القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : الشَّريف المُرتَضى الكل
المجموع : 29
أَراعكَ ما راعَني مِن رَدى
أَراعكَ ما راعَني مِن رَدى / وجدتُ له مثلَ حزّ المُدى
وَهَل في حِسابك أنّي كَرَعْتُ / برُزءِ الإمامِ كؤوس الشّجا
كأنّي وقد قيل لي إنّه / أتاه الرَّدى في يَمينِ الرّدى
فَقُل لِلأَكارمِ مِن هاشمٍ / ومن حلّ من غالبٍ في الثَّرى
رِدوها المَريرة طولَ الحياةِ / وكم واردٍ كَدِراً وما اِنروى
وشقّوا القلوبَ مَكانَ الجُيوبِ / وجُزّوا مكانَ الشّعورِ الطُّلى
وحلّوا الحُبا فعلى رُزْئِهِ / كِرامُ الملائكِ حلّوا الحُبا
ولِمْ لا وما كتبوا زلّةً / عليه وأيُّ اِمرئٍ ما هَفا
فيا ليتَ باكيَهُ ما بكاهُ / ويا ليت ناعيَهُ ما نعى
ويا لَيتنِي ذقتُ عنه الحِمامَ / ويا لَيتَني كنتُ عنه الفِدا
هوَ المَوتُ يَستلبُ الصالحينَ / وَيَأخذُ مِن بَيننا مَن يَشا
فَكَم دافَعوه فَفات الدفاعُ / وَكَم قَد رَقَوْه فَأَعيا الرُّقى
مَضى وهوَ صِفْرٌ منَ الموبقاتِ / نقيَّ الإزارِ خفيفَ الرِّدا
إِذا رابَهُ الأَمرُ لَم يأتِهِ / وإن خَبُثَ الزَّادُ والَى الطَّوى
تعزَّ إِمامَ الوَرى وَالّذي / بِه نَقتَدي عَن إِمامِ الوَرى
وَخَلِّ الأَسى فَالمَحلُّ الّذي / جَثَمتَ بِهِ لَيسَ فيهِ أَسى
فَإِمّا مَضى جَبلٌ وَاِنقَضى / فَمِنكَ لَنا جَبلٌ قَد رَسَا
وَإِمّا فُجِعنا بِبَدرِ التمامِ / فَقَد بَقيت مِنك شمسُ الضُحى
وَإِن فاتَنا مِنهُ لَيثُ العَرين / فَقَد حاطَنا مِنكَ لَيثُ الشَّرى
وَأَعجَبُ ما نالَنا أَنَّنا / حُرِمنا المنى وَبَلَغنا المنى
لَنا حَزَنٌ في محلِّ السرورِ / وَكَم ضَحِكٍ في خِلالِ البُكا
فَجَفْنٌ لَنا سالِمٌ مِن قَذىً / وآخرُ مُمتَلِئٌ مِن قَذى
فَيا صارِماً أَغمدته يدٌ / لَنا بَعدكَ الصارِمُ المُنتضى
ويا رُكُناً ذَعْذَعته الخطوبُ / لَنا بَعدَ فَقدِكَ رُكنٌ ثوى
وَيا خالِداً في جِنانِ النّعيمِ / لَنا خالدٌ في جِنانِ الدُّنا
فَقوموا اِنظروا أَيّ ماضٍ مَضى / وَقوموا اِنظُروا أيّ آتٍ أتى
فَإِنْ كانَ قادرُنا قَد مضى / فَقائِمُنا بَعدَهُ ما مَضى
ولَمّا دُوينا بِفَقدِ الإمامِ / عَجِلتَ إلينا فكنت الدَّوا
رَضيناكَ مالكَنا فَاِرضنا / فَما نَبتَغي مِنكَ غَيرَ الرِّضا
وَلَمّا حَضرناكَ عندَ البِياعِ / عَرَفنا بِهَديك طُرقَ الهُدى
فَقابَلتَنا بوَقارِ المَشيبِ / كَمالاً وَسِنُّك سِنُّ الفَتى
وَجِئناكَ تَتلو عَلَينا العزاءَ / فَعزَّيتَنا بِجَميلِ العزا
وَذادَتْ مَواعِظُك البالغاتُ / أَخامِصَنا عَن طَريقِ الهَوى
وَعَلَّمتَنا كَيفَ نَرضى إِذا / رَضي اللَّه أَمراً بِذاكَ القَضا
فَشَمّرْ لَنا أَيُّهاذا الإمامُ / وَكُن لِلوَرى بَعدَ فَقرٍ غِنى
وَنَحِّ عَنِ الخَلقِ بَغيَ البُغاةِ / وَعُطَّ عَنِ الدّينِ ثوبَ الدُّجى
فَقَد هَزَّك القَومُ قَبلَ الضِّرابِ / فَما صادَفوكَ كَليلَ الشَّبا
وَأَعلَمَهم طولُ تَجريبِهم / بِأَنَّكَ أَولاهمُ بِالعُلى
وَأَنّك أَضرَبُهم بِالسّيوف / وَأَنَّك أَطعنُهم بالقنا
وَأَنّكَ أَضرَبُهم في الرّجا / ل عِرْقاً وأطولُ منهم بنا
وَأَنّك وَالحَربُ تُغلى لها ال / مَراجلُ أوسعُ منهم خُطَا
وَأَنّك أَجوَدُهم بالنُّضارِ / وَأَنَّكَ أَبذَلُهم لِلنّدى
سَقى اللَّهُ قَبراً دَفنَّا بِهِ / جَميعَ العَفافِ وَكُلَّ التُّقى
وَجادَ عَلَيهِ قُطارُ الصّلاةِ / فَأَغناهُ عَن قَطَرات الحَيا
ومَيْتٌ له جُدُدٌ ما بَلين / مآثرُهُ لا يَمَسُّ البِلى
وَإِنْ غابَ مِن بَعدِ طولِ المَدى / فَإِنَّك أَطوَلُ مِنهُ بقا
لَقَد ضَلّ مَن يَسترقّ الهَوى
لَقَد ضَلّ مَن يَسترقّ الهَوى / وَعَبدُ الغَرامِ طَويلُ الشَّقا
وَكَيفَ أَحلُّ بِدارِ الصَّواب / وَلي همّةٌ تزدري بالذُّرا
وتُظْلِمُ دونِيَ طُرْقُ الصّواب / وَمِنّي اِستَعارَ النَّهار السَّنا
رُويدَكِ يا خُدُعاتِ الزّمانِ / كَفاني فِعالُكِ فيمَن مَضى
جَذبتِ عَنانَ شَديد الجُموحِ / وَراوَدتِ مُستَهزِئاً بالرُّقى
يَعُدُّ الغِنى منك غُرمَ العقولِ / وَأَنّ ثَراءك مِثلُ الثرى
ومَنْ مَلأت سَمعَه الذابلاتُ / وَقَرعُ الظبا لَم يَرُعْه الصَّدى
رَمى الدَهرُ بي في فَمِ النائباتِ / كأنِّيَ في مُقلَتيهِ قَذى
وَلَم يَدرِ أنّيَ حتفُ الحُتوف / وَأَردَيتُ بِالسّيف عُمْرَ الرّدى
وَأَنّي لَبِستُ ثِيابَ العَراء / وَلا مُؤْنسٌ لِيَ غيرُ المَها
وَقَلبٌ نَبا عَنهُ كَيدُ الزّمانِ / فَما للمُنى في رُباهُ خُطا
إِذا نازَعَتني خُطوبُ الزَّمان / مَلأتُ بِهِ فُرُجاتِ المَلا
أُلوِّحُ بِالنَّقعِ وَجهَ النهارِ / وَأَحسرُ بالبيضِ وَجهَ الدجى
عَلى سابِحٍ في بِحارِ المنونِ / كفيلٍ بِوَطء الشَّوى بالشّوى
أَنالُ بِهِ فائِتاتِ الوُحوش / وَأَلمسُ مِن صَفحَتيه السُّها
إِذا ما نَظَرتُ إِلى لَونِهِ / رَأيتُ الدُّجى قَد تردّى الضُّحى
عَذيريَ مِن مدّعٍ لِلعُلى / وَلَم يَحنِ السَّير ظهرَ السُّرى
وَلا حَملتهُ ظُهورُ الجِياد / ولا رَوِيتْ في يَديهِ الظّبا
وَما كلُّ ذي عَضُدٍ باطشٌ / ولا كلُّ طرفٍ سليمٍ يرى
وَبَعض الأَنامِ الّذي تَرتَضيهِ / وَبَعض الرؤوسِ مَغاني الحِجى
فَكَم مِن طَريرٍ يَسوء الخبيرَ / وَكَم فَرَسٍ لا يُجارى العَفا
دَعِ الفِكرَ فيمَن أَعَلَّ الزّمانُ / وَإِلا فَقُم بِاِعتِدال الشِّفا
فما غيّرت كفُّ ذي صنعةٍ / بِأَخفى التحلّي مَكانَ الحُلى
وَلَلطبعُ أَقهرُ مِن طابعٍ / وَطرف الهَوى ما خَلا من عمى
سَقى اللَّهُ مَنزلَنا بِالكثيب / بِكَفِّ السّحائِب غَمْرَ الحيا
مَحلّ الغيوثِ وَمَأوى اللّيوث / وَبحرُ النّدى وَمَكان الغِنى
فَكَم قَد نعمت بِه ما اِشتهيْ / تُ مشتملاً بإزار الصِّبا
تُعانِقُني منهُ أَيدي الشّمال / وَيَلثِمُ خدّي نَسيمُ الصَّبا
وَكَم وَردتهُ رِكابُ العُفاةِ / فَأَصدرتها بِبلوغِ المُنى
إِذا ما طَمَتْ بِيَ أَشواقُه / دَعوتُ الحُسينَ فَغاضَ الأسى
فتىً لا تعثّر آراءَه / بِطرقِ المَكارم صمّ الصَّفا
يَجودُ بِما عَزَّ مِن مالِهِ / فإنْ سِيلَ أَدنى علاهُ أَبى
وَيَوماهُ في الفَخرِ مُستَيقنان / فَيومُ العَطاءِ ويومُ الوغى
يُفيض بِهذا جزيلَ الحِباءِ / وَيُقري بِهذا القَنا في القَرا
تَعرّف في الخلقِ بِالمَكرُمات / فَأَغنَتهُ عَن رائِقاتِ الكُنى
وَأَخرَسَ بِالمجدِ قَولَ العُداة / وَأَنطقَ خُرسَ اللَّها باللُّها
أَيا مَن كَبا فيهِ طِرفُ الحسود / فأمّا جوادُ مديحٍ فلا
تَمنّى أَعادِيكَ ما فارَقوه / وَمِن دونِ ما أمَّلوه العُلى
وَعِرضٌ يمزِّقُ مِرْطَ العُيوب / وَيَهتِكُ عَنهُ برودَ الخَنا
وَلَولا عُلوُّك عَن قَدرِهم / لَحَكَّمتَ فيهِم طِوالَ القنا
وَأَلحَظْتَ أعيُنَهم غُرّةً / تفارقُ مِنها الجسومُ الطُلى
لَقَد عَصَمتهُمْ سفاهاتُهُمْ / وكهفُ السَّفاهة بِئسَ الحِمى
أَبَى اللَّه وَالمجدُ والمشرفيُّ / وسُمرُ الرّماح مُرادَ العدا
تهنّأْ بشهرٍ تهنّأ منك / بِصدقِ اليقينِ وصدقِ التُقى
فَهَذا بِه تَستَضيء السّنون / وَأَنتَ بِمَجدكَ فَخرُ الوَرى
لَوَ اِنّكَ عَرَّجتَ في منزلٍ
لَوَ اِنّكَ عَرَّجتَ في منزلٍ / يَهونُ العَزيزُ بأَرجائِهِ
وَبيءِ المَواردِ لا يستفيقُ / بهِ القلبُ والجسمُ من دائِهِ
جَفاهُ النعيمُ فَما إِنْ بِهِ / لِقاطنِهِ غيرُ بَأْسائِهِ
فَيا قُربَ ما بَين إِضحاكِهِ / لسنٍّ وَما بينَ إِبكائِهِ
كَأنّيَ فيهِ أَخو قَفرةٍ / يُزجّي كَليلاتِ أنضائِهِ
وَسارٍ على سَغَبٍ في القَواءِ / بلا زادِهِ وبلا مائِهِ
وَذو سَقَمٍ ملَّهُ عائدوه / وَفاتَ عِلاجُ أطبّائِهِ
فَقُلْ للّذي ظَنَّ أنّي حَفَلْت / بِضَوضائهِ يومَ ضوْضائِهِ
ومَنْ لا أُبالي اِحتِقاراً لهُ / بِإِصباحِهِ وبإمسائِهِ
نَجوتَ وَلَكِنْ بِنَقصٍ كَما / أَجمّ الغَديرُ لأَقذائِهِ
وَذَمُّ الفَتى مِثلُ مَدحِ الفَتى / لأشكالِهِ وَلأكفائِهِ
أَلا هَل لما فات من مطلبِ
أَلا هَل لما فات من مطلبِ / وهل عن ردَى المرءِ من مَهرَبِ
وَهَل لامرئٍ يبتغيهِ القضا / ءُ من مُستجارٍ ومن مذهبِ
عذيرِيَ من حادثات الزّمان / أجِدُّ لهنَّ ويلعبْنَ بي
يُثلّمْنَ من حَنَقٍ مَرْوَتي / ويرعَيْنَ من نَهَمٍ خُلّبي
وإمّا بَرِحْنَ ففي طيّهن / نَ ما شئتَ من تعبٍ مُتعبِ
وإنْ هنّ صفّينَ لي مشرباً / رَجَعْنَ فَرنّقْنَ لي مَشْربي
فكم ذا أُعلّلُ بالمُبْرِضاتِ / وأُخدَعُ بالبارق الخُلّبِ
وأُعدي بأدواء هذا الزّما / نِ عَدْوَى المُصحِّ من المُجرَبِ
ولو كنتُ أعجبُ من حادثٍ / عجبتُ من الحادث الأقربِ
أتاني على عُدَوَاءِ الدّيارِ / لَواذِعُ مِن نبأٍ مُنصِبِ
فإنّ نجيع فخار الملو / كِ سِيط هنالك بالأثْلَبِ
وإنّ أُسامةَ ذا اللِّبدَتيْ / نِ صُرِّع عن خُدَعِ الأَذْؤُبِ
غُلبتمْ بنقضِكُمُ عهدَهُ / ومن غلّبَ الغدْرُ لم يغلِبِ
بأيِّ يدٍ قُدتمُ غِرَّةً / خِزامةَ ذا المُقرَمِ المُصْعَبِ
وكيف ظفِرتُمْ وبُعدُ المنا / ل بينكُمُ بسنا الكَوكبِ
وَكَيف عَلِقْتُم عَلى ما بِكمْ / من العَجْزِ بالحُوَّلِ القُلَّبِ
وأينَ يمينُكُمُ والعُهو / تطايحن في نَفْنفٍ سَبْسَبِ
وَأَصبح ملكُكُم بعدَه / بغير ذراعٍ ولا مَنكِبِ
وما كنتُ أخشى على الأُفعوانِ / مَدى الدّهرِ مِن حُمةِ العقربِ
أَمِنْ بَعد أَن قادَها نحوَكمْ / نفوراً مُحَرَّمَةَ المركبِ
وَأَولَجها بَين أَبياتكمْ / وَلَيسَ لَها ثمَّ من مرغَبِ
وَدافع عنها لِغير القوي / يِ كلَّ شديدِ القُوى مُحرِبِ
تُجازونَهُ بجزاء العدوِّ / وتَجْزونَه أُسْوَةَ المُذنِبِ
ولو رابه منكُمُ ما أرا / بَ شآكمْ وَلكن لم يَرْتَبِ
خُذوها تلَذُّ لَكمْ عاجلاً / وآجلُها غيرُ مُستَعذَبِ
ولا تَرقبوا غير ودْقِ الحِمام / وشيكاً من العارِضِ الصيِّبِ
ففِي الغيبِ مِن ثارِه فيكُمُ / شفاءٌ لأفئدةٍ وُجَّبِ
ألا غنّياني بقرع السّيوفِ / فَما غيرُها أبداً مُطربي
وحُثّا عليَّ كؤوسَ النّجيعِ / سواءً شربتُ ولم أشربِ
ولا تمطُلا ثاره إنّه / فتىً حرّم المَطْلَ في مَطلبِ
كأنّي بها كجبالِ الحجا / زِ يُقبلنَ أو قِطَعِ الغَيْهبِ
عليهنّ كلُّ شُجاعِ الجَنان / إذا رُهبَ الهولُ لم يَرهَبِ
لأسيافهم في رؤوس الكُماةِ / مصمّمة القُضُب اللّهّبِ
ولمّا مررنا على رَبْعِهِ / خرابِ الأنيس ولم يَخرِبِ
تَبدّل بعدَ عَجيج الوفودِ / بحاجاتِهم صرَّةَ الجُندُبِ
ومن سابغاتٍ ملَأْن الفِناءَ / من القَزّ أردية العنكبِ
بَكينا على غَفَلاتٍ بِهِ / سُرِقنَ وعيشٍ مضى طيّبِ
وَقُلنا لما كانَ صعبَ المَذا / لِ من سَبَلِ العين لا تَصعُبِ
أيا دارُ كيف لبستِ العَفاء / وماءُ النضارِة لم ينضُبِ
وَكيفَ نسيتِ الّذي كان فيكِ / من العزّ والكرم الأرحبِ
وكيف خلوتِ من القاطنين / وغربانُ بينك لم يَنعَبِ
وَأَين مَكامنُ ذاكَ الشجاع / ومربضةُ الأسدِ الأغلبِ
وأين مواقفُ وِلْدانِهِ / ومُزدَحمِ الجُند في الموكبِ
ومجرى سوابقِهِ كالصّقورِ / جلبنَ صباحاً على مَرْقَبِ
أيمضِي وأسيافُهُ ما فَتِئْ / نَ بالضّرب والسُّمرُ لم تُخضَبِ
وَلَم تُعجل الخيلُ مذعورةً / إلى مَرغبٍ وإلى مرهبِ
ولم يُستلبْ بالرّماح الطّوا / لِ في الرّوع واسطةُ المِقْنَبِ
ولو عَلِمَ السّيفُ لمّا علا / كَ حالَ كليلاً بلا مَضرِبِ
وبُدّل من ساعدٍ هزّه / لحتفك بالسّاعد الأعضبِ
تعامَه قومٌ سقوك الحِمامَ / فما فيهُمُ عنك مِن مُعرِبِ
فلو عن رداكَ سألنهاهُمُ / أحالَ الحضور على الغُيَّبِ
ألِفْتَ التكَرّم حتّى غفل / تَ عن جانب الحاسد المُجلبِ
ولم تَعتدِ المنعَ للطّالبين / فجدْتَ بنفسك للطُّلَّبِ
فإِن تكُ يا واحداً في الزّمانِ / ذهبتَ ففضلُك لم يذهبِ
وإنْ حجّبوك بنسْجِ الصّفيحِ / فغرُّ مساعيك لم تُحجَبِ
سلامٌ عليك وإن كنتَ ما / سلمتَ من الزّمن الأخيبِ
وواهاً لأيّامك الماضياتِ / مُضِيَّ السّحابة عن مُجدبِ
فَما بِنْتَ إلّا كبين الحياةِ / وشرخِ الشّباب عن الأشيبِ
ولا خَير بعدكَ في الطيّباتِ / فَما العَيشُ بَعدك بالطيّبِ
حَرامٌ عليّ اِكتسابُ الإخاءِ / فَمثل إِخائك لم أكسِبِ
وَلستَ ترانِيَ فيمنْ ترا / هُ إِلّا عَلى نجوَةِ الأجْنَبِ
ولستُ به طالباً غيرَه / فقِدْماً وجدتُ ولم أطلُبِ
عَثَرتُ وَلَولا اِنتِياشُ الإلهِ
عَثَرتُ وَلَولا اِنتِياشُ الإلهِ / لكنتُ صريعَ ردى عثرتي
وَأَخرجنِي اللَّهُ مِن قَعرها / وقد كنتُ صرتُ إلى اللُّجّةِ
على حين ساءَتْ بنفسي الظّنونُ / وأشرفتُ منها على الخُطّةِ
وَكان العِدى يُبصرون الّذي / تصوّره لَهُمُ بِغْضَتِي
ولمّا كفاني الّذي خِفتُهُ / وقد كنتُ في وَسَطِ الخيفةِ
أتاني بقدرته آيةً / علمتُ بها سَعَةَ القدرةِ
فيا رافعاً بِي ويا مُنعماً / عليَّ بما لم تَنَلْ مُنْيتِي
ويا من رغبتُ إلى نصرِهِ / فما ردّني عنه بالخيبةِ
ويا عاصماً لِي من الموبقاتِ / وما كنتُ أطمعُ في عصمتي
ويا معطياً فوق ما أبتغي / بلا طَلَبٍ وبلا بُغيةِ
ويا فارجاً ظُلُماتِ الخطوبِ / وليس سبيلٌ إلى الفُرجةِ
شكرتُك لا بالغاً ما مننتَ / ولكنْ بلغتُ مدى بُغيتي
وما لِيَ شكرٌ ولا أَهتدي / إليهِ على قَدَرِ النِّعمةِ
أمِنْ بعد ستّينَ قد جُزتُها
أمِنْ بعد ستّينَ قد جُزتُها / تعجّب أسماءُ من شيبتي
وأعجبُ من ذاك لوْ ما كَبِرْتُ / وَلَم يَنزلِ الشّيبُ في لِمّتِي
فَإِن كُنتِ تأبَيْنَ شيبَ العِذار / فكمْ خُيّبَ المرءُ من مُنْيَةِ
وَإِنْ أَنتِ يَوماً تخيّرتِ لي / فَشيبِيَ أصلحُ من مِيتتِي
فَلا تَغضبي مِن صَنيعِ الزّمانِ / فما لكِ شيءٌ سوى الغضبةِ
سَلامٌ على العَمل الصالحِ
سَلامٌ على العَمل الصالحِ / وغادٍ من النُّسكِ أو رائحِ
سلامٌ على السَّنَنِ المستقيمِ / سلامٌ على المَتْجرِ الرّابحِ
سلامٌ على صوم يومِ الهجيرِ / وهبّةِ ذِي مدمَعٍ سافِحِ
سلامٌ على عَرصَاتٍ خَلَوْ / نَ للدّين من غابقٍ صابحِ
وفارقنا يومَ جدّ الرّحي / لُ عُريانَ مِن مِيسَمٍ فاضِحِ
فتىً كان في دارنا هذِه / بطَرْفٍ إِلى غيرها طامحِ
تراهُ إذا غَسَقَ الخابطونَ / على منهجٍ للهُدى واضحِ
محمّدُ فارقْتنا عَنْوةً / فجرحِي الرّغيبُ بلا جارحِ
وأوْدعتنِي في صميم الفؤا / دِ مِنِّيَ ما ليس بالبارحِ
وهوّن رُزْءَك أنّي أقولُ / مضيتَ إلى مُنيةِ الفارحِ
إلى نِعَمٍ ليس كالأعْطياتِ / ونافحُها ليس كالنافحِ
كنار العَراءِ بلا مُصطَلٍ / وسَجْلِ القَليبِ بلا ماتِحِ
ودارُ السّياسةِ مجفُوَّةٌ / وغدرانُهنَّ بلا نَاشِحِ
وكنتَ وقد طَرَحَتْها بَنان / كَ مُحتقِراً خيرَ ما طارحِ
فلو سُئِلَتْ عنك لاِستَعجلتْ / إلى منطقِ الشّاكر المادحِ
وكم لك في المجدِ من ثورةٍ / إلى البلد الشّاحط النازحِ
على كلّ منفرجِ الكاذَتَين / كَتُومٍ لأنفاسهِ سابحِ
تَراهُ إِذا اِسوَدّ ليلُ العَجاجِ / من الرَّوْعِ كالكوكبِ اللائحِ
وَقَد عَلِموا حينَ شبّوا الأُوارَ / مَجَسَّكَ من لاذِعٍ لافِحِ
بِأَنّك أَضربُ من حامِلٍ / لسيفٍ وأطعنُ من رامحِ
وَأَكتَم للسِّرِّ حين اِكتَوَتْ / خطوبٌ على النّاشر البائِحِ
وأنّك منتقماً إذ تكون / لِذُحْلِكَ خيرٌ من الصّافِحِ
تفِيءُ إلى الأبْلجِ المستنيرِ / من الرأْيِ في المُعضِلِ الفادِحِ
وإن عَنَّ يومُ حِباءٍ هَطَلْتَ / وفي النّاسِ مَنْ ليس بالرّاشحِ
مضيتَ خفيفاً من الموبقاتِ / وأين الخفيفُ من الدالِحِ
ولو أنصف النّاسُ تُرباً أُهيلَ / على جَسَدٍ ناصعٍ ناصحِ
لَزاروهُ وَاِستَنزلوا عندهُ / عطاءً من المانع المائحِ
فإمّا نزحتَ وراءَ الصَّفيحِ / فلستَ عن الخير بالنَّازحِ
فَللّهِ قبرٌ أراقوا بهِ / ذَنوباً من الذُّخُر الصّالحِ
تمرُّ به أرِجَ الخافقين / ملآنَ من عَبَقٍ فائِحِ
فإنْ نحن قِسنا إليه القبورَ / أَبَرَّ بميزانِهِ الرّاجحِ
ولا زالَ منهمرُ الطُّرَّتين / يَسُحُّ بماءٍ له سائحِ
عليه وإنْ كان مستغنياً / بما فيه من كرمٍ طافِحِ
تساوى الأنامُ بهذا الحِمام / فسهلُ المعاطِفِ كالجامِح
وقامتْ به حجّةُ الزّاهدين / وضاق له عُذُرُ الكادحِ
وكلٌّ مُصيخٌ وإنْ كان لا / يَحسُّ إلى هَتفةِ الصّائِحِ
رأيتُ فلم أرَ فيما رأيتُ
رأيتُ فلم أرَ فيما رأيتُ / مصاباً كيومِ ردى الأوحدِ
وعوّدنِي الرُّزءَ مرُّ الزّمانِ / ومثلُ الّذِي حلّ لم أعتدِ
وفارقنِي بغتةً مثلما / يفارق مقبض سيفِي يدِي
على حين دانَتْ له الْآبياتُ / وقاد القُرومَ ولم يُقتَدِ
وقد كنتُ أحسب أنّ الحِمامَ / بعيدٌ عليه فلم يَبعدِ
وما كان إِلا كقولِ العجولِ / لمن قام وسْطَ النّدى أقعُدِ
وَساعدني في بكائِي علي / هِ كلُّ بعيد الأسى أصْيَدِ
تَلينُ القلوبُ وفي صدرهِ / أصمُّ الجوانبِ كالجَلْمدِ
وَكَم ذا رَأَينا عيوناً بكي / نَ عند الرّزايا بلا مُسعِدِ
جَرَين فَألحقنَ عند الدّموعِ / صحاحَ النّواظرِ بالأرمدِ
وأعيَتْ محاسنُه أن تنالَ / فإنْ حَسدَ القوم لم يَحْسُدِ
وكم قعد القومُ بعد القيامِ / ومذ قام بالفضلِ لم يقعدِ
ومات وغادَرَه جُودُه / خليَّ اليدين من العَسجدِ
ولم يدّخرْ غيرَ عزِّ الرّجال / وعزٍّ يبين مع الفرقَدِ
وغيرَ ضِرابٍ يقطُّ الرؤوسَ / إذا خَمَد الجمرُ لم يخمُدِ
وطعنٍ يمزّق أُهبَ النّحورِ / كمَعْمَعَةِ النّارِ بالفَرْقَدِ
وكم قد شهدناه يومَ الوغى / وبيضُ النّصولِ بلا أغْمُدِ
يَشُلُّ الكُماةَ بصدرِ القناةِ / شلَّكَ للنَّعَمِ الشُّرَّدِ
وتهديهِ في الظُّلماتِ السُّيوفُ / وكم ضلَّ في الرَّوْعِ من مهتدِ
فتىً في المشيبِ وما كلُّ مَنْ / حوى الفضلَ في الشَّعَرِ الأسودِ
فيا لوعتي فيه لا تقصُرِي / ويا دمعتي فيه لا تجمُدِي
يا سلوتي فيه لا تقربي / وإن كنت دانيةً فاِبعدِي
ويا لائمي في ثناءٍ له / هَجَدْتَ وعينِيَ لم تَهجُدِ
فلم أرثِه وحدَه بلْ رثيتُ / معالم عُرِّينَ من سُؤدَدِ
وما جاد جَفنِي وقد كان لا / يجودك إلّا على الأجودِ
ووافقني بالوفاقِ الصّريحِ / موافقةَ النّومِ للسُّهَّدِ
وإنّ التناسبَ بين الرّجالِ / بالوُدِّ خيرٌ من المحْتِدِ
وخلّفنِي باِنتِحابٍ عليهِ / يقضُّ على أضلُعي مرقدِي
فإنْ عاد مضجَعِيَ العائدون / خفيتُ نحولاً على العُوَّدِ
فقُلْ للقنابِلِ لا تركبي / وقلْ للكتائبٍ لا تحشُدِي
وَقلْ للصُّلاةِ بنار الحرو / بِ قد ذهبَ الموتُ بالمُوقِدِ
وقلْ للصّوارمِ مسلولةً / فُجِعْتُنَّ بالصّارمِ المُغمَدِ
وقلْ للجيادِ يَلُكْنَ الشَّكيمَ / بلا مُسرِجٍ وبلا مُلبِدِ
أقمنَ فما بعده للخيولِ / مقاديرُ حتَّى مع القُوَّدِ
وقلْ لأنابيبِ سُمرِ الرّماحِ / ثوينَ حِياماً بلا مَوْرِدِ
فلا تطلعَنْ فوقكنّ النّجوم / فذاك طلوعٌ بلا أسعُدِ
وكيف يرِدْنَ نجيع الكُماةِ / بغيرِ شديدِ القُوى أَيِّدِ
وقالوا تسلَّ وكلَّ اِمرئٍ / أرى ذا أسىً فبِمَنْ أقتدِي
وكيف السُّلُوُّ وعندي الغرامُ / يبرّح بالرّجلِ الأجلَدِ
ولي أسفٌ بِاِفتقادٍ له / نَفَدْتُ حنيناً ولم يَنفدِ
فيا غافلاً عن طروقِ الحمامِ / رَقدتَ اِغتراراً ولم يرقُدِ
وَيا كادحاً جامعاً للأُلوفِ / وغيرُك يأخذها من غدِ
وَهَل للفَتى عَن جميعِ الغِنى / سوى بلِّ أنمُلةٍ من يدِ
فَبِنْ مِثلَما بان ظلُّ الغَمامِ / عن طالبي سحّهِ الرُّوَّدِ
وبِتْ كارهاً في بطونِ التّراب / وكم سكن التُّربَ من سيّدِ
ولا زال قبرك بين القبو / رِ يُنضَحُ بالسَّبِلِ المُزْبدِ
ويندى وإنْ جاورته القبورُ / وفيهنَّ بالقاعِ غيرُ الندِي
وحيَّاك ربّك عند اللّقاءِ / بعفوٍ ومغفرةٍ سَرمَدِ
وخصّك يومَ مَفَرِّ العبا / دِ بالعَطَنِ الأفسحِ الأرغدِ
سقاني السُّلافةَ من ريقه
سقاني السُّلافةَ من ريقه / وأقطفنِي الوردَ من خدِّهِ
وعوّضنِي بقصير الوصا / لِ عمّا تطاول من صدِّهِ
وأوسعنِي الكَثْرَ من رِفْدِه / وما كنتُ أطمع في وعدِهِ
وقلتُ لمن لام في حبّهِ / غَششتَ فمن ليَ مِن بعدِهِ
وشاع غرامي به في الأنامِ / فما لي سبيلٌ إلى جَحْدِهِ
ومن أين أطلب في حُسنهِ / لَه الشَّبه والحسنُ من عندِهِ
ولمّا أَردت طروقَ الفتاةِ
ولمّا أَردت طروقَ الفتاةِ / وصاحبني صاحبٌ لا يغارُ
صموتُ اللسان بعيد السّماعِ / فسرِّيَ مُكتَتَمٌ والجهارُ
وَضاق العناقُ فصار الرّداء / لها ملبساً ولباسي الخمارُ
وَما لفّنا كاِلتفافِ الغصونِ / جَميعاً هنالك إلّا الإزارُ
وطاب لنا بعد طولِ البعادِ / رُواء الحديث وذاك الجِوارُ
شَربتُ بريقَتها خَمرةً / ولكنّها خمرةٌ لا تُدارُ
كأنّ الظّلامَ بإشراق ما / أنالَتْ وأعطته منها نهارُ
وَأَثّر في جيدِها ساعدي / وأثّر في جانبيَّ السِّوارُ
فَلو صُبَّتِ الكأس ما بَيننا / لما خرجت من يدينا العُقارُ
وناب منابَ ليالٍ طوالٍ / تقصّر هذي الليالي القصارُ
عَرفتُ الدّيارَ كسُحقِ البُرودِ
عَرفتُ الدّيارَ كسُحقِ البُرودِ / كأن لم تكنْ لأنيسٍ ديارا
ذَكرتُ بِها نزواتِ الصّبا / بساحاتها والشّبابَ المُعارا
وَقَوماً يَشنّون لا يفتُرو / ن إمّا النُّضارَ وإمّا الغِوارا
أَبَوْا كلّما عُذلوا في الجمي / لِ إلّا اِنبِعاقاً وإلّا اِنفِجارا
أَمِنتُ على القلبِ خوّانةً / تطيع جهاراً وتَعصِي سِرارا
أُقادُ إليها على ضَنّها / ولولا الهوى لملكتُ الخيارا
وقالوا وقد بدَّلَتْ حادثاتُ / زمانِيَ ليلَ مشيبي نهارا
أتاه المشيبُ بذاك الوَقارِ / فقلت لهمْ ما أردتُ الوَقارا
فيا ليت دهراً أعار السّوا / دَ إذ كان يَرجِعه ما أعارا
وَلَيتَ بَياضاً أراد الرّحيلَ / عقيب الزّيارة ما كان زارا
وَمفترشٍ صَهَواتِ الجيادِ / إذا ما جرى لا يخاف العِثارا
تَراهُ قَويماً كصدر القنا / ةِ لا يَطعَمُ الغُمضَ إلّا غرارا
سرى في الظّلام إلى أن أعا / دَ مرآةَ تلك اللّيالي سِرَارا
فَلمّا ثناه جنابُ الأجل / لِ نَفّض عن مَنكِبيهِ الغُبارا
وشرَّد عنه زَماعَ الرّحيل / فألقى عصاه وأرخى الإزارا
مَزارٌ إذا أمّه الرائدونَ / أَبَوْا أن يؤمّوا سواه مزارا
وَمَغنىً إذا اِضطربتْ بالرّجالِ / رحالُ الرّكائب كان القرارا
فَللّهِ دَرُّك من آخذٍ / وقد وُتِرَ المجدُ للمجد ثارا
وَمن جبلٍ ما اِستجار المَروعُ / بهِ في البوائقِ إلّا أَجارا
فَتىً لا ينام على رِيبةٍ / ولا يأخذُ الغَمَّ إلّا اِقتِسارا
وَلا يصطفِي غيرَ سيّارةٍ / مِنَ الذّكرِ خاضَ إلَيها الغِمارا
وَقَد جَرّبوك خِلالَ الخطو / ب عيَّ بهنّ لبيبٌ فحارا
فَما كنتَ للرّمح إلّا السّنانَ / وَلا كنت للسّيف إلّا الغِرارا
وَإِنّك في الرّوع كالمَضْرَحِيِّ / أضاق على الطائرات المطارا
وَكَم لكَ دونَ مليك المُلوك / مقامٌ ركبتَ إليه الخِطارا
وَمُلتبسٍ كَاِلتِباسِ الظّلا / م أضرمتَ فيه من الرّأي نارا
وَكُنتَ اليَمينَ بِتلكَ الشُّغوب / وكان الأنام جميعاً يسارا
وَلَمّا تَبيّن عُقبى الأمورِ / وأسفَر دَيجورُها فَاِستَنارا
دَرى بَعدَ أَن زال ذاكَ المِرا / ءُ مَن بالصّواب عليه أَشارا
وَلَولا دِفاعُك عَمّن تراهُ / رَأَينا أَكفّ رجالٍ قصارا
وَلِي نَفثةٌ بينَ هَذا المديحِ / صبرتُ فلم أُعطَ عنها اِصطِبارا
أَأَدنو إِليك بمحض الوِداد / وتبعُدُ عنّي وداداً وَدارا
وَأُنسى فَلا ذكرَ لِي في المغيبِ / وَما زادَني ذاك إلّا اِدّكارا
وَإنّي لأخشى وَحوشيتَ من / هُ أنْ يحسب النّاسُ هذا اِزوِرارا
وَلَستُ بمتّهِمٍ للضميرِ / وَلَكنّني أَستزيد الجِهارا
وَلَو قَبل النّاسُ عُذر اِمرئٍ / لأوسعتُهم عَن سِواي اِعتِذارا
فَلَيسَ لَهمْ غير ما أبصروهُ / عِياناً وعدّوا سواهُ ضِمارا
وَكانَت جَوابات كتبي تجيئ / إليَّ سِراعاً بفخرٍ غِزارا
فَقَد صرنَ إمّا طوين السّنين / وإمّا وردن خفافا قصارا
وَكيفَ تَخيب صِغارُ الأمورِ / لَدَىْ مَن أَنال الأمورَ الكبارا
وَكمْ لِيَ فيك من السّائرا / تِ أنجد سارٍ بها ثمّ غارا
وَمن كَلِمٍ كنبال المصيبِ / وبيتٍ شَرودٍ إذا قيل سارا
يغنّي بهنّ الحداةُ الرِّكابَ / ويُسقى بهن الطَّروبُ العُقارا
وَأَنتَ الّذي لِمَليك المُلو / كِ صيَّرته راعياً لي فصارا
وَلَمّا بَنيتَ بِساحاتِهِ / أَطلتَ الذُّرا وَرَفعتَ المَنارا
فَلا زِلتَ يا فارجَ المشكلاتِ / تنالُ المرادَ وتُكفى الحذارا
وَهُنّئتَ بالمهْرَجانِ الّذي / يعود كما تبتغيه مِرارا
يَعودُ بِما شِئتَ شوقاً إليك / مراراً وإنْ لم تُعِره اِنتظارا
ولِمْ لا يتيهُ زمانٌ رآ / ك فضلاً لأيّامه وَاِفتِخارا
ذكرتُك في الخَلَوات الّتي
ذكرتُك في الخَلَوات الّتي / شَننتَ بهنّ عليَّ السّرورا
وكنت لدَيجُورِهِنّ الصّباحَ / وفي سَهَكاتٍ لهنّ العبيرا
فضاقتْ عليَّ سُهوبُ الدّيار / وصارتْ سهولتُهنّ الوعورا
وأظلمَ بينِي وبين الأنام / وما كنت من قبل إلّا البَصيرا
وَطالَ عليّ الزّمانُ القصيرُ / وكان الطّويلُ عليَّ القصيرا
فَها أَنا منك خليّ اليَدين / وفيكَ كليلَ الأمانِي حسيرا
فقدتُك فقدَ الزّمان الحبيبِ / إليَّ وفقدي الشّبابَ النّضيرا
وهوّن رُزءَك مَن لم يُحِطْ / بأنّي أعالجُ منه العسيرا
فَظنّوا وَما عَلِموا أنّه / صغيرٌ وما كان إلّا كَبيرا
فَقُل للّذي في طَريق الحِمامِ / يرعى البدور ويُعلي القُصورا
وَيغفل عَن وَثَباتِ المنون / يَدعن الشّوى ويُصبن النّحورا
إلى كم تظلّ وأنت الطّليقُ / بأيدي الطّماعةِ عبداً أسيرا
إذا ما أريثُ أريثُ الرّحالَ / وأمّا قرِبتُ قربتُ الغرورا
وإن نلت كلّ الّذي تَبتغيه / فَما نِلت إلّا الطفيفَ الحقيرا
وما أخذ الدّهرُ إلّا الّذي / أعاد فكيف تلوم المُعيرا
وَكَم في الأسافلِ تَحتَ الحَضيض / أخامص قَومٍ علون السّريرا
وَكَم ذا صحبنا لأكل التّراب / أناساً ثَوَوْا يلبسون الحريرا
وكم أغمد التّربُ في لحْدِهِ / حُساماً قطوعاً وليثاً هصورا
أُخَيَّ حسينُ ومَن لي بأن / تجيب النّداء وتبدي الضّميرا
عَهدتك تَطرد عنّي الهموم / وتُذكرني بالأمورِ الأمورا
أُخانُ فآخذُ منك الوفاءَ / وأظما فأكرع منك النّميرا
وكم ليلةٍ كنتَ لِي ثانياً / بِظلمائِها مؤنساً أَو سميرا
سَقى اللَّه قبرَك بين القبورِ / سحاباً وَكِيفَ النّواحي مطيرا
تَخال تَراكمه في السّما / ءِ عِيراً بطاءً يزاحمنَ عِيرا
كأنّ زَماجرَه المصعِقاتِ / ضَجيجُ الفحولِ عَزمن الهديرا
تُعَصفرهُ وَمضاتُ البروقِ / فَتحسبه مِن نجيعٍ عصيرا
مجاورَ قومٍ بأيدي البِلى / تمزّقهمْ يرقُبون النّشورا
ولا زال قبرُك من نوره / بجُنحِ الظّلام يضيء القبورا
ولا زلتَ ممتلئ الرّاحتين / نعيماً ولاقيتَ ربّاً غفورا
أتتني كما بُلّغتْ مُنيةٌ
أتتني كما بُلّغتْ مُنيةٌ / وأدركتُ من طلب الثّأر ثارا
قوافي ما كنّ إلّا الغمام / سقى بعد غُلّتهنّ الدّيارا
إذا ما نُقِدن وُجدن النُّضارَ / وإِمّا كُرعن حُسبن العُقارا
وهنّأنني بأيادي الإمام / كسون الجمال وحُزن الفخارا
لبستُ بهنَّ على مَفْرقي / يَ تاجاً وفي معصميَّ سِوارا
ولو شئت لمّا تيسّرْن لِي / لنالتْ يداي المحيط المُدارا
وما كُنَّ إلّا لِشكٍّ يقيناً / ولُبْسٍ جلاْءً وليلٍ نهارا
وَلِمْ لا أَصول وقد صار لي / شعار إمام البرايا شعارا
ولمّا تعلّق زين القضا / ة قلبيَ صار لمثواي جارا
غفرتُ له هفواتِ الزّمان / وكنّ الكبار فصرن الصِّغارا
ولبّاه منّي الإخاءُ الصّري / حُ حين دعا أو إليه أشارا
فإن تفتخر بأبيك الرّشيد / ملأتَ لنا الخافقين اِفتخارا
وأنّك من معشرٍ خُوّلوا / من المَأثُرات الضّخام الكبارا
يسود وليدهُمُ الأشيبين / ويعطون في المعضلات الخِيارا
تمازج ما بيننا بالودادِ / وعانق منّا النِّجارُ النِّجارا
ونحن جميعاً على الكاشحين / فكنتَ السّنانَ وكنّا الغِرارا
فخذها تطول قِنانَ الجبال / وإن كنّ للشّغل عنها قصارا
ولا زلتُ فيك طوال الزّما / ن أُعطي المرادَ وأُكفى الحِذارا
ألا حبّذا زمنُ الحاجرِ
ألا حبّذا زمنُ الحاجرِ / وإِذ أنَا في الورق النّاضرِ
أُجرّر ذيل الصّبا جامحاً / بلا آمرٍ وبلا زاجرِ
إلى أنْ بدا الشّيبُ في مَفرقي / فكانت أوائله آخري
وزَوْرٍ تخطّى جَنوبَ المَلا / فناديت أهلاً بذا الزّائرِ
أتاني هدوّاً وَعينُ الرّقي / ب مطروفةٌ بالكرى الغامرِ
فأعجب بهِ يُسعف الهاجعينَ / وتُحرمه مُقلةُ السّاهرِ
وعهدي بتمويه عين المحبّ / تنُمُّ على قلبه الطّائرِ
فَلَمّا اِلتَقينا برغم الرّقا / دِ مَوّه قلبي على ناظري
وبيضُ العوارضِ لمّا برز / ن برّحن بالقمر الباهرِ
يُعِرْن الحليمَ خُفوفَ السّفيهِ / ويحلُلْن عَقْدَ الفتى الماهرِ
وفيهنّ آنسةٌ بالحديثِ / وفي البذل كالرَّشأِ النّافرِ
بطَرْفٍ فَتورٍ ويا حَرَّما / بقلبيَ من ذلك الفاترِ
ويا عاذلي لو تذوق الهوى / لكنتَ على حبّها عاذري
تلوم وقلبُك غيرُ الشجيِّ / ألا ضلّ أمرُك من آمرِ
أقول لركبٍ أرادوا المسير / وقد أخذوا أُهْبَةَ السّائرِ
وَقَد وَقَفوا مِن لَهيبِ الوَداعِ / على حرِّ مستعرٍ فائرِ
فَمِن مَدمعٍ جامدٍ للفِراق / وآخرَ واهي الكُلى قاطرِ
إِذا ما مَرَرتمْ عَلى واسِطٍ / فَعوجوا عَلى الجانِبِ العامرِ
وَأَهدوا سَلامي إلى غائبٍ / بها وهْوَ في خاطري حاضري
إلى كم أسوّف منه اللقاءَ / وكم أرتدي بُردةَ الصّابرِ
وقد ضاق بي مُذ نأيتَ العراقُ / كما ضاق عِقْدٌ على شابرِ
كأنِّيَ لمّا حماك البِعا / دُ عَن ناظرَيَّ بلا ناظرِ
وَإِنّيَ مِن فَرْطِ شَوقي إليك / ووجدي كسيرٌ بلا جابرِ
كئيب الضّمير وإن كنت بالت / تجلّد مبتسمَ الظّاهرِ
ويُحسَبُ بين الضّلوع الفؤاد / وقد طار في مِخْلَبَيْ طائرِ
فيا لك من مُجرِمٍ مُسْلمٍ / تغيّب عنه شبا النّاصرِ
ومن واترٍ ظَفِرَتْ عنوةً / بأثوابه قبضةُ الثّائرِ
ولولا الوزيرُ ابنُ حَمْدٍ لَما / سألتُ وصالَ امرئٍ هاجرِ
وَما كنتُ إلّا قَليلَ الصّدي / قِ في النّاس كالضّيغمِ الخادرِ
أيا من تملّك منّي الفؤا / دَ حوشيتَ من سُنّةِ الجائرِ
وَيا نافِعي بِزمانِ الوِصا / لِ لِمْ عاد نفعُك لي ضائري
تفرّدتَ بي دون هذا الأنام / وشورِكتُ في قَسْمِكَ الوافرِ
ومن عجبٍ أن يرومَ البطيءُ / عَن الودّ منزلةَ الباكرِ
وقد علم القومُ إذْ وازنو / ك أين الجَهامُ من الماطرِ
وأين الحضيضُ من الفرقدين / وأين الخبيث من الطّاهرِ
وإنّك وحدَك في ذا الزّما / ن تستنتج الفضلَ من عاقرِ
وتصبو على نفحاتِ الخطو / ب سمعاً إلى منطق الشّاكرِ
أهزّك بالشّعر هزَّ الشّجا / عِ يومَ الوغى ظُبَتَيْ باترِ
وأمري وصالَكَ بالنَّاظماتِ / سموطاً على مَفرَقِ الفاخرِ
وأعلمُ إنْ كان غيري لدي / ك كالجَفْن إنِّي كالنَّاظرِ
ولستُ إذا فُتَّنِي ثمّ نلتُ / جميع المنى لستُ بالظّافرِ
أَلَم تَسألِ الطّلَلَ الدّارسا
أَلَم تَسألِ الطّلَلَ الدّارسا / وكنتَ به واقفاً حابسا
وَقَد كانَ عَهدي به ضاحكاً / فَكَيفَ اِستَحال بِلىً عابسا
وَما لَكَ مستوحشاً وسْطَهُ / وَما كنتَ إلّا به آنسا
وَمِن أَجلِ أنّك أنكرتَهُ / بِعَينك ظَلتَ له لامِسا
وَيا لَيتَني حينَ قابلتُهُ / دُرِستُ ولم أره دارسا
فكمْ قد رأيتُ غزالاً به / لثوب الصِّبا والهوى لابسا
يَميسُ دلالاً وكم في الغصو / نِ ما لستُ أرضى به مائسا
سُقيتَ الرَّواءَ فقد طالما / سقيتَ فروّيتَه خامسا
ولا زال مَرُّ نسيمِ الرّياحِ / عليك كَلِيلَ الشّبا ناعسا
ولا فَرَستْكَ نيوبُ الزّمانِ / فقد كنتَ دهراً لها فارسا
ألا أين من كنتُ أرنو إليه / برَبْعِكَ مُرتفعاً جالسا
وَمن كانَ عزّاً لبدرِ السّماءِ / بأَخمصِه أبداً دائسا
تصيّدني منه بالمأثُرات / وكنتُ على غيره شامسا
وكان لعينِي الصّباحَ المنير / فَقوموا اِنظُروا ليلِيَ الدّامسا
فَأيّ فتىً لَم يَكُن في بحا / رِ أنعُمِهِ القائمَ القامسا
وَقَد كانَ غصنُ النَّقا مورِقاً / فَأصبَحَ مِن بَعدِهِ يابسا
وَنوءُ الرّماحِ وبيض الصّفا / حِ عاد بنا جامداً جامسا
مَضى عَجِلاً كَضياءِ الزّنا / دِ كنتُ له قادحاً قابسا
كأنّ لقلِبيَ منه الحريقَ / عليه وفي عينِيَ النّاخسا
ومن عجبٍ أنّني حين خا / ب طِبِّي وعاد به خائسا
رَحلتُ بِهِ نَحوَ دار البِلى / جهاراً وأعطيتُه الرّامسا
فَلا سَكَنوا بَعدَهُ مَنزِلاً / ولا شمّتوا بعده عاطسا
وَلا نَبَّهوا لِنظامِ المدي / حِ في أحدٍ بعده هاجسا
عليك السّلامُ وإنْ كنتُ مِنْ / لقائك طول المدا آيسا
وخذْ من دموعِي الغِزار الّتي / أكون بها أبداً نافسا
وقد ضاع بعدك من ذدت عنه / طويلاً وكنتَ له حارسا
فَبَيني وَبينَ خُطوبِ الزّمان / حروبٌ ذكرتُ لها داحسا
وَلَولا جُنونُ مقاديرِهِ / لما سبق الرّاجلُ الفارسا
وَلا كانَ هادِم ما يبتنيه / وقالعُ أغراسهِ غارسا
سَقاني وَيا ليت لَم يسقِنِي / نَعمياً تَراني له قالسا
وَأَسمَعني وَكَسا أعظُمِي / وَعادَ لَها عارقاً ناهسا
صَبرتَ ومثلُك لا يجزعُ
صَبرتَ ومثلُك لا يجزعُ / وناءَ بها صدرُك الأوسعُ
وعزّيتَ نفسَك لمّا علم / تَ أنّ العزاءَ لها أنفعُ
وداويتَ داءَك لمّا رأيتَ / دواءَ طبيبك لا ينجعُ
ولمّا بُخِسْتَ بضيمِ الزّمانِ / قنِعْتَ وإنْ كنتَ لا تقنعُ
وقلتَ لعْينيك لا تدمعِي / فَلا العينُ تهمِي ولا تدمعُ
ولم تشكُ ما دفنتْهُ الضّلوعُ / وفي حشوها المؤلمُ الموجِعُ
فإنْ تكُ شنعاءَ جاء الزّمانُ / بِها فَالتّشكِّي لَها أشنعُ
وَما إنْ يفيدُ سوى الشّامتي / نَ أن يشكوَ الرّجلُ الموجَعُ
ولمّا نهضتَ بدفعِ الخطوبِ / رضيتَ بما لم يكن يُدفَعُ
وَقِدْماً عَهِدناكَ ثَبْتَ المَقامِ / وإنْ هبّتْ العاصف الزّعزعُ
وَلِمْ لا وأنتَ اِمرؤٌ في الصِّعابِ / إِلى رَأيهِ أبداً نَرْجعُ
وقد علمتْ سَوْرَةُ الحادثا / تِ أنّ صَفاتَكَ لا تُصدَعُ
وأنّ جَميمَكَ لا يُخْتَلى / وأنّ قِلالك لا تُفرَعُ
وإنْ فَنِيَتْ في الرّجالِ الحلو / مُ كان إلى حلمك المَفْزَعُ
هو الدّهرُ ينقضُ ما يبتنيهِ / جهاراً ويحصد ما يَزرعُ
فإنْ يَشفِنا فبطولِ السَّقامِ / وإن يعطنا فبما يمنعُ
وَنَحنُ بَنو الأرض تَغتالُنا / وتأكلنا ثمّ لا تشبعُ
فدارٌ تغصُّ بسكّانها / وَدارٌ لنا مثلُها بَلْقَعُ
وَآتٍ يَجيءُ وَلَم ندعُهُ / وماضٍ يمرُّ ولا يرجِعُ
وإنِّيَ منكَ مهما يُصِبْكَ / يُصِبْنِي وفي مَرْوَتِي يقرعُ
وكيف يُمَيَّزُ ما بيننا / ويجمعنا الحسبُ الأجمعُ
وَيَرفَعُنا فَوق هامِ الرّجالِ / عَرينٌ لنا دونهمْ مُسبِعُ
وَإِنّا اِلتفَفنا بسِنْخِ الرّسولِ / فتطلُعُ منه كَما أطلُعُ
فكم ذا لنا خاطبٌ مِصقَعٌ / وكم ذا لنا عالمٌ مُقنِعُ
ولمّا كرعتُك دون الأنامِ / رَوِيتُ وطاب لِيَ المَكْرَعُ
وفقدُ النّساءِ كفقدِ الرّجال / يحزّ إذا حزّ أو يقطعُ
وأخطأَ مَن قال إنّ النّسا / ءَ أَهلونَ لِلفقد أَو موضعُ
فلا زال ما بيننا كالرّيا / ضِ جادتْ له سُحُبٌ هُمَّعُ
ولا ساءَني فيك مرّ الزّما / نِ مرأىً ولا رابنِي مَسمَعُ
عمدتَ إليَّ فآيستنِي
عمدتَ إليَّ فآيستنِي / فأخرجتني من إِسار الطَّمَعْ
فكنتُ كسَيْفٍ جُلَنْدِيَةٍ / فزال ولم يدرِ عنه الطَّبَعْ
وسيّانِ ذلك من شيمتي / أَأَعطى جوادٌ لها أمْ مَنَعْ
ولم أدرِ أنّك ممّا يضرّ / إِذا لم تكنْ لِيَ ممّن نَفَعْ
عرفتُ ويا ليتني ما عرفتُ
عرفتُ ويا ليتني ما عرفتُ / فمُرُّ الحياةِ لمن قد عَرَفْ
فها أنَا ذَا طولَ هذا الزّما / نِ بين الجَوى تارةً والأسَفْ
فمنْ راحلٍ لا إِيابٌ له / وماضٍ وليس له من خَلَفْ
فلا الدّهرُ يُمتِعُنِي بالمقيمِ / ولا هو يُرجِعُ لي من سَلَفْ
أرونِيَ إنْ كنتُمُ تقدرو / نَ من ليس يكرع كأسَ التّلَفْ
ومَن ليس رَهْناً لداعي الحِمامِ / إِذا ما دعى باِسمه أو هَتَفْ
وَما الدّهرُ إلّا الغَرورُ الخَدوعُ / فماذا الغرامُ به والكَلَفْ
وَما هو إلّا كلمحِ البُروقِ / وإلّا هبوب خريفٍ عَصَفْ
ولم أرَ يوماً وإن ساءني / كيومِ حِمامِ كمالِ الشَّرَفْ
كأنِّيَ بعد فراقٍ له / وقَطْعٍ لأسبابِ تلك الأُلَفْ
أخو سَفَرٍ شاسِعٍ ما له / منَ الزّادِ إلّا بقايا لَطَفْ
وعوَّضَني بالرّقادِ السُّهادَ / وأبدلنِي بالضّياءِ السَّدَفْ
فراقٌ وما بعده مُلتقىً / وصدٌّ وليس له مُنعَطَفْ
وبعتُك كرهاً بسومِ الزّما / نِ بيعَ الغبينِ فأين الخَلَفْ
وعاتبتُ فيك صُروفَ الزّمانِ / ومَن عاتبَ الدّهرَ لم ينتصفْ
وقد خطف الموتُ كلَّ الرّجالِ / ومثلك من بيننا ما خَطَفْ
وَما كنتَ إلّا أبِيَّ الجَنانِ / عن الضَّيْمِ محتمياً بالأَنَفْ
خَلِيّاً من العار صِفْرَ الإزارِ / مدى الدّهرِ من دَنَسٍ أو نَطَفْ
وأذرى الدّموعَ ويا قلّما / يَرُدُّ الفوائتَ دمعٌ ذَرَفْ
ومن أين ترنو إليك العيونُ / وأنت ببَوْغائها في سُجُفْ
فبِنْ ما مُلِلْتَ وكم بائنٍ / مضى موسعاً مِن قِلىً أو شَنَفْ
وسقّى ضريحَك بين القبورِ / من البِرِّ ما شئته واللُّطُفْ
ولا زال من جانبيه النَّسِيمُ / يعاوده والرّياضُ الأُنُفْ
وصيّرك اللّهُ من قاطِنِي ال / جنانِ وسكّانِ تلك الغُرَفْ
تُجاور آباءك الطّاهرين / ويتّبعُ السّالفين الخَلَفْ
تَضاحكتِ لمّا رأيتِ المشيبَ
تَضاحكتِ لمّا رأيتِ المشيبَ / ولم أر من ذاك ما يُضحِكُ
وما زال دَفْعُ مَشيبِ العِذا / رِ لا يُستطاعُ ولا يُمْلَكُ
وقال لِيَ الدّهرُ لمّا بقي / تُ إمّا المشيبُ أو المَهْلَكُ
فقولِي وأنت تعيبينَهُ / لأيِّ طريقيهما أسلُكُ
أأغفُلُ والدّهرُ لا يغفُلُ
أأغفُلُ والدّهرُ لا يغفُلُ / وأنسى الّذي شأنُه أعضلُ
ويطمعني أنّني سالمٌ / وداءُ السّلامة لِي أقتَلُ
ويمضي نهاري وإظلامُهُ / بما غيرُه الأحسنُ الأجملُ
وآمُلُ أنّي أفوتُ الحِمامَ / أمانٍ لعَمْرُك لِي ضُلَّلُ
وكيف يرى آخِرٌ أنّه / مُبَقّىً وقد هلك الأوّلُ
ولمّا بدا شَمَطُ العارضين / لمن كان من قبله يَعذُلُ
تناهَوْا وقالوا لسانُ المشيب / له من جوارحنا أعذَلُ
فقلتُ لهمْ إنّما يعذُلُ ال / مَشيبَ على الغيِّ مَن يُقبِلُ
فحتّى متى أَنَا لا أرعوِي / ولِمْ لا أقولُ ولا أفعلُ
وكم أنَا ظمآنُ طولَ الحياةِ / وفي كفِّيَ الباردُ السّلْسَلُ
أمانٍ ولا عملٌ بينهنَّ / كجوٍّ يَغيمُ ولا يَهطِلُ
وَما الناسُ إلّا كبهمِ المضي / عِ يُحْزِنُ في الأرضِ أو يُسهِلُ
فمن عاملٍ ما له خِبرةٌ / وآخرَ يدري ولا يعملُ
فيا ليتَ مَن علم الموبِقاتِ / وقارفَها رجلٌ يجهلُ
أمِن بعد أنْ مضت الأربعون / سراعاً كسربِ القطا يَجفلُ
ولم يبق فيك لشرخ الشّبابِ / مآبٌ يرجّى ولا مَوْئِلُ
تَطامحُ نحو طويلِ الحياةِ / ويوشِك أنْ ما مضى أطولُ
ألا إنّما الدّارُ دار البلاءِ / ففي شهدها أبداً حَنْظَلُ
يعافى من الدّاءِ مَن يُبتَلى / وينجو من الموتِ مَن يُقتَلُ
وسُقمٌ أقام جميعَ الأُساةِ / على أنّه سَقَمٌ يقتلُ
أيا ذاهلاً ونداءُ الحتو / فِ في النّاسِ يوقظ مَن يذهَلُ
طريقٌ طويلٌ وأنتَ اِمرؤٌ / لعلّك في زادِهِ مُرْمِلُ
أليس وراءَك مُزْوَرَّةٌ / عليها الصَّفائحُ والجَندلُ
بها الصّبحُ ليلٌ وليلُ البِلا / دِ ليلٌ بساحتها ألْيَلُ
إذا ما أناخ الفتى عندها / مقيماً فيا بعدَ ما يَرحَلُ
وإنْ جاءها فوق أيدي الرّجال / فبالرّغم من أنفِهِ ينزلُ
على أنّه ليس عنها له / وإنْ حاصَ مَنْجىً ولا مَرْحَلُ
مَنازلُ ليس لحيٍّ بها / معاجٌ ولا وسْطَها منزلُ
خَلَتْ غيرَ ذئبٍ تراه بها / يُعاسِلُ أو صُرَدٍ يَحْجِلُ
وإلّا ترنُّمُ حنّانَةٍ / تئطُّ كما زَفَرَ المِرْجَلُ
تَريمُ وتقفُل مجتازةً / بمن لا يَريمُ ولا يَقفُلُ
ألا أين أهلُ النّعيمِ الغزيرِ / وأين الأجادل والبُزَّلُ
وأين الغطارفُ من حِمْيَرٍ / وما مُلِّكوه وما خوّلوا
وَأَين الّذين إِذا ما اِنتَجَوْا / أَزَمَّ بنجواهمُ المحفلُ
وأَطْرَقَ كلُّ طويلِ اللّسانِ / صَموتاً يُجيبُ ولا يَسألُ
إِذا ما مشوا يسحبون البُرودَ / فلِلرَّشفِ ما مَشَتِ الأرجلُ
وقومٌ إذا ما سَرَوْا زعزعوا / قَرَا الأرضِ بالخيلِ أو زلزلوا
تقام ممالكُهمْ بالقنا / ويَجبِي خراجَهمُ المُنْصلُ
وكم قلّبوا في العبادِ العيونَ / فلم يُبصروا غيرَ ما أفضَلوا
وتلقاهمُ عند خوفِ البلادِ / وبين بيوتهمُ المَعْقِلُ
مضوا مثلما مضت السّاريا / تُ أثنى بها الوطنُ المُبقلُ
وأزعجهمْ من قِلالِ القصور / فلم يلبثوا المُزعجُ المُعجِلُ

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025