المجموع : 10
طلبت الكتابة يا جنتي
طلبت الكتابة يا جنتي / وماذا تريدين أن أكتبا
وما في الجوانح خاف عليك / وقلبك يعلم ما غيبا
سأكتب أنك أنت الربيع / وأنك أنضر ما في الربى
وأنك أنت الجمال الفريد / وفجر الشباب وحلم الصبا
أهلل باسمك عند الصباح / وأطوي على ذكرك المغربا
يا ويلتا من عمري الباقي / هذا سواد تحت أحداقي
هذا بياض الشيب واعجبي / من مغرب في زِي إشراق
ويلي على كأسٍ معربدة / وعلى دم في الكأس مهراق
وعلى سراب خادع وعلى / متألق اللمحات براق
طاف الزمان به على نفر / مالوا بهاماتٍ وأعناق
صرعوا وأنت تظنهم سكروا / مات الندامى أيها الساقي
يا دهر لم أشك الكلال ولا / ملكت خطوب الدهر إرهاقي
عذبت أيامي بعفتها / وقتلتها بصفاء أخلاقي
يا كم غرست وكم سقيت وكم / نضرت من زهر وأوراق
ما حيلتي والأرض مجدبة / سيان إقلالي وإغداقي
أين الذين رفعت فانحدروا / وبنيتهم بنيان خلاق
إن الوفاء بضاعة كسدَت / ومآل صاحبها لإملاق
إن كنت لم أغنم فقد ظفروا / مني بمغفرتي وإشفاقي
لكنني والجرح يُلهب لي / حسي ويكوي كَي إحراق
هيهات أنسى أنهم عبثوا / ووفيتُ لم أعبث بميثاقي
أجر غربتي أيها العائد
أجر غربتي أيها العائد / فقد ملّني الداء والعائد
أجر غربتي فبلادي الهموم / وليل بطيء الخطى راكد
تقاسمني في نواك الديار / وأنتَ لي الوطن الواحد
محياك داري ومنك نهاري / إذا ضمك الصدر والساعد
أجر شفتي من عذاب الظما / أما أذن الله أن ترحما
أتمعن في الهجر حتى ترانا / بكينا دما واحترقنا فما
ولي رمق صنته كي أراك / فاشفق على رمقي ريثما
إذا طلب الحب برهانه / من الموت لبَّيت كي تعلما
لياليّ مرت هباء عقيما / فهل تنوالى البواقي سدى
أسائل جرحي عمن جناه / وأرنو فاستخبر العوَّدا
فما اطلعوا اليوم بالبشريات / ولا عللوا بالتلاقي غدا
فلما تنكر حتى المحب / تلفت أسألُ عنك العدا
سلام على غائب عن عيوني / حملت حطامي إلى داره
وقلت لقلبي تمهل بنا / وخبئ شقاءك أو داره
تناسَ الأسى ها هنا أو يقال / حملت الظلام لأنواره
أتغدو إلى عتبات النعيم / بلفح الجحيم وإعصاره
غرامك لي معبدٌ طاهرٌ
غرامك لي معبدٌ طاهرٌ / دعائمه شُيِّدت من ولوعي
تعهدتُ محرابه بالوفاء / وأوقدتُ فيه الهوى من شموعي
جوانبه من دموعيَ قامت / وأضلعه بُنيت من ضلوعي
ومن ذا رأى هيكلاً في الوجود / يُقام على عمدٍ من دموع
سألتك يا صخرة الملتقى
سألتك يا صخرة الملتقى / متى يجمع الدهر ما فرَّقا
فيا صخرةً جمعت مهجتين / أفاءا إلى حسنها المنتقى
إذا الدهر لَجَّ بأقداره / أجَداً على ظهرها الموثقا
قرأنا عَلَيكِ كتاب الحياةِ / وفضَّ الهوى سرها المغلقا
نرى الشمس ذائبة في العباب / وننتظر البدر في المرتقى
إذا نشر الغرب أثوابه / وأطلق في النفس ما أطلقا
نقول هل الشمس قد خضبته / وخلَّت به دمها المهرقا
أم الغرب كالقلب دامي الجراح / له طلبةٌ عزّ أن تلحقا
فيا صورة في نواحي السحاب / رأينا بها همَّنا المغرِقا
لنا الله مِن صورَةٍ في الضمير / يرَاهَا الفتى كلما أطرقا
يرى صورة الجُرح طيَّ الفؤاد / ما زال ملتهباً محرقا
ويأبَى الوَفاء عَليه اندمالا / ويأبَى التَّذَكُّر أن يشفقا
ويا صَخرَةَ العهد أبتُ إليكِ / وقد مزّق الشَّمل ما مزقا
أريك مشيب الفؤاد الشهيد / والشيب ما كلَّل المفرِقا
شكا أسره في حبال الهوى / وود على الله أن يُعتقا
فلمّا قضى الحظ فك الأسير / حنَّ إلى أسره مطلقا
لِمَن هاته الفتنة النادرة
لِمَن هاته الفتنة النادرة / وما هاته الأعينُ الساحره
وما ذلك المرَحُ القدسيّ / وما هاته الضحكة الطاهره
تطوف مطاف الحنان العميم / وتسقط كالنعمة الوافره
وتمتدُّ مثل امتداد العباب / وترجع كالموجة الساخره
وتنقش أصداءها في القلوب / وتبقى مدى العمر في الذاكره
فيا رِقَّةً سُكِبَت في النفوس / كما تُسكبُ الخمرةُ القاهره
نسينا بك العالَم الدنيويَّ / وأسمعتِنَا نَغَمَ الآخره
ويا ربةً من نواحي الألمبِ / أطلّت على مهَجٍ شاعره
حنينا الرؤوس لمجد الجمالِ / ولُذنا بعرشكِ يا آسره
مثَّلتِ هذي الحياة / وصوّرت أدوارَها الزاخره
وحمَّلت روحَك أثقالها / وروحك كالريشة الطائره
وكلّفت قلبكِ خوض الجحيم / وقلبك كالجنة الناضره
دفعت به في اللظى كالخليل / وعدتِ مباركة ظافره
رجعتِ من النار ياقوتةً / مطهّرةً حرَّةً باهره
إن كرّمتكِ البلادُ / ودانت لمعبودةٍ قادره
فوالله ما فهمتك العقولُ / ولا قدرت قدرِك القاهره
فللشعر عينٌ يراكِ بها / بغير عيون الورى الناظره
يرى لك حُسنَ الشعاع الجميل / أغار على الظلمة الغامره
فجلَّلَ بالسحر هذي الدُّنى / وصيَّرها جنة زاهره
فنوَّر أكواخها الباليات / وهلَّل في دورها العامره
رسولٌ يجوس خلال الديار / وينزل كالرحمة الزائره
بعين قد اغرورقت بالدموع / لها مُقلةُ الغيمةِ الماطره
يطوف على الناس إنسانها / ومهجته للورى غافره
أجل يعلم الحبُّ أني لظاهُ
أجل يعلم الحبُّ أني لظاهُ / وتدري الفراشة أنّي اللهب
وأني بدوتُ لها في الظلام / فرفّت بأجنحةٍ تضطرب
وبين ذراعيَّ سرُّ الحياة / وفي ناظريَّ بريقُ الشُّهُب
دنت خطوة ثم عادت إلى / مجاهِلها من خفيّ الحجُب
وشتّان بين السنا والظلام / لعابدةٍ للسنا عن كثب
وفي صدرها لهفة للعناق / وفي قلبها جنةُ المغترب
يلوح لها شبحٌ للعذاب / ويبدو لها الأبد المقترب
كأن اللظى قدحٌ من سلافٍ / لها فوقه وثباتُ الحبب
فراشة روحي تعالي وثُوباً / ستلقين قلباً إليكِ يثب
إذا ما امتزجنا احترقنا معاً / ونلنا الخلود بهذا العطَب
كلانا عليل فلا تجزعي
كلانا عليل فلا تجزعي / ودمعك تسبقه أدمعي
وإن كان بين ضلوعك نار / فنار الصبابة في أضلعي
وإن كان نجم هنائك غاب / فنجم هنائيَ لم يطلع
صديقي سعفانُ ألفَ سلام
صديقي سعفانُ ألفَ سلام / ولا زلتَ صاحبيَ المرتقب
ستعجب من صورتي هذه / ألم تر أني اعتزلت الأدب
كرقة طبعك كالنسمة
كرقة طبعك كالنسمة / ومن شاطئ البحر ضَوحِيَّتي
أزف إليك جميلَ البيان / وأوجزُ حبيَ في لفظةِ
أحبكِ حُبَّين حب ابنتي / وحبي لما فيك من رِقة
سألتُك يا صخرةَ الملتقى
سألتُك يا صخرةَ الملتقى / متى يجمع الدهرُ ما فرَّقا
فيا كعبةً شهدت هائمَين / أفاءا إلى حسنها المنتقَى
إذا الدهرُ لَجَّ بأقداره / أخذنا على ظهرِهَا الموثقَا
أرقّ الهوى عندها مجهداً / وأنَّ النسيمُ بها مرهقَا
رَمى البحرُ نحوكِ أمواجَه / فعاندتِ تيارَه الأزرقَا
وصدت نواحيكِ هدارةً / كما أغضبت أسداً موثقاً
قرأنا عليكِ كتابَ الحياة / وفض الهوى سرَّهَا المغلقَا
نرى الشمسَ ذائبةً في المحيط / وننتظر البدرَ في المرتقَى
إذا نشر الغربُ أثوابَه / فأطلقَ في النفس ما أطلقَا
نقول هل الشمسُ قد خضبته / وخلَّت به دمَهَا المهرقَا
أم الغربُ كالقلب دامي الجراح / له طلبةٌ عزَّ أن تلحقَا
فيا مهجةً خلف هذا الغمام / بكت نضرةً وصباً رَيِّقَا
ويا صورة في نواحي السحاب / رأينا بها همَّنَا المغرقَا
لنا الله من صورةٍ في الضميرِ / يراها الفتى كلَّما أطرقَا
يرى صورةَ الجرح طيَّ الفؤا / دِ ما زال ملتهباً محرقَا
فيأبى الوفاءُ عليه اندمالا / ويأبى التذكُر أن يشفقَا
ويا صخرةَ العهدِ جاشَ العباب / ولاقاك محتدماً محنقَا
وجاورك القفر يعي الظنونَ / إذا الفكر في كنهِه حقَّقَا
أرى في العبابِ كفاحَ الحياة / وتيارها الجارفَ الأحمقَا
وألمح فيها عراكَ الرجال / إذا لاحَقَ الزورقُ الزورقَا
وكيف على رُحبِ هذا المجا / ل ننزلُها منزلاً ضيِّقَا
وقفتُ على اليمِّ أسألُ نفسي / بعيدَ الهواجسِ مستغرقَا
هل الله من قبلِ خلقِ الحياة / أراد على الموج أن تخلقَا
ومثَّلَ في القفر لغزَ الحِمام / لم نكتشف سره الأعمقَا
أرى في ابيضاضِ الرمالِ ال / مشيب والكفن الشاحب المقلقَا
أرى في السرابِ غرورَ النفو / سِ والأملَ الخائبَ المخفقَا
وقد جعل الله ذا الصخرَ بي / ن الحياةِ وبين البلى موبقَا
ومثَّلَ فيه عتوَّ الدهور / لن تستباح ولن تخلقَا
تريد الحياةُ لقاءَ المماتِ / ولا يأذن اللهُ بالملتقَى
ويا صخرةَ العهد أُبتُ إليكِ / وقد مَزَّقَ الشملَ ما مزقَا
أريكِ مشيبَ الفؤادِ الشهيدِ / والشيبُ ما كلَّلَ المفرقَا
شكا أسره في حبالِ الهوى / وودَّ على الله أن يُعتقَا
فلما قضى الحظُّ فكَّ الإِسار / حنَّ إلى أسره مطلقَا
لمن زيَّنَ الله هذي السماء / أو جمَّلَ الكونَ أو نسَّقَا
لمن يطلعُ الفحرُ في أفقها / فيبدو بها ضاحياً مونقَا
لمن مسَّ هذا النسيمُ الغمامَ / فرقرقَ منه الذي رقرقَا
إذا ذكرتهُ الحمائمُ أنَّ / وإن ضاحكته الربى صفَّقَا
أللطائرِ المفردِ الروحِ يمضي / يرودُ المواردَ عن مستقَى
وربّكَ ليس لهذا ولكن / لروحينِ في أفقٍ حلَّقَا