أملّت ضجيج الحياة ففرّت
أملّت ضجيج الحياة ففرّت / تريد الحياة بظلّ السكون
تغاف القصور و جنّاتها / و تأوي إلى دوحة الزيزفون
فتشرب ماء الغدير نقيّا / و تسكر من أرج الياسمين
و تسمع لحن الطيور شجيّا / رقيقا على مائسات الغصون
فتذكر عالم قدس نمت / به حرّة بين حور و عين
هيولي تفيض ضياء مبينا / طليقا تراه جميع العيون
و تذكره عالما طاهرا / قضت في رباه ألوف السنين
تحنّ إليه و ماذا يفيد / بعيد الأحبّة طول الحنين
لقد ذكرته فما كفكفت / بيمنى يديها عقود الشؤون
بكت و هي في سجنها حرّة / و لا عجب من بكاء السجين
حنوت عليها و قد بكّرت / لتتلو كتاب الحياة القديم
فقلت لها : مزّقيه كتابا / يثير الشجون و يذكي الهموم
فإنّ الشقيّ يزيد شقاء / إذا راح يذكر عهد النّعيم
مقيّدة أنت صاغ القيود / ليمناك كفّ القضاء الأثيم
تريدين منّي نسيم عليلا / و هيهات عزّ علينا النسيم
تريدين منّي نسيم الجنان / نقيّا .. و هذا نسيم الجحيم
فلا تنشقيه ففيه سموم الهجير / و من ذا يطيق السموم
عذرتك فرّي من الأرض و ابغي / هناك المقام الرفيع الكريم
بقرب النجوم فإنّ الحياة / معطّرة الدنّ بين النجوم
و لا ترحمي الجسم فهو تراب / يعود لمعدنه بعد حين
غدا هو بين الربى زهرة / كستها الطبيعة لون الشروق
يقبّلها الصبح في ثغرها / و يلثم في شفتيها العقيق
و تسري الصّبا من بعيد إليها / و قد هوّن الحبّ حزن الطريق
إلى أن تمرّ عليها فتاة / فتنزعها نزع برّ رفيق
و تنزلها منزلا هانئا / على النّور لا يشتكى فيه ضيق
فحينا تقبّل نهدا و حينا / تقبّل خدّا يلون الشقيق
و تبعثها بعد ذاك رسولا / يؤدّي رسالة صبّ مشوق
فنعم الرسالة بين العشيقة / ذات الدلال و بيت العشيق
فيا روح من بين تلك النجوم / أطلي عليها و لا تنكريني
أطلّي عليها و قد أشرقت / على صدر خود عروس وساما
أطلّي عليها و قد ألقيت / بقايا شذا ثمّ عادت رغاما
أطلّي عليها رفيقا قديما / و قولي سلاما تردّ السلاما
ألا و اذكري عهدنا و اذكري / زمانك في الأرض عاما فعاما
أأنكرت شكلا جديدا لجسم / غدا لك قيل الفناء مقاما
و أنكرت ألوانها جمّة / و عطرا نديّا كعطر لخزامى
فلا تعجبي إنّ هذا الذبول / بأوراقها كان فيّ سقاما
و ذا الاحمرار دموعي / و هذا الشذا كان فيّ غراما
و أفناني الدهر إلا شقاء / تأبى عليه و إلاّ هياما
تلاشيت في هذه الكائنات / و لم يتلاش إليك حنيني