المجموع : 5
طربت فعم الكرام الطرب
طربت فعم الكرام الطرب / وضوء ذكاء يمد الشهب
وملت فمالت لك المكرمات / سروراً لما نلت مما تحب
إذا اهتز من دوحةٍ ساقها / فلا عجب إن تهز العذب
وصال على الحزن جيش السرور / فشرده وانثنى بالغلب
وخيم في القلب لا يبتغي / رحيلاً وجودك كان السبب
ولما ابتهجت بدا الابتهاج / علىالخق من عجمها والعرب
كأن سرورك في العالمين / يحاري نوالك أنى ذهب
إلى قول قائلهم صادقاً / كأنا رياض ومنك السحب
ولولا ابتسام وميض الغمام / لما ابتسم النور فوق القضب
ولا عجب أن تسر الأنام / ولو لم تسر لكان العجب
ألست الذي قد بعثت السرور / إلى كل قلبٍ عظيم الكرب
وأنت الذي قد ملأت الجفان / مدعدعةً قد علون الهضب
ترى الناس من وارد ساغب / يعود بطيناً عقيب السغب
فلو حاول الطير منها الطعام / بأم السما نال ما قد طلب
ولو قصد الوحش إدراكها / لما مسه من طوىً ما حجب
وشدت على الطرق للسائلين / قصور علا شيد فيها الحسب
وكم قد تفقدت من مرمل / وأرملةٍ ويتيمٍ سغب
وانعشت افئدةً منهم / تكابد في الحادثات النوب
وآخر جاءك يشكو إليك / من الدهر خطباً عليه خطب
فألفاك أسرع مستنجدٍ / إلى ما دعوه إليه وثب
يداوي بك الفقر حتى يزول / مداواة ذي الطب للمستطب
فمن كان ذا شأنه في الزمان / كان حقيقاً على أن يحب
ومن شاطر الناس أمواله / فقد شاطرته الرضا والغضب
أبا المصطفى قد سبقت الكرام / لغاياتها واحتويت القصب
فللَه درك من ماجد / عن الحق ما مال فيه غضب
تلذذ في بعد أحبابه / ليدنو من اللَه أو يقترب
وما لذة البعد فيما يرى / بأيسر من لذةٍ المقترب
توارثتم الحج جيلاً فجيلاً / كما ورث الهاشمي النسب
فكاد يحول مولودكم / عن المهد فوق ظهور النجب
كأن لكم مكة موطن / يهزكم لحماها الطرب
يشوقكم البرق من نحوها / ويصبيكم الريح أما يهب
وطاتم ثراها فآثاركم / مكررةٌ عندها في الكتب
كما أن آثاركم في الزمان / على أهله واضحات الشهب
فصارت إذا جاءها ابن لكم / رأت في محياه عنون اب
فتعرف في شيخكم كهلها / بسيماء عز عليه غلب
إذا جئتم أرضها رحبت / أباطحها فيكم والهضب
لعمري إذا كنتم تسرعون / إلى الحج أول عام يجب
فكيف يفوتكم غيره / وما غيره مثله في التعب
أرى الحج شاهد عدل لكم / بتأدية الفرض مهما وجب
فمن نال في عزمه النيران / لم يعيه نيله للسحب
ولا غرو أن يركبن الذلول / فتى ليس يعييه ركب الصعب
أرى اللَه أثنى على الأنبياء / لأمرهم الأهل فيما أحب
وها أنت تأمر في الوجبات / أهاليك طراً وبالمستحب
وفارقت عامين في حبه / حبيبيك تشكره محتسب
كأن الحجاز وقد أوطآ / محيا ثراه خفاف النجب
غدا بهما حاسداً للعراق / كما حسد الأعجمي العرب
ورام بقاءهما عنده / ليعلو على غيره في الرتب
ويخصب فضلاً بيمنيهما / له كل ربعٍ محيل جدب
فأتحف عامين نيل المنى / وزال عن المجد بين العطب
ليهن أبا المصطفى والرضا / رضا اللَه والمصطفين النجب
عشية حلّاً عن اليعملات / نسوعاً وشد العقال الركب
وسارا وقد لبيا معلنين / بقلب سليم ونطق عذب
وطاف بدمع غداة الطواف / يضاهي غروب الحيا المنسكب
صدقن أمانيهما في منى / ورب أمانٍ رزقن الكذب
وقد شكر اللَه سعييهما / وأعطاهما منه نيل الأرب
ومذ قضيا من فروض الإله / ما اللَه أوجب أو ما ندب
أثارا ليثرب نضويهما / فطوراً ذميلاً وطوراً خبب
إلى أن بدت قبة المصطفى / عليها رواق المعالي ضرب
كأن السماوات أرض لها / وبالعرض قد نيط منها الطنب
أناخا وسارا لها ماشيين / وخديهما عفراً في الترب
وزارا النبي فزادا علا / وفخراً على كل عالي الرتب
وقاما إزاء قبور البقيع / مقاماً تصانع فيه الكرب
يرد إلى القلب دمع العيون / حذاراً ويرضى بدون الطلب
وسارا يريدان ارض العراق / وأعين سكانه ترتقب
بأنيق تطوي فجاج الوهاد / كطي السجل بها للكتب
إلى أن أتت طور وادي الغري / ونور التجلي عليه ثقب
بباب مدينةٍ عالم الإله / ثنت بعد طول المسير الركب
وقاما يجران برد السرور / وإن رغم الحاسد الكتئب
وقبلت وجهيهها شاحبين / شحوباً به ضاء وجه الحسب
وما النقص أن تشحبن الوجوه / والنقص إن وجه عرض شحب
أتابوت طالوتَ ذا سائراً
أتابوت طالوتَ ذا سائراً / أم النعش فيه الهوادي تسير
وهذي السكينة في ضمنه / أم المرتضى عاد ضمن السرير
وأن سليمان فوق البساط / يحف به الجند جماً غفير
وذي نفحة الصور قد فاجأت / فجاء الورى يومها القمطرير
أم المرتضى جاء فيه النعي / بصوتٍ يهدُّ الرواسي جهير
وقد عطر الكون منه الحنوط / أم الحور ذرت عليه العبير
وذلك لحد له شق أم / خزانةٌ علم العليم الخبير
لئن عقرب العرب / عشية من ناقة أو بعير
فقد عقر المجد من فوقه / فطبق وسع الفضا بالهدير
وإن هي كبت جفان الكرام / وأمسين نيرانهم لا تنير
فقد أخمد النار من بعده / وكب الأواني أناس كثير
فيا راضياً دهره باليسير / ولا شيء فيه عليه عسير
أراك سليمان في ملكه / وسلمان إذ لا تعاف الحصير
فلم أر مثلك كسرى زمان / يقضي الزمان بقلب كسير
لألزمت نفسك عصر الشباب / قيام وصوم الهجير
فرحت على ذاك لا قاعداً / بك الضعف عنها لسن كبير
أبكيك للعلماء الألى / تركتهم بالعظيم الخطير
لأنهم نظم عقد الجمان / أصيب بواسطه المستنير
وهذي الشريعة مما بها / جواب مسائلها لا تحير
عزاء محمد يا ابن الألى / إليهم أمور الرايا تصير
فلا غرو إذ كنت ممن أصيب / بأمر أصاب أباك الأمير
فما يوم عمار من يومه / بأدهى وإن كان يوماً شهير
فا كوكباً في سماء العلا / وينقلب الطرف عنه حسير
جريت فأدركت أقصى المدى / وغيرك في خطة يستدير
إذا ما ارتديت ثياب الفخار / فإرثك لست لها مستعير
وما كان فيك من المكرمات / فشنشنة من نذير بشير
نضارة ذا العود من أصله / وما كل عودٍ تراه نضير
فخفض عليك ونهنه جواك / فبدر الهداية فينا منير
إذا الناس قالوا إلى أيهم / إلى ابن أبيك أشار المشير
إلى سيد القوم مولاهم / ومن هو للدين نعم النصير
همام إذا الدست فيه استقل / تقول على الدست حلماً ثبير
أبا جعفرٍ أنت نعم الدليل / لمن حار يوماً ونعم المجير
فما اعترض الشك قدماً به / ولا اليوم مقترن في نظير
وغيرك ما هو في غيرها / إذا عد منها ولا في النفير
وإن صرفت عنك بعض العيون / ولا تدرك الشمس عين الضرير
وأبناؤك الغر كل نرى / به شبراً ونلاقي شبير
قضى ماجد كان في عصره
قضى ماجد كان في عصره / بمنزلة النور من بدره
ومنزلة الروح من جنبها / ومنزلة القلب من صدره
وأحضى الحمام لدى العتب ذا / لسان تلجلج في عذره
لتبك الشجاعة مقدادها / ويبكي التقى لأبي ذره
ويبكي الزمان بشجو محمداً / حسناً منتهى أمره
فكان العماد وفيه تشاد / خيام الهدى في حمى أمره
ليبك الموحد حزناً له / فقد بسم الشرك عن ثغره
فكسر قنا الشرك في جبره / جبر قنا الشرك في كسره
وأضحى الزمان لما قد عراه / دجى ليس يدعو إلى فجره
فلم يعرف الظهر من ليله / ولم يعرف الليل من ظهره
لقد حملوا نعشه والهدى / يقوم ويكبو على أثره
أرى العلم والحلم والمكرمات / جميعاً حواها ثرى قبره
وما دفنوه به وحده / أجل دفنوا الكون في أسره
محمد لما قضيت الزمان / تسافل منه علا قدره
فشهرك عارٍ على عامه / ويومك عارس على شهره
هجاني لساني إذا هو لم / يكن راثياً لك في شعره
ومادح مهدي فقد الأنام / من اختصه اللَه في ذكره
فكم منكر رد في نهيه / وكم فعل العرف في أمره
أخو منن طالما أشرقت / شموس الثنا في سما شكره
وأحيا نداه رياض العلا / فهاهن ينفحن عن نشره
نرى فيه أثار خير الورى / محمد والمرتضى صهره
أبا جعفرٍ لم أفه بالعزا / لأنك أذكى ذوي دهره
وأنت وعاء علوم الإله / ومؤتمن اللَه في سره
فمن ذا يجيء إلى الشمس في / سراج وللطود في ذره
وما جاء فيه المعزى بشعر / إليك وما جاء في نثره
فذاك لعمري منك إليك / وما فاق غيرك في فخره
لقد صام كيسي صوم الوصال
لقد صام كيسي صوم الوصال / فلا من حرامٍ ولا من حلال
أترضى بأن يغتدي صائماً / وأنت جدير برؤيا الهلاك
ملأت المسامع مني صياحا
ملأت المسامع مني صياحا / أتنعى الدجى أم تحيي الصباحا
أم أنت نذير لمعتنقين / قد رفع الليل عنهم جناحا
خشيت غيور الحمى أن يرى / وصالهما فيثير الكفاحا
فناديت هبا فما في المنام / بلوغ مرامٍ لراجٍ فلاحا
نصحت ورعت فلا تستحق / هجاءاً ولا تستحق امتداحا