ مُذْ لم تَزَلْ / كذاك جَرى حُكْمُ خَلاّقها
وفي كلِّ أيّامِ عَصْرٍ هُمُ / إلى المجدِ أَوّلُ سُبّاقها
فضَضْنا ختامَ لآلي الزّمانِ / فكانوا نَفائسَ أَعْلاقها
فإن طابَ منها ثِمارُ الفُروعِ / فمِن مُقتضَى طِيبِ أَعراقها
هُمْ أَنجُمٌ لسماء العُلا / وعُثْمانُ شَمْسٌ لآفاقها
إذا ما تَجلّتْ جلَتْ بالضِياءِ / من الأرضِ قاتمَ أَعماقها
وإن أَشرقَتْ شَرِقَتْ عُصبَةٌ / من الحاسدِينَ بإشْراقها
ردَدْنا أَحاديثَ أَهلِ النّدى / فجاءتْ يَداهُ بمِصْداقها
ومَلَّ الطُّلَى هامَ أَعدائه / فطارَ الحديدُ بأفلاقها
وضَجّ العُناةُ إلى كَفِّه / فمَنّتْ عليهمْ بإعْتاقها
يَكادُ إذا مَسَّ أَقلامَه / تَعودُ إلى خُضْرِ أَوراقها
فليت ليالٍ صَحِبْنَ الكرامَ / تَعلّمْنَ من حُسْنِ أَخلاقها
ألا أَيُّها المَلِك المُرتَجى / لفَتْحِ ثُغورٍ وإغْلاقها
مضَتْ بالعزائمِ منكَ الظُّبَى / مَضاءَ السِّهامِ بأفواقها
وأَزرَتْ يَمِيناكَ يومَ النّدى / بهطّالِ مُزْنٍ ودَفّاقها
ومَدّتْ إلى بابِك الرّاغبو / نَ أعناقَ عِيسٍ بإعناقها
ولمّا رأيتَ كَسادَ العلومِ / عُنيتَ بتَنْفيقٍ أسواقها
تَدارَكْتَ آخِرَ حَوْبائها / وأَبْدَيْتَ جِدّةَ أخْلاقها
وَوكَّلْتَ كفّاً بها سَمْحةً / بأذْهابها وبأوراقها
كما يَعْتلي عارِضٌ مُطبِقٌ / بإمطارِها وبإبراقها
فألّفتَ شاردَ أبنائها / وشَرّدتَ آلِفَ مُرّاقها
وَوُرِّثتَها سُنّةً عن أبيكَ / فما طِبْتَ نفْساً بإخْلاقها
جمَعْتَ الأئمةَ مثْلَ النُّجو / مِ تَهْدي السّبيلَ لِطُرّاقها
وأصبحتَ يا شمسُ ما بَيْنَها / طَلوعاً تُنيرُ بإطْباقها
ومن عجَبٍ أنْ تُضيءَ النُّجومُ / إذا الشّمسُ ألقَتْ بأَرْواقها
بَقِيتَ ظَهيراً لدينِ الهُدَى / تَذودُ العِدا دونَ إرهاقها
ودُمْتَ جَمالاً على دَولةٍ / تُدِلُّ عليكَ بإشْفاقها
وكنتَ من النّصرِ في مَعْقِلٍ / متى كشَفَ الحَرْبُ عن ساقها
إذا خفَقتْ رايةٌ أيقنَتْ / نُفوسُ عِداكَ بإخْفاقها
كفيلٌ يداكَ لكلِّ الورَى / بآجالِها وبأرزاقها
بيُمناك تُغْلَقُ أعناقُها / ويُسراكَ مِفْتاحُ أَغلاقها
قليلٌ لهمْ أن يَحِنَّ المَشوقُ
قليلٌ لهمْ أن يَحِنَّ المَشوقُ / وهاهيَ حَنّتْ إلى الحَيِّ نُوقُ
أيعلَمُ حاديهمُ أنّه / يَسوقُ فؤاديَ فيمَنْ يَسوق
ويا قَلبُ أنتَ معَ الظّاعنِينَ / تُسايِرُهمْ فإلى مَن تَتوق
وما البَينُ أوّلُ ما شاقَني / ولا هو أوّلُ دَمعٍ أُريق
وقد كنْتُ أبكي زمانَ الوِصالِ / فأينَ الغُرابُ وأين النَّعيق
ولي غُلّةٌ كمَنَتْ في الحشا / فليس لدَمْعٍ إليها طَريق
وما كنتُ أُنكرُ فضْلَ الدُّمو / عِ لوْ وقَعَ الماءُ حيثُ الحَريق
تَضيقُ بأدمُعِها مُقْلتي / وقَلبي بساكِنه لا يَضيق
ويَنقُضُ عَهْدي أُناسٌ صَحِبْتُ / وَعقْدُ فؤادي عليهمْ وَثيق
فكانوا صديقاً كما يَزْعُمون / ولكنْ تَعذَّر منهمْ صَدوق
تَشابَه أسماؤنا والكُنَى / وتَقْطَعُ بينَ المَعاني فُروق
خُلِقْتُ كما لا يَسُرُّ الحَسودَ / وإن كان للدَّهْرِ وَجْهٌ صَفيق
وإن جُنَّ في جانبي صَرْفُه / فلا غَرْو أن يُصِلحَ السَّهمَ فُوق
وما زلتُ مُرتَشِفاً بالقلوبِ / يُنافِسُ فيَّ الصَّبوحَ الغَبوق
وماذا الّذي يَعْتري مَعْشَراً / من التِّيه وهْو بمثْلي يَليق
فلا عجَبٌ أن يَتيهَ المُدلُّ / وأن يَمرَحَ العَربِيُّ العَتيق
ينَفُضُ لِبْدَتَه ضَيغَمٌ / ويَنظرُ في عِطْفِه سوذَنيق
ولكنّه عَجَبٌ أن يَنا / لَ بالذّمِّ فائقَ قومٍ مَفوق
هجَرْتُ ملوكاً وأبوابَها / وتَعمُرُ بي وبصَحْبي خُروق
ومُشتَبِهاتٌ تَعسَّفْتُها / ولا زادَ إلاّ الفَلا والفَنيق
وعاينْتُ دونَ العُلا صَعْبةً / يُجانبُ فيها الشّقيقَ الشّقيق
فلو سفَر اللّيلُ عن هَوْلها / لَما جَدّ فيه لِطَيْفٍ طُروق
ولابُدّ من هَبْوةٍ في الزّمانِ / يُسائلُ عنها الأسيرَ الطّليق
ولا يَستهينُ بصَرْفِ الزَّمانِ / منَ النّاسِ إلاّ الجوادُ المُطيق
وأبناءُ فارسَ فوقَ الجِيادِ / يَروعُ العِدا منهمُ ما يَروق
وما أنا مِن وادعٍ هَمَّه / صَبوحٌ يُعلِّلِهُ أو غَبوق
يقول الزّجاجةُ ثَغْرُ الحبي / بِ والبابِليّةُ في الثَّغْرِ ريق
ولو جَدّ في طلَبِ المأْثُراتِ / لَما عُنِيَتْ بالهمومِ الرَّحيق
ولكنَّ أدنَى خَليليَّ مَنْ / تَصرُّفُه بالمَعالي رَقيق
وأهَيفُ مُنتَطِقٌ بالعُيونِ / كما يتَراءى الهِلالُ المَحيق
سقَى طَرفه ما سقَى عاشِقيه / فلا يَستفيقُ ولم يَستفيقوا
غَلَبْتُ فؤادي على حُبِّه / فكان فِدىً للكريمِ العَشيق
لأروَعَ يُسفِرُ عن غُرّةٍ / سَناها بسِرّ المَعالي نَطوق
عَليُّ المكانِ عَريقُ العَلاء / ولا يَعرِفُ المَجدَ إلاّ العريق
تَسامَى فأين تَظُنُّ الفُروعَ / وقد ضَربَتْ في السّماء العُروق
أيا شرفَ المُلْكِ والدّينِ والنْ / نَدى والمعالي بكُلٍّ تَليق
ويا قَمِناً عَهْدُه بالوفَاء / إذا ما اشْرأَبّتْ إليه حُقوق
نَداكَ يَغيظُ قلوبَ الغَمامِ / فما البرق فيهنّ إلاّ خَفوق
وذكرُك بَشْجَى به الحاسدون / جديرٌ بكَبْتِ الأعادي خَليق
وتَرجِعُ مَثلومةً بالبِعا / دِ عَيْنٌ إلى غايتَيْهِ رَموق
وكيف وقد فاتَ مَرْقَى الظنونِ / تَحمَّلُ سَعْياً إليه لَحوق
وتلك أنامِلُك العادياتُ / يُقَلِّبُها بالمعالي لَبيق
إذا حُبِسَتْ لَعِبَتْ بالعيونِ / كما يتألّقُ بَرْقٌ أَنيق
وإن وهَبتْ مطَرتْ للعُفا / ةِ حتّى تَقومَ على الحَمْدِ سُوق
فليس يَمينُك إلاّ السّحابُ / ففيها القطار وفيها البُروق
يَدِقُّ الحسابُ وما عندَها / إذا نفَحتْ بالعَطايا دَقيق
فيا مَنْ يَذمُّ عِداهُ الزّمانَ / إذا ما بدا لِعُلاه عَقرق
ويا مَن يُحييّ به الطّارقي / نَ خُلْقٌ كريمٌ وَوجْهٌ طَليق
تَركْتَ الزّيارةَ عندَ المُقامِ / فأقصرَ عنكَ الفُؤادُ العَلوق
وألْمَمْتَ عند اقْترابِ الرَّحيلِ / وخَدّي بواكِفِ دَمْعي غَريق
لأنّكَ شمسٌ متَى عايَنو / كَ أَلْوَى بحَدِّ العيونِ البَريق
فكَلّفتُ عينَي مَدَّ النّها / رِ من لَحْظِ وجْهِك ما لا تُطيق
فلمّا نَشْرتَ لواءَ الأصي / لِ نالَتْكَ عيني وفي الوقتِ ضيق
فيا شمسُ لا عَدِمَتْها البِلادُ / ولا عَلِقَتْ من عُلاها عَلوق
ولا بَرِحَتْ في سماء العُلاء / لها بعْدَ كُلِّ مَغيبٍ شُروق
لك اللهُ من راحِلٍ صاحِبٍ / وواقيةُ اللهِ نعْمَ الرَّفيق
وللهِ أنتَ كريماً يَسيرُ / ويَصحَبُه من فؤادي فَريق
سيُسْرِعُ بي ما بقَلْبي إليكَ / ولو أنّ حَدَّ الحُسامِ الطّريق
وما أنا إلاّ كطَيْفِ الخيالِ / إذا شاقَ بَرْحُ الهَوى مَن يَشوق
يَصُدُّ إذا كان قُرْبَ الدّيارِ / ويُدْنيهِ منك المَزارُ السّحيق
فما كان إلاَّ زماناً يَسوقُ / إليك الفؤادَ ولكنْ يَعوق
فخُذْها كحاشيةِ الأتْحمِيّ / يَرِفُّ عليها النِّظامُ الرَّقيق
وإن أَخَّرتْها صُروفُ الزّما / نِ عنكَ وأَصفىَ الشّرابُ العَتيق
فلا زلتَ والسّوءُ بالحاسِدين / عليك لدَهْرِك قَلْبٌ شَفيق
إلى من يُشارُ بهذا العَذَلْ
إلى من يُشارُ بهذا العَذَلْ / وقد رحَل القلبُ فيمن رَحلْ
يَقِلُّ معَ القُرْبِ تَنْويلُكمْ / وصَبْري على النّأيِ منكم أقَلّ
ولم يَغْتِمضْ بالكرَى ناظري / ولكنّه بكَ عنك اشْتغَل
أٌراقِبُ طَيفاً منَ الظّاعِنينَ / إذا هجَروا مُستهاماً وصَل
وفي الحيِّ كُلُّ كليلِ اللِّحاظِ / يُطالِعُنا من خَصاصِ الكِلَل
يُذيبُ الفؤادَ بتَعْذيبهِ / وأيْسَرُ أمْرِ الهَوى ما قَتل
ويَجْني علَيَّ بإعْراضِه / وماذا على ظالِمٍ لو عَدَل
وسُودُ الذَّوائبِ بِيضُ الوجو / هِ صُفْرُ التّرائبِ حُمْرُ الحُلَل
أَطعْنا لَهُنّ شفيعَ الصِّبا / ورُحْنا عُصاةً على مَن عَذَل
إلى أن أَمرَّ على شُرْبها / مِزاجُ الوَداعِ كُؤوسِ القُبَل
فللّهِ ذاكَ الزَّمانُ الحميدُ / ولله تلكَ العُهودُ الأوَل
وقد راعَني أن بدَتْ شهبةٌ / كما أومضَتْ ظُبَةٌ من خِلَل
وليس الشّبابُ سوَى مَركَبٍ / إلى اللّهْوِ ما حَمّلوهُ حَمل
فيا ليت أَطْرَبُ بعدَ المَشيبِ / لِحُسْنِ الغزالِ وطيبِ الغَزل
على ذلك العَيْشِ منّي السَّلامُ / فما كان إلاّ خِضاباً نَصل
فلا السُّمْرَ أَهْوَى سوى ما يُهَزّ / ولا البِيضَ أَهْوَى سوى ما يُسَلّ
وما الفَخْرُ إلاّ لِذ رَونقٍ / نَضاهُ بِيُمْنَى يدَيهِ بَطَل
مُعرَّسُ قائمِه في يَدٍ / ومَسْرَى مَضاربِه في أَجَل
يَزيدُ اتّقاداً بهُوجِ الخُطوبِ / ويُطفأ فيها اللّئيمُ الوَكِل
وتَخْبو الذُّبالُ بتلك الّتي / إذا عَصفتْ بالضِّرامِ اشْتَعل
ولي مَنطِقٌ يَبهَرُ السّامِعينَ / إذا طالَ طابَ وإن قَلَّ دَلّ
وعِرْضٌ يُباخلُ صَيْدَ الملوكِ / فلا يَبذُلونَ ولا يُبْتَذَل
وصَبْرٌ على نَكَباتِ الزَّمانِ / ورَجْعٌ لقَوْلِ عسى أو لَعَلّ
أبا الفَرجِ اسْمَعْ نداءَ امْرئٍ / به ضَرَبوا في هَواكَ المَثَل
وأَعرِفْ تَفاصيلَ ما مَرَّ بي / وأَصْغِ إلى بَعْضِ تلك الجُمَل
وآخِرُ عَهدي بظِلِّ النّعيمِ / صَفا لي بقُرْبِك ثُمَّ انْتقَل
فودَّعْتُ مَجدَك لا عَن قلىً / وفارَقْتُ فضْلَك لا عَن مَلَل
وسار بنا زمَنٌ عاثِرٌ / بَطيءُ النُّهوضِ سَريعُ الزَّلَل
وشَنُّوا الحُروبَ على أصفهان / لِيُخْرِجَ منها الأعزَّ الأذلّ
وطال مُقامي على بابِها / وأشفقْتُ من هَوْلِ ما قد أظَلّ
فعاودْتُ أرْجانَ مثْلَ الّذي / يَفِرُّ إلى غَرَقٍ من بَلل
وأصبَحْتُ في طَرَفٍ شاغِرٍ / كما لُزَّ في الكِفّةِ المُحْتَبَل
وشَدَّ على القَوسِ كلتا يدَيْهِ / فَصَبَّ السِّهامَ عليها زُحَل
فَضيَّعْتُ ما كان من تالدٍ / ولم أكتَسِبْ طارِفاً في العَمل
وعُدتُ إليكَ أَجوبُ البِلا / دَ أَخبِطُ في سَهْلِها والجَبَل
إلى أن أَتيتُك بعْدَ العَناءِ / ولم يَبْقَ منّي إلاَّ الأَقَلّ
وما لم يَمَلَّ عِنادي الزَّمانُ / فحاشاك من نُصْرَتي أنْ تَمَلّ
وهانَ على فَلَكٍ دائِرٍ / متى شاءَ إطْلاعَ نَجْمٍ أَفَل
وكم نقَص البَدرُ من مَرّةٍ / فقابَلَه الشَّمْسُ حتّى كَمَل
وكم قُلتَ ثُمّ فَعلْتَ الجميلَ / وما كُلُّ مَن قال قَولاً فعَل
وكم عَضّني زمَنٌ مُزمِنٌ / بنابٍ منَ الخَطْبِ فيه عضَل
فلم يُحْيِ نَفْسي سِوى سابِقٍ / إلى الحَمْدِ وهْو الحكيمُ الأجلّ
شفَى بالعطاءِ مَريضَ الرَّجاءِ / وطِبُّ العُلا فوقَ طِبِّ العِلَل
تَدارَكْ بقيّةَ نَفْسٍ قَضَتْ / وأحسِنْ تَلافِيَ هذا الخَلل
فأنت كما يَرتَضيهِ العَلاءُ / أخو الحَزْمِ يُبرِمُ مَهْما فتَل
فتىً طالَما قَلّبتْ كَفُّه / أُمورَ المَمالِك عَقْداً وحَلّ
فما فاتَهُ غَرَضٌ في الأناةِ / ولا نالَه زلَلٌ في العَجَل
وأَبيضُ مثْلُ الحُسامِ العَتيقِ / تَداوَلَهُ الدّهرَ أيدي الدُّول
يَحوزُ من الدّهرِ حُسْنَ الحديثِ / وكُلُّ جليلٍ سِواهُ جَلل
ويَستَرِقُ الرَّوضُ من خُلْقِه / ومن شَرَفِ الشِّعْرِ أن يُنْتَحل
ويَقْتَبِسُ الغَيثُ من جُودِه / وقد يهَبُ المَرْءُ ما لم يُسَل
رأَى حُسْنَ خُلْقِكَ عَصْرُ الرَّبيعِ / فما يَنْبُتُ الوَرْدُ إلاّ خَجَل
وحَلَّت عُلاك نُحورَ الزّمانِ / وقد كان أَزْرَى بِهِنَّ العَطَل
فلا زِلتَ في زمَنٍ مُسْعِدٍ / ولا زلْتَ في عُمُرٍ مُقْتَبَل
فما هُزَّ حَدُّك إلاّ مضَى / ولا شِيمَ بَرقُك إلاّ هطَل
سألتُ ومِن خُلُقي أنَّني
سألتُ ومِن خُلُقي أنَّني / أُقاسي الخطوبَ ولا أَسْألُ
لِعُذْريَ فاقْبَلْ وكنْ عالِماً / بأنّي لعُذْرِكَ لا أَقبَل
أَرى فِكرَتي في فُنونِ القَري
أَرى فِكرَتي في فُنونِ القَري / ضِ تَأَتي بِأَشباهِ دُرٍّ نَظيمِ
وَفي الشُكرِ ما مِن يَدٍ لي تَطولُ / وَلَو خَطَبوهُ بِطَولٍ جَسيمِ
فَلا شُكرَ عِندي سِوى ما رَهَن / تُ عِندَ الكَريمِ اِبنِ عَبدِ الكَريمِ
بِما خَصَّني حادِثاً مِن نِداهُ / وَما عَمَّني كَرَماً في القَديمِ
تَطَوَّقتُها مِلءَ جيدٍ لَهُ / قَلائِدَ مُتَّضِحاتُ الوُسومِ
غَمامُ سَماحٍ إِذا ما أَظَلَّ / تَمَزَّقَ عَنّي لَيلُ الغُمومِ
سَما بِيَ فَوقَ المُنى جاهُهُ / فَأَقبَضَني عالِياتِ النُجومِ
وَأَشرَكَني الجودُ في مالِهِ / إِلى أَن حَلَلتُ مَحَلَّ القَسيمِ
وَلَستُ أُعَرِّضُ كَالمُستَزيدِ / وَلَكِن أُصَرِّحُ كَالمُستَديمِ
فَإيهٍ فِدىً لَكَ تَفسي الَّتي / بِكَ اِنتُشِطَت مِن عِقالِ الهُمومِ
لِأَذمَمتَ لي مِن صَروفِ الزَمانِ / وَغَيرُكَ رَبُّ الذِمامِ الذَميمِ
فَلِلَهِ دَرُّكَ مِن ماجِدٍ / أَخي خُلُقٍ في المَعالي عَظيمِ
أَلوفٍ لِطولِ ثَواءِ الضُيو / فِ لا بِالمَلولِ وَلا بِالسَؤومِ
طَلَعتُ عَلَيهِ غَداةَ الوَداعِ / بِجِدَّةِ وَجهي غَداةَ القُدومِ
وَعاهَدَني جودُهُ ظاعِناً / على أَن يَراني بِعَينِ المُقيمِ
فَلا زالَ مَجدُكَ يا اِبنَ الكِرا / مِ غُرَّةَ وَجهِ الزَمانِ البَهيمِ
كَذَلِكَ ما صَقَلَت لِلعُيونِ / مُتونَ الرِياضِ أَكُفُّ الغُيومِ
بِغُرَّةِ وَجهِكَ مِنّا القَسَم
بِغُرَّةِ وَجهِكَ مِنّا القَسَم / وَما الصِدقُ إِلّا أَجَلُّ القِسَم
لِأَيّامُ مُلكِكَ لَمّا أَتَت / جَلا الظُلمَ أَنوارُها وَالظُلَم
وَلَمّا دُعيتَ لِدينِ الهُدى / نِظاماً عُنِيَت بِهِ فَاِنتَظَم
هُما الشاهِدانِ بِأَنَّ العَلاءَ / إِلَيكَ اِنتَهى وَالزَمانُ الحَكَم
طَلَعتَ عَلى مَنزِلٍ لَم تَطَأ / هُ قَلبَكَ غَيرَ الثُرَيّا قَدَم
وَقَد زَعَم الأُفقَ أَنَّ الهِلا / لَ طَوقٌ عَلى النَحرِ مِنهُ اِنفَصَم
فَقُلتُ وَقَد عَلِمَ الناظِرونَ / بِأَن كَذَبَ الأُفقُ فيما زَعَم
بِأَوَّلِ حَرفٍ مِن اِسمِ الوَزيرِ / لَهُ الفُلكَ اللَهُ قِدماً وَسَم
وَخافَ عَلى العَينِ مِن نورِهِ / لِذاك لَباقي اِسمِهِ ما أَتَم
فَلَمّا جَرى تَحتَهُ سابِحاً / غَدا طائِعاً تابِعاً ما رَسَم
وَلَو لَم يَكُن طِرفَهُ المُمتُطى / إِذَن لَم يَكُن بِالبُروجِ اِحتَزَم
أَيا مَن فَضائِلُهُ الباههِراتُ / تَزيدُ ظُهوراً إِذا ما كَتَم
عَلَوتَ بِجَدٍّ وَجِدٍّ مَعاً / فَأَوفَيتَ كَالنارِ فَوقَ العَلَم
وَبالجِدِّ يُملَكُ قَهرُ العِدا / وَبِالجِدِّ يُعرَفُ بُعدُ الهِمَم
هُما اِثنانِ ما لَهُما ثالِثٌ / إِذا ما عَدَدتَ كِبارَ النِعَم
وَإِن شِئتَ فَاِذكُر لِكَيما تَرى / نِهايَةَ ما بَلَغا في الأُمَم
رَبيعَةَ في العَرَبِ الأَوَّلينَ / وَسابورَ بَينَ مُلوكِ العَجَم
وَذا عَقَدَ التاجَ قَبلَ الوُجودِ / وَهَذا حَمى الظُعنَ بَعدَ العَدَم
فَلا عَدِمَتكَ المَعالي فَأَنتَ / نَشَرتَ لَها ماطَواهُ القِدَم
بِمِثلِكَ عِندَ شَبابِ الزَما / نِ كانَت بُطونُ اللَيالي عُقُم
وَلَم أَرَ كَالدَهرِ أَنّى أَتى / بِأَنجَبِ أَبنائِهِ في الهَرَم
بِجودِكَ يا مُغنِيَ الآمِلينَ / غَدا البَحرُ مُفتَضَحاً فَالتَطَم
وَحِلمُكَ مِن حَسَدٍ حينَ سارَ / لَهُ الذِكرُ عَمَّ الجِبالَ الصَمَم
بِحَبلِ الوَزيرِ أَبي طالِبٍ / عَلِيَّ بنِ أَحمَدَ فَليُعتَصَم
وما هو إلاّ الهُمامُ الَّذي / به اعْتذَر الدَّهرُ لمّا اجْتَرم
فتىً عينُهُ عيْنُ شمسِ الضُّحَى / لتَجْليةِ الخَطْبِ لمّا ادْلَهمّ
له كلَّ يومٍ بها نظْرةٌ / إلى الخلْقِ كشّافةٌ للغُمَم
ألا يا أخا أدبٍ يَرْتَجي / له مُطْلِقاً من إسارِ العَدَم
إذا جِئْتَه فاشْكُ صرْفَ الزّمانِ / إليه ودَعْ يدَهُ والكَرَم
تَجِدْ منْه مَولىً إذا ما أشا / رَ كان له الدَّهْرُ أَدنَى الخَدم
له قَلَمٌ فِعْلُهُ كاسْمِه / إذا طال للخَطْبِ ظُفْرٌ قَلَم
بقمّتهِ مَشْيُهُ والملوكُ / إليه كذا مَشْيُهم بالقِمَم
سعَى لك سَعْيَ البرايا له / وما زال يُخْدَمُ مَنْ قد خَدَم
يَراعٌ يُراعُ أخو الحَرْبِ منه / ويَسلَمُ مَنْ هو مُلْقي السَّلَم
وكان يُرَى مُحتَمي اللّيث فيه / فصار به إن عصَى يُصطلَم
فكيف سكونُ امرئٍ حادَ عنْك / رجاءَ تَمسُّكِه بالعِصَم
وكفُّك تُحسِنُ صيْدَ الأسودِ / إذا ما أردتَ ببَيْتِ الأَجَم
ألم تَر غُدوةَ مَوْلَى الورَى / إلى الصّيْدِ بالخَيْلِ لمّا عَزم
وقد حَطَّ وجْهُ الصّباحِ اللِّثامَ / فثاروا إلى خيلِهمْ باللُّجُم
مِلاءٌ كَنائنُهمْ والأكُفْ / فُ قد تَوَّجوها غداةَ اعْتَزَم
برُزْقٍ جَوارحَ تَشْكو الظَّما / وزُرْقٍ جَوارحَ تَشْكو قَرَم
تَرى كلَّ سَهْمٍ وشَهْمٍ حكا / في الطّيرِ وقْعَاً لعُظْمِ النَّهم
خطيبٌ ومِنْبرُهُ ساعدٌ / يُقلِّبُ عينَيْنِ مثْلَ الضَّرَم
له مَنْسِرٌ عاقدٌ ما يَصيدُ / وعشْرينَ في طَلَقٍ إن هَجَم
وأهْرتَ أُدْمُ الفلا كاسْمِها / به الدَّهْرَ أُدُمٌ لنا تُؤْتَدَم
من النُّمْرِ خِيطَ على جسمِه / أديم تَعيَّن لا مِنْ حَلَم
به عَلِقتْ شَرَرٌ لوَّحتْ / هُ من نارِ خَدٍّ له تَضْطَرِم
ففي كُلِّ عضْوٍ له أعيُنٌ / تُراصِدُ إنْ هُوَ بالصَّيْد هَمّ
تَراهُ رديفاً وراءَ الغُلامِ / وبالنّمشِ الوجهُ منْه الْتَثَم
شبيهَ سبيّةِ جيشٍ غدَتْ / تُذيقُ الكَرى مُقْلةً لم تَنَم
جرَى الدّمعُ بالكُحْلِ من عَيْنها / فنَمْنَم جِلبابَها إذ سَجَم
وقد كاد يَخْرجُ من جِلْدِه / وراءَ الطّريدةِ لمّا اقْتَحم
فقد سُمِّرَ الجلْدُ خوفاً علَيْ / هِ أَوّلَ ما الخَلْقُ منْه اسْتَتمّ
وغُضْفٌ تُسابِقُ عَصْفَ الرِّياح / فَيسبِقُه حُضْرُها إنْ نَسَم
رياحٌ مُجسَّمةٌ للعيونِ / مُقلَّدةٌ في طُلاها رُقُم
لهُنَّ من البِيضِ مَصْقولةٌ / تُسَلُّ وتُغْمَدُ منْ كُلِّ فَم
فمِن أبيضٍ مثْلِ لونِ الدِّمَقْسِ / ومَن أصفرٍ أملسٍ كالزُّلَم
وآخَرَ ذي لُمَعٍ في السّوادِ / حكَى لونُها نفْخةً في فَحَم
يُقرِّطُ مِخْلبَهُ أُذْنَهُ / ويَسْبِقُ ناظرَهُ حيثُ أَمّ
وسَاروا إلى منْزلٍ عازِبٍ / لوَحْشِ البسيطةِ فيه مَضَمّ
فثارَ الضِّراءُ وطارَ الصُّقورُ / وحَنَّ السَّراءُ ورنَّ النَّشَم
وملَّتْ جَوازِرُ أفْواهِها / سَواطيرُها وبَراها الوضَم
وبات منَ الحُورِ كم مِنْ لَقى / بأبوابِهم ومِنَ العِينَ كَم
طرائدَ إصباحُها في الجلودِ / تَعادَى وإمْساوُها في البُرَم
فللّهِ خَيْلٌ كرامٌ لهمْ / قَرتْهُمْ بتلْكَ الجِفانِ الرُّذُم
وما إنْ لها غَيْرُ مَشّ الأكُفِّ / بأعرافها سُهْمةً في السُّهَم
وعادوا وقد قَرّطوا السّابقاتِ / أعِنّتَها وأَراحوا الجِذَم
ومن كلِّ غزْلانِ أرضِ الصَّرا / ةِ لم يَدَعوا ناجِمَ القَرْنِ ثَمّ
سِوى أنّهمْ بعثُوا بالأمانِ / لقَرْنِ الغَزالةِ حتّى نَجَم
أيا مَنْ بَيانُك دُرٌّ يُخَطُّ / لأنَّ بنانَك بحْرٌ خِضَمّ
إلى الوحشِ فرّعْتَ بِيضَ السُّيو / فِ لمّا قَهرْتَ العِدا بالقَلَم
وَروّيْتَ منها ظِماءَ القَنا / فخوفُكَ لم يُبْقِ في القَوْمِ دَم
وناصحْتَ سلطانَك المُرتَجَى / وقِدْماً عُهِدتَ كريمَ الشّيَم
ولمّا توجّه تلقاءه / تحاميتَه كرماً لا سأم
فما حلَّ صَيْدَهُمُ لو غَدوْتَ / تُسايرُهمْ وذُراكَ الحَرَم
خَرجْتَ تُشيِّعُ وفْدَ الحجَي / جِ والبيدُ غُبْرٌ تُثيرُ القَتَم
وصارتْ لك الأرضُ فضّيّةً / رُجوعاً وَللسُّحْبِ أَيضاً خِدَم
بقُربِكَ يَثْلُجُ قلْبُ العراقِ / سُروراً فقد عَظُمَ المُغْتَنم
أيا مِلكاً يُبلِغُ الوافِدي / نَ أقْصى الأماني لأدْنَى الذِّمَم
غدا حاملاً من نَداكَ الرَّجاءُ / فلا غروَ إنْ بانَ منه وَحَم
وممّا اشتَهى رَبْعةٌ للقِران / متَى نظَر المرءُ فيها خَتَم
وأجزاؤها كجُفونِ العيونِ / لهنّ عنِ النَّوْرِ فَتْحٌ وضَمّ
على ظَهْرِها وقَف الصّاحبُ ال / أجَلُّ على المشهدِ المُحترَم
مكانٌ شريفٌ عظيمُ الثّوابِ / منَ الله في مثْلِه يُغْتَنم
وقد وقَفَ الأمرُ في وَقْفةٍ / فلا يَنْتقِضْ ما لديك انْبَرم
فمِثلُك يا عادِمَ المِثْل مَن / إذا قال للهِ قولاً جَزَم
ويشكَرُ مُفْتَتَحُ المكْرماتِ / ولا مِثْلما يُشكَرُ المُخْتَتَم
أتَى العيدُ فاسْعَدْ بإقبالهِ / نَعمْ وبأمثالِه في نِعَم
لقد سَنَّ ذا العيدُ نَحْرَ العِدا / كما عُهِدَتْ قبْلُ حُمْرُ النَّعَم
فقُلْ للمُعادينَ إن شِئْتُمُ / ضَعوا عنكُمُ للعيونِ اللُّثُم
أعارَكُمُ حِلْمُهُ أرْؤُساً / فلا تَسأموا حَمْلَها ما حَلُم
ومَن عَدِمَ الشُّكَر للمُستَعيرِ / فأصبحَ مُرتَجعاً لم يُلَم
فلا يَخدعنّكُمُ مُنْعِمٌ / إذا شاء مِمّنْ عَصاهُ انْتقَم
ولم يَنْجُ مُستَعصِمٌ بالنَّوى / فَينْجَو مُستهدَفٌ مِنْ أَمَم
أيا مَنْ إذا ما عَظُمْنَ الذُّنوبُ / كأنَّ له العفْوَ أوفَى عِظَم
ومَنْ سَطْوُهُ الدَّهرَ يُردي العِدا / ومَنْ عَفْوُهُ الدَّهرَ يُحْيي الرِّمم
لقد صاغَكَ اللهُ مِن لُطْفِه / وصان ذِمامَكَ مِن أنْ يُذَمّ
وما أنت إلاّ له نِعمةٌ / علينا فبالشُّكْرِ فَلْتُستَدَم
بغُرّةِ وجْهكَ منّا القَسَمْ
بغُرّةِ وجْهكَ منّا القَسَمْ / وما الصِّدْقُ إلاّ أجَلُّ القِسَمْ
أيا مَلِكَ الأمراءِ الّذي / به الدِّينُ عَزَّ فما يُهْتَضَم
ولمّا غدا عِزُّ دِينِ الهُدَى / لك اسْماً سواكَ به لم يُسَمّ
تَعنْونَ منه بأُولَى الحُروفِ / كتابٌ لكَ اللهُ قِدْماً رَقَم
فليس هلالٌ ُيَرى في السّماءِ / بطَوْقٍ على النّحْرِ منْها انْفَصَم
بلِ اللهُ للفَلَكِ المُعْتلي / بمُفْتَتَحِ العَيْنِ منْها وسَم
وخوفاً على أعُينِ النّاظري / نَ نوراً لسائرِها ما أتَمّ
فهل قد دَرى فلَكٌ دائرٌ / بأيِّ سِماتِ العَلاءِ اتَّسَم
وقد قادَهُ اللهُ قَوْدَ الحِصانِ / إلى مَلِكٍ مُلْكُه ذو عِظَم
وأمْطاهُ صَهْوتَه فامْتِطَى / وحكَّمه في الوَرى فاحْتكَم
وقد كان بالنّارِ وَسْمُ الذَّليلِ / فبالنُّورِ وسَّمَهُ لا جَرَم
ولو لم يكنْ سابحاً تحتَهُ / بسلْكِ البروج إذا ما احْتَزَم
أيا مَلِكاً حُسْنُ آثارِه / بهِ اعتذَر الدَّهرُ عَمّا اجْتَرم
ملوكُ البلادِ وأقْلامُهُمْ / تَساعَى معاً نحوهُ بالقِمَم
فإمّا إليه وُفودُهُمْ / وإمّا رسائلُهمْ والخِدَم
كأنَّ ذُراهُ بكفِّ الزَّما / ن طِرْسٌ وكلُّ مليكٍ قَلَم
إذا ما أتابكَ خِدْنَ النّدى / أتَى بك صْرفُ زمانٍ غَشَم
فقد أحْسَنَ الدَّهرُ فيما أساءَ / إليك ولكنّه ما عَلِم
سَحابٌ يصوبُ على الطّارقِي / نَ بالنِّعَمِ الغُرِّ صَوْبَ الدِّيَم
ولكنْ إذا صَعَقَ المارِقِيي / نَ صُبّتْ عليهمْ سياطُ النِّقَم
حكَتْ إرَماً فارس إذ غَدَتْ / وليس بها اليومَ منهمْ أَرَم
بلادٌ بها الشَّيبُ أضحَى يُهابُ / بغَيرِ جَوازِكَ قَصْدَ اللِّمَم
شفَيْتَ على حينَ إشْفائها / حُشاشتَها من دَخيلِ السَّقَم
وداويْتَ أطرافَها بالحُسام / فلا داءَ بالمُلْك إلاّ انْحَسَم
ولمّا قلعْتَ قِلاعَ البُغاةِ / بسَيْفكَ من كُلِّ طَوْدٍ أشَمّ
فلم يَبْقَ إلاّ لعُصْمِ الجِبالِ / مَعاقِلَ كانتْ لها مُعْتَصَم
ثَنيْتَ إليها صُدورَ الجِيادِ / لتُنْزِلَ أَيضاً عُصاةَ العُصُم
عَشِيّةَ ناديتَ فُرسانَها / فَشَدّوا حَيازيمَهمْ والحُزُم
وشمسُ الأصيلِ كَمَلْكٍ عَصا / كَ فاصْفَرَّ من فَرَقٍ وانْهزَم
وعادَ من الغدِ لمّا عفَوْتَ / منيعَ المكانِ رفيعَ العَلَم
فلمّا نَضا الأُفْقُ بُرْدَ الظّلا / مِ ثاروا إلى خَيلهمْ باللُّجُم
بيُمْنِ أخي طَلْعةٍ طَلْقةٍ / يكادُ مُحيّاهُ يُحْيي الرِّمَم
له كلُّ أنمُلَةٍ كَعْبةٌ / مُعظّمةٌ ركْنُها يُسْتلَم
فلو نَطَق الوحشُ قالتْ لهُ / وقد صدَقَتْ فلَهُنَّ الحُرَم
غدتْ فارسٌ حَرَماً مُذْ ملكْتَ / فكم ذا إباحةُ صَيْدِ الحَرم
أيا مَلِكاً بنَدَى كفِّه / غدا البحرُ مُفْتَضِحاً فالْتَطَم
تكادُ من الجودِ ألا يكونَ / شعارُكَ في النّاسِ إلاّ نَعَم
كفَى العربَ الفخْرَ للدَّهرِ أنْ / بمَنْطِقها الشِّعْرُ فيكَ انْتظَم
فإنْ أكُ غُصْتُ على الدُّرِّ فيكَ / فمنْ أجْلِ أنّك بحْرٌ خِضَمّ
طَويْتُ إليك ملوكَ الزَّمانِ / وهل يتَيمَّمُ جارٌ لِيَمّ
وما أنا إلا القديمُ الوَلاءِ / وأَوثَقُ أهْلِ الولاءِ القُدُم
تَزاحمَ آمالُ نَفْسي عليك / كما اسْتبقَ الخَيْلُ في مُزْدحَم
رَجا أنَّ فيك مَزيدَ العَلاءِ / ومنكَ مَنالُ مُنىً تُغْتَنَم
فأمّا الّذي قد تَرجّيْتُ فيك / فبُلِّغْتُهُ وهْو عندي الأَهَمّ
وأمّا الّذي أَترجّاهُ منْك / ففي جَنْبِ جُودِكَ أَمْرٌ أَمَم
فعِشْ ما تَوالَى لجَفْنِ النّها / رِ عن ناظرِ اللّيلِ فتْحٌ وضَمّ
شَغَلْتَ شِفاهَ الورَى والأكُفَّ / بما فيكَ من كَرَمٍ في الشِّيَم
فلم تُخْلِ أنت يداً من لُهاك / ولم يُخْلِ منْ شُكرِكَ النّاسُ فَم
تَظلَّمَ من طَرْف ظَبْيٍ رَخييمٍ
تَظلَّمَ من طَرْف ظَبْيٍ رَخييمٍ / سَقيمٌ غدا شاكياً من سَقيمِ
فلم يَسْعَ ما بيننا للعتابِ / رَسولٌ يُشاكلُ غَيْرَ النَّسيم
سلامٌ به بعثَتْ من هوىً / وإنْ هي باتَتْ بلَيْلِ السّليم
على يدِ ريحِ صَباً رُوحَ صَبٍّ سَرتْ / إلى مُقلتَيْ رَشأٍ بالصَّريم
وعادَتْ إليّ بأنفاسِها / صَباحاً وهنَّ أواسي كُلوم
ضِعافُ الهُبوبِ ولكنْ بها / تَخرَّقَ عنّي غَمامُ الغُموم
ولولا النّسيمُ عَدِمْتُ الشِّفاءَ / فمَنْ ليَ من وَرْدكمْ بالشَّميم
سرى القَلبُ مِن أَضلُعي ظاعِناً / وَخَلَّفَ لاعَجَ شَوقٍ مقِيم
عَشِيَّةَ هاجَ الهَوى لائِمي / وسَحَّتْ جفونُ مَشوقٍ مَلوم
فيا عاذلي ثُمّ يا ناظري / لقد جئْتُماني بلَوْمٍ ولُوم
وعَهْدي بنَفْسي إذا ما حنَنْتُ / دُفعْتُ إلى مُقْعِدٍ لي مُقيم
ونَمَّ بسرِّ الهَوى أدمُعي / وما الدّمعُ إلاّ لسانُ الكَتوم
نظرتُ غداةَ اجتلَيْتُ المِراةَ / وفي عارضي حرْبُ زَنْجٍ وَرُوم
وأضعفَ مَرِّيَ مَرُّ الزَّمانِ / وبَدَّلَ وكْري غُراباً بِبُوم
فقُلْتُ لنَفْسيَ لمّا أسِفْتُ / لخَدٍّ بكفِّ مشيبي لَطيم
تَحامَيْ عنِ اللَّهْو لَهْوِ الشَّبابِ / وحَوْلَ الهوىَ بعْدَهُ لا تَحومي
فها أنا أعجِزُ عَجْزَ الفِصال / وإنْ كنتُ أهدْرُ هَدْرَ القُروم
فطَمْتُ عنِ الصَّبَواتِ الفُؤادَ / ولابدَّ من ضَجْرةٍ للفطيم
ومِن ذَكْرَةٍ لعهودِ الصِّبا / ومن لَفْتةٍ لسَلوبٍ رَؤوم
وشِعرٍ ألوكُ لساني بهِ / وأُعلنُ شَكْوَى الزّمانِ الظَّلوم
تَعلُّلَ صافنةِ الخيلِ في / عِراصِ الدّيارِ بلَوْكِ الشّكيم
وذِكْريَ أَهيفَ ساجي اللّحاظ / هَضومِ المُحبِّ بكَشْحٍ هَضيم
حكَى الخالَ في عَطْفةِ الصُّدْغِ منه / بِخطِّ يد الحُسْنِ مِسْكيَّ جِيم
رماني بعَيْنَيْهِ عندَ الوَداعِ / فللّه رامٍ بألْحاظِ ريم
فأبكَى وأضحكَ في مَوْقفٍ / غداةَ التقَيْنا بأعلَى الغَميم
بيومٍ بطلْعتهِ مُشْمسٍ / على المُجْتَلي وبجَفْني مُغيم
كيوم مؤيّد دين الهدى / ترى فيه طلعة حرٍّ عديم
فيَغْدو به مُشرِقاً ناظرٌ / بِبْشرٍ مُقارِنِ بِرٍّ عَميم
رحيبُ الذُّرا يأْمَنُ الجارُ في / هِ سَطْوةَ رَيْبِ الزّمانِ الغَشوم
ويُشْرِقُ بالوفْدِ حَوْمَ الحجيج / على مَشْعرَيْ زَمْزَمٍ والحطيم
وغيرُ وخيمٍ ذُرا ماجدٍ / له كلُّ خُلْقٍ كريمٍ وخيم
وأبلجُ من لغَطِ السّائلي / نَ لا بالمَلولِ ولا بالسَّؤوم
له أبداً من رياضِ العَلا / ء زُرْقُ الجمامِ وخُضْرُ الجَميم
أُديلَ به الفضلُ من دهرهِ / فباللهِ يا دولةَ الفضلِ دُومي
وحامَيْ حريمٍ لدينِ الهُدَى / فيا دينُ دمتَ منيعَ الحريم
حليمٌ عليمٌ بسرّ الزّمانِ / فأشْرِفْ به من حليمٍ عليم
ولم يكُ حُسْنُ رياضِ العلو / م إلاّ بجَنْبِ جبالِ الحُلوم
يُعِدُّ الخليفةُ يومَ الجدالِ / فتىً منهُ يُفحمُ لُدَّ الخُصوم
وعن حضرةِ القُدْسِ منه يَنوبُ / فيَحْمي حقيقةَ مُلْكٍ عَقيم
بأرقمَ يَلْثِمُ قرطاسَه / فَيتركُ سوداً به من رُقوم
إمامٌ ومحرابُه طِرْسُه / طَويلُ السُّجودِ برأْسٍ أَميم
إذا هو أَبدَى له سَجْدةً / بمَشْقٍ ولو قَدْرَ تدويرِ ميم
بهِ ائتَمَّ كلُّ الورَى ساجدِينَ / بهامٍ إلى رَشْفِ ما خَطَّ هِيم
فأعظِمْ به آيةً للكَريمِ / كما عُهدَتْ آيةٌ للكَليم
فكم بَهَر النّاسَ من مُعْجزٍ / بضَرْبَيْنِ من بُؤْسهِ والنّعيم
فبجّسَ صَخْرَ المليكِ الوَليّ / ويبّسَ بحرَ المليكِ الخَصيم
أيا سابقاً بذَّ شأْوَ الكرامِ / وأسهرَ ليلَ الحَسودِ اللَّئيم
فليس له ما عدا شبْلِه / من النّاسِ في مَجْدِه من قَسيم
نَزلْتُ به غَرَضاً للخُطوبِ / فأحيا رِمامي وأحيا رَميمي
وعاشَتْ بهِ همّتي إذْ رأتْ / مُحَيّاهُ عَيْني وماتَتْ هُمومي
وكم قلتُ للعَيْنِ في نَأْيه / لبَرْقِ ملوكِ الورَى لا تَشيمي
نذَرْتُ فيا عَيْنِ حتّى أراهُ / عن رُؤيةِ الخَلقِ ما عِشْتُ صُومي
فَعيّدْتُ يومَ لقائي له / وعاد سُروريَ بَعْدَ الوُجوم
فها أنا أَدعو دُعاءَ الوَدودِ / له وأُوالي وَلاءَ الحَميم
وأُثني عليه ثَناءَ امرئٍ / لأيّامِ دَولته مُستَديم
ثناءً شَبيهَ ثنايا الحسا / نِ مَنْسوقةً مِثْلَ عِقْدٍ نَظيم
سَما بيَ فوق مَناطَ السَّماء / وأَنعمَ فوق قطارِ الغُيوم
فقد تَركَتْني آلاؤهُ / وحاطَ الحديثُ لها بالقَديم
إذا سألونيَ من أنت قُلْ / تُ عبدُ الكريم ابْنِ عبدِ الكريم
ولستُ بطالبِ مَعْروفِه / ولا هو لي مُسعِفٌ بالمَروم
ولكنْ أفِرُّ فرارَ الغَريمِ / ويَلْزَمُني كلُزومِ الغَريم
كأنَّ ليَ الفضلَ أيضاً عليه / إذا عُدْتُ بالفضلِ منه الجَسيم
كذا مَنْ غدا في اللُّبابِ اللُّبابِ / منَ المجدِ أو في الصَّميمِ الصَّميم
كأنَّ بلوغَ المعالي يَقولُ / أرومُ منَ المرءِ طِيبَ الأُروم
أيا ماجداً جُبِلَتْ نَفْسُه / على خُلُقٍ لا يُبارَي عظيم
رقابُ الأنامِ خُيولُ الكرامِ / وفيها رُسومُهمْ كالوُسوم
وأكثرُ هذا الوَرى كالدّيارِ / وبالي رُسومهم كالرُّسوم
ولكن أياديكَ وهْيَ البحا / رُ نأتي عِدادَ قِطارِ الغُيوم
وفوقَ ندَى اليومِ يُرجَى غداً / نَدى ماجدٍ بالمعالي زَعيم
فما عَقْدُ مَعْروفِه بالضَّعيفِ / وما عَهْدُ عِرْفانِه بالذَّميم
نصَرْتَ مَضيمَ قوافٍ أقولُ / ونَفَّسْتَ عن أدَبٍ لي كَظيم
وما قام قَيسٌ وقَيسٌ معاً / لثأريهما مالكٍ والخَطيم
قِيامَكَ للفضلِ في ذا الزَّما / نِ حتّى أخذتَ بثأْرٍ مُنيم
فأنت المُرادُ بلَفْظِ الوَرى / وأنت الخُصوصُ لهذا العُموم
كأنّ المجَرّةَ وسْطَ السّماء / مَجَرٌّ لذَيْلكَ فوقَ النُّجوم
كأنّ الثُّريّا لبادي الظّلا / مِ كَفٌّ إلى نَهْجِ عَلْياكَ تُومي
كأنّ الهلالَ يُشيرُ أَمامَ / حُسامِ الورَى كسوارٍ فَصيم
فَخُذْها قريضاً وإنْ لم يكنْ / من العَيْبِ أيضاً بذاكَ السَّليم
بدائعَ لو قَدُمَتْ في الزّمانِ / رَواهَا من الحُسْنِ فَحْلا تَميم
قَبولُكَ يُزْهَى بهِ مِقْولي / لما فيك من خُلْقِ طَبْعٍ كريم
فيُصلِحُ فاسِدَهُ للعُيونِ / ويَكْشِفُ غامِضَه للفَهوم
كما الفَصُّ يَعْوَجُّ مكْتوبُه / ويُبدِلُه الشّمْعُ بالمُسْتَقيم
فعِشْ للعُلا قمراً في دُجَى / من الدَّهرِ أو غُرّةً في بهيم
وَمتّعْتَ بالعزِّ فيمَنْ تُحبْ / بُ ما اعْتيدَ جَوْبُ الفلا بالرَّسيم
وخَفَّ الحُسامُ بكفّ الكَميّ / وكأْسُ المُدامِ بكَفِّ النّديم
سَتَرْنَ المحاسنَ إلاّ العُيونا
سَتَرْنَ المحاسنَ إلاّ العُيونا / كما يَشْهَدُ المَعْرَكَ الدّارِعونا
سَللْنَ سيوفاً ولاقَيْنَنا / فلا تَسألِ اليومَ ماذا لَقينا
كَسرْنَ الجُفونَ ولولا الرِّضا / بحُكْمِ الغرامِ كَسرْنا الجُفونا
وحَسْبُ الشَّهيدِ سُروراً بأَنْ / يُعايِنَ حُوراً مع القَتْل عِينا
أفي كُلِّ يَومٍ هوىً مُعْرِضٌ / يَشُبُّ لنا الحسْنُ حرباً زَبونا
أعَيْنيَّ بَعْدَ زِيالِ الخليطِ / أعِينا على ما أُلاقى أَعِينا
وكنّا تركْنا غداةَ الوَدا / ع كُلَّ فؤادٍ بدَيْنٍ رَهينا
فلمّا أُتيحَ لنا مَوعِدٌ / يُعلِّلنَا ذِكْرُه ما بَقِينا
قَضينا دُيونَ الهوَى كُلَّها / سوى أنّنا ما فَككْنا الرُّهونا
فَرُحْنا وقد كَمِدَ الحاسدون / لما يَعْلَمونَ وما يَجْهلونا
ولا عَيْبَ فينا سوى أنّنا / عَففْنا وظَنَّ الغَيورُ الظُّنونا
عُهودٌ تَقضَّتْ وما خلّفَتْ / سوى أنْ نَذُمَّ الزَّمانَ الخَؤونا
وكم قد جَرَرتُ ذيولَ الصِّبا / وجُنَّ العواذلُ منّي جُنونا
وحُبْلَى من الزَّنْج قد أضمَرَتْ / من الرُّومِ في البَطْنِ منها جَنينا
قَطعتُ دُجاها ببَدرٍ يَعُدُّ / من البَدْرِ قَدْرَ اللّيالي سِنينا
ولا عَيْبَ فيه سوى أنّه / إذا النّاسُ مَدُّوا إليه العُيونا
يَظُنُّ خيالاتِ أهدابِها / عِذاراً على خَدّه النّاظرونا
تُميتُ وتُحْيي الفتَى نَظْرتَاهُ / كنفْختَيِ الصُّورِ للعاشِقينا
يَكُمُّ أقاحِيَهُ في الشَّقيقِ / فَيفتُقُه الدَّلُّ حتّى يَبينا
وقبلَ ثناياهُ والثّغْرِ مِنْ / هُ لم نَرَ مَنْ خَطَّ في الميمِ سِينا
لقَلْبي بَلابلُ تأْوي القُدودَ / حَكتْها بلابلُ تأْوي الغُصونا
غُصونٌ قَدِ اتَّخذَتْ فَوْقَهُنْ / نَ منّا طُيورُ القلوبِ الوُكونا
وحاجَةُ نَفْسٍ رَحلْنا لها / مَطايا نُدارِسُهُنَّ الحَنينا
ألِفْنا لها قَلِقاتِ البُرَى / وعِفْنا لها شَرِقاتِ البُرينا
وكلُّ أناةٍ تُجيلُ الوِشاحَ / لكلّ وآةٍ تُجيلُ الوَضينا
هَجْرتُ الملاحَ وجُزْتُ المِراحَ / وماذا أُرجّي منَ الغادرينا
وما ملك الدّهرُ قَطُّ الوفاءَ / فمِن أين يُورِثُه للبنينا
وقد كُنتُ قِدْماً مُعنَّى الفؤادِ / أُوالي جَواداً وأهْوَى ضَنينا
فلمّا خلَصتُ نجِيَّ العُلا / وأقصرَ عن عذْليَ العاذِلونا
حلَفتُ على مَسْحةٍ للسّحاب / فعزَّتْ فقال ليَ القائلونا
إذا ما لثَمْتَ يَمينَ الوزيرِ / سمَوْتَ فأبرَرْتَ تلكَ اليَمينا
إلى شَرَفِ الدّينِ تِرْبِ العُلا / أثَرْتُ منَ العيسِ حَرْفاً أمونا
ولو بِعتُ ساعةَ لُقيانه / بدهْرٍ سواهُ لكُنْتُ الغَبينا
كريمٌ مدائحُنا الغُرُّ فيه / ولكنْ صنائعُه الغُرُّ فينا
تَرَى للعُفاةِ بأبوابه / مَطيّاً مُناخاً وخَيلاً صُفونا
مَعينُ النَّدى ما تَرى من فتىً / يُعِدُّ رِشاءً عليه مُعينا
وشمسٌ غدا بُرْجَهُ نَفْسُه / تَرَى بُردَه أُفْقَهُ والعرينا
تَغيمُ إذا شاء أقلامُه / بجَوْنٍ فَتُمْطُرُ للآمِلينا
فَيعتقدُ البحرُ أنْ قد حكاهُ / إذا بَعثَ السُّحْبَ للخَلْقِ جُونا
غدَتْ مُذْ غدا وهْو صَدر العُلا / صُدورٌ بهِ لقلوبٍ سُجونا
وآلَى به النَّصرُ لا خانَه / فلم يَخْشَ في موقفٍ أنْ يَخونا
ولم يَعتمدْ بأبيهِ اليَمي / نَ إلاّ ليُومِنَنا أنْ يَمينا
إذا سَدَّد الرُّمحَ يومَ الوغَى / وقد صقَلَ البِشْرُ منه الجَبينا
فكُلٌّ على خَدِّه في الثّرى / يَخِرُّ له طائعاً أو طَعينا
أأعداءه حاذِروا حِلْمَه / فقد تَخِذَ المَوتَ فيه كَمينا
ولا تأْمنوا لِينَ أخلاقِه / فشدّةُ بأْسِ القنا أنْ تَلينا
هو الطَّودُ حِلْماً ولكنْ تَرى / لنارِ الحفيظةِ فيه كُمونا
كذا الفَلكُ المُعْتلي كُلُّه / حَراكٌ وتَحسَبُ فيه سُكونا
ألا يا كلوءَ اللّيالي لِما / أُذيلَ من المُلْكِ حتّى تَصونا
بكَ الأنجمُ الزُّهْرُ في أنَّهُنَّ / يَبعْنَ الكَرى بالعُلا يَقْتَدينا
ومن شَرَفِ اسْمك أنّ الهلالَ / تَقوَّسَ حتّى حكَى منه نونا
إذا طالبَ الرَأْيَ منكَ الزَّما / نَ بالشّيء كان القَضاءُ الضّمينا
إذا ما الملوكُ اتّقَوا بالدُّروعِ / من الخوفِ أو بالحصونِ المَنونا
فلم تَرْضَ غيرَ السُّيوفِ الدُّروعَ / ولم تَرْضَ غيرَ الجيادِ الحُصونا
ليَهْنِكَ أنّ مُغيثَ الأنامِ / غدا لك بالوُدِّ غَيْثاً هَتونا
وقبلَ المُغيثِ أبوه الغِياثُ / تَبوّأْتَ منه المكانَ المَكينا
فَورِّثهُ منك أُخْرى الزّما / نِ نُصحاً مُبيناً ورأْيَاً مَتينا
وأوّلُ آثارِكَ الباهرا / تِ واحدةٌ تُرغِمُ الكاشِحينا
مَنالُ الخلافةِ والمُلْكِ منك / إعادةُ ظَنٍّ صفاءً بقينا
وبالأمسِ أقْرَحْتَ شأنَ الحسودِ / بأنّك أصلحْتَ تلك الشُّؤونا
على حينَ أعضلَ داءُ العراق / وكان الَّذي لم تَخَفْ أنْ يكونا
أتَوْها فسالَتْ مياهُ الحديدِ / إلى أنْ أشَرْتَ فعادتْ أُجونا
وقد كان خطْباً أشابَ القُرونَ / ولولاك كان أبادَ القُرونا
وبين الإمام ومَوْلَى الأنامِ / أَنْ فَتَن المُلْكَ قومٌ فُتونا
فمِنْ قبلُ بينَ نَبِيِّيْ هُدىً / جنَى السّامرِيُّ خصاماً مُبِينا
وكلٌّ له العُذْرُ فيما أتَى / كذلكَ يَعتقدُ المُؤْمنونا
حروبٌ جَلتْ صَدأَ الدَّولتَيْنِ / كأنّ الصّوارمَ كانتْ قُيونا
وما كان ثَمَّ شجارُ القلوبِ / وإن كان فيه شِجارُ القُنينا
ولكنْ تمَخّضُ تلك الهَناتُ / ليَنْتِجْنَ يَوماً على المارِقينا
فمَنْ مُبِلغٌ لي مليكَ الوَرى / مَقالاً يُقرَّطُه السّامِعونا
أسلطانَنا أيَّ ذي رأفةٍ / تَخيَّركَ اللهُ للمسلِمينا
خُلِقْتَ عقيداً لتاجِ العَلا / ءِ ظَهْرِ آدمَ إذ كان طينا
كأنّ ملائكةَ اللهِ فيه / رأوكَ فخَرُّوا له ساجِدينا
وقالوا يَميناً لهذا الَّذي / تُعِدُّ الخلافةُ منه يَمينا
نظَرْنا على أنّه طالما / عَهِدْنا السّلاطينَ مُستَوْزِرينا
ومثْلُ اخْتيارِكَ للصّلبِ ال / مُؤيّدِ ما عَهِدَ العاهِدونا
مَلِيَّ بإعْمالِه فِكْرتَيْ / ن يُرضيكَ ما شئْتَ دُنيا ودِينا
جَمعْتَ المَعانيَ في لَفْظةٍ / وقد رُمْتَ عن قَدْرِه أن تَبينا
فأقْرأْتَهُ آيةَ الإصْطِفاء / وقُلتَ غدوْتَ مكيناً أمينا
فشَّبْهتَه بالنّبْيِّ الّذي / تَوزَّرَ في مصْرَ للمَلْكِ حِينا
ومَعْناهُ فارْعَ لنا ما رَعاهُ / وكنْ مثْلَه بامْتثالٍ قَمينا
وكانَ هُوَ الطّالبَ الشُّغْلَ منه / فحسْبُك أنّا لكَ الطّالِبونا
وهل أنتَ أيضاً سوى صاحب / نَعُدُّكَ للمُلْكِ حصْناً حَصينا
أخو مَنْظَرٍ وأخو مَخْبَرٍ / يُسهْلُ يُمْنُكَ عنّا الحُزونا
فوَجْهُكَ يُعطي البِلادِ السّناءَ / ورأيُك يَكفي العِبادَ السِّنينا
ألا فابْقَيا ما حدَتْ بالمطيّ / حُداةٌ وحَجّوا صَفاً أو حَجونا
فنِعْمَ الوزيرُ اتّخذْتَ الوزيرَ / ونِعْمَ القرينُ ارتضَيْتَ القَرينا
عليمٌ بأخبارِ كُلِّ القُرونِ / وأخْبارُه نُزَهُ الدّارِسينا
كأنّ الفَتى عاش عُمْرَ الزَّمانِ / وعاشرَ أهليهِ مُسْتَجْمعينا
إذا ما دَرى قَصَصَ الذّاهبِينَ / وجادَ لِيُذْكَرَ في الغابِرينا
فصوَّرَ هذا له الأَوّلِينَ / وَصَوَّرَهُ ذاك للآخِرينا
فمَنْ يكُ عِلْمٌ وجودٌ له / فقد عاشَ عُمْرَ الوَرى أجْمَعِينا