المجموع : 4
تقدّمْ خُطىً أو تأخّرْ خُطًى
تقدّمْ خُطىً أو تأخّرْ خُطًى / فإنّ الشباب مشَى القهْقَرى
وكان مَلِيّاً بغَدْرِ الحياةِ / وأعْجَبُ منْ غدْرِهِ لو وَفَى
وما كانَ إلاّ خَيالاً ألَمّ / ومُزْناً تَسرّى وبَرْقاً شَرَى
لبِسْتُ رِداءَ المَشيبِ الجديدَ / ولكنّها جِدّةٌ للبِلى
فأكْدَيْتُ لمّا بَلَغْتُ المَدى / وعُرّيتُ لمّا لَبِستُ النُّهى
فإنْ أكُ فارَقْتُ طِيبَ الحياةِ / حَميداً ووَدّعتُ عصرَ الصّبى
فقد أطْرُقُ الحيّ بعدَ الهدوء / تَصِلُّ أسنّتُهُمْ والظُّبَى
فألْهُو على رِقْبَةِ الكاشحينَ / بمفْعمةِ السُّوق خُرسِ البُرَى
بسُودِ الغدائِرِ حُمْرِ الخُدو / دِ بِيضِ التّرائبِ لُعسِ اللِّثَى
وقد أهبِطُ الغيْثَ غَضَّ الجمي / مِ غضَّ الأسرّة غضَّ النَّدى
كأنّ المَجامرَ أذكَيْنَهُ / أوِ اغتَبَقَ الخمرَ حتى انتشَى
فقُدْنا إلى الوَحشِ أشْباهَها / ورُعْنا المها فوقَ مثلِ المَها
صَنعْنا لها كلّ رِخْوِ العِنانِ / رَحيبِ اللَّبانِ سليم الشّظى
يُرَدُّ إلى بسطةٍ في الإهاب / إذا ما اشتكى شَنَجاً في النَّسا
كأنّ قَطا فوق أكفالها / إذا ما سَرَينَ يُثِرْنَ القَطا
هوَ استَنّ تَفضيلَها للمُلوكِ / وأبْقَى لها أثَراً في العُلَى
ولمّا تَخَيّرَ أنسابَها / تَخَيّرَ أسْماءها والكُنَى
وليسَ لها من مَقاصِيرِهِ / سوَى الأُطُمِ الشّاهقِ المُبتَنَى
وحُقّ لذي ميْعَةٍ يغْتَدي / به مُستقِلاًّ إذا ما اغتدى
تكون منَ القُدس حَوباؤه / ونُقْبتُه من رِداء الضُّحى
ويعدو وقَونَسُه كوكبٌ / وسُنْبُكُه من أديمِ الصَّفا
وكان إذا شاء حَفّتْ به / كتائِبُه فَمَلأنَ الملا
كما استُجفل الرمل من عالجٍ / فجاء الخَبارُ وجاء النَّقا
وذي تُدْرَءٍ كفُّه بالطّعا / نِ أسمَح من حاتمٍ بالقِرى
وطِئنَ مفارقَه في الصّعيدِ / وعفّرْنَ لمّتَه في الثرى
عليها المَغاوير في السابغاتِ / تَرَقْرَقُ مثلَ مُتونِ الأضا
حُتوفٌ تَلَهّى بأمْثالِها / وأُسْدٌ تُغِذُّ بأُسْدِ الشَّرَى
تَبَخْتَرُ في عُصْفُرٍ من دَمٍ / وتَخْطِرُ في لِبَدٍ من قَنا
وقال الأعادي أأسيافُهم / أمِ النّارُ مُضرَمةٌ تُصْطلى
رأوا سُرجاً ثم لم يعلموا / أهِنْديّةٌ قُضُبٌ أمْ لظَى
ومُتّقِداتٍ تُذيبُ الشّلِي / لَ من فوقِ لابِسِه في الوغى
من اللاّءِ تأكُلُ أغمادَها / وتلفَحُ منهنّ جَمْرَ الغضا
تُطيع إماماً أطاعَ الإلهَ / فقلّدَه الحُكْمَ فيما برا
وكائِنْ تبيتُ له عَزْمَةٌ / مُضرَّجَةٌ بدِماءِ العِدى
فيعْفو القَضاءُ إذا ما عَفا / وتَسْطو المَنونُ إذا ما سَطا
له هذه وله هذه / فسَجْلٌ حياةٌ وسَجْلٌ رَدى
وأهْوِنْ علينا بسُخْطِ الزمان / إذا ما رآنا بعينِ الرّضى
عليّ له جُهد نفسِ الشّكور / وإن قَصُرَتْ عن بلوغِ المدى
وشرّفَني مَدحُه في البلادِ / فآنَسَ عَنْسي بطولِ السُّرَى
أسيرُ خطيباً بآلائه / فأُنْضي المَطايا وأُنْضي الفَلا
فلوْ أنّ للنّجْمِ من أُفْقِهِ / مَكانيَ من مَدحهِ ما خَبا
ولو لم أكنْ أنطَقَ المادحينَ / لأنْطَقَني بالسَّدى والنَّدى
وما خلفَه من حطيمٍ يُزارُ / ولا دونه من مَدىً يُنْتَهَى
هو الوارثُ الأرضَ عن أبوين / أبٍ مُصْطفى وأبٍ مُرتَضَى
وما لامرىءٍ معه سُهْمَةٌ / تُعَدّ ولا شِركَةٌ تُدّعى
فما لقُرَيشٍ وميراثِكُم / وقد فرغ الله مما قضى
لكم طور سيناء من فوقهم / وما لهم فيه من مرتقى
بمكّة سَمّى الطليقَ الطليقَ / ففرّقَ بين القَصا والدَّنى
شهِيدي على ذاك حكمُ النبي / يِ بين المَقامِ وبين الصّفا
وإن كان يجمعُكم غالبٌ / فإن الوشائظَ غير الذُّرى
ألا إنّ حقّاً دعوتم إليهِ / هو الحقّ ليس به من خَفا
لآدَمَ من سرّكمْ مَوضِعٌ / بهِ استوْجَبَ العَفوَ لمّا عَصَى
فيومُكُمُ مثلُ دهرِ الملوكِ / وطِفلُكُمُ مثلُ كهلِ الوَرى
يُلاحِظُ قبلَ الثّلاثِ اللّواء / ويَضرِب قبل الثّمانِ الطُّلى
عجِبْتُ لقوْمٍ أضَلّوا السّبيلَ / وقد بَيّنَ اللّه سُبْلَ الهُدى
فما عَرَفوا الحقّ لمّا اسْتبانَ / ولا أبصروا الفَجرَ لمّا بدا
ألا أيها المعشَرُ النائمون / أجِدَّكُمُ لم تُقَضُّوا الكَرَى
أفِيقوا فما هِيَ إلاّ اثنتا / نِ إمّا الرّشادُ وإمّا العَمَى
وما خَفِيَ الرُّشْدُ لكنّما / أضَلّ الحُلومَ اتّباعُ الهوى
وما خُلِقَتْ عبَثَاً أُمّةٌ / ولا ترَكَ اللّه قوماً سُدى
لكلّ بَني أحمدٍ فَضْلُهُ / ولكنّكَ الواحِدُ المُجتَبَى
إذا ما طوَيتَ على عَزْمَةٍ / فحسبُكَ أن لا تُحَلّ الحُبى
وما لا يُرى من جنُودِ السّما / ءِ حولَكَ أكثرُ ممّا يُرَى
لِيَعْرِفْكَ من أنتَ مَنجاتُه / إذا ما اتّقى اللهَ حقَّ التُّقى
كأنّ الهدى لم يكن كائناً / إلى أنْ دُعيتَ مُعِزَّ الهُدى
ولم يَحْكِكَ الغَيثُ في نائلٍ / ولكن رأى شِيمةً فاقتَدَى
قرَى الأرضَ لمّا قرَيتَ الأنامَ / له النَّقَرى ولك الأجْفَلى
شهِدتُ حقيقةَ علمِ الشهي / دِ أنّك أكرَمُ مَن يُرْتَجَى
فلو يجدُ البحرُ نَهجاً إليك / لجاءكَ مُستَسقياً من ظما
ولو فارَقَ البدرُ أفلاكَه / لَقَبّلَ بين يَديْكَ الثّرى
إلى مثلِ جدواكَ تُنضَى المطِيُّ / ومن مثل كفّيكَ يُرْجى الغنِى
ألا كلُّ آتٍ قريبُ المَدى
ألا كلُّ آتٍ قريبُ المَدى / وكلُّ حياةٍ إلى مُنْتَهَى
وما غَرّ نَفْساً سوَى نفسِها / وعُمْرُ الفتى من أماني الفتى
فأقْصَرُ في العينِ من لَفْتَةٍ / وأسرَعُ في السمع من ذا ولا
ولم أرَ كالمرْءِ وهو اللبيبُ / يرَى ملءَ عيْنَيْه ما لا يُرَى
وليسَ النّواظرُ إلاّ القلوبُ / وأمّا العيونُ ففيها العمى
ومنْ لي بمثلِ سلاح الزّمانِ / فأسْطو عليه إذا ما سطا
يَجُدُّ بنا وهو رَسْلُ العِنانِ / ويُدرِكُنا وهو داني الخُطى
برَى أسْهُماً فنَبَا ما نَبا / فلم يبْقَ إلاّ ارتهافُ الظُّبى
تُراشُ فتُرْمَى فتُنمي فلا / تَحيدُ وتُصْمي ولا تُدَّرى
أأُهْضَمُ لا نَبعَتي مَرْخَةٌ / ولا عَزماتي أيادي سَبا
على أنّ مِثلي رحيبُ اللَّبانِ / على ما ينُوبُ سَليمُ الشظى
ولو غيرُ رَيبِ المَنونِ اعتدى / عليّ وجرّبني ما اعتدى
خليليّ هل ينفعَنّي البُكاءُ / أوِ الوَجدُ لي راجعٌ ما مضى
خليليّ سيرا ولا تَربَعا / عليّ فهَمّيَ غيرُ الثَّوى
ولي زَفَراتٌ تُذيبُ المَطِيّ / وقلْبٌ يَسُدُّ عليّ الفَلا
سَلا قبل وَشك النوى مدنَفاً / أقَضّتْ مضاجِعهُ فاشتكى
وراعى النّجومَ فأعشَيْنَه / فباتَ يظنُّ الثّريّا السُّهَى
ضلوعٌ يضِقنَ إذا ما نَحَطنَ / وقلبٌ يفيضُ إذا ما امتلا
وقد قلتُ للعارض المكفَهِرِّ / أفي السِّلم ذا البرقُ أم في الوغى
وما بالُه قادَ هذا الرّعيلَ / وقُلّدَ ذا الصّارمَ المُنتَضَى
وأقبَلَه المُزنُ في جَحْفَلٍ / وأكذبَ أن صَدّ عني الكرَى
أشيمُكَ يا برق شيْمَ النُّجيم / وما فيك لي بَلَلٌ من صَدى
كِلانا طَوى البيدَ في ليلِهِ / فأضْعفُنا يَتَشَكّى الوَجى
فجُبْتَ الغَمامَ وجُبتُ الغرامَ / حنانيك ليس سُرىً من سُرى
أعِنّي على الليل ليلِ التّمامِ / ودعني لشاني إذا ما انقضَى
فلو كنتُ أطْوي على فتكِهِ / تكشّفَ صبحي عن الشَّنْفرَى
وما العين تعشقُ هذا السُّهادَ / ووَدّ القَطا لو ينَامُ القَطا
أقولُ وقد شقّ أعلى السحابِ / وأعلى الهِضابِ وأعلى الرُّبَى
أذا الوَدْقُ في مثل هذا الرّباب / وذا البرْقُ في مثل هذا السنا
ألا انهلّ هذا بماءِ القلوبِ / وأُوقدِ هذا بنارِ الحَشَا
فيهْمي على أقْبُرٍ لو رأى / مكارمَ أربابها ما هَمَى
وفي ذي النواويسِ موْجُ البحارِ / وما بالبحارِ إليْهِ ظَما
هلمّوا فذا مصرَعُ العالَمينَ / فمن كلّ قلبٍ عليه أسى
وإنّ التي أنْجَبَتْ للورى / كآلِ عليّ لأمُّ الورى
فلوْ عِزّةٌ أنْطَقَتْ مُلحَداً / لأنْطَقَ مُلحَدَها ما يَرَى
بكتْه المغاويرُ بِيضُ السيوفِ / وهذي العَناجيجُ قُبُّ الكُلى
ولمّا أتينا سقَتْه الدموعُ / فما باتَ حتى سقاه الحَيا
وما جادَه المزْنُ من غُلّةٍ / ولكنْ ليبْكِ النَّدى بالنَّدى
وقد خدّ في الشمس أُخدودَه / ولكن سَبَقْنا به في الثرى
وما ضَرّ من لم يَطُفْ بالمقامِ / إذا طافَ بالجوسَقِ المُبْتَنى
وقالوا الحَجونُ فثَمّ الحجونُ / وثَمّ الحَطِيمُ وثَمّ الصَّفا
وبينَ الشمالِ وبين الجنو / بِ في هَبوَةٍ من مَهَبّ الصَّبا
قبورُ الثلاثةِ في مصْرَعٍ / أما كان في واحدٍ ما كفى
أما والركوعُ به والسجودُ / إذا ما بكَى قانتٌ أو دعا
لَذاكَ الصّعيدُ وذاك الكديدُ / أحَقُّ من الخَيْفِ بي أو مِنى
ولو جاوَرَ العرَبَ الأقدمينَ / وفي الذاهبينَ وفَى مَنْ وَفى
أتَتْه الحجيجُ من الرّاقصاتِ / فمنها فُرادى ومنها ثُنا
فما ليَ لا أقتدي بالكِرامِ / وأوثِرُ سُنّةَ مَن قد خلا
إذا ما نحرتَ به أو عقرتَ / فعَدِّ الخوانفَ ذاتَ البُرى
ولا ترْضَ إلاّ بعَقْرِ الثناءِ / ونَحْرِ القَوافي وإلاّ فلا
فلوْلا الدّماءُ إذاً أقبلتْ / عليه تَكوسُ ذواتُ الشَّوى
إذاً لم تُغادرْ غُرَيْرِيّةً / تَخُبُّ ولا سابحاً يُمتطَى
يُعَدُّ الشريفُ وأعمامهُ / وأخوالهُ فيه شِرْعاً سُوى
وإنّ حَصاناً نَمَتْ جعفراً / ويحيَى لَعاديّةُ المنتمى
فجاءتْ بهذا كشمسِ النهارِ / وجاءت بهذا كبدرِ الدّجى
تَرى بهما أسَدَيْ جَحْفَلٍ / غَداةَ المواكبِ وابنَي جَلا
ألمْ تَك من قوْمها في الصّميم / ومن مجدِها في أشَمّ الذُّرى
فمن قومكَ الصِّيدُ صِيدُ الملوكِ / ومن قومها الأُسدُ أُسْدُ الشرى
فوارسُ تُنضي المذاكي الجِيادَ / إذا ما قَرعنَ العُجا بالعُجا
يُضيءُ عليهمْ سَنا الأكرمينَ / إذا ما الحديدُ عليهم دجا
فجئتَ كما شئتَ من جانبَيك / فأنتَ الحياةُ وأنتَ الرّدى
فصِلُّكَ يُرْقى ولا يَستجيبُ / وناركَ تُذكَى ولا تُصْطَلى
ومن ذاك أضْنيتَ صرفَ الزمان / فلم يُخفِهِ عنْكَ إلا الضّنى
فلم تُغمِدِ السيفَ حتى انثنى / ولم تصرِفِ الرُّمحَ حتى انحنى
وإنّ الّذي أنتَ صِنْوٌ له / لمَاضي العَزَائمِ عَرْدُ النَّسا
يُبيرُ عِداكَ إذا ما سَطَا / ويُعرَفُ فيهم إذا ما احتبى
ويأتي على أعيُنِ الحاسدينَ / إذا سألوا مَن فتىً قيل ذا
بنو المنجِباتِ بنو المُنجِبينَ / فمِن مُجتَباةٍ ومن مُجتَبَى
لأمّاتِنَا نِصْفُ أنْسابِنَا / إذا المَلِكُ القَيلُ منَّا انتمَى
دَعائِمُ أيّامِنا في الفَخارِ / وأكْفاءُ آبائِنا في العُلى
ألمْ تَرَهُنّ يُبارينَنَا / فيَمرُقْنَنَا ويَنَلْنَ المدى
كفَلنَ لنا بظِلالِ الخِيام / وأكفَلنَنَا بظِلالِ القَنا
وتغدو فمنهنّ أسماعُنا / وأبصارُنا في حِجالِ المها
فلوْ جازَ حكميَ في الغابرينَ / وعدّلْتُ أقسامَ هذا الوَرَى
لسمّيتُ بعضَ النساء الرجالَ / وسمّيتُ بعضَ الرجال النسا
إذا هي كانتْ لكشفِ الخطوبِ / فكيفَ البنون لضَرْبِ الطُّلى
تولّتْ مُرَفِّلَةً للملوكِ / فمن مصطفى النجل أو مرْتضَى
وأكثرُ آمالِها فيكما / وفي القلب منها كجمر الغضا
فقد أدركت ما تمنت فلا / تضيقا عليها بباقي المنى
فلولا الضّريحُ لنادتكما / تُعيذُكما من شماتِ العِدى
فإمّا تَزِيدانِ في أُنسِها / وإمّا تَذودانِ عنها البِلى
فقد يُضحك الحيُّ سنّ الفقيدِ / فتهتَزُّ أعظُمُه في الثرى
ومهما طلبتَ دليلَ الكرامِ / فإنّ الدّليلَ ائِتلافُ الهوَى
وأنتَ اليَمينُ فَصُلْ بالشمال / فما بيَدٍ عن يدٍ من غنى
وليسَ الرّماحُ بغيرِ السيوفِ / وليس العِمادُ بغيرِ البِنا
ومن لا يُنادي أخاً باسمِهِ / فليس يُخافُ ولا يُرتَجَى
أما والمَذاكي يَلُكْنَ الشُّكُمْ
أما والمَذاكي يَلُكْنَ الشُّكُمْ / وضَرْبِ القَوانسِ فوقَ البُهَمْ
وَوَقْعِ الصِّعادِ وحَرِّ الجِلادِ / إذا ما الدّماءُ خَضَبْنَ اللِّمَمْ
يميناً لأنْتَ مَلِيكُ المُلُوكِ / فمَن شاءَ خَصّ ومَن شاء عَمّ
وإنّي لأعْجَبُ من خَلّتَي / نِ جُودِ يَدَيكَ وبُخْلِ الأُمَم
فَعانٍ يُرجّي لديكَ الفَكاكَ / وعافٍ يَشيمُ لديك الدِّيَم
فمن أين ساروا فأنتَ السّبيلُ / ومن أينَ ضَلّوا فأنْتَ العَلمَ
ويَأبَى لك الذَمَّ طِيبُ النِّجارِ / وطِيبُ الخِلالِ وطِيبُ الشِّيَم
خُلِقْتَ شِهاباً يُضيءُ الخُطوبَ / ولستَ شِهاباً يُضيءُ الظُّلَم
فلو كنْتَ حيثُ نجومُ السماء / لما كانَ في الأرض رِزقٌ قُسِم
كَرُمْتَ فكنْتَ شَجىً للكِرامِ / فلم تَترُكِ القَطْرَ حتى لَؤُم
فأشبَهَكَ البَحْرُ إن قِيلَ ذا / غِطَمٌّ وهَذا جَوادٌ خِضَمّ
وأخطَأكَ الشّبْهُ إنْ قِيلَ ذا / أُجاجٌ وهذا فُراتٌ شَبِم
إذا لم يكُنْ مَنْهَلاً للوُرُودِ / فلا خَيرَ في مَوجِهِ المُلتَطِم
رأيتُكَ سيْفَ بَني هَاشِمٍ / وخَيرُ السّيوفِ اليَماني الخَذِم
فلوْ كنْتَ حارَبتَ جُندَ القَضاء / وأنْتَ على سابِحٍ لانهَزَم
ولو أنّ دَهرَكَ شخصٌ تَراهُ / لِتَسْطو بهِ فاتِكاً ما سَلِم
إلى جَعْفَرٍ يَتَنَاهَى المديحُ / وفِيهِ تُثِيرُ القَوافي الحِكَم
فَسَلْ ظَمِىءَ التُّرْبِ عن نَيلِهِ / وحَسبُكَ مِنْ عالِمٍ ما عَلِم
هو استنّ للرّيحِ هذا الهُبوبَ / وَرَشّحَ ذا العارِضَ المُرتكِم
فما هَمَتِ المُزْنُ حتى هَمى / ولا ابْتَسَمَ البَرْقُ حتى ابتَسَم
وليسَ رِشاءٌ وإنْ مُدّ مِن / رشاءٍ ولا وَذَمٌ مِن وَذَم
ولا كلّ مُزْنٍ إذا ما هَمَى / بمُزْنٍ ولا كُلّ يَمٍّ بَيمّ
ولا كلّ ما في أكُفٍّ نَدىً / ولا كلّ ما في أُنوفٍ شَمَم
فأُقسِمُ لو أنّ عَصْرَ الشّبابِ / كأيّامِهِ لأمِنّا الهَرَم
هو الواهِبُ المُقرَباتِ الجيادَ / صَواهِلَ واليَعمَلاتِ الرُّسُم
إلى كلّ عَضْبٍ رقيقِ الفِرِنْدِ / ومُطّرِدِ الكَعْبِ لَدْنٍ أصَمّ
ومسرودَةٍ مثلِ نِسْجِ السّرابِ / تَرَقْرَقُ فوقَ الكَمِيِّ العَمَم
وبَيْضَةِ خِدْرٍ تجُرُّ الذّيول / كما أتلَعَ الخِشْفُ لمّا بَغَم
وبَدْرَةِ ألفٍ يَمانِيّةٍ / يُحَيّى الوفودُ بها بَدْرَ تَمّ
ولم أرَ أنْفَذَ من كُتْبِهِ / إذا جُعِلَ السّيْفُ حيثُ القَلَم
لَعَمْري لقد مَزَعَتْ خَيلُهُ / وأنعُلُهُنّ خُدودُ الأكَم
فما فارَقَ البِشْرَ لمّا اكْفَهَرّ / ولا نَسِيَ العَفْوَ لمّا انْتَقَمْ
فلوْ أبْصَرَتْ وائِلٌ يومَهُ / لمّا عَدّدَتْ فارساً من جُشَمْ
غَداةَ رَمَى المعشَرَ المَارقينَ / بصَمّاءَ تُوقَصُ منها القِمَم
وذي لَجَبٍ يَرتَدي بالقَنَا / ويَعْثُرُ في العِثْيَرِ المُدْلَهِمّ
وباتُوا يُرِيحُونَ كُومَ اللّقاحِ / فصَبّحَهَا وهيَ بَرْكٌ جُثَم
فأضْحَى بحيْثُ الرُّغاءُ الزّئِيرُ / وحالَتْ بحيْثُ الخيامُ الأجَم
وأعطَى القبيلَ سَوامَ القتيلِ / بما فِيهِ من وَبَرٍ أو نَعَم
فلو ناقَةٌ عندَ ذاكَ انْثَنَتْ / لِتُرْوي فصِيلاً لَجَادَتْ بدَم
فمَنْ حاتمٌ ثَكَلوا حاتِماً / ومَنْ هَرِمٌ حيثُ عدّوا هَرِم
إذا هوَ أعْطى البَعيرَ الفَريدَ / بُرمّتِهِ ظُنّ أنْ قد كَرُم
وأنْتَ رأيْتُكَ تُعطْى الألوفَ / فَتَنْهَبُ نَهْباً ولا تَقْتَسِم
وكان إذا ما قَرَى بَكْرَةً / تَفَرّدَ بالجُودِ فيما زَعَم
وأنْتَ تَجُودُ بمِثلِ البِكارِ / من التّبْرِ في مثِلها مِنْ أدَم
إذا عَرَبٌ لم تكُنْ في الصّمي / مِ ممّنْ نَمَتْكَ فتلك العَجَم
فلْو نُسِبَتْ يَمَنٌ كُلّها / إليكَ لقلْنَا لها لا جَرَم
بحَيْثُ الأكُفُّ طِوالٌ إلى / مَآرِبِهَا والعَرانِينُ شُمّ
وإنّكَ مِنْ مَعْشَرٍ طِفْلُهُمْ / يُتَوَّجُ قبلَ بلوغِ الحُلُم
ويسمو إلى المجدِ قبلَ الفِطامِ / فكيْفَ يكونُ إذا ما فُطِم
مُلُوكُ المُلوِك وأبنْاؤهَا / وفوْقَ الهَوادي تكونُ القِمَم
تَشَيّعَ فيكُمْ لِساني ومَنْ / تَشَيّعَ في قَولِهِ لم يُلَمْ
فَلَسْتُ أُبالي بأيٍّ بَدَأتُ / بفخْري بكمْ أو بمدْحي لكم
فإنْ طَفِقَتْ والِهٌ بيْنَنَا / تَحِنُّ حَنيناً فتلك الرّحِم
هل اللؤلؤ الرّطْبُ إلاّ الّذي / نظَمْتُ لكُمْ عِقدَهُ فانتظَم
قَوافٍ لسُؤدَدكمْ تُقْتَنَى / وتحْتَ سُرادِقِكم تَزْدَحِم
قُصِرنَ عليكُمْ كأنّ الشّآمَ / وأرضَ العِراقِ عليها حَرُم
تَكَنّفْتُمُوني فلَمْ أُضْطَهَدْ / وأعْزَزْتُمُوني فلمْ أُهْتَضَم
ففي ناظري عن سِواكم عَمىً / وفي أُذُني عن سواكمْ صَمَم
فشَمْلي بشَمْلِكُمُ جامِعٌ / وشَعْبي بشَعْبِكُمُ مُلْتَئِم
فلا انْفَصَمَتْ عُرْوَةٌ بَيْنَنَا / إذا ما العُرَى جَعلتْ تَنفصِم
أبا أحْمَدٍ دعوةً حُرّةً / لِحُرِّ المَواثِيقِ حُرّ الذّمَم
حَمِدتُ لقاءَكَ حَمْدَ الرّبيع / وشِمْتُ نَوالَكَ شَيْمَ الدّيَم
وما الغَيثُ أوْلى بأنْ يَستَهِلّ / وما الغْيثُ أولى بأن يَنسجِم
ومن حَقّ غَيرِيَ أن يَجْتَدي / ومن حَقّ مثليَ أن يحتَكِم
وأنْتَ مَلِيٌّ بدُرّ الفِعالِ / وإنّي مَلِيٌّ بدُرّ الكَلمِ
وحَسْبُكَ منْ هِبْرِزِيٍّ لَهُ / على كُلّ عُضْوٍ لسانٌ وفَم
ولم أرَ مثْلَ جَزيلِ الثّنَاء / مُكافَأةً لجَزيلِ النِّعَم
خَرِسْتُ ولي مَنطِقُ العالَمينَ / فقَلّ الفصيحُ جميلُ البَكَم
فلوْ أنّ حَدّي كَهامٌ نَبَا / ولو أنّ ذِهْني كليلٌ سَئِم
أذُمّ إليكَ اعتْوِارَ الخُطوبِ / وصرْفَ الحوادثِ فيما أذُمّ
وممّا أعانَ عليّ الزّمَانَ / عَفافُ يَدي وعُلُوُّ الهِمَم
فلا بالعَجُولِ ولا بالمَلُولِ / ولا بالسَّؤولِ ولا المُغْتَنِم
وإنّي وإنْ تَرَني قابضاً / جَناحي إليّ كَظِيماً وَجِم
أُقَلّلُ مِنْ هَفَواتِ المَزَارِ / وأُبْدي الغِناءَ وأُخفي العَدَم
فإنّي من العَرَبِ الأكرمينَ / وفي أوّلِ الدّهْرِ ضاعَ الكَرَم
أقولُ لذي قامَةٍ كالقَضيبِ
أقولُ لذي قامَةٍ كالقَضيبِ / وَخَصرٍ تَبارَكَ من خَصَّرَه
وَوَجه يُباري سَنَاهُ المُدامُ / يُصَبُّ من الكوبِ في القُبَّرَة
ألا فاغضُضِ الطرفَ يا ذا الفتى / فلِلَّهِ طرفُكَ ما أسحَرَه
لقد لعبت بي صُرُوفُ الزَّمان / كلعبِ الفتى والفتى بالكُرَة
وَطُيِّرتُ شَرقاً إلى غَربِها / كَطَيرِ العَواصِفِ بالزُنبُرَة
ويُعجبني أنني شاعرٌ / وقولُ البريَّةِ ما أشعرَهُ
ولو رَهنُوني وكتبي معاً / مع الشِّعرِ والظَّرفِ والمحبرَة
على قوتِ يومٍ لَرَدُّوا الرهانَ / وأرمَوا إلى فضةٍ محضَرَة
حَرامٌ حرامٌ زَمانُ الفقيرِ / حَرامٌ حرامُهُ ما أقذَرَه
إذا كان عيشُ الفتى ضيِّقاً / فخيرٌ من العيشَةِ المقبَرَة